كربلاء الثورة والمأساة 186




كربلاء الثورة والمأساة 187


الفصل الثالث
ألإمام الحسين يشخّص أمراض ألأمة المزمنة

تحديد أمراض ألأمة :

من تتبع تصريحات ألإمام الحسين ، والوقوف على حقيقة تلك التصريحات ، يتبين أن ألإمام الحسين شخّص أخطر ألأمراض التي ابتليت بها ألأمة وحصرها في ثلاثة :
1- الخروج على الشرعية الإلهية .
2- نظام الخلافة بصورته الراهنة .
3- ألإدمان على حب الحياة وكراهية الموت .
وقدّر ألإمام أن يقينه المميز وشهادته الفريدة ستشفي ألأمة من أمراضها ، أو على ألأقل ستعطيها مناخ الشفاء ، أو تصدمها صدمة عنيفة تستفيق من نومها المذل العميق .
1- الخروج من الشرعية ألإلهية :


لقد قدّر ألإمام أن أول مرض أنشب أظافره في ألأمة هو الخروج على الشرعية ألإلهية ، والشرعية ألإلهية ، تتكون من ثقلين أحدهما كتاب ألله المنزل وثانيهما نبي ألله المرسل ، وهما متكاملان لا يُغني أحدهما عن ألآخر فلو قال أحدهما إنه يؤمن بالقرآن الكريم ، ولكنه لا يؤمن برسوله الكريم ، ولا بولايته ، أو إدّعى أنه القرآن وحده يكفي المسلمين ، فهو ليس مؤمنا ، ولا متمسكا بالشرعية ألإلهية ، إنما هو خارج منها من أوسع ألأبواب ، وداخل التيه تماما . فهذا الثنائي القرآن والنبي هما عصمة الشرعية ألإلهية وملاذها خلال عهد النبوة ، ولأن النبي بشر ، وآخر الرسل وخاتم النبيين ، ولأن دينه هو الدين الذي إرتضاه ألله نهائيا

كربلاء الثورة والمأساة 188


لعباده ، فقد أمر ألله تعالى نبيّه أن يعلن للناس ، أن نظام الثقلين مستمر إلى يوم الدين ، فخلال حياة النبوة يشكل القرآن ثقلا ويشكل النبي الثقل ألآخر ، وبعد موت النبي يبقى القرآن هو الثقل ألأكبر ، ويكلف أهل بيت النبوة بأن يكونوا الثقل ألأصغر القائم مقام النبي ، بالولاية والقيادة والمرجعية إلى يوم الدين ، وقد بيّن الرسول أن ألله تعالى هو الذي اختار الثقلين وحددهما ، وما رسول ألله إلا عبدٌ يؤمر فيطيع ، ويوحى إليه فيتّبع ، وأنه سبحانه وتعالى كما أهّل النبي وأعدّه ، أهّل بيت النبوة وأعدّهم ، فهم ألأمناء على سنة الرسول بفروعها الثلاثة ، وهم ألذين يعرفون النص الشرعي في كل مسألة من المسائل معرفة قائمة على الجزم واليقين ، وهم ألأعلم وألأفهم وألأصلح في كل زمان ، وحديث الثقلين من أصح ألآثار وقد وثقناه في الفصول السابقة ، ويبدو واضحا بالضرورة أن المقصود بأهل بيت النبوة كثقل هو عميدهم وإمامهم المؤهّل إليها بدليل قول الرسول لعلي : أنت الولي من بعدي ، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثم ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثم أبني الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم .(1)
والخلاصة : إن النبي الكريم قد اكّد بأن الشرعية ألإلهية لا تتحقق في حياته إلا بالتمسك بالثقلين : القرآن والنبي معا ، وبعد حياته لن تتحقق إلا بالتمسك بالثقلين ، بالقرآن وبأهل بيت النبوة ، وجزم بأن الهدى لا يدرك إلا بألإثنين معا، والضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالإثنين معا فمن تمسك بالقرآن ، وترك أهل بيت النبوة ، أو إدعى أنه متمسك بأهل بيت النبوة وترك القرآن ، أو تمسك بالقرآن ورفض ولاية وقيادة أهل بيت النبوة وفضّل عليها ولاية أو قيادة أخرى فهو خارج من إطار الشرعية ألإلهية . والنصوص الشرعية التي وصلت إلينا بالرغم من محلات التبديل والتعليل والتحريف والتجهيل كافية للجزم بألإحكام الشرعي لهذه الناحية ، وأبرز النصوص : آية التطهير ، وآية المودة في القربى ، وآية المباهلة ، وألأمر بالصلاة على النبي بالصيغة التي بيّنها النبي ، بالإضافة إلى حديث الثقلين الذي لا يختلف عليه وبه عاقلان مسلمان .

(1) راجع كتابنا الوجيز في ألإمامة والولاية تجد فيه تغطية كاملة لهذا الموضوع .
ديوان السيد حيدر الحلي ـ القسم الحسيني 189


ومع سبق ألترصد وألإصرا خرجت ألأكثرية الساحقة من ألأمة ألإسلامية من الشرعية ألإلهية بمفهومها ألآنف حتى والرسول على قيد الحياة ، فعندما أراد الرسول أثناء مرضه أن يكتب توجيهاته النهائية ليجنب ألأمة العاصفة التي تنتظر موته ، قالت زعامة بطون قريش للنبي وجها لوجه ، وفي منزله أنت تهجر ، ما باله إنه هجر ، استفهموه إنه يهجر ، ولسنا بحاجة لكتابك ولا لتوجيهاتك النهائية ، لأن القرآن عندنا وهو يكفينا !!!(1)هذا الكلام الخطير أخرج زعامة بطون قريش الـ 23 من إطار الشرعية والمشروعية ألإلهية تماما وأدخلها في التيه ، وبعد ساعة واحدة من وفاة النبي تمكنت زعامة بطون قريش التي واجهت النبي وقالت له ما قالت من ألأستيلاء على منصب الخلافة بالقهر والغلبة وكثرة ألأتباع ، وكانت أول مشاريع تلك الزعامة منصبّة على تحجيم أهل بيت النبوة وإذلالهم واجبارهم على ألإعتراف سياسيا بألأمر الواقع المناقض تماما للشرعية ألإلهية ، ففي اليوم الذي مات فيه النبي جهزت زعامة البطون التي استولت على منصب الخلافة بالقوة حملة عسكرية مهمتها إجبار أهل بيت النبوة على الخروج والمبايعة والإعتراف بألأمر الواقع وإن أبوا ذلك فعلى قادة الحملة وعناصرها أن يحرقوا بيت أهل بيت محمد على من فيه ، وفيه فاطمة بنت النبي ، وعلي الولي الشرعي وابن عم النبي وطفلاه الحسن والحسين حفيدا النبي !!! وشرعت الحملة العسكرية بالفعل بإحراق البيت على من فيه(2)، إذ خلال اسبوع واحد من وفاة الرسول حرموا أهل بيت النبوة من ميراث الرسول وتركته (3)، وصادروا المنح التي أعطاها الرسول

(1) هذه واقعة ثابتة رواها البخاري ومسلم وابن حنبل وقد ذكرنا المراجع ووثقناها ، وحللناها في كتابنا نظرية عدالة الصحابة ص287 وما بعد وفي كتابنا المواجهة ، فارجع إليهما .
(2) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج34 ص64 ، وأبو الفداء ج1 ص156، وأنساب ألأشراف ج1 ص586، وكنز العمال ج3 ص140، والرياض النضرة ص167 وكتاب السقيفة برواية ابن أبي الحديد ج1 ص132 ج6 ص2 ، وتاريخ الخميس ج1 ص178 وتاريخ ابن شحنة ص113 بهامش الكامل ، ومروج الذهب ج2 ص100 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص105 .
(3) راجع صحيح الترمذي ج7 ص111باب « ما جاء في باب تركة الرسول » ومسند أحمد ج1 ص10 ح60 وسنن الترمذي ج7 ص109 وطبقات ابن سعد ج5 ص77 وتاريخ ابن ألأثير ج5 ص286 وكنز العمال ج5 ص365 والطبقات ج2 ص315 .
كربلاء الثورة والمأساة 190


لأهل بيته خلال حياته (1)وحرموا ذوي قربى النبي من السهم المخصص لهم بآية محكمة (2)وهكذا تمكنت دولة البطون من تحطيم أحد ركني الشرعية ألإلهية تحطيما كاملا ، وزيادة في ألإحتياط وحتى لا يحتج أهل بيت النبوة بأحاديث الرسول ، وحتى لا تكتشف ألأجيال اللاحقة جريمة زعامة البطون ، ومسؤوليتها عن تدمير الشرعية ألإلهية ، منعت هذه الزعامة كتابة ورواية أحاديث الرسول (3)وأحرقت المكتوب منها (4)وشككت بكل ما تعارض مع مصالحها من أحاديث الرسول (5)وكيف تعجز عن فعل هذا وهي التي واجهت النبي شخصيا وقالت له : أنت تهجر وحسبنا كتاب ألله (6)بهذه ألأحداث والوقائع ألأليمة تحطمت الشرعية ألإلهية تحطما كاملا ، ولم يعد لها عمليا إلا ثقل واحد ولم يبق للشرعية غير ألإسم والذين حطموها هم الذين قبضوا على مقاليد ألأمور ، وسخّروا موارد الدولة وكل إمكانياتها لإثبات صحة ما ذهبوا إليه ، وماعملوه ، ولإقناع الناس بأنه لا توجد شرعية إلا شرعية ما فعلوه .
2ـ نظام الخلافة أو الخليفة الحاكم بأمره :


عمليا كان الخليفة من غلب أو عهد إليه الخليفة الغالب . تلك حقيقة لا

(1) راجع فتوح البلدان للبلاذري ج2 ص34ـ35 .
(2) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص347 وكنز العمال ج5 ص367 وشرح نهج البلاغة ج4 ص81 نقلا عن الجوهري .
(3) راجع تذكرة الحفاظ للذهبي ج1 ص2ـ3 .
(4) راجع طبقات ابن سعد ج5 ص140 بترجمة محمد بن أبي بكر .
(5) راجع سنن أبي داود ج2 ص126، وسنن الدارمي ج1 ص125 ومسند أحمد ج2 ص162 و207 و216، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج1 ص105 و 106 وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج1 ص85 .
(6) راجع صحيح البخاري ج7 ص9، وج4 ص31، وج1 ص37،وج5 ص137 ، وج2 ص132، وج4 ص 65-66 ، وصحيح مسلم ج2 ص16 وج5 ص75 وج11 ص94ـ95 بشرح النووي ومسند أحمد ج1 ص955 وتاريخ الطبري ج2 ص193 وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص62 وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص21 لتعرف من هم زعامة بطون قريش وراجع كتابنا الموجهة ص 260 وما بعدها وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص287 وما بعدها .
كربلاء الثورة والمأساة 191


يجادل بها إلا جاهل . هذا الخليفة الغالب أو الذي عهد إليه غالب ، صار يتمتع بكافة الصلاحيات الهائلة بوصفه إسميا على ألأقل ( خليفة رسول ألله ) ولمّا رست أجرانه في ألأرض ، وانقادت إليه الرعية ، صارت كل أموال الدولة تحت تصرفه ومفاتيحها بيديه وبيد أوليائه ، ينفقون منها ما يشاؤون لمن يشاؤون ويدخّرون منها ما يشاؤون بلا حسيب ولا رقيب فهي بمثابة مال خاص للخليفة ولا رقابة عليه إلا من ضميره !! وكل نفوذ الدولة وجاهها بقبضة يديه وكل القوة العسكرية تحت تصرفه ، وكل أقاليم الدولة عمليا ملكه الخاص ، هذه ألإمكانيات والطاقات الهائلة والصلاحيات الفضفاضة جعلت من الخليفة وأركان دولته الذين يوالونه ويشاطرونه أطره وقناعاته أو يتظاهرون بذلك قوة رهيبة ليس مثلها على وجه ألأرض قوة ، ولأن الخليفة إسميا هو ( خليفة رسول ألله ) فقد تسلّحت تلك القوة بالدين ولبست لبوسه ، وسخّرت تلك القوة الرهيبة كامل إمكانيات دولة الخلافة للمحافظة على تفرّدها بمنصب الخلافة ، وعلى نظام الخلافة نفسه .
فصار الولاء للخليفة ونظامه وأعوانه ، أو التظاهر بهذا الولاء ، وصار تمجيد أفعال الخليفة والقبول بها أو التظاهر بذلك هو ألأساس لعز الفرد ، وهو الطريق لمكانة الفرد في المجتمع ، وهو ألأسلوب ألأنجع ليحصل الفرد على نصيب من مال الخليفة أو نفوذه ، أو جاهه وليتجنب كارثة الإصطدام بقوته الرهيبة .
فالخليفة يقدم عطاء ً شهريا لأفراد الرعية ، ويستعمل عمالا لأقاليمه وكوره ، وقادة لجيشه ، وموظفين لإدارته ، وجنودا لأمنه وفتوحاته والدخول بهذه المجالات متاح لكل الذين يوالونه ويوالون نظامه ، ويقبلون بما يفعل ، أو يتظاهرون بذلك والخليفة يكتفي بالتظاهر فإذا ثبت للخليفة أو لأركان دولته أن هذا أو ذاك لا يواليه ، ولا يوالي نظامه ولا يقبل بافعاله ، فالعقوبة ألآلية هي الحرمان من العطاء والرزق الشهري وإغلاق مؤسسات الدولة بوجهه فلا مكان له لا بالجيش ولا بالإدارة ، ووضعه في قائمة أعداء الخليفة أو قائمة من يحب ويوالي أعداء الخليفة !! وتلك جرينة من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها الموت في قوانين دولة الخلافة!! ولكنها مسربلة بغطاء ديني فيقتله الخليفة باعتباره شاقا لعصا الطاعة ، أو خارجا على الجماعة ، أو مفَرِ ِقا لوحدة ألأمة بعد ألإجتماع ، كما فعل

كربلاء الثورة والمأساة 192


معاوية مع حجر بن عدي ورفاقه ، فقد قتلهم معاوية صبرا بتهمة عدم موالاتهم له ، وموالاته لعدو أمير المؤمنين معاوية وعدو ألإسلام أبي تراب علي بن أبي طالب !!!(1)وقد أوجد الخليفة له بطانة من علماء السوء مهمتهم أن يبرروا أفعال الخليفة وتصرفاته ، وأن يختلقوا على رسول ألله ألأحاديث التي تبرر طاعة الخليفة ، وتنفر الرعية من معصية الخليفة أو عدم القبول بافعاله المرذولة ، وتعددت مزاعمهم بهذا المجال ، فقالوا : إن رسول ألله قد قال : «سيكون من بعدي أئمة خلفاء لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس» وعندما سأل الراوي ، كيف أصنع يا رسول ألله إن أدركت ذلك ؟ فقال له الرسول : «تسمع وتطيع للأمير وإن ضُرب ظهرك ، وأُخذ مالك فاسمع وأطع» (2). وسخرت دولة الخلافة كل مواردها الضخمة وإعلامها العجيب لتعميم مثل هذه ألأحاديث على الرعية ، واقناع الرعية بصحة صدورها عن رسول ألله ، وأدخلتها دولة الخلافة في مناهجها التربوية والتعليمية ، وأشربتها لكل أفراد الرعية فصارت بحكم العادة والتكرار وتبني دولة الخلافة ، تيارا غلابا ، وقناعة مطلقة ترثها جموع ألأكثرية كما ترث المتاع ، وترسلها إرسال المسلمات التي لا تحتاج إعادة نظر .
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم باب « لزوم طاعة ألأمراء في غير معصية » قال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين : « لا ينعزل الخليفة بالفسق ، والظلم ، وتعطيل الحدود ، وتضييق الحقوق ، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه . . . .ثم قال : أما الخروج عليهم فحرام بإجماع المسلمين ، وإن كانوا فسقة ظالمين » .(3)

(1) راجع تاريخ الطبري ج6 ص157 والكامل لابن ألأثير ج4 ص209 وتاريخ ابن كثير ج8 ص130 ومحاضرات الراغب ج2 ص214 .
(2) راجع صحيح مسلم ج6 ص20ـ22 باب «ألأمر بلزوم الجماعة» ، وأنت تلاحظ أن هذا الحديث مفصل ، ليتسع لجرائم رجال قلوبهم قلوب الشياطين . . . كمسلم بن عقبة ، وبسر بن أرطأة ، وابن زياد ، والحجاج وأمثالهم من جنود الفرعون .
(3) راجع صحيح مسلم بشرح النووي ج12 ص229 وسنن البهيقي ج8 ص158ـ 159 .
كربلاء الثورة والمأساة 193



قال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني ما ملخصه : «قال الجمهور من أهل الإثبات وأصحاب الحديث : لا ينخلع ألإمام ( الخليفة ) بفسقه ، وظلمه بغصب ألأموال ، وضرب ألأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق ، ونعطيل الحدود ، ولا يجوز الخروج عليه » (1)هذا نموذج من القناعات الخاطئة التي رسخها إعلام دولة الخلافة، وأرساها المنهج التربوي والتعليمي الذي فرضته دولة الخلافة بالنفوذ والقوة على رعاياها . . . لقد نجحت وسائل إعلام دولة الخلافة باقناع ألأكثرية الساحقة من المسلمين على أن محبة الخليفة وطاعته عبادة بل من أفضل العبادات والقربات التي يتقرب بها المسلم إلى ألله ، وأنه في سبيل هذه الطاعة يحل كل جرم مهما كانت بشاعته . كان شمر بن ذي الجوشن يقعد حتى يصبح ثم يصلي الصبح ، ويقول في دعائه : أللهم إغفر لي !! فقيل له : كيف يغفر لك وقد خرجت إلى ابن بنت الرسول فأعنت على قتله ؟ ، فقال : ويحك فكيف نصنع أن أمراءنا هؤلاء امرونا فلم نخالفهم ، ولو خالفناهم كنّا شراً من هذه الحمر ؟!!!
وكان كعب بن جابر ممن حضر قتال ألإمام الحسين في كربلاء يقول في مناجاته : «يا رب إنا قد وفينا فلا تجعلنا يا رب كمن غدر»(2).
فشمر الذي اعان على قتل الإمام الحسين ، وكعب بن جابر الذي قاتل ألإمام الحسين يعتقدإن طاعة الخليفة واجب مفروض حتى لو أمر بقتل ابن النبي وأهل بيته !! ودنا عمر بن الحجاج يوم عاشوراء من أصحاب الحسين ونادى : «يا أهل الكوفة إلزموا طاعتكم وجماعتكم ، ولا ترتابوا في قتل من مرق من الدين وخالف ألإمام » ،(3)فمن خالف الخليفة فهو مجرم كائنا من كان ، وقتله واجب على الرعية قبل أن يكون واجبا على الخليفة ،!!!
لقد حاولت وسائل إعلام الدولة أن تجعل من الخليفة خليفة لله ، وليس

(1) راجع كتاب التمهيد لأبي بكر الباقلاني باب « ما يوجب خلع ألإمام » طبعة القاهرة 1366 هـ.
(2) راجع تاريخ ألإسلام للذهبي ج3 ص18ـ19 وكتابنا الخطط السياسية ص119 .
(3) المرجع السابق .
كربلاء الثورة وألمأساة 194


خليفة لرسوله ، لأن خلافة الله أليق بجناب الخليفة من خلافة الرسول !! فقد كتب مروان بن محمد وكان واليا على أرمينيا إلى الوليد بن يزيد بن عبدالملك المشهور بفسقه ، والذي همّ بأن يمارس اللواط مع أخيه ، والذي همّ بأن يشرب الخمر على ظهر الكعبة ، كتب له مروان يبارك له بخلافة الله على العباد (1)ولما قيل عنه في مجلس الخليفة العباسي المهدي إنه كان زنديقا ، قال الخليفة العباسي : «خلافة ألله عنده أجلّ من أن يجعلها في زنديق » (2)وخطب الحجاج يوما بالحج فقال : «إسمعوا وأطيعوا لخليفة ألله وصفيه عبدالملك بن مروان» .(3)
واشتط إعلام دولة الخلافة شططا آخر ، فحاول أن يقنع المسلمين بأن الخليفة أعظم من النبي !! قال الحجاج في خطبة له : «رسول أحدكم في حاجته أكرم علي ، أم خليفته على أهله ؟!»(4)
وروي أنه كتب لعبدالملك يعظم أمر الخلافة، فزعم أن السماوات وألأرض ما قامتا إلا بالخلافة ، وان الخليفة عند ألله أفضل من الملائكة المقربين وألأنبياء المرسلين !! ..الخ.(5)
وكان يعتبر من يتبع الخليفة مؤمنا ، ومن يعارض الخليفة كافرا!!(6)فنحن أمام حملة منظمة تدعمها دولة الخلافة بكل طاقاتها ومواردها لقلب كل الحقائق وتزويرها ، لإظهار عدو ألله بصورة ولي ألله ، وإظهار ولي ألله بصورة الشيطان الرجيم !! إنها حملة منظمة لتزوير وتحريف كل شيء في ألإسلام يقوون على تحريفه !! وكان لهذه الحملة المجنونة ضحاياها من الغافلين السذج .

(1) راجع تاريخ ابن كثير ج10 ص4 .
(2) راجع تاريخ ابن كثير ج10 ص7 و 8 .
(3) راجع سنن أبي داودج4 ص210 الحديث4645 باب «في الخلفاء» .
(4) راجع سنن أبي داود ج4 ص209 الحديث 4642 ، والمسعودي في مروجه ج3 ص147 والعقد الفريد لابن عبد ربه ج5 ص52 .
(5) راجع العقد الفريدج5 ص51 .
(6) راجع سنن أبي داود ج4 ص209 والعقد الفريد ج5 ص51 وكتابنا الخطط السياسية ص121 .
كربلاء الثورة والمأساة 195


3 ـ ألإدمان على حب الحياة مع الذل وكراهية الموت :


لم يغتصب الخليفة منصب الخلافة بالقوة والقهر فحسب ، إنما إغتصب أيضا كافة موارد الدولة وأموالها واعتبرها بمثابة خزانة مالية خاصة به ، واغتصب أيضا إمكانيات الدولة وامتيازاتها وطاقاتها الهائلة ، وسخر كل ذلك لتثبيت ملكه وتوطيد سلطانه . فالخليفة المتغلب يستعمل عمالا لأقاليم دولته وكورها ، وقادة وجنودا لجيشه المخصص عمليا لحفظ ألأمن الداخلي لدولته وتحقيق المجد الشخصي له من فتوحاته ، ويستعمل موظفين لإدارته ، وبالوقت نفسه يقدم عطاء ورزقا شهريا لأفراد رعيته ، ورواتب لمستخدميه . وهي صلاحيات كانت تقوم بها دولة الرسول ألأعظم ، تحت رقابة النبي المعصوم عن الوقوع في الزلل أو الإنحراف وراء هوى ، فكان المواطن المسلم أو المتظاهر بالإسلام يأخذ عطاءه ورزقه من دون منة ولا شروط ، وكان الرسول يضع الرجل المناسب بالمكان المناسب عندما يستعمله ومن دون خلفيات أو أفكار مسبقة ، فمعايير النبي بالتعيين في الوظائف العامة مبنية على القوة وألأمانة ، فحيث ما وجد صاحب القوة وألأمانة إستعمله ، بمعنى أن النبي كان يعطي الناس بالسوية من مال ألله (مال الدولة ) لتشابه الحاجات ألأساسية عند بني البشر ، وكان يستعمل القوي ألأمين القادر على تحقيق الغاية الشرعية من إستعماله ، وفي التوزيع وألإستعمال كان النبي يستند على معايير موضوعية وشرعية ، وكان الناس سعداء زمن دولة الرسول . فالإمام الرسول (رئيس الدولة ) يعيش هو وأفراد أسرته بتواضع ، وكأي فرد في المجتمع ، وعلى الرغم من قلة موارد بلاد العرب التي كانت تحكم دولة الرسول إلا أن هذه الموارد موزعة بصورة عادلة ، فالشعور بالرضا والسعادة كان يغمر غالبية رعايا دولة النبي ، فكثير من ألأجلاف من العرب ، بل ومن قدماء الصحابة كان يحرج النبي ، وينتقد بعض أعمال النبي علنا ويجهر بعدم موافقته عليها ، أو يتخذ موقفا مناقضا لموقف النبي ، ولكن لم يصدق على ألإطلاق أن قطع النبي عن هذا المواطن أو ذاك رزقه أو عطاءه الشهري ، لأن هذا الرزق أو العطاء منحة إلهية ، وحق ثابت للمسلم ، وليس من صلاحية النبي أن يصادر هذا

كربلاء الثورة وألمأساة 196


الحق ، كذلك فإن استعمال القوي ألأمين للوظائف العامة ترتيب إلهي ، لا يملك الرسول حق إلغائه أو تبديله أو تعديله . لقد كانت دولة الرسول دولة شرعية تتصرف وفق قواعد شرعية ، لا يملك رئيس الدولة بحكم الشرع أن يخضعها لميوله أو توجهاته أو هواءه الشخصي .
وجاء الخليفة ليحل بالقوة والتغلب والقهر محل رسول ألله ، وليقوم مقامه ، ويمارس صلاحياته واختصاصاته ، والمؤهل الوحيد لهذا القاهر المتغلب هو الغلبة ، والغاية الوحيدة لهذا المتغلب هي المحافظة على الملك الذي غصبه وتسخير موارد الدولة وإمكانياتها الضخمة لدوام هذا الملك خالصا لشخصه وأسرته أو مواليه وخاصته ، واستدعى هذا أن يخترع الخليفة معايير وموازين لم ينزل بها ألله سلطانا .
فصار العطاء أو الرزق الشهري ، وصار الدخول بالجيش والوظائف العامة مرهونا بالولاء المطلق للخليفة ، والقبول بأفعاله مهما كانت ، وطاعته حتى على الكبائر ، وعدم الخروج على طاعته مهما كانت ألأسباب !! وتوضيحا لموقف ألأكثرية ، لنفترض أن الخليفة رأى أن من مصلحة دولته إحراق بيت أهل بيت النبوة على أهله وهم أحياء !!هذا الفعل جريمة وفق كل الشرائع ألإلهية والوضعية ، فإذا قال أحد المسلمين للخليفة : يا أمير المؤمنين هذه جريمة ، ولآ يحل لك فعل هذا ، فأتق ألله !! فأول ما يفعله الخليفة هو قطع العطاء والرزق الشهري الذي كان يتقاضاه ذلك الذي وصف فعل الخليفة بـ (أنه جريمة ) ، وثاني ما يفعله الخليفة هو حرمانه من وظائف الدولة ، وثالث ما يفعله الخليفة هو وضعه في قائمة المشبوهين ، الذين لا يوالون دولة الخليفة ، ويوالون أعدائها .هذه القرارات الثلاثة لا تشمل الرجل وحده بل تشمل زوجته وأولاده وقد تؤثر على بطنه وعشيرته ، فتحرق حاضر الجميع ومستقبلهم !! وقد يستبد الغضب بالخليفة أو بعامله ، فيقتل هذا المعترض على ما فعله ، ويهدم داره ، ففي مثل هذه ألأحوال من يجرؤ على ألأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر ؟! ومن يجرؤ على قول كلمة «لا» فحياة كل فرد ، وحياة كل أسرة ، وحياة كل بطن ، وكل عشيرة عمليا بيد الخليفة وأركان دولته ، فقد تزهق روح الفرد قبل أن يرتد إليه طرفه .ورزق

كربلاء ـ الثورة والمأساة 197


الجميع ، مجتمعين ومنفردين بيد الخليفة وأركان دولته وقد يكون الرزق أو العطاء الشهري هو الدخل الوحيد للأكثرية الساحقة من أفراد رعايا دولة الخلافة ، صحيح أن هنالك من الناس لا يتجاوز عددهم المائة ، يملك كل واحد منهم الملايين بل المليارات من الدنانير الذهبية كعبدالرحمن بن عوف ، وطلحة ، والزبير . . ولكن بقية أفراد ألأمة يحصلون على رغيفهم المجبول بالذل والهوان يوما بيوم بعد أن يدفعوا أعلى الضرائب : دينهم ، وشرفهم ، وكرامتهم ، ثمنا لهذا الرغيف ، ومن الطبيعي بأن تكون على كل واحد منهم التزاماته الخاصة لمحبيه ، وأطفاله الذين يحبهم ، ورغبته الجامحة بأن يبقى إلى جانبهم ليحميهم ويطعمهم . في هذا المناخ ذلّت رقاب المسلمين ذلا لم تذق أمة من أمم ألأرض مرّ ذلأ كذل المسلمين ، ومات عندهم الشعور العام ، وتخدرت كافة أحاسيسهم فاستمرأوا الذل ، واستمرأوا الحياة مع الذل ، وأدمنوا بحبها ، وارتاحوا لى القول بأن هذا قضاء ألله وقدره ، وأن الصبر نصف ألإيمان ، وأن طاعة الخليفة واجبة كطاعة الرسول !!!.
من يتتبع تاريخ دولة الخلافة يجد أن أكبر الكبائر ، بل وكل الكبائر كانت قد ارتكبت في مجتمع دولة الخلافة من قبل الخليفة وأركان دولته وبأعصاب باردة ودون أن يحسبوا أي حساب لأحد ، ونادرا ما تجد رجلا واحدا قد أنكر هذه الكبيرة أو تلك !! لماذا ؟ لأن كل فرد مقيد أقتصاديا بغُلّ لا مثيل له ، ومقيد اجتماعيا ، وسياسيا ، فهو قن وعبد مملوك بذاته وحاضره ومستقبله ، يتصرف الخليفة تصرف المالك بعبيده !! قد يندهش بعض القراء ويرى أن في كلامنا شيئا من المبالغة !! لكن ما قلناه هو الحقيقة بعينها ، فقد يأمر الخليفة ولاته بأن يأخذوا البيعة له من المسلمين على إنهم أقنان وعبيد له بالفعل ، يتصرف بهم تصرف المالك بأقنانه وعبيده ، فقد أخذ مسلم بن عقبة البيعة من أهل المدينة ، على أنهم فيء لأمير المؤمنين يفعل في أموالهم وذراريهم ما يشاء (1) فإذا قال أحد من المسلمين : بل ابايعك على كتاب

(1) راجع تاريخ الطبري ج7 ص 11-20.
كربلاء ـ الثورة وألمأساة 198


ألله وسنة رسوله ، يعتبرها الخليفة غلطة كبرى ويضرب عنقه .(1)
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة : قال جابر بن عبدالله ألأنصاري : «لما خفت بسر بن أرطأة ،تواريت عنه فقال لقومي : «لا أمان لكم عندي حتى يحضر جابر فأتوني وقالوا : ننشدك ألله لما انطلقت معنا فبايعت ، فحقنت دماءنا ودماء قومك ، فإنك إن لم تفعل ، قتلت مقاتلينا ، وسبيت ذرارينا ، فاستنظرتهم ألليل ، فلما أمسيت دخلت على أم سلمة (إحدى زوجات الرسول ) فأخبرتها الخبر ، فقالت : «يا بني انطلق ، إحقن دمك ودم قومك ، فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع وإني لأعلم أنها بيعة ضلالة» (2)هذه الواقعة تدلك بوضوح على طبيعة تعامل الخليفة وأركان دولته مع المسلمين ، وعلى استهتاره بحياتهم ووجودهم وكرامتهم ألإنسانية ، فإن تغيب فرد من أفراد العشيرة أو الجماعة عن تنفيذ أمر الخليفة ، فليس ما يمنع الخليفة ، من أن يقتل المقاتلة ويسبي الذرية ، فأنت أمام حالة من ألإرهاب والقمع ، لا مثيل لها في التاريخ ، لقد ضاعت ألأقلية المؤمنة وذلّت ، وشلّت حركتها شللآ كاملا ، وخرج كل فرد من أفرادها باجتهاد مفاده أن الصبر أولى ، والحياة خير من الموت ، وطارت ألأكثرية خلف مصالحها الدنيوية كل مطار ، وضحّت من أجل تلك المصالح بنعمة الحرية التي كانت تتمتع بها حتى في الجاهلية ، وضحّت بالكرامة ، وبالكثير من القيم ألإنسانية التي كانت تفخر بها حتى في الجاهلية مثل : النخوة ، والشهامة ، وألإباء ، وإغاثة الملهوف .
لقد اختلطت ألأوراق إختلاطا عجيبا ، فألأمة كلها تقف مع الخليفة الغالب أو تتظاهر بالوقوف معه ، وألأمة كلها تخشى الخليفة . اركان دولته خشية الموت ، لقد مات إحساسها ولا فرق عندها أأصاب الخليفة أم أخطأ ، أكان على الحق أو على الباطل ، تماما كقوم فرعون ، وما يميز قوم فرعون عن رعية الخليفة أنه كان في قوم فرعون رجال يكتمون إيمانهم ، وينصحون فرعون وقومه علنا ، ويخوفون

(1) المصدر السابق.
(2) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج1 ص157 .
كربلاء ـ الثورة وألمأساة 199


من عاقبة السوء ، أما رعايا دولة الخلافة ، فلا تكاد تحس أن فيهم رجلا واحدا يكتم إيمانه، وإن وجد مثل هذا الرجل ، فهو مصاب بالخرس فلا ينطق ، وأعمى فلا يرى ، ويداه مقطوعتان فلا يقوى حتى على ألإشارة كما يفعل !!! .
لقد نجح الخلفاء بإذلال المسلمين إذلالا تاما ، وفي مناخ الذل أدمن المسلمون بالحياة مع الذل ، وتعودوا عليها فيمكن للخليفة أن يهدم ألكعبة وقد هدمها بالفعل مرتين ، ويمكن أن يدوس أقدس المقدسات ، وان يقتل حتى أهل بيت النبوة ولا يجرؤ احد من الناس أن يقول له كلمة «أف» لأنه لا عطاء ولا رزق ولا مكان في دولة الخلافة لمن يقول للخليفة أو لأركان دولته : لا !!! لقد سيطرت دولة الخلافة على وسائل ألإعلام ، ووضعت مناهج التربية والتعليم التي يخدم غاياتها ، وفرضت تلك المناهج على الرعية ، وشكلت الفهم العام عن ألإسلام ، ثم فرضت كل ذلك على المسلمين بقوتها ونفوذها وعبر إعلامها ومناهجها التربوية والتعليمية ، وبتعبير أدق فإن الغاية عند دولة الخلافة تبرر الوسيلة ، فأي وسيلة تخدم الخليفة ودولته وتساعده على ألإحتفاظ بملكه وما في يديه مباحة بغض النظر عن شرعيتها أو عدم شرعيتها !! ولقد عمل الخليفة جاهدا على تجهيل رعيته بالإسلام الحقيقي ، وحرص كل الحرص على أن لا يفهموا من الإسلام الحنيف إلا قشوره ، وقدمت وسائل إعلام دولة الخلافة الرجال الذين وقفوا مع النبي وأقاموا الدولة وألأمة على أكتافهم بصورة أعداء ألله ، وقدمت تلك الوسائل أولئك ألأشرار الذين حاربوا النبي ، وجمعوا عليه الجموع وألّبوا العرب عليه بصورة الملائكة ألأخيار !!
لقد قلبت دولة الخلافة الدين والتاريخ والجغرافيا رأسا على عقب مع سبق الترصد والإصرار ، وجهلت الرعية تجهيلا كاملا ، وسخرت كل موارد الدولة وطاقاتها وإعلامها لفرض مفاهيمها المعكوسة عن ألإسلام ، وجعل تلك المفاهيم مقدسة ، ومن المسلمات ، التي لا داعي لإعمال العقل فيها !!.

قدر لا مفر منه:

قاد الخلفاء الدين وألأمة والدولة إلى نفق مظلم ، إذا أخرجت يدك منه لم

كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 200


تكد تراها ، لقد خلط خلفاء البطون كل ألأوراق خلطا عجيبا ، فخلطوا ألإسلام مع الشرك ، وألإمامة الشرعية مع الملك ، والظلم مع العدل ، والحق مع الباطل ، والذل مع العز ، والطاعة مع المعصية ، وفرضوا على المسلمين بالقهر والقوة ، أن يتناولوا هذه المتناقضات معا ، وخيروهم بين تناولها والحياة ، أو بين رفضها والموت ، فاختار المسلمون الحياة مع تناول هذه المتناقضات ، لقد غير الخلفاء مكان كل شيء ووضعوه في غير موقعه ، لقد استدعت الضرورة إلى انتفاضة أو ثورة من نوع خاص لتنقذ ما تبقى من ألإسلام ، ولتوقظ المسلمين من سباتهم العميق ، وترفع الخلط الذي أوجده الخلفاء،وتفتح أمام الأمة أبواب التحرر ، وألأمل ، والخلاص من الذل .

الدواعي الملّحة لإنتفاضة ألإمام الحسين وثورته :

رأينا أن بطون قريش الـ 23 التي قاومت النبي وحاربته 23 عاما بقيادة أبي سفيان وولديه : يزيد ومعاوية حتى إضطرها الرسول للإستسلام وأعلنت يوم استسلامها إسلامها مكرهة ، رأيناها قد تمكنت من إلغاء الترتيبات ألإلهية المتعلقة بمنصب ألإمامة أو الخلافة من بعد النبي ، وأنها قد تمكنت من الإستيلاء على هذا المنصب بالقوة والقهر ، فصارت الخلافة الشرعية ملكا لمن غلب ، أو لمن يعهد إليه ذلك الغالب وعموما فإن الخليفة الغالب ، كان غير مؤهل للقيادة ، فهو طليق أو أبن طليق أو العوبة بيد الطلقاء ، الذين لا يعرفون من الدين إلا إسمه أو قشوره.
وباستيلاء بطون قريش الـ 23 على منصب الخلافة استولت تبعيا على موارد الدولة وسلطاتها وطاقاتها ونفوذها ، وحازت كل شيء حيازة تامة ، وسخرت كل موارد الدولة للمحافظة على هذا الملك الذي غصبته ، وتوسع رقعته ، وحرمان أهل بيت النبوة ومن والاهم من الصحابة المخلصين من هذا الملك ومن منافعه ، أو من المشاركة بحجة أن النبي من بني هاشم وقد أخذ الهاشميون النبوة وهي تكفيهم فتكون الخلافة حقا خالصا للبطون وتشترك مع أوليائها في منافع الدولة وامتيازاتها على سبيل التفّرد والإختصاص !! وفي البداية أعلنت دولة الخلافة ضمنيا ، إنها لن تعطي لأي مسلم أي حق من حقوقه ولن تستعمله لعملها


السابق السابق الفهرس التالي التالي