كربلاء ـ الثورة والمأساة 118


القومُ حرم الرسول كما تساق ألأسارى ، حتى إذا بلغوا بهم الكوفة ، خرج الناس ينظرون إليهم وجعلوا يبكون ويتوجعون . قال ابن أعثم والخوارزمي : إنه بعد خطبة زينب عليها السلام « رأيت الناس يومئذ حيارى كأنهم سكارى يبكون ويحزنون ويتفجعون ، وقد وضعوا أيديهم على أفواههم ، ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفا بجنبي قد بكى حتى أخضّلت لحيته بدموعه وهو يقول : صدقت بأبي وأمي ، كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النسوان » .(1)
ولما بلغ اهل المدينة أن علي بن الحسين مع عماته وأخواته قد رجعوا إلى المدينة لم يبق في المدينة مخدرة ولا محجبة إلا برزن من خدورهن وهن بين باكية ونائحة ، فلم ير يوم أمر على أهل المدينة منه .
وألقى ألإمام علي بن الحسين كلمة جاء فيها:
« ......أيها الناس أصبحنا مطرودين ، مشردين ، مذودين ، شاسعين ، كأنا أولاد ترك أو كابل من غير جرم أجرمناه ، ولا مكروه أرتكبناه ، ما سمعنا بهذا في آبائنا ألأولين إن هذا إلا إختلاف ، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم إليهم في الوصاية بنا ، لما زادوا على ما فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون.»
فقام إليه صوحان بن صعصعة فاعتذر إليه ، فقبل عذره وشكر له وترحم على أبيه .(2)

عقاب عاجل لأهل المدينة :

بعد مدة يسيرة من مذبحة كربلاء ، جاء دور الذين لم يمنعوا ألإمام الحسين ويحموه ، والذين خذلوا الحسين وتركوه يخرج وحيداً بأهله ، فأرسل إليهم يزيد بن معاوية جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة الذي أختاره يزيد بناء على نصيحة (رهين الرمس ) أبيه معاوية ليأخد البيعة من أهل المدينة . وبعد أربعة أيام على
(1) تأريخ إبن أعثم الكوفي ج5 ص 221-226 ومقتل الخوارزمي ج2 ص 40-42 .
(2) راجع مثير ألأحزان ص 90-92 ،واللهوف ص 76-77 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 119

وصول الجيش « ألإسلامي » تمكن مسلم بن عقبة وجيش من قتل أحد عشر ألف مسلم من أهلها ،(1) ونهب كل ألأموال الموجودة فيها ،(2) وأخذ البيعة ممن تبقى من سكانها على أنهم عبيد وأقنان لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية يتصرف بهم كما يشاء.(3)
لو أن ألأنصار من سكان المدينة على ألأقل جاءوا إلى ألإمام الحسين وقالوا له : إن جدك رسول ألله قد أخذ منا ألبيعة على أن نحميه ونحمي أهل بيته كما نحمي ذرارينا ونحن ملزمون بحمايتك ، ابق يا ابن الرسول ولا تخرج فنحن جندك ، وأنت أولى بالبيعة من هذا الفاجر ، لو قالوا هذا أو ما هو على ساكلته ودخلوا بحرب طويلة مع يزيد تحت قيادة ألإمام الحسين لما خسرت المدينة نصف معشار ما خسرته بأربعة أيام ، لقد حارب ألأنصار بطون قريش ثماني سنوات ولم يزد عدد قتلاهم في تلك الحرب على مائة قتيل ، فكأن ما أصاب المدينة عقوبة عاجلة لأهلها وصفقة على حساب عقوبات مقبلة ، وأصاب مكة ما أصاب المدينة .

(1) راجع تأريخ ابن كثير ج8 ص22 ، وألإمامة والسياسة لإبن قتيبة ج1ص215
(2) راجع تأريخ ابن كثير ج8 ص220 وابن ألأثير ج3 ص47 ، وتأريخ الطبري ج7 ص14 .
(3) راجع تأريخ الطبري ج7 ص11 ، والتنبيه وألإشراف للمسعودي ص264 ، ومروج الذهب للمسعودي ج3 ص71 ، وتأريخ الطبري ج7 ص14-22 وكتاب الفتوح لإبن أعثم الكوفي ج5 ص306 وألأخبار الطوال للدينوري ص265 والعقد الفريد لإبن عبد ربه ج4 ص390.
كربلاء ـ الثورة والمأساة 120




كربلاء ـ الثورة والمأساة 121


الفصل الرابع
أخبار السماء عن مذبحة كربلاء

عندما حدثت مذبحة كربلاء لم تكن مفاجأة للأمة الإسلامية ، فألأمة وطغاتها كانوا على علم بالمذبحة قبل وقوعها !! فقبل وقوع المذبحة بأكثر من نصف قرن أخبر رسول ألله ألأمة بأن فئة من أعداء الله ورسوله المتسترين بألأسلام سيخططون لمذبحة كبرى يقتلون فيها بشناعة بالغة أحب الخلق إلى قلبه الحسين بن علي ابن بنته البتول فاطمة الزهراء ، الذي ولد حديثاً !! وأن المذبحة ستتم على أرض العراق ، وبالتحديد على ضفة شط نهر الفرات ، وبمكان يقال له كربلاء . وكانت العراق يومئذ تحت حكم الفرس ، وكان مجرد التصور بأن المسلمين سيفتحون العراق ، وسيدخل أهله بألأسلام ضرباً من ضروب ألأحكام وفق مقاييس بعض المسلمين . وأبعد من ذلك فأن الرسول قد أخبرهم بأن المذبحة ستتم بزمن خليفة مسرف ، مستهتر ، محسوب عليه ، يقال له يزيد ، وبأيدي أناس يزعمون ألأنتماء لأمته !!.
كان الرسول يتحدث بيقين عن أمور ستقع بعد ستين سنة وكأنها واقعة بالفعل !! وبالرغم من عظمته وتميّزه إلا أنه صلى ألله عليه وآله بكى بكاء ً مراً أمام المسلمين وهو يخبرهم بهذه ألأنباء ، وكان لبكائه شهيق !! موصياً المسلمين أن القتلة إن نجحوا بفعلتهم سيصيبون منه مقتلاً !!.

النبي يستنصر للحسين :

إن القتل أبشع الجرائم التي عرفها الجنس البشري وهو عين الظلم والله تعالى لا يأمر بالقتل ولا يفرضه على العباد ، ولا يقوي القتلة على القتل إن وجدوا قوة تحول بينهم وبين تنفيذ جريمتهم !! لذلك ومن هذا المنطلق كرر رسول الله تحذيراته من وقوع المذبحة وأمر المسلمين وكلفهم بأن يقفوا إلى جانب أبنه
كربلاء ـ الثورة والمأساة 122


الحسين ، وأن يدافعوا عنه بكل قواهم ، وإن ماتوا وهم يدافعون عنه فهم شهداء ، وبشرهم بالجنة إن ماتوا دفاعاً عنه فهم شهداء ولهم أجر شهداء ألأرض . وحذر الرسول أمته من مغبة التخلي عن نصرة الحسين ، لأنهم إن فعلوا ذلك فإن عذاب الله سيصيبهم وسيكون هذا العذاب فريداً من نوعه ، وسيقتل فوق ذلك من ألأمة بالحسين وصحبه مئات ألأضعاف ، وفوق ذلك فإن ألأمة ستضل ولن تبلغ الهدى إلا قليلا .
وتناقل المسلمون هذه ألأنباء التي سمعوها وشاعت بين الناس ، كما شاع غيرها من أخبار النبي .

التندر والعجب من هذه ألأخبار :

المنافقون والذين أتبعوا الرسول ليقينهم أن محمداً سينجح بتكوين ملك ، فأتبعوه طمعاً بهذا الملك المرتقب ، اعتبروا هذه ألأنباء مثاراً للتندر ، فإبن ابنته ولد لتوّه ، والعراق تحت حكم ألأكاسرة !! وما معنى الخليفة يزيد ، وأين هو ، ومن سيخلف !! ومن الذي ضمن لمحمد أن ابن ابنته سيعيش لستين عاماً !! أليس من الممكن أن يقتل أو يموت قبل أن يبلغ السن !! المئات من ألأسئلة خطرت بأذهان المنافقين من المدينة ومن حولهم من ألأعراب وأخالهم قد أعتبروها وفق مقاييسهم الفاسدة شطحة من شطحات محمد كشطحة ألإسراء والمعراج !!! أما القلة المؤمنة الصادقة فقد آمنت بأن رسول الله لا ينطق عبثاً ولا عن الهوى ، بل يتبع ما يوحى إليه من ربه ، ويبلغ الناس ما أُمر بتبليغه وأن لإبنه الحسين هذا شأنا عظيما وإلا لما اهتمت السماء بأخبار تتعلق به وتقع بعد ستين عاما !! لقد أثارت تلك ألأنباء المتعلقة بمذبحة كربلاء عجبهم بعظمة نبيّهم وابن ابنته ومكانتهما عند الله تعالى ، وعلى أي حال فالمنافقون والمتربصون بالملك والمؤمنون على حد سواء أحيطوا علما بأنباء مذبحة كربلاء !! .

الذبيح المرتقب :

استقطابا للمسلمين ، وحشداً لتأييدهم ومناصرتهم لأبنه الذبيح المرتقب

كربلاء ـ الثورة والمأساة 123


اخبرهم رسول الله بأن ألله سبحانه جعل ذريته من صلب علي ، فلن تكون له ذرية إلا من ولد فاطمة ، فهو أبوهم وهو عصبتهم (1) وعلى هذا ألأساس فالحسن ابنه والحسين ابنه أيضاً وهما هبة الله لمحمد وللأمة ، وقد أشتهر هذا ألأمر بين المسلمين ، حتى صار معروفاً عند الجميع ، وعرف الجميع أنهما أحب الخلق إليه (2) فكانا يثبان على ظهره وهو يصلي فلا يمنعهما (3) وإذا حضرا وهو يخطب على المنبر بالمسلمين يقطع خطبته وينزل ويحمل إبنيه (4) ليشعر المسلمين بأهمية هذين الطفلين ، وبقربهما له ، وحبه لهما ، وليركز في أذهان المسلمين أنباء المذبحة وحوافز تأييدهم للحسين ، ثم أعلن مراراً وتكراراً بأن ابن عمه علي بن ابي طالب هو وليّه وخليفته من بعده (5) وهو سيد العرب ،(6)وسيد المسلمين ،(7) وان ابنته فاطمة هي سيدة نساء العالمين ،(8)وأن رسول الله هو سيد ولد آدم(9) فالحسن والحسين سليلا ألأسياد ، وأعلن رسول الله أن هؤلاء ألأربعة ، علي وفاطمة والحسن والحسين هم أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً(10) وهم آل محمد(11)الذين جعل الله الصلاة عليهم جزءاً من الصلاة المفروضة على العباد وهم ذوو قربى النبي ، الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم (12)وجائت واقعة المباهلة لتعمم هذه الإعلانات التأريخية على كافة

(1) راجع كنز العمال ج1 ص152 الحديث2510 ، والصاعق المحرقة لأبن حجر ص112 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص164 .
(2) راجع سنن البهيقي ج2 ص263 ، والمستدرك على الصحيحين ج3 ص167 .
(3) المصدر نفسه
(4) راجع صحيح الترمذي ج2 ص306 ، ومسند أحمد ج5 ص354 ، وسنن البهيقي ج3 ص218. (5) راجع كتابنا المواجهة تجد فيه مئات المراجع وكتابنا نظرية عدالة الصحابة .
(6) راجع حلية ألأولياء وشرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج3 ص251.
(7) راجع المعجم الصغير للطبراني ج2 ص88 ، وترجمة الإمام علي من تأريخ دمشق لإبن عساكر ج2 ص257 .
(8) ألأستيعاب لأبن عبد البر بهامش ألإصابة ج4 ص377-378 وأسد الغابة ج5 ص437 .
(9) راجع شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج3 ص251 . (10) راجع صحيح مسلم ج2 ص368 وج15 ص194 بشرح النووي ، وصحيح الترمذي ج5 ص30 .
(11) راجع مسند أحمدج6 ص323 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص108 و ج3 ص147 .
(12) راجع المستدرك على الصحيحين للحاكم ج3 ص172 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص1=
كربلاء ـ الثورة والمأساة 124


سكان الجزيرة العربية ومن مختلف الملل(1) وواقعة المباهلة من القوة بحيث أنها مدعومة بآية محكمة ومن الوضوح بحيث يتعذر تأويلها . وفي غدير خم عندما عاد الرسول من حجة الوداع بلغ غاية ألإحكام عندما أعلن في غدير خم أنه بعد عودته للمدينة سيمرض ، وسيموت في مرضه وإن اراد ان يلقي القول معذرة للناس ، وأنه سيترك للناس بعد موته : الثقلين كتاب ألله وعترته أهل بيته (2)وأنهما لن يفترقا ،(3)ويوم القيامة سيسأل المسلمين عن ألأثنين معاً،(4)ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب وقال : من كنت وليّه فهذا وليّه(5)ومن كنت مولاه فهذا مولاه (6)ومن كنت ألأولى به فعلي هو ألأولى به ،(7)وتفرق المسلمون على هذا ألأساس . وكان المسلمون يرسلون كافة هذه الحقائق إرسال المسلمات ، تماما كطلوع الشمس من المشرق ، ولما أستولت بطون قريش على منصب الخلافة بالقهر والغلبة وأخرّت الذين قدمهم ألله ، وقدمت الذين أخرّهم ألله قاد الخلفاء بأنفسهم وبمساعدة أوليائهم حملات التشكيك بمكانة ألأربعة ليبرروا تقدم الخلفاء وتأخر آل محمد ، وليخفوا آثار جريمة غصب السلطة والولاية .
وقد سقنا عند التعريف بقادة فئتي كربلاء نماذج من النصوص النبوية التي أعلنها النبي والتي تضمنت قول النبي بأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وريحانتاه من هذه ألأمة ، وأنهم سبطاه ، وأن حريهم حربه ، وسلمهما سلمه ، وأن عدوهما عدوه ، وحبيبهما حبيبه ووثقنا ذلك في حينه ، وبيّن الرسول
=و57 ، والدر المنثور ج6 ص7 .
(1) راجع صحيح مسلم ج2 ص360 وج7 ص120 بشرح النووي ، والمستدرك على الصحيحين ج3 ص15 .
(2) رجع صحيح مسلم بشرح النووي ج2 ص362 و ج15 ص179-180 .
(3) راجع صحيح الترمذي ج5 ص328 ح3874 ، وكنز العمال ج1 ص154 على سبيل المثال .
(4) راجع أسد الغابة لإبن ألأير ج3 ص147 ، ومجمع الزوائد ج5 ص195 .
(5) راجع كتابنا المواجهة ص400 وما بعدها تجد أكثر من مئة مرجع ، وكتاب نظرية عدالة الصحابة وكتاب الوجيز في الإمامة والولاية .
(6) المصدر نفسه .
(7) المصدر نفسه .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 125


أن ألحسن والحسين أحب الناس إلى قلبه .(1)

ماذا على الرسول أن يفعل !!:

ماذا بوسع الرسول ألأعظم أن يفعل غير ذلك !! وماذا بوسعه أن يعلن غير ما أعلن !! أو يحتاط غير ما احتاط به ، أو يوصي غير الذي أوصاه ، لقد ذُبح الحسين بعد موت جده رسول ألله!!! ولو كان الرسول حياً لفدى حسينا وأهل بيته بملك الدنيا كلها ، ولفداهم حتى بروحه الطاهرة ، ولقاتل دونهم ، ولذهبت نفسه حسرات على ما أصابهم ، ولكن الرسول في رحاب ألله وبينه وبين المجرمين برزخ !!

أزمة تصديق الرسول :

القلة المؤمنة الصادقة هي التي كانت تصدق النبي ، وتعتبره متصلاً بالله، ولا ينطق عن الهوى ، وأنه يقول كل ما يؤمر بقوله ، ومع هذا فإن هذه القلة متفاوتة بأيمانها ودرجات تصديقها لأنها تتعرض لموجات من التشكيك في ما تسمعه من رسول ألله من ألأكثرية الكافرة التي تحيط بها وتعيش معها ، أضف إلى ذلك معقولية ما يسمعونه ، فالخارق ممن يسمعونه مكنم الرسول يخضعونه لمقاييسهم وتحاليلهم العقلية ، كأن يقولون : أيعقل هذا !! وغالباً تقف عقولهم عاجزة عن ألإجابات !! فالرسول يتكلم بيقين بالغ عن أمور تحدث خلال عشرات أو مئات السنين وهم مندهشون من هذا اليقين ، لكن عقولهم لا تستطيع مجاراته ، وقلة نادرة من المسلمين هي التي جارت وسايرت وواكبت يقين النبي !!!
الرسول يبلغ ويقيم الحجة :

لقد بلّغ الرسول للمسلمين ما أمره الله تعالى بتبليغه ، وكشف لهم كافة الجوانب المتعلقة بمذبحة كربلاء ، وكانوا بعرفون تماماً درجة القرابة بين النبي وبين الحسين والطيبين الذين أستشهدوا معه وقد بلغهم الرسول المكانة الدينية التي

(1) راجع على سبيل المثال صحيح الترمذي ج2 ص306 ، وذخائر العقبى للطبري ص122 وألإصابة لإبن حجر ج2 ص11 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 126


أعطاها ألله لأهل بيت النبوة ولآل محمد وذوي قرباه ، وسواء صدقوا أو لم يصدقوا فقد سمعوا البلاغ وأحيطوا علما بمكانة ألإمام الحسين عند النبي ، وسمعوا النبي وهو يأمرهم ويكلفهم بنصرة ألإمام الحسين ، وسمعوه وهو ينذرهم بالعذاب والشر المستطبر إن لم ينصروا الحسين !! ومعنى ذلك أن الحجة قد أقيمت عليهم تماما بعد أن بينها الرسول بكل وسائل البيان .

أسلوب ألأكثرية ألساحقة من ألأمة ألإسلامية
بأطاعة رسول ألله ونصرة ألحسين ، وحفظ أهل بيت النبوة !!!

أما علي فقد سلبوه حقه ، وأخروه وهو المتقدم ، وأذلوه وهو العزيز ، ثم قتلوه وهو صائم .
وأما فاطمة فقد غصبوها إرثها وممتلكاتها وهمّوا بإحراق بيتها عليها وعلى زوجها علي ، وعلى طفليها يوم ذاك الحسن والحسين ، فماتت كمداً وهي شانئة للقوم .
وأما الحسن فقد جرعوه كؤوس العذاب ، وطعنوه ونهبوا رحله ثم قتل مسموما بتخطيط من معاوية .
وأما الحسين ذبيح كربلاء ، فقد ساموه سوء العذاب ، وذبحوا أمامه أولاده ، وأخوته وأولاد إخوته ، وأبناء عمومته ، ثم توجوا المذبحة بقتل الحسين أشنع قتلة !! وقبل أن يقتلوهم بأيام منعوا عنهم ماء الفرات وهو متاح للحيوان والطير والوحش ، فمات الحسين وأهل بيت النبوة عطشى وظمأى ، ولم يكتفوا بذلك بل أوطأوا الخيل صدورهم وهم أموات ، ثم قاموا بقطع رؤوسهم ، وحملها جيش الخلافة على رؤوس الرماح نشوة وأفتخاراً بالمذبحة ، بعد أن سلبوهم كل ما معهم وسلبوا حتى ملابس الشهداء ونعالهم !! وبعد ذلك ساقوا بنات الرسول أسارى من بلاد العراق إلى بلاد الشام ، وسموا المذبحة « بنصر ألله وألفتح » .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 127


عندما عاد علي بن الحسين إلى المدينة قال في مقطع من خطبة ألقاها بمستقبليه ومعزّيه من أهل المدينة:
« وألله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا ، كما تقدم إليهم بالوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوا ، فأنا لله وأنا إليه راجعون » .(1)

ألملك وألجيش وألأمة وألمذبحة :


قد يتصوّر بعض الناس أن ملك الفرس ، أو ملك الروم ، أو ملك التتار هو الذي أمر بالمذبحة !! لا إنه ملك المسلمين يزيد بن معاوية بن أبي سفيان !!! والجيش الذي إرتكب المذبحة ليس جيش الفرس ، ولا جيش الروم ولا جيش التتار ولكنه جيش الخلافة الإسلامية!!! وقائد الجيش الذي أشرف على تنفيذ المذبحة هو عمر بن سعد بن أبي وقاص !!! يعاونه أركان قيادته المسلمة !!! .
وألأمة التي شهدت المذبحة لم تكن أمة التتار ولا أمة السكسون ولا الهنود الحمر إنما كانت ألأمة ألإسلامية !! ..

جريمة مع التعمد وألإصرار :


المجرمون الذين أرتكبوا مذبحة كربلاء ، كانوا يعلمون علم اليقين أن المذبحة أشنع جريمة ، وأن النبي قد حذرهم منها بكل وسائل التحذير ، وكانوا يعلمون علم اليقين أنهم يقتلون آل محمد ، وأهل بيته ، وكانوا يعلمون علم اليقين أن مذبحة كربلاء تصيب من النبي مقتلا ، وتفجعه بأحب الخلق إلي، ولكن القتلة ملكا وجيشا وقيادة ً مع سبق ألإصرار والترصد نفذوا جريمتهم النكراء بوحشية بالغة وعدم مبالاة.
وألأكثرية الساحقة من ألأمة الإسلامية كانت تعلم علم اليقين أن الذين أخرجوا إلى كربلاء هم آل محمد ، وأهل بيته ، وذوو قرباه ، وكانت تعرف مراتبهم العليّة ، ودرجاتهم السنيّة وقد سمعت من النبي أنباء المذبحة قبل وقوعها بستين

(1) راجع مثير ألأحزان ص 90/92 ، واللهوف ص76/77 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 128


عاما ، وسمعت أوامر النبي بضرورة نصرة الحسين والدفاع عنه ، مثلما سمعت نذر النبي من مغبة التخلي عنه ، ومع هذا تجاهلت كل ذلك وكانت بين مشارك للقتلة بالمذبحة أو مؤيد لهم او متفرج عليهم ، فكانت أفعال هذه ألأكثرية مشاركة جريمة مع جميع الوجوه وكأفعال القتلة تماما وهي سلسلة جرائم ولكن مع سبق الترصد وألإصرار ، لقد سمع العالم كله ، بخروج الحسين من المدينة إلى مكة إلى العراق ، وكانت فترة كافية للتجمع ونصرته ولكن ألأكثرية تخلت عنه . ألا بُعدا لهم كما بعدت ثمود .

من أخبار السماء عن مذبحة كربلاء :

النموذج ألأول :روت أم الفضل بنت الحارث ، أنها وفي يوم من ألأيام بعد ولادة الحسين حملته ، ووضعته في حجر النبي ، فأذا عينا رسول ألله تهريقان من الدموع ، فلما سألته عن سبب بكائه ، قال لها النبي : « أتاني جبريل فأخبرني أن أمتي ستقتل أبني هذا ، قال فقلت : هذا ؟ فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » (1)قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين .
النموذج الثاني :قالت أسماء بنت عميس ، والصحيح كما قال العسكري : « سلمى بنت عميس زوجة سيد الشهداء حمزة » (2)لما ولد الحسين أمرني النبي أن آتيه به ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ثم وضعه في حجره وبكى !! ولما سألته عن سبب بكائه، قال النبي : على أبني هذا ، فقالت سلمى : إنه ولد الساعة ، قال النبي : تقتله الفئة الباغية لا أنالهم ألله شفاعتي ، ثم قال لها : لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبة عهد بولادته .(3)


(1) راجع المستدرك على الصحيحين ج3 ص76 ، ورواه مختصرا في ص179 ، وراجع تأريخ أبن عساكر ح631 ، وقريب منه في ح630 ، ومجمع الزوائد ج6 ص179 ، ومقتل الخوارزمي ج1 ص159 و 162 ، وابن كثير ج6 ص230 و ج8 ص199 ، والفصول المهمة لأبن الصباغ المالكي ص145 ، والصواعق لإبن حجر ص115 ، وكنز العمال ج6 ص223 ، وراجع معالم المدرستين للعسكري ص28 وفضائل الخمسة ج3 ص336 .
(2) راجع ترجمتهما في أسد الغابة ص479 .
(3) راجع مقتل الحسين للخوارزمي ج6 ص87-88 وذخائر العقبى للطبري ص119 ، ومعالم المدرستين للعسكري ج1 ص17 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 129



النموذج الثالث :قالت زينب بنت جحش : بينما كان الرسول في بيتي ، دخل الحسين فقام النبي ، فصلى ، فلما قام أحتضن الحسين إليه ، فأذا ركع أو جلس وضعه ثم جلس فبكى ، ثم مد يده ، فسألته حين قضى الصلاة قائلة : « يا رسول الله إني رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك صنعته ؟ قال النبي : إن جبريل أتاني أن هذا تقتله أمتي ، فقلت : أرني تربته ، فأتاني بتربة حمراء .(1)
النموذج الرابع :قالت أم سلمة : إن رسول الله رقد ذات ليلة ، فأستيقظ مضطربا ، ثم أضطجع فرقد فأستيقظ مضطربا ، ثم اضطجع فرقد واستيقظ وفي يده تربة حمراء يقلبها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال النبي : أخبرني جبرئيل ، أن هذا (أي الحسين ) يقتل بأرض العراق ، فقلت لجبرئيل : أرني تربة ألأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها .(2)
النموذج الخامس :قالت أم سلمة : دخل الحسين يوما ختى جلس في حجر النبي ، فقال جبرئيل للنبي : إن أمتك ستقتل أبنك هذا ، فقال النبي : يقتلونه وهم مؤمنون بي ؟ قال : نعم ، فتناول جبرئيل تربة فقال : بمكان كذا وكذا ، فخرج رسول الله ، قد احتضن حسينا ، كاسف البال ، مغموما ، فظنت أنه غضب من دخول الصبي عليه لأنه كان قد أمر أن لا تدع أحدا يدخل عليه ، فقالت معتذرة : يا رسول الله قلت لنا لا تبكوا هذا الصبي ، وأمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك فجاء ، فخليت عنه ، فلم يرد عليها الرسول ، وخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال لهم : « إن أمتي يقتلون هذا » وفي القوم أبو بكر وعمر ، وفي آخر الحديث أراهم تربته .(3)


(1) راجع تأريخ ابن عساكر ح629 ، ومجمع الزوائد ج6 ص188 ، وكنز العمال ج13 ص112 ، وتاريخ ابن كثير ج8 ص199 ، ومثير ألأحزان ص7ـ10 ، واللهوف ص7ـ9 .
(2) رجع المستدرك على الصحيحين ج4 ص398 ، والمعجم الكبير للطبراني ح55 ، وتاريخ ابن عساكر ح619-621 ، وترجمة الحسين من الطبقات الكبرى لأبن سعد ح267 ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص11 ، وسيّر أعلام النبلاء ج3 ص194ـ195 ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص158ـ159، وذخائر العقبى للطبري ص148ـ149 ، وتاريخ ابن كثير ج6 ص230 ، وكنز العمال ج16 ص266 ، ومعالم المدرستين ج3 ص31 ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص337 .
(3) راجع تاريخ ابن عساكر ح618 ، وتهذيبه ج4 ص325 ، وتاريخ ألإسلام للذهبي ج3 ص10 ، وسيّر =
كربلاء ـ الثورة والمأساة 130


النموذج السادس :قالت أم سلمة : سمعت نشيج النبي يبكي ، فأطلعت فإذا حسين بحجره والنبي يمسح جبينه وهو يبكي ، فإعتذرت أم سلمة قائلة: والله ما علمت حين دخل ، لأن الرسول أمرها أن لا تدخل عليه أحداً ، فقال النبي : إن جبرئيل كان معنا في البيت ، فقال أتحبه ؟ قلت : أما من الدنيا فنعم ، قال : « إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء ، فتناول جبرئيل من تربتها فأراها النبي ، فلما أحيط بالحسين ، قال : ما أسم هذه ألأرض ؟ قالوا كربلاء ، قال : صدق الله ورسوله ، أرض كرب وبلاء » .(1)
النموذج السابع :قالت ام سلمة : كان الحسن والحسين يلعبان بين يدي النبي في بيتي ، فنزل جبرئيل ، فقال : يا محمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك ، فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله ، ووضعه إلى صدره ثم قال رسول الله : وديعة عندك هذه التربة ، فشمها رسول الله وقال : ويح كرب وبلاء قالت : وقال رسول الله : يا ام سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فأعلمي أن ابني قد قتل ، قالت : فجعلتها في قارورة ثم جعلت أنظر إليها كل يوم قائلة : إن يوما تتحولين دما ليوم عظيم ».(2)
النموذج الثامن :قالت أم سلمة : دخل الحسين على النبي ففزع ، فقلت : مالك يا رسول الله ؟ قال : إن جبرئيل أخبرني أن ابني هذا يقتل ، وانه إشتد غضب الله على من يقتله ..(3)

= النبلاء ج3 ص10 ، ومجمع الزوائد ج9 ص189 ، ومعالم المدرستين ج3 ص30 ، وفضائل الخمسة ج3 ص341ـ342 .
(1) راجع معجم الطبراني ح53 ص125 ، ومجمع الزوائد ج9 ص188 ـ 189 ، وكنز العمال ج16 ص265 ، وذخائر العقبى ص147 ، ونظم دررالسمطين للزرندي ص215 ، ومعالم المدرستين للعسكري ج3 ص31ـ32 .
(2) راجع معجم الطبراني ح51 ص124 ، وتاريخ ابن عساكر ح622 وتهذيبه ج4 ص325 ، وذخائر العقبى للطبري ص147 ، ومجمع الزوائد ج9 ص189 ، والخصائص الكبرى للسيوطي ج2 ص152 ، وجوهرة الكلام ص120 .
(3) راجع تاريخ ابن عساكر ح623 وتهذيبه ج4 ص325 ، وكنز العمال ج23 ص112 ، ومعالم المدرستين للعسكري ج3 ص33 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 131

النموذج التاسع :قالت أم سلمة : قال رسول الله : يقتل الحسين بن علي على رأس ستين من مهاجري(1)حين يعلوه القتير .(2)
النموذج العاشر :قالت أم سلمة : كان النبي نائما، فجاء الحسين فأمسكته مخافة أن يوقظ النبي ، ثم غفلت عنه فدخل الحسين فقعد على بطن النبي ، فسمعت نحيب رسول ألله ، وجئت لأعتذر، فقال النبي : إنما جائني جبرئيل وهو على بطني قاعد فقال : أتحبه ؟ فقلت : نعم ، قال : إن أمتك ستقتله ، ألا أريك التربة التي يقتل بها؟ قال : فقلت : بلى ، قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة ، قالت : وإذا بيده تربة حمراء وهو يبكي ويقول : « يا ليت شعري من يقتلك بعدي » .
النموذج الحادي عشر :قالت أم سلمة : قلت يا نبي ألله أمرتني أن لا يلج عليك أحد ، وإن ابنك جاء فذهبت أتناوله ، فسبقني ، فلما طال ذلك تطلعت من الباب ، فوجدتك تقلب بكفيك شيئاً ، ودموعك تسيل والصبي على بطنك ؟ قال النبي : نعم ، أتاني جبرئيل ، فأخبرني أن أمتي يقتلونه ، وأتاني بالتربة التي يقتل عليها ، فهي التي أقلب بكفي.(4)
النموذج الثاني عشر :قال أنس بن مالك : جاء الحسين فأقتحم ، ففتح الباب فجعل النبي يلتزمه ويقبله فقال الملك الذي كان عنده : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه فقبض قبضة من

(1) راجع تاريخ ابن عساكر ح634 وتهذيبه ج4 ص325 ، ومجمع الزوائد ج9 ص189 ، ومقتل الخوارزمي ج1 ص161 ، ومعالم المدرستين ج3 ص33 .
(2) راجع ترجمة الحسين من معجم الطبراني ح42 ص121 .
(3) راجع تاريخ ابن عساكر ح626 ، وذخائر العقبى للطبري ص147 ، والفصول المهمة لأبن الصباغ الملكي ص154 ، وتذكرة الخواص لأبن الجوزي ص142 ، ومعالم المدرستين ج3 ص33 .
(4) راجع ترجمة الحسين في المعجم الكبير للطبراني ح54 ص124 ، وطبقات ابن سعد ح268 ، ومقتل الخوارزمي ج1 ص158 ، وكنز العمال ج16 ص226 ، وأخرجه ابن شيبة في المصنف ح12 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي