كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 270


4ـ كتاب عبيدالله بن زياد لعمر بن سعد الذي يأمره فيه بما يلي : «أما بعد فحُل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة . . . ».(1) فهل يتجرأعبد تافه سليل عُبيد على مثل هذه ألأفعال والتصريحات ما لم يكن مفوضا بالفعل تفويضا كاملا من سيده يزيد بن معاوية ، !! لقدأطلق يزيد يد عبيدالله بن زياد في العراق وجعل منه طاغوتا مستكبرا ، يحكم حكما مطلقا ويسخر كل موارد العراق وطاقاته وإمكاناته لغاية قتل ألإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة !! وهذا أمر من الوضوح بحيث أنه لا يحتاج إلى إثبات .
5ـ ثم انظر إلى كتاب يزيد بن معاوية إلى واليه على المدينة فيه وبالحرف : بأخذ البيعة على أهل المدينة عامة وخاصة على الحسين . ويقول في الكتاب : «فإن أبى عليك فاضرب عنقه»(2)لقد صدر هذا المرسوم الملكي قبل أن يمتنع ألإمام الحسين عن البيعة وقبل أن يخرج ، وقبل أن يدلي بتصريحاته التي فضحت الخليفة ونظامه ، وقال الطبري إن يزيد قد كتب إلى واليه على المدينة : «أما بعد فخذ حسينا و . . . أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام »(3)فإذا كان يزيد بن معاوية يأمر بقتل الحسين إن امتنع عن البيعة ، وقبل أن يمتنع ، فمن باب أولى ان يأمر بقتله إذا امتنع بالفعل ، وخرج عليه بالفعل ، وخرج بما صرح به بالفعل !!! وإذا أمر بقتل ألإمام الحسين وهو عميد أهل بيت النبوة وآل محمد وذوي قرباه ، فأهون عليه ألأمر بقتل من سواه ممن هم دونه .
6ـ وبعد أن تمت المذبحة بالصورة المأساوية البشعة ، لم يوجه الخليفة

= وباختصار في الكامل لابن ألأثير ج2 ص552، وبحار ألأنوار ج44 ص38 ج17 ص 230 وألأخبار الطوال ص252، ويتابيع المودة للقندوري ج2 ص407 والموسوعة ص372 وما بعدها ومقتل الحسين للمقرم ص228 .
(1) برواية الطبري عن حميد بن مسلم ، راجع معالم المدرستين ج3 ص84 ، وتاريخ الطبري ج3 ص311 وألإرشاد ص228، والكامل لابن ألأثير ج2 ص552، وبحار ألأنوار ج44 ص389 والعوالم ج17 ص240 .
(2) مثير ألأحزان لابن نما ص 14 ـ 15، واللهوف في قتلى الطفوف ص9ـ 10 والفتوح لابن أعثم الكوفي ج5 ص10، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص 180 ـ 185 .
(3) تاريخ الطبري باب «خلافة يزيد بن معاوية »ج6 ص188 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 271


كلمة لوم واحدة لعبيدالله بن زياد ، بل عبر له عن كل شكر ومننه ، وسلمه ولاية كل العراق ، وكافأه بألف ألف درهم ، فبنى عبيدالله لنفسه قصرين بهذه ألأموال يشتي بأحدهما ، ويصيف بالآخر ، وعلا أمر هذا العبد وانتشر ذكره ، ومدحه الشعراء طمعا برضاه !! .(1)
7ـ بل وأبعد من ذلك فإن عبيدالله بن زياد صار صاحب السر وألامانة عند يزيد وصار نديمه ، وأعلن أمام أركان دولته قائلا لعبيدالله : «لقد وجبت محبتكم يا بني زياد على آل أبي سفيان»وترجم هذه المشاعر الحميمة شعرا عندما كان يشرب الخمر مع ابن العبيد عبيدالله بن زياد فقال :
اسقني شربة تروي عظامي ثم مل فأسق مثلها ابن زياد
صاحب السر وألأمانة عندي ولتسديـد مغنمي وجهـادي

ثم أمر مغنيه فغنوا به .(2)
قال السبط ابن الجوزي : «استدعى يزيد ابن زياد واليه وأعطاه أموالا كثيرة وتحفا عظيمة ، وقرّب مجلسه ، ورفع منزلته ، وأدخله على نسائه ، وسكر ليله وقال للمغني : غن ثم قال يزيد على البداهة : اسقني شربة تروي .(3)
8ـ وبعد أن انتهت المذبحة بالصورة الرهيبة التي نفذت بها ، وبعد أن قُطع رأس الحسين ورؤوس الشهداء ، ووضعت بين يدي يزيد كانت مشاعره بالزهو والسعادة وألإنتصار واضحة .
قال الطبري : لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد رأس الحسين وأهل بيته وأصحابه ، قال يزيد :
نفلق هاما من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق واظلما

فقال يحيى بن الحكم أخو مروان :
لهام بجنب الطف أدنى قرابة من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل


(1) راجع الفتوح لابن أعثم ج5 ص252 .
(2) راجع مروج الذهب للمسعودي ج3 ص67 .
(3) تذكرة خواص ألأمة للسبط ابن الجوزي ص164 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 272


سمية أمسى نسلها عدد الحصى وليس لآل المصطفى اليوم من نسل

فضرب يزيد في صدر يحيى وقال : أسكت .
وفي تاريخ الطبري قال يزيد لعلي بن الحسين : «أبوك الذي قطع رحمي ، وجهل حقي ، ونازعني سلطاني ، فصنع ألله به ما قد رأيت».(1)
ولما جاءت رؤوس الشهداء كان يزيد في منظرة على رُبى جيرون ، فأنشد لنفسه :
(2)
لمـا بـدت تلك الحمـول وأشرقت تلك الشموس على رُبا جيرون
نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح فلقد قضيت من الغريـم ديوني

9ـ ثم إن عاصمة دولة الخلافة قد تزينت وأظهرت مظاهر العيد وألإنتصار يوم علمت بمقتل ألإمام الحسين وأهل بيت النبوة ، ويوم قدمت رؤوس الشهداء من العراق إلى الشام ، كل ذلك بأوامر وتعليمات من الخليفة يزيد .

(1) راجع معالم المدرستين ج3 ص158 وتذكرة الخواص ص149 واللهوف ص 79 ومثير ألأحزان ص78 .
(2) تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ج2 ص148 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 273


الفصل الثاني
خطط الخليفة وعبيدالله بن زياد
لقتل ألإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة

لما تأكد الخليفة وعبيدالله بن زياد أن ألإمام الحسين وأهل بيت النبوة والقلة التي والتهم ساروا من مكة في طريقهم إلى العراق ، وضع الخليفة بالتشاور مع عبيدالله بن زياد مجموعة من الخطط العسكرية المتكاملة والتي قدروا أنها بالنتيجة ستؤدي إلى مقتل الحسين وإبادة أهل بيت النبوة والقلة التي والتهم ، وتعذيبهم قبل القتل ، والتمثيل بهم بعد القتل .

الخطة ألأولى :


1ـ قرر عبيدالله بن زياد إرسال ألف فارس من المعروفين بموالاتهم المطلقة للنظام ألأموي ، ويبدو أنهم بأكثريتهم من جيش الشام الذي دربه معاوية على الطاعة العمياء ، وجهله جهلا مطبقا بأمور الدين وأسند قيادة هذه القوة إلى فارس شهير وهو الحر بن يزيد الرياحي (1)ومهمة هذه القوة العسكرية أن تتحرك وأن تلاقي ألإمام الحسين قبل أن يصل إلى العراق ، وتراقب حركاته وسكناته ، وأن تمنعه من دخول الكوفة وتمنعه من الرجوع إلى المدينة ،(2)وبالفعل تحركت هذه القوة ووجدها ألإمام الحسين في منطقة بانتظاره ، وأينما تحرك ألإمام كانت تسايره وتتحرك قبالته في الجانب ألآخر من الطريق ، ورافقت هذه القوة ألإمام من

(1( راجع تاريخ الطبري ج3 ص305، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص229، والبداية والنهاية لابن كثير ج8 ص186، وبحار ألأنوار ج44 ص375، وأعيان الشيعة ج1 ص597، ووقعة الطف ص 167، وألأخبار الطوال ص 248، والفتوح لابن أعثم ج5 ص85، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص230، واللهوف ص 33 .
(2) ألإرشاد للمفيد ص225، وتاريخ الطبري ج3 ص306، والعوالم ج17 ص228، والموسوعة ص359 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 274


منطقة شراف حتى اوصلته إلى كربلاء ، وأجبرته على النزول فيها ومن مهمات هذه القوة أن تمنع أي واحد من أهل العراق من ألإنضمام إلى الحسين ، بحيث يبقى ألإمام وحده مع الذين جاءوا من الحجاز .(1)
وبقيت هذه القوة قبالة ألإمام الحسين وأهله وأصحابه كطليعة لجيش الفرعون ، حتى إذا تلاحقت فيلق الجيش «الإسلامي»اجتمعت على صعيد واحد ، اشتركت هذه القوة مع بقية الجيش ألإسلامي بقتال ألإمام وأهل بيت النبوة .

الخطة الثانية :

وكانت خطة يزيد وعبيدالله بن زياد أن يعذبوا ألإمام الحسين وأهل بيت النبوة ومن والاهم قبل أن يقتلوهم ، وأعظم عذاب هو أن يحرموهم من الماء ، وان يمنعوه عنهم وعن أطفالهم ونسائهم حتى يشرفوا على الموت من العطش ، عندئذ يسهل على جيش بني أمية أن يبطش بطشته الكبرى بابن النبي وأهل بيت النبوة ، وبالفعل كتب عبيدالله بن زياد كتابا إلى عمر بن سعد : «أما بعد فحل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة . . »وعلى الفور أرسل عمر بن سعد بن أبي وقاص قوة عسكرية قوامها خمسمائة فارس ، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين ألإمام الحسين وأهل بيت النبوة وأطفالهم ونسائهم وبين الماء وكانت تلك القوة بقيادة بطل «إسلامي»اسمه عمرو بن الحجاج ، وقد استماتت تلك القوة بالفعل للحيلولة بين ألإمام وصحبه وبين الماء ، ونفذت بمنتهى الدقة أمر القيادة العليا ،(2) ولقد خاض العباس بن علي ملحمة حقيقية حتى ملأ بعض

(1) تاريخ الطبري ج3 ص307 والكامل لابن ألأثير ج2 ص553، والبداية والنهاية لابن كثير ج8 ص187، وأعيان الشيعة ج1ص597 مع اختلاف واختصار في الثلاثة ألأخيرة ، ووقعة الطف ص173 والموسوعة ص362 .
(2) راجع تاريخ الطبري ج3 ص311، وألإرشاد ص228 والكامل لابن ألأثير ج2 ص556 وبحار ألأنوار ج44 ص389 والعوالم ج17 ص240، ودلائل ألإمامة ص78 والدمعة الساكبة ج4 ص344، وتاريخ الطبري ج3 ص313، واللهوف ص38 والعوالم ج17 ص239 ، وألأخبار الطوال ص255 ، ووقعة الطف ص191 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 275


القرب . ولقد ركز عبيدالله بن زياد تركيزا خاصا على هذه الناحية .

الخطة الثالثة :

خصص عبيدالله بن زياد خمسمائة فارس، وأعطى قيادتهم لزجر بن قيس الجعفي ومهمة هذه القوة أن تقيم بجسر الصراة، لمنع من يخرج من أهل الكوفة يريد الحسين، فمر ابن عامر بن أبي سلامة بن عبدالله بن عرار الدلاتي،فقال له زجر: قد عرفت حيث تريد فارجع، فحمل عليه وعلى أصحابه فهزمهم ومضى وليس أحد منهم يطمع في الدنو منه حتى وصل كربلاء وانضم إلى الحسين وقاتل معه حتى قتل بين يديه.(1)

الخطة الرابعة :

جمع ابن زياد الناس في جامع الكوفة ، فقال : «إنكم بلوتم آل أبي سفيان فوجدتموهم كما تحبون ، وهذا أمير المؤمنين يزيد قد عرفتموه ، حسن السيرة ، محمود الطريقة ، محسنا إلى الرعية ، يعطي العطاء في حقه ، . . . يكرم العباد ،ويغنيهم بالأموال وقد زادكم في أرزاقكم مائة مائة ، وأمرني أن أوفرها عليكم ، وأخرجكم إلى حرب عدوه الحسين ، فاسمعوا له وأطيعوا»، ونزل ووفر العطاء بالفعل ، وهكذا دخل سلاح المال المعركة ، وهو سلاح أجاد معاوية استعماله ، وورث هذه الإجادة يزيد ابنه . لقد عرف معاوية وابنه نقطة الضعف عند بعض النفوس الضعيفة ،فهذا يزيد يعطي عشرة آلاف ، فماذا يعطي الحسين !!! فلو أن الحسين أعطاهم عشرة آلاف ونصف درهم لباعوا يزيد ، وباعوا عبيدالله بن زياد بنصف الدرهم !! ولكن الإمام الحسين لا يتعامل مع المرتزقة ، ولا يتخذهم عضدا له ، ومن جهة أخرى فإنه لا يملك المال ولو ملك المال بالفعل لشعر أن هذه ألأموال للمسلمين وفيها حق الفقراء والمساكين وابن السبيل ، وانه ليس من حقه أن يخرج هذه ألأموال عن مصارفها الشرعية ، وأن يخصصها لتثبيت ملك !!! ولترفّع ألإمام عن فعل ذلك . لكن ألأمويين لا يعرفون هذه اللغة ، فكافة أموال

(1) ألإكليل للهمداني ج10 ص87 و 101 ومقتل الحسين للمقرم ص240 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 276


الدولة عندهم هي ملك للخليفة ، ومفاتيح خزائنها في يده ، ينفق منها ما يشاء لمن يشاء بغير حسيب ولا رقيب ، وهكذا فعل الفراعنة والجبابرة في ألأرض طوال التاريخ البشري .

الخطة الخامسة :

بعدما وفّر عبيدالله بن زياد العطاء وزاد مائة مائة أمر أهل الكوفة قائلا : «لا يبقين رجل من العرفاء ، والمناكب ، والتجار والسكان إلا خرج ، فعسكر معي ، وأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة»،(1)فقدم النخيلة في جمع من معه ، وبدأت الرعايا الذليلة بألإلتحاق في معسكر الهوان ، وطافت الخيل بالكوفة لتتأكد من خروج أهلها فوجد رجلا من همدان فقتلوه ، (2)ولم يبق بالكوفة محتلم إلا خرج إلى المعسكر بالنخيلة .

الخطة السادسة :

دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي ، ومحمد بن ألأشعث بن قيس ، والقعقاع بن سويد بن عبدالرحمن المنقري ، وأسماء بن خارج الفزاري وقال لهم : «طوفوا في الناس ، فمروهم بالطاعة وألإستقامة وخوّفوهم عواقب ألأمور والفتنة والمعصية ، وحثوهم على العسكرة ، فخرجوا وداروا بالكوفة ، وبعد ذلك لحقوا به إلا كثير بن شهاب ، فإنه كان مبالغا يدور بالكوفة ويأمر الناس «بالجماعة»ويحذرهم الفتنة ، ويخذل عن الحسين، قال البلاذري في «أنساب ألأشراف»: «وضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلا يجوز أحد من العسكر مخافة لأن يلحق بالحسين ، ورتب المسالح حولها وجعل على حرس الكوفة زجر بن قيس الجعفي».(3)

(1) راجع أنساب ألأشراف للبلاذري ح33 ، ترجمة ألإمام الحسين ومعالم المدرستين للعسكري ج3 ص 81 ـ 82 .
(2) راجع المرجع السابق .
(3) راجع معالم المدرستين للعسكري ج3 ص81 ـ 83 نقلا عن أنساب ألأشراف «المناظر جمع منظرة =
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 277



الخطة السابعة :

كان عمر بن سعد ٌقد تأمر على أربعة آلاف في مهمة تتعلق بخروج الديلم ، فلما كان من أمر الحسين ما كان ، طلب منه عبيدالله بن زياد ان يتوجه إلى الحسين :
1ـ بجيشه لأن قتال ألإمام الحسين أولى من قتال أهل الديلم الخارجين على الخليفة .
2ـ وسرح ابن زياد أيضا حصين بن تميم في أربعة آلاف ، وامره أن يلحق بعمر بن سعد .
3ـ ووجه حجار بن أبجر العجلي في ألف .
4ـ ووجه شبث بن ربعي في ألف أيضا .
5ـ ووجه يزيد بن يزيد بن رويم في ألف أو أقل .(1)
6ـ ومضاير بن رهينة المازني في ثلاثة آلاف .(2)
7ـ ونصر بن حرشة في ألفين وتكامل عند ابن سعد لست خلون من المحرم عشرون ألفا ، ولم يزل ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والخمسين غدوة وضحوة ونصف النهار وعشية من النخيلة يمد بهم عمر بن سعد حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا.
وروى ألإمام أبو عبدالله جعفر بن محمد الصادق أن الحسين دخل على أخيه الحسن في مرضه الذي استشهد فيه فلما رأى ما به بكى ، فقال له ألإمام

= القوم يصعدون إلى أعلى ألأماكن ينظرون ويراقبون ، والمسالح جمع مسلحة : قوم ذوو السلاح يحرسون ويراقبون».
(1) راجع معالم المدرستين للعسكري ج3 ص81 ـ 82 كما نقلها عن الطبري وراجع تاريخ الطبري ج6 ص 233 ـ 270 وتاريخ ابن ألأثير ص19 ـ 38 وابن كثير ج8 ص 172 ـ 198 وألأخبار الطوال للدينوري ص253 ـ 261 وأنساب ألأشراف للبلاذري ص176 ـ 227 وألإرشاد للمفيد ص 210 ـ 236 وأعلام الورى ص231 وما بعدها .
(2) اللهوف ومقتل الحسين للمقرم ص242 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 278


الحسن : «ما يبكيك يا أبا عبدالله ؟ فقال : أبكي لما صنع بك فقال الحسن : إن الذي أوتي إليّ سم أُقتل به ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، وقد ازدلفت إليك ثلاثون ألفا يدعون أنهم من أمة جدنا محمد ، وينتحلون دين ألإسلام ، فيجتمعون على قتلك ، وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحل ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار».(1
وكتب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد : «إني لم اجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال ، فانظر لا تمس ولا تصبح إلا وخبرك عندي غدوة وعشية «وكان يستحثه على الحرب لست خلون من محرم .

ألإمام الحسين وجها لوجه مع جيش دولة عظمى !!
:
كانت دولة الخلافة دولة عظمى بالفعل ، فقد هزمت الدولتين العظيمتين في زمانها : فارس في الشرق وروما في الغرب ، وحلت محلهما ، واستولت على كافة مكتسباتهما وكان مجتمع الخلافة مجتمعا عسكريا ، بمعنى أن ألإلتحاق بجيش الخلافة هو المهنة المألوفة لغالبية رعايا دولة الخلافة ، وهي مصدر رزق هذه الغالبية .
ومن المفارقات أن أهل العراق كانوا يمثلون الشرعية ألإلهية ويدافعون عنها ، وفي سبيل الدفاع عن هذه الشرعية دخلوا مع أهل الشام بحرب دموية مريرة ، وانتهت هذه الحرب بهزيمة الشرعية وبهزيمة اهل العراق وبانتصار القوة والواقع وبتتويج معاوية ملكا على المسلمين كثمرة طبيعية لأنتصار القوة وهزيمة الشرعية ، وعلى الرغم من الهزيمة الساحقة التي حلت بأهل العراق وقلبت كامل المعادلة ، إلا أن هذا البلد كان مصدر إزعاج دائم للخليفة ألأموي ، مما أضطره أن يختار عامل العراق دائما من المجرمين العتاة ، كأبن زياد ، وعبيدالله ، والحجاج . . ومما فرض على العراق وضع فرقة مسلجة كبيرة من جيش الشام

(1) أمالي الصدوق ص71 مجلس 30 ، وفي هامش تذكرة الخواص : إنهم مائة ألف ، راجع مقتل الحسين للمقرم ص242 ـ 243 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 279


تحت أمرة ذلك العامل الكاغية ليضمن السيطرة على بلاد العراق ، وليؤمن طاعة أهل العراق له ، وخضوعهم لحكمه ، وجيش الشام دربه معاوية على الطاعة العمياء وجهله بأمور الدين تجهيلا كاملا ، فصار جيشه لا يعرف من الدين إلا الخليفة وطاعة الخليفة !! فطاعة الخليفة هي طاعة الله وطاعة الرسول وإلتزام باحكام الدين ، ومعصية الخليفة هي معصية لله ومعصية للرسول وخروج عن أحكام الدين !!! وانتشرت هذه العقيدة العسكرية الغريبة في مجتمع دولة الخلافة وترسخت بانتصار معاوية وبانتصار جيش الشام .

ركب ألإمام في كربلاء :

كان في العراق فرقة كبيرة من جيش الشام وهذا معلوم بالضرورة ، وكانت العقيدة العسكرية التي رسخها معاوية هي المسيطرة ، وبلوغها كان هدفا لعشاق العسكرية ، ومنتسبي جيش الخلافة ، واستطاع عبيدالله بن زياد بدعم الخليفة وتأييده أن يضع كافة طاقات وإمكانات دولة الخلافة تحت تصرفه لإنجاز المهمة الخطيرة الموكولة والمتمثلة بقتل ألإمام وإبادة أهل بيت النبوة إبادة تامة للقضاء على خطرهم الدائم الذي يحدق بالملك ألأموي . وفي هذا السياق ، استطاع عبيدالله أن يجند كل القادرين على حمل السلاح من العراقيين وأن يحشرهم مع فرقة جيش الشام الموجودة في العراق فجمع جيشا قوامه ثلاثون ألف مقاتل تدعمه طاقات وإمكانات وموارد دولة الخلافة ، ومشرب بكل علوم وفنون وعقائد عسكرية الخلافة ومهمة هذا الجيش محصورة بنقطة واحدة «قتل ألإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة»، وليجعل الخليفة وأركان دولته لهذا الجيش مصلحة في تلك الحرب القذرة أعطى كل فرد من أفراد هذا الجيش مائة مائة !!! وهذا مبلغ ضخم في المقاييس الإقتصادية لذلك العصر ، ومقابل هذا المبلغ لا يجد أي عنصر من عناصر ذلك الجيش غضاضة ولا حرج لوقتل النبي نفسه !!! ثم إن هنالك فوائد مؤكدة ، أخرى حيث ستتاح الفرصة لهذا الجيش بنهب رحل ألإمام الحسين وأهل بيته !! وذلك الجيش قد تعود أن ينهب المهزوم ، وان يأكل المغلوب كائنا من كان ولو كان النبي نفسه ، ووفق المعتقدات التي غرسها معاوية

كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 280


في ذلك الجيش فلا مانع لدى أي فرد من أفراده بأن يقدم على جثة أي قتيل فينزع عنه ثوبه الملطخ بالدم ويحمله كغنيمة ليغسله في ما بعد ويلبسه أو يبيعه فينتفع بثمنه !!! وقد حدث هذا بالفعل وقد يهبط الجندي إلى أدنى المستويات فيأخذ «حذاء المقتول» «نعله» قال ابو مخنف : «وسلب الحسين ما كان عليه ، فأخذ سراويله بحر بن كعب ، وأخذ قيس بن ألشعث قطيفته ، وأخذ نغليه رجل من بني أود يقال له ألأسود، وأخذ سيفه رجل من بني نهشل بن دارم»، وقال أبو مخنف : «وجاء الناس على الورس والحلل وألإبل فانتهبوها».(1)
جاء أحد عسكر الخليفة إلى فاطمة بنت الحسين فانتزع خلخالها وهو يبكي ! فقالت له : ما لك ؟ فقال : كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول ألله ؟ قالت له : دعني ! قال الجندي : أخاف أن يأخذه غيري !! .(2)
هذه طبيعة دين فرعون المسلمين وجنوده ، وتلك عقيدتهم العسكرية ، وهذه هي أخلاق «الجيش ألإسلامي» الذي واجه ألإمام الحسين وحاربه في كربلاء.
. . . ولأجل قتل ألإمام الحسين ، وإبادة أهل بيت النبوة ، جمع عبيدالله ثلاثين ألف مقاتل وسيرهم إلى كربلاء ، بعد أن عين عمر بن سعد بن أبي وقاص قائدا لهذا الجيش ، وعين شمر بن ذي الجوشن مساعدا له ، ووصل «الجيش الإسلامي» إلى كربلاء ، وعلى رمالها ألقى عصاه !! وإتخذ مواضعه القتالية ، ورفعوا درجة إستعدادهم إلى الدرجة القصوى ، وانتظروا بفارغ الصبر أوامر دولة الخلافة ليبدأوا القتال ، وينفذوا المهمة القذرة .

(1) راجع معالم المدرستين ج3 ص136 ، وراجع الكامل لابن ألأثير ج4 ص52 «انتهبوا ما في الخيام» وتاريخ الطبري ج6 ص160 ومثير ألأحزان ص40 .
(2) راجع سير أعلام النبلاء للذهبي ج3 ص204 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 281


الفصل الثالث
ألإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة


ألإحاطة التامة :

أحاط «الجيش ألإسلامي» بمعسكر ألإمام الحسين إحاطة تامة ، وأشرفوا عليه إشرافا كاملا ، فما من حركة يتحركها ألإمام أو أحد في معسكره إلا ويشاهدها جيش الخلافة كله بوضوح تام ، وما من كلمة يتلفظ بها ألإمام أو أحد من معسكره إلا ويسمعها جيش الخلافة !!! إنها حالة من ألإحاطة التامة !! وكمثال على ذلك نسوق بعض ما رواه الطبري في تاريخه :
أقبل زجر بن قيس احد قادة جيش الخليفة البارزين في كربلاء حتى دخل على يزيد بن معاوية ، فقال له يزيد : ويحك ما وراءك وكا عندك ؟ فقال زجر : «أبشر با أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته ، وستين من شيعته ، فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أتينا على آخرهم . . . ».(1)
وما يعنينا من هذه الرواية هو شهادة هذا القائد أمام الخليفة بأن جيش الخلافة قد أحاط بمعسكر ألإمام الحسين من كل ناحية ، ويؤيد هذه الشهادة أن ألإمام الحسين قد قال لأصحابه : «قوموا فاحفروا لنا حفرة حول عسكرنا هذا شبه الخندق ، واججوا فيه النار حتى يكون قتال القوم من وجه واحد ».(2)واسّر الحسين لأهل بيته ولأصحابه بان يقرب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلوا ألأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلوا القوم من وجه واحد

(1) راجع تاريخ الطبري ج6 ص459 ـ 460 .
(2) راجع الفتوح لابن أعثم ج5 ص107 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص248 والموسوعة ص393 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 282


والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وشمائلهم . . . ».(1)

الوضع ألأمثل لإقامة الحجة قبل بدء القتال :

إنه وإن كان ذلك الوضع من الناحية العسكرية كارثة محققة على ألإمام الحسين وأهل بيت النبوة ومن والاهم وأقام في معسكرهم ، إلا أنه من ناحية ثانية هو الوضع ألأمثل لإقامة الحجة على القوم قبل القتال ، فإذا تكلم ألإمام الحسين بذلك الوضع ، فإن بإمكان جيش الخلافة كله أن يسمع كلامه ، فالجيش يحيط به من كل جانب ، ولا يبعدون عنه إلا بضع عشرات من ألأمتار ، فكأن ألله سبحانه وتعالى قد جمعهم على هذه الصورة ليمكن ألإمام الحسين من إقامة الحجة عليهم تمهيدا لإنزال العذاب بهم .
فلو لم يخرج ألإمام الحسين ويصل إلى كربلاء لحلف الذين أجرموا من أهل العراق لله وبالله أنه لو جاءهم ألإمام الحسين لنصروه ، فالله سبحانه وتعالى يعلم انهم لكاذبون ، ولكن وفق مقتضيات العدل ألإلهي يجب ان يقع الفعل ويجب ان تقوم الحجة حتى تحق كلمة العذاب على الذين أجرموا .
وها هو يزيد ، وعبيدالله بن زياد ، وأركان دولة الخلافة يحشرون جيش العراق ، وأهل الكوفة عن بكرة أبيهم وفيلقا من فيالق جيش الشام ودون أن يدروا ليتمكن ألإمام الحسين من إقامة الحجة عليهم وليشهدوا على أنفسهم من حيث لا يشعرون !!!.

إقامة الحجة على أهل الكوفة خاصة :

لأن أهل الكوفة هم الذين كتبوا له ، وأرسلوا له الرسل ، وبايع مسلم بن عقيل منهم ثمانية عشر ألفا ، لأنه بناءً على هذا كله توجه ألإمام الحسين إلى العراق ، فقد ركز ألإمام تركيزا خاصا على إقامة الحجة كاملة على أهل الكوفة ، فهم يعرفون ألإمام ، ويعرفون كراماته ، وقربه من النبي ، وعظيم مكانته ، ويعرفون

(1) راجع تاريخ الطبري ج3 ص217 ، وألإرشاد ص232 والكامل في التاريخ لابن ألأثير ج2 ص560 ، والعوالم ج17 ص246 ، ووقعة الطف ص201 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي