كربلاء في الذاكرة 319

جلود الحيوانات التي تجلب من منطقة الدباغية التي يتم فيها دباغة الجلود . كل ذلك يصنع يدوياً . كان هذا السوق قديماً يعرف بسوق التنكچية .

14 ـ سوق الخياطين :

كانت حوانيت هذا السوق تنتشر في محلين كبيرين هما : قيصرية المرحوم محمد عبد العزيز في سوق التجار وقيصرية سوق العرب . هناك قسم يختص بخياطة الملابس الحديثة (السترة والبنطرون) ، وينتشر في كافة انحاء المدينة . والقسم الآخر يختص بخياطة الملابس القديمة (الزبون والجبه والزخمة والدشداشة والسروال) وملابس الاطفال . أما خياطة الملابس الحديثة فتكون أجورها باهضة ، لتعلق أعمال الخياطين بالطبقة الثرية . أما القسم الآخر فأجورها زهيدة لمساسها بطبقة الفلاحين والعمال .

15 ـ سوق التكمچيه :

كانت حوانيته سابقا تمتد من سوق الهرج حتى حمام شنطوط (شارع علي الاكبر حاليا) ، وقد انتقل الى باب الخان (قطاع القاضية) . يختص فنانوها بصناعة النحاس والبرونز ، وهو فن شعبي أصيل تكاد تنفرد به كربلاء دون غيرها . ويشمل صب الابريق والمغسلة القديمة (اللگن) وأبريق ماء الورد والمزهريات والمناقل والمفاتيح بأنواعها وصناعة الهاون وغير ذلك من الاواني وأدوات الزخرفة والزينة (التحفيات) المنقوشة والمحفورة التي نراها في واجهات المنازل والغرف ، وتشمل كتابة بعض الحكم والآيات القرآنية والاحاديث النبوية ، وتتميز هذه الصناعة بالخلق والابداع الفني .

كربلاء في الذاكرة 320

16 ـ سوق التربچية :

يقع في سوق العباس الموازي لشارع علي الاكبر . ويختص هذا الصنف بصناعة الطين الذي يجلب من ترسبات نهر الحسينية بكربلاء ، ويعد في قوالب خاصة على هيئة تربة تشبه علبة الكبريت في شكلها وحجمها ، ثم توضع هذه الترب في الاسفاط (وهي صناعة خاصة من الخوص الملون) يشتريه الزائرون بالجملة والمفرد لاهدائه الى ذويهم لتأدية الصلاة عليها اثناء السجود . ومعلوم ان تربة أرض كربلاء لها قداستها وشرفها ، فقد وردت فيها الاحاديث الكثيرة ، لانها الارض التي امتزجت بدماء الحسين وشهدائه الابرار ، ففي تربتها الشفاء(1) . وتعمل من نفس الطين المذكور السبح السوداء والبيضاء للتسبيح .

17 ـ سوق الساعچيه :

يعرف قديماً بسوق السبزية ، موقعه الحالي في الفرع الموازي لشارع الامام علي ابتداء من سوق التجار ومنتهياً بشارع علي الاكبر . ويختص الساعاتيون بتصليح وبيع الساعات على اختلاف انواعها . وقد زالت معالم هذا السوق بسبب افتتاح شارع بين الحرمين .

(1) للاطلاع على تفاصيل أهمية التربة الحسينية ، انظر :
(أ) كامل الزيارة ـ لجعفر بن قولويه ص 267 .
(ب) الارض والتربة الحسينية ـ للشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ص 56 .
(ج) دائرة المعارف ـ للشيخ محمد حسين الاعلمي الحائري ج 14 ص 39 ، ج 24 ص 185 .
(د) تاريخ كربلاء ـ للدكتور السيد عبد الجواد الكليدار آل طعمة (الطبعة الثانية ـ ص 115) .
كربلاء في الذاكرة 321

18 ـ سوق الحياك :

كان موقعه في عگد الچاچين بمحلة باب السلالمة . وممن كان يختص بمهنة الحياكة اسرة آل جريدي من عشيرة النصاروه ، حيث كانت تقوم بحياكة بعض العبي النسائية والرجالية بعد غزلها من صوف الاغنام . وتحاك أيضا السترة والزبون والجبه . وكان الحياك يختارون المناطق الرطبة لحوانيتهم تسهيلا لصناعة الخيوط . وقد اندثر اليوم هذا السوق بسبب حلول الصناعات الحديثة .

19 ـ سوق الدجاج :

يقع في الفرع الموازي لشارع الامام علي ، ويمتد من بداية سوق الصفارين القديم حتى سوق الميدان . وكانت النساء القرويات يجلبن الدجاج والبيض لهذا السوق صباح كل يوم بغية بيعه على الناس المزدحمين فيه . وقد أهمل في الآونة الاخيرة بسبب ضيقه وتأثيره الصحي على الدور المجاورة .

20 ـ سوق بيع الاغنام :

يقع في شارع الامام الحسن بمحلة باب الخان في موقع يقال له (خان الوگفه) وهو سوق تجلب اليه الاغنام والبقر والماعز والابل ، ويتم بيعها بواسطة سماسرة مختصين وسط جمع غفير من القصابين وسائر الأهلين بمزايدة علنية .

21 ـ سوق بيع الحمير :

يقع في ساحة واسعة قرب سوق بيع الاغنام . ويتم فيه بيع الحمير بمزاد علني من قبل سماسرة مختصين لهم أجور معينة .

كربلاء في الذاكرة 322

صناعة العبي (1)

العباءة من الأزياء العربية القديمة يرتديها الرجال صيفاً وشتاءً ، وتوضع على الكتف وتنحدر حتى القدمين ، وكما تلبسها المرأة لتتستر بها ، حيث تلف جسمها وتغطيه حتى لا تظهر المفاتن .
ولباس العباءة منتشر في معظم الاقطار العربية لاسيما في دول الخليج .
وكربلاء احدى حواضر العراق التي تشتهر بصناعة العبي والمصنوعات القطنية . تصنع العباءة محلياً من الصوف المنزوع من جلد الخروف أو المقصوص منه وهو الذي يطلق عليه (جزة صوف) وهذه الجزة تمشط بمشط حديدي ذي اسنان طويلة ينفش به الصوف وينظم وينظف من الشوائب العالقة بالصوف . ثم يقسم الى وشائع (قطع) حتى يسهل الغزل لدى المرأة . تلف الغازلة الوشيعه على يدها وتضع رأس خيط صوف في المغزل وتبدأ (تفر) المغزل وتبرم الصوف حتى يتحول الى غزول ويتراوح طول غزل كل وشيعة بين 25 سم ـ 30 سم .
وللغزل مهارة تتصف بها الغازلة ، فبعض الغزل يكون دقيقاً وهو النوع الجيد تجيده غازله ذات قدرة ومهارة فائقة بحيث يمكن أن تصنع منه عباءة رجل جيدة من صوف قليل وزنه ربع ونصف أي (375غم) .
ولبعض الغازلات شهرة بهذا الانتاج المطلوب والمرغوب ، فكلما كان الخيط دقيقاً رفيعاً كان هو الافضل ، وجعلت له أرقام ومواصفات تبين سمك الغزول مثل أبو 16 ، 21 ، 24 .

(1) زودني بهذه المعلومات السيد عبد عون بن السيد أحمد السيد حسين الدهان الحسيني المولود في كربلاء سنة 1918م .
كربلاء في الذاكرة 323

وتجمع الخيوط اسفل الغزل ، وبعد انتهاء الوشيعة أو كمية معينة ينقل من المغزل ويطوى على مطوه حديد ، ولما تجمع كمية من الغزول يصنع منها عباءة كاملة تلف على شكل (شليله) وتعطى تلك الشلائل الى الحائك ليصنع منها نسيجا قابلاً لتفصيل العباءة .
وللعباءة لون جزة الصوف ، وأفضل الوان عباء الرجل العشمة لندرة ذلك اللون .
ويصنع من الغزل الغليظ (السميك) عباءة المرأة وبعد نسجه يصبغ باللون الأسود .
وفي كربلاء عدة عوائل تمتهن الحياكة وأشهرها آل جريدي من عشيرة النصاروه ، ويطلق عليهم الحياك في محلة باب السلالمة . وبما أن الانسان يميل الى الراحة والتوفير في الوقت والمال فاتجهت الأعمال في الغزل والنسيج الى الآلة ، فظهرت المكائن للغزل والنسيج ، ولكن الناس عزفوا عن شراء منتوج المكائن وبالحتمية والضرورة الاقتصادية سادت منتوجات الآلة وانعدمت او كادت تنعدم المنتوجات اليدوية ، ولكن العباءة ذات الصنع اليدوي ارتفع سعرها وزادت قيمتها .
أما العباءة الرجالية الشتوية فتصنع من الغزول الغليظة لتعطي نسيجاً سميكاً يلائم الجو البارد . ولم تقتصر عباءة الشتاء على الصوف وحده ، وانما هناك المرعز والوبر وتصنع من الغزول . وبعض العبي الشتوية تصنع من القماش المستورد مثل الچوخ والنايني والمارينا والهربت والسلكه والأمبريال يشترى من البزاز ويفصّله خياط العبي المختص بخياطة العبي

كربلاء في الذاكرة 324

حسب طول وعرض صاحب العباءة حتى تكون مناسبة له ، ويستعمل البريسم في الخياطة ومن لون العباءة وبعضهم يجعل للعباءة تحريراً أي نقشاً يمتد على الكتف وقسم من طرفي العباءة .
أما أشهر بائعي العباءة في كربلاء فهم أسرة آل دهيمه عبد الرسول محمد الأسدي والسيد عبد عون الحسيني وجواد الحاج جدوع الخزرجي وغيرهم .
صناعة الأكفان

للميت حرمة ينبغي احترامها وتقديرها حق قدرها من قبل الأحياء .
عند الوفاء تجري للميت مراسيم التشييع والغسل والكفن ومن ثم دفنه بمكان يليق بحرمة الميت . وقد خصصت لدفن الاموات أماكن تعرف بـ (المقابر) كما لغسل الأموات أماكن مخصصة (المغتسل) فبعد الغسل يتم التكفين أي أن يلف الميت بالقماش الأبيض ليستر جسمه فيدعى بـ (الكفن) والقماش (الخام) . وقد وجد اناس اختصوا ببيع الاكفان يطلق على كل واحد منهم محلياً (ابو كفانه) . ويتكون الكفن مما يلي :
1 ـ الملف : يلف الجسم كله ويطلق عليه أيضاً (الچادر) وقد يكون مكتوباً باليد أو مطبوعاً بالقوالب أو يبقى على بياضه ونصاعته ـ سادة ـ .
2 ـ القميص : وهو أقل طولاً من الملف ، يوضع برأس الميت الى حد صدره ، وقد تكتب عليه آيات قرآنية .
3 ـ العمامة : وهي خاصة بالرجال ، قطعة من القماش

كربلاء في الذاكرة 325

(1.5×20سم) توضع حول الرأس ، وقد تكون مكتوبة أو مطبوعه .
أما النساء فتوضع لهن مقنعه وهي قطعة مثلثة الشكل تلف حول الصدر .
4 ـ الشهادة : وتوضع لبعض الأموات قطعة في اليد اليمنى يشهد بها اربعون مسلماً بشهادة (اللهم لا نعرف عنه الا خيرا) .
5 ـ الوزره : قطعة يتزر بها حيث توضع حول محزمه وتكون بيضاء .
6 ـ البُرده : بعض الموسرين يجلبون في موسم الحج من مكة (البرده) وهي قطعة قماش مكتوب عليها الآيات القرآنية والأدعية وأسماء الائمة ، وهي مصنوعة في اليمن ، يلف بها الجسم فوق الكفن .
ولكتابة الأكفان أقلام خاصة وأنواع مختلفة الأحجام والأشكال ، واللمادة المستعملة في الكتابة (جوهر الزعفران) بدل الحبر ، تكتب به آيات من القرآن الكريم منها سورة ياسين أو كل سور القرآن ، كما تكتب الأدعية مثل دعاء جوشن الكبير ، وهذه الكتابة تزيد في ثمن الكفن ، حيث يبلغ مقداره خمسين ديناراً حالياً .
أما النوع المطبوع فانه يطبع بالقوالب الخشبية . يوضع القالب في (نجانة الحبر) ثم يوضع على القماش الابيض فيتم طبع ما يراد طبعه ، وهذه القوالب تصنع محلياً ، وكانت تجلب من الخارج ، ويستعمل الحبر الأحمر لهذا الغرض .
وممن اشتهر بكتابة الاكفان اسرة آل أصلان وهي اسرة موسوية معروفة . وكذلك اسرة آل لاري التي مارست هذه المهنة

كربلاء في الذاكرة 326

سنين طويلة منها الحاج حبيب لاري المعروف ابو چفانه وشريكه الحاج غفوري ابو چفانه .
صناعة الفتاله (1)

وهي صناعة أبرام الخيوط وفتلها من صوف أو قطن ومن غير ذلك . وفتل الالياف لصناعة الحبال يستفيد منها الانسان في حياته العملية في مجال صناعة النسيج وحياكته وما يدخل ضمن بعض الصناعات . والفتاله نوع من الغزول تربط أكثر من خيط ويصنع من ذلك خيط واحد وابرام كل تلك الخيوط بدقة فائقة بحيث يكوّن خيطاً قوياً دقيقاً .
والفتالة بدأت بصورة بدائية ثم تطورت بتطور الصناعات وتقدم الات الانتاج وأدوات الصناعات ! .
الادوات المستعملة في البرم أو الفتل دولاب من خشب فيه ثقوب ومشط من حديد ودولاب صغير ، تدخل الخيوط في ثقوب الدولاب الكبير وتمتد الى مسافة فتوضع في الدولاب الصغير . الدولاب الكبير يحمل على قاعدة والدولاب الصغير يحمله العامل فحيثما يدور الدولاب الكبير تبدأ الخيوط تلف بعضها على بعض ويبدأ التقلص ويتكون منه خيط واحد مبروم من عدة خيوط . والخيط المفتول برفع شعرة الرأس وتدريجياً يغلظ حسب الطلب . ناعم ، وسط ، أو خشن . والبعض يكون بغلظ الاصبع يستعمل حزام للروب .
فالمغازل مختلفة الاحجام ويتغير المشط حسب السمك المطلوب والخيوط مستوردة من أوربا وبعضها من الهند أو الباكستان لجودة

(1) زودني بهذه المعلومات : جليل رجب علي عارف الفتال .
كربلاء في الذاكرة 327

زراعة القطن والكتان فيها . أما خيوط الحرير فتستورد من الصين أو اليابان وبعضها تكون مصبوغة والبعض الآخر يصبغ محلياً حيث تستورد الاصباغ من تلك الدول .
وهناك خيوط الحرير الاصطناعي تدعى (الفنطاز) والحرير الطبيعي يدعى (الابريسم) .
ومن الخيوط المستعملة خيوط النايلون واحسن أنواعه نايلون سويسري ، تستعمل هذه الخيوط المبرومة في صناعة الاحزمة النسيجية خاصة وبعضها تستعمل في شيرازة العبي والملابس المطرزة وبعضها تستعمل في شيرازة الكتب عند تجليدها .
وتستعمل خيوط النايلون في صناعة شباك الصيد وغيرها كما تستعمل في ربط حبّات السبحة ويصنع منها خيط شاقول البناء لمعرفة استقامة البناء .
وتوجد محلات أولية في كربلاء لابرام الخيوط ، ولكن الحاج جليل رجب علي عارف استقدم آلات كهربائية (دواليب) واسس معمل البلاغة لفتل أنواع الخيوط . وقد قمت بزيارة المعمل الواقع في منطقة الجمعية وشاهدت المكائن تدور لفتل كافة الخيوط على أفضل ما يرام .

كربلاء في الذاكرة 328

صناعة الدبس (1)

يصنع الدبس من استخراج المادة السكرية في التمر وتكثيفها وجعلها مادة مماثلة مركزة حلاوتها وتتم في محل يطلق عليه البزاره (المسبك) .
وتؤخذ كمية معينة من التمر وتوضع في قدر كبير على شكل كاسة يطلق عليها (الصفرية) وهي مصنوعة من النحاس الأحمر ويدار الماء على التمر بنسبة معينة ، ثم يسحق التمر بـ (المسحاگ) ويختلط بالماء ، وتوقد تحته النار بشدة ليتم طبخه ونضجه ، وبعد تمام ذلك يستخرج التمر المطبوخ ويوضع في أواني مصنوعة من الخوص يطلق على كل منها (الجبّايه) . وتوضع الجبّايات على مصطبة مطلية بالقير ويسلّط عليها ضغط عالي بواسطة جذع مأخوذ من نخلة كاملة تربط ببكرة وزنجيل غليظ . ينزل الجذع على الجبّايات فيَعصر التمر المطبوخ فيخرج السائل منها ويبقى نوى التمر مع المواد التي لا تعصر ، ويسمى السائل (الشربت) والفضلات الباقية بـ (العصير) .
يعاد الشربت الى الصفرية بعد تنظيفه جيداً بكمية محدودة ، والفائض عن سعة الصفرية يوضع في برميل وتوقد النار تحت الصفرية ، ويضاف الى الشربت الماء بنسبة معينة (والتنكه هي المقياس) وتبدأ عميلة تحريك السائل الصافي في الصفرية بواسطة كربة طويلة (سعفة بدون خوص) والنار موقدة حتى يأخذ بالتبخر ، يكون تحريك السائل بكربة بصورة مستمرة وسريعة حتى يتكثف السائل ويصل الى الثلث قبل

(1) زودني بهذه المعلومات المرحوم عبود الجاسم بتاريخ 1/1/1982 .
كربلاء في الذاكرة 329

الوقود وهذه تسمى الوجبة الاولى . وفي الوجبة الثانية يضاف الى ما في الصفرية الشربت في البرميل بقدر معلوم ويستمر التحريك والسبك حتى تنخفض المادة الى النصف .
وفي الوجبة الثالثة يضاف باقي الشربت الى ما في الصفرية ، وهنا تصعب عملية التحريك والمزج لكثافة المادة ، وبعد أن يزداد كثافة ويتبخر منه ثلثا الماء ، حينئذ يستخرج من الصفرية بواسطة (چمچه) كبيرة فيخزن في حباب أ و يُعبّأ في صفائح نظيفة جاهزة للتصهير .
أما العصير المكون من النوى وفضلات التمر يستخرج من الجبايات ويباع علفاً للحيوانات أو يجفف فوق سطح البزارة ، والمجفف يشتريه الخبازون من أجل الوقود ، وتكون نار النوى ذات حرارة شديدة وتبقى مدة طويلة . وقد يصنع الخل من الشربت بعد وضعه في حباب مدة أربعين يوماً .
وتتكون الهيئة الانتاجية من ثلاثة اشخاص هم :
الخلفه : ويمتاز بالخبرة الجيدة والتجرية الواسعة ، وأقدم العاملين له حق التوجيه والاشراف على سير العملية الانتاجية ، وأجرته تكون أكثر من الباقين ويعزز من قبل صاحب المعمل ، وعمله سحق التمر ومعرفة مقدار سبك التمر وتكثيف الشربت ويساعده الخلفه الثاني ويكون عمله أقل من الخلفة الأول وينوب عنه في العمل . والشخص الثالث (صانع) عمله في الدرجة الثالثة في عملية الانتاج وأجره أقل .
للدبس أنواع : منه الدبس الأبيض ، ويؤخذ من الوجبة الأولى لكونه أكثر تركيزاً من البقية .

كربلاء في الذاكرة 330

الدبس ذو اللون الاصفر والدبس الأسود .
ومن الدبس ما هو مكثف كثيراً ومنه قليل الكثافة .
كان سعف النخيل والحطب هو الوقود المستخدم في العملية ، والعصير اليابس اذا توفر وانخفض سعره .
وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت (الكنديسه) يخلط النفط الاسود مع قليل من الماء ويوقد تحت الصفرية .
التمر الزهدي أكثر الأنواع المستعملة في صناعة الدبس ، وذلك لكثرة حلاوته وزيادة سعراته . وقد يصنع الدبس من التمر الخستاوي وهو أرقى أنواع التمور ، ويكون طبعه بارداً .
ويروى ان عدد البزارات التي كانت تنتج الدبس في العشرينات والثلاثينات هو 90 بزارة منتشرة في محلات كربلاء . ومما يجدر ذكره ان اجرة الخلفة كانت 450 فلساً في اليوم بينما الصانع كان يستلم 400 فلساً . وكانت تباع التنكة (الصفيحة) بـ 600 فلس ثم ارتفع السعر الى (2) دينار . ويصدر الدبس للسماوة والبصرة والموصل والديوانية .
ومن أشهر تلك البزارات :



بزارة محمد الكلش وأولاده . بزارة ابن عطس . بزارة عبد الحسين الصراف . بزارة رسول العبد آل كماز . بزارة مجيد كماز . بزارة كريم كماز . بزارة حمود هدو . بزارة حاج محمد شعيب . بزارة محسن شعيب . بزارة مهدي شعيب . بزارة حسان شعيب . بزارة بيت بحر . بزارة حاج صالح مهدي السماك . بزارة حسين الداود المطيري . بزارة عبود الجاسم . بزارة رشيد النايف . بزارة طليفح الحمود .

كربلاء في الذاكرة 331

المقاهي

المقاهي جمع مقهى ، وتعرف قديماً بـ (قهوه خانه)(1) لم نعرف على وجه التحديد تاريخ نشوء أول مقهى في هذه المدينة ، ولكن الذي يتبادر الى الذهن ان هناك عدداً من المقاهي القديمة التي لعبت دوراً في تاريخ كربلاء السياسي والاجتماعي . واحتلت مكانة بين أعلام الادب والفن . فهي مجلس يلتقي فيه الشيوخ والشباب للتسلية وقضاء الوقت النافع الى جانب دواوين وبيوت الرؤساء ، اضافة الى انها تتخذ لتصفية الحساب بين طرف وآخر ، كما تتخذ لحل الأمور المعقدة والمشاكل التي تحدث بين أفراد متخاصمين . كما انها كانت تعتبر مقراً للاعلانات الصادرة عن دوائر الدولة . وقسم من تلك المقاهي كانت مكاناً لبيع الطيور ومقراً للفرق الرياضية ومزاولة الألعاب البريئة .
وأود أن اشير الى ان معظم المقاهي تبقى مفتوحة حتى منتصف الليل ، يرتادها الكربلائيون ليتسامروا فيها .
وفي كربلاء افتتحت مقاه كثيرة وكبيرة ، بعضها اضمحل ولم يبق الا اسمها في الذاكرة ، وليس باستطاعتنا احصاءها لكثرتها وتغير مواقعها .
تتوفر في معظم المقاهي الشاي والحامض والقهوة وأنواع الشرابت وكذلك اللبن والسودة والسيفون أيام الصيف ، والحليب الحار والدارسين أيام الشتاء ، كما توجد فيها النارجيله .

(1) قهوه خانه من المركبات العربية والفارسية . انظر : مجلة (كلية الآداب) العدد 21 / المجلد الاول 1976 / 1977 بحث (أثر اللغة العربية في اللغة الاردية / للدكتور حسين علي محفوظ ص 129 .
كربلاء في الذاكرة 332

وقد شاع لدى ابناء الجيل الماضي استعمال (الشطب) أو (السبيل) وهو آلة خشبية مجوفة أطول من ذراع يوضع في رأسها التبغ ثم يلقى عليها شواظ من نار ، ويجذب دخانه في أرجاء المقهى .
وللشاعر الشيخ صالح الكواز الحلي أبيات في وصف شطب انكسر من يد أحد الرؤساء ، وقد خمسها الشاعر الحاج جواد بدگت الكربلائي . قال الكواز :
هو شطبٌ ام رمح عنتر كانا وعجأجأ ترى به أم دخانا
كسّـروا رأسه فكـان كيومٍ كسّر المرتضى به الأوثانا(1)

وفي سنة 1293 هـ شهدت مقهى علي هدله أعنف معركة بين الكربلائيين وبين الأتراك قادها القهواتي علي هدله من مقهاه .
وفي الحرب العالمية الثانية سنة 1941 قلّ وجود السكر ، حيث كان يباع بالتموين ، وكان الكيلو الواحد من السكر يباع بالسوق السوداء بمبلغ دينار واحد ، وأحياناً يعطى بالتموين سكر أحمر ، مما اضطر أصحاب المقاهي الى جلب التمر الأشرسي عوضاً عن السكر ، فكان الناس يشربون الشاي والحليب باستعمال التمر الأشرسي في المقهى .
ويجمل بنا أن نذكر هنا المقاهي المشهورة والتي يتتطلب اماطة اللثام عن اسرارها المخفية وهي كالآتي :

(1) ديوان الشيخ صالح الكواز ص 135 .
كربلاء في الذاكرة 333

1 ـ مقهى علي هدله : كان علي هدله رجلاً يشغل مقهى قرب سوق الغزل (سوق الهرج سابقاً) وكان موقع السوق الذي يباع فيه الغزل آنذاك هو السوق المعروف بـ (سوق الساعجيه) الذي تهدم مؤخراً بسبب فتح شارع بين الحرمين . وقد خاض الرجل معركة النضال ضد السلطة العثمانية المحلية(1) وذلك في سنة 1293هـ / 1872م .
2 ـ مقهى المستوفى : تقع في محلة باب الطاق ، وهي خارجة من الدار العائدة لآل المستوفي ، المواجهة لحمام المالح . قتل فيها مختار محلة باب الطاق المدعو حسين قاسم حمادي بسببب تجسسه وتواطئه مع السلطة العثمانية ضد أبناء المدينة . وكانت هذه المقهى تحوي على (گرام) واسطوانات غنائية . أما اليوم فقد عفى أثرها .
3 ـ مقهى حاج كريم النصراوي : تقع على يمين الداخلي الى سوق النجارين . وفي هذه المقهى اجاغ(2) يقع في مقدمة المقهى ، ويشرف على الطريق المؤدية الى ساحة البلوش . يرتادها التجار والوجوه وعليّة القوم .
وكان الجندرمة (الشرطة الأتراك) قد وضعوا أكياساً مملوءة بالتراب أمام الأجاغ ليختفوا خلفها ، ويضربون الأشخاص المارين من أمامهم وذلك خلال واقعة حمزة بك سنة 1333هـ / 1915م ، حتى أنهم قتلوا عدداً من أهالي المدينة ، فاضطر الشيخ فخري كمونة ان يفتح الماء على محلة العباسية التي اتخذها الأتراك مقراً لهم ومحلاً لسيطرتهم ، ومن ثم هربوا

(1) تراث كربلاء / للمؤلف ص 274 وانظر : ومضات من تاريخ كربلاء / للمؤلف ص 49 و50 .
(2) الأجاغ : هو المكان الذي يتم فيه عمل تخدير الشاي ومعداته .
كربلاء في الذاكرة 334

عنها ، وهم ينادون بأعلى أصواتهم (امام عباس گلدي) أي (جاء الامام العباس) .
ولم يبق من هذه المقهى اليوم سوى الخان العائد لورثة الحاج كريم المذكور .
4 ـ مقهى سيد حسين الهندي : تقع مقابل محطة القطار ، صاحبها السيد حسين الهندي ، وهو أول من جلب الى مقهاه (صندوق يغني)(1) الذي يسمى (گرام) أو (صندوق أبو البوري) . وكان الناس يستمعون الى اسطوانات الحاج يوسف كربلائي ومحمد القبانجي . ثم انتقلت المقهى الى قرب ساحة البلوش ـ شارع الامام علي حالياً ـ وكانت ذات حديقة جميلة تزينها الأشجار الباسقة ، ثم تحولت الى (المكتبة العامة) وأخيراً الى بناية حكومية .
5 ـ مقهى عباس مال الله : تقع في باب العلوة (باب بغداد) عرفت باسم صاحبها ، وهو من القهواتية القدماء ينتسب الى عشيرة الوزون ، وأكثر مرتاديها من أبنات الذوات . وكان الجلوس فيها على حصران البردي في الأرض ، وذلك قبيل وجود التخوت . وكان المرحوم مال الله أول من جلب الى مقهاه راديو كبير ، وقد هرع اليه الاهالي ليستمتعوا بمنهاج اذاعة بغداد وأخبار الحرب العالمية الثانية . أما اليوم فقد عفا أثر تلك المقهى .

(1) حدثني احد الرواة فقال : ارسلت المتصرفية بواسطة المنادي جابر عذاب اعلاناً قرأه في المقاهي الكبيرة ينص على جلبها راديو لأول مرة في حديقة الملك غازي ـ مقر المحافظة حاليا ـ وذلك في سنة 1942م ، فمن يرغب الاستماع فليقصد المكان المذكور ، فما كان من الاهالي الا وتقاطروا ليلا على الحديقة المذكورة وقد استولت عليهم الدهشة والاستغراب . وبعد ذلك جلب السيد حسين الهندي راديو چرام ، ثم تبعه عباس مال الله .
كربلاء في الذاكرة 335

6 ـ مقهى جهاد البغدادي : تقع مقابل القرات خانه (الميدان القديم) من جهة الغرب . اسست في الأربعينات ، انتقلت الى شارع العباس مقابل دار الراجه . وهي مقهى تدور فيها الأحاديث الادبية الرقيقة ، وكان روادها من أدباء المدينة وشعرائها . وتصدرت المقهى صورة فريدة لأمير الشعراء أحمد شوقي . وقد اغلقت هذه المقهى وطمست معالمها بسبب توسيع شارع العباس .
7 ـ مقهى عبد الحسين : تقع في ساحة البلوش (ساحة الامام علي حالياً) . وكانت مشهورة بمقهى العراريس ، حيث كان العريس وجماعته يقصدونها بعد العشاء . ويصادف احياناً وجود ثلاثة عراريس في آن واحد . ومما يلفت النظر ان اللوكسات (المصابيح النفطية) كانت تحول المقهى الى شعلات من نور . وتزين جدران المقهى من الداخل المرايا الكبيرة ، وفي الأعلى رفوف اصطفت عليها القواري والسماورات والثريات القديمة (اللالات) مما تضفي على المقهى جمالاً وروعة . وكانت القواري مزينة بصور شخصيات تاريخية كسلاطين آل عثمان وملوك العراق .
وفي السبعينات اطلق عليها (مقهى الأدباء) لتواجد ادباء المدينة فيها .
8 ـ مقهى حسين أبو شعير : تقع في محلة باب السلالمة مقابل سوق العلاوي ، كانت ملتقى الفلاحين من أفراد العشائر القاطنة في تلك المحلة ، يتداولون فيها الشؤون الزراعية ، ولا تزال المقهى قائمة .
9 ـ مقهى حسن جادّه : تقع في الميدان القديم مقابل القرات خانه ومجاورة لمقهى حاج كريم المار ذكرها . يرتادها

كربلاء في الذاكرة 336

عامة الناس لاسيما تجار أهل الموصل الذين يتعاطون بيع وشراء الدبس ، وقد أصبحت هذه المقهى أثراً بعد عين بسبب توسيع الشارع .
10 ـ مقهى سيد حسين البلوشي : تقع في ساحة البلوش (ساحة الامام علي حالياً) كانت تقام فيها تكية منطقة البلوش أيام المحرم الحرام ، ومنها ينطلق موكب عزاء البلوش . وكان يزين المقهى الثريات (اللالات) الكبيرة الحجم بألوانها الزاهية ، وما تزال هذه المقهى قائمة حتى يومنا هذا يديرها السيد علي السيد حسين البلوشي .
11 ـ مقهى الصرّاف : وهي من الممتلكات العائدة للمرحوم الحاج عبد الصراف .
تقع في شارع المخيم . وكانت تحاط بها من الداخل المرايا الكبيرة . يرتادها الوجوه والأعيان وأهل الفضل . وكانت على سعتها تزدحم بالناس لاسيما في مواسم الزيارات المخصوصة ، وقد عفى أثرها اليوم .
12 ـ مقهى أم المري : وهي مقهى كبيرة تقع في سوق النعلجية ، يرتادها التجار وأصحاب المعامل وبعض الوجوه . وهذه المقهى تم بناؤها على انقاض خان كبير ، وهي مزينة بالمرايا من الداخل . وفي الطابق العلوي منها مسافر خانه ذات اربعين غرفة ، شيدت لأيواء الزوار .
13 ـ مقهى خان الباشا : تقع في مدخل خان الباشا ، يرتادها المعمرون من خدمة الروضة الحسينية وبعض الكسبة . وتمتاز هذه المقهى بالتخوت الكبيرة التي ترتفع عن الأرض . اندثرت هذه المقهى بازالة الخان المذكور ، الذي تحول الى (الحسينية الحيدرية) .

السابق السابق الفهرس التالي التالي