كربلاء ـ الثورة والمأساة 33


مرسوم التعيين :

كتب يزيد بن معاوية إلى عبيدالله بن زياد قائلا : أما بعد ، فإن الممدوح مسبوب يوما ، وإن المسبوب يوما ممدوح ، وقد سمي بك إلى غاية أنت فيها كما قال الأول :
رفعت وجاوزت السحاب وفوقه فما لك إلا مرقب الشمس مقعد

وأمره بالاستعجال على الشخوص ألى الكوفة ليطلب أبن عقيل مندوب الحسين فيوثقه أو يقتله أو ينفيه (1) .
وتلاحظ أن يزيد قد بين لعبيدالله بأنه بالذات هو وحده المؤهل للقيام بهذه المهمة ، وأن يزيد قد أطلق يد قائده عبيدالله وأعطاه كافة الصلاحيات للتعامل مع مندوب الإمام الحسين مسلم بن عقيل .
وتشير المصادر إلى أن يزيد قد كتب لعبيدالله بن زياد رسالة أخرى ، قال فيها :
« إنه قد بلغني أن حسينا قد سار إلى الكوفة ، وقد أبتلى به زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلدان ، وأبتليت به أنت من بين العمال ، وعندها تعتق ، أو تعود عبدا ، كما تعتبد العبيد » (2) فأنت تلاحظ أن هذه الرسالة مليئة بالتحريض والتهديد ، والتذكير بنعمة آل أبي سفيان على عبيدالله وأبيه زياد ، فقد كان زياد عبدا من أبوين عبدين وهما : عبيد وسمية ، فمن عليه معاوية وألحقه بالأمويين زاعما أن أبا سفيان قد زنى بسمية سرا ، وأنها حملت زيادا من تلك الزنية ، وأن أبا سفيان هو الوالد الحقيقي لزياد وليس عبيدا كما كان شائعا في المجتمع ، وعلاوة على « شرف » الإلحاق ولاه معاوية العراقين يتصرف فيهما تصرف السيد مع عبيده ، وها هو يزيد يتم نعمته على حفيد سمية فيوليه العراقين أيضا . بمعنى أن


(1) مقتل الحسين ، السيد المقرم ، دار الأضواء ، بيروت ، ص 148 ـ 149 .
(2) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 ص 344 ، وتاريخ أبن كثير ج 8 ص 165 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 34


عبيدالله إن لم ينجح بالتصدي لشيخ آل محمد وأهل بيت النبوة سيعود عبدا بلا حسب ولا نسب ولا مكانة !! .
وما يعنينا هو أن عبيدالله بن زياد عين رئيسا لهيئة الأركان المكلفة بأخذ البيعة من شيخ آل محمد وأهل بيت النبوة وهم صاغرون أو قتلهم والتمثيل بهم لوضع حد لخطرهم !!! .

عمر بن سعد :


لما جاء مسلم بن عقيل مندوب الحسين إلى الكوفة ، ورأى عمر بن سعد أبن أبي وقاص إقبال الناس عليه أحرق الحسد والكره قلبه ، فكتب سرا إلى يزيد بن معاوية بذلك . فمن الطبيعي أن يسر ذلك يزيد (1) ، ومن الطبيعي أن يطلب من عبيدالله تعيين عمر بن سعد بن أبي وقاص قائدا للقوات العسكرية المكلفة بقتل شيخ أل محمد وأهل بيت النبوة ، ومن الطبيعي أيضا أن يعده الخليفة وعبيدالله بن زياد بولاية الري إن هو نجح بالمهمة الموكولة إليه ، وهكذا كان إذ عين عمر بن سعد قائدا عاما للقوات العسكرية المكلفة بقتال أهل بيت النبوة وقتلهم والتمثيل بهم ، أما لماذا أختار عمر بن سعد بن أبي وقاص ليقود المرتزقة في كربلاء ؟ فإننا لا نعلم على وجه التحديد !! ربما لأن عمر كتب له بقدوم مسلم وإقبال الناس عليه !! وربما لأنه يعرف أن عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكارهين لآل محمد ، والحاقدين عليهم !! وربما لإشعار الناس بأن أولاد سعد بن أبي وقاص معه إستغلالا لسمعة سعد كأحد الذين وشحهم عمر بن الخطاب للخلافة !! وربما لضرب بطون قريش ببعضها حتى يكون هو الحكم .

شمر بن ذي الجوشن :


ومن أركان قيادة يزيد بن معاوية : شمر بن ذي الجوشن ، ويبدو أنه كان يتمتع بمكانة خاصة عند عبيد الله ، وفي قلوب أفراد عشيرته ، وأنه كان وجيه هذه العشيرة ، وقائد أفرادها في كربلاء ، بدليل أن أكثر المؤرخين يجمعون عند ذكر العشيرة ، وقائد أفرادها في كربلاء ، بدليل أن أكثر المؤرخين يجمعون عند ذكر

(1) راجع تاريخ الطبري ج 6 ص 99 ـ 201 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 35


قطع رؤوس الشهداء بأن هوازن جاءت « بكذا رأس من رؤوس الشهداء » مع صاحبهم شمر بن ذي الجوشن (1) ومن المؤكد أن أبن ذي الجوشن هذا كان قائدا للقوات الراجلة تحت أمرة سعد ، ومن المؤكد أيضا أن أبن ذي الجوشن هذا كان نائبا لعمر بن سعد بن أبي وقاص ، فعندما كان عمر يفاوض الإمام الحسين كانت أوامر عبيدالله بن زياد أن قاتل أو سلم الأمارة لشمر بن ذي الجوشن (2) ويبدو واضحا للعيان أن شمر بن ذي الجوشن لا يكره محمدا وآل محمد فحسب ، بل يحقد عليهم حقدا ، وعملا بالمبدأ السائد « صارت النبوة طريقا للملك » فمن المؤكد أن شمر هذا قد قرأ التاريخ وفهم تفاصيل معركة حنين والمواجهة بين قبيلته هوازن وبين النبي الأعظم (3) فامتلأت نفسه بالكره والحقد على محمد وآله ، ولأنه لا يستطيع أن يجهر بحقده على النبي ، فقد جهر بكراهيته وحقده على آل النبي ولقد تجلى هذا الحقد بأبشع صوره في معركة الطف .
وما يعنينا هو أنه كان الرجل الثالث في تلك القيادة المجرمة .

أركان القيادة الأقزام :

وساعد الثلاثة في القيادة مجموعة من أركان القيادة الأقزام ، الذين لم تكن لهم مكانة الثلاثة الأول إلا أنهم لعبوا دورا بارزا في قيادة الجند ألذين أشتركوا بمذبحة كربلاء . نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر :
الحصين بن نمير التميمي ، وشبث بن ربعي ، وكعب بن طلحة ، وحجار أبن أبجر ، ونصر بن حرشة ، ومضاير بن رهينة (4) ومن الذين قادوا قبائلهم :قيس بن الأشعث ، وهلال بن الأعور ، وغيهمة بن أبي زهير ، والوليد بن عمرو (5) ..

(1) راجع على سبيل المثال تاريخ الطبري ص 467 ـ 468 والأخبار الطوال للدينوري ص 259 .
(2) راجع تاريخ أبن الأثير ج 4 ص 23 ، وتاريخ الطبري ج 6 ص 236 .
(3) يمكن الإطلاع على تفاصيل هذه المواجهة في كتاب : المغازي للواقدي ج 2 ص 846 ، وراجع كتابنا المواجهة ص 329 .
(4) راجع : أبن شهر أشوب ج 2 ص 215 .
(5) راجع الأخبار الطوال للدينوري ص 259 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 36


القبائل التي أشتركت بالمذبحة :

نذكر منها على سبيل المثال : 1 ـ كنده ، 2 ـ هوازن ، 3 ـ تميم ، 4 ـ بنو أسد ، 5 ـ مذحج (1) ، 6 ـ الأزد ، 7 ـ ثقيف (2) .

(1) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 467 ـ 468 .
(2) الأخبار الطوال ص 259 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 37


الفصل الثالث
عدد الفئتين

عدد فئة الإمام الحسين :

لا نعرف بالتحديد وعلى وجه الدقة واليقين عدد الفئة الأولى التي كان يقودها الإمام الحسين في كربلاء ، لأن هذه الفئة مرت بسلسلة من الظروف والأحوال أثرت على عددها زيادة ونقصانا حتى أستقرت نهائيا في العشر الأوائل من شهر محرم ، ولكن بالاستقراء العلمي للمصادر التاريخية ، والمقاتل ، وكتب الزيارات ، وروايات الذين توثقت علاقاتهم بآل محمد وكانوا لهم شيعة ، وبحصر الذين نجوا من مذبحة كربلاء ، وبأعمال مناهج الأستقراء والأستدلال والأستنباط والمقارنة بهذا كله يمكن أن نقف على حقيقة العدد اليقيني .

عدد الناجين من المذبحة :

تجمع كافة المصادر التي أشرنا إليها على أن كافة الذكور ألذين تتكون منهم الفئة الأولى التي قادها الإمام الحسين في كربلاء قد قتلوا عن بكرة أبيهم ، ولم ينج منهم غير ستة : ثلاثة من بني هاشم وهم :
1 ـ الإمام علي بن الحسين ، زين العابدين ، فقد كان طريح الفراش ولا يقوى على الحركة .
2 ـ الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب . 3 ـ عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب فقد كانا طفلين (1) . ونجا من المذبحة ثلاثة من أنصار الحسين من غير الهاشميين وهم :
1 ـ الضحاك بن عبد الله المشرقي ، عاهد الحسين بالقتال معه ما كان القتال

(1) راجع على سبيل المثال تاريخ الطبري ج 5 ص 466 .
كربلاء ـ ألثورة وألمأساة 38


نافعا ، فإن لم يجد مقاتلا معه كان في حل من العهد ، وقد أنسحب هذا الرجل عندما لم يعد قتاله مجديا .
2 ـ عقبة بن سمعان مولى الرباب زوجة الإمام الحسين الذي قال لعمر بن سعد عندما وقع بين يديه : أنا عبد مملوك فتركه .
3 ـ المرفع بن ثمامة الأسدي ، جاء وقومه بالمراحل الأخيرة من القتال وهو يقاتل عندما لم يك القتال مجديا فأعطوه الأمان وأخذوه معهم (1) .
وقد أجمعت كافة المصادر على أنه عندما قتل كافة أنصار الإمام الحسين من غير بني هاشم ، وبعد أن قتل ذكور آل محمد وأهل بيت النبوة ، ركب الحسين جواده وأمتشق حسامه ، وأخذ يقاتل جيش الخليفة وحيدا ، ولما عقروا جواده ، قاتل جيش الخلافة راجلا وأستمر بالقتال وحيدا حتى أثخنته الجراح وقتل ، وبقتله ، وبقطع رؤوس الشهداء ، وبالدوس على جثثهم بسنابك الخيل ، وأخذ ملابسهم التي كانوا يرتدونها غنائم للقتلة ، وبالتمكن من بنات النبي وأخذهن سبايا ، أخذت مذبحة كربلاء صورتها النهائية بمعنى أن الإمام الحسين عمليا كان يدير القتال والعمليات العسكرية ولم يقاتل قتالا فعليا إلا بعدما أبيدت فئته وأصبح وحيدا أمام جيش القتلة !! .

رؤوس الشهداء :

يمكن أن نستدل على عدد الفئة التي كان يقودها الإمام الحسين بعدد رؤوس شهداء هذه الفئة التي حزها وقطعها القتلة بعد قتل الشهداء لينالوا بهذه الرؤوس الحظوة عند الخليفة وأركان دولة الخلافة ، ويثبتوا رجولتهم وشجاعتهم لعل الخليفة يرضى منهم ويأمر لهم ببعض المال ، ويبدو أن هنالك أتفاقا على عدد رؤوس الشهداء ، قال الطبري بروايته عن شاهد عيان من جيش الخلافة : « فقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأسا » (2) .

(1) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 389 و 418 و 444 و 445 و 454 .
(2) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 455 ـ 456 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 39


وقال الدينوري : « وحملت الرؤوس على أطراف الرماح وكانت أثنين وسبعين رأسا » (1) .
وقال الشيخ المفيد : « وسرح عمر بن سعد ... برأس الحسين ، وأمر برؤوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فقطعت وكانوا أثنين وسبعين رأسا » (2) .
وقال المجلسي في بحار الأنوار : « إن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأسا » (3) .

عدد الشهداء :

يبدو أن عددا من الشهداء لم تقطع رؤوسهم ، ومتابعة لاستقصائنا عن عدد الفئة الأولى التي كان يقودها الإمام الحسين تذكر طائفة من الروايات التي تحدثت عن عدد القتلى من فئة الإمام الحسين ، قال المسعودي : « وكان جميع من قتل مع الحسين في يوم عاشوراء بكربلاء سبعة وثمانين منهم أبنه علي بن الحسين » (4) .
وقال الطبري في رواية له : « فقتل من أصحاب الحسين 72 رجلا » (5) .
وقال الطبري في رواية أخرى : « أقبل زحر بن قيس حتى دخل على يزيد بن معاوية ، فقال : ما وراءك وما عندك ؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته ، وستين من شيعته ، فأحطنا بهم حتى أتينا على آخرهم » (6) .

عدد الفئة الأولى :

قال الطبري في رواية له عن أبي جعفر ، محمد بن علي بن الحسين ، الإمام

(1) الأخبار الطوال ص 259 .
(2) الأرشاد ص 243 .
(3) بحار الأنوار ج 45 ص 62 .
(4) راجع مروج الذهب للمسعودي ج 3 ص 71 ..
(5) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 455 .
(6) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 459 ـ 460 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 40


الباقر .... : « فلما رأى ذلك عدل إلى كربلاء ، فنزل وضرب أبنيته ، وكان أصحابه خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل » (1) .
وفي رواية ثانية للطبري : « وإنهم لقريب من مائة رجل ، فيهم لصلب علي بن أبي طالب خمسة ، ومن بني هاشم ستة عشر ... » (2) .
وروى الطبري أيضا : « وعبأ الحسين أصحابه وصلى بهم الغداة ، وكان معه أثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا » (3) .
قال الدينوري : « وعبأ الحسين أيضا أصحابه وكانوا أثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا » (4) .
وقال اليعقوبي : « وكان الحسين في أثنين وستين أو أثنين وسبعين رجلا من أهل بيته وأصحابه » (5) .
وقال الخوارزمي : « ولما أصبح الحسين عبأ أصحابه ، وكان معه أثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا » (6) .

القول الفصل :

قال الشيخ محمد مهدي شمس الدين في كتابه « أنصار الحسين » ، والذي أعتمدنا عليه في هذه الناحية : « نلاحظ قبل أن نذكر تقديرنا الخاص في المسألة ، أن عدد أصحاب الحسين لم يكن ثابتا في جميع المراحل منذ الخروج من مكة إلى ما بعد ظهر اليوم العاشر من المحرم في كربلاء ، وإنما كان العدد متقلبا عند الخروج من مكة بالعدد الذي ذكره الخوارزمي « 82 » ثم أزداد العدد كثيرا في الطريق ، ثم تقلص حتى عاد إلى العدد الأول « 82 رجلا » وربما يكون قد نقص

(1) تاريخ الطبري ج 5 ص 389 .
(2) تاريخ الطبري ج 5 ص 392 ـ 393 .
(3) تاريخ الطبري ج 5 ص 422 وص 436 .
(4) الأخبار الطوال ص 256 .
(5) تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 230 .
(6) مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي ج 2 ص 4 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 41


عنه قليلا ، أو أزداد بنسبة صغيرة قبل المعركة نتيجة لقدوم بعض الأنصار ، وتحول بعض جنود الجيش الأموي إلى معسكر الحسين ، وتقديرنا الخاص نتيجة لما أنتهى إليه البحث هو أن أصحاب الحسين الذين نقدر أنهم استشهدوا معه في كربلاء من العرب والموالي يقاربون مائة رجل أو يبلغونها ، وربما زادوا قليلا عن المائة ، ولا نستطيع أن نعين عددا بعينه ، لأنه لا بد من أفتراض نسبة من الخطأ تنشأ عن تصحيف الأسماء ، ومن عدم دقة الرواة ألذين نقلوا الأحداث ، وأسماء رجالها ، ولكن نسبة الخطأ المفترضة ليست كبيرة قطعا » (1) .
وأي باحث يستعمل مناهج الإستقراء ، والأستدلال ، والأستنباط ، والمقارنة ، يصل إلى شبه يقين بأن عدد الفئة الأولى التي كان يقودها الإمام الحسين في كربلاء كان أكثر قليلا من المائة ، أو أقل قليلا إذا ما أخذنا بعين الأعتبار أنه كان عند الحسين عشرة من الموالي ، وعند أبنه علي أثنان منهم . فالموالي وكما قال عقبة بن سمعان ( مولى الرباب ) عبيد (2) ، وفي عداد الممتلكات .

عدد الفئة الثانية :

في ست خلون من المحرم تكامل عند عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد جيوش الخليفة في كربلاء قرابة عشرين ألف مقاتل ، فمع شمر أربعة آلاف ، ومع يزيد بن الركاب ألفان ، ومع الحصين بن نمير أربعة آلاف ، ومع شبث بن ربعي ألف ، ومع كعب بن طلحة ثلاثة آلاف ، ومع حجار بن أبجر ألف ، ومع مضاير بن رهينة المازني ثلاثة آلاف ، ومع نصر بن حرشة آلفان ، ولم يزل عبيدالله بن زياد يرسل العساكر إلى عمر بن سعد حتى تكامل عنده ثلاثون ألفا »(3) قبل أن ينشب القتال .

(1) راجع « أنصار الحسين » .
(2) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 454 .
(3) راجع مقتل الحسين / عبد الرزاق الموسوي المقرم / ص 200 نقلا عن الأخبار الطوال للدينوري ص 253 ومقتل العوالم ص 15 و 45 وأبن شهر آشوب ج 2 ص 215 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 42


ويؤكد هذا العدد « ثلاثين ألفا » ما رواه أبو عبدالله ، الصادق ، من « أن الحسين دخل على الحسن في مرضه الذي أستشهد فيه ، فلما رأى ما به بكى ، فقال له الحسن : ما يبكيك يا أبا عبدالله ؟ فقال : أبكي لما صنع بك ! فقال الحسن : إن الذي أوتي إلي سم أقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، وقد أزدلف إليك ثلاثون ألفا يدعون أنهم من أمة جدنا محمد وينتحلون دين الإسلام ، فيجتمعون على قتلك ، وسفك دمك ، وأنتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وأنتهاب ثقلك » (1) ومن المؤكد بأن الأئمة الكرام إذا حدثوا ، فإنما يحدثون عن رسول الله ، ورسول الله لا ينطق عن الهوى ، فكافة المعلومات التي يثبت صدورها عن أئمة أهل بيت النبي هي معلومات يقينية من جميع الوجوه .
قال أبو الفداء في تاريخه (2) : إن عمر بن سعد بن أبي وقاص خرج في أربعة آلاف ، وإن الحر قد خرج في ألفين ، فمن المعروف أن عمر بن سعد هو القائد العام للعمليات الحربية في كربلاء ، والمكلف بقيادتها وتوجيهها حسب الأوامر التي يتلقاها من عبيدالله بن زياد ، ومن الخليفة يزيد بن معاوية ، ومن المعروف أن القوة التي قادها الحر هي قوة مهمتها الأستطلاع وتقييد حركة الإمام الحسين حتى يتكامل جيش الخلافة ، ومن المؤكد أن مجموعة من القبائل ككندة ، وهوازن ، وتميم ، وبني أسد ، ومذحج قد لبت نداء أبن زياد وخرجت للقتال بقيادة المتوجهين من رجالاتها كقيس بن الأشعث ، وشمر بن ذي الجوشن ، وهلال بن الأعور .. ألخ ومن الطبيعي جدا أن تنظم هذه القبائل لبقية جيش الخليفة ، وأن تضع نفسها تحت تصرف القائد العام عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وأن تأتمر بأمره ليشركها في الغنائم ، ولينقل لأسياده بطولة الوجوه وقبائلهم ، فينالوا حظوة الأسياد !! .
ووردت روايات بأن العدد أكثر من ذلك ، ففي هامش « تذكرة الخواص » لسبط أبن الجوزي رواية تفيد أن عدد الفئة الثانية « جيش الخليفة » كان مائة ألف ،

(1) راجع أمالي الصدوق ص 71 مجلس 30 .
(2) تاريخ أبي الفداء ص 190 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 43


وفي « تحفة الأزهار » لأبن شدقم « إن عددها كان ثمانين إلفا » .
ولكن الأقرب إلى الحقيقة أن عدد جيش الخلافة كان يتراوح بين عشرين ألفا وثلاثين ألفا ، وأن أبن زياد لم يتوقف عن إرسال المدد إلى عمر بن سعد حتى تمت المذبحة بدليل ما أجمع المؤرخون على قول أبن زياد لعمر بن سعد : » إني لم أجعل لك علة في كثرة الخيل والرجال ، لا تمس ولا تصبح إلا وخبرك عندي غدوة وعشية » . بتعبير العصر لقد أعلنت التعبئة العامة في دولة الخلافة عامة وفي أقاليم العراق خاصة ، يحشدون الخيل والرجال ويرسلونها إلى جبهة القاتال في كربلاء !!! وكانت الشعوب تواقة « للجهاد » لا حبا بالله أو برسوله ولكن طمعا بالمغانم ، وأبتغاء لمرضاة الخليفة الذي بيده الأموال والنفوذ يعطي ما يشاء لمن يشاء !!! بلا حسيب ولا رقيب ، وبهذ المناخ فكأني بطلاب الدنيا يتهافتون تهافتا على وجهاء قبائلهم وعرفائهم وعلى الوالي وأركان ولايته ، طالبين السماح لهم بـ « نيل شرف » قتال الإمام الحسين وآل محمد ، وأهل بيت النبوة ، وذوي قربى النبي ، ومن والاهم ، وكأني بالخليفة والولاة وأركان دولة الخلافة وقد أستغلوا هذا الإنحراف أبشع استغلال ليعمقوا الهوة بين الأمة وقيادتها الشرعية المتمثلة بآل محمد وأئمة أهل بيت النبوة الأطهار .
قال البلاذري في « أنساب الأشراف » إن عبيدالله بن زياد خطب وقال : « فلا يبقين رجل من العرفاء ، والمناكب ، والتجار ، والسكان ، إلا خرج فعسكر معي ، فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة » (1) .

(1) راجع معالم المدرستين ج 3 ص 82 للعسكري ..
كربلاء ـ الثورة والمأساة 44




كربلاء ـ الثورة والمأساة 45


الفصل الرابع
المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين

موقف الإمام الحسين :

منذ اللحظة التي تأكد فيها الإمام الحسين من هلاك معاوية ومن استخلافه رسميا لابنه يزيد من بعده قرر الإمام وصمم تصميما نهائيا على عدم مبايعة يزيد أبن معاوية مهما كانت النتائج .

أساس الموقف :
عهد رسول الله للإمام الحسين بالإمامة والقيادة الشرعية للأمة ، كما عهد بها من قبل لأبيه علي ولأخيه الحسن ، فهو موقن أنه :
1 ـ إمام زمانه بعهد من الله ورسوله ، وباستخلاف معاوية لابنه وتجاهله للإمام الحسين يكون معاوية قد غصب حق الإمام الشرعي بقيادة الأمة ، تماما كما فعل هو والذين من قبله بأبيه وأخيه ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن الأمة هي أمة محمد رسول الله ، فمحمد هو الذي كون الأمة وأسس دولتها والإمام الحسين كأبيه وأخيه أولى المسلمين بمحمد رسول الله ، ومن جهة ثالثة فإن آل محمد وذوي قرباه هم الذين أحتضنوا النبي ودينه ، وضحوا بأرواحهم لتكون الأمة وتكون الدولة ، بالوقت الذي حاربه فيه الأمويون وناصبوه العداء . فهل من العدل أن يتقدم أعداء الله ورسوله على أولياء الله ورسوله ، والمؤهلين لقيادة الأمة قيادة شرعية !!! .
2 ـ لما تمكن معاوية من هزيمة الأمة ، والاستيلاء على أمرها بالقوة والقهر والتغلب ، قطع على نفسه عهد الله أن يجعل الأمر من بعده شورى بين المسلمين ليختاروا بمحض إرادتهم من يريدون ، واستخلاف معاوية ليزيد بهذه الحالة هو نقض لعهد الله .

كربلاء ـ الثورة والمأساة 46


3 ـ الأمة كلها تعلم حال يزيد ، فهو مستهتر ، تارك للصلاة ، شارب للخمر ، وزان ، ثم إنه يجاهر بفجوره ويجاهر حتى بكفره !!! (1) ومن غير الجائز شرعا أن يتولى أمر المسلمين من كانت هذه حاله !! وفيهم أبن النبي المعهود إليه بالإمامة من الله ورسوله !!! . ولا ميزة ليزيد بن معاوية سوى أنه قد ورث ملكا مغصوبا حصل عليه وأبوه بالقوة والقهر والتغلب !!! .
4 ـ إن الأمة كلها تعرف الإمام الحسين ، وتعرف قرابته القريبة من رسول الله ، وأنه المعهود إليه بإمامة الأمة وقيادتها ، وتعرف الأمة كلها علمه ، ودينه ، ومكانته الدينية المميزة . فعندما يضع الإمام الحسين يده المباركة بيد يزيد القذرة النجسة ويبايعه خليفة لرسول الله على المسلمين !!! فإن الإمام الحسين يصدر فتوى ضمنية بصلاحية يزيد للخلافة ، وبشرعية غصبه لأمر المسلمين ، ويتنازل ضمنيا عن حقه الشرعي بقيادة الأمة !!! وفي ذلك مس بالدين والعقيدة .
5 ـ إن من واجب الإمام الحسين أن يرشد الأمة إلى الطريق الشرعي ، فإن سلكته الأمة وأخذت به فقد أهتدت وإن تنكبت عنه فلا سلطان للحسين عليها ولا قدرة له ، بل ولا ينبغي له إجبارها على الحق وجرها إليه جرا فعاجلا أو آجلا ستدفع الأمة ضريبة تنكبها عن الشرعية وتهاونها بأمر الله .
6 ـ وبهذه الحالة فإن أقصى ما يتمناه الإمام الحسين أن لا يجبر على البيعة ، وأن يترك وشأنه حتى يستبين الصبح للأمة !!!

موقف قيادة أركان الحسين :

أتباع الحسين ـ أهل بيت النبوة الكرام وأنصاره من غير بني هاشم ـ استناروا ببصيرة الحسين ، حللوا واقعهم تحليلا دقيقا ، وأنتهوا إلى ذات الموقف النهائي الذي صمم الحسين عليه ، فهو إمامهم وهو وليهم ، وقد أمروا بنصرته وأتباعه والدفاع عنه ، فإن بايع الإمام بايعوا ، وأن رفض الإمام البيعة رفضوا ، فما يجري على الإمام يجري عليهم .

(1) راجع المراجع التي وثقناها قبل قليل تحت عنوان « من هو يزيد بن معاوية » .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 47


الموقف النهائي ليزيد :

بعد أن تمت مراسيم التتويج العملية ليزيد ملكا على المسلمين بعد أبيه ، والإفتراء بصياغة تقارير تفيد أن شيخ آل محمد ، الحسين بن علي ، قد أمتنع عن البيعة ، وأمتنع أهل بيت النبوة عن البيعة أيضا تبعا لامتناع شيخهم ، وحتى لا يكرهوا على البيعة ، خرجوا من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى العراق . وخلفه تقارير رسمية تفيد بأن أهل المدينة يتململون وأنهم غير راضين عنه ، وبعد أن تأكدت هذه التقارير صمم يزيد بن معاوية نهائيا على : « قتل شيخ آل محمد وإبادة أهل بيت النبوة إبادة تامة ليضع حدا نهائيا لخطرهم الدائم على دولته » تحت مظلة أمتناعهم عن البيعة ، وخروجهم على خليفة المسلمين !!!! .
وتحقيقا لهذا الهدف ، أستجاب لنصيحة أبيه ، فعين عبيدالله بن زياد الذي ورث عداوة أهل بيت النبوة ومن والاهم من أبيه وهو أبن المجرب بالقمع والإرهاب والتنكيل وتنفيذ الرغبات الآثمة لأبيه معاوية ، وأبن الذي نجح بتركيع أهل العراق وإذلالهم وتحويلهم إلى أقنان وعبيد لمعاوية ، ومن الواضح أن يزيد بن معاوية أمر عبيدالله بأن يولي عمر بن سعد ، وشمر بن ذي الجوشن على القوة الضاربة المعدة لقتل الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وكلاهما ناصبي ، وموتور ، وكاره ، وحاقد على آل محمد وأهل بيت النبوة ، وكلاهما رجل دنيا ، طامع ببعض مما في يد يزيد !!! ومن المؤكد بأن يزيد كان على أتصال دائم بأركان قيادته ، أن أركان قيادته كانوا يأتمرون بأمره وينفذون توجيهاته بدقة بالغة كأنها وحي إلهي !!! أنه قد بين لهم ما يريده تماما، فلا يعقل أحد في الدنيا أن يعطي عبيد الله بن زياد أوامر خطية بقتل سبط الرسول الإمام الحسين ، وأبادة أهل بيت النبوة ، وقتل من معهم والتمثيل بهم ، ومنع الماء عنهم حتى يموتوا عطشا !! دون علم ومباركة يزيد بن معاوية قائده الأعلى !! فأبن زياد أقل وأذل وأحقر من أن يفعل ذلك من تلقاء نفسه !!! .
أنظر إلى كتاب أبن زياد الذي وجهه لعمر بن سعد وجاء فيه مايلي :

السابق السابق الفهرس التالي التالي