بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 67

اليه أحد . فأحضر قوما من اليهود فكربوه ، وأجرى الماء عليه (1) فحار الماء عند حدود قبره الشريف (2) ، ثم وكل به المسالح بين كل مسلحتين ميل ، ولا يزوره أحد الا وأخذوه ووجهوا به الى المتوكل (3) فحصل للشيعة من ذلك كرب عظيم ، لما طرأ على قبره من الجور ولم يعهد مثله الى هذا الحد . فضاق بمحمد بن الحسين الأشناني بعد طول عهده بالزيارة فوطن نفسه على المخاطر وساعده رجل من العطارين فخرجا يمكثان النهار ويسيران الليل حتى بلغا الغاضرية وخرجا منها نصف الليل فسارا بين مسلحتين وقد ناموا حتى دنا من القبر الشريف . فخفى عليهما موضعه فجعلا يتحريان موضع القبر حتى أتياه وقد قلع الصندوق الذي كان عليه واحرق ، وفي الموضع اللبن ، قد خسف وصار الخندق فزاراه وانكبا عليه وقد شما من القبر رائحة ما شما مثلها قط من الطيب . فقال الاشناني للعطار أي رائحة هذه فقال والله ما شممت مثلها بشيء من العطر . فودعاه وجعلا حوله علامات في عدة مواضع . وبعد قتل المتوكل حضر مع بعض الطالبيين والشيعة فأخرجوا العلامات وأعادوا القبر الى ما كان عليه أولا .
وقد نالت الشيعة شيء من الحرية على عهد المنتصر . وكان هذا محبا لآل البيت مقربا لهم رافعا مكانتهم معظما قدرهم . ومن حسناته اليهم انه شيد قبر الحسين (ع) . ووضع ميلا عاليا يرشد الناس اليه (4) . وذلك في عام السابع والأربعين بعد المائتين . ولم يهدم بناء المنتصر ظلما لعدم تعرض أخلافه له . لما ظهر من الوهن في دولتهم ، وانحلال أمرهم وتسلط الأتراك عليهم ، وانشغالهم بأنفسهم ، وفي خلافة المسترشد ضاقت الأرض على رحبها على الشيعة . وذلك عندما أمر بأخذ جميع ما اجتمع من هدايا

(1) نفس المصدر ص 386 .
(2) نفس المصدر ص 386 .
(3) نفس المصدر ص 387 .
(4) فرحة الغري لعبد الكريم بن طاووس .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 68

الملوك والأمراء والوزراء ، والأشراف من وجوه الشيعة من الأموال والمجوهرات في خزانة الروضة المطهرة ، وأنفقه على العسكر ، واعتذر بأن القبر لا يحتاج الى الخزانة (1) . الا انه لم يتعرض للبناء ولم يمسه لقصور يده وضعف شأنه لا لشيء آخر .
وكان البناء الذي شيد في عهد المنتصر قد سقط في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومائتين (2) . فقام الى تجديده محمد بن زيد القائم بطبرستان في خلافة المعتضد بالله العباسي (3) لسنة ثلاث وثمانين ومائتين (4) . وقد أخذ حال القبر الشريف منذ تشييد المنتصر اياه بالعروج الى مدراج العمران يوما بعد يوم حيث أمن الناس من اتيانه واتخاذ الدور عند رمسه .
وقد زار القبر عضد الدولة بن بويه سنة ( 370 هـ ) بعد أن بالغ في تشييد الأبنية حول الضريح وزخرفتها (5) وكان آل بويه يناصرون الشيعة . وقد استحفل التشيع على عهدهم حتى ان معز الدولة أمر سنة 352 باقامة المآتم في عاشوراء ، وكان ذلك أول مأتم اقيم في بغداد .

(1) المناقب لابن شهر آشوب ج . ص . وكان ذلك سنة 511 هـ .
(2) فرحة الغري ص 61 .
(3) جاء في بحر الأنساب ( العائد لخزانة المرحوم الشيخ عبد الحسين شيخ العراقيين الطهراني ) عند ذكره لنسب المعتضد بالله العباسي بقوله : وأمر بعمارة مشهد الغري بالكوفة ومشهد كربلاء ، وافتقد الخزائن بدار الخلافة ، فاخرج منها ما وجده من نهب الواثق من مال مشهد الحسين بن علي (ع) واعاده اليه .
(4) فرحة الغري ص . وكان محمد بن زيد هذا دائم التصدق على العلويين في المشاهد فقد بعث في خلافة المعتضد بالله اثنتين وثلاثين الف دينار لمحمد بن ورد ليفرقها على العلويين ( أنظر الكامل ج 6 ص 80 . والطبري جـ 12 ص 346 ) .
(5) تسلية المجالس لمحمد المجدي بالفارسية طبع حجر .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 69

( وعندما عفى ضد الدولة عن عمران بن شاهين البطائحي بنى الرواق المشهور برواق عمران بن شاهين في المشهدين الشريفين الغروي والحائري على مشرفهما السلام ) (1) وفي سنة سبع وأربعمائة هجـ : احترق الحرم الشريف اثر اندلاع حريق عظيم ، كان سببه اشعال شمعتين كبيرتين سقطتا في الليل على التأزير واحترق ، وتعدت النار بعد الحرق القبة الى الأروقة (2) فكان البناء على القبر الشريف بعد وقوع هذا الحريق ما وصفه الطنجي في رحلته ، الا اني لم أقف على خبر من شيد هذا البناء ، وفي أي تاريخ كان ذلك (3) . لعله كان قد تبقى شيء من البناء الذي

(1) فرحة الغري ص 67 .
(2) الكامل لابن الاثير : جـ 9 ص 110 ط ليدن . وجـ 7 ص 295 من ط القاهرة . والمنتظم لابن الجوزي جـ 7 ص 283 . البداية لابن كثير : جـ 12 ، ص 4 . والنجوم الزاهرة لابن تغري بردى : جـ 4 ، ص 241 .
(3) ذكر كل من العلامة السيد حسن الصدر الكاظمي في نزهة الحرمين ص 35 . والعلامة السيد محسن الأمين العاملي في أعيان الشيعة جـ 4 . ص 302 . ـ ومن أخذ عنهما ـ ان ابا محمد الحسن بن الفضل بن سهلان وزير سلطان الدولة البويهي ، هو الذي جدد بناء الحائر بعد وقوع هذا الحريق . لكن المصادر التي عولوا عليها لم تنسب الى ابن سهلان هذا سوى بناء سور الحائر وليس تجديد بنائه . كما في المنتظم جـ 7 ص 283 . والبداية والنهاية جـ 12 ص 16 . ومجالس المؤمنين ص 211 . والنجوم الزاهرة جـ 4 ص 259 ، هذا فضلا عن ان ابن سهلان بدأ ببناء سور الحائر في سنة 400 هـ أي قبل وقوع الحريق بسبعة أعوام . وهي نفس السنة التي أمر ببناء سور على مشهد أمير المؤمنين (ع) ( الكامل جـ 7 ص 249 . ط القاهرة ) . فقد ورد في المنتظم جـ 7 ص 246 : وفي جمادة الأولى ( سنة 400 هجـ ) بدأ ببناء السور على المشهد بالحائر وكان أبو محمد الحسن بن الفضل بن سهلان قد زار هذا المشهد واحب أن يؤثر فيه مؤثرا ثم ما نذر لأجله أن يعمل عليه سور حصينا مانعا لكثرة من يطرق الموضع من العرب وشرع في قضاء هذا النذر ، ففعل وعمل السور واحكم وعرض ونصبت عليه أبواب وثيقة وبعضها حديد : وتمم وفرغ منه ، وتحسن المشهد به وحسن الأثر فيه . ـ عادل ـ
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 70

شيده عضد الدولة . الى أن شيد عليه البناء الموجود اليوم على القبر الشريف . أو أنه قد جدده ـ بعد الحريق ـ أخلاف عضد الدولة . اذ كانت دولتهم قائمة عند وقوع الحريق .
هذا وكان اكمال بناء الحرم في سنة سبع وستين وسبعمائة . وقد أمر بتشييده السلطان اويس الايلكاني ، وأتمه وأكمله ولده السلطان حسين (1) .

(1) زينة المجالس لمحمد المجدي ـ مخطوط باللغة الفارسية ص 84 ، والمجدي من معاصري الشيخ البهائي . وقد صنف كتابه هذا سنة 1004 هجـ ـ فقد جاء فيه : الى ان أمر السلطان اويس الايلخاني ، وابنه السلطان حسين ببناء عمارة عالية .
وللسيد المؤلف ( عبد الحسين ) ملاحظة مهمة في هذا الخصوص ، خطر لي ان اثبتها هنا .
يقول : ذكر سماحة السيد محسن الأمين العالمي في المجلد 3 ص 593 ، من اعيان الشيعة . قال فضيلته عن آخر كتاب الأماقي في شرح الايلاقي لعبد الرحمن العتايقي الحلي المجاور بالنجف الأشرف ، في نسخته المخطوطة في خزانة العلوية الذي تمت كتابته في محرم سنة 755 هجـ . قال : ( في هذه السنة احترقت الحضرة الغروية صلوات الله على مشرفها ، وعادت العمارة وأحسن منها في سنة 760 سبعمائة وستون ) انتهى . اقول : هذا الحريق هو الذي ذكره ابن مهنا الداودي في العمدة ص 5 . ولكنه لم يذكر اسم المجدد للبناء الذي شيد على الروضة المطهرة الحيدرية . حيث المدة تقارب زمن البناء الذي قام به السلطان اويس وولده السلطان حسين الايلكانية في سنة (767) على قبر الحسين سلام الله عليه الموجود اليوم على الروضة الطاهرة . من المقتضي ان يكون السلطان حسين الايلكاني هو منفردا اقام البناء على الروضة الطاهرة الحيدرية . وبالخاصة لموقع قبورهم التي ظهرت في سنة الخامس عشر بعد الثلاثمائة والألف هـ وسط الصحن الشريف ما يلي باب الطوسي ، أحد أبواب الصحن الشريف في القسم الشمالي من الروضة الزاكية . اذ ظهر سرب فيه ثلاثة قبور على احدهم في القاشاني مرقوم ( توفي الشاهزاده الأعظم معز الدين عبد الواسع في 15 جمادى الاول سنة 790 ) وعلى لوح القبر الثاني ( هذا ضريح الطفل الصغير سلالة =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 71

وكان تاريخ هذا البناء موجودا فوق المحراب الذي موضعه اليوم الرخام المنعوت بنخل مريم (1) فيما يلي الرأس الشريف . وقد شاهد ذلك التأريخ بنفسه محمد بن سليمان بن زوير السليماني ، وذكره في كتابه المسمى بـ ( الكشكول ) . وقد كان انزال هذا التاريخ سنة السادس عشر بعد المائتين والألف ( 1216 ) ومن موضعه ، عند عمل المرايا والتزيينات للحرم الشريف بأمر محمد علي خان القواينلو . كما تشير الى ذلك الكتيبة

= السلاطين الشاهزادة بن الشيخ اويس طاب ثراه . توفي يوم الاربعاء حادي عشر محرم الحرام سنة احدى وثلاثين وثمان مئة ) . وعلى لوح القبر الثالث ( هذا قبر الشاهزادة سلطان بايزيد طاب ثراه ، توفي في جمادى الاولى سنة احدى وثلاثين وثمان مئة هلالية ) . وعلى قبر آخر ( هذا قبر المرحومة السعيدة بايندة السلطان ) .
وقد ابتدأ حكم الأسرة الايلكانية الجلائرية في بغداد وآذربايجان بعد موت أبي سعيد بن اولجياتو محمد خدابنده بقليل بالشيخ حسن الكبير تقريبا بين سنة تسع وثلاثين وسبعمائة أو سنة الأربعون . وكانت وفاته سنة 757 هـ ثم تلاه في الحكم ولده السلطان اويس سنة 757 هـ وتوفي سنة 776 هـ ثم تلاه ولده السلطان حسين من سنة 776 هـ الى ان توفي في سنة 784 هـ ثم تلا السلطان حسين أخوه السلطان أحمد الجلائري بن اويس الى ان قتل في تبريز بين سنة ثلاث عشرة وثمان مئة ، واربع عشرة . وبه تقريبا انتهت ايامهم .
(1) جاء في كتاب ( دلائل الدين ) تأليف عبد الله بن الحاج هادي ما ترجمته : روى عن السجاد عليه السلام ان الله تعالى ذكر في القرآن ان السيدة مريم عليهما السلام عندما أرادت أن تلد ابنها المسيح ابتعدت عن قومها ، وذهبت الى كربلاء ـ بصورة معجزة ـ بجنب نهر القرات . وقد ولد المسيح قرب مكان ضريح الحسين (ع) . وفي نفس الليلة عادت السيدة مريم الى دمشق . ومصداق هذا الخبر ما ورد عن الباقر (ع) ـ على ما أتذكر ـ ان صخرة على مقربة من قبر الحسين نصبت في الحائط . قد أجمع ساكنوا هذا المقام على أن الرأس الشريف قد حز على هذه الصخرة ، ويقولون ان المسيح قد ولد على نفس تلك الصخرة أيضاً ـ .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 72

الموجودة في أعلى الباب الثالث من أبواب الحرم المقابل للشبكة المباركة : ( واقفه محمد على خان القواينلو سنة 1216 ) هـ . وكذلك هذا التأريخ موجود بعينه في الكتيبة القرآنية داخل القبة على الضريح المقدس ، وفي سنة 920 هـ أهدى الشاه اسماعيل الصفوي صندوقا (1) الى القبر الشريف

(1) عندما دخل الشاه اسماعيل الصفوي الاول ـ مؤسس الدولة الصفوية في ايران والذي يرتقي نسبه الى الامام السابع موسى بن جعفر عليه السلام ـ بغداد فاتحا سنة 914 هـ كان همه الأول هو التبرك بزيارة أجداده الأئمة المعصومين ، قصد زيارة مرقد الحسين (ع) وعمل ثوبا حريريا لقبره الشريف ، وعلق اثنى عشر قنديلا من الذهب ، أطراف القبر ، وفرش تلك الحضيرة القدسية البسط وجلله بأنواع الحرير والاستبرق ، وبذل الأموال الكثيرة للائذين بقبره الشريف . ثم خرج قاصدا النجف الأشرف ( وقد ترجم النص المتقدم العلامة المؤلف عن ( حبيب السير ) لخواند مير بالفارسية ـ مخطوط في 3 مجلدات في مكتبة المؤلف سنة 1008 هـ وقد جاء أيضا في ( عالم آراى عباسي ) لاسكندر منشي . جـ 2 عن زيارة هذا الشاه ما ترجمته : توجه الشاه من بغداد الى تربة كربلاء بعد اخلاص النية وتشرف بزيارة مرقد الحسين المنور ، وشهداء كربلاء ، وقد زين الروضة وأنعم على المجاورين ، ثم توجه من هناك الى زيارة علي المرتضى (ع) عن طريق الحلة . راجع أيضا فارسنامه ناصري جـ 1 ص 93 .
وزار كربلا أيضا الشاه عباس الأول الصفوي . فقد جاء في فارسنامه ناصري ما ترجمته : غادر الشاه عباس الاول الصفوي اصفهان في سنة 1033 هجري متجها نحو بغداد ، وفي غرة ربيع الاول من نفس السنة دخل بغداد فاتحا . . . ثم توجه الى النجف الأشرف في محرم الحرام ، وعلى بعد (30) كيلومترا ترجل عن فرسه وخلع نعله ، وانعم على كافة سكنة النجف وتوجه بعد ذلك مسرورا فرحا الى زيارة كربلاء ، وطاف البقعة الطاهرة ، ثم اقفل راجعا الى بغداد وزار الامامين الكاظمين وسامراء .
وفي ربيع هذه السنة أعاد الكرة لزيارة كربلاء والنجف الأشرف . وقبل اعتاب هاتين الحضرتين وأدى لوازم الزيارة وأهدى من الصناديق القيمة والطنافس الحريرية المطرزة وادليباج ، الشيء الكثير ورجع مقفلا الى بغداد . وأعاد الزيارة مرة أخرى الى الروضة الحسينية . وانظر أيضا =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 73

ولم يرد ما يهم خبره من أخلافه الصفوية الا الاقدام بامور طفيفة لا مجال لذكرها . الا انه بلغني ـ ولم أتثبت من ذلك ان الشاه سليمان الصفوي قام ببناء القسم الشمالي من الصحن المطهر ، والايوان الكبير الذي فيه المسمى ( بصافي صفا ) نسبة الى الصفويين . وليس اليوم في هذا الايوان دلي على ذلك سوى إن الكاشي المعرق الموجود في سقف هذا الإيوان والزخارف المعمولة من البورق فيه ، يستدل منها ان بناء هذه الجبهة أقدم بناء من الجهات الثلاث للصحن الشريف . فضلا عن ان نقوش الكاشي المعرق وصنعتها تشبه الى حد كبير نقوش الكاشي المعرق الموجود في روضة الجوادين سلام الله عليهما ، وحرم حضرة الرضا (ع) ، ومقبرة خواجه ربيع ، والقدم كاه .
وقد كان في حواشي الكاشي المعرق الموجود في جنبتي هذا الايوان ، الشرقي والغربي : كتيبة تنص على اسم الباني وتأريخ بنائه . ولكن مع مرور الزمن تلف واندرس أثره ، ومع شديد الأسف لم يسع أحد بعد

= عالم آراي عباسي . وهناك مصدر لابد من الاشارة اليه في هذا الخصوص هو ( تاريخ دهامر الالماني الذي ترجم من اللغة الفرنسية الى الفارسية باسم ـ سلطان التواريخ ـ في تاريخ سلاطين آل عثمان يقع في ثلاث مجلدات ضخام تحتوي على 72 بابا ، ينتهي به مؤلفه الى آخر عهد عبد الحميد الأول العثماني ، بعد حرب الروس والأتراك وعقد معاهدة ( كنارجه ) .
وفي سنة 1034 هـ اعاد السلطان مراد الرابع العثماني العراق الى حوزة دولته . وفي 27 جمادي الاولى سنة 1039 هـ احتل بغداد مرة أخرى الشاه صفي حفيد الشاه عباس الاول ، وزار كربلاء في سنة 1048 هـ في يوم عيد . فقبل أعتاب ضريح سيد الشهداء واخيه العباس . بعد ان انذر النذور . وأكرم ذوي الحاجة . ( روضة الصفاي ناصري . المجلد الثامن ) وفي سنة 1156 هـ توجه نادر شاه من النجف الأشرف الى تقبيل اعتاب الحسين (ع) الذي حرمه مطاف ملائكة الرحمن ، وقدمت زوجته رضيه سلطان بيكم كريمة الشاه سلطان حسين الصفوي عشرين الف نادرى لتعمير جامع الحرم الشريف ( التاريخ النادري ) .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 74

ذلك لارجاع هذا النص التأريخي المهم الى موضعه .
وعندما أرادوا دفن ميرزا موسى الوزير فيه (1) عملوا موضعيه الكتيبة

(1) وقد شهيد هذا الايوان الكبير في سنة 1281 هـ من قبل المرحوم ميرزا موسى وزير طهران لتكون مقبرة له ولعائلته . وقد جدد المرايا والكتيبة القرآنية . وزوق جدرانها الداخلية بالكاشي النفيس . وقد نظم الشاعر ( قلزم الذي كان من الشعراء الشهيرين في تلك الفترة هذه القصيدة بالمناسبة :
اي نمو دار حريمت حرم عرش برين ظل دركاهت خركه زده برعليين
قدسيان بسته بفرمان تواز عرش كمر آسمان سوده در ايوان توبر فرش جبين
بوده دارلت شاهنشه اقليم شهود بيشكا رانت فرمان ده سرحد يقين
ظل خركاه تو را قبله كند روح القدس خاك دركاه تو را سجده برد حور العين
از ازل تاج شهادة جه نهادي برسر شد تراملك شفاعت همه د رزير نكين
از بهاي كهر باك تو اين توده خاك كعبه دين شود وشد سجده كه أهل زمين
الى ان يقول :
قصة طور كليم الله فاخلع نعليك همه از خاك درت مظهر آيات مبين
عكس از شمسه ايوان توشد شمس فلك بر تو اوبر همه كون مكان كشت مكين
ساكنان حرم وجلال ملكوت هه برخاك رهت بايد خاك نشين
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 75

الموجودة اليوم من المرايا رقمت بهذه الآية « الذين يذكرون الله قياما

بهر فراشي حجابت هر شام وسحر قيصر أز روم كمر بندى وفقفور أز جين
الى ان يقول :
اين همان وادى دوروا تش شوق صه جه موسى باميد قبسي خاك نشين
اندرين عهد همايون از فو ظفر رايت دولت اسلام بر از جرخ برين
شاه شاهان جهان ظل خدا كهف زمان خسرو ملك ملل بادشاه دولت ودين
شهر بازيكه زأواز كوي سخطش تا اب درشده در جحمه كوه طنين
مير فرخنده نزادى زد راوكه بود افتاب فلك ورفعت كوه وتمكين
داشت جون كوهري آراسته نور صفا كرد اين صفه ايوان صفارا ترين
دولت ناصرى وسعى امام ملت أندرين عهد بود محيي آثار جنين
افتخار فضلا قبله أرباب فلاح بيشواى دو جهان بادشاه شرع مبين
انكه از بندكي صاحب روضه باك شده برخا جكي علم ازل صدر تشين
جون زفيض كف موسى شد اين طور صفا . . . . . . . . . .
كلك قلزم بي تاريخ سخنور شده وكفت با كف موسى آراسته طور سنين

1281 هـ

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 76

وقعوداً وعلى جنوبهم . . . »
هذا وقام السلطان مراد الرابع العثماني سنة ثمان وأربعين وألف بتعمير وتجديد القبة السامية ، وجصصها من الخارج (1) .
وفي سنة 1135 هـ نهضت زوجة نادر شاه وكريمة حسين الصفوي الى تعمير المسجد المطهر وأنفقت على ذلك عشرين ألف نادري .
وقام أغا محمد خان ( الخصي ) مؤسس الدولة القاجارية في ايران ، بتذهيب القبة السامة للسنة السابعة بعد المائتين والالف الهجرية (2) وقد نظم بهذه المناسبة الميرزا سليمان خان المشهور بصباحي الشاعر ، مؤرخا هذا التذهيب بقوله :
كلك صباحي از اين تاريخ أونوشت در كبند حسين علي زيب بافت زر

1207 هـ


(1) لم نعثر على مصدرهذا الخبر . ولكنه قد جاء في كلشن خلفاء ( ص 102 وجه ) لنظمي زاده بالتركية : ان الوالي على باشا الوند زادة ، بأمر من السلطان مراد الثالث العثماني قد جدد بناء جامع الحسين وقبته المنورة ، وذلك سنة 984 هـ . وقد ارخ هذا البناء أحد الشعراء المشهورين بأبيات مطلعها :
بحمد الله كه از عون الهي نموده خدمة شاه شهيدان
شه كشور ستان خاقان اعظم مراد بن سليم ابن سليمان

وقد وهم الاستاذ حسن الكليدار في كتابه ( مدينة الحسين ) ص 38 ، اذ ذكر ان هذه الابيات قد قيلت بمناسبة تشييد القبة من قبل مراد الرابع العثماني ، الا ان الصحيح ما ذكرناه . ( عادل )
(2) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ للسان الملك سبيهر ص 33 سنة 1206 هـ .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 77

وفي أوائل القرن التاسع عشر (1214هـ) . أهدى فتح علي شاه القاجاري ـ أحد ملوك ايران ـ شبكة فضية (1) . وهي الى اليوم موجودة على القبر الشريف ، وحوالي هذا التاريخ ، أمرت زوجته بتذهيب المأذنتين ، حتى حد الحوض .
وفي سنة 1259 هـ : قام محمد علي شاه ـ ملك أود ـ سلطان الهند بتذهيب الايوان الشريف وصياغة بابه بالفضة . ويوجد اليوم على الفردة اليمنى من باب الفضة في ايوان الذهب : ( هو الله الموفق المستعان ، قد أمر بصنع هذا الباب المفتوح لرحمة الملك المنان ، وباتمام تذهب هذا الايوان الذي هو مختلف ملائكة الرحمن ، وبحفر الحسينية وبناء قناطرها ، التي هي معبر أهل الجنان ـ وعلى الفردة الثانية ، الجانب الايسر تتمته ، وتعمير بقعة قدوة الناس مولانا وسيدنا أبوالفضل العباس ، السلطان بن السلطان ، والخاقان بن الخاقان ، السلطان الأعظم والخاقان الأكرم ، سلطان الهند ، محمد على شاه تغمده الله بغفرانه ، وأسكنه فسيح جناته ، وكان ذلك في سنة 1259 هـ ألف ومائتين وتسعة وخمسين ) .
وقام بعد ذلك امراء الأكراد البختيارية الى تزيين المسجد والأروقة . وقد وسع الضلع الغربي من الصحن الشريف ، وجدد بناءه المتغمد برحمته المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني (2) ( شيخ العراقين ) من قبل شاه

(1) مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ ص 63 .
(2) جاء في مستدرك الوسائل للعلامة النوري ( ج 3 ص 397 ) في ترجمة الشيخ عبد الحسين الطهراني : ( شيخي واستاذي ومن اليه في العلوم الشرعية استنادي ، افقه الفقهاء وافضل العلماء ، العالم الرباني ، الشيخ عبد الحسين الطهراني ، حتى يقول : وجاهد في الله في محو صولة المبتعين واقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات وبالغ مجهوده في عمارة القباب الساميات ) . وقد توفي في الكاظمية في 22 شهر ومضان سنة 1286 هـ ونقل الى كربلاء ، ودفن في احدى حجرات الصحن الحسيني .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 78

ايران ناصر الدين شاه القاجاري سنة 1275 هـ . وشيد ايوانه الكبير وحجر جهتيه . وقد أنشد الشيخ جابر الكاظمي الشاعر الكبير مؤرخا لهذا البناء بالفارسية يقول :
بنائي ناصر الدين شاه بنا كرد زخاك أوست بائين كاخ خضرا
نه صحن وكنبدي جرخي مكوكب زنور أو منور روي غبرا
براي كشوار عرش يعني حسين بن علي دلبند زهرا
بناي سال أو جابر همي كوي أز ايوان شكست كسرى
بكو تأريخ ايوانش مؤرخ 1275 هـ
وله تأريخ بالعربية :
لله اليوان سما رفعة فطاول العرش به الفرش
قال لسان الغيب تأريخه أنت لأملاك السما عرش

ولم يحدث بعد ذلك مايهم ذكره سوى ما جددت انشاءه ادارة الأوقاف في العهد الأخير ، في القسم الغربي من الصحن لظهور الصدع فيه .
وفي المشهد الحسيني عدة نقوش وكتابات تدل على تواريخ اصلاحه والزيارات فيه . ففي أعلى عمود وسط الضلع الجنوبي من شبكة الفولاد المنصوبة على قبر الحسين عليه السلام ، ما يقابل الوجه الشريف . هذه العبارة : ( من بكى وتباكى على الحسين فله الجنة صدق الله ورسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم سنة 1185 هـ ) .
وما يقابل الزوايا الأربعة من القبر الشريف عبارة : ( واقفه الموفق بتوفيقات الدارين ، ابن محمد تقي خان اليزدي محمد حسين سنة 1222 هـ ) .

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 79

ويوجد في الايوان الخارج من جدار الرواق الغربي المقابل للشبكة المباركة ، في الكاشي ، فوق الشباك : ( عمل أوسته أحمد المعمار سنة 1296 هـ ) .
ويستفاد من أبيات منظومة بالفارسية فوق شباك المقبرة الشمالية المقابلة للضريح : انه بمباشرت الحاج عبد الله ابن القوام على نفقة الحاج محمد صادق التاجر الشيرازي الأصفهاني الأصل قد قام بتكميل تعمير سرداب الصحن الحسيني وتطبيق الأروقة الثلاثة الشرقي والشمالي والغربي بالكاشي في سنة ألف وثلثمائة الهجرية .
ايضاح ما يوجد في خارطة كربلاء من المواقع :
( أنهار كربلاء )

( النهرين ) : فرعان يشتقان من عمود الفرات ويتصلان ببعضهما في قرية نينوى في جوار الحاير الحسيني ويتجهان الى الشمال الشرقي الى الكوفة معا على سبيل توحيد وتفرد ، وللفارق يعرفان بنهري كربلاء ، يتوضح على ضوء ما سرده أبو الفرج في المقاتل (1) ونورد بين قوسين ما تفرد بايراده صاحب الدر النظيم (2) :
قال أبو الفرج : لما قتل زيد بن علي دفنه ابنه يحيى ، تفرق عنه الناس ولم يبق معه الا عشرة نفر ، قال سلمة بن ثابت . قلت له : أين تريد ، قال : أريد النهرين ومعه الصياد العبدي . قلت : ان كنت تريد النهرين فقاتل هاهنا حتى تقتل . قال : أريد نهري كربلا ( وظننت انه يريد أن يتشطط الفرات ) فقلت له النجاء قبل الصبح . فخرجنا فلما

(1) مقاتل الطالبيين ص 61 ط القاهرة .
(2) الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم لجمال الدين الشامي جـ 2 خط .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 80

جاوزنا الأبيات سمعنا الأذان فخرجنا مسرعين فكلما استقبلني قوم استطعمتهم فيطعموني الأرغفة فأطعمه اياها وأصحابي حتى أتينا نينوى فدعوت سابقا فخرج من منزله ودخله يحيى ومضى سابق الى الفيوم فأقام به . ( فلما خرجنا من الكوفة سمعنا أذان المؤذنين فصلينا الغداة بالنخيلة ثم توجهنا سراعا قبل نينوى ، فقال : أريد سابقا مولى بشر بن عبد الملك فأسرع السير الى ان انتهينا الى نينوى وقد اظلمنتا فأتينا منزل سابق فاستخففت الباب فخرج الينا ) .
وذكر ابن كثير في البداية (1) عن محمد بن عمرو بن الحسن قال : كنا مع الحسين بنهري كربلاء .
وأورد ابن شهر آشوب في المناقب : مضى الحسين قتيلا يوم عاشوراء بطف كربلاء بين نينوى والغاضرية من قرى النهرين (2) قال الطبري (3) بعد مهادنة أهل الحيرة لخالد بن الوليد في مفتتح الفتح وخضوع الدهاقين لأداء جزية وضريبة وزع بينهم العمال . ولتمهيد الأمن أقام مخافر عهد بعمالة النهرين الى بشر بن الخصاصية فاتخذ بشر الكويفة ببابنورا قاعدة لعمالته .
وذكر عند حوادث سنة 278 هـ (4) ابتداء أمر القرامطة : وردت الأخبار بحركة قوم يعرفون بالقرامطة بسواد الكوفة . فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من خوزستان ، ومقامه بموضع يقال له النهرين يظهر الزهد والتقشف ويسف الخوص ويأكل من كسبه ويكثر الصلاة ، اذا قعد اليه انسان ، ذكره أمر الدين وزهده في الدنيا ، وأعلمه ان الصلاة المفروضة

(1) ج 8 : ص 188 .
(2) المناقب ج 4 ص 83 . ط بمبي
(3) ج 4 ص 17 ط ليدن
(4) ج 8 ص 159 . ط الاستقامة
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 81




بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 82

على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة حتى أفشى ذلك عنه بموضعه .
نهر العلقمي

ذكر المسعودي في التنبيه والاشراف (1) : وكاتب البريد ابن خرداذبه في المسالك (2) : اذا جاز عمود الفرات هيت والأنبار ( يقابل الثاني الأول في الضفة الغربية ) فيتجاوزهما فينقسم قسمين ، منها قسم يأخذ نحو المغرب قليلا المسمى ( بالعلقمي ) الى أن يصير الى الكوفة .
وآثار العلقمي الباقي منه اليوم ـ على ما وقفت عليه ـ اذا انتهى الى شمال ضريح عون اتجه الى الجنوب ، حتى يروى الغاضرية لبني أسد ـ والغاضرية على ضفته الشرقية ـ وبمحاذاة الغاضرية شريعة الامام جعفر ابن محمد ( سلم ) على الشاطئ الغربي من العلقمي . وقنطرة الغاضرية تصل بينه وبين الشريعة ثم ينحرف الى الشمال الغربي . فيقسم الشرقي من مدينة كربلاء بسفح ضريح العباس ( سلم ) اذ استشهد ما يلي مسناته . فاذا جاوزه انعطف الى الجنوب الشرقي من كربلاء مارا بقرية نينوى وهناك يتصل النهران ( نينوى والعلقمي ) فيرويان ما يليهما من ضياع وقرية شفيه فيتمايلان بين جنوب تارة وشرق اخرى ، حتى اذا بلغا خان الحماد ـ منتصف الطريق بين كربلاء والغري ـ اتجها الى الشرق تماما . وقطعا شط الهندية بجنوب برس أو حرقه ـ وأثرهما هناك مرئي ومشهود ـ

(1) ص 47 من ط : القاهرة .
(2) المسالك والممالك ص 233 ط ليدن ، وجاء أيضا في ( نهاية الأرب في فنون الأدب للنويري ج 1 ص 267 ) مانصه : . . . فاذا جاوزهما ( يعني اذا جاوز الفرات الأنبار وهيت ) قسم يأخذ نحو الجنوب قليلا وهو المسمى بالعلقم . ينتهي الى بلاد سورى ، وقصر ابن هبيرة ، والكوفة والحلة .

السابق السابق الفهرس التالي التالي