بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 100

وقد قام حسن باشا والي بغداد (1) لسنة 1329 هـ على الخلل الذي طرأ على مجرى هذا النهر فحفر له صدراً آخر . ويوجد اليوم في شمال قضاء المسيب جانب البو حمدان في ضيعة هور حسين ترعة يطلق عليها بصدر الحسينية العتيق . وكان لها قنطرة قائمة متينة على محاذات خان الوقف الذي هدم حديثاً لغرض فتح الشارع المقابل للجسر الثابت الذي انشأ لربط جانبي القضاء . قد يكون هذا الصدر أحد تينك الصدرين اللذين مر ذكرهما . وعلى ما أتخطر هدمت القنطرة السالفة الذكر لاستعمال أنقاضها في بناء الناظم الذي أقيم على صدر الحسينية ، القائم ليومنا هذا أي في سنة 1324 هـ .
وعلى أثر التغيير الذي طرأ على مجرى عمود الفرات باحداث الهندية بأمر آصف الدولة الهندي (2) أشكل علينا معرفة الفوهة الاصلية لنهر الحسينية . وكذلك موقعه الذي اختير له من الفرات عند حفره بأمر سليمان القانوني سنة 941 هـ ومن المحتمل أن تكون فوهته بمقربة من مأخذ وفوهة نهر نينوى القديم على التقريب .

(1) كلشن خلفاء خط . ص : 241 وجه .
(2) جاء في تحفة العالم لمير عبد اللطيف الشوشتري . ط الهند . ص 348 عن آصف الدولة ما ترجمته ( آصف الدولة بهادر يحيى خان من أحفاد سعادت مندخان برهان الملك الذي هو من أعاظم امراء محمد شاهي . وفي التاريخ النادري مجمل من أحواله مسطور فيه . كان من أعاظم نيشابور وآصف الدولة سواء في الرئاسة أو ضبط المملكة وتنسيق الامور لم يكن كما ينبغي . . . . ولكنه كان حاتم زمانه في السخاء والكرم الفطري . . . وكان قد بنى رباطا كبيرا لهجة الزائرين وسكنة العتبات العاليات وكان دائما غاصا بعدد كبير من الزائرين وكان الزائرون من يوم ورودهم الى هذا =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 101

الطف :

الطف : بالفتح والفاء المشددة ، ما أشرف من الجزيرة على ريف العراق .
يحدث الاصمعي : يطف لك ، أي ما دنا وأمكن وطف الفرات : الشاطئ منه (1) ، مع شمول لفظة لكل ساحل ماء ، وجمعه طفوف (2) . اطلق على سبيل العلمية على الساحل الغربي من عمود الفرات حتى آخر حدود الريف ما يتاخم الجزيرة عرضا ، من الانبار حتى بطائح البصرة طولا ويضاف اليه في بعض مواقعه طف كربلاء ، ونينوى ، وشقران (3) وسفوان (4) .
وعلى أثر تعاقب من حكموا العراق من ملوك مختلفين في اللغة كالكلذانية الاولى والثانية ، وملوك الفرس الاعاجم ، والعرب في الدور الجاهلي ثم الاسلامي ، حسب لغتهم ، أطلقوا على المدن والقرى والضياع والانهار ، في كل دور وطبقة ، أسماء أو تحوير لاسمائها الاصلية بحسب

= الخان حتى خوجوهم منه يصرف لهم مقدارا من المال كل على قدره ومرتبته . ومن آثاره الخيرية هي جلبه الماء الى أرض الغري الذي كان امنية السلاطين العظام وقد عجزوا عن اقحامه . . . وقد شيد قرب داره في الهند مسجدا ودارا لاقامة مجالس التعزية الحسينية فيها . وقد كلفه ذلك الأموال الجزيلة . وقد توفي سنة 1310 هـ ـ برواية الشيخ عبد العزيز الجواهري في كتابه آثار الشيعة الامامية جـ 4 . ( عادل )
(1) معجم البلدان لياقوت الحمودي جـ 6 ص 51 ، ومراصد الاطلاع لعبد الحق البغدادي .
(2) لسان العرب لابن منظور جـ 11 ص 125 .
(3) شعراء النصرانية جـ 2 للويس شيخو اليسوعي ط بيروت سنة 1890 .
(4) العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي جـ 3 ص 114 .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 102

اللهجة واللغة . وابان حكم المسلمين للعراق ، كانت الاسماء الدراجة على موقعها خليط من قبطية وكلدانية وآرمية فارسية وعربية ، كباروسيما بانقيا ، بورسيبا ، بابل ، نينوى : ( كلداني )
استان ، بهقباذ الاعلى ، الاوسط ، الاسفل . صراط جاماسب ضيزن آباد نيرس ، ( آري فارسى ) .
طف ، حيرة ـ غري ، قادسية ، عذيب خفان ، سنداد ، قطقطانة ، قصر بني مقاتل ، انبار ، عين التمر ، عربي لدور التنوخيين آل نصر المناذرة ملوك الحيرة .
والمسلمون بدورهم أطلقوا أقساس مالك ، كوفة ، بصرة ، سوق حكمة ، سواد ، جرف ، حاير ، غاضرية ، حزن غاضرة ، حصاصة ، طسوج النهرين على المواقع التي اشتهرت به .
وعلى بعض الاسماء الدراجة بتعريب أو تخفيف كبرس لبورسيبا . ( قصر اللغات ) ومن الممكن لكربلاء من كور بابل .
وقد اقتصر ابن النديم في فهرسته على اللغة البابلية أو الكلدانية (1) : ( النبطي أفصح من السرياني ، والذي يتكلم به أهل القرى سرياني ، مكسور وغير مستقيم اللفظ ، وقيل الذي يستعمل في الكتب أو القراءة هو الفصيح ) . من غير أن يلم بصور مفردات حروفه . ومن الممكن ان رسم خط الأسفيني البابلي والهيرغلوفي المصري ، أهملا وانقرضا على أثر سقوط بابل ومصر على أيد داريوس من ملوك الطبقة الثانية الكلدانية .
وعند تحري الجغرافيين لتدوين أسماء المواقع ، اقتصروا على وجوه الاشتقاقات على اللغة العربية دون العطف على المعاني للغات الادوار الغابرة

(1) ص 18 ط القاهرة .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 103

كما ذهبوا الى تحليل لفظ العراق من اشتقاقه من عراق القربة ولفظ بغداد من تعريب باغ داد ( أي حديقة العدل ) أو العطية ، مع اختلاف في ضبط لفظته بسبعة وجوه . ومع قناعة لسترانج في اشتقاقه من بغ ( الله ) و (داد ) تأسيس (1)يشير الى وجود مدينة في العهود الغابرة في موقع بغداد يقارب هذا الاسم ، ومن الممكن لوجود حرف الباء في أول لفظ بغداد أن يكون بابليا أو آشوريا لديهم في الاستهلال به في الاسماء المطلقة لادوارهم بالنبطية كبانقيا وباروسيما وبابنورا وبريسما ونور سيبا ، ذكر اللغويون : أن عدد المائة في اللغة النبطية يعبر عنه بحرف الباء .

الحائر

الحاير بعد الالف ياء مكسورة وراء ، هو في الاصل حوض طبيعي لانخفاضه يجتمع فيه مياه الامطار فيركد فيه لما لا يرى مخرجا أخفض من مستواه ، وعند هبوب الرياح يتحرك الماء بطبيعة الحال اذ يرجع أقصاه الى أدناه ينتهي الى المحل الذي ابتدأ منه أولا فيتحير فيه . أو بالهبوب يتحرك بحركة دورية على نفسه مطمئن الوسط مرتفع الجوانب .
وذكروا في جمعه حوران ، ونفى أبو القاسم برواية الحموي في المعجم من أن يكون له جمع على أنه اسم علم لموضع قبر الحسين (ع) (3) .
وليومنا لم يطرأ على وضعه الطبيعي الذي وضعوه أي تغيير ، سوى ارتفاع مستواه وقاعدته عما كان عليه يوم ضمت تربتها أجداث الجثث

(1) بغداد في عهد الخلافة العباسية لليسترنج . راجع معجم البلدان جـ 2 ص 230 ط القاهرة .
(2) راجع لسان العرب لابن منظور جـ 4 ص 223 . وتاج العروس للزبيدي جـ 3 ص 164 . والصحاح جـ 2 ص 640 .
(3) معجم البلدان جـ 3 ص 203 .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 104

الطاهرة . فاذا قصد الوارد الى الروضة الزاكية ينحدر الى الصحن الشريف من كافة جهاته مع اختلاف في الارتفاع الذي كان الجرف لنفس الحوض . ومن الممكن أن يكون سبيل مصب المياه فيه كان من قسمه الشرقي لما ورد عن الامام الصادق في ترتيب آداب الزيارة منه الدخول الى مستوى هذا الحوض ، أي الحائر . ولتوالي الابنية التي كانت تقام للروضة الطاهرة بحكم الضرورة والتجديد في أدوار متعاقبة تكون بالتدرج ارتفاع مستواه(1) .
بلغني عند تبليط الصحن الاقدس وبناء أسرابه في العقد العاشر من خاتمة القرن الثالث عشر الهجري ، شوهد في القسم الجنوبي قطعة من حصن قائم لاحد أدوار تطور البناء يقارب شرفاته مستوى التبليط تقريبا .

(1) جاء في مجلد المزار من بحار الانوار ط : تبريز سنة 1301 هـ ص 76 ما نصه : اختلف الأصحاب في حد الحاير . فقيل : انه القبة الشريفة فحسب . وقيل : هي مع ما اتصل بها من العمارات كالمسجد والمقتل والخزانة وغيرها ، والأول أظهر لاشتهاره بهذا الوصف بين أهل المشهد آخذين عن أسلافهم ، ولظاهر كلمات أكثر الاصحاب . قال ابن ادريس في ( السرائر ) المراد بالحائر : ما دار عليه سور المشهد والمسجد عليه قال لان ذلك هو الحاير حقيقة . لان الحاير في لسان العرب الموضع المطمأن ، لسان العرب جـ 4 ص 223 الذي يحار فيه الماء . وذكر الشهيد في ( الذكرى ) ان في هذا الموضع حار لما امر باطلاقه على قبر الحسين (ع) ليعفيه فكان لا يبلغه ، وذكر السيد الفاضل أمير شرف الدين علي الشولستاني المجاور بالمشهد الغروي قدس الله روحه . وكان من مشايخنا ـ اني سمعت من كبار الشاميين من البلدة المشرفة ان الحاير : هو السعة التي عليها الحصار الرفيع من القبلة واليمين واليسار . وأما الخلف ما ندري له حد . وقالوا هذا الذي سمعناه من جماعة من قبلنا انتهى . وفي شموله لحجرات الصحن أشكال لا يبعد أن يكون ما انخفض من هذا الصحن الشريف يكون داخلا في الحاير دون ما ارتفع منها وعليه أيضا شواهد من كلمات الأصحاب .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 105

شاهدت بنفسي عند أخذ أساس الضلع الغربي من الصحن بأمر المغفور له عبد الحميد الثاني العثماني لتجديد البهو الكبير وغرفه الشمالية في مستهل القرن الرابع عشر : تنور ، والطابق الاول من دور ما لا يقل انخفاضه عن مستوى التبليط بأقل من خمسة أمتار تقريبا .
لم يغب عن ذاكرة الحسين (ع) مع حراجة موقفه وتكابده لاهوال غير مستطاعة من عطف النظر حتى الى ما بعد مصرعه لئلا يدع سبيلا لغرض الأشلاء الى الضياع والتلف . اختار مركزاً في وسط مستوى هذا الحوض وعلمه بفسطاط يقاتلوا أمامه ولنقل الاشلاء من مصارعهم في ساحة المعركة اليه . أمر فتيانه بحمل ولده ( علي ) من مصرعه حتى وضعوه بين هذا الفسطاط . وحمل بنفسه الزكية جسد ابن أخيه القاسم وألقاه مع ولده وحوله القتلى من أهل بيته الهاشميين بجانب دون جانب أنصاره . ولولا عطفه كان من المستحيل تمايزهم خاصة بعد أن اقتطفت الرؤوس من الاجساد ورفعت على الرماح . وأمام هذا الفسطاط في نفس الحوض شاهده عبد الله بن عمار البارقي بمفرده وهو راجل ، فشد عليه رجاله ومن يمينه وشماله ، حمل عليهم أن يذعروا قال : ما رأيت مكسورا وقيل مكثورا قط قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جانبا وأجرا مقداما قبله ولا بعده مثله . وكانت الرجالة تنكشف عنه يمينا وشمالا انكشاف المعزا اذا شد فيها الذئب . وفي عين المحال برزت السيدة زينب تقول ( ليت السماء تطابقت ) وأشارت الى ابن سعد : أيقتل أبوعبد الله وانت تنظر إليه ، سالت دموعه على خده ولحيته وأدار طرفه وهو يتقي الرمية ويفترس العورة ويشد على الخيل حتى ضربه زرعة بن شريك على حبل عاتقه وكفه اليسرى . وانفرجوا عنه فصار ينوء ويكبو . أن بلغ مقتله من محل مصرعه .

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 106

القرى التي كانت تحف بكربلاء
يوم ورود الحسين (ع) لها
نينوى ، والغاضرية :

كان محل موقفه الذي انتهى اليه سلام الله عيله غداة الخميس الثاني من محرم مستهل سنة احدى وستين قارن ورود كتاب ابن زياد الى القرأن يجعجع به زيجبره بالنزول غلى غير ماء . طلب سلام الله عيله أن يسمح له نزول نينوى أو الغاضرية أو شفيه ، وهو مستقبل بوجهه الاقدس على بعد يقارب الغلوة . وعن يمينه شفيه على ما يقارب الثلاثة أميال ، ويساره الغاضرية ازاء نينوى . وموقع نينوى والغاضرية من الحائر الاقدس يكاد أن يكون ضكلا مثلثا متساوي الاضلاع تقريبا . وموقع نينوى على أغلب الظن كان في حديقة الشديدية يعود اليوم ملاكتها لآل السيد طالب السيد عاشور من خدمة الروضة الطاهرة .
بلغني فيما مضى من منذ قرن كان يستخرج من نفس ساحة الحديقة طابوق مفخور على غرار طابوق أطلال بابل ـ وطلول الغاضرية (1) اليوم قاربت على الاندثار . لتحويله الى حدائق وموقعه في شمال الشرقي من مقام أو شريعة الامام جعفر بن محمد (ع) على ما روى عنه الثمالي أبو حمزة في آداب الزيارة أنها تتخذ مأوى ومحل لوضع رحل الوافدين ، وذكر العلامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي في رجاله (2) عند ذكر حميد بن زياد انه من أهل نينوى فرية الى جانب الحائر .

(1) قال في المعجم جـ 6 ص 261 ( الغاضرية منسوبة الى غاضرية من بني أسد ، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاء ) .
(2) رجال العلامة الحلي ص 59 ط النجف .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 107

شفيه :
وشفية بفتح أوله وكسر ثانيه منسوب الى الشفا (12) من الممكن أن سكون اليوم موقعه على ضوء ما ذكره الطبري (13) عن الضحاك عبد الله المشرفي بعد أن استأذن الحسين للانصراف . قال : استويت على متن فرسى ، وضربتها حتى اذا قامت على السنابك رميت بها عرض القدوم فخرجوا الي وأتبعني منهم خمسة عشر رجلا حتى انتهيت الى شفية قريد قريبة من شاطئ الفرات ، كان الفرات يحول دون افلاته منهم ان قصد الميمنة أو القلب لجريه في ظهورهم ، فلم يبق أمامه سبيل الا الميسرة . وليبعد نفسه عن خطر الجيش مطاردي أوغل الى أن انتهى الى شفيه .
من منذ سنين مضت عندما كنت أنحرى عن موقع شفية . وقفت على تل جنوب سدة أراضي الفريحه ، ما يقارب الحصوة ، على محاذات السليمانية ، يقارب القطع أن يكون شفيه .

العقر :

بفتح العين وسكون القاف ، القصر الذي يكون معتمدا لاهل القرية . قال لبيد يصف ناقته :
كعقر الهاجري اذا ابتناه بأشباه حذين على مثال

(1) معجم البلدان ج 5 ص 280 .
(2) تاريخ الرسل والملوك لابن جرير الطبري .
(3) مرص الاطلاع لعبد الحق الحنبلي ولسان العرب لابن منظور .
(4) تاريخ الطبري ج 6 ص 232 ط مصر ومعجم البلدان لياقوت ج 6 ص 149 .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 108

وعقر بابل قرية قريبة من البلدة المشرفة ولا يعرف موقعها بالضبط والدليل على قربها من كربلاء ما ذكره الطبري عند ورود الحسين (ع) أرض الطف ، وعندما جعجع الحر بن يزيد بالحسين (ع) في النزول على غير ما تقدم زهير بن القين قائلا سر بنا الى هذه القرية حتى ننزلها ، فانها حصينة وهي على شاطئ الفرات ، وأشار الى العقر ـ فان منعونا قاتلناهم ، فقاتلهم أهون علينا من قتال من يجيء بعدهم . سأله الحسين : وأية قرية هي ؟ قال : العقر . فقال الحسين : اللهم اني أعوذ بك من العقر . قتل بها في مبدأ القرن الثاني الهجري يزيد بن المهلب بن أبي صفرة ، قال الكلبي : نشأت والناس يقولون : ضحى بنوا أمية بالدين يوم الطف ، وبالكرم يوم العقر .
والعقر : آخر أثر للبابليين بقة مصونة من تطاول يد الزمن لتروي لنا عن أخبار جبروت أهلها . ولم تخلوا العقر من السكان ، الا بعد سقوط الدولة الفارسية وقيام الدولة الاسلامية . اذ أهمل المسلمون شأنها لما أمكنهم الله من الاسرة والتيجان وصاروا يتكئون على أرائك ويتراوحون على أبراج قصور عاصمة الفرس ( المدائن ) وكان آخر أيام عزها يوم أقبل عليها عظماء الدولة الفارسية لاخذ ( شيري بن ابرويز ) لكي يقيموه مقام والده المخلوع ابرويز الملك وذلك عندما طغى وتجبر . وكان شيري مع اخوته ، وقد وكل بهم مؤدبون يؤبونهم وأساورة يحولون بينهم وبين براحها (1) .
وبعد أن تركها شيري أهملت ، الا أنها لم تفقد ميزتها كقلعة حصينة ، تحمي من يلوذ برحابها ويكون فيها أمنع من عقاب الجو على من يروم دخولها . هذا ومع مرور الليالي والايام وما فعلته عوادي الزمان

(1) تاريخ الطبري ج 4 ص 1043 طبعة ليدن .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 109

في اخفاء موقعها عنا بحيث لا يمكننا اليوم الوقوف بالقطع على بقايا هذا الاثر التاريخي النفيس ـ الا أنه بعد شدة التحري والتنقيب ـ على ضوء ما ورد في تاريخ الطبري ـ أمكنني العثور على أثرين تاريخيين على مد أثر هذا النهر ـ أي العلقمي ـ فيهما أطلال وبقايا أنقاض . أحدهما في الحديقة المسماة بالشديدية . يخال لي أنها نفس موقع العقر . والاثر الثاني في أراضي كربله في ( حكيمة ) باصطلاح اللغة الدراجة حجيمه وأغلب الظن أنها موقع قرية شفيه .

النواويس :

مقابر ، ومفرده : ناووس على وزن فاعول . هذا ان كانت اللفظة عربية .
موقع هذا القظعة على ما يذكر في القسم الشرقي من كربلاء ، ما يلي بطيحة أو هور السليمانية ، في براز ـ على وزن فعال ـ وتمتد حدوده حتى النهر الكبير فرساتبق الفراشية والجنكنة ، واليوسفية داخلة في حدوده . يوجد بهذه القطعة بعض تلال ويستخرج بعضا من أماكن منها ، أكواب خزف ضعيف الفم ، يوجد في أسفله تراب أصفر اللون عندما تمسه النار تفوح منه روائح نتنه .
من الممكن أن هذا التراب الاصفر اللون أن يكون من رمم اجداث السومريين . اذ كان هؤلاء يدفنون موتاهم في المدينة تحت دور منازلهم أو تحت أرض الغرف . وكثيرا ما كانوا يضعون الميتة على التراب مباشرة بلا تابوت ولا شريح ولا جهاز للاخرة الا أنهم كانوا أحيانا يضعون معه جرتين كبيرتين من فخار فم الواحة منها يقابل الاخر فيقومان مقام التابوت . وكانوا أحيانا يضعون الجثة في قعر رمس مستطيل الشكل قائم

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 110

الزوايا بطن بالطوب شبيه بعقد أو قبر بسيط (1) .

(1) قد جاء في نفس الرحمن في فضائل سلمان للعلامة ميرزا حسين النوري الطبرسي ( والنواويس مقابر للنصارى كما في حواشي الكفعمي في عودة يوم الجمعة . وسمعنا انها في المكان الذي فيه مزار الحر بن يزيد الرياحي من شهداء الطف ، وهو ما بين الغرب وشمال البلد ) . ويقول المؤلف في تعقيب له على هذا النص : ان النواويس ليس موقعها بما يلي قبر الحر بن يزيد الرياحي . بل الذي على بعد ميلين أو ثلاثة أميال من قبر الحر هو موضع ( كربلاء ) . وموضع النواويس براز الواقع في هور السليمانية ( كما ذكر أعلاه ) .
(2) قد استوفى المؤلف الكلام عن جميع المواقع التي وردت على خارطة كربلاء خلا موقع المخيم لعدم توفر معلومات يمكن الوثوق اليها عن هذا المكان ، سنكتفي بما أورده أبو طالب الاصفهاني في رحلته الشهيرة ( مسير طالبي ) قال : وعلى بعد ربع ميل خارج المدينة قرية المخيم ومقام زين العابدين (ع) . شيدت عليه بسبب وفاة آصف الدولة . ( الا وقد ورد في مدينة الحسين ص 15 ـ حسب تحرياته الخاصة ـ ان السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض هو الذي شيد بناء المخيم عند تشييده لسور كربلاء بعد غازة الوهابيين سنة 1216 هـ ) . ( عادل )
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 111




بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 112

المصادر التي عول عليها المؤلف في الشجرة

سر السلسلة العلوية لابي نصر البخاري : مخلوط في مكتبة العلامة الحاج شيخ علي الشيخ محمد رضا بالنجف الاشرف .
وأما محمد بن موسى الكاظم فعقبه ابن واحد أسمه ابراهيم الضرير الكوفي ـ ولابراهيم الضرير أبناء أربعة محمد قسوة ، وأبو الحسن علي ، وموسى الارجاني ـ أرجان قرية من فارس وخوزستان وأحمد كلهم بالسيرجان . . . . وأحمد المجدور وابراهيم المجاب والحسن أبو علي يقال له الحاير المشهد الحسين بكربلاء ـ بما أن النسخة مستنسخة حديثنا كانت كثيرة الاغلاط قليلة الفائدة ـ .
المجلد الثالث من تحفة الازهار وزلال الانهار في نسب أبناء الائمة الاطهار لمؤلفه السيد ضامن بن شدقم المدني (1) .
قال السيد في الشجرة فأبو ابراهيم محمد خلف ابنتين تاج الدين أبا محمد ابراهيم الضرير يعرف بالمجاب وأبا جعفر محمد الزاهد .

(1) عن نسخة خطية بيد المؤلف ( عبد الحسين ) يقول في آخرها ( ينتهي ضامن بن شدقم الحسين المدني في المجلد الثالث من مجموعته في النسب ( تحفة الازهار وزلال الانهار في نسب أبناء الائمة الاطهار في عقب وآل محمد العابد بن الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه ) بآل أبو عبد الله الحسين شبثي ويقتصر على ذكرهم . نقلت هذه الاوراق كما وجدنها من النسخة التي كتبها بخطه المرحوم السيد حسن البراقي النجفي وكان على تولعه بالنسخ والتأليف اميا وفي هذه النسخة من الغلاط ما فيها لمن تدبر . وكنت وقفت قبل سني الحرب العامة الاولى في النجف على النسخة التي نقل عنها المرحوم السيد البراقي . الا اني لا أستحضر انها كان نسخة الاصل ام غيرها .
فالنتيجة لمن تدبر في نكانة المؤلف ضامن بن شدقم لايجد فيه استحقاق اهلية هذا العلم فقط بل يقدر له مرتبة الجمع والتدوين .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 113

فأبو محمد ابراهيم المجاب خلف أربع بنين : أبا جعفر أحمد الزاهد وأبا الحسين محمد الحائري وأبا الحسن عليا وأبا الغنايم محمد الحائري وعقبهم أربعة فنون :
الفن الاول : عقب أبي جعفر أحمد الزاهد بن أبي أحمد ابراهيم المجاب أمه خديجة بنت عمه علي بن أحمد الورع بن الامام موسة كان سيدا جليلا متينا دينا خيرا جعله الله وجيها له ولد منتشر بالحاير وغيره يعرفون ببني أحمد . وقد صاهر بعضهم أبا القاسم ابن نعيم رئيس سقي الفرات ثم انتقل الى عكبرا لحاله دون أهله .
الفن الثاني : عقب علي بن أحمد المذكور فعلي خلف طعمه وفي نسخة أخرى أن طعمه هو ابن أبي جعفر أحمد طراس المذكور من غير واسطة والله أعلم ويقال لولده آل طعمه ، سادات أجلاء ذو اهل ورياسة ونقابة وعظمة وجلالة بالحائر ، فكعمه خلف ثلاث بنين شرف الدين وعليا وقاسم الاسود .
أما شرف الدين خلف أربعة بنين ضياء الدين يحيى وعلم الدين وطعمه ، ومساعد وعقبهم أربع عماير العمارة الاولى : عقب ضياء الدين يحيى بن شرف الدين المذكور فضياء الدين خلف خمسة بنين شرف الدين ومحمد وعليا ومشعلا ومنديلا .
أما شرف الدين خلف طعمة ثم طعمة خلف ابنين جعفرا وعلم الدين وعقبهما بيتان :
البيت الاول : عقب جعفر بن طعمة المذكور فجعفر خلف ستة بنين شرف الدين وموسى ومنافا وحارثا وتماما وجميلا .
البيت الثاني : عقب علم الدين بن طعمة المذكور . فعلم الدين خلف ثلاثة بنين جميلا وحسنا وطعمة وعقبهم ثلاثة أحزاب :

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 114

الحزب الاول : عقب جميل بن علم المذكور فجميل خلف موسى ثم موسى خلف ابنين ناصرا وحسينا أما ناصرا خلف منصورا .
الحزب الثاني : عقب حسن بن علم الدين المذكور فحسن خلف كاظما ، ثم كاظم خلف عليا .
الحزب الثالث : عقب طعمة بن علم الدين المذكور . فطعمة خلف أربع بنين شرف الدين ونعمة الله وحيدرا وطاهرا .
أما شرف الدين ا\خلف مساعدا ثم مساعد خلف محمدا ثم محمد خلف أربع بنين منصورا وبدر الدين وغياث الدين ومساعد . وعقبهم أربعة ثمرات :
الثمرة الاولى : عقب منصور .
أخذت هذا الصورة من خط جناب السيد محمد حسن بن السيد محم كاظم الروضة خوان : عبد الحسين بن السيد علي بن السيد جواد بن السيد حسن بن السيد سليمان بن السيد درويش بن السيد طعمة بن السيد علم الدين الموقوف عليه فدان السادة 1025 هت بن السيد طعمة بن السيد شرف الدين بن السيد طعمة بن السيد أبو جعفر أحمد بن السيد يحيى بن السيد ابن جعفر محمد بن السيد أحمد ـ يقال له انه ناظر رأس العين ـ الى هنا فصاعدا من كتاب عندة الطالب في أنساب آل أبي طالب ز
عمدة الطالب للداودي طبع بمبي سنة 1318 هـ ، وص 192 :
والعقب من محمد العابد بن الامام موسى الكاظم (ع) في ابراهيم المجاب وحده ومنه ثلاثة رجال محمد الحائري (1) وأحمد بقصر ابن هبيرة وعلي بالسيرجان من كرمان والبقية لمحمد الحائري بن ابراهيم المجاب .

(1) أورد السيد محمد حسن الكليدار في شجرة أنساب آل طعمة ( مدينة الحسين (ع) من محمد أبو الفائز الى ابراهيم المجاب ثلاثة عشر أبا . وللمؤلف ( عبد الحسين ) تعقيب على ذلك ، هذا نصه : ( فمن محمد أبو الفائز الى المجاب بنص صاحب عمدة الطالب ثمانية آباء كما ذكره . فعليه هذا السرد المطبوع يحتاج الى دقة لمعرفة صحته بمدارك ثابتة ) .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 115

كذا قال الشيخ تاج الدين ـ وأعقب محمد الحائري من ثلاثة رجال وهم الحسين شبثي وأحمد ـ وأبو علي الحسن بنوا محمد الحائري . فاعقب الحسين شبثي شبثة من رجلين أبي الغنائم محمد ـ وميمون السخي القصير . فمن عقب أبي الغنائم محمد ـ بن الحسين الشبثي آل شبثة ـ وآل فخار ومنهم الشيخ علم الدين المرتضى علي بن الشيخ جلال الدين عبد الحميد ابن الشيخ شمس الدين فخار بن معد بن فخار بن أحمد بن محمد بن أبي الغنائم المذكور له عقب . وآل نزار وهم بنو نزار بن علي بن فخار بن أحمد المذكور . ومن عقب ميمون القصير بن الحسين شبثة : آل وهب ـ وهم بنو وهب بن باقي بن مسلم بن باقي بن ميمون المذكور . وآل باقي ومنهم بنو باقي بن محمود بن وهب المذكور وآل الصوال وهو علي بن مسلم بن وهب . وأعقب أحمد بن محمد الحائري ـ ويقال لولده بنو أحمد ـ من علي المجدور وحده .
فأعقب علي المجدور من رجلين ـ هبة الله ـ وأبي جعفر محمد الخير العمال .
فمن ولد الخير العمال بن علي المجدور ـ آل أبي الفائز بالحائر . وهو محمد بن ـ محمد بن ـ علي بن ـ أبي جعفر محمد المذكور بن ـ عليالمجدور بن ـ أحمد بن ـ محمد الحائري بن ـ ابراهيم المجاب .

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 116

ترجمة الاعلام التي وردت أسمائهم في الشجرة
(1)
محمد العابد
محمد الأول الشهير بالعابد دفين شيراز بجوار روضة أخيه أحمد شاه جراغ .
ذكر علي ابن عيسى الأربلي في كشف الغمة عن ارشاد المفيد محمد ابن النعمان عند ذكر أولاد الامام موسى بن جعفر سلام الله عليه قال ( أحمد ومحمد وحمزة لام ولد روى أن محمد بن موسى صاحب وضوء وصلاة وكان ليلة كله يتوضأ ويصلي فيسمه سكب الماء والوضوء ثم يصلي ليلا ثم يرقد سويعة ثم يقوم فيسمع سكب الوضوء فلا يزال كذلك حتى يصبح .



مزار محمد العابد في شيراز

قال الراوي : وما رأيته قط الا ذكرت قوله تعالى ( كانوا قليلا من الليل

(1) كشف الغمة ص 249 ط ايران سنة 1294 هـ ، وفي الارشاد ص 303 ط النجف .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 117

ما يهجعون ) .
ذكر صاحب شد الازار في حط الاوزار عن زوار المزار (1) عند ذكر أخيه أحمد بن موسى ( السيد الامير أحمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي المرتضى رضوان الله تعالى عليهم . قدم شيراز فنوني بها أيام المأمون بعد وفاة أخيه الرضا بطوس . وكان أجودهم جوداً وأرقهم نفسا ، قيل عتق ألف رقبة من العبيد والأماء في سبيل الله تعالى . قيل أستشهد ولم يوقف على قبره حتى ظهر على عهد الامير مقرب الدين مسعود بن بدر فبنى عليه بناء ، وقيل وجد في قبره كما هو صحيحا طري اللون لم يتغير وعليه قاضه سابغه وفي يده خاتم نقش عليه العزة لله أحمد بن موسى فعرفوه به ، ثم بنى عليه الأتابك أبوبكر بناء أرفع منه ثم أن الخاتون تاشي وكانت خيرة ذات تسبيح وصلوة بنت عليه قبة رفيعة وبنت بجنبها عمارة عالية وجعلت مرقدها بجواره ي سنة خمسين وسبعمائة رحمة الله عليهم اجمعين ثم ذكر محم العابد قال : السيد محمد بن موسى يقال انه اخوه وهو مزار مبارك (2) يسكن فيه السيادة الأخيار والصلحاء الابرار

(1) ص 100 نسخة خطية تأليف معين الدين جنيد الشيرازي .
(2) جاء في كتاب جامع الأنساب للروضاتي جـ 1 ص 109 نقلا عن تحفة العالم ج 2 ص 231 عن مزار محم العابد ما نصه : « . . . وكيف كان فمرقده في شيراز معروف بعد أن كان مختفيا الى زمن أتابك بن سعد بن زنكي قبنى له قبة في محلة باب قتلغ وقد جدد بناؤه مرات عديدة منها في زمان السلطان نادرخان . وفي سنة 1296 هـ رمثه النواب آويس ميرزا بن النواب الأعظم الفاظل الشاه زاده فرهاد ميرزا القاجاري . ومزاره اليوم في محلة بازار مرغ ( أي سوق الدجاج ) في مدينة شيراز معروف ومشهور ( وبين مزاره ومزار أخيه أحمد مسافة لاتقل عن مائة ذراع ) . راجع عن هذا المزار أيضاً : شيرازنامه ص 148 لأبي العباس أحمد ابن أبي الخير ونزهة القلوب للمستوفي ، وآثار العجم ص 448 ، وتنقيح المقال للمقاماتي ج 3 ص 192 ، وروضات الجنات للخوانساري تحقيق الروضاتي جـ 1 ص 100 . ( عادل )

السابق السابق الفهرس التالي التالي