كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 325


للعباد * يا قوم إني أخافُ عليكم يوم التناد * يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد»( غافر / 30 ـ 33 ) يا قوم لا تقتلوا حسينا ،« فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى»(طه / 61 ) فقال ألإمام الحسين : يا ابن أسعد رحمك الله ، إنهم قد استوجبوا العذاب حيث ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك فكيف بهم ألآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين .
قال : صدقت جعلت فداك ، أنت أفقه مني وأحق بذلك ، أفلا نروح إلى ألآخرة ونلحق بأخواننا .
فقال ألإمام : «رح إلى خير من الدنيا وما فيها ، وإلى ملك لا يبلى».
فقال : السلام عليك أبا عبدالله ، صلى ألله عليك وعلى أهل بيتك ، وعرف بيننا وبينك في جنته ، فقال ألإمام : آمين آمين ، فتقدم حنظلة وقاتل حتى قتل».(1)

عمرو بن خالد الصيداوي:

قال عمرو بن خالد الصيداوي : يا أبا عبدالله جعلت فداك ، قد هممت أن ألحق بأصحابي ، وكرهت أن أتخلف وأراك وحيدا من أهلك قتيلا ، فقال له الحسين : «تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة، فتقدم فقاتل حتى قتل »(2).
أسلم بن عمرو مولى ألإمام الحسين :

غلام تركي ، كان قارئا للقرآن ، ومجيدا للغة العربية ، خرج فصال وجال

(1) تاريخ الطبري ج3 ص329، ومقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص24، والكامل لابن ألأثير ذكر إلى قوله «الصالحين»ج2 ص568 واللهوف ص47 وبحار ألأنوار ج45 ص23 والعوالم ج17 ص267، وأعيان الشيعة ج1 ص605 ووقعة الطف ص235 .
(2) مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص24 واللهوف ص47، ومثير ألأحزان ص64 وبحار ألأنوار ج45 ص23، والعوالم ج17 ص266 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 326


وتحاشاه القوم ، فتربصوا به وقتلوه ، فجاء الحسين ووضع خده على خده ففتح عينه ورآه فتبسم ، وفارق الحياة .(1)

شهد بدر وحنين وصفين وإستشهد في كربلاء :

عروة الغفاري صحابي جليل ،و شيخ كبير ، شهد بدرا وحنين وقاتل مع ألإمام علي في صفين ، استأذن ألإمام في الخروج للقتال فقال له ألإمام : «شكر ألله أفعالك يا شيخ»(2)وأذن له ، فقاتل الشيخ بين يدي ألإمام حتى قتل .

معرفة أصحاب ألإمام من غير أهله والذين قتلوا معه في كربلاء:

في الدراسة العلمية القيمة التي قام بها الشيخ محمد مهدي شمس الدين بعنوان «أنصار الحسين» تم تحديد وتعيين كافة أصحاب ألإمام الحسين من غير أهله ، الذين قتلوا معه في كربلاء ، ومن خلال مجموعة من الجداول مستقاة من كافة المراجع ، بين الشيخ في دراسته أسمائهم ، وساق كافة المعلومات التي وردت عنهم ، فمن أراد الوقوف على أسماء كل أولئك ألأبطال فعليه بذلك الكتاب ، وقد أوردنا من أسماء الشهداء ومواقفهم في هذه الدراسة ما رأينا أنه يفي بالغرض الذي توخيناه .

(1) مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص24 ، وبحار ألأنوار ج45 ص30 والعوالم ج17 ص273 وأعيان الشيعة ج1 ص607 .
(2) ينابيع المودة ص412 ، وأدب الحسين ص214 ، والموسوعة ص458 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 327


الفصل السادس
مصرع الحسين (عليه السلام) وأهل بيته


تمكن جيش بني أمية من قتل وإبادة أصحاب ألإمام الحسين إبادة تامة كما رأينا ، ومن قطعت يده أو رجله منهم وسقط بينهم ووقع أسيرا بأيديهم ذبحوه صبرا كما تذبح ألأضاحي وجزوا رأسه ، والجرم الذي ارتكبه أصحاب ألإمام أنهم بذلوا كل جهودهم للحيلولة بين جيش بني أمية ، وبين هدفه الرامي إلى قتل ألإمام الحسين بن فاطمة بنت محمد رسول الله ، وإلى إبادة آل محمد وأهل بيته وذوي قرباه.
أما وقد قتل أصحاب ألإمام الحسين عن بكرة أبيهم فإن الجيش ألأموي وجد نفسه وجها لوجه أمام ألإمام الحسين وأهل بيته الذين صمموا تصميما نهائيا على أن يخوضوا لجج المنايا ، جهادا في سبيل الله وإعلاء لكلمته وطمعا برضوانه .

علي ألأكبر أول البارزين للقتال :

كان أول البارزين للقتال من أهل بيت الحسين عليه السلام بعد مقتل أصحابه ابنه ألأكبر علي ، وكان له من العمر يومئذ سبع وعشرون سنة ، وكان من أكثر أهل البيت شبها برسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان شجاعا ، مهابا ، وجوادا معدودا في أسخياء العرب ، وكانت داره موئلا للضيوف وأصحاب الحاجات .
يقول الشاعر في مدحه :
لم تـر عين نظـرت مثله من محتف يمشي ومن ناعل


كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 328


يغلــي بنـيء اللحـم حتى إذا أُنضـج لم يغـل على الآكـل
كــان إذا شبـت لــه نـاره أوقـــدها بالشـرف القابـل
كيمــا يراهــا بائـس مرمل أو فــرد حي ليـس بالآهـل
لا يؤثــر الدنيــا على دينـه و لا يبيـع الحــق با لبـاطل
أعني «ابن ليلى»ذا الندى والسدى أعني ابن بنت الحسب الفـاضل

وبعد أن أذن له ألإمام بالخروج تقدم صوب العدو وهو يرتجز قائلا:
أنا علي بن الحسين بن علي نحن و بيـت ألله أولى بالنبـي
والله لا يحكم فينا ابن الدعي أضرب بالسيف أحامي عن أبي
ضرب غلام هاشمي علوي

ولما رآه ألإمام الحسين رفع شيبته نحو السماء وقال : «اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا برسولك محمد (ص) وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه اللهم امنعهم بركات ألأرض ، وفرقهم تفريقا ، ومزقهم تمزيقا ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترض الولاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا».
وصاح ألإمام الحسين بأعلى صوته : «يا عمر بن سعد مالك ؟ ! قطع ألله رحمك ، ولا بارك ألله لك في أمرك، وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ، ولمح ألإمام ابنه علي وهو يصول ويجول فرفع الحسين صوته بقوله تعالى :« إن اله أصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض وألله سميع عليم»(آل عمران / 33 ـ 34 ) .
ورجع علي بن الحسين إلى أبيه فقال : «يا أبت العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على ألأعداء ، فبكى ألإمام الحسين ، ثم قال : يا بني يعز على محمد ، وعلى علي ، وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك، يا بني هات لسانك فأخذ بلسانه فمصه، ودفع إليه خاتمه وقال : «خذ هذا الخاتم في فيك وارجع إلى قتال

كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 329


عدوك ، فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه ألأوفى شرية لا تظمأ بعدها أبدا».(1)
وقال أبو الفرج ألأصفهاني : «إن أول قتيل من ولد أبي طالب مع الحسين ابنه علي». وقال : لما برز علي بن الحسين إليهم أرخى الحسين عينيه وبكى ، وقال :«اللهم أنت الشهيد عليهم فقد برز إليهم غلام أشبه الخلق برسول الله ، فجعل يشد عليهم ثم يرجع إلى أبيه فيقول : يا أبه العطش ! فيقول له الحسين : اصبر حبيبي فإنك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله بكأسه ، وجعل يكر كرة بعد كرة حتى رمي بسهم في حلقه فمزقها ، وأقبل يتقلب في دمه ، ثم نادى ، يا أبتاه : عليك السلام هذا جدي رسول الله يقرئك السلام ويقول : عجل القدوم علينا ، ثم شهق ومات ».(2)
قال الطبري : «قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى إمرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل والثبور وتقول : وا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه ، فسألت عنها ، فقيل : هي زينب بنت علي وجاءت وانكبت عليه ، فجاء الحسين وأخذها بيدها إلى ألفسطاط وأقبل على فتيانه وقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه».(3)
قال أبو مخنف : ثم إنه وضع ولده في حجره وجعل يمسح الدم عن ثناياه وجعل يلثمه ويقول : «أما أنت فقد استرحت من هم الدنيا وغمها وشدائدها ،

(1) راجع الفتوح ج5 ص13، ومقتل الخوارزمي ج2 ص30، واعيان الشيعة ج1 ص607 وبحار ألأنوار ج45 ص42، والعوالم ج17 ص285 ومثير ألأحزان ص69، واللهوف ص49، والفتوح لابن أعثم ج5 ص131 والموسوعة ص 460 ـ 461 .
(2) مقاتل الطالبيين ص115 لابي الفرج ألأصفهاني وبحار ألأنوار ج5 ص45 وأعيان الشيعة ج1 ص907 والموسوعة ص462 .
(3) تاريخ الطبري ج3 ص331، والأرشاد ص239، وذريعة النجاة ص128، ومقتل الحسين لآبي مخنف ص129، ومقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص31، وبحار ألأنوار ج45 ص43، والعوالم ج17 ص285، ووقعة الطف ص241، والبداية والنهاية ج8 ص201، ومثير ألأحزان ص69 واللهوف ص49 ، وأعيان الشيعة ج1ص607 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 330


وصرت إلى روح وريحان ، وبقي أبوك ، وما أسرع اللحوق بك ».(1)
قال القندوزي : إن ألإمام قال : «لعن ألله قوما : قتلوك يا ولدي ، ما أشد جرأتهم على ألله ، وعلى انتهاك حرم رسول ألله(ص) . واهملت عيناه بالدموع وصرخت النساء فسكتهن ألإمام »(2)وقال : «اسكتن فإن البكاء أمامكن وفي رواية أخرى أن ألإمام لما رأى ولده الشهيد قال : «يا ثمرة فؤاداه يا قرة عيناه». (3)

القاسم بن الحسن :

وخرج من بعد علي ألأكبر ابن الحسين القاسم بن الحسن ، وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلما نظر إليه ألإمام الحسين ، اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غشي عليهما ، فاستأذن الغلام ، فأبى الحسين أن يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى أذن له ، فخرج الغلام ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :
إن تنكروني فأنا ابن الحسين سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا حسين كألأسير المرتهن بين أناس لا سقوا صوب المزن

وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالا شديدا وقتل خمسة وثلاثين رجلا .
قال حميد بن مسلم: «كنت في عسكر ابن سعد فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنه اليسرى ، فقال عمرو بن سعد ألأزدي : وألله لأشدن عليه ، فقلت : سبحان ألله ، وما تريد بذلك وألله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيه هؤلاء الذين إحتوشوه ، فقال : والله لأفعلن ، فشد عليه وضرب رأسه بالسيف ووقع الغلام لوجهه ونادى : يا عماه ! فجاء الحسين كألصقر المنقض ، فتخلل الصفوف ، وشد شدة الليث وضرب عمرا قاتله بالسيف فإتقاه بيده فقطعها من المرفق ، وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين ، فإستقبلته بصدورها ، وجرحته بحوافرها ، ووطأته حتى مات ، فإنجلت الغبرة وإذا بالحسين قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه فقال

(1) الدمعة الساكبة ج4 ص331 .
(2) ينابيع المودة ص415 .
(3) ناسخ التواريخ ج2 ص355 والموسوعة ص461 ـ 463 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 331


الحسين : عزّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك أو يجيبك فلا يعينك او يعينك فلا يغني عنك ، بُعدا لقوم قتلوك».(1)ثم احتمله حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته .
ثم رفع ألإمام يده إلى السماء وقال : «اللهم احصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم احدا ، ولا تغفر لهم أبدا ، صبرا يا بني عمومتي لا رأيتم بعد هذا اليوم أبدا»(2)

مقتل آل عقيل بن أبي طالب :

1ـ إستأذن عبدالله بن مسلم بن عقيل ألإمام ليخرج للقتال ، فقال له ألإمام : «أنت في حل من بيعتي ، حسبك قتل أبيك مسلم ، خذ بيد أمك ، واخرج من هذه المعركة»(3)فقال عبدالله : لست ممن يؤثر دنياه على آخرته ، وما زال بألإمام حتى أذن له ، فخرج وقاتل حتى قتل ، فلما نظر إليه ألإمام قال : اللهم اقتل قاتل آل عقيل».ثم قال : «احملوا عليهم بارك الله فيكم وبادروا إلى الجنة التي هي دار ألإيمان».(4)
2ـ وبرز جعفر بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتى قتل .(5)
3ـ وبرز عبدالرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتى قتل .(6)

(1) مقتل الحسين للخوارزمي ج2 ص27، وبحار ألأنوار ج45 ص35، والعوالم ج17 ص278 والدمعة الساكبة ج4 ص317 .
(2) مقاتل الطالبيين ص88 وتاريخ الطبري ج3 ص331 وألإرشاد ص239 والكامل لابن ألأثير ج2 ص570 والبداية والنهاية ج8 ص202 واللهوف ص50 ومثير ألأحزان ص69 وأعيان الشيعة ج1 ص608 .
(3) معالي السبطين ج1 ص402، وناسخ التواريخ ج2 ص317 والموسوعة ص469 .
(4) ينابيع المودة ص412 ومعالي السبطين ج1 ص403 والموسوعة ص469 .
(5) ذكره الطبري في تاريخه ، والمفيد في ألإرشاد ، وألأصفهاني في المقاتل ، والخوارزمي في مقتل الحسين . ( انظر في كتاب أنصار الحسين ص133 ) .
(6) ذكرهم الطبري ، والمفيد ، وألأصفهاني ، والخوارزمي ، والمسعودي (انظر : أنصار الحسين : ص130 ) .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 332



4ـ وبرز عبدالله بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتى قتل .(1)
5ـ وبرز محمد بن سعيد بن عقيل بن أبي طالب فقاتل حتى قتل .(2)

مقتل آل جعفر بن أبي طالب :

1ـ برز محمد بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل .(3)
2ـ وبرز عون بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب فقاتل حتى قتل .(4)

مقتل أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب :

1ـ برز أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، فقاتل حتى قتله عبدالله بن عقبة الغنوي أو عقبة الغنوي .(5) 2ـ وبرز القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقاتل حتى قتله عمرو بن سعد بن نفيل ألأزدي .(6) 3ـ وبرز عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقاتل حتى قتل ، وكان عمره إحدى عشرة سنة ، قتله حرملة بن كاهل ألأسدي .(7)

مصرع العباس بن علي وسائر إخوة الحسين عليه السلام :

استشهد في كربلاء خمسة من أخوة الحسين عليه السلام ، وهم : العباس ، وعبدالله ، وجعفر ، وعثمان ، و محمد ألأصغر .
وكان العباس أكبر هؤلاء ألأبرار الذين ضربوا أروع ألأمثال في

(1) المصدر نفسه .
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه .
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه .
(6) المصدر نفسه .
(7) المصدر نفسه .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 333


التضحية والفداء ، لا من منطلق صلة الرحم والقرابة القريبة التي تربطهم بأخيهم فحسب ، بل من منطلق نصرة الحق ومقاومة الطغيان والباطل في المقام ألأول ، وقد كان للعباس يومئذ من العمر أربعة وثلاثون سنة ، وكان ـ كما يقول صاحب مقاتل الطالبيين ـ رجلا وسيما يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في ألأرض ، وكان يقال له قمر بني هاشم . وكان لواء الحسين معه يوم قتل ، وكان آخر من قتل من إخوته لأمه وأبيه .(1)
وقد ضم ديوان بطولات العباس وموقفه الكريمة الشجاعة في واقعة كربلاء صفحات كثيرة مضيئة لكن أكثرها إضاءة وشهرة مواساته لأخيه الحسين بنفسه إذ أبى أن يذوق الماء ، وقد كان واقفا في لجته وكبده تتلظى من العطش ، لآن الحسين وعياله عطاشى لم يذوقوا قطرة منه منذ ايام .
وقد شهد له بهذه المواساة ألإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام حينما وقف على قبره وقال : «أشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك فنعم ألأخ المواسي».
كما شهد له بها ألإمام محمد بن الحسن المهدي عجل الله تعالى فرجه في الزيارة المعروفة عنه بزيارة الناحية : «السلام على أبي الفضل العباس المواسي أخاه بنفسه ، الآخذ لغده من أمسه ، الواقي له ، الساعي إليه بماءه ، المقطوعة يداه».
وقد روى أصحاب المقاتل في كيفية مصرعه : إنه لم يستطع صبرا على البقاء بعد استشهاد صحبه وأهل بيته ، وطلب ألإذن من الحسين عليه السلام ، فأمره الحسين عليه السلام أن يطلب الماء للأطفال ، فذهب إلى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع ، ثم رجع إلى أخيه يخبره ، فسمع ألأطفال يتصارخون من العطش ، فلم تتطامن نفسه على هذه الحال ، وثارت به الحمية الهاشمية وركب جواده وأخذ القربة ، فأحاط به أربعة آلاف مقاتل ورموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطردهم ، ونزل إلى الفرات مطمئنا ، ولما إغترف من الماء

(1) المصدر السابق ص84 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 334


ليشرب تذكر عطش الحسين ومن معه فرمى الماء وابى أن يشرب مواساةً لأخيه الحسين عليه السلام .
ثم ملأ القربة وركب جواده وتوجه نحو المخيم ، فقطع عليه الطريق وجعل يضرب حتى أكثر القتل فيهم وكشفهم عن الطريق ، فكمن له عدوّ من ألأعداء من وراء نخلة فضربه على يمينه فبراها ، فقال عندئذ :
والله إن قطعتموا يميني إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقيني نجل النبي الطاهر ألأمين

فلم يعبأ بيمينه بعد أن كان همه إيصال الماء إلى أطفال الحسين وعياله ، لكن حكيم بن طفيل كمن له من وراء نخلة ، فلما مرّ به ضربه على شماله فقطعها وتكاثروا عليه ، وأتته السهام كالمطر ، فأصاب القربة سهم وأُريق ماؤها ، وسهم أصاب صدره ، وضربه رجل بالعمود على رأسه ففلق هامته وسقط على ألأرض ينادي : «عليك مني السلام أبا عبدالله» ، فأتاه الحسين عليه السلام وقال عند مصرعه : «ألآن إنكسر ظهري وقلت حيلتي».
1ـ برز عبدالله بن علي بن أبي طالب فقاتل حتى قتله هاني بن الحضرمي .(1) 2ـ وبرز جعفر بن علي بن أبي طالب فقاتل حتى قتل وعمره 19 سنة وقتله نفس قاتل أخيه عبدالله .(2)
3ـ وبرز عثمان بن علي بن أبي طالب وكان عمره 21 عاما فقاتل حتى رماه خولي بن يزيد ألأصبحي بسهم فأضعفه ثم شد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله .(3)

(1) ذكره الطبري ، والمفيد وألأصفهاني والخوارزمي . ( انظر : أنصار الحسين ص13 ) .
(2) المصدر نفسه .
(3) المصدر نفسه .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 335



4ـ وبرز محمد «ألأصغر» بن علي بن أبي طالب وقاتل حتى قتله رجل من تميم من بني أبان بن دارم .(1)
5ـ العباس بن علي بن أبي طالب وهو حامل أللواء ، وأكبر إخوة ألإمام وسنفرد له بحثا .(3)

نداء مؤثر ومصرع طفل الحسين الرضيع !!!:

ولما فجع ألإمام الحسين بأهل بيته وولده ، ولم يبق غيره وغير النساء وألأطفال وغير ولده المريض ، أشرف على جيش بن أمية ونادى بأعلى صوته : «هل من ذا ب يذب عن حرم رسول الله ، هل من موحد يخاف ألله فينا ، هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا ، هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا ».سمع جيش الفرعون كله هذه ألإستغاثات وعلى أثرها إرتفعت أصوات ألأطفال بالعويل ، وكان جيش الخلافة يسمع ويرى كل شيء !! .
ثم بعد ذلك دعا إبنه عبدالله ( الرضيع ) ، فجعل يقبله وهو يقول : «ويل لهؤلاء القوم إذا كان جدك محمد المصطفى خصمهم »، وكان الصبي في حجر أبيه الحسين ، وكان جيش الخلافة وقادته يتفرجون ، فأراد أجدهم أن يثبت للجيش دقته بالرماية وهو حرملة بن كاهل ألأسدي فسدد سهما إلى رقبة الصبي فذبحه وهو في حجر أبيه الحسين ، فتلقى الحسين دمه حتى إمتلأت كفه ثم رمى به إلى السماء ثم قال : هوّن علي ما نزل بي أنه بعين ألله ، قال ألإمام محمد الباقر : «فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى ألأرض ».
قالوا ثم قال : «لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح ، أللهم إن كنت حبست عنا النصر فاجعل ذلك لما هو خير لنا».(3)
وقالوا إنه قال : «اجعل ذلك لما هو خير ، وانتقم لنا من هؤلاء

(1) المصدر نفسه.
(2) المصدر نفسه .
(3) بحار ألأنوار ج45 ص46، والعوالم ج17 ص288، واللهوف ص116 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 336


الظالمين ،(1)واجعل ما حل بنا في العاجل ذخيرة لنا في ألآجل ، اللهم أنت الشاهد على قوم قتلوا أشبه الناس برسولك محمد . . ».(2)

مصرع طفل مذعور ونموذج من أخلاق جيش بني أمية :

روى الطبري في تاريخه عن هانيء بن ثبيت الحضرمي ، قال : كنت ممن شهد قتل الحسين ، قال : فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس من رجل إلا على فرس وقد جالت الخيل وتضعضعت إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك ألأبنية عليه إزار وقميص وهو مذعور يتلفت يمينا وشمالا فكأني أنظر إلى درتين في أذنيه تذبذبان كلما إلتفت ، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف ، قال الراوي هانيء بن ثبيت : هذا هو الذي قطع الغلام بالسيف فلما عتب عليه كنى عن نفسه! » .

مقتل ألإمام الحسين

تقدم ألإمام الحسين نحو القوم مصلتا سيفه ، آيسا من الحياة ، ودعا جيش الخلافة إلى المبارزة ، فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل جمعا كثيرا ،(3) ثم حمل ألإمام على ميمنة القوم وهو يقول :
(4)
الموت أولى من ركوب العار والعـار أولى دخـول النار

ثم حمل على الميسرة وهو يقول :
(5)
أنا الحسين بن علي آليــت ألاّ أنثنــي
أحمي عيالات أبي أمضي على دين النبي

قال عبداله بن عمار بن يغوث : «ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده ، وأهل

(1) تاريخ الطبري ج3 ص331، والكامل لابن ألأثير ج2 ص570، ووقعة الطف ص245 وألإرشاد للمفيد ص240، ومثير ألأحزان ص70 .
(2) مقتل الحسين للمقرم ص343 ، وحياة الحسين ج3 ص276 والموسوعة ص476 .
(3) العوالم ص97 ومثير ألأحزان ص37 .
(4) في البيان والتبيين للجاحظ ج3 ص171 طبع تحت عنوان «كلام في ألأدب».
(5) المناقب لابن شهر آشوب ج2 ص223 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 337


بيته وصحبه أربط جأشا منه ، ولا أمضى جنانا ، ولا أجرأ مقدما ، ولقد كانت الرجال تنكشف بين يديه إذا شد فيها ولم يثبت له أحد».(1)
صاح عمر بن سعد بن أبي وقاص بجيشه قائلا : هذا «يعني الحسين» ابن ألأنزع البطين «يعني عليا»هذا ابن قتال العرب ، احملوا عليه من كل جانب فأتته أربعة آلف نبلة »،(2)وحال الرجال بينه وبين رحله.

صيحة الحسين :

فصاح ألإمام الحسين بجيش الخلافة قائلا : يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون!
فناداه شمر بن ذي الجوشن : ما تقول يا ابن فاطمة ؟، فأجابه ألإمام : أنا الذي أقاتلكم والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حيا ، فقال شمر بن ذي الجوشن : لك ذلك !.


إستمرار القتال ومحاولة لشرب الماء :

وقصد جيش الخلافة ألإمام ، وإشتد القتال ، الجيش «الإسلامي» كله يواجه رجلا واحدا وهو ابن بنت الرسول !! وقاتل ألإمام بقدرة خارقة وإشتد به العطش ، لأن جيش الفرعون منع عنه وعن أهل بيته وأصحابه الماء منذ قرابة اسبوع ، فحمل ألإمام من نحو نهر الفرات على عمرو بن الحجاج وكان في أربعة آلف فكشفهم من الماء ، ولغ الفرس ليشرب ، قال ألإمام : أنت عطشان وأنا عطشان ، فلا أشرب حتى تشرب أنت ، فرفع الفرس رأسه كأنه قد فهم كلام ألإمام ، ولما مد ألإمام يده ليشرب قال له رجل : أتلتذ بالماء وقد هتكت حرمك ؟ . فرمى الماء ولم يشرب وقصد الخيمة .(3)

(1) تاريخ الطبري ج6 ص259
(2) مناقب ابن شهر آشوب ج2 ص223 .
(3) البحار ج10 ص104 ومقتل العوالم ص98 ونفس المهموم ص188، والخصائص الحسينية =

السابق السابق الفهرس التالي التالي