بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 35




= ارتدوا زي الزوار وجرى بينهم وبين عمر أغا والي كربلاء اتفاقا وكان هذا الوالي سنيا متعصبا ـ وعند دخولهم المدينة تعالت أصواتهم ( باقتلوا المشركين ) .
ـ وكان من البديهي أن عوقب عمر أغا آخر الامر بأمر من سليمان باشا والي بغداد ـ بعد القتل العام أرادوا أن يخلعوا صفائح الذهب الابريز من جدران المشهد الحسيني ولكن لاستحكامها ومتانة وضعها لم يستطيعوا ذلك . فقط خربوا قسما من الضريح الذي تحت القبة .
وفي الغروب فجأة وبدون سبب ظاهر غادروا كربلاء متجهين الى الحجاز وقد قتل في هذه الحادثة أكثر من خمسة آلاف شخص . أما الجرحى فلا يحصون لكثرتهم . وكان من جملة القتلى ميرزا حسن شاهزاده الايراني . وميرزا محمد طبيب اللكنهوري . وعلي نقي خان اللاهوري مع أخيه ميرزا قمر علي مع غلامه وخادمه » .
وقد جاء في ( زنبيل فرهاد ) لمعتمد الدولة ص 348 ( . . . ولده الاكبر سعود مع 1200 فارس غدار فداهموا كربلاء يوم الغدير سنة 1216 هجـ بصورة فجائية فعملوا في أهلها السيف فقتلوا ونهبوا وأسروا ما استطاعوا . فاستشهد في هذه الواقعة كثير من العلماء ومن جملتهم جناب الشيخ ملا عبد الصمد الهمداني ففاضت روحه الطاهرة .
ودقوا القهوة في الرواق الحسيني الشريف .
ولم تمض ستة أو سبع ساعات حتى كان عدد المستشهدين الذين فاضت أرواحهم الطاهرة يربوا على ستة آلاف شخص .
وكان أكثر أهالي كربلاء قد ذهبوا الى زيارة النجف الاشرف لزيارة الغدير المخصوصة . وفي عصر ذلك اليوم المشؤوم غادر سعود كربلاء الى دياره » .
وجاء أيضاً في مجلد القاجارية من ناسخ التواريخ لسبهر ص 63 : « أسرع سعود مع أتباعه صوب النجف الاشرف . وحاصر قلعة النجف وهاجمها عدة مرات ولكن لم يتمكن منها . فرجع الى كربلاء وبـ 12000 فارس من أبطال الرجال . فغافل كربلاء وداهمها ـ وصادفت هذه الحادثة يوم عيد الغدير . وبدأ القتل والتذبيح بسكنة هذه المدينة حتى قتل منها خمسة آلاف رجل وامرأة . وكسروا الضريح المبارك وسرقوا الجواهر والثريات والمفروشات واللألئ التي كانت حصيلة قرون عديدة من الهدايا الثمينة من الخلفاء والامراء . ونهبت الخزينة والقناديل الثمينة . وبعد =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 36

وللشيخ محمد رضا اللازري يرثى ما حل بكربلاء من جراء ما فعله الوهابيون .
خطب على الطف قد غشى بطوفان فحط من جانبيه كل بنيان
وصلصلت فوقه سوداء عاتية ترخي السحائب من مثعنجر قاني
شوهاء تكشر عن انيابها كلحا فتبعث الموت عن تقطيب غضبان
ظلت تجليل في اعلاه مرعدة يكاد يجهش منها سمع كيوان
فما انجلت عن ضواحيه غياهبها حتى التقى الدم غدران بغدران
الله أكبر أي القارعات رمت جرثومة الدين فانثلت بأركان
فتلكم القوم صرعى في معابدها كأنهم زهر في فيئ أفنان
قتلى ترى الدم يجري حولهم دفعا كانهم أنهر من حول كثبان
والهفتا لو شفت والهفتا كمدا على رواعف أكباد واجفان
وارحمتا لمروعات ضمائرها على مصارع أشياخ وولدان

الى ان قال :
تلكم تئن وهايتكم تحن ولا مسترحمين ولا من مشفق حاني
كأن اطفالها والبيض تنهبها أفراخ ورقاء في أظفار عقبان
يا ليت شعري وهل ليت بنافعتي لو يحضر المصطفى في ذلك الآن
وينظر الحائر القدسي مسلخ جزار واولاده جاثين كالظان
كأن أجسادهم اذ ضرجت بدم در مناط عليه سمط مرجان

= ستة ساعات من هذه الاعمال البرية غادروا كربلاء » . لزيادة التعريف بهذه الحادثة راجع : تأريخ نجد لعبد الله فيلبي ص ـ وتأريخ العراق بين احتلالين لعباس العزاوي ج 6 ص 144 . وأربعة قرون من تأريخ العراق الحديث للونكريك . ومطالع السعود في أخبار الوالي داوود ص 168 .
( عادل )
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 37

الى ان قال :
رزء تحار له الرهبان لو سمعت من دير سمعان لا بل دير سمعان
او طاق كسرى بن ساسان يعيه اذا لصدع الطاق من كسرى بن ساسان
يا غيرة الله للارحام جامحة لرضع ما أتوا يوما بعصيان
الى ان قال :
لشيبة خضبت بالدم وهي على محرابها بين مصباح وقرآن
لفتية دفنوا من غير ما غسلوا ولم تزود بكافور واكفان
لروعة هجمت والناس غافلة فأعصوصبوا فرقا من طيش اذهان
الى ان قال :
لمعشر أعلنوا التوحيد والتجأوا له فلم يرع توحيد باعلان
لأرؤس لجلال الله راكعة حزت بعد الظبا تهوى لاذقان
الى ان قال :
للموحشات اللواتي لا أنيس لها الا تجاوب ضرغام وسرحان
للجائعات اللواتي للقرى رفعت آباؤها نارهم في كل ازمان
للجائعات اللواتي بعد ما سلبت ظلت توارى باحقاف وجدران
لكل عشر سلبيات تستر في عبائة بين اخفاء واعلان
لمعشر محضوا الايمان واعتصموا بالصبر والصبر مرسي كل ايمان
لقتل خمسة آلاف بآونة من النهار سوى المستشرف الفاني
الى ان قال :
لم ادر أي رزاياهم اعج لها لذبح صبية أم هتك لنسوان
الى ان قال :
فلا وربك لا تبصر لها مثلا في كل ما جهة في كل أزمان

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 38

ومن رأى يوم تشريق بغير منى وهديه العز من علياء عدنان
سن ابن سعد سبيلا واقتدى ابن سعو د الشقي به ضل الشقيان
الى ان قال :
فسل بهابيل اذ قابيل غال به من المحق ففيها اي تبيان
وسل بقصة نوح اذ مضت حقب من قومه ما لقي في ذلك الآن
وتلك عاد عتوا عن أمر ربهم فمتعوا زمنا يتلا بازمان
وسل بساحر فرعون الالى صلبوا من بعد ما قطعت أيد ورجلان
وسل بموسى بن عمران وسيرته ماذا رآه اذاً موسى بن عمران
وسل طواغيت اهل السبت كم قتلوا منهم نبيا وكم لجوا بطغيان
فلم يعجل لهم ذو العرش قطعهم بل لم يعجل لفرعون وهامان
وسل بقصة اهل الرس ما فعلوا بالأنبياء وما عاثوا بعصيان
وسل بعيسى رسلو الله ما فعلت به اليهود وما جاؤا ببهتان
وسل بما لقى المختار من سلفي قريش اذ خرجوه ثاني الثاني

وسل باحد وما لاقي النبي به من شج رأس ومن القاء اسنان
وسل خزاعة في البيت الحرام وما لاقوة من حزب اصنام واوثان
وسل بحتف ابى حفص ومصرعه وسل بمصرع عثمان بن عفان
وسل بتحف امير المؤمنين ابي الـ سبطين اذ غاله الأشقى برمضان
وسل بسم سليل المصطفى الحسن الزاكي اخي الشرف القدسي والشان
وسل بما لقى السبط ابن فاطمة من ابن مرجانة في طف كوفان
وسل بنازلة الحرى التي نزلت بعقوة المصطفى تذكوا بنيران
حيث الدماء جرت ما بين منبره وقبره جرى أنهار وغدران
وسل بما لقيته آل حيدرة من آل مروان لا رعيا لمروان
وسل بقتك بني العباس بعدهم بالفاطميين من شيب وشبان
وانظر الى قصص القرآن اجمعها ترشدك والصبح لم يحتج لبرهان

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 39

هاتي طريقة اهل الله من قدم لم يمض من اول الا اقتفى الثاني
الى ان قال :
يا راكبا ظهر علباء عذافرة يكاد يسبق منها الطرف خفان
الى ان قال :
بلغ ابا حسن مني مغلغلى يكاد يصدع منها كل صفوان
الى ان قال :
واشرح له ما جرى وهو الخبير به فارزند بالقدح قد يرمي بنيران
الى ان قال :
فانها طخية عمياه قد غشيت على الخلائق من انس ومن جان
ويا لها وقعة ثرت حوادثها بمشمعل اجش الرعد هنان
وقال في يومها الأدهى مؤرخه في كربلاء دهانا رزؤها الثاني

وله المغمور برحمته مرثية أخرى كل شطر منها على انفراد تأريخ سنة النازلة 1216 وأولها :
أريحا فقد لاحت طلايع كربلا لنقبر أشلاء ونسعد مرملا
لنبكي دورا راعها قارع الردى فاوجف منها ما استقر وما علا
لعمري لقد عبت عليها مصائب وجلى عليها الرعب للحتف قسطلا
مبان محا آياتها الويل فانمحت وكلل شأويها الردى فتكللا
فكيف وصرف البين عاثت بنابه وقل رسيميه ونوخ كلكلا
وهب بحق الدين يخفق برقه مصاب بجون الحزن اضحى مجلجلا
يقل بثجاج يزمجر برقه برجف فيثني الدو بالدم اشكلا
وكيف وقد مدت صواعق رعده بها الصدى على طود ربع المصطفى فتزلزلا
فتلكم ربوع الدين قل بها الصدى وتلكم بيوت الوحي قد جابها البلى

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 40

نوائب قد فهاجت نوائب أمدن قنا العلياء في زمن خلا
ليبك التقي يوما به أهب التقى ويا لك بيناً زاد جسمي ضنا على

وقد زارها في أوائل القرن التاسع عشر احد ملوك الهند فأشفق على حالتها وبنى فيها أسواقا عامرة وبيوتا قوراء أسكنها بعض من نكبوا وبنى لبلدة سورا حصينا لصد هجمات الاعداء . وأقام حوله الابراج والمعاقل ونصب له آلات الدفاع على الطرز القديم وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو . فأمنت على نفسها وعاد اليها بعض الرقي والتقدم .

الشيخ الكعبي ـ صوت حزين وعبرة ساكبة 41

حادثة المناخور

وفي سنة 1241 وقعت واقعة عظيمة تعرف بواقعة المناخور ـ أمير الآخور ـ أي أمير الاصطبل . وذلك ان الدولة العثمانية كانت في ذلك الزمن ضعيفة لاحتلال الجيش الانكشاري واستقلال البلاد القاصية واشغالها بمحاربة المعصاة في البلقان وطموح محم علي والي مصر الى الاستقلال واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا . وكان واليا لى العراق آن ذاك داود باشا وكان تقيا عادلا ورعا ، مشهورا بالدهاء وفرط الذكاء . الا انه كان شديد الحرص على الانسلاخ من جسم الدولة ، والاستقلال بالعراق اسوة بمن تقدمه . فسعى بادئ ذي بدئ الى جلب قلوب الاهالب بما أنشأ من العمارات والبنايات والجوامع والتكايا . وقرب علماء العراق وبالغ في اكرامهم ونظم جيشا كبيرا وسلحه على الطراز الحديث . حينئذ فقام بعد ذلك سير جيشا ضخما بقيادة أمير اصطبله . وكانت عشيرة عقيل تعضده فأخضع القائد الحلة واستباح حماها ثم جاء كربلاء فحاصرها ثمانية عشر شهرا ولم يقو على افتتاحها لحصانة سورها ومناعة معاقلها ولما رأى ذلك أقلع عنها ثم كر عليها ثانيا وثالثا فلم يفز بأمنيته الا بعد حصار طالت مدته أربع سنوات من سنة 1241 الى سنة 1245 (1) . وةكانت نتيجتها أن اسر الجيش نقيب كربلا فسجنه داود باشا في بغداد .

(1) قال صاحب ( نزهة الاخوان في وقعة بلد القتيل العطشان ـ مخطوط ، تفضيل به السيد حسن الكليدار ـ ) : لقد احصي تسع وقائع وقعت بين الفريقين . كان الفوز فيها من نصيب الكربلائيين وانهزم جند داو باشا .
فالواقعة الاولى هي واقعة ـ القنطرة ـ قتل فيها من الجند ثمانية عشر =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 42


= رجلا ومن الاهلين رجلان .
الواقعة الثانية : واقعة ( المشمش ) وقد سميت بذلك لان الجند قصدوا ان ينهبوا ، كما أفسدوا الزرع من قبل . وخرج الاهلون على عادتهم الى الجناة فاقتتلوا في أرض الجويبه ، وظهر البلديون على الجنود وهزموهم بعد ان قتل وجرح منهم خلق كثير .
والثالثة : واقعة الهيابي ، وهي من أعظم الوقائع وأشدها هولا . غطيت على أثرها أرض الجويبه وما يليها من أرض الحر والهيابي بجثث القتلى . وقد استمرت المعركة من الصبح الى الظهر . وانهزم الجند بعد أن قتل وجرح منهم جمع غفير . ومن جملة الجرحى القائد الشهير صفوق ـ وهو قائد الحملة ـ . . . ولما تحقق داود باشا من انكسار حملته بقيادة صفوق . عندئذ عقد لواء الحملة الى ـ المناخور ـ وكان هذا بصيرا بالحرب ، مشهورا بالضرب والطعن . سبق له فتح الحلة وماردين . فخرج من بغداد مع 1500 فارس مزدود بالمافع والقنابل ، وانفذ داوود على أثره من أصناف جنوده ، الى طلبه ، والداوديه ، والارسيه ، والتركية ، واليوسفية . ونقل الجند معسكرهم الى جهة الحر . ووصل المناخور الى كربلا فسد عنها الماء ليومه . وفيه تقدم الى المدينة فأطلقت قنابله عليها وهاجمه الكربلائيون ففر اصحابه واغتنمت ميرتهم . وهذه الواقعة هي الرابعة .
والواقعة الامسة : واقعة ( الاطواب ) نسبة الى المدافع . وتسمى أيضاً بوقعة باخية . وهي واقعة عظيمة دامت ست ساعات . اطلقت فيها ( 46 ) قذيفة مدفع . وقيل أكثر من ذلك . ولم تصب أحداً بل كانت تقابل من جانب الاهلين بالهزء والسخرية . وقد قتل وجرح فيها الكثير من أفراد العشائر . وقد أغارت خيل المناخور على المدينة مرات عديدة وباءت كلها بالفشل . وقد خرج اليهم الاهلون فأصابوا من أعدائهم وعادوا ولم يقتل منهم الا شخص واحد ، وجرح أربعة أشخاص . وقد كف الجند عن القتال .
الواقعة السادسة : واقعة ( المخيم ) وهي واقعة عظيمة أيضاً . تبادل فيها الفريقان اطلاق القذائف المدفعية . دمر على أثرها احدى مدافع العدو وقد ابتدأت المعركة منذ الفجر . ولم تمض ساعة حتى أن انهزم العدو ثم عادوا القتال بعد ساعة ، فكثر القتلى والجرحى منهم ففر الجند أيضاً . =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 43


= وقد أصيب في هذه المعركة أربعة قتلى من الاهلين .
الواقعة السابعة : واقعة ( الراية ) اقتتل فيها الفريقان خارج البلدة انتصر فيها الاهلون واستولوا على خيولهم ومدافعهم وبنادقهم .
الواقعة الثامنة : واقعة ( بني حسن ) وهي عظيمة أيضاً وذلك ان المناخور أحس بعجز جيشه وتخاذلهم . فعدل الى الاستنجاد بالعشائر واجابه فيمن اجاب : بنو حسن ـ ناكثين عهدهم مع أهل كربلاء ضامنين المناخور فتح المدينة ، حتى تقدموا أمامه بع العشاء الآخرة . من جهة المخيم وتمكنوا من عبور الانهار وتسلق الجدران . ونشبت الحرب بينهم وبين الاهلين . وحمل فرسانهم ، وحمل الجند ثلاث مرات . فأحقق الجميع وجرح منهم جماعة .
الواقعة التاسعة : وزاقعة ( الامان ) لان المناخور أوقعها بعد صدور العفو والامان من داود باشا . طمعا بفتح المدينة . فقد تقدم في منتصف ليلة ذي القعدة سنة 1241 ـ قد أطاتل المؤلف في سرد تفاصيل هذه الواقعة واليك مجملها :
فلما باءت كل محاولات داود باشا لاخضاع كربلا بالفشل استنجد بعرب عقيل القصيم والاحساء ، فعسكر هؤلاء على صدر ( الحسينية ) وامر داود بقطع الماء عن كربلا ، ولما لم تجد أيضاً هذه المحاولات فتيلا ، أمر داود باشا أعراب الشامية أن يقطعوا طريق كربلاء وينهبوا السابلة فيها ، وقد ضيقوا الحصار على المدينة وقطعوا الاتصال الخارجي بها ، فعند ذلك لم ير الاهالي بداً غير الصلح مع داود باشا ، فدخل الاخير كربلاء ظافرا .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 44

حادثة نجيب باشا(1)

وفي سنة ( 1258 هـ ) شق أهالي كربلاء عصا الطاعة على الدولة ، وأبوا أداء الضرائب والمسكوس وكان والي العراق نجيب باشا قد جهز جيشا بقيادة سعد الله باشا ، وسيره الى كربلاء فحاصره حصاراً شديداً ، وأمطر المدينة بوابل قنابله . ولم يساعده الحظ في افتتاحها لأن سورها كان منيعا جداً وقلاعها محكمة لا يمكن للقائد الدنو منها ، ولما اعيت به الحيل الحربية ، التجأ الى الخداع فأعطى الأمان للعصاة ، وضمن لهم عفو الحكومة فأخلوا القلاع وجاؤوا طائعين ، قبض عليهم وسلط المدافع على الجهو الشرقية فهدم السور وأصلى المدينة نارا حامية ، ففتجها وارتكب فيها كل فظاعة وشناعة ، ودخل بجيشه الى الصحن العباسي ، وقتل كل من لاذ بالقبر الشريف .
وبهذه الموبقات عادت سلطة الحكومة الى تلك الربوع والله علام الغيوب .

(1) قد جاء في زنبيل قرهاد لميرزا معنمد الدولة عن هذه الحادثة ما ترجمته : بواسطة كثرة الاوباش في كربلاء ـ وكانت آنذاك ملجأ كل مجرم هارب من العقاب حتى صار ينطبق عليها القول المأثور ( من دخلها كان آمنا ) ـ ان بلغ الامر بها الى حد أن خرج الامر من يد حاكم كربلاء ولم يطع هؤلاء أوامر والي بغداد وامتنعوا من دفع الضرائب . وكانوا يعتمدون على الزائرين والمجاورين حتى ان سكنة كربلاء لم يبق لهم المجال في السكنى بها ، وكان الديارماز ـ الاسم الذي عرف به هؤلاء الاوباش ـ يشكلون عصابات ترفع كل منها راية العصيان . ولم يتمكن علي رضا باشا والي بغداد الذي مر على حكمة في بغدادا اثنى عشر عاما ـ من اخماد هذه الفتنة . حتى ان نصبت الدولة العثمانية محمد نجيب باشا واليا على بغداد بعد ان كان واليا على الشام . ( في الدولة العثمانية كان والي بغداد بمثابة وزير ثاني ) وكان هذا سفاكا غدارا معروفا بالمكر ولم يكد يستقر في مركز ولايته الجديدة حتى جهز جيشا جرارا وبعثه صوب كربلاء .
وبعد حصار دام ثلاثة أيام دخل كربلاء . وقد اجرى القتل والأسر =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 45

فتنة علي هدله(1)
وفي سنة ( 1293 هـ ) ظهرت فتنة في كربلاء فعرفت بفتنة علي هدله ، وذلك ان جماعة من المفسدين حرصت الأهالي على مناوئة الحكومة وكانت

= بدرجة فظيعة . وفي 11 ذي الحجة سنة 1285 هـ أمر بالقتل العام لمدة ثلاث ساعات . ومن المحقق ان تسعة آلاف شخص قد ابيدوا عن آخرهم في تلك المدينة المقدسة ، فضلا عما نهب من الأموال والأحجار النفيسة وأثاث البيوت والكتب التي لا تعد ولا تحصى .
وفي صحن سيدنا العباس ، ربطوا الخيل والجمال ، وقتلوا كل من لاذ بأروقه الحرم الحسيني والعباسي وكذلك فعلوا في البلدة ، سوى دار السيد كاظم الرشتي ، التي كانت دار أمان ، وكل من تمكن من الهروب مجا ومن بقى كان نصيبه القتل ، وهدموا الالواح التي كانت تزين جدران الروضة الشريفة . وبعد القتل العام أصدر الوالي أمرا بتعيين حاكم على كربلاء . وفي اليوم الرابع عشر من الشهر المذكور رجع نجيب باشا قافلا الى بغداد .
ولابن الالوسي ـ وكان من فضلاء أهل السنة ، وقاضي عسكر نجيب باشا بيتان من الشعر قالهما ارتجالا بعد وقوع الحادثة :
احسين دنس طيب مرقدك الألى رفضوا الهدى وعلى الضلال ترددوا
حتى جرى فلم القضاء بطهرها يوما فطرها النجيب محمد
وقد رده الشيخ عزيز ابن الشيخ شريف النجفي بقوله :
اخساً عدو الله ان نجيبكم رفض الهدى وعلى العمى يتردد
ولئن به وبك البسيطة دنست فابشر يطهرها المليك محمد
وقد ردا أيضاً الحاج ملا محمد التبريزي بقوله :
اخساً عدو الله ان نجيبكم كيزيدكم شرب الماء تعودوا
هذا ابن هند والمدينة والد م المهراق فيها والنبي محمد
وله أيضاً :
تبا لأشقى الأشقياء نجيبكم نصب الحسين وفي لضى يتخلد
لا تعجبوا مما أتى اذ قد أتى بصحيفة ملعونة يتقلد
(1) هذا مجمل الحادثة . أما تفاصيلها فهي كما يلي : في أوائل عام 1293 هـ أعلنت الحكومة العثمانية النفير العام في كربلاء . فأخذت جموع المكلفين بالفرار من سلك الجندية . وكان هناك جاسوس من قبل =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 46

افكار الأهالي مستعدة لقبولها . فألفت عصابة بقيادة علي هدله وقابلت الجيش العثماني ودرمته في مواقع متعددة ، ولما رن صدى هذه الحادثة في الاستانة قلق السلطان المخلوع وأصدر ارادة سنية بارسال جيش الى كربلاء

= الحكومة على الفارين . وهو مختار باب الطاق المدعو حسين قاسم حمادي فمن كثرة ما اصاب الناس على يد هذا المختار من المحن . ان قتلوه في مقهى المستوفي الواقعة في محلة باب الطاق . فعندما قتل هذا المختار ، تولت الحكومة المحلية القبض على المتهمين ، ففر جماعة منهم وخيموا خارج السور في البستان المعروفة ببستان _ جعفر الصادق ع ) . أخذوا يعبثون بالأمن . وحرضوا الأهالي على مناوئة الحكومة وكانت الأفكار مستعدة لقبولها . فالفت عصابة بقيادة القهواتي ( علي هدله ) وقابلت جيوش العثمانيين ودحرتهم في مواقع متعددة . وكانت عصابتهم تتألف من ( 150 ) شخص ، يقومون بحرب العصابات ، وذلك بتحريص من الحاج محسن كمونة والحاج حسن شهيب ويمدونهم بالمؤنة والذخيرة ، واختلطت معهم بعض أفراد من عشيرة حجيل والزونبات . فاستحفل امرهم حتى رن صدى هذه الحادثة في الأستانة . فقلق السلطان عبد الحميد خان واصدر ارادة سنية بارسال جيش الى كربلاء وهدمها وقتل من فيها عن بكرة ابيهم ، واناط تنفيض الارادة الى عاكف باشا والي بغداد والمشير حسين فوزي باشا . وكان هذا القائد للجيش فجاء الاثنان الى كربلاء بصحبة النقيب السيد عبد الرحمن النقيب الكيلاني وضربوا المضارب قرب المدينة ، وكان ذلك في أواخر شهر رمضان من عام ( 1293 هـ ) وكان قيام علي هدله في ( 3 ) ربيع الاول من عام ( 1293 ) . فلم ير الوالي آثار العصيان في المدينة ، وقد علم بعد البحث الطويل ان العصاة عصابة ارتكبت اثما واقترفت ذنبا يطاردها الجيش ، وليس من العدل هدم المدينة وتنفيذ الارادة السينة على سكانها ، وأخذ البرئ بجزيرة المذنب فأحجم عن تنفيذ الأوامر فنجم من ذلك خلاف بين الوالي عاكف باشا المصر على امر الهدم ، والقائد حسين فوزي باشا فراجع الاستانة خاطباها بالامر ، وبعد اخذ ورد صدر الامر بالعفو ، فرحل الجيش بعد ان قبضوا على مثير الفتنة وموقد نيرانها ، وحوالي ( 70 ) شخصا بضمنهم علي هدله مع المرحوم الحاج محسن كمونه وحسن شهيب وجاعة غيرهم ، فساقواهم الى بغداد واردعوهم السجن في أوج قلعه مدة تزيد على السنة ، ( نقلا من تاريخ كربلاء جـ 3 المخطوط للسيد محمد حسن كليدار ) .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 47

وهدمها وقتل من فيها عن بكرة ابيهم ، واناط تنفيذ هذه المهمة بعاكف باشا والي بغداد والمشير حسين فوزي باشا . وكان هذا قائدا عاما للجيش فجاء الأثنان الى كربلاء يصحبها احد نقباء بغداد السابقين ، وضربوا المضارب قرب المدينة فلم ير الوالي في المدينة آثار العصيان والتمرد . وقد علم بعد البحث الطويل ان العصاة : عصابة ارتكبت اثما واقترحت ذنبا يطاردها الجيش . وليس من العدل هدم المدينة وتنفيذ الارادة السنية على سكانها ، وأخذ البرئ بجريرة المذنب فأحجم عن تنفيذ الاوامر . وفاتح القائد العام ، فأبى هذا الا الاصرار على تنفيذ الاوامر فنجم من ذلك خلاف بينهما ، فراجع الاستانة . وخاطبها بالامر . وبعد أخذ ورد . صدر الامر بالعفو . فرحل الجيش عنها بعد ان قبض على مثيرى الفتنة وموقدي نيرانها . قادهم الى بغداد وهناك القاهم في اعماق السجون والعذاب .

كربلاء في القرن الرابع عشر
وقعة الزهاوي للعجم

وبعد وقوع الصلح بين الأهالي والحكومة العثمانية قررت الحكومة فرض غرامة على البلدة . وهي ان تدفع الكسبة عن كل دكان في كل شهر ـ ما يساوي (12) آنه الى مدة محدودة من السنين وبعد انتهاء المدة استمرت الحكومة على استيفاء تلك الضريبة ، فامتنع الكسبة واكثرهم ايرانيون عن الدفع . وقد رفعوا شكوى فلم تسمع لهم شكاية . فالتجأوا الى التحصن بالسفارة الانكليزية التي في كربلاء . ونصبوا الحيام حولها واستظلوا بها . وكلما نصحتهم الحكومة والعلماء والاشراف لم يقبلوا فصممت الحكومة على تفريقهم بالقوة وكان المتصرف يومئذ رشيد الزهاوي . وفي ليلة من اخريات شهر رمضان سنة 1324 أخطرهم أول الليل فلم يتفرقوا وبينما هم نائمون في خسامهم أمر الزهاوي الشرطة أن يضربوهم بالرصاص قبل الفجر ، فضربوهم ، واصيب من الايرانيين حوالي

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 48

الخمسين شخصا بين قتيل وجيح . وانهزم الباقون . فهجم العسكر على خيامهم وانتهب ما فيها .

حادثة حمزة بك :

وفي سنة 1333 ليلة النصف من شعبان ، وكانت كربلاء غاصة بالزوار الواردين من الاطراف للزيارة ، ثار أهالي كربلاء في وجه الحكومة أيام اشتغالها بالحرب على العامة . بعد شدة ضغط الحكومة على أهالي كربلاء والنجف فهجموا على السجن واخرجوا المسجونين وانتهبوا دوائر الحكومة وبيوتهم ففر المأمورون والموظفون أجمع . فجاء المتصرف حمزه بك مع قوة ودخل البلد من جانبها الشرقي وتحصنوا في بعض الخانات والبيوت الحصينة . وصار الطرف الغربي بيد الأهالي ولم تزل الحرب قائمة بين الطرفين عدة أيام . وقتل من الجانبين خلق كثير وانتهت المعركة بعد قتل ذريع وخراب اكثر البيوت والمنازل بهزيمة العسكر . وانتهاب الاهالي اسلحتهم وذخائرهم . وبقيت البلدة بيد الأهالي الى أن احتلها الانكليز .

ثورة العشرين :

وفي سنة 1920 م ثارت البلاد بثورتها الدامية المعروفة نخاصة جهة الفرات فيها ، كان أول ما اندلع لسان الثورة من كربلاء وذلك لأمرين : (1) وجود آية الله الشيرازي قطب الوطنية الصادقة في كربلاء (2) زيارة نصف شهرشعبان ، وهي الزيارة الوحيدة التي يجتمع فيها سائر المسلمين والقبائل . وكان قد عين في أيام الثورة السيد محسن أبو طبيخ متصرفا في شئون اللواء وما يتبعه وقد انعقدت في كربلاء عدة مؤتمرات هامة في هذا الشأن لاجل السعي وراء صالح البلاد العراقية نخص بالذكر منها المؤتمر الكبير الذي انعقد في 9 شعبان سنة 1340 وذلك بمناسبة تجاوز ( الأخوان ) على حدود العراق فدعى الامام الخالصي رؤساء القبائل القاطنة على ضفاف دجلة والفرات وديالى الى حضور المؤتمر في كربلاء . وكان انعقاد المؤتمر

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 49

المذكور في دار آية الله الشيرازي المتقدم الذكر . فكان الحيث المهم بينهم في صالح البلاد . وعلى كل حال فكربلاء هي المدينة المهمة التي لها أصل وأساس متين في شؤون البلاد العراقية ونهضتها أولا وآخرا . والحمد لله على ذلك . ووفق الله رجال الامة الى خدمة بلادهم .

يوم ورود الشعرات النبوية الشريفة الى كربلاء

وكان يوم ورود الشعرات الشريفلة الى كربلاء من الأيام المشهورة اذ هرع الاهلين رجالا ونساء حتى الاطفال للاستقبال واحتفلوا به أشد واعظم احتفال ، لم يشاهد مثله حتى اوصلوه الى الحفرة الشريفة ووضعوه في محله . وقد قال الشعراء في ذلك منهم المرحوم الميرزا محمد حسين . الشهرستاني في ورود الشعرات الشريفة النبوية صلى الله عليه وآله وسلم لتوديعها في الروضة المطهرة الحسينية . وكان حاملها مالي بغداد الحاج حسن رفيق باشا سنة 1310 الف وثلاث مئة وعشرة هجرية :
كربلاء طلت الثريا شرفا وبعلياك السماك اعترفا
منذ غابت فيك اقمار الهدى اورثت في كل قاب اسفا
اظلم الدنيا على ارجائها حيث فيها بر ثم خسفا
بقى الظلمة حتى انكشفت بقدوم الحبر كهف الضعفا
حضرت الوالي بامر من به قام حصن الدين والامر صفا
فخر هذا العصر سلطان السما وهو ذا عبد الحميد ذو الوفا
رفع الله لواء نصره اذ به ايد شرع المصطفى
اشرق الدنيا به مذ قدما مع شمس اورثته الشرفا
كشفت كل دجى كان بها وبمرآها الظلام انكشفا
قيل ماذا النور قلت : ارخوا هاكموا شعرة وجه المصطفى

السابق السابق الفهرس التالي التالي