كربلاء ـ الثورة والمأساة 146


ألإمام الحسين والخيارات المتاحة :

خيار البيعة ليزيد :

كان ألإمام الحسين على يقين من ربّه بأن القيادة من بعد النبي كانت حقا خالصا لأبيه علي بن أبي طالب ، فقد إختاره ألله تعالى لهذا المنصب ، وأهّله ، وأعده لذلك ، وأمر رسول ألله أن يعلن هذا ألأختيار للأمة ، فأعلنه رسول ألله بكل وسائل ألإعلان المعروفة حتى أحيطت ألأمة كلها علما بهذا ألاختيار ، وحتى معاوية وهو الطليق ابن الطليق ومن المؤلفة قلوبهم والذي أعلن إسلامه متأخرا كان يعلم ذلك علم اليقين ، فقد قال برسالة وجهها إلى محمد بن أبي بكر : « كنا وأبوك معا في حياة من نبيّنا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا فلما اختار ألله لنبيّه ما عنده . . . فكان أبوك وفاروقه أول من أبتزه وخالفه ، على ذلك اتفقا واتسقا » .....(1)وحتى الذين غصبوه هذا الحق ، يعلمون ذلك علم اليقين ، لقد صرح عمر بن الخطاب ذات يوم قائلا : « بأن ألأمر كان لعلي بن ابي طالب ، فزحزحوه عنه لحداثة سنه وللدماء التي كانت عليه » (2)وكيف ينسى عمر والخلفاء ذلك وهم الذين قدموا التهاني لأمير المؤمنين في غدير خم .(3)
وحسب يقين ألإمام الحسين فإنه هوألإمام والقائد والخليفة الشرعي ، وليس ليزيد ين معاوية ، فيزيد بن معاوية غاصب لحق الحسين ، تماما كما كان أبوه غاصبا لحق ألإمام الحسن ، وباغيا على ألإمام علي ، وبالتالي فألأولى بيزيد بن معاوية أن يبايع للإمام الحسين وليس العكس !!!لكن ابن معاوية لا يكتفي بغصب

(1) راجع نص رسالة معاوية لمحمد بن أبي بكر في مروج الذهب للمسعودي ج3 ص11 ، وفي موقعة صفين لنصر بن مزاحم ص118 ـ 119 .
(2) راجع الطبقات الكبرى لأبن سعد ج3 ص130 وشرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج2 ص20 وكتابنا المواجهة مع رسول الله وآله ص472 وما بعد .
(3) راجع ترجمة ألإمام علي من تاريخ دمشق لإبن عساكر الشافعي ج2 ص548 و 449 و 550 ، والمناقب للخوارزمي الحنفي ص94 ، ومسند أحمد بن حنبل ج4 ص281 والفصول المهمة لأبن الصباغ المالكي ص24 وتاريخ ألإسلام للذهبي ج2 ص197 وتذكرة الخواص لأبن الجوزي ص29 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 147


حق ألإمام الحسين بل يريد من ألإمام الحسين أن يشهد بالزور ، بأن يزيد هو صاحب الحق الشرعي ويريد من الحسين أيضا أن يقر ضمنا بأنه لا حق له بالخلافة !! وهذا منتهى الظلم الذي ينفر ألإمام الحسين بطبيعته وتكوين نسيجه النفسي .
هذا على صعيد الشرعية ألإلهية ، أما على صعيد العقل والمنطق ، فإن ألإمام الحسين هو ابن فاطمة الزهراء بنت النبي ، ومن صلب علي بن أبي طالب ابن عم النبي . وألأمة هي أمة النبي ، والملك هو ملك النبي الذي بناه حجرا ً فوق حجر ، وألإمام الحسين أولى بقيادة جده وبملك جده من يزيد بن معاوية بن أبي سفيان هذا هو أبسط مظاهر العدل الذي يفهمه ألإنسان بالفطرة والضرورة .
أما على صعيد التاريخ ، فعلي ابن ابي طالب ابن عم النبي عاش في كنفه طوال حياته وكان أول من صدقه وآمن به وكان عضده وفارسه ألأعظم طوال فترة الصراع المسلح الذي نشب بين الرسول وبين بطون قريش فهو بطل بدر بلا منازع ، وهو بطل أحد بلا منازع ، وهو بطل الخندق بلا منازع ، وهو حامل راية الرسول في كل زحف ،(1)وجده أبو طالب كان حامي النبي ودينه طوال حياته (2)وهوالذي كفل النبي ورباه يتيما ونصره كبيرا ، وكانت زوجته بمثابة ألأم الحقيقية للنبي ،(3)أما أبو سفيان جد يزيد ومعاوية والد يزيد بن أبي سفيان فهم الذين وحدوا بطون قريش الـ 23 ومن والاهم ضد النبي ودينه ، وهم الذين قادوا جبهة الشرك التي قاومت النبي وحاربته طوال 23 عاما ، ورموا رسول ألله بكل سهم في كناناتهم ، حتى أحاط النبي بهم ، فاضطروا للإستسلام وأكرهوا على إعلان ألإسلام .
(1) راجع على سبيل المثال شرح نهج البلاغة ج1 ص15 وخصائص النسائي ص3 والحاكم في مستدركه ج3 ص136 وتاريخ بغداد ج2 ص81 ، والصواعق المحرقة لأبن حجر ص72 وتاريخ دمشق لإبن عساكر ج1 ص76 ، وأسد الغابة لإبن ألأثير ج5 ص287 وميزان ألأعتدال للذهبي ج2 ص417 والطبقات لإبن سعد ج2 ص23 وكنز العمال ج3 ص154 وتاريخ الطبري ج2 ص197 وفضائل الخمسة ص357 ـ 360 .
(2) راجع تاريخ اليعقوبي ج2 ص35 .
(3) راجع تاريخ اليعقوبي ج2 ص14.
كربلاء ـ الثورة والمأساة 148


وأما على الصعيد الشخصي : فالإمام الحسين ابن النبي وحفيده ، وسيد شباب أهل الجنة ، وسبط النبي وريحانته من الأمة ، وهو ألإمام الذي اختاره ألله لقيادة ألأمة من بعد أخيه الحسن ، وهو التقي ، النقي ، الطاهر ، المؤهل للإمامة (1)أما يزيد فهو ابن معاوية بن أبي سفيان ، وهو ألأشد عداوة لله ولرسوله وقد لعنه رسول ألله قبل أن يولد .(2)
فأيهما ألأولى بخلافة النبي ، ابنه الحسين التقي ، النقي ، المؤهل للإمامة؟ أم يزيد بن معاوية شارب الخمر ، وقاتل النفس المحترمة ، والمشكوك حتى بدينه !!!.

القرار:

بعد أن قلّب ألإمام الحسين ألأمور على مختلف الوجوه ، وزانها بميزان الشرع الحنيف رأى بيقين أنه ألإمام الشرعي وأن معاوية مغتصب للخلافة ، لذلك نراه يقول : « إنما كان ألأمر لي من بعد أخي الحسن ، فصنع معاوية ما صنع ، وحلف لأخي الحسن أنه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده ، وإن يردها للحسين إن كان حيا ،فطالما ان معاوية لم يف لي ولا لأخي الحسن بما كان ضمن لنا ، فقد وألله أتانا ما لا قوام لنا به . . . » (3)لهذا كله فإن الحسين كان يعتقد أنه ألأولى بالبيعة من يزيد ، وأن من واجب يزيد بن معاوية ،وواجب ألأمة ألإسلامية أن يبايعوا الحسين وليس العكس ، وطالما يزيد هو المالك الفعلي للخلافة ، ومن بيده مفاتيح القوة والمال والنفوذ ، فلا يملك ألإمام الحسين من حيث المبدأ إلا ألإمتناع عن البيعة ، وقرر عدم مبايعة يزيد ، مهما كلف الثمن ، وبعد ذلك أعلن قراره .
قال عبدالله بن الزبير لما علم بهلاك معاوية : « . . . فما ترى أن تصنع إن

(1) مع أن كل ما ذكرناه معلوم بالضرورة إلا أننا وثقناه أكثر من مرة في الفصول السابقة.
(2) راجع كنز العمال ج6 ص39 وقال : أخرجه الطبراني ، ومجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص189 وقال : رواه الطبراني وذكره المناوي في فيض القدير وقال : أخرجه ابن عساكر ، ورواه أبو نعيم والديلمي وراجع كنز العمال ج6 ص223 وقال : أخرجه ابن عساكر .
(3) راجع كتاب الفتوح لأبن أعثم الكوفي ج5 ص11 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص182 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 149


دعيت إلى بيعة يزيد يا أبا عبدالله ؟» فقال له الحسين :« اصنع أني لا أبايع له أبداً . . . » (1)ولما دعي ألإمام الحسين لمقابلة والي المدينة بعد موت معاوية وطلب منه أن يبايع ليزيد بن معاوية ، قال ألإمام الحسين : « أيها ألأمير إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومحل الرحمة بنا فتح ألله ، وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب للخمر ، قاتل للنفس المحرمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع لمثله ،ولكن نصبح وتصبحون وننتظر وتنتظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة » .(2)
وجد ألإمام الحسين مروان بن الحكم في طريقه ذات يوم ، فقال له مروان : يا أبا عبدالله إني لك ناصح ، فاطعني ترشد وتسدد ،فقال له الحسين « وما ذلك حتى أسمع» ؟ فقال له مروان أقول : « إني آمرك ببيعة أمير المؤمنين يزيد فأنه خير لك في دينك ودنياك » فاسترجع ألإمام الحسين وقال : « إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى ألإسلام السلام إذ قد ابتليت ألأمة براع مثل يزيد » ثم أقبل الإمام الحسين على مروان وقال له : « ويحك أتأمرني في بيعة يزيد وهو رجل فاسق ، لقد قلتَ شططا ً من القول يا عظيم الزلل ، لا ألومك على قولك لأنك أللعين الذي لعنك رسول ألله وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص ، فأن من لعنه رسول الله لا يمكن له ولا منه إلا أن يدعو إلى بيعة يزيد ، ثم قال : إليك عني يا عدو ألله ، فإنا أهل بيت رسول الله ، والحق فينا ، وبالحق تنطق ألسنتنا ، وقد سمعت رسول الله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ، وعلى الطلقاء أبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري ، فابقروا بطنه ، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به ، فابتلاهم الله بابنه يزيد ، زاده الله في النار عذاباً» .(3)
فغضب مروان من كلام الحسين ثم قال : « والله لا تفارقني أوتبايع ليزيد بن

(1) راجع النص الكامل لجواب الإمام الحسين بالمرجعين السابقين ، الفتوح والمقتل بنفس الصفحتين .
(2) راجع كتاب الفتوح لإبن أعثم الكوفي ج5 ص14 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص184 ، ومثير ألأحزان ص24 ، وبحار ألأنوار ج44 ص325 والموسوعة ص283 .
(3) راجع كتاب الفتوح لإبن أعثم ج5 ص17 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص184 والموسوعة ص285 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 150


معاوية صاغراً ، فإنكم آل أبي تراب قد ملئتم كلاماً ، واشربتم بغض آل بني سفيان ، فقال له الحسين : ويلك يا مروان فإنك رجس ، وإنا أهل بيت الطهارة الذين أنزل الله على نبيّه محمد« إنما يُريد ُ أللهُ ليُذهِبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويطهرَكم تطهيراً»(ألأحزاب/33 ) فنكس مروان رأسه لا ينطق بشيء فقال له الحسين : ابشر يا ابن الزرقاء بكل ما تكره من رسول الله ، يوم تقدم على ربك فيسألك جدي عن حقي وحق يزيد ، فمضى مروان مغضبا حتى دخل على الوليد بن عتبة ، فأخبره بما سمعه من الحسين بن علي (1)والتحق الحسين بقبر جده يبكي تماما كما فعل أبوه علي بن أبي طالب عندما هددته زعامة بطون قريش بالقتل إن لم يبايع ، فالتحق بقبر النبي يبكي ويتلو ألآية الكريمة:« إبن أُم إن َّ القومَ إستضعفوني وكادوا يقتلونني »(2)وبكى ألإمام الحسين أمام قبر جده بكاءً مراً ، ونام بعد ذلك ، فرأى جده في المنام يضمه إلى صدره ويقبله ويقول له : « يا بني يا حسين كأنك عن قريب اراك مقتولا مذبوحا بأرض كرب وبلاء ، من عصابة من أمتي ، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى ، وهم في ذلك يرجون شفاعتي يوم القيامة ، فمالهم عند الله من خلاق ، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قد قدموا علي ، وهم إليك مشتاقون ، وإن لك في الجنة درجات لن تنالها إلا بالشهادة . . . » (3)وانتبه الإمام الحسين من نومه وودع قبر جده وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول ألله ، لقد خرجت من جوارك كرها ، وفرق بيني وبينك ، حيث إني لم أبايع ليزيد بن معاوية شارب الخمور ، وراكب الفجور وها أنا خارج من جوارك على الكراهية ، فعليك مني السلام » .(4)
وقال له عبدالله بن عمر بن الخطاب : « وأنا أشير عليك أن تدخل في صلح ما دخل فيه الناس ، واصبر كما صبرت لمعاوية ، فلعل الله يحكم بينك وبين

(1) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج5 ص18 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص185 .
(2) راجع الإمامة والسياسة لابن قتيبة ج1 ص13 .
(3) راجع كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج5 ص20 ، ومقتل الخوارزمي ج1 ص186 وبحار ألأنوار ج44 ص328 ، والعوالم ج17 ص177 والموسوعة ص287 .
(4) راجع المنتخب للطريحي ص 410 ، وناسخ التواريخ ج2 ص14 وينابيع المودة ص401 والموسوعة ص289 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 151


القوم الظالمين » ، فقال له الإمام الحسين : « أبا عبدالرحمن أنا أبايع يزيد ، وادخل في صلحه وقد قال النبي فيه وفي أبيه ما قال » ؟ وبعد حوار بين ألإمام الحسين وابن عباس وابن عمر ، قال ألإمام الحسين لابن عمر : أسألك بالله أنا عندك على خطا من أمري هذا ؟ فأن كنت عندي على خطأ فردني ، فإني أخضع واسمع وأطيع ، فقال ابن عمر : اللهم لا ولم يكن ألله تعالى يجعل ابن بنت رسوله على خطأوليس مثلك من طهارته وصفوته من الرسول على مثل يزيد بن معاوية ، لعنه ألله باسم الخلافة ، ولكني أخشى أن يضرب وجهك هذا الحسن الجميل بالسيوف وترى من هذه ألأمة ما لا تحب ، فارجع معنا إلى المدينة ، وإن لم تحب أن تبايع فلا تبايع أبدا (1)فقال الحسين :« هيهات يا ابن عمر ، إن القوم لا يتركوني وإن أصابوني ، وإن لم يصيبوني فلا يزالون حتى أبايع وأنا كاره او يقتلوني . . . اتق الله يا أبا عبدالرحمن ولا تدع نصرتي . . .» . (2)
والخلاصة أنه كان على الحسين أن يتخذ قراره وأن يختار أحد خيارين لا ثالث لهما : فإما أن يبايع ليزيد بن معاوية ليكون « خليفة لرسول الله ، وأميرا للمؤمنين ومرجعا لهم ، وإما أن يمتنع عن البيعة فيقتل في النهاية » ، لقد اتخذ الإمام الحسين قراره النهائي بالإمتناع عن بيعة يزيد ، وأعلن هذا القرار بكل وسائل الإعلان المعروفة في زمانه وهذا القرار لم يكن اعتباطياً ، إنما بني على قناعات دينية يقينية ، وحقائق تاريخية وعقلية وفطرية معلومة بالضرورة وقد أشرنا إليها في هذا البيان .

الحسين ومغادرة المدينة المنورة :

إن الإمام الحسين يمثل قمة الوعي الديني والسياسي فهو إمام ، ومصطلح الإمام شرعاً يعني : ألأفهم وألأقرب إلى ألله وأفضل الموجودين ، فالإمام

(1) راجع كتاب الفتوح لإبن أعثم الكوفي ج5 ص26، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص19 ومثير ألأحزان 41
(2) راجع كتاب الفتوح لإبن أعثم الكوفي ج5 ص26 ، ومقتل الخوارزمي ج1 ص19 ومثير ألأحزان ص41 والموسوعة ص307 - 309 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 152


الحسين يعلم بالضرورة أن الإمتناع عن مبايعة الخليفة الطاغية يعني المواجهة ، لأن عدم البيعة بمفاهيم الخلفاء الطغاة تعني الخروج على الطاعة ، وإعلان الحرب .
ثم إن الإمام الحسين رجل منطق وعقل ، فهو يعلم علم اليقين أن معاوية قبل أن يهلك سلّم ابنه يزيد مفاتيح بيوت ألأموال ،فصارت أموال الدولة بيده ، ويعلم ألإمام الحسين أن معاوية قبل أن يهلك أيضا سّلم ابنه قيادة الجيوش المدربة على الطاعة والتي تتقاضى رواتبها من بيوت ألأموال التي يملك يزيد بن معاوية مفاتيحها، ويعلم ألإمام الحسين أن أمراء ألأقاليم لهم ضلع بالمؤامرة ، وهم ليسوا أكثر من موظفين يتقاضون رواتبهم من يزيد بن معاوية !!! ويعلم أن الناس مع من غلب ، وأن الجيوش التي يقودها يزيد لا تعرف من الدين إلا قشوره ، فهي مجهلة ومعدّة إعدادا كاملا لتكون درعا لدولة الخلافة وللخليفة ، وعصا بيده يضرب بها من يشاء ، ويعلم الإمام الحسين أنه بنظر الناس مجرد ابن النبي المغضوب عليه هو وأهل بيته من قبل الخلفاء خاصة معاوية الذي فرض مسبة ابيه على الرعية واعتبر محبة أهل بيت النبوة وموالاتهم من جرائم الخيانة العظمى ، وما زالت قوانين معاوية سارية المفعول ، فقد هلك قبل أيام ، ولم يقم أحد بإلغاء تلك القوانين ، وليس مع ألإمام الحسين عمليا إلا أهل بيت النبوة وبضعة عشر رجلا من المؤمنين ، ولا قدرة لأهله ولا للقلة المؤمنة على حمايته وحماية موقفه إذا حدثت أية مواجهة بينه وبين والي المدينة وجيش الخليفة في المدينة ، وسيتمكن جيش الخليفة من القضاء عليه وعلى أهل بيته بصمت ودون أن يشعر به أحد من المسلمين خارج المدينة !!! .

أين المهاجرون وألأنصار ؟ :

ألأكثرية الساحقة من المهاجرين والنبي على فراش الموت قد اتحدت مع اخوانها من أبناء بطون قريش الـ 23 أما ألأقلية المؤمنة منهم والتي لم تتحد فقد ماتت ، وهوى أبناء ألأكثرية من المهاجرين هوى بطون قريش ، فلا أمل للإمام الحسين بنصرتهم له ولا بدفاعهم عنه وعن موقفه ، ثم الإمام الحسين لن يكون

كربلاء ـ الثورة والمأساة 153


أعظم من أبيه علي ، ومع هذا هدد أبوه بالموت إن لم يبايع (1)أمام المهاجرين ولم يحركوا ساكنا ، وهمّ الخليفة ألأول ونائبه باحراق بيت فاطمة بنت محمد على من فيه وفيه علي والحسن والحسين ، وشرعوا باحراق البيت بالفعل ولم يعترض أحد من المهاجرين على هذا العمل الفظيع ، واكتفى المهاجرين بالتفرج على ما يحدث ، أو شاركوا بما يحدث ، وبالتالي لا ينبغي للإمام الحسين أن يتأمل بسكان المدينة من المهاجرين أكثر مما أمل أبوه وأكثر مما أملت أمه .(2)
أما بالنسبة لسكان المدينة من ألأنصار ، فالإمام الحسين يذكر تجربة أبيه معهم ، صحيح أن ألأنصار أو بعض ألأنصار قد قالوا في سقيفة بني ساعدة : لا نبايع إلا عليا وعلي غائب (3)وصحيح أيضا أن المنذر بن ألأرقم قد قال في سقيفة بني ساعدة : « وإن فيهم رجلا لو طلب هذا ألأمر لم ينازعه فيه أحد » « وهو يعني علي بن أبي طالب» . . . (4)
وإن نسي الحسين فلن ينسى يوم حَمَلَ أبوه علي أمه فاطمة الزهراء على حمار وقاد الحسن والحسين وطاف على بيوت ألأنصار بيتا بيتا يسألهم النصرة فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به ، فكان علي يقول لهم : أفكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لم أجهزه ، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه ؟ وكانت البتول الزهراء تقول : « ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه » (5)وقد أشار معاوية إلى هذه الواقعة قائلا : « وأعهدك أمس تحمل قعيدة

(1) راجع الإمامة والسياسة لإبن قتيبة ج1 ص13.
(2) راجع العقد الفريد لابن عبدربه ج3 ص64 وأبو الفداء ج1 ص156 وأنساب ألأشراف ج1 ص586 وكنز العمال ج3 ص140 والرياض النضرة للطبري ج1 ص167 والسقيفة للجوهري برواية ابن أبي الحديد ج1 ص132 و ج6 ص2 وتاريخ الخميس ج1 ص178 وتاريخ ابن شحنة بهامش الكامل ح11 ومروج الذهب ج2 ص100 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص105 .
(3) راجع تاريخ الطبري ج3 ص208 وتاريخ ابن ألأثير ج2 ص123 الذي قال : إن ألأنصار قد قالت ذلك بعد أن بايع عمر لأبي بكر .
(4) راجع تاريخ اليعقوبي ج2 ص103 والموفقيات للزبير بن بكار ص579 .
(5) أبو بكر الجوهري في كتابه السقيفة برواية ابن أبي الحديد في كتابه « شرح نهج البلاغة » ج6 ص78 ، =
كربلاء ـ الثورة والمأساة 154


بيتك ليلا على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع لأبي بكر . . .« (1)فالأنصار لم تنصر أهل بيت النبوة بعد يوم واحد من وفاة النبي ، فهل يعقل أن تستجيب ألأنصار للحسين وحده !!! ثم إن ألأنصار قد سمعت بموقف ألإمام الحسين ، وتجاهلت ألأمر ، وتظاهرت كأنها لم تسمع ، وإن نسي الإمام الحسين فلن ينسى يوم حرمت أمه من ميراث أبيها ، وصودرت المنح التي أعطيّت لها حال حياة أبيها ، ومنعت الخمس المخصص لذوي القربى ، وطالبت بحقها أمام المهاجرين وألأنصار فلم يدعمها أحد ، ولو بكلمة واحدة . إنما وقف الجميع يتفرجون على صراع السيدة مع الخليفة وأركان دولته ، وكان بوسعهم أن يأمروا على ألأقل بالمعروف وينهوا عن المنكر باللسان وهذا أبسط ما على ألإنسان.
والخلاصة أن الإمام الحسين كان واثقا ثقة مطلقة بأن أهل المدينة لن يحموه ، ولن يحموا موقفه ، ولن يحموا أهل بيت النبوة وأن الخليفة يزيد بن معاوية لو كلّفهم بحرق بيت الحسين على من فيه لأطاعته الطائفة التي كلّفها بالحرق ، ولبقيت الطائفة ألأخرى تتفرج ، لهذه ألأسباب مجتمعة ومنفردة قرر ألإمام الحسين أن يترك المدينة وجوار جده العظيم وهو كاره . انظر إلى قوله ومناجاته لجده : « وأنا خارج من جوارك وعلى الكراهية ، فعليك مني السلام» .(2)
كان الإمام الحسين يشعر أنه في قوم فرعون ، وتحت حكم شبيه بحكمه ، انظر إليه وهو يردد الآية نفسها التي رددها موسى عندما خرج من عاصمة فرعون وخرج الإمام الحسين ليلة ألأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين ببنيه واخوته وبني اخيه وجُل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية وهو يتلو هذه ألآية : «فخرج منها خائفاً يترقّبُ قالَ رب نجني من القومِ الظالمينَ » (القصص / 21 )(3)وتابع الحسين حالة التمثل بموسى ، فلما وصل إلى مكة قرأ آية :« ولما توجه تلقاء مديّن قال»
= والإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري ج1 ص12.
(1) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص67 ، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص182 .
(2) راجع منتخب الطريحي ص410 وينابيع المودة ص401.
(3) أشار إلى قرائته للآية المفيد في ألأرشاد والطبري في تاريخه ج3 ص272 ، والكامل لابن ألأثير ج2 ص531 والعوالم ج17 ص181 وينابيع المودة ص402 وأعيان الشيعة ج1 ص588.
كربلاء ـ الثورة والمأساة 155


«عسى ربي أن يهديني سواء السبيل»( القصص / 22 ) .(1)
فالحسين على يقين أن فرعون حقيقي يلاحقه وأنه يتنقل ضمن مملكة فرعون بني أمية ، وأنه وأهل بيته يمثلون الشرعية الإلهية والحق الذي كان يمثله موسى !!!.
لا يعني امتناع سكان المدينة عن حماية الإمام الحسين ، وحماية أهله وموقفه أن أولئك السكان خاصة ألأنصار يكرهون ألإمام الحسين ، فليس بالحسين ما يكره بل على العكس هم يحبون ألإمام الحسين ، وعندما سمعوا في ما بعد بقتله بكت القلة المؤمنة على الحسين دموعا من دم ، ويكمن السر بامتناع ألأنصار عن حماية الإمام الحسين ونصرته والدفاع عن موقفه بأنهم لا يريدون مواجهة مع الخليفة ولا مع أركان دولته ، لأنه لا طاقة لهم بهذه المواجهة ، ولا مصلحة لهم فيها ، فليس عند الإمام الحسين ما يطمعون به ، وكل ما يريدونه موجود لدى الخليفة وأركان دولته : المال ، النفوذ ، الجاه ، الدنيا كلها بيد الخليفة، فما هي مصلحة أكثرية ألأنصار ليتخلوا عن الدنيا من أجل الإمام الحسين !! ثم إن الإحساس بالانتماء الإجتماعي ، والإنتماء لمثله العليا قد مات بالفعل ،أو تحوّل إلى كلمات جامدة ليس أمامها أي فرصة للتطبيق والتفعيل ، استقرت نهائيا روح التواكل في مجتمع المدينة وغيره من المجتمعات الإسلامية ، صحيح لقد كانت هنالك عناصر ثائرة على خلق التواكل الذي ساد المجتمعات الإسلامية ، لكنها سرعان ما تغرق في محيط التواكل . قال الطبري يصف هذه الحالة : « إن المرأة كانت تأتي ابنها وأخاها ، فتقول : انصرف ، الناس يكفونك ويجيء الرجل إلى ابنه فيقول : غدا يأتيك أهل الشام . . .».(2)
فالأنصار يتمنون قلبيا أن ينتصر ألإمام الحسين ، وأن تنتصر مبادئه ويتمنون أن يهزم يزيد واتباعه ، ويرجون أن ييسر الله للإمام الحسين من ينصره ، ويحميه ،

(1) راجع هذا التمثل بالارشاد ص202 وبحار ألأنوار ج4 ص332 والعوالم ج17 ص181 والكامل لابن ألأثير ج2 ص31 ، وتاريخ الطبري ج3 ص274 والفتوح لابن أعثم ج5 ص25 ، وأعيان الشيعة ج1 ص88 ووقعة الطف ص86 والموسوعة ص305 .
(2) راجع تاريخ الطبري ج2 ص371 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 156


لكنهم ليسوا على استعداد إطلاقا للمساهمة بأي شكل من ألأشكال بنصرة الحسين أو حمايته !!! لقد تعودوا أن يقفوا ساكنين أمام أي مواجهة بين فريقين ، فأذا انتصر أحدهما وقفوا مع الغالب ، وسلموا له تسليما كاملا ، فإذا ظهر على المسرح فارس جديد يريد أن يغلب غالب ألأمس ، فإنهم يتمسكون بغالب ألأمس لا حبا به ، ولكن خوفا منه !!، كأن انسانيتهم قد أصيبت بالشلل فعلا !! لما قال أمير المدينة إن الخليفة في دمشق أمره أن يأخذ البيعة من الحسين ، وإن أبى فعليه أن يضرب عنقه يمكن لعقلاء ألأنصار التدخل بهذه الحالة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإقتراح على ألأمير أن يعطي الإمام الحسين فرصة لإعادة النظر في موقفه !! يمكنهم أن يقولوا للأمير : رجاءً أن تبلغ الخليفة في دمشق أن الإمام الحسين هو ركن آل محمد ، واهل بيته وذوي قرباه وهو ابن رسول ، وقتل هذا الرجل يسبب حرجا للجميع ، ولكن أهل المدينة ليسوا على استعداد حتى لمثل هذه التضحية البسيطة ، فقلوبهم مسكونة بالرعب ، فقد يظن الخليفة أو أميره على المدينة أنهم يوالون أهل بيت النبوة ، وقد بيّنا أن موالاة أهل البيت كانت من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها التنكيل وهدم الدار (1)وقد يظن الخليفة أن أهل المدينة يحبون أهل البيت ، وحب أهل بيت النبوة أيضا من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها شطب ومحو اسم ( المجرم ) من ديوان العطاء ، وتجريده من الحقوق المدنية بحيث لا تقبل له شهادة (2) فمن له بهذه الحالة مصلحة ليأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر ، فتقدير أهل المدينة أن الإمام الحسين سيقدر أوضاعهم ، وسيلتمس لهم عذراً !!! إن الفراعنة أنفسهم لم يذلوا رعاياهم لهذه الدرجة التي أذل فيها معاوية وابنه وخلفاء بني أمية رعاياهم لقد كان حكمهم أكثر بشاعة وقبحا وظلما من حكم الفراعنة !! .
والخلاصة وأمام هذه السلبيات القاتلة فإنه لا ينبغي للإمام الحسين أن يأمل بنصرة ومنعة أهل المدينة له ولموقفه ولآل محمد وذوي قرباه ، فلو أمرهم الخليفة أن يصلبوا الإمام الحسين في جذوع النخل ،أو أن يحرقوه حيا لنفذوا أمر الخليفة

(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ج3 ص595 ـ 596 تحقيق حسن تميم.
(2) المصدر نفسه .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 157


بأيديهم بالوقت الذي تكون فيه عيونهم تسيل دما حزنا على الحسين ، وقلوبهم تنفطر اسى جزعاً لما فعلوا بالحسين ، لقد خالف الله ما في صدورهم عما في ألسنتهم !! لقد جعل الله باطنهم شيئاً ، وظاهرهم شيئا آخر ، وهذا أحدث فن من فنون العذاب ومسخ انسانية ألإنسان وأقصى ما فعله ألأنصار للإمام الحسين أن خرج معه خمسة منهم ، رافقوه بكل المراحل ، ولم يتخلوا عنه ، وقاتلوا برجولة نادرة بين يديه حتى قتلوا ،(1)وعذر أنصار المدينة أنهم ضاعوا وسط ألأكثرية التي كانت على الشرك ثم أسلمت ، وصارت أكثرية مسلمة ، واستولت على الخلافة بالقوة ، فصار حاكم ألأنصار هو عدوها الذي حاربته بألأمس تحت قيادة الرسول وآله ، فكانت عيون ألأكثرية الحاكمة مفتوحة على كل حركة وسكنة للأنصار ، وكان ألأنصار بنظر ألأكثرية الحاكمة موضع شبهة بموالاة آل محمد الذين قادوا الحرب ضد تلك ألأكثرية عندما كانت على الشرك ، وكان ألأنصار وأولادهم إذا ما أرادوا الحياة أن يثبتوا لبطون قريش الـ 23 أنهم ليسوا مع آل محمد !!!فضلا عن ذلك فإن ألأنصار صاروا قلة قليلة جداً وسط الكثرة التي كانت مشركة ثم أسلمت ، ووسط الكثرة الوافدة من البلاد المفتوحة ، وبالتالي قلت أهمية ألأنصار ، وتضائلت فعاليتهم . لكل هذه ألأسباب أضطر الإمام الحسين ليخرج من المدينة كارهاً !!.

أهداف ألإمام المرحلية:

وفق التحليلات الدقيقة للإمام الحسين ،ـ والتي أشرنا قبل قليل ـ رأى أن مبايعته ليزيد بن معاوية جريمة كبرى وبكل المعايير الدينية والتاريخية والمنطقية ، لذلك امتنع عن بيعة يزيد بن معاوية ، وأعلن هذا الإمتناع بكل وسائل الإعلان .ألامتناع عن البيعة في عرف الخلفاء وأركان دولتهم ، يعتبر خروجا على طاعة الخليفة الغالب ، وعدم القبول بخلافته ، ووفق قوانين دولة الخلافة السائدة

(1) راجع المناقب لابن شهر آشوب ج4 ص104 والخوارزمي ج2 ص21 وتاريخ الطبري ج5 ص423 وبحار ألأنوار ج4 ص28 وتاريخ الطبري ج4 ص413 وقد وثقناه تحت عنوان « جماعات وأفراد الفئة ألأولى».
كربلاء ـ الثورة والمأساة 158


فإن هذا الامتناع بمثابة إعلان حرب وهو من جرلئم الخيانة العظمى التي يعاقب مرتكبها بالموت ، كائنا من كان ، ومن الطبيعي أن الخليفة وأركان دولته قد سمعوا بامتناع ألإمام الحسين عن البيعة ، وأنهم بوقت يطول أو يقصر سيرسلون قواتهم المسلحة لتجر ألإمام الحسين وأهل بيته بالقوة ، وتجبرهم على البيعة وهو صاغرون ، أو تقتلهم أشنع قتلة ، ولن تأخذ الخليفة ولا أركان دولته بهم رحمة أبداً ، ولن يرعوا فيهم إلا ولا ذمة ، فالحسين موقن أنه أمام فرعون وجنوده ، ولكن فرعون المسلمين مسلح بالدين ، فهو يلبس قفازات بيض ، ويتظاهر بالإسلام والطهارة والبراءة ، ويده ملطخة بدماء الجريمة ، والحسين بشر مزوّد فسيولوجياً بالطاقة على الهروب مما يؤذيه وعلى البحث عما يأويه ويحميه ، فالحسين يريد فئة من الناس تحميه وتحمي أهل النبوة ، وتنصرهم من فرعون وجنوده ، إذا ما جاءوا يوما وهم قادمون لا محالة ـ لجر الحسين وأهل بيت النبوة إلى البيعة وهم صاغرون أو قتلهم ، هذا بالضبط ما يريده الإمام الحسين .

إصلاح ألأمة :

خلال فترة امتناع الحسين عن البيعة ، وخلال فترة المطاردة سيسمع كل المسلمين بواقعة امتناع الحسين عن المبايعة وبواقعة مطارة الفرعون وجنوده وسيسمعون بألأسباب التي دعت الإمام الحسين للامتناع عن البيعة ، فالحسين ليس رجلا من عامة الناس ، فالمسلمون يعرفونه على أنه عميد آل محمد الذين يصلون عليهم في صلاتهم ، وعميد أهل بيت النبوة الذين طهرهم ألله ، وعميد ذوي القربى الذين افترض الله مودتهم على العباد ، لذلك فمن المعروف بالضرورة أن المسلمين سيتابعون مآل امتناع الإمام عن البيعة وعاقبة هذا الإمتناع ، ويتابعون أيضا أنباء المطاردة ، ويتابعون بالضرورة تصريحات الإمام الحسين خلال فترة المطاردة ، وهذا بالضبط ما أراده الإمام الحسين وسيعرف المسلمون في النتيجة أن خليفتهم ليس هو خليفة رسول الله كما يدعي ، إنما هو رجل غاصب للسلطة ، استولى عليها بالقوة وفرض نفسه على المسلمين بالقهر ، وحكمهم بالطريقة التي يحكم بها أئمة الكفر رعاياهم ، وخاصة وأن المسلمين جميعا يعرفون

السابق السابق الفهرس التالي التالي