كربلاء ـ الثورة والمأساة 20


ومن هنا فقد حكم أبن الجوزي ، والقاضي أبو يعلى ، والتفتازاني ، وجلال الدين السيوطي بكفره ولعنه (1) وقد قال أبنه معاوية عندما مات والده واصفا إياه بقوله : « ... ومن أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه ، وبؤس منقلبه وقد قتل عترة الرسول ، وأباح الخمر وخرب الكعبة ... » (2) ثم أن رسول الله قد لعن يزيد باسمه فقال : « يزيد لا بارك الله بيزيد ، نعي إلي الحسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله ... وآها لفراخ آل محمد من خليفة مستخلف مترف ، بقتل خلفي وخلف الخلف » (3) .
ولعنه رسول الله بالوصف ، فقال : « سبعة لعنتهم وكل نبي مجاب الدعوة ... والمستحل من عترتي ما حرم الله » (4) .
وأخرج الواقدي عن عبد الله بن حنظلة الغسيل ، قال : « والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة » تجد ذلك في « الصواعق المحرقة » لأبن حجر ص 137 ، وقال الذهبي : « ولما فعل يزيد ما فعل بأهل المدينة مع شربه الخمر ، وإتيانه المنكرات أشتد عليه الناس » . وجاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم . إن يزيد رجل يشرب الخمر ، ويزني بالحرم !!! راجع فضائل الخمسة ج / 3 ص 390 .
هذه طبيعة يزيد الذي قاد جيش الخلافة في كربلاء ، وصنع مجزرتها

(1) راجع روح المعاني للآلوسي ج 26 ص 73 آية « فهل عسيتم إن توليتم» وقال : « إنما قتل بما قتله الرسول يوم بدر كجده وخاله وهذا كفر صريح ، ومثله تمثله بقول أبن الزبعرى قبل إسلامه : ـ ليت أشياخي ببدر شهدوا ـ » ، وراجع تذكرة الخواص لأبن الجوزي ج 2 ص 148 ، وفتوح أن أعثم ج 5 ص 241 .
(2) راجع الصواعق المحرقة لأبن حجر ص 134 .
(3) راجع كنز العمال ج 6 ص 39 قال : أخرجه الطبراني ، وراجع مجمع الزوائد للهيثمي ج 9 ص 189 ، وأخرجه أبن عساكر ورواه عن أبي نعيم والديلمي .
(4) راجع الصواعق المحرقة ص 143 ، وميزان الأعتدال للذهبي ج 2 ص 119 ، وكنز العمال ج 6 ص 46 ، وج 8 ص 191 ـ 192 ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج 1 ص 36 وج 2 ص 525 وج 4 ص 90 و 464 و487 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 21


الرهيبة ، فذبح آل محمد وأهل بيته ومن والاهم وأخذ بنات النبي سبايا ، بعد أن مثل بضحاياه شر تمثيل !!!
وقد ولي الحكم ثلاث سنوات ، ففي السنة الأولى من حكمه قتل أولاد النبي وأحفاده وبني عمومته ومن والاهم بمذبحة كربلاء ، وفي السنة الثانية ، استباح المدينة ، وفض جيشه ألف عذراء وقتل عشرة آلاف مسلم بيوم واحد وهو « يوم الحرة » ، وختم أعناق الصحابة وأخذ البيعة على أنهم خول وعبيد « لأمير المؤمنين » يتصرف بهم تصرف السيد بعبيده ، أما في السنة الثالثة فقد هدم الكعبة وأحرقها . وهذه أمور قد أجمعت الأمة على صحة وقوعها وتوثيقها !!! .

من هو والد يزيد ؟ وجده :

معاوية هو والد يزيد ! وصخر بن أمية المكنى بأبي سفيان هو جد يزيد وكلاهما طليق ، ومن المؤلفة قلوبهم ، وكلاهما من أئمة الكفر بإجماع الأمة !! فالثابت بالإجماع أن الإثنين قد استسلما يوم فتح مكة ، فأعلنا إسلامهما بعد أن أغلقت أمامهما كل الأبواب ، والثابت كذلك أن الرجلين قد قاوما رسول الله ودينه بكل أساليب المقاومة ، وحارباه بكل فنون الحرب ، وكاداه بكل طرق الكيد طوال فترة 21 عاما وهي المدة الممتدة بين إعلان النبوة وفتح مكة !! وهذه حقائق لا ينكرها إلا تافه مريض . فأبو سفيان من أكابر تجار مكة ، وهو الوارث لمنصب قيادة البطون ، ويعد موت أبي جهل صار أبو سفيان زعيم جبهة الشرك بلا منازع ، فهل يعقل أن تتحد بطون قريش ألـ 23 ضد محمد ودينه وضد بني هاشم دون علمه وعلم أولاد حنظلة ويزيد ومعاوية وهم سادات مجتمع الكفر !!! وهل يعقل أن تجري عمليات تعذيب المستضعفين قبل الهجرة دون علم وموافقة أبي سفيان وبنيه !! وهل يعقل أن تهدد بطون قريش بقتل محمد دون علم أبي سفيان وموافقته !!! ومن يصدق بأن بطون قريش ألـ 23 المتحدة قد أجمعت على حصار النبي وبني هاشم ومقاطعتهم ثلاث سنين في شعب أبي طالب دون علم قائدها أبي سفيان وموافقته !!! .

كربلاء ـ الثورة والمأساة 22


وهل يعقل بأن تجري البطون أتصالات مع زعماء الطائف ليردوا النبي ردا مؤلما دون علم أبي سفيان ومباركته !!! .
ومن يصدق بأن بطون قريش قد أرسلت وفدا إلى النجاشي ليرد المهاجرين دون علم أبي سفيان وبنيه وموافقتهم !!! .
وهل يعقل أن تتآمر بطون قريش الـ 23 على قتل النبي ليلة هجرته وأن تختار منها مائة رجل ليضربوا النبي ضربة رجل واحد دون علم أبي سفيان ومباركته !!! .
ألم يخرج أولاد أبي سفيان لقتال النبي في بدر !! ألم يقتل بكره حنظلة هنالك !! أليس هو قائد المشركين في أحد !!! ألم تخرج عائلة أبي سفيان كلها مع جيش المشركين في أحد !!! أليست زوجته هند هي التي بقرت بطن حمزة عم النبي وأخرجت كبده لتأكله من كيدها وحقدها !!! .
أليس أبو سفيان هو الذي جمع الأحزاب وقادها ، وأنسحب بها بعد الهزيمة ، وأين كان بنوه !!! .
لقد أعلن أبو سفيان في داخل الكعبة كما يروي الواقدي ، وهو الذي قال لوفد اليهود : « أن أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد » (1) هذه عقيدة أبي سفيان وعقيدة بنيه : كره بلا حدود ، وحقد بلا حدود ، وحسد بلا حدود .
كانت أفعال أبي سفيان وبنيه وبني عمومته واضحة في أذهان الجميع من سكان الجزيرة ، المسلم ، والمشرك ، واليهودي ، والنصراني ، كانت جرائم أبي سفيان وبنيه جراحات دامية في قلب النبي وآله وبني هاشم وفي قلوب الذين آمنوا ، فمن الطبيعي أن يلعنهم الرسول وأن يدعوا عليهم لكشف حقيقتهم للأمة ، فلعنه الرسول في سبعة مواطن (2) . ولعنه رسول الله في الركعة الثانية من صلاة

(1) راجع المغازي للواقدي ج 2 ص 442 ، وكتابنا المواجهة ص 184 .
(2) الصواعق المحرقة لإبن حجر الهيثمي ، ص 134 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 23


الصبح (1) ، وقال السيوطي : وأخرج أحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وأبن جرير ، والبيهقي ، أن رسول الله قد قال يوم أحد : « اللهم إلعن أبا سفيان ... » (2) ويروي نصر بن مزاحم عن البراء بن عازب ، قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية . فقال رسول الله (ص) : « أللهم إلعن التابع والمتبوع اللهم عليك بالأقيعس » فقال البراء لأبيه : من الأقيعس . قال : معاوية ؟ (3) وأخرج نصر بن مزاحم ، قال : نظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق . فلما نظر رسول الله إليهم قال : « أللهم إلعن القائد والسائق والراكب » قلنا : أنت سمعت رسول الله ؟ قال : نعم ، وإلا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي (4) .
وشاعت حقيقة أن رسول الله قد لعن أبا سفيان وبنيه ، قال الإمام علي في خطبة له يوم صفين : « ... طليق وأبن طليق وحزب من الأحزاب ، لم يزل لله ولرسوله عدوا هو وأبوه ، حتى دخلا في الإسلام مكرهين » (5) وقال مرة : « سيروا إلى بقية الأحزاب ، قتلة المهاجرين والأنصار .. » وقال مرة أخرى : « إنما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء ومن أسلم كرها ، وكان لرسول الله حربا » (7) .
وخاطب الإمام علي معاوية قائلا : « وأنت أبن حزب من الأحزاب وأبن أعدى قريش لله ولرسوله » (8) قال أيوب الأنصاري لعلي : « يا أمير المؤمنين إن معاوية كهف المنافقين ... » . وكتب قيس بن سعد بن عبادة أمير الخزرج ،

(1) المستدرك على الصحيحين ، ج 1 ص 36 .
(2) الدر المنثور للسيوطي ، ج 2 ص 71 . وأنظر : صحيح البخاري ، ج 5 ص 35 و 171 . وكتابنا : المواجهة ، ص 66 .
(3) وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ص 712 .
(4) وقعة صفين ، ص 220 . وآراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي ، ص 74 ـ 76 .
(5) وقعة صفين ، ص 227 ، وتاريخ الطبري ج 6 ص 4 . وجمهرة الخطب ج 1 ص 161 ، والغدير في الكتاب والسنة والأدب ج 10 ص 191 .
(6) وقعة صفين . ص 105 ، وجمهرة الخطب ، ج 1 ص 142 .
(7) الإمامة والسياسة ، ج 1 ص 113 ، وشرح نهج البلاغة لإبن أبي حديد ج 2 ص 37 ، ج 1 ص 113 .
(8) مقاتل الطالبيين ص 29 ، وشرح أبن أبي الحديد ج 4 ص 12 ، وجمهرة الرسائل ج 2 ص 49 .
(9) شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج 2 ص 280 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 24


مخاطبا معاوية : « فإنما أنت وثن وأبن وثن دخلت الأسلام كرها ، وخرجت منه طوعا لم يقدم أيمانك ، ولم يحدث نفاقك » (1) . وكتب له الأمام السبط : « وأنت أبن حزب من الأحزاب ، وأبن أعدى قريش لرسول الله ولكتابه » (2) . وكتب محمد بن أبي بكر ألى معاوية : « وأنت اللعين أبن اللعين ، ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله ، وتجهدان على إطفاء نور الله ، وتجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتحالفان فيه القبائل ، على ذلك مات أبوك ، وعلى ذلك خلفته ، والشاهد على ذلك من يأوي إليك من بقية الأحزاب ، ورؤؤس النفاق والشقاق لرسول الله » (3) .
ومع أن أبا سفيان وأولاده قد أسلموا مكرهين بعد أن اضطروا للإستسلام بعد حرب دامت بينهم وبين رسول الله وآله 23 عاما ، إلا أن إسلامهم لم يغير حقيقة مشاعرهم نحو آل النبي على الأقل ـ فهم يحقدون على آل محمد وقد بينت هند أم معاوية طبيعة هذا الحقد عندما حاولت أكل كبد حمزة عم النبي ، ولما آلت الأمور إلى عثمان دخل أبو سفيان عليه يوما بعدما ذهب بصره ، فقال : أها هنا أحد ؟ فقالوا : لا ، فقال أبو سفيان : « اللهم إجعل الأمر أمر جاهلية ، والملك ملك غاصبيه ، وأجعل أوتاد الأرض لبني أمية » (4) . ورأى أبو سفيان الناس يوما يتهافتون على النبي ، فقال في نفسه : « لو عاودت الجمع لهذا الرجل » فكشف الله لرسوله ما حاك أبو سفيان في صدره عندئذ ضرب الرسول في صدر أبي سفيان وقال له : « إذا يخزيك الله » (5) .
وعلى الرغم من أن رسول الله قد بسط سلطانه على العرب إلا أن أبا سفيان لم ييأس من النيل من رسول الله ، فقد كمن لرسول الله ومعه أحد عشر فردا بعد

(1) الغدير في الكتاب والسنة والأدب للعلامة الأميني ج 10 ص 194 .
(2) مقاتل الطالبيين ص 22 ، وشرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج 4 ص 12 ، وجمهرة الرسائل ج 2 ص 49 .
(3) راجع كتابنا المواجهة ص 63 ، تجد التوثيق والمراجع ، لهذا النص وما سبقه .
(4) تاريخ أبن عساكر ج 6 ص 407 .
(5) راجع الإصابة لأبن حجر ج 2 ص 179 ترجمه « صخر بن حرب » رقم 4066 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 25


عودته من غزوة تبوك لينفروا ناقة الرسول فيسقط عنها بالعقبة ويموت ، كما يروي علامة المعتزلة إبن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1) . لقد وصلتنا مثل هذه الأنباء عن سيرة الرجلين على ألرغم من أن الأمويين قد حكموا ألف شهر ، سيطروا خلالها على وسائل الإعلام ومناهج التربية والتعليم ، فلو لم تكن حقيقة الرجل من الشيوع والعموم لما وصلتنا مثل هذه الأنباء !! صحيح أن سلطان الدولة التاريخية على المناهج التربوية والتعليمية واضح وله بصمات ، خذ على سبيل المثال : صحيح البخاري ، فأهل السنة بعتبرونه بعد القرآن بألصحة !! ومع هذا يروي في صحيحه (2) : « إن الرسول كان يقول إذا رفع رأسه من الركعة الأخيرة : « أللهم إلعن فلانا ، وفلانا وفلانا بعدما يقول : سمع الله لمن حمده » من المؤكد أن الرسول الكريم سمى الفلانات الثلاثة بأسمائها الملعونة ومن المؤكد أن البخاري يعرف أسماء الفلانات الثلاثة ، لكنه استعاض عن كل أسم بكلمة فلان ، فلو ذكر البخاري أسماء الفلانات الثلاثة ، لما صار لصحيحه أية قيمة ، ولهاجت الغوغاء وماجت ، ولجن جنون الجموع المسلمة التي اشربت ثقافة التاريخ والمناهج التربوية والتعليمية لدولة الخلافة التاريخية !!! .

إلى أي بطن ينتمي يزيد ؟ :

ينتمي يزيد وأبوه معاوية وجده صخر إلى البطن الأموي المشهور بحقده وحسده وكراهيته لبني هاشم عامة ولآل محمد وأهل بيت النبوة خاصة ، ففي معركة بدر قتل أهل بيت النبوة أحد عشر رجلا من بني أمية دفعة واحدة ، منهم : حنظلة أبن أبي سفيان شقيق معاوية وعم يزيد ، وعتبة بن ربيعة جد معاوية ، والوليد بن عتبة خال معاوية ، وشيبة بن عتبة شقيق جد معاوية ، وعم أمه ، والعاص بن سعيد ، وعقبة بن معيط وهم القرابة القريبة لعثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس (3) .

(1) ج 2 ص 102 ـ 103 .
(2) ج 3 ص 24 .
(3) راجع المغازي للواقدي ج 1 ص 147 ـ 148 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 26


لهذا كله أمتزج الكره والحسد والحقد في قلوب الأمويين ونفوسهم ، فأنحرفوا أنحرافا مهلكا ، وقد نبه النبي الأمة إلى حقيقة المشاعر الأموية ، فقال : « إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا ، وأن أشد قومنا لنا بغضا بنو أمية ، وبنو المغيرة ، وبنو مخزوم » (1) .
وعندما بين رسول الله آية «ألم تر إلى ألذين بدلوا نعمة الله كفرا» قال : « هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة ، فأما بنو المغيرة فقطع الله دابرهم يوم بدر ، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين » (2) .
لقد عبرت جويرية بنت أبي جهل عن الوضع النفسي لبطون قريش ، فعندما صعد بلال على ظهر الكعبة وأذن وسمعت الأذان ، قالت بعفوية : « قد لعمري رفع لك ذكرك ، أما الصلاة فسنصلي ، والله لا نحب من قتل الأحبة أبدا » (3) ، لقد عاش البطن الأموي رهينا لسلسلة من العقد !! لماذا يكون النبي من بني هاشم !!! كيف يثأرون من الهاشميين وبالذات آل محمد وأهل بيته لقتلاهم في بدر !!! كيف يستعيدون حقهم بقيادة بطون قريش !!! وكيف يوفقون بين الإسلام وبين هذه العقد المميتة !!! .

(1) راجع المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 487 ، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال ج 6 ص 50 وقال أخرجه نعيم بن حماد في الفتن .
(2) راجع كنز العمال ج 1 ص 253 وقال أخرجه أبن جرير وأبن المنذر وأبن أبي حاتم وأبن مردويه والطبراني في الجامع الصغير ، وذكره السيوطي في الدر المنثور وقال أخرجه الطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وقال أخرجه أبن مردويه .
(3) راجع المغازي للواقدي ج 2 ص 846 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 27


الفصل الثاني
أركان قيادة الفئتين

قلنا : إن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب كان هو القائد الأعلى لمنتسبي الفئة الأولى التي تجمعت وإلتفت حوله ، وقاتلت معه ببسالة خارقة حتى أبيدت وقتلت عن بكرة أبيها في كربلاء . وقلنا أيضا إن « الخليفة » يزيد بن معاوية بن أبي سفيان كان أيضا هو القائد الأعلى لمنتسبي الفئة الثانية « جيش الخلافة » وأركان دولة الخلافة ، الذين نفذوا أوامره بدقة ، فقتلوا آل محمد وأهل بيته وذوي قرباه ببرودة ، صانعين مذبحة كربلاء ، تلك المذبحة البشعة التي يترفع همج ما قبل التاريخ وعبدة الشيطان عن تلويث أيديهم بكلياتها وتفاصيلها المخزية والمخجلة حقا !! .

ما معنى أركان القيادتين ؟ :

يقصد بأركان القيادتين تلك العناصر البشرية المهمة أو البارزة التي شاركت القيادتين بالتخطيط ، والتدبير ، والتنفيذ ، فنفذت الأولى أوامر الحسين بالدفاع المشروع عن الدين والنفس ، ونفذت الثانية أوامر يزيد بن معاوية ، فأشبعت رغبته بالعنف والتنكيل بخصومه ، وقتلهم ، وتعذيبهم أحياء وميتين أستجابة لأهوائه .

أركان قيادة الإمام الحسين :

1 ـ الهاشميون من ذرية أبي طالب : لا خلاف بأن ذرية أبي طالب قد خرجت مع الامام الحسين ، وهم : شباب آل محمد ، وزهرة أهل بيت النبوة ، وذوو قربى النبي ، تخرجوا من مدرسة النبوة ، فكانوا فراقد متألقة ، ونماذج بشرية لن تتكرر ، وأفضل فتية على وجه الأرض ، وشوقهم الفائق للجنة ، وطلبهم الحثيث للموت ، وسعيهم الدؤوب له ، وصبرهم العجيب على مكاره السفر ، واستماتتهم بالدفاع عن شيخ آل محمد يعكس طبيعة وفاء أولئك الفتية ، ونوعية

كربلاء ـ الثورة والمأساة 28


إيمانهم ، ومعدن أصالتهم ، لقد كانوا نماذج بشرية تفوق كل مجالات وآفاق التصور والتصديق ، فكان آولئك الفتية هم أبرز أركان قيادة الإمام الحسين ، وضعهم بالصورة الكاملة قبل خروجه من المدينة المنورة ، ووافقوه على كل ما فعل خطوة خطوة ، ونفذوا أوامره برضى خاطر ، فما من أحد منهم إلا وقد قال للحسين : أئذن لي يا بن رسول الله لأدافع عنك ، وأقتل بين يديك ، وما من أحد منهم إلا وأثلج خاطر الحسين صولة وجولة ، حتى إذا ما قضي نحبه صار جرحا غائرا في قلب الحسين ، وانهدم ركن عصي من أركان قيادته !! ففتية آل محمد كانوا هم ناصية أركان قيادة الحسين ، فلما وقعت الواقعة تقدموا وقاتلوا بين يديه وسقطوا فرقدا إثر فرقد ، حتى خلت السماء تماما من فراقدها ، عندئذ كسر ظهر الإمام الحسين ، وأمتلأ قلبه بالجراح النازفة ، وأضطر الحسين أن يحمل قلبه المثخن بالجراح وأن يقاتل جيش الخلافة وحيدا بعد أن تهدمت أركان قيادته .
أن الكواكب التي أنتثرت وتساقطت تباعا من سماء كربلاء أمام الحسين لهي ظاهرة قيادية كونية نادرة ، وإن تعجب لأراك الدهر عجبا ، فاعجب كيف بقي للحسين قلب ، وكيف أنصرف ليقاتل وحده جيشا يزيد على عشرين ألف مقاتل ، بعد أن فقد أركان قيادته ، وأعجب لنفسية أفراد هذا الجيش المرتزق الذي أصر على قتال الحسين وحيدا !!! وبعد حملات هذا الجيش وصولاته على الإمام الوحيد قتلوه ، ولم يكتفوا بقتل الإمام ـ أنما مثلوا به أشنع تمثيل ، وبعد أن أكملوا المذبحة ذهبوا وصلوا !! وقالوا في صلاتهم كما أمرهم الله : « أللهم صل على محمد وعلى آل محمد » وهم قبل قليل آبادوا آل محمد وذبحوا شيخهم كما تذبخ الأضاحي !!! .
2 ـ أركان قيادة الإمام الحسين من غير بني هاشم : ألذين أتبعوا الإمام الحسين من غير بني هاشم هم نخبة الأمة الإسلامية ، ولقد وصفهم أحد قادة الجيش الأموي بقوله للجيش : « أتدرون من تقاتلون ؟ أنما تقاتلون فرسان العصر ، وأهل البصائر ، وقوما مستميتين » (1) وقال عنهم الأمام علي : « ليس مثلهم إلا شهداء بدر » (2) .

(1) راجع تاريخ الطبري ج 5 ص 435 .
(2) راجع أسد الغابة لابن الأثير ج 1 ص 123 و 349 ، والإصابة لابن حجر ج 1 ص 68 ، وكنز العمال =
كربلاء ـ الثورة والمأساة 29


فالذين أتبعوا الأمام الحسين من غير بني هاشم وأستشهدوا بين يديه في كربلاء ، كانوا على علم بما يجري ، وبالدوافع الذاتية لقادة فريقي المواجهة ، فهم يعرفون طبيعة الخلافة ، وطبيعة نظام دولته وطبيعة أركان هذه الدولة ، وطبيعة الجيش « الإسلامي » الجرار الذي يأتمر بأمر الخليفة ، وطبيعة الحالة التي آلت إليها نفسية الأمة ، فمن غير المحتمل على الإطلاق أن يخاطر أي فرد من أغلبية الرعية بقطع « الأرزاق » أو الأعطيات الشهرية التي يقدمها الخليفة لعبيده ، أو يجاهر بعصيانه ليخسر دنياه ، ويخسر حياته ويهدم داره ، !! فالذين أتبعوا الإمام الحسين ونالوا شرف الشهادة بين يديه نماذج بشرية عجيبة حقا ، حللت واقعها تحليلا دقيقا ، وأصغت لنبيها وهو يأمرها بنصرة الإمام الحسين فأختارت ما أختارت بقلوب راضية مطمئنة ، وبأعصاب هادئة ، وبرضى تام ، وساروا إلى الموت بخطى ثابتة ، كلما فر الموت من أمامهم لاحقوه بلا كلل ولا ملل !! لقد صار الموت مطلبهم ، وغايتهم ، ونشوتهم العظمى !!! ولم لا !! فهم أنصار الحسين ، والحسين مقتنع قناعة نهائية لا تقبل المراجعة أن الموت خير من الحياة تحت حكم الظالمين ، بل إنه كان يرى الموت سعادة والحياة مع الظالمين برما . أن أنصار الحسين على خطه تماما ، رافقوه وتداولوا الأمر معه ، ثم نفذوه بدقة وتفان .
فلما وقعت الواقعة أفتدوه ، وأفتدوا أهل بيت النبوة الكرام ، وقاتلوا بين يديه حتى قتلوا ، لقد كانوا جبالا حقيقية ، أندكت تباعا بين يدي الحسين !!! .

أركان قيادة يزيد في كربلاء :

قهر معاوية الأمة ، وتملك أمرها بالقوة والتغلب ، ودانت له البلاد والعباد رغبة بما في يديه من مال ونفوذ ، أو رهبة من بطشه وجبروته . ولكن معاوية بدهائه مدرك أن الجمر في كثير من المواقع ما زالت تحت الرماد ، لقد حصر معاوية الخطر على ملكه بمصدرين ، أحدهما : آل محمد ، وأهل بيت النبوة ، الذين لا ينفكون عن القول بأنهم أصحاب الحق الشرعيين بقيادة الأمة ، وأن معاوية

= ج 6 ص 223 وقال : أخرجه البغوي وأبن السكن والبارودي وأبن مندة وأبن عساكر ، وذكره الطبري في ذخائر العقبى ص 146 وقال : أخرجه الملا في سيرته راجع فضائل الخمسة من الصحاح الستة ص 347 و 348 ج 3 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 30


وأمثاله غاصبون لهذا الحق . وثاني هذين الخطرين : أهل المدينة المجمعون على أن معاوية طليق وأبن طليق لا تحل له الخلافة ، وأنه غاصب لها ، ولكن أهل المدينة منقسمون إلى شيع تبع كل شيعة أحد غراس عمر بن الخطاب « أصحاب الشورى » ، أو تبع أبنه في حالة وفاة أبيه .

خطة معاوية :

لقد أغرق معاوية أهل المدينة بالأموال والعطايا وسلط كل شيعة على الأخرى ، فاستقامت له أمور جميع الشيع إلى حين . وهكذا حيد معاوية هذا الخطر بسلاح المال . وتفرغ بكل قوة الدولة لمواجهة مصدر الخطر الآخر المتمثل بآل محمد ، أهل بيت النبوة ، ومن والاهم . ففرض على كل المسلمين أن يسبوا عليا وأهل بيت النبوة في كل صلاة وبالعشي والإبكار !!! وأصدر سلسلة من مراسيمه الملكية تقضي بأن يمحا من ديوان العطاء كل من يوالي عليا وأهل بيته ، ثم تهدم داره ، ثم يقتل !! (1) ثم ولى زيادا أبن أبيه على العراق لأنه كان يعرف شيعة أهل البيت ، ففتك بهم فتكا ذريعا وصفاهم من دون رحمة (2) وبكل قوة الدولة قاد معاوية حملة أختلاق الأحاديث على رسول الله ، لتمييع النصوص الشرعية المتعلقة بالخلافة من بعد النبي وخلط الأوراق (3) وتوج خطته بدس السم إلى الإمام الحسن وقتله (4) وهكذا هيأ معاوية كل الظروف لتحويل الخلافة رسميا إلى ملك ، ولحصر هذا الملك في ذريته وفي البيت الأموي ، أشد البيوت عداء لله

(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة إبن أبي الحديد ج 3 ص 595 وما بعد .
(2) المصدر السابق نفسه .
(3) المصدر نفسه .
(4) قال أبن سعد في طبقاته : سمه معاوية ، وقال الواقدي : مثل ذلك ، راجع تاريخ إبن كثير ج 8 ص 43 ، ومروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 50 ، ومقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني ص 29 ، وشرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج 4 ص 16 ـ 17 ، والأستيعاب لأبن عبدالبر ج 1 ص 141 ، وتذكرة الخواص لأبن الجوزي ص 121 ، وترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لأبن عساكر ج 4 ص 228 ـ 241 الأحاديث 367 ـ 392 ، والإمامة والسياسة لإبن قتيبة ج 1 ص 144 ، والعقد الفريد لإبن عبد ربه ج 2 ص 298 ، وتاريخ الخميس ج 2 ص 394 ، والغدير للعلامة الأميني ج 11 ص 26 ـ 39 ، وكتابنا المواجهة ص 237 ـ 238 .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 31


ولرسوله (1) وهكذا نجح معاوية بتحويل الدين رسميا إلى مجرد طريق للملك ، والمحافظة عليه ، ونجح بتفريغ الإسلام سياسيا من محتواه ، وصار الخليفة فعليا مجرد رجل « ميكافيلي » لا هم له إلا البقاء في ملكه ، والمحافظة على هذا الملك بأي وسيلة كانت شرعية أو غيرها .
يزيد بن معاوية : وعملا بنظام الملك والوراثة ورث يزيد بن معاوية عن أبيه مملكة مترامية الأطراف ، كانت بمثابة ضيعة كبرى لأبيه ، وورث مع الأقاليم قيادة أمة هرمت شبابها وذلت فأستذلت ، حتى صارت الأغلبية الساحقة من جماعاتها وأفرادها بمثابة عبيد أو أقنان لمعاوية وورثته .

يزيد يكمل خطة والده :

بعد أن حمل ولاة الأقاليم البيعة ليزيد ، وبعد أن أنتهت مراسيم تتويج الملك الجديد أحيط الملك يزيد علما بنقطتين هامتين :
1 ـ أولاهما : إن شيخ آل محمد ، الحسين بن علي بن أبي طالب ، لم يبايع وأنه قد خرج وأهل بيت النبوة من المدينة إلى مكة ، تهربا من إعطاء البيعة ، ومن المؤكد أنه سيلجأ إلى العراق وإلى الكوفة بالذات عاصمة دولة الخلافة في عهد أبيه علي .
2 ـ وثانيهما : إن أهل المدينة وشيعها السياسية متلكئون بإعطاء البيعة ويتأهبون للشغب .

عزم يزيد وإصراره :

يزيد بطبيعته رجل جنس ولهو ، ورجال الجنس واللهو بالضرورة يعشقون العنف ، لقد قرر أن يضرب خصومه وبمنتهى الوحشية والقسوة ، وأن يقطع دابر معارضيه وإلى الأبد ، فبدأ من حيث أنتهى أبوه ، وأستفاد من خبرة أبيه بالقمع

(1) راجع المستدرك على الصحيحين ج 4 ص 487 ، ومجمع الزوائد ج 10 ص 71 ، وكنز العمال ج 1 ص 252 وج 6 ص 50 و 68 ، والسيوطي في الدر المنثور تفسير آية «ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا » .
كربلاء ـ الثورة والمأساة 32

والإرهاب ، ومن أولئك الذين نفذوا سياسة أبيه بهذين المجالين .

من ينفذ المهمتين ؟ :

من يبيد آل محمد وأهل بيت النبوة ومن يقتل شيخهم ؟ !! من يضع حدا نهائيا لتمرد أهل المدينة ويقصم ظهورهم إلى الأبد !! هذا ما كان يشغل ذهن يزيد بن معاوية !!! .

سرجون ومعاوية :

أستشار يزيد سرجون مولاه ، وكاتبه ، ونديمه ، وأنيسه . وسرجون هذا نصراني دخل في خدمة معاوية (1) فقال سرجون ليزيد : « عليك بعبيدالله بن زياد !! قال يزيد : لا خير فيه !! فقال سرجون : لو كان معاوية حيا وأشار عليك به أكنت توليه ؟ قال يزيد : نعم . فقال سرجون : هذا عهد معاوية إليه بخاتمه ، ولم يمنعني أن أعلمك به إلا معرفتي ببغضك له » (2) .
عندئذ قرر يزيد أختيار عبيدالله بن زياد لانجاز النقطة أو المهمة الأولى المتمثلة بقتل الإمام الحسين وأهل بيته ، وبوصية من أبيه ، كما يقول الدينوري في « الإمامة والسياسة » قرر يزيد أختيار مسلم بن عقبة لأنجاز النقطة أو المهمة الثانية المتمثلة بوضع حد نهائي لتمرد أهل المدينة ، وما يعنينا هو المهمة الأولى التي أوكل تنفيذها لعبيدالله بن زياد .
لقد استجاب يزيد لنصيحة سرجون ، ونفذ العهد الذي كتبه معاوية حال حياته ، فعزل بشير بن النعمان وعين بدلا منه عبيدالله بن زياد ليتولى تنفيذ المهمة القذرة !! .

(1) راجع الإسلام والحضارة العربية لمحمد كرد علي ج 2 ص 158 .
(2) راجع تاريخ الطبري ج 2 ص 99 ـ 201 ، والإسلام والحضارة العربية ج 2 ص 158 ، ومقتل الحسين لعبد الرزاق الموسوي المقرم ص 148 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي