كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 228


ثم قال : هذه واعية بواعية عثمان بن عفان ، هذا ما رواه الطبري في تاريخه عن عوانة بن الحكم .
وقال أبو الفرج ألأصفهاني في «ألأغاني» : «بعد خروج الحسين أمر عمرو بن سعيد بن العاص صاحب شرطته على المدينة ، أن يهدم دور بني هاشم ففعل وبلغ منهم كل مبلغ».(1)
لست أدري كيف نوفق بين أفعال عمرو بن سعيد وحقده وبين إشاعة إعطائه ألأمان للإمام الحسين ، ورفض ألإمام لهذا ألأمان ؟ !! إلا إذا اعتبرنا أن عمرو بن سعيد قد أعطى كتاب ألأمان كخدعة ليلقي القبض على ألإمام الحسين ، وعمرو هذا مؤهل لذلك ، وألإمام الحسين أهل لأن يكشف مثل هذه الخدع !! ثم إن يزيد بن معاوية وهو رأس الدولة وفرعونها يأمر واليه على المدينة بأن يأخذ البيعة من ألإمام الحسين وإن أبى أن يضرب عنقه !! فهل يملك عمرو بن سعيد أن يتجاهل أوامر الذي عينه أميرا وأن يعطي ألأمان للحسين !! يبدو ان أركان الخلافة لا يتقنون الكذب ، ثم أن أولاد عبدالله بن جعفر خرجوا مع ألإمام الحسين بمحض اختيارهم ومباركة أبيهم وعلمه واستشهدوا معه ، ويروي الطبري في تاريخه أنه لما بلغ عبدالله بن جعفر مقتل ابنيه مع الحسين دخل عليه بعض مواليه والناس يعزونه ، فقال : «هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين»فحذفه عبدالله بن جعفر بنعله ثم قال : «يا ابن اللخناء أ للحسين تقول هذا ، والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه ، والله إنه لما يسخي بنفسي عنهما ، ويهون علي المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسين له صابرين معه» ثم أقبل على جلسائه فقال : «الحمد لله عزّ عليّ بمصرع الحسين أن لا يكن آست حسينا يدي فقد آساه ولدي».
هذه طبيعة عبدالله بن جعفر ، وطبيعة محبته للإمام !! فهل يمكن لمثل هذا الرجل أن يقع في ألاعيب عمرو بن سعيد بن العاص وأن يغفل عن مكر يزيد وبني أمية ثانية : يبدو أن أركان دولة الخلافة لا يتقنون حتى صنع الكذب

(1) ألأغاني ج4 ص155 .

كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 229


وإحكامه ، فغايتهم إدانة الضحية ، ووضع أكاليل الغار على المجرم ، وتتويجه بالزور والبهتان فاتحا مع الماجدين !!! .

ألإمام الحسين في مكة والعراق في مخاض :

لأن العراق كان مركز الخلافة في عهد الإمام علي ، فقد صار محطة لمن هب ودب من الناس ، كان أهل العراق مع ألإمام علي ، وكان أهل الشام مع معاوية ، وانتهت الحرب عمليا بهزيمة معسكر ألإمام وانتصار معسكر معاوية ، ومع أن أهل العراق قد عجلوا بهزيمة معسكرهم ، وساعدوا معاوية طمعا بأمواله إلا أن معاوية عاملهم معاملة المهزومين ، وتصرف معهم تصرف الفاتح ، فقتل اخيارهم ، وأبقى شرارهم ، وهدم دورهم ، وأذلهم أيما إذلال ، وقارنوا بين حكم ألإمام وحكم معاوية ونظام ألإمام ونظام معاوية وولاة ألإمام وولاة معاوية ، وعرفوا الفروق النوعية بين الرجلين وبين النظامين ، فندموا ولات حين مندم ، وكان معاوية قد ملكهم بالفعل وملك أموالهم وذرياتهم وحكمهم حكما جبريا ، وأدركوا أنه لا يقوى أحد على معاوية إلا ألله ، وأنه لا خلاص منه إلا بانتهاء أجله !! فلما مات معاوية رقصت قلوب العراقيين فرحا ، ولكن على استحياء وبخفية لأن معاوية ألقى الرعب في قلوبهم ، فهم يخافونه بحياته ، وبموته يخافون صورته ، ويخافون شبحه ، ومع هذا لما هلك معاوية غالب العراقيون خوفهم وكتبوا إلى ألإمام الحسين مجموعة من الكتب .

كتب الشيعة :

اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فخطبهم قائلا : «إن معاوية قد هلك ، وإن حسينا قد تقبض على القوم ببيعته وقد خرج إلى مكة ، وانتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهل والفشل فلا تضروا الرجل من نفسه ، فقالوا : لا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ، قال : فاكتبوا إليه ، فكتبوا إليه الرسالة التالية :
بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من سليمان بن صرد ، والمسيب

كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 230


ابن نجبة ورفاعة بن شداد ، وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة سلام عليك . . . أما بعد : فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه ألأمة فابتزها وغصبها فيأها ، وتأمر عليها بغير رضى منها ، ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال ألله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كما بعدت ثمود ، إنه ليس علينا إمام ، فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق . . . وارسلوا الكتاب مع عبدالله بن سبع الهمداني ، وعبدالله بن وأل التميمي ، وبالفعل سلما الكتاب للإمام الحسين في العاشر من شهر رمضان ، وبعد يومين أرسلوا قيس بن مسهر الصيداوي ، وعبدالرحمن بن عبدالله بن الكدن ألأرحبي ، وعمارة بن عبيدة السلولي فحملوا معهم قرابة 150 صحيفة من ألرجل وألإثنين وألأربعة وبعد يومين آخرين ، أرسلوا هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي وكتبوا «أما بعد فحي هلا ، فإن الناس ينتظرونك ، ولا رأي لهم في غيرك ، فالعجل العجل وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث بن يزيد ، وعزرة بن قيس ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ومحمد بن عمر التميمي ، اما بعد :
«فقد أخضر الجنان ، وأينعت الثمار ، وطم الجمام ، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجندة».(1)
فجمع الحسين رسل أهل الكوفة ، وقال لهم : «إن رسول الله أمرني بأمر وأنا ماض له . . . ».(2)
وكتب رسالة إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين . . . إلى أن قال : «وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم . . . فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فقوموا مع ابن عمي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه . . . ».(3)

(1) وقعة الطف ص89 .
(2) الفتوح لإبن أعثم ج5 ص33 ومثير ألأحزان ص26 وأعيان الشيعة ج1 ص881 .
(3) الفتوح لإبن أعثم ج5 ص35 ومقتل الخوارزمي ج1 ص995 ، وراجع تاريخ الطبري ج3 ص278 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 231


وكتب ألإمام الحسين إلى رؤوس ألأخماس بالبصرة ، وإلى أشرافها : مالك ابن مسمع البكري ، والأحنف بن قيس ، والمنذر بن الجارود ، ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم ، وعمرو بن عبيدالله بن معمر كتابا جاء فيه :
«أما بعد فإن ألله اصطفى محمدا على خلقه وأكرمه بنبوته ، واختاره لرسالته ثم قبضه إليه . . وكنا أهله وأولياؤه وأوصياؤه وورثته وأحق الناس بمقامه ، فاستأثر علينا قومنا بذلك . . ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه . . وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب ألله وسنة نبيّه فإن السنة قد أميتت ، وإن البدعة قد أحييت ، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد ».(1)

النتـائـج :

أقبلت الشيعة على مسلم بن عقيل يبايعونه حتى أحصى ديوانه 18 ألفاً(2)وقيل : 25 ألفا وكتب مسلم بن عقيل إلى ألإمام : «أما بعد فإن الرائد لا يكذب أهله
1ـ وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا فعجل ألإقبال حين يأتيك كتابي ، فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، والسلام ».(3)
2ـ جمع يزيد بن مسعود بني تميم ، وبني حنظلة وبني سعد وقال لهم : «إن معاوية مات ، فأهون به وألله هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور وألإثم ، وتضعضعت أركان الظلم . . . ». إلى أن قال : «وقد قام ابنه يزيد شارب الخمور ، ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمر عليهم بغير رضى منهم ، قصر حلم ، وقلة علم ، ولا يعرف من الحق كوطىء قدمه ، فاقسم بالله

(1) راجع تاريخ الطبري ج3 ص280 ومثير ألأحزان ص27 ، وبحار ألأنوار ج44 ص340 وأعيان الشيعة ج1 ص590 ووقعة الطف ص107 والموسوعة .
(2) تاريخ الطبري ج6 ص199 وج6 ص211 وج6 ص224 وبحار ألأنوار ج10 ص185 .
(3) راجع تاريخ الطبري ج6 ص212 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 232


قسما مبرورا لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين ، وهذا الحسين بن علي ابن بنت رسول الله ، ذو الشرف ألأصيل والرأي ألأثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف ، وهو أولى بهذا ألأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته ، يعطف على الصغير ، ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية ، وإمام قومه ، وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكعوا في وهدة الباطل ، فقد كان صخر بن قيس انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم إلى ابن بنت رسول ألله ونصرته ، وكتب إلى إلى ألإمام الحسين كتابا جاء فيه :
«بسم ألله الرحمن الرحيم أما بعد : فقد وصل إلي كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ، ودعوتني له من ألأخذ بخطي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك وإن ألله لم يخل ألأرض قط من عامل عليها بخير أو دليل على سبيل نجاة ، وأنتم حجة ألله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها ، فاقدم سعدت باسعد طائر ، فقد ذلّت لك أعناق بني تميم ، وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وكظها ، وقد ذلت لك رقاب بني سعد ، وغسلت درن صدورهم ، بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع».(1)
فما قرأ ألإمام الحسين الكتاب سر سرورا عظيما وقال : «امنك الله يوم الخوف ، وأعزك وأرواك يوم العطش ».
اما المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب وبالرسول إلى عبيدالله بن زياد لأن المنذر خشي أن يكون الكتاب دسيسا من عبيدالله .

تصميم ألإمام الحسين على الخروج إلى العراق :

لما وصلت كتب أهل الكوفة مع رسلهم وكتاب يزيد بن مسعود من البصرة ، أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل لأخذ البيعة من القوم ، فلما جاءه كتاب مسلم صمم ألإمام على المسير إلى العراق ، لأنه كان قد وعد أهل العراق بالقدوم

(1) مثير ألأحزان ص13 ، واللهوف ص21 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 233


إليهم إن هم بايعوا رسوله مسلم بن عقيل ، وما الذي يمنع من مسيرته طالما أن أهل الكوفة قد أعطوه البيعة ، وطالما أن له طائفة كبيرة من ألأنصار والمؤيدين في البصرة ، فالكوفة والبصرة عمليا هما العراق في تلك ألأيام .
من مكة إلى العراق:


مكث ألإمام الحسين في مكة أربعة أشهر استطاع خلالها أن يبسط قضيته العادلة أمام الخاصة والعامة من سكان مكة ومن حولها ، وأن يقيم الحجة عليهم ، وشهد أهل مكة ومن حولها على أنفسهم من حيث لا يشعرون ، وخلال هذه الفترة إلتقى ألإمام الحسين مع زوار بيت ألله الحرام من معتمرين وحجاج ، فأحاطهم علما بواقعه وطموحاته الشرعية وحاجته منهم .
واستجاب ألإمام لمنطق ألأمور، فطاف وسعى، وأحل إحرامه وجعل حجه عمرة، لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه (1)وبعد ذلك جمع ألإمام أهل بيته وأصحابه وخطب فيهم قائلا: «الحمد لله ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلى الله على رسوله، خطّ الموت على ولدآدم مخط القلادة على جيد الفتاة، ما أولهني إلى أسلافي، اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات . . لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى ألله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفينا أجر الصابرين . . ».(2)
وبعد ذلك أمر أهله وأصحابه بالإستعداد للمسير إلى العراق حسب القراءة الموضوعية فإن ألإمام سيقدم على جند مجندة له ، وإن أكثرية أهل العراق معه ، وحسب هذا الظاهر فما كان ينبغي للإمام أن يكون بهذه الحالة من التشاؤم ، فهو يركز تركيزا عجيبا على فكرة الموت ، وحتمية الموت ، وانه قدر خط بالقلم ، ويبدي آلام حنينه وأشواقه إلى لقاء الخالدين من أسلافه ، بل وأبعد من ذلك فإنه

(1) مثير ألأحزان ص38 .
(2) مثير ألأحزان ص41 ، واللهوف ص26 ، وكشف الغمة ج2 ص29 ، وبحار ألأنوار ج44 ص366 والعوالم ج17 ص216 ، وأعيان الشيعة ج1 ص 593 والموسوعة ص328 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 234


يضع لقطة فنية امام مستمعيه فيصور نفسه مقتولا ، ويتصور الذئاب تتسابق إلى جثمانه الطاهر فتقطعه لتطعم صغارها والجياع من عائلتها ، ويتبرم ألإمام من الحياة ويخرج بقناعة ويقين ، إن الموت خير من الحياة ، !! فالإمام يتعامل مع خطين : خط الظاهر الذي يعرفه الناس كلهم ، ففي هذا الخط خطة من العناية والسعي ، وكأنه الخط الوحيد ، وخط الحقيقة والباطن ويمثل مآلات ألأمور ، ومنتهيات حركات المخلوقات ، إنه يرى بعين البصر ، والبصيرة ، وينبىء بوقوع الحوادث قبل وقوعها ، فتأتي الحادثات في ما بعد بالصورة والكيفية التي أخبر بها ألإمام !!! إنه يتحدث عن أمور لم تقع أو ستقع بعد سنين بالثقة واليقين الذي يتحدث به عن أمور وقعت قبل دقيقة !!! إنه بفضل الله ومنته سابق لحركة الموجودات ، ومحيط بمآلاتها تماما !! فبالوقت الذي كان فيه اصحابه سعداء برسل الكوفة وكتبها وبأخبار بني تميم وبني سعد وبني مرة في البصرة ، أثار مسألة الموت ، وصور أدق أمورها أمام سامعيه ، ثم عرض لقطة خاصة به ، وهو مقتول ، وجثته متروكة بالعراء ، وذئاب البرية تحوم حولها لتسد سغبها !!.
وما يعنينا بالدرجة ألأولى هنا أن ألإمام أصدر أوامره بالتأهب للمسير إلى العراق ، فتأهب أهل بيته وأصحابه ، وهموا بالمسير إلى العراق وكان ذلك يوم الثلاثاء ، الثامن من ذي الحجة ، فاعترضه رسل الوالي وتدافع الفريقان ، واضطربوا بالسياط ، وامتنع ألإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه عنهم امتناعا قويا ، ومضى وأصحابه سائرين إلى العراق وتقول روايات دولة الخلافة إن رسل الوالي نادوه : «يا حسين الا تتقي ألله ، تخرج من الجماعة ، وتفرق بين هذه ألأمة»!!!وتقول هذه الروايات نفسها : إن حسينا تأول قوله تعالى :« لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون »(1)(يونس / 41 ) ،فالرواية تصف جماعة الوالي بانهم رسل ، بالوقت الذي تؤكد فيه تدافع الفريقين وتضاربهم بالسياط ، وتؤكد امتناع ألإمام الحسين وأصحابه امتناعا قويا ، ولكن الرواية لا تبين لي عدد أولئك الرسل !!! وهل من صلاحية الرسل ان يمنعوا بالقوة تحرك من

(1) راجع تاريخ الطبري ج6 ص 217 ـ 218 وتاريخ ابن ألأثير ج8 ص166 ، وأنساب ألأشراف ص164 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 235


أرسلوا إليه !!! ثم أظهرت الرواية الرسل بصورة ( الحكماء ) المشفقين على الجماعة وألأمة ، وبالوقت نفسه الذي أظهرت فيه ألإمام بصورة الخارج على الجماعة ، والمفرق للأمة !!!

الخروج من مكة إلى العراق :


يبدو واضحا أن دولة الخلافة كانت تتابع بكل اهتمام كامل اجتماعات ، وتحركات وتصريحات ألإمام الحسين ، ويبدو واضحا أن تلك الدولة قد ضاقت ذرعا بالحسين واجتماعاته وتصريحاته ، وانها قد صممت نهائيا على الفتك به فتكا يجعله عبرة لمن يعتبر ، ولكنها تريده فتكا ، باقل التكاليف الممكنة ، ودون أن يكون له تأثير يذكر على أمنها ، وانقياد رعيتها ، ويبدو واضحا بأن أنباء تحركات وتصريحات ألإمام واجتماعته كانت تنقل إلى يزيد بن معاوية بصورة مستمرة ، وبالتالي فإن قرار الفتك بالإمام الحسين لا ينبغي عقلا أن يصدر إلا من أعلى مرجع في الدولة وهو الخليفة ، فألإمام الحسين ليس من عامة الناس ، انما هو العالم في زمانه ، فهو معروف أكثر من الخليفة يزيد ، واكثر من معاوية والد يزيد ، ثم إن آل معاوية ليسوا مجرد جماعة من الناس بل هم جزء بارز من الدين ، ومعلوم بالضرورة لكل مسلم ومسلمة ، وليس من المستبعد ان يزيد قد فكر بردة فعل هائلة من المسلمين في حالة الفتك بالإمام الحسين وأهل بيته ، لذلك ركزت وسائل إعلام الدولة لإظهار ألإمام الحسين وأهل بيته بمظهر الخارجين على الجماعة والشاقين لعصا الطاعة ، والمفرقين لوحدة ألأمة كما رأينا قبل قليل ، مثلما ركزت وسائل الإعلام على سعة صدر الخليفة وأركان دولته وتحملهم لعدوانية الحسين وأهل بيته ، وبذلهم كلما وسعهم من حلم ونصيحة ولكن الحسين ماض قدما بأعماله التي تشكل جرائم بحق ألأمة وبحق الدين قبل أن تشكل جريمة بحق الخليفة الذي يمثل ألأمة والدين معا !!! ويبدو واضحا أن الجماهير الغارقة بالهوان والذل ، وقعت ضحية لهذا ألإعلام المضلل الفاسد ، وأن الخليفة قد أمن ردة فعل المسلمين في ما لو أراد قتل ألإمام الحسين ، وإبادة أهل بيت النبوة إبادة كاملة ، ومن هنا وبعد أن أصدر يزيد مرسوما ملكيا عيّن بموجبه قريبه الموتور عمرو بن

كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 236


سعيد بن العاص أميرا على الحاج ، وولاه أمر موسم الحج ، وأمره بان يفتك بالإمام الحسين أينما وجد (1)ولأن ألإمام الحسين يكره كراهية مطلقة أن تستباح به حرمة البيت (2)فقد طاف وسعى وأحل من إحرامه وجعل حجه عمرة ، لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة أن يقبض عليه ، وأن يضطر لمواجهة يزيد وأتباعه وقتالهم بمنطقة الحرم ، ثم إن كتاب مسلم بن عقيل دق وصل إليه يدعوه للقدوم ، وهو مكلف حسب تسلسل ألأحداث ومنطق الظاهر أن يذهب إلى العراق ، ومن هنا أصدر أوامره بالتأهب للرحيل ، وخطب في أهل بيته وأصحابه قبل بدء المسير ، ثم نجح بالتخلص من عسكر عمرو بن سعيد بن العاص كما أسلفنا .(3)

من مكة إلىكربلاء :


في الثامن من ذي الحجة عام 60 للهجرة تحرك ركب ألإمام من مكة متوجها إلى العراق فوصل إلى كربلاء باليوم الثاني من شهر محرم ، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ان طلائع جيش بني أمية كانت تتربص به في منطقة شراف ، وأنها أعاقت حركته خلال مسيرته من شراف إلى كربلاء ، وإذا أخذنا بعين ألإعتبار وسائل النقل ، ووجود نساء وأطفال في ركب الحسين ، فإن المدة التي استغرقتها رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء تكاد أن تكون فريدة ، خاصة وأن ألإمام الحسين قد حرص على إقامة الحجة ، وتوضيح أهدافه لكل من وجده في طريقه إلى العراق .

(1) المنتخب ص 3 و 4 ، ومقتل المقرم .
(2) مثير ألأحزان ص28 .
(3) راجع تاريخ الطبري ج6 ص217 ـ 218 وتاريخ ابن ألأثير ج8 ص166 وأنساب ألأشراف ص164 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 237


الفصل الخامس

محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء

خرج ألإمام الحسين من مكة قاصدا العراق ، والكوفة بالذات ، إلا أنه لم يتمكن من دخول الكوفة إنما وصل إلى كربلاء ، وحصر فيها حتى تمت المذبحة ، وخلال رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء توقف ألإمام الحسين في عدة أماكن «محطات»ما للراحة ، أو للتزود بالماء ، أو للقيام بواجب إقامة الحجة ، أو لأستقطاب ألأعوان ، وقد توقف ألإمام في ثلاث عشرة محطة ، كان خلالها حر الحركة والتوقف لا يخشى إلا الدرك من خلفه ، وفي المحطة الثالثة عشر وجد بانتظاره طليعة الجيش ألأموي ، فسايرته تلك الطليعة ، وما زالت تماشيه حتى لا يحيد حتى حصرته في منطقة كربلاء ، حيث حطت رحاله ، وسفكت دماؤه ، وسنستعرض سريعا المحطات التي توقف عندها ركب ألإمام ، ونبرز التصريحات التي أدلى بها ألإمام ، وبعد ذلك سنستعرض المحطات التي توقف عندها ألإمام أثناء مسايرة طليعة جيش الفرعون له .

المحطات الستة عشر :

ألأولى : ألتنعيم
عندما خرج ألإمام الحسين من مكة مرّ بمنطقة التنعيم (1)وفي تلك المنطقة وجد ألإمام بالصدفة عيرا تحمل حللا مرسلة من والي اليمن إلى يزيد بن معاوية ، فقال ألإمام لأصحاب ألإبل : «من أحب منكم أن ينصرف معنا إلى العراق وفيناه كراءه ، وأحسنا صحبته ، ومن أحب المفارقة أعطيناه من الكراءعلى ما قطع من

(1) منطقة تقع على بعد فرسخين من مكة ، راجع معجم البلدان ج2 ص446 وسميّت بالتنعيم لوجود جبل على يمينها يسمى نعيم ، وآخر من شماله أسمه ناعم ، ومرور وادي بقربها يسمى نعمان .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 238


ألأرض ، ففارقه بعضهم ومضى معه من أحب صحبته».(1)
الثانية : الصفاح
وسار ألإمام من منطقة التنعيم حتى انتهى إلى منطقة الصفاح (2)وفي هذه النطقة لقي ألإمام الحسين الفرزدق الشاعر المعروف ، فسأله عن خبر الناس ، فقال الفرزدق : «قلوبهم معك ، والسيوف مع بني أمية ، والقضاء ينزل من السماء ، فقال ألإمام : صدقت ، لله ألأمر ، وألله يفعل ما يشاء ، وكل يوم ربنا في شأن ، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد ألله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجال ، فلم يعتد من كان الحق نيته ، والتقوى سريرته ، وسأله الفرزدق عن نذور ومناسك ، وافترقا».(3)
الثالثة : ذات عِرق
اندفع ألإمام من الصفاح ولم يتوقف إلا عند ذات عرق (4)فلقي فيها بشر بن غالب ألأسدي ، وسأله عن أهل الكوفة ، فقال له بشر : «السيوف مع بني أمية والقلوب معك ، فقال ألإمام : صدقت».(5)
وسُئل ألإمام : «ما أنزلك في هذه ألأرض القفراء والتي ليس فيها ريف ولا متعة ؟ فأجاب ألإمام :إن هؤلاء أخافوني ، وهذه كتب أهل الكوفة ، وهم قاتلي ، فإن فعلوا ذلك ولم يدعوا لله محرما إلا انتهكوه بعث الله إليهم من يقتلهم حتى يكونوا أذل من فرام ألأمة».

(1) راجع تاريخ الطبري ج6 ص218 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص220 والبداية والنهاية لابن ألأثير ج8 ص166 ، ومثير ألأحزان ص21 ، وألإرشاد للشيخ المفيد ، وراجع مقتل الحسين للمقرم ص202 .
(2) الصفاح في معجم البلدان : مكان بين حنين ، وأنصاب الحرم على يسار الداخل إلى مكة .
(3) راجع تاريخ الطبري ج6 ص218 ، وابن ألأثير ج4 ص16 ، والإرشاد للمفيد ص201 وابن كثير ج8 ص168 ، وأنساب ألأشراف ص 165 ـ 166، وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص338 إن ألإمام التقى الفرزدق في ذات عرق .
(4) بين ذات عرق ومكة مرحلتان وذات عرق هي ميقات أهل المشرق ، البحر الرائق لأبن نجيم ج2 ص317 .
(5) البداية والنهاية لابن ألأثير ج8 ص169 ومقتل الحسين للمقرم ص205 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 239


وقال ألأسدي : يا ابن رسول الله اخبرني عن قوله تعالى :« يوم ندعوا كل أناس بإمامهم»(ألإسراء / 71)، فقال ألإمام الحسين : يا أخا بني أسد هم إمامان،إمام هدى دعا إلى الهدى ، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة ، فهدى من أجابه إلى الجنه ، ومن أجابه إلى الضلالة دخل النار».(1)
وفي رواية الصدوق بإسناده إلى أبي عبدالله قال : «وإمام دعا إلى هدى فأجابوه إليه ، وإمام ضلالة دعا إلى ضلالة ، فهدى من أجابه إلى النار وهو قوله عز وجل : «فريق في الجنة وفريق في السعير »( الشورى /7 ).(2)
الرابعة : الحاجز
سار ألإمام من ذات عرق حتى وصل إلى الحاجز ،(3)وفي الحاجز كتب ألإمام رسالة إلى أهل الكوفة موجهة من الحسين إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين في الكوفة جوابا على كتاب مسلم بن عقيل وجاء فيه : «أما بعد فقد ورد كتاب مسلم بن عقيل يخبرني باجتماعكم على نصرنا والطلب بحقنا ، فسألت الله أن يحسن لنا الصنع ، ويثيبكم على ذلك أعظم ألأجر ، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية ، فإذا قدم عليكم رسولي ، فاكمشوا أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في أيامي هذه»(4)ثم طوى الكتاب وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي وفي الطريق لقيه الحصين بن تميم فأرسله إلى عبيدالله بن زياد ،فقال له عبيدالله : إصعد إلى القصر ، وسب الكذاب ابن الكذاب ، يعني ألإمام الحسين ، فصعد رسول الحسين ثم قال : «ايها الناس إن هذا الحسين بن علي خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله وأنا رسوله إليكم ، وقد فارقته بالحاجز ، فأجيبوه ، ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ، واستغفر لعلي بن

(1) الفتوح لابن أعثم ج5 ص77 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص221 ، ومثير ألأحزان ص42 ، واللهوف ص30 ، وبحار ألأنوار ج44 ص367 ، والعوالم ج17 ص217 .
(2) راجع أمالي الصدوق ص131 والموسوعة ص338 .
(3) مكان على طريق أهل العراق لمكة ، وهو منزل لأهل البصرة إن أرادوا المدينة وفيه يجتمع أهل الكوفة وأهل البصرة ، راجع معجم البلدان ج4 ص290 و ج2 ص269 وتاج العروس .
(4) ألأخبار الطوال للدينوري ص245 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 240


أبي طالب، فأمر عبيدالله أن يرمى به من فوق القصر ، ورمى بالفعل وتقطع ومات (1)ولكن بعد أن بلّغ رسالة الحسين ، وأقام الحجة على الناس هنالك.
الخامسة : ماء من مياه العرب
تحرك ألإمام الحسين من الحاجز متابعا سيره نحو الكوفة ، وانتهى به المسير إلى ماء من مياه العرب ، وتتحدث الروايات بان عبدالله بن المطيع كان هناك ، وانه قد فوجىء برؤية ألإمام الحسين ، فقام إليه وقال له : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أقدمك ؟ واحتمله فأنزله ، فقال له ألإمام : «كان من موت معاوية ما بلغك ، وكتب إلي أهل العراق يدعونني إلى أنفسهم ، فيقول ابن مطيع : أذكرك الله يا ابن رسول الله ، وحرمة ألإسلام أن تنتهك ، أنشدك الله في حرمة قريش ، انشدك الله في حرمة العرب ، فوالله لئن طلبت ما في أيدي بني أمية ليقتلونك ، ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك أحدا أبدا ، والله إنها لحرمة ألإسلام تنتهك ، وحرمة قريش ، وحرمة العرب ، فلا تفعل ولا تأت الكوفة ، ولا تعرض نفسك لبني أمية ، وتنتهي الرواية بالجملة التقليدية التي إعتاد الطبري وابن ألأثير على ترديدها : «فأبى الحسين إلا أن يمضي».(2)
انظر بربك إلى حوار بشير بن غالب ألسدي مع ألإمام ، وأنظر إلى العدوي كيف يعتبر ألإمام الحسين حرمة الإسلام ، وحرمة قريش ، وحرمة العرب ، ومع إنه موقن بأن هذه الحرمات ستنتهك ، ومع هذا يكتفي بوعظ ألإمام الحسين وإرشاده !!! وعلى ألإمام الحسين أن يسمع توجيهاته !!!.
روى الفرزدق أنه بعدما تحدث مع ألإمام الحسين قال : ثم مضيت فإذا بفسطاط مضروب في الحرم وهيبته حسنة فأتيته فإذا هو لعبدالله بن عمرو بن

(1) تاريخ الطبري ج3 ص301، والإرشاد للمفيد ص220 ، ومثير ألأحزان ص42 والبداية والنهاية لابن ألأثير ج8 ص181، وبحار ألأنوار ج44 ص369 ، والعوالم ج17 ص219 ، وينابيع المودة ص409 ، ووقعة الطف ص159 ، وألأخبار الطوال ص145 .
(2) راجع تاريخ الطبري ج3 ص 301 ، والإرشاد للمفيد ص221 ، وبحار ألأنوار ج44 ص370 ، والعوالم ج17 ص221، وأعيان الشيعة ج1 ص594 ، ووقعة الطف ص160،وألأخبار الطوال ص 246 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 241


العاص ، فسالني فأخبرته بلقاء الحسين بن علي ، فقال لي : ويلك فخلا اتبعته ، فوالله سيملكن ولا تجوز السلاح فيه ولا في أصحابه ، قال : فهممت والله أن ألحق به ، ووقع في قلبي مقاله ، ثم ذكرت ألأنبياء ، وقتلهم فصدني ذلك عن اللحاق بهم».(1)
أنت تلاحظ ان الثلاثة قد أقاموا الحجة على أنفسهم ، وشهدوا عليها من حيث لا يشعرون !! وعبدالله بن المطيع العدوي كان في ما بعد رأس قريش يوم الحرة وأمره الزبير على الكوفة ، ثم قتل معه سنة 73 ، وقد روى أحاديث أخرجها البخاري ومسلم (2)لست أدري كيف كان خروج ابن الزبير صحيحا ومناسبا وخروج ألإمام الحسين غير مناسب !! ولا كيف نصر ألأول وخذل الثاني ، مع أن ألإمام أولى بالنصر! أنت تلاحظ أن خاصة القوم وعلمتهم يعرفون الحق ، ويعرفون أن ألإمام على حق ، ومع هذا يخذلونه مع سبق ألإصرار ويشهدون على أنفسهم بهذا الخذلان ، مكتفين بإلقاء المواعظ على ألإمام .
السادسة : الخزيمية
سار ألإمام الحسين حتى وصل إلى الخزيمية (3)فأقام فيها يوما وليلة وفي صباح تلك الليلة جاءته أخته زينب وقالت له : سمعت البارحة هاتفا يقول :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد ومن يبكي على الشهداء بعدي
على قـوم تسوقهم المنايا بمقـدار إلى إنجـاز وعـدي

فقال لها ألإمام :«يا أختاه المقضي هو كائن»وفي بعض المراجع : «كل الذي قضى فهو كائن».(4)
السابعة : زرود
مشى ألإمام الحسين من الخزيمية قاصدا الثعلبية ، فمر في طريقه

(1) راجع تاريخ الطبري ج6 ص 218 ـ 219 .
(2) راجع تقريب التهذيب ج1 ص452 ز
(3) نسبة إلى خزيمة بن خازم تقع بعد زرود للذاهب من الكوفة إلى مكة .
(4) الفتوح لابن أعثم ج5 ص87 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص225 وبحار ألأنوار ج44 ص372 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي