كربلاء في الذاكرة 286

الفصل السادس

الناحية الاقتصادية


اقتصاد كربلاء

كربلاء المدينة المقدسة التي يؤمها مئات الآلاف من الناس من مختلف الأقطار الاسلامية طوال العام في أيام المواسم الدينية الثابتة وفي غيرها من الايام ، لاغراض زيارة قبر الحسين (عليه السلام) وأخيه العباس (عليه السلام) واقامة الشعائر العقائدية الدينية .
ولذا بات من الطبيعي ان يتزود هؤلاء الزوار بما يحتاجون اليه من السلع والبضائع التي لا تتوفر في مدنهم أو التي لا تصنع عندهم ، لكي تقدم هدايا للذكرى والتبرك بها ، فأصبحت مدينة كربلاء من المدن الصناعية لما تحتفظ به من امكانيات للانتاج ، وأدوات الانتاج ، ووجدت صناعات مهمة يديرها عمال ماهرون ، جاء بعضهم الى المدينة واتخذها مقراً لمجاورة قبر الحسين (عليه السلام) ، الا ان الصناعات في بدايتها كانت أولية بدائية تجلب الموادالاولية من خارج القطر ، وبعضها صنع محلي . وان بعض الصناعات تعتمد في الغالب على المنتوجات الزراعية المحلية . ولتصريف الانتاج وجدت الأسواق وبسرعة فائقة زاد عدد سكانها ، وأقبل كثير من العمال والفلاحين وسكنوا مدينة كربلاء مما وفّر في الانتاج وتقدم الصناعة وتنمية الذوق في المدينة ، فتحضرت وصار يقصدها السوّاح والمثقفون والراغبون بمعرفة المدينة وحقيقة واقعها . فقد جاء في كتاب (تاريخ كربلاء) : «حين تمصرت كربلاء أصبحت مدينة ذات شأن لأن في الأخبار والروايات ما يدل على انها سكنت بزمنٍ يسير من بعد الوقعة

كربلاء في الذاكرة 287

وأصبحت محطة الرحال ومحطة التجارة والقوافل نظراً لموقعها الديني ولوقوعها بين المناطق الغنية بالحاصلات والمنتوجات الزراعية ولما نالته سريعاً من الشهرة الواسعة ومن اقبال الناس على زيارتها من كل حدب وصوب»(1) . فصار اقتصادها يعتمد على الزراعة والصناعة والتجارة والزيارة والسياحة .
وزار مدينة كربلاء الرحالة الطنجي في أوائل القرن الثامن الهجري أي في سنة 726هـ وكتب وصفاً عما يشاهده في المدينة فقال : وهي مدينة صغيرة تحفها الحدائق والبساتين ويسقيها ماء الفرات والروضة المقدسة داخلها وعليها مدرسة عظيمة وزاوية وكريمة فيها الطعام للوارد والصادر ... الخ(2) .
وزارها الرحالة الشهير عباس المدني في القرن الثاني عشر الهجري فقال بعد كلام طويل : (وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين بلده من كل المكاره جنه كأنها من رياض الجنة ، نخيلها باسقات وماؤها عذب زلال من شط الفرات واقمارها مبدره ، وانوارها مسفره ، ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة . وقصورها كغرف الجنان مصنوعة ، فيها سرور مرفوعة ، وأكواب موضوعة ، وفواكهها مختلفة الالوان ، وأطيارها تسبح الرحمان على الاغصان ، وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور ، وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور ... الخ(3) .
ووصف كربلاء عمانوئيل فتح الله عمانوئيل سنة 1911م فكتب عن الحقل التجاري يقول : (اذ أنّ ثروتها واسعة وتجارتها

(1) تاريخ كربلاء وحائر الحسين / الدكتور عبد الجواد الكليدار آل طعمة ص 63 .
(2) رحلة ابن بطوطه ج 1 ص 139 طبع مصر 1357هـ .
(3) نزهة الجليس ومنية الأديب الانيس / عباس المدني ص 84 .
كربلاء في الذاكرة 288

نافعة وزراعتها متقدمة وصناعتها رائجة شهيرة حتى أنّ بعض الصناع يفوقون مهرة صناع بغداد بكثير لاسيما في الوشي والتطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الخط والصياغة والترصيع وتلبيس الخشب خشباً أثمن وأنفس على أشكال ورسوم هندسية بديعة عربية وهندية وفارسية ... وان ما يباع في الأسواق بديع الصنع وأغلب بضائعها تشاكل بضائع البلاد المجاورة لاسيما يشاهد الناظر كثيراً من الطوس من كبيرة وصغيرة من النحاس الأصفر ...
ثم يقول : (ومما يكثر في أسواقها أنواع الاحذية المختلفة الطرز والمتنوعة فترى في الحوانيت الزعفران الفاخر الخالص من كل شائبة وغش مما لا نجد مثله في بغداد)(1) .
وهناك عوامل ساعدت كربلاء في تنمية اقتصادها وتقدم صناعتها ، فالاراضي الخصبة والمياه الوفيرة والمناخ المناسب كل ذلك ساعد على الزراعة ونشرها في الأراضي المجاورة لمدينة كربلاء ، فالمناخ يساعد على زراعة النخيل(2) واشجار الرمان والحمضيات والمشمش والكوجه(3) والتوت وزراعة الخضروات

(1) مجلة (لغة العرب) المجلد الاول لسنة 1911م ص 157 .
(2) جاء في كتاب (النخيل والتمور في العراق) لعبد الوهاب الدباغ ص 13 : 51 .
لقاح فحل النخل يسمى (الكشه) في كربلاء .
(3) يرجع تاريخ جلب الگوجه لكربلاء سنة 1905م وانتشرت زراعتها أول الامر في بستان (سبسب) في مقاطعة الهيابي ، وهي ذات أنواع مختلفة منها : العراگية والبغدادية والصفرة والحمرة والسودة والبيضة . أما اشهر البساتين التي تصدر الگوجه هي (الجدوعيات) و(الحيدرية) وكان مقدار صادراتها يوميا بين الـ 50 و100 سلة .
كربلاء في الذاكرة 289

المستعملة في الطبخ وغيرها ، الشتوية منها والصيفية بالاضافة الى الحبوب كالحنطة والشعير والرز ، كما كان يزرع فيها القطن ، وان بعض تلك المزروعات يمكن ان تصنع ، وعلى المزروعات والنباتات تربى الحيوانات ، كالأغنام والأبقار ، فيعمل من جلودها وأصوافها في الصناعة ، وللبدو المقيمين في البادية الغربية من كربلاء علاقات تجارية مع بعض العوائل الكربلائية .
ومما ساعد على تنمية اقتصاد كربلاء وزيادة واردها المالي وجود الزوار المقيمين في المدينة خلال المواسم ، كما ان الشخصيات الدينية والسياسية خصصت قسماً من واردها لارساله الى كربلاء وتوزيعه على المحتاجين وعلى طلبة المدارس الدينية فيها .
وتوجد في كربلاء أسواق تضم مخازن وحوانيت مجهزة بالسلع والنتاجات التي تمثل المصنوعات الفخارية والبرونزية والنسيجية واللوحات الفنية التي تمثل حضارة وادي الرافدين ولمختلف العصور . ولعل من المفيد هنا ان ندرج أهم الصناعات التي تخص مدينة كربلاء قديماً وحديثاً :
1 ـ صناعة الدبس المستخرج من التمور . يصدر بعضه على شكل صفائح الى الشمال وبعضه الى خارج القطر .
2 ـ دبغ الجلود : التي يصنع منها الفرو حيث يستعمله عرب البادية ، وكذلك تصنع الأحذية والسروج والأحزمة واربطة الخيل .
3 ـ صناعات تعتمد على مادة النحاس الأحمر (الصفر) والأصفر : كصناعة القدور والأواني المنزلية والبرونزية والنحاسية المنقوشة بالصور والتماثيل ، والسماورات والطباخات

كربلاء في الذاكرة 290

النفطية ذات الفتائل وصناعة الألمنيوم والنيكل .
وبعض الصناعات تعتمد على النحاس الأصفر التي تصنع منه الثريات وأدوات الانارة والمزهريات .
4 ـ صناعة تعتمد على مادة التوتيا (التنگ) والبراميل والطشوت والفوانيس .
5 ـ صناعة الآجر المطلي بالطلاء القاشاني . وتوجد معامل لصناعة القاشاني الكربلائي والطابوق المعرق ، ومنها يصدر الى بغداد والمدن العراقية الاخرى لاستخدامه في بناء المساجد والعمائر .
6 ـ الصباغة : صبغ الأقمشة والأصواف والغزول والعبي للنساء والرجال .
7 ـ الندافه : صناعة اللحف والمنادر ، وتصدر الى شمال العراق وجنوبه .
8 ـ الحلويات : كالسكريات التي يقوم ببيعها القناط ، ويكثر الاقبال على شراء الحلويات في المواسم مثل عيد دخول السنة وشهر رمضان ومناسبات الافراح .
9 ـ البصمه : كان البعض يشتغل ببصم القماش أي طبع الكتابة عليه بواسطة قوالب من الخشب ، وتستعمل تلك الأقمشة للأكفان ، ولافتات طبعت عليها آيات قرآنية بزخارف جميلة ، وطباعة اليشماغ خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، وطباعة السفر (السماط) .
10 ـ النجارة : وهي نوعان ، خشب محلي ، مقطوع من الأشجار يصنع منه الجاون والميجنه ويستعمل في (هبش الحبوب) ومحلات وجودها في باب بغداد ، وهذه المحلات التي يبـاع فيها

كربلاء في الذاكرة 291

تعرف بـ (السلات) مفردها (سلّة) . وخشب مستورد تصنع منه الأبواب والشبابيك .
11 ـ صناعة المراوح (المهافيف) تصنع في البيوت ، ويقوم بعملها النساء ، كما تصنع الحصران وسفر الموائد وكلها من سعف النخيل (الطري) أي (اللب) ويطلق عليه اسم (الخوص) وبعض الخوص يصبغ بألوان مختلفة تصنع منه الأسفاط .
12 ـ صناعة الحبال من الليف المبروم . والمكان الذي يصنع فيه (عگد الفناهره) في محلة باب بغداد .
13 ـ الحداده : صناعة الادوات الزراعية كالفأس والمسحاة والمنجل والباذورة والفدان .
14 ـ الحياكه : حياكة العبي وحياكة الغزل والنسيج لصنع (العرقچينات) وهي أغطية الرأس ، وحياكة الجواريب .
15 ـ تصحيف الكتب وتجليدها .
16 ـ صناعة الأقفاص والأسرة من جريد النخل ومنها تصنع الكراسي .
18 ـ الطابوق وصناعة السيراميك والخزف والفخار العراقي الذي يزدان بعضها بزخارف هندسية نباتية وحيوانية ، ومناظر طبيعية .
19 ـ الصياغة الذهبية والفضية : وهناك الصناعة النحاسية ، وهي تشبه صناعة المواد المذهبة (الشبه) .
20 ـ صناعة الجص والبورك المستخدم في البناء .
21 ـ صناعة السبح والترب .

كربلاء في الذاكرة 292

22 ـ الخياطة : تفصيل القماش وخياطته .
وقد أشاد بصناعة كربلاء عدد من السوّاح الذين الّفوا في اقتصاد العراق . فقد ذكر لنا الرحالة البرتغالي بيدرو تكسيرا بعد وصف مسهب للمدينة واسهاماتها في تعزيز الاقتصاد الوطني فقال : وكانت أسواقها مبنية بناءً محكماً بالطابوق وملأى بالحاجات والسلع التجارية لتردد الكثيرين من الناس عليها . وبعد أن يشير الى وجود الروضة الحسينية وتوارد المسلمين لزيارتها من جميع الجهات ويتطرق الى ذكر السقاة الذين كانوا يسقون الماء للناس في سبيل الله وطلباً للأجر ، أو احياء لذكرى الامام الشهيد الذي قتل عطشاناً في هذه البقعة من الارض . ويقول انهم كانوا يدورون بقربهم الجلدية الملأى بالماء ، وهم يحملون بأيديهم طاسات النحاس الجميلة ثم يشير الى تيسر الارزاق ورخصها ، وتوفر المأكولات والحبوب بكثرة مثل الحنطة والرز والشعير والفواكه والخضروات واللحوم ... الخ(1) .
ويتطرق نيبور الذي زار كربلاء سنة 1765م الى وصف المدينة ثم يقول : ان الترب كانت تصنع في معمل خاص تحتكر فيه العمل لنفسها اسرة من سادات كربلاء ، وكانت هذه الاسرة تدفع مبلغاً كبيراً من المال في كل سنة الى والي بغداد لقاء هذا الامتياز(2) . وهناك بيوت أخرى تمتهن صناعة الترب وتصدره الى الدول الاسلامية .

(1) موسوعة العتبات المقدسة / قسم كربلاء ج 1 ص 282 .
(2) المصدر السابق 289 .
كربلاء في الذاكرة 293

وزار لوفتس أحد علماء الآثار الانكليز سنة 1853 مدينة كربلاء ووصفها باسهاب ، ومما ذكره : ان اسواق كربلاء كانت ممتلئة بأنواع الحبوب ، وبالسلع التي كان يحملها الزوار اليها من جميع انحاء العالم ، وهي تشتهر بصناعة المصنوعات المخرمة ، والحفر المتقن على الأصداف المستخرجة من مغاصات البحرين في الخليج(1) .
وذكر لنا طه الهاشمي : ان أهم ما اشتهرت به كربلاء صنع أواني البرنز والنحاس ونسج الحرير(2) . كما ذكر السيد عبد الرزاق الحسني في وصفه لكربلاء قوله : وهي الى ذلك ذات مؤسسات فخمة وعمارات وأسواق منظمة(3) .
أما مجلة (العراق الجديد) فقد أشادت بصناعات كربلاء كقولها : اشتهرت كربلاء بعدد من الصناعات والفنون الشعبية الدقيقة لصناعة السيراميك والقاشاني الملون المنقوش بالصور الجميلة وصناعة النقش على النحاس التي برع فيها الكربلائيون فأخرجوا من النماذج ما يرتقي الى مصاف اللوحات الفنية المتكاملة(4) .
تلك هي صناعات كربلاء في الزمن الغابر الذي سبق اعلان الجمهورية بسنوات موغلة في القدم . وكانت تلك الصناعات محلية يدويه في أكثرها ، أما في الزمن الحاضر فقد اخذت نصيبها

(1) المصدر السابق ص 295 و296 .
(2) جغرافية العراق / طه الهاشمي ص 141 .
(3) العراق قديما وحديثا / عبد الرزاق الحسني ص 125 (الطبعة السابعة) .
(4) العراق الجديد ـ العدد 10 السنة 1961 .
كربلاء في الذاكرة 294

من التقدم والرقي الصناعي وتطورت الى صناعات تعتمد على وسائل الانتاج الحديثة ، فأسست المصانع والمعامل ، وزاد نشاطها التجاري والزراعي .
مظاهر الحياة الشعبية في كربلاء

مما لا يختلف فيه اثنان ان مدينة كربلاء المقدسة يقصدها مختلف الاجناس والشعوب من مسلمين وغير مسلمين للتبرك بالعتبات المقدسة فيها والاطلاع على الاماكن السياحية والاثرية . ومنهم من آثر السكنى مجاورة لضريحي الامام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام . ومما يجدر التنويه به ان الطابع الذي تتسم به المدينة طابع ديني ، وهي بلد زراعي يشتهر بوفرة البساتين .
ان مظاهر الحياة الشعبية والتقاليد والاعراف تكاد تكوّن بعض الظواهر الاجتماعية في المدينة وهي ذات طابع خاص في مختلف شؤون الحياة والعمل ، كالفن والصناعة وعادات الزواج وطرق اللهو والتسلية وتنظيم الاسواق والمحلات ومن ثم نشوء حرف جديدة تعتمد على الذكاء واستغلال عقائد الناس .
وهناك عدة مهن وصناعات شعبية مهمة كان لها شأن كبير في الجيل الماضي وأهمية لا تنكر لحاجة الناس اليها أولاً والدخل

كربلاء في الذاكرة 295

الوافر نسبيا الذي كانت تدره هذه المهن على القائمين بها ثانيا ، وهي تشكل حاجات الفرد الاقتصادية والمعيشية . ومن الحرف التي انفردت بها كربلاء في الجيل الماضي وليس لها شأن يذكر الآن بالنظر لتقدم وسائل العيش هي : مهنة السقاء وكسّار الحطب وغيرها .

1 ـ الفلاحون :

والفلاحة يعتاش عليها ابناء كربلاء من مختلف الطبقات باعتبارها مهنة الآباء والاجداد ، ووجود البساتين التي يسقيها نهر الحسينية الذي يتفرع من نهر الفرات ويصب في هور أبي دبس ، ويتفرع منه نهر الهنيدية الذي يروي جانباً آخر من بساتين كربلاء . ولذا صرنا نرى ان كربلاء مصدر مهم لانتاج مختلف الحمضيات وكذلك الفواكه الاخرى كالگوجه والمشمش والنبق والتكي والتمور والخضروات التي تصدر الى بغداد والمدن المجاورة . كما وللفلاحين عادات وتقاليد(1) إبتداء من معرفة تامة بأصول الفلاحة وانتهاء بوضع تقويم خاص يفصّل شهور السنة وفقا للمواسيم الزراعية .

2 ـ الخفّافون :

وهم الذين يقومون بصناعة الاحذية . وهي من الصناعات المحلية المشهورة في كربلاء ، ويصدر منتجوها بكمية كبيرة نسبيا الى بغداد والمدن المجاورة ، وتتسم هذه الصناعة بطابع الجودة في الانتاج وذلك في المعامل الخاصة التي تكاد تزدحم حوانيتها في شارع علي الاكبر .. وللنعال صفة خاصة تنفرد عن الحذاء

(1) مجلة التراث الشعبي ـ العددان 6 و7 (10 أيلول 1965) السنة الثانية مقالة هادي الشربتي (غرور المعيدي بين العرب والفرس) .
كربلاء في الذاكرة 296

وغالباً ما يستعمله القرويون ، وللنعلچه سوق خاص يوازي سوق العرب ، وهناك أنواع من النعل منها العادي (ابو جواريب) و(أبو الاصبع) والنوع الآخر (الزبيري) الذي لا يستعمل فيه مسمار قط ، الى غيرها من الانواع الاخرى التي تصنع من عمل يد ماهرة وهي رجالية على العموم . غير أن هناك النعال المصنوع من الروغان وهو جلد لماع أسود تستعمله الصبايا والمتأنقات من النساء في الصيف . وللاسف أخذت صناعة الاحذية التي تنتج بالمشاريع الفردية بالانقراض وذلك لانتشار المعامل الحديثة .

3 ـ الصفّارون

يروي بعض المعمرين ان سوق العرب اليوم كان يعرف بسوق (مدگ الطبل) ، وقد انشيء منذ قرنين تقريباً . وكان الصفارون(1) يصنعون من الواح الصفر الواردة من بغداد مطارق وسنادين . ولدى نشوب الحوادث السياسية التي قامت بها كربلاء ضد الحكومة العثمانية ، جمع الثوار جميع هذه الاواني النحاسية وصبّوها مدفعين لمقاومة جيش الحكومة وذلك في حادثة المناخور التي تعرف بحادثة داود باشا سنة 1241هـ . وكان سوق الهرج الذي انشيء منذ قرن ونصف الواقع في وسط المدينة محلا لصنع الاواني والقدور .
أما شارع الصفارين فقد انشئت على جانبيه حوانيت جديدة منسقة تنسيقاً منظماً ويقوم بعمل الصواني ، والگمگم ، والابريق ، واللگن ، والمشربه والطاسه هبگ ، والقدر ، والسطله ، والطشت ، والسلبچه (وهي تقوم مقام الحقيبة في حفظ معدّات الحمام العائدة للمرأة) .

(1) التراث الشعبي ـ العدد 1 (تشرين الثاني 1964) السنة الثانية مقالة عزي الوهاب (الصفارون في كربلاء) .
كربلاء في الذاكرة 297

4 ـ الكندكارية ء(1)

وهذه المهنة معروفة في كربلاء منذ أمد طويل ، يراد بها صناعة صب قراضات النحاس وابدالها الى قطع معدنية . والكندكار لفظة فارسية تتركب من كلمتين الاولى (كنت) بمعنى (الصب) والثانية (كار) بمعنى (العمل) . ولا تزال هذه المهنة معمولا بها في كربلاء .

5 ـ مبيضو القدور

وهي من الحرف البارزة في كربلاء وان عمل المبيضين يقتصر على تبييض القدور والطشوت والطاوات والچفاچير والاواني النحاسية وغيرها . وما تزال حوانيتهم باقية حتى الآن يزدحم بعضها قرب سوق الصفارين .

6 ـ النجارون :

وسوقهم لا يزال يعرف حتى اليوم بسوق النجارين ويبدأ من ساحة الميدان القديم منتهيا بالجامع الذي يعرف بجامع العباسية وحوانيته تقوم على جانبي الطريق ، ويعمل اصحابها بصنع مختلف الاثاث الخشبية . وهناك معامل لنشر الخشب وقصه . ومنها المحلات الخاصة بزخرفة الابواب . وهناك نوعان من النجارة القديمة التقليدية وهي صناعة ما يحتاجه القرويون من ادوات الزراعة كالفدان والمذراة ومقابض الفؤوس وربود المساحي وأدوات منزلية بسيطة كالجاون الذي يرتبط بعشيرة (ابو شمطو) العربية وما شاكل ذلك . والنوع الثاني من النجارة

(1) التراث الشعبي ـ العدد 1 (تشرين الثاني 1964) السنة الثانية مقالة الشيخ جلال الحنفي (الكندكارية ومبيضو القدور) .
كربلاء في الذاكرة 298

هي الحديثة وتشمل صناعة أبواب البيوت والشبابيك وصنف آخر متخصص بصناعة الموبليات وفق أحدث طراز .

7 ـ السقاؤون :

وكان السقاؤون(1) يزاولون هذه المهنة منذ أمد بعيد ، وكانوا يحتفظون بالماء صيفاً وشتاءً في الخان المعروف بـ (خان الباشا)(*) الواقع جوار الصحن الحسيني الذي توضع فيه (أحباب) قاشانية يومذاك ويجلب منه الماء لقاء أجور بسيطة يدفعونها للشخص المسؤول عن الخان . وكان السقاؤون يملأون جرارهم من تلك الحبوب ويأتون بها الى الصحنين المقدسين لتقديم

(1) مجلة التراث الشعبي ـ العدد 1 (حزيران 1966) السنة الثالثة مقالة هادي الشربتي (السقاؤون في كربلاء في عصرهم الذهبي) .
(*) خان الباشا : موقعه بالقرب من الصحن الحسيني ، يتصل بموقوفات السادة آل النقيب . وقد ذكره البحاثة الشيخ محمد علي اليعقوبي في العدد 44 من جريدة (القدوة) الكربلائية الصادرة في 24 ـ 8 ـ 1953 وهذا نص القول : «وفي وسطه آثار بئر قد اندرست معالمها وفي جهاتها الاربع بقايا غرف ومساكن قديمة البناء خاوية الجدران والسقوف مما يؤكد لنا انها من مباني القرن الثاني عشر الهجري وفي مواسم الزيارات ياوي اليها الغرباء والضعفاء من الزائرين . وفي زواياه مخزن وكيزان خزفية يدخر السقاؤن فيها الماء صيفا وشتاء وتدفع عن ذلك أجور يتقاضاها من يستأجر الخان المذكور من مديرية الاوقاف بعدما وضعت يدهاعليه وجعلته من الموقوفات على الجامع الحميدي في كربلاء . وليس فيه كتابة تصرح لنا باسم بانيه وتاريخ انشائه ..
ويقول أيضا : «ان الوالي حسن باشا الذي لقب بخادم الحرمين سنة 1127 هو الذي بنى خانا للزوار وفيه بئر يسقى منها يوم كانت كربلاء تقاسي الظمأ لانقطاع مجاري نهر الحسينية عنها مما يكاد لا ينطبق على غير هذا الخان ... الخ» .
وعلى انقاض هذا الخان شيدت حسينية فخمة تدعى بـ (الحسينية الحيدرية) وتقام فيها مراسيم الاحتفال بمولد الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في كل عام .
كربلاء في الذاكرة 299

الماء للزائرين . وهناك من السقائين من يتعامل مع أصحاب الحوانيت فيؤدون السبيل وتمنح لهم أجور أسبوعيا التماسا للثواب . وللسائقين موكب للعزاء في محرم الحرام يثير الاعجاب .

8 ـ الحفّافات :

مفردها (حفافة) وهي امرأة تمتهن حلاقة النساء ، فتأتي لتزيين وجه المرأة المتزوجة حديثاً ، وذلك في كل شهر مرة . وتحمل في حقيبتها خيطاً مبروماً وديرماً وسبداجاً وحمرة وكحلاً وما الى ذلك من المتطلبات الخاصة بالزينة ، وتتلقى أجرة معينة .

9 ـ الملالي :

وهي جمع (ملّة) اقتصرت هذه التسمية عندنا على النساء اللواتي ينحن في عزاء الحسين (عليه السلام) وقراءة القصائد في رثائه ، ويقمن بهذا الدور نفسه في وفيات اشراف البلد وأعيانه وبعض الاشخاص الآخرين أو في مواسم الافراح .

10 ـ البنّاءون :

يأتي البناءون في كل صباح ويجتمعون في صحن الحسين والعباس ، وكان رئيس البنائين الذي يعرف بالمعمار أو الاسطه يوزع البنائين والعمال على العمـل . وكان البناء الذي نطلق على تسميته بـ (الخلفة) هو أقل درجة من المعمار ، وكانت أجرته اليومية في زمن الاتراك (ربع مجيدي) أو (منگنه) أي مـا يعادل الـ (50 فلساً) اليوم . وبعد الحرب الاولى سنة 1917م حتى ثورة رشيد عالي الگيلاني سنة 1941م كانت أجرة البناء (120 فلساً) والحد الاعلى له (150 فلساً) . أما الصانع فأجرته (40

كربلاء في الذاكرة 300

فلساً ) . وكان المعمار يرسل البناء أي (الخلفة) الى بعض الدور مقابل نصف دينار يأخذه منه للقيام بهذه المهمة .
وكان العمال يشتغلون منذ شروق الشمس حتى مغيبها عدا ساعتين لتناول طعام الغذاء . ومن العادات الشعبية المألوفة ان يحضر مائدة الغذاء الاسطة والخلفة ، وكانت الاكلات المفضلة لديهم هي التشريب والثريد . أما في شهر رمضان فكان العمال يشتغلون ابتداء من شروق الشمس حتى ساعتين قبل غروب الشمس . وكانت الادوات التي يستعملونها تشمل المواد التالية : الطاسة للجص والجبس والفأس والشاقول الذراع والمسطرة وعصا صخمة لدق الجص والمرّ والمالج .

11ـ الندافون

والنداف يعمل في حانوت خاص يستأجره لاجل مهمة ندف القطن لخياطة الافرشة . وهو يستلم اجرة الندف والخياطة اذا أعد له صاحب الحاجة القماش والقطن . وكان القطن المعروف بـ (التاج المحلي ) يزرع في كربلاء قديماً لتموين حوانيت الندافين . لكن اليوم قد انقطت زراعته . أما الادوات التي تستعمل فهي : الگوز والچك والأبر والخيوط وعصا تستخدم كمسطرة لتناسق الخياطة . وكانت العادة الجارية ان صاحب الدار يعد غذاء للنداف اذا اشتغل طيلة النهار في بيته.

12ـ (شوباش) گصاص التمر :

عندما ينتهي گصاص التمر (جذاذ) في الرساتيق او المقاطيع ، ياتي الگاصوص الذي يدعي بالصاعود ليختار اخر بستان واخر نخلة ، وهي افخر واحسن نخلة فيصعد عليها وينادي

تراث كربلاء 301

شوباش..شوباش حجي (فلان).. انعم الله عليك . رحم الله والديك » ويعني به صاحب الرستاق . ثم يطلق الرصاص لدى سماع الفلاحين اسم الرئيس المذكور . ويطلق ثانية وثالثة . ثم ينزل الصاعود فتتم الهوسة داخل الرستاق . ومما يجدر ذكره ان ثمر النخل يعود الى الگاصوص ، حيث ان الشوباش هو هدية كما هو معروف ، غير ان هذه العادة انقرضت اليوم.

13 ـ السلال :

يكثر انتشار صناعة السلال في كربلاء وهي على أنواع منها : الگفة والطبگ وذلك نظراً لوجود البساتين التي هي المورد الهام (للروط) الذي يصنع منها هذه البضائع . فالبدنة تستعمل من روط الصفصاف ، والكساء يستعمل من الاسفل لغرض (الحصير السليماني) . وهناك الزنابيل والحصران والمراوح (التي تعرف بالمهافيف) المصنوعة من خوص النخيل ، وتكثر صناعتها في القرى خلال فصل الصيف ، وتكاد تنتشر حتى في المدن الكبيرة . يتفنن بها الاهلون سيما في الوانها الزاهية . وتستعمل من خوص (لب النخلة) وان (اليدة) تستعمل من جريد النخيل وتصبغ بالجوهر . ونرى ان أغلب الوافدين على كربلاء يقبلون على شراء كمية من المهافيف (المراوح اليدوية) والاطباق والاسفاط لغرض (الصوغة) وذلك لجوة صناعتها .

14 ـ الحصران :

هنالك نوعان من الاسل وتستعمل للسلال أيضا . ونوع آخر يستعمل من خوص النخيل (الحضّان) . والحصران من الصناعات اليدوية المعروفة التي تستعمل لغرض فرش الأرض ، ويكاد يكون عملها كعمل الخصاف .

كربلاء في الذاكرة 302

وحياكة الحصران مختلفة تستعمل في جنوب العراق من قصب الاهوار خاصة في لوائي العمارة والناصرية . وفي كربلاء تستعمل من الخوص ، ويتفنن بها في طريقة الاستعمال تفننا بديعاً .

15 ـ الاسرَّة :

مفردها سرير ويصنع من جريد النخيل ويستعمل في المدن صيفاً حتى يكون نوم الليل في الهواء الطلق . ولجريد النخل صناعات أخرى كالاقفاص والعماريات . ومن اشهر العاملين في هذه المهنة الحاج عبد أبو السرر .

16 ـ التبالي :

جمع تبلية وتستعمل من شريط ليف النخل (وهو الحبل الرفيع الذي يربط به الحزام) وتوضع يده من الجهتين للحزام . الجهة الاولى تشكل الزند ، ويعمل الزند من جلد البعير . وفي الوقت الحاضر يستعمل من السيم وفيه خشبة توضع من جهة ثانية ، وهي عدة صعود النخل لغرض اللقاح و(العُكاس) وهي ازالة العكوس القديمة المتبقية من جذاذ تمور الموسم الماضي . ثم جذاذ النخيل وجني الرطب .

17 ـ المكانس :

مفردها مكنسة وتستعمل من سعف التال (النخل الصغير) وتفيد في تنظيف الارض ، وهي نوعان احداها ذات يدة قصيرة يستعملها أصحاب الدور والحوانيت ، وأخرى ذات يدة طويلة يستعملها الكناسون لكنس الشوارع والطرق وهؤلاء من مستخدمي البلدية .

السابق السابق الفهرس التالي التالي