بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 18

ووصف الصنجي حال عمرانها وقد وردها بعد تمام القرن السابع وأول القرن الثامن (1) ، قال : « هي مدينة صغيرة تحفها حدائق النخيل ويسقيها ماء الفرات ، والروضة المقسة داخلها وعليها مدرسة عظيمة وزاوية

وفي سنة 436 هـ قد سار الملك أبا كاليجار البويهي الى بغداد في مائة فارس ، فلما وصل النعمانية لقيه دبيس بن مزيد ، ومضى الى زيارة المشهدين بالكوفة وكربلاء . ( الكامل ج 8 ص 40 ) . وفي المنتظم ( ج 8 ص 45 ) في حوادث سنة 442 : وخرجوا الى زيارة المشهدين مشهد علي والحسين . . . وخرج من الاتراك وأهل السنة من لم يجر به عادة . وزارها من السلاجقة في النصف الثاني من القرن الخامس ( سنة 479 ) السلطان ملكشاه السلجوقي مع وزيره نظام الملك عندما كان ذاهباً للصيد في تلك الانحاء ( الكامل ج 9 ) ، وفي المنتظم أنه أمر بتعمير سور الحائر ( المنتظم ج 9 ص 29 ) . وفي سنة 529 مضى الى زيارة علي ومشهد الحسين عليهم السلام خلق لا يحصون وظهر التشيع ( المنتظم ج 10 ص 52 ) . وفي ربيع الآخر سنة 553 هـ ، خرج الخليفة المقتفي بالله بقصد الانبار وعبر الفرات وزار قبر الحسين عليه السلام ، ( المنتظم ج 10 ص 181 ) . وفي سنة 634 هـ الخليفة المستنصر بالله العباسي أبرز ثلاثة آلاف دينار الى الشريف الاقساسي ( نقيب الطالبيين ) وأمر ان يفرقها على العلويين المقيمين في مشهد أميرالمؤمنين علي والحسين وموسى بن جعفر عليهم السلام . . ( الحوادث الجامعة لابن الفوطي ص 95 ) . وقد زارها الملك الناصر ابن الملك عيسى الايوبي سنة 653 هـ عند مجيئه للعراق لاخذ جوهرة عظيمة ، كان قد بعثها من حلب وديعة عند الخليفة المستعصم العباسي ، ثم توجه من كربلاء الى الحج بعد أن أيس من أخذها . ( المختصر في أخبار البشر لابي الفداء ج 3 ص 191 ) .
(1) وممن زار كربلاء في القرن الثامن السيد نور الدين نعمة الله ولي من العلماء المتصوفه ـ الذي يرتقي نسبه الى الباقر ( ع ) والمولود في حلب سنة 731 هـ ـ قاصدا من همدان الى زيارة عتبة المشهد الحسيني . وفي حوالي مدينة الحلة الذي لم يوجد فيها آنذاك سوى الماء المالح ، حفر السيد بثرا حلو الماء . فعرف ببئر نعمة الله . وبعد زيارة كربلاء ، اعتكف أربعون يوما بجوار سرداب مقتل الحسين ( ع ) . أمضاها في صوم النهار ، وبالصلاة والتهجد والبكاء في الليل والاسحار ، وبعد =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 19

كريمة (1) فيها الطعام للوارد والصادر . وعلى باب الروضة الحجاب والقومه ، لا يدخل أحد الا عن أذنهم ، فيقبل العتبة الشريفة وهي من الفضة ، وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة ، وعلى أبواب أستار الحرير . وأهل هذه المدينة طائفتان : أولاد زحيكوأولاد فائز ، وبينهم القتال أبداً ، وهم جميعاً أمامية يرجعون الى أب واحد ، ولأجل فتنتهم تخربت هذه المدينة (2) .
وحوالي نفس التأريخ ، وصفها المؤرخ والجغرافي الشهير حمد الله المستوفي بقوله : « وغربي الكوفة بثمانية فراسخ في صحراء كربلاء مشهد الحسين ( ع ) المعروف بـ ( المشهد الحائري ) . وقد ذكر في عهد الخليفة المتوكل انه أجرى الماء عليها بقصد تخريبه حتى حار الماء عند قبره الشريف وظلت البقعة الطاهرة عند القبر جافة . وقد شيد عمارته عضد الدولة فنا خسرو الديلمي . وحول هذا الموضع قرية مساحتها ألفين وأربعمائة خطوة » (3) .
ولم يغفل الجغرافيون المسلمون الأوائل عن ذكر كربلاء . ولكن

= زيارته للعتبات المقدسة في العراق . شد رحاله الى القاهرة . وفيها اجتمع بالسيد حسين الاخلاطي الصوفي الشهير ، وأخذ عنه بعض العلوم الغريبة . ثم سافر الى مكة المعظمة ولازم فيها الشيخ عبد الله اليافعي الملقب بـ ( نزيل الحرمين ) سبعة أعوام . ثم رجع الى ايران وزار المشهد ومنها توجه الى سمرقند حيث تلاقى مع الامير تيمور كوركان ( لنك ) . ( ملخصة عن رياض السياحة شيرواني صاحب بستان السياحه ج 1 ص 233 ) .
(1) يعتقد السيد حسن الكليدار ان هذه المدرسة هي مسجد ابن شاهين البطائحي ، وان الزاوية الكريمة هي : ( دار السيادة ) التي انشأها محمود غازان . ( عادل )
(2) رحلة ابن بطوله ص 139 . وقد وردها سنة 726 .
(3) نزهة القلوب لحمد الله المستوفي القزويني وقد صنف كتابه في النصف الاول من القرن الثامن الهجري .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 20

مع بالغ الأسف اقتصروا في ذكرها فقط على انها مدينة تقع في غربي الفرات بحذاء قصر ابن هبيرة (1) .
وكان أكثرهم ذكراً عنها هو ابن حوقل النصيبي الذي قال : وكربلا من غربي الفرات فيما يحاذي قصر ابن هبيرة ، وبها قبر الحسين بن علي صلوات الله عليهما . وله مشهد عظيم وخطب في أوقات من السنة بزيارته ، وقصده جسيم (2) .
وقد أكثر المتأخرون من وصفها والاشادة بها . فكان ممن وصفها القاضي نورالله الشوشتري ـ في القرن العاشر ـ وصفاً يسيراً في مجالسه ( ص 25 ) بقوله : . . . . والحال ان مشهد كربلاء من أعظم الأمصار ومجمع أخيار كل الديار ، والماء العذب يجري في غدرانها . والبساتين الغناء تحيطها . وقد قليل في فضيلة تربة كربلاء وثواب زيارة المرقد المنور الحسيني روايات كثيرة . ومعظمها صيغة بصورة شعرية (3) . وقد

(1) راجع عن ذلك : صور الاقاليم للبلخي ( مخلوط في خزانة المؤلف ) ص 52 وجه ، المسالك والممالك تأليف الاصطخري سنة 340 هـ ، ص 85 ط ليدن . أحسن التقاسيم في معرفة الاقاليم تأليف المقدسي سنة 375 هـ ، ص 130 ط ليدن اسماء الامكنة والبقاع للزمخشري ص 119 ط ليدن . تقويم البلدان تأليف ابي الفداء صاحب حماة سنة ( 721 هـ ، ص 305 ط ليدن . مراصد الاطلاع لعبد الحق الحنبلي سنة ( 700 هـ ) وذكرها أيضاً الهروي في كتابه : ( الاشارات الى معرفة المزارات ) انظر أيضاً مجمع البحرين .
(2) صورة الارض تأليف ابن حوقل النصيبي سنة 367 ص 166 ، الطبعة الثانية لطبعة بريل سنة 1938 م .
(3) وقد استشهد بشواهد شعرية ، منها رباعية فضولي البغدادي ( المدفون في كربلاء ) . وهي :
آسودهء كربلا بهر حال كه هست كر خاك شود نميشود قدرش بست
برميدارند وسبحه ميسازندش ميكردانندش از شرف دست بدست
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 21

زارها الرحالة عباس المدني في القرن الثاني عشر فوصفها في ( نزهة الجليس ومنية الأديب الأنيس ص 84 ) بقوله : فلما أسفر الصباح عن وجه الهنا والانشراح رابع ربيع الأول ، عام ألف ومائة وواحد وثلاثين من هجرة النبي المرسل ، توكلنا على الرب العلي ورحلنا من مشهد علي قاصدين زيارة الشهيد المبتلى المدفون بكربلا الحسين بن علي ومن معه من الشهداء الصابرين رضوان الله عليهم أجمعين . ففي خامس الشهر المذكور أتينا على موضع يقال له الخان الأخير ومررنا في طريقنا بقبر النبي ذي الكفل عليه السلام فزرناه وبلغنا المرام . وفي سادس الشهر دخلنا أرض الحائر ، مشهد الحسين الطاهر . سلام الله عليه ، وعلى جده وأبيه ، وأمه وأخيه ، وسائر مواليه ومحبيه :
لله أيام مضت بكربلا محروسة من كل كرب وبلا
بمشهد الحسين ذو العلا ونسل خير الخلق من كل الملا (1)

حتى يقول : فتشرفت والحمد لله بالزيارة ، ولاح لي من جنابه الشريف اشارة ، فاني قصدته لحال ، وما كل ما يعلم يقال . وقرت عيني بزيارة الشهيد علي الأصغر بن مولانا الحسين الشهيد الأكبر . وزيارة سيدي الشهيد العباس بن علي بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وأما ضريح سيدي الحسين : فيه جملة قناديل من الورق المرصع . والعين ما يبهت العين . ومن أنواع الجواهر الثمينة ، ما يساوي خراج مدينة . وأغلب ذلك من ملوك العجم . وعلى رأسه الشريف قنديل من الذهب يبلغ وزنه منين بل أكثر . وقد عقدت عليه قبة رفيعة السماك متصلة بالأفلاك . وبناؤها عجيب ، صنعة حكيم لبيب .
وقد أقمت شهرين بمشهد مولاي الحسين . بلدة من كل المكاره

(1) ثم يثبت قصيدة طويلة من بحر الرجز للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 22

جنة ، كأنها من رياض الجنة . نخليها باصقات ومائها عذب زلال من شط الفرات . وأقمارها مبدرة ، وأنوارها مسفرة ، ووجوه قطانها ضاحكة مستبشرة . وقصورها كغرف الجنان مصنوعة ، فيها سرر مرفوعة ، وأكواب موضوعة . وفواكهها مختلفة الألوان ، وأطيارها تسبح الرحمن على الأغصان . وبساتينها مشرقة بأنوار الورود والزهور ، وعرف ترابها كالمسك ولونه كالكافور .
وأهلها كرام أماثل ، ليس لهم في عصرهم مماثل . لم تلق فيهم غير عزيز جليل ، ورئيس صاحب خلق وخلق جميل . وعالم فاظل ، وماجد عادل . يحبون الغريب ، ويصلون من برهم وبرهم بأوفر نصيب . ولا تلتفت الى قول ابن أياس في نشق الأزهار بأنهم من البخلاء الأشرار . فلله خرق العادة ، فانهم فوق ما أصف وزيادة :
هينون لينون أيسار ذو كرم سواس مكرمة أبناء أيسار
ان يسئلوا الحق يعطوه وان خبروا في الجهد أدرك عنهم طيب أخبار
لا ينطقوا عن الفحشاء ان نطقوا ولا يمارون ان ماروا باكثار
فيهم ومنهم يعد المجد متلداً ولا يعد ثنا خزي ولا عاد
من تلق منهمتثقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري

واجتمعت بالرئيس المعظم والعظيم المفخم . ذي الشرف الباذخ والفخر الوضاح . مولانا السيد حسين الكليدار ، يعني صاحب المفتاح . وبأخيه الشهم الكريم النبيل العظيم ، مولانا السيد مرتضى ، حماه الله تعالى من حوادث القضاء ، وبالعالم العلامة الحبر النحرير الرحله الفهامة . ذي الوصف الجميل ، والذكر الحسن ، مولانا الفاضل الملا أبو الحسن ، فجمع بيني وبين الأمير المظفر الشجاع الغظنفر ، البحر الغطمطم ، الأسد الغشمشم ، بحر الأحسان ومعدن الكرم ، الأمير حسين أوغلي بيك أيشك أغاسي باشي حرم سلطان العجم . وكان قد أستأذن من السلطان في ذلك العام ، أن يسير الى العراق لزيارة الأئمة أعلام الهدى ومصابيح الظلام . . .

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 23

كربلاء في القرن الثالث عشر


ولم تزل كربلاء بين صعود وهبوط ، ورقي وانحطاط . تارة تنحط فتخضع لدول الطوائف . وطورا تعمر متقدمة بعض التقدم الى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانية سنة 914 هجـ . وأخذت تتنفس الصعداء مما أصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها . وبقيت مطمئنة البال مدة طويلة تزيد على ثلاثة قرون (1) . ولم تر خلالها ما يكدر صفو سكانها حتى مفتتح القرن الثالث عشر الهجري .
اذ كان هذا القرن من مبتدئه الى منتهاه من أسوء القرون التي مرت بها المدينة المقدسة . كأنما القدر أبى أن تعيش ولو الى حين في طمأنينة وهدوء . فأنزل ضربته القاضية بما حل بها من محن واراقة دماء وخراب ونهب . وان كان ما حل بهذه المدينة المقدسة ـ في هذا القرن ـ لم يقتصر عليها وحدها ولم يختص بها بل عم جميع البلاد ، وشمل البلاء سائر العباد .
ونظرا لعدم تسلسل الحوادث وترابطها وعدم وقوع حوادث ووقائع متتالية في قرن واحد كهذا القرن في القرون الماضية . فرأينا عدم تثبيت تلك الحوادث هنا . ولا يعني هذا خلو القرون الماضية من الحوادث والوقائع المهمة بها . بل العكس من ذلك ، اذ حفظ التأريخ لنا حوادث غاية في الأهمية جرت على بسيط أديمها . وقد ذكر ذلك صاحب الكامل وغيره لكن في قرون متباعدة (2) .

(1) أي من بعد غارة المولى علي بن فلاح المشعشعي سنة ( 858 ) هجـ الى حادثة الوهابيين سنة ( 1216 ) هجـ .
(2) اليك سردا موجزا بهذه الحوادث . . يحدثنا ابن مسكويه في تجاربه _ ج 6 ص 338 ) وابن الاثير في الكامل ( ج 7 ص 153 ) : في سنة 369 أغار ضبه الأسدي على كربلاء وانتهك حرمة المشهد بالحائر ونهب ما وجد =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 24

وأستميح القاريء عذراً لتركي ذكر السنين والشهور والأيام على الترتين من مبتدأ هذا القرن حتى منتهاه ، كما يقتضى اذ هو من سنن

= فيها . وكان ضبه هذا « من أهل عين التمر كثير العشائر وقد جرت عادته بالتبسط بأن يشن الغارات على أ طراف بغداد . ويمنع من جلب الميرة اليها ففعل ووجد الطريق الى بغيته فنهب السواد وقطع السبيل . ( تجارب الامم ج 6 ص 153 ) فأرسل عضد الدولة سرية الى عين التمر في طلب هذا الصفاك ضبه الأسدي فلم يشعر الا والعساكر معه فترك أهله وماله ونجا بنفسه . وأخذ ماله وأهله وملكت عين التمر . فكان ما جرى عليه عقابا لما فعله بالحائر . وراجع أيضاً المنتظم ج 7 ص 101 وفي سنة 489 هجـ غارت خفاجه على كربلاء ودخلوا المشهد الحسيني وتظاهروا فيه بالفساد والمنكر . فوجه اليهم سيف الدولة صدقه بن مزيد الأسدي صاحب الحلة جيشا فكبسوهم . وقتلوا منهم خلقاً كثيراً في المشهد حتى عند الضريح . وقد ذكروا أيضاً ان رجلا منهم قد ألقى نفسه هو وفرسه من أعلى السور فسلم هو والفرس ( الكامل ج 10 ص 108 ط : ليدن . والبداية لابن كثير ج 12 : ص 152 . وراجع أيضاً المنتظم لابن الجوزي ج 9 ص 97 ) .
وفي حوادث سنة 513 هجـ يحدثنا ابن الجوزي في المنتظم( _ ج 9 ص 207 ) بأن دبيس بن مزيد الاسدي كسر المنبر الذي في مشهد علي عليه السلام والذي في مشهد الحسين ( ع ) . وقال : لا تقام هاهنا جمعة ولا يخطب أحد » . من البديهي ان هذا العمل لم يكن عدائيا ، وأنما كان انكارا لذكر المسترشد في الخطبة بالمشهد الحسيني . لان دبيس هذا كان أحد أعاظم الشيعة .
وفي شوال سنة خمس وتسعون وسبعمائة فتح تيمور لنك المغولي بغداد . ففر حاكمها السلطان أحمد الجلائري الى كربلاء ( توزك أمير تيمور الكوركاني ص 42 ) . فتبعه جيش تيمور ، فلحقه في كربلاء فدارت في صحرائها وتحت لهيب شمسها المحرقة رحى معركة طانحة . أ جاد في وصفها ميرخواند صاحب ( روضة الصفاء في المجلد السادس ( فقد جاء فيه ما ترجمته : . . فهرب السلطان أحمد الجلائري فتعقبه الامير تيمور بجنده ، ولكن خواصه التمسوا منه البقاء في بغداد . وانهم سوف يعقبونه ، فنزل الامير تيمور عند رغبتهم . أما الذين تعقبوا السلطان أحمد . وصلوا صباحاً الى شاطئ الفرات . وعلموا ان السلطان قد عبر النهر وأغرق جميع السفن . وقطع الجسر الذي عليه . وانه ينوي الهروب الى دمشق عن طريق كربلاء . وهنا اختلفوا في أي الطرق أصوب لسلوكه . وقرروا أخيرا أن يعبروا =
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 25

مؤرخي العرب وسبيل الفطاحل من أئمتهم ، ولا غرو فقد صنفوا مؤلفاتهم

= الفرات . وهم في هذا الحال عثروا على أربع سفن فركبوها وعبروا بها الفرات . واقتفوا أثر السلطان . وقد وجدوا في طريقه كثيرا من الاموال والاسلاب والاطعمة كان قد تركها السلطان لما أصابه من الارتباك والحيرة . فغنموها .
خمسة وأربعون رجلا من الامراء والاعيان مثل : اينانج اغلان وجلال حميد وعثمان بهادر وسيد خواجه بن الشيخ علي بهادر وغيرهم . قد تقدموا جيشهم على سبيل التعجيل . فظفروا هؤلاء بالسلطان أحمد في سهل كربلاء . وكان مع السلطان 2000 فارس . تقدم منهم مائتا فارس . فالتحم القتال بين الفريقين وترجل الامراء من خيولهم مرتين مستعدون للقتال . وقد انهزم أعدائهم من كثرة ما رشقوا بالنبال وقد ركب الامراء ثاني مرة ولحقوهم .
وفي الكرة الثالثة حمل أتباع السلطان أحمد على الامراء حملة عنيفة . بحيث لم يتمكن هؤلاء حتى من النزول عن خيولهم . وتلاحم فرسان وشجعان الطرفين في رحى معركة حامية الوطيس . وقد أظهر الامير عثمان بهادر في ذلك اليوم شجاعة وبسالة فائقتين وقد كلت يده من كثرة الضرب والطعن . أما السلطان أحمد فقد انتهز فرصة التحام الطرفين في القتال ، وهرب وأوقع الامراء الهزيمة بجيش السلطان ، وقد غنم الامراء أمواله ونفائسه التي تركها في ساحة المعركة . وكان من بين اسرى السلطان نسائه ، وولده علاء الدولة مع جمع من أفراد عائلته ، ثم قصد بعد ذلك عثمان بهادر وجماعته الى التبرك بزيارة المشهد الحسيني وتقبيل أعتابه الشريفة .
وجاء في روضات الجنان للخونساري عند ترجمته لخلف المشعشعي ومجالس المؤمنين للشوشتري ( ص 405 ) : في المائة التاسعة نهب المشهدين الشريفين علي بن محمد بن فلاح المشعشعي ملك الحويزة وسبا أهلها ، وقادهم الى مقره . وقد جاء في تأريخ الغياثي ( المخطوط في مكتبة المتحف العراقي ) ص 217 عن المولى المشعشعي ما نصه : ودخل يوم الاحد 23 ذي القعدة الى مشهد الغروي والحائري ، ففتحوا له الأبواب ، ودخل فأخذ ما تبقى من القناديل والسيوف ورونق المشاهد جميعها من الطوس والاعتاب الفيضة والستور والزوالي وغير ذلك ، ودخل بالفرس الى داخل الضريح . وأمر بكسر الصندوق واحرق ونقل أهل المشهدين من السادة وغيرهم بيوتهم .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 26

في عصر رقي العرب وتمدنهم ، والحال غني عن البيان والايضاح عن كيفية ضبطهم للحوادث والوقائع بأوانها .
أما هذا القرن فهو أحد قرون تأخر العرب وسقوطهم ، اذ فاقوا البرابرة أنفسهم بما جروه على البلاد من الخراب والدمار ، فأنى لهم العلم بضبط الحوادث . وقيد كنه ترتيب الوقائع .
ويجدر بنا قبل أن نتكلم عن حوادث كربلاء الدامية في هذا القرن أن نعطف نظرنا الى مجرى أحوال العراق ، السياسية والاجتماعية . أبان الاحتلال العثماني لها ، ونعطي للقاريء فكرة موجزة عنها ، لكي نتقرب ونتمكن من اداء مقصودنا .
هذا ويقسم سير ادارة الحكم العثماني للعراق الى ثلاثة أدوار امتازت هذه الأدوار بعضها عن بعض لنفوذهم ويسطرتهم حيناً دون حين .
والذي يهمنا في معرض حديثنا هذا هو سير ادارة الحكم العثماني في العراق أبان الدور الثاني والثالث :
الدور الثاني
ابتدأ هذا الدور بعد هجوم نادر شاه على العراق ، ويقدر أوله بسنة ثلاث وستين بعد المائة والألف الهجرية ، وذلك عند اسناد ولاية بغداد الى سليمان باشا مملوك أحمد باشا .
وقد ولع سليمان هذا باقتناء المماليك ولعاً عظيماً لكونه منهم . وقد بذل جهدا كبيرا في سبيل تربيتهم وتعليمهم الفنون الحربية ، فعزز ذلك من مركزه ، وحط من أنفه المستحقرين شأنه فاشتهر اسمه وبعد صيته في ضبطه للامور وعبقريته الادارية . الا انه فتح للعقمانيين باباً لم يتمكنوا من ردمه الا بعد مدة من الزمن اذ فلتة زمام المبادرة من أيد الحكومة

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 27

العثمانية . ودخل العراق دورا جديدا استقل فيه الولاة المماليك عن الحكومة العثمانية ، فأطلقوا أيديهم في العبث بشؤونها ، فأخذوا يتنافسون فيما بينهم للتوصل الى السلطة ، واندلعت الثورات في البلاد . وقد آل حال هذا الدور الى وضع غريب . لا يمكن للباحث المحقق أن يصف تلك الحالة وصفها ينطبق على واقع الحال ، اذ كنت الاوضاع في تقلب عجيب ، لم تستقر فيها على مبدأ واحد .
ولما وقع بين المماليك من التنافس والتناحر على السلطة لم يبق للولاة تلك الأهمية والنفوذ التي كانت لولاة الدور الأول ، فهذا عبد الله باشا طلب من حمود رئيس عشيرة المنتفق بتسليم سعيد بن سليمان الكبير . فرفض هذا الأخير طلبه حفظا للجوار . فاضطر الوزير الى الخروج بنفسه لكي يحفظ ما تبقى للوالي من هيبة وسلطة . فاشتبك مع حمود في معركة حامية ، فدارت الكرة على الوزير لتفرق بعض أعوانه عنه . فأسرت عساكره ونهبت سرادقه ، ووقع هو نفسه في الأسر . فكبل بالحديد ووضع القيد في عنقه وأخذ الى السوق ذليلاً ، فخنق بها وقبر ، ثم نبش وقطع رأسه . فصار سعيد المستجير أميرا ، قام مقام الوزير لتعضيد حمود اياه اذ سير معه الجيوش الى بغداد ومكنه من ولايت أمرها وصيانتها من تطاول الأيدي ، واخضاع العصاة من أهل عصبياتها ، والمواقع الخارجة عن سيادتها . فهذه البصرة أخذها صادق شقيق كريم خان الزند بعد أن حاصرها مدة من الزمن دون أن يستطيع والي بغداد عمر باشا أن يفعل شيئاً لعدم وجود حامية في بغداد تعمل على استخلاص البصرة من ايدي الفرس . وذلك بالرغم من تشدد عبد الحميد واهتمامه للأمر ، وقيامه بارسال الجيوش لها من عاصمته ، فان ذلك لم يغن شيئاً ، اذ بقت البصرة بأيد الأعاجم حتى أن بلغ صادق الزند خبر وفاة أخيه ، فتركها فورا الى عاصمته شيراز طمعا بالسلطة . فعادت البصرة حينذاك فقط الى حوزة

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 28

الدولة العثمانية وذلك لميل أهلها .
ولعدم وجود حامية في بغداد استقل رؤساء الولايات ، كل بشؤون ولايته . خلا البصرة ، اذ كانت الحكومة العثمانية ترسل اليها من يحكمها تحت اسم : ( المتسلم ) . وبعضا الحلة .
هذا وكان العثمانيون معذورين من عدم تركهم الحامية فيها أو ارسال الجند لاخضاع المتمردين بها . وذلك لانشغالهم بأنفسهم وارتباك أمورهم . ولكنه اذا أعلن أحد ولاتهم العصيان عليهم . فلا يتعدى الحال أمرين . أما أن يتداركوا الأمر بالحال . أو ينتظرون ريثما يعينون والي جديد يسيرون معه جيشا لاخضاع الخارج عن ارادتهم ، وأخذ رأسه وارساله الى سرير السلطان .
وهناك وقع ما أغنى العثمانيين من تكبد هذه المشاق ، بما ظهر في البغداديين من الحماس والأقدام على عزل ولاتهم وقتل بعضهم ، ونصب من رغبوا فيه . وكان ذلك من السهل عليهم بمكان ، فقط كانوا يتقدمون الى تقديم محضر يطلبون فيه من الملك التصديق على تعيينه ، فبوصول هذا المحضر كانت تصدر الارادة موافقة على ذلك اذ لم يكن هناك من يبحث عن سبب ذلك .
ولسيادة الفوضى وكثرة القتل والنهب في البلاد ، اضطرب حبل الأمن وانقطعت طرق المواصلات بين البلاد . فألجأ هذا الحال الأمراء والولاة وبعض أهل الفضلب الى أن يبذلو الاموال لتشييد المعاقل والخانات ، وتوظيف الخفراء فيها وذلك لتأمين المسافرين من الأخطار . وليأخذوا بها قسطا من الراحة أيضا وتلك المعاقل موجودة حتى اليوم ، بعضها عامر والبعض الآخر على شرف الاضمحلال لترك الناس لها عندما استتب الأمن نوعاً ما وكانت القوافل لا تسير أكثر من ساعتين أو ثلاث . ولذلك راعوا في بناء هذه المعاقل أن تكون المسافة قليلة بين معقل وآخر ، فاذا خرجت

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 29

القوافل من كربلاء قاصدة بغداد أمت المعقل الاول الذي يسمي اليوم بـ ( خان العطيشي ) ، ثم الى معقل المسيب ثم معقل الاسكندرية ثم معقل المحمودية . وقد يمرون بثلاثة معاقل حتى يصلوا بغداد . ولم تكن المسافة بين معقل وآخر لتتجاوز الثلاث ساعات .
وبلغ الحال بها من السوء درجة أن أصبحت القوافل مهددة في أقل من هذه المسافة . وأصبح الصعاليك يضربون الأتاوة على ما يتمكنون من استيفائه . اذ لم تكن هناك قوة حازمة لتردعهم . فهؤلاء الزكاريت وليسوا هم الا من صعاليك البدو كانوا يجبون بما في بساتين كربلاء من التمر . وقد وصل الأمر من السوء درجة انه اذا اعترض أحد الأهالي عليهم أو تكلم عنهم بسوء فسوف يصبح وهو لا يملك من نفسه ولا أرضه شيئاً . وربما أجبروا الأهلين الى تفويضهم حق امتلاك بساتينهم . فكم ترك الاهالي لهؤلاء الصعاليك من الأراضي والبساتين اذ لليوم تطلق أسمائهم على القطع التي اغتصبوها .
فليت شعري ان كان هذا حال صعاليكها ومستضعفيها . فبالله ماذا يكون من أمر أهل عدتها وعدديها . فلا نستغرب اذن من أنهم قد ألقوا الذعر والفزع في نفوس أهل المدن الكبرى اذ أن لعصبياتهم وتحزبهم صار شرهم لا يطاق لنهب كل عشيرة ما يجاورها من النواحي والأقضية والمدن لزبيد الحلة وتوابعهاإذ إن موطنهمالجزيرة بين النهرين . ولخزاعة حسكة وتوابعها وموطنهم الديوانية ـ على انها إتخذت ديواناً لرؤسائهم ـ وللمنتفق البصرة لقرب موطنهم منها . ولبني لام بدرة وجصان ، وقد وصلت بغداد غاراتهم . وللضفير الذين هم من البدو الرحل عند ورودهم العراق : السماوة والرماحية . ولشمر كل العراق اذ انهم لا يأوون الى محل يختص بهم دون غيرهم .
ولربما اتفق هؤلاء جميعا وشاركهم من هم على شاكلتهم في حصارهم

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 30

للمدن . وقد صادف في بعض السنين أن ورد من الايرانيين الى كربلا بقصد الزيارة ما ينوف عددهم على الاربعين ألف زائر ، وفيهم زوجة شاه ايران . فتحركت عليهم أطماع العرب . فاتفقت : خزاعة وزبيد وشمر وآل ضفير الى نهبهم . فقصدوا كربلاء وحاصرواها مدة من الزمن ولوجود زوجة الشاه بينهم . خاف سعيد باشا والي بغداد حينذاك من عواقب الأمور . فاهتم لذلك وبعث داود الذي صار واليا على بغداد بعد حين لما عرف فيه من الكفاية والبسالة والاقدام . اذ كان ذلك باديا على محياه من نعومة اظفاره فقام داود بالمهمة التي عهدت اليه . اذ جرد ما تمكن من تجريده من المتطوعة ونزل الحلة الى أن تمكن بعد جهد جهيد من ردع هؤلاء الأعراب وتفريق جمعهم . فسير مع الفرس من يخفرهم الى النجف ثم أعادوهم الى بغداد وأوصلوهم الى مأمنهم .
ومما زاد في الطين بلة أخذت العشائر تغزو بعضها بعضاً . كما هو الحال الى اليوم داخل جزيرتهم لخلو فيافيها القاحلة من الحراثة والزراعة فلم ير أهلها طريقاً للعيش سوى غزو بعضهم بعضاً .
وحيث انهم كانوا حديثوا عهد بالنهب والغزو . ولم يكن بعد قد أصبح ذلك عرفاً بينهم . فصاروا يتوسلون بكل وسيلة ـ مهما كانت طفيفة ـ من شأنها أن تثير الفتن بينهم . حتى يتخذوا منها ذريعة لغزو بعضهم بعضا . فان ذلك بها لا يعد لكثرته ، فما وقع بين المنتفق وخزاعة فيما يلي السماوة كان من تلك الغارات . وكان لذلك يوما مشهودا انتصرت فيه خزاعة على المنتفق . وعلى مر الايام أصبح الغزو والغارة عادة لا ينكر شأنها . حتى ان البدو الذين هم داخل الجزيرة العربية كانوا عنه قدومهم العراق يغزون مواقعها لتقرر ذلك اذ ان الأمر صار بينهم سنة وعادة . وما وقع لأهل البادية بها لا يحصى عده وقد أدركنا جملة منها .
هذا وقد بلغ الحال بها من التأخر درجة بحيث صار الدور الاول من سير

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 31

ادارة حكم الولة العثمانية دور عمران وتقدم اذا قيس بهذا الدور .
وختم هذا الور بسقوط داود باشا الذي حكمها بضع سنين مستقلا عن نفوذ العثمانيين .
ولولا ما داهمه القضا في تدمير جيوشه بانتشار مرض الطاعون والوباء بينهم . لكان خطره على الدولة العثمانية تلو ما دهم العثمانيين من القائد المصري محمد علي . فذهبت مساعيه أدراج الرياح وقد أخذ أسيرا الى العاصمة وترك هناك تحت اسم ( شيخ الوزراء ) ثم بعث شيخا لحرم الرسول المكرم صلى الله عليه وآله وسلم . فقام بتلك الوظيفة المقدسة أخريات أيامه الى أن أدركه حمامه ، فقبر في بقيعها .
هذا وقد تدفقت الحياة مجددا بأوصال العثمانيين الخامدة عندما قام أحد سلاطينهم أبو السعود محمود الى قتل الينكجرية لسنة احدى وأربعين بعد المأتين والالف الهجرية . وقبض بيد من حديد على أمور الدولة . فأوقفها من هوة تقهقرها ، وسعى لاعادة شأنها واصلاح أمورها . عطف عند ذلك نظره على العراق وأنقذها من يد المتغلب عليها داود . بعد أن فوض شؤون ادارتها الى اللاز علي رضا .
الا ان العراق لم يتزود من تفقداته بسوى ذلك ، اذ اختطفته يد المنون فقام ولده عبد المجيد مقامه فكان مما هيئ له من أسباب السعادة أن عاصره المصلح الكبير الاول وأوحد رجالاتهم مصطفى رشيد ، فألبس دولته لباس الحضارة وأعاد اليها أبهة النضارة . فأنار العراق بظهور آثار الدور الثالث من سير ادارة الحكم العثماني للعراق .
الدور الثالث

ابتدأ هذا الدور بعد سقوط داود وولايت اللاز علي رضا عند مفتتح السادس والاربعون بعد المأتين والألف ، فقام هذا الوزير بشؤون اصلاح

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 32

أمور العراق ، ولم شعثها من ترك حاميات الجند في البلاد ، وقد نصب الحكام بها وبذل الجهد في سبيل تأمين السبل والطرق الا انه لم يدرك المقصود للهوى الذي كان في نفوس أهليه ، وما كان لهم من الاستحقار للقوة الحاكمة . اذ ان النفوس قد شرأبت الى الحرية عند زمن الانحلال في أواخر الدور الثاني وزاد ذلك أن بعض الولايات التي استقلت في عهد داود قد بقيت على انفصالها وخلاصة القول : ان أيام علي رضا على طول زمنها لم تنتج تمام ما قصده . الا انها انصرمت بهدوء وسلام . وفي أواخر أيامه توفي السلطان محمود وقام مقامه عبد المجيد . وانشغل بادئ أمره في استرجاع البلاد الشامية . وانتهى الامر الى عقد الصلح وختم الامر بينه وبين المصري محمد علي .
ثم عطف نظره نحو العراق ، وبعث للقبض على زمام أمورها محمد نجيب فأدرك هذا بذكائه ما حبس التوفيق عن سلفه اذ لم تأت بطائل اصلاحته لما في الأنوف من الشمخرة والخيلاء . فقصد أولا الى تأديب بني حسن والفتقة وطفيل داخل قضاء الهندية ، فاقتصر في حربهم على حبس جريان ماء فرات عنهم ومنعه من السيلان في شط الهندي اصف الدولة الا انه لم يقف على طائل بالرغم من تكبده لخسائر فادحة وعالج ذلك بنفسه الا أن الطبيعة كانت أقوى منه اذ انفلق السد ولم يمتثل الماء لأمره .
ثم ساق جيوشا يرأسها سعد الله أحد قواده وأمرهم بمحاصرة كربلاء واباحتها ، في واقعة سنأتي بتفصيلها ، فهابه العراقيون عندما توالت على الأطراف هجماته . فتسنى له من اجراء بعض الاصلاح من التشكيلات في ألويتها وأقضيتها ونواحيها من نصب أمراء وترك الجمد في البلاد .

بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 33

على ان القصد الذي أنا في سبيل تدوينه عسر السلوك مع اشتهار حوادثها كحادثة الوهابي والمناخور ، وحادثة نجيب باشا وعلي هدله لكن ليس بالأيدي ما يعول عليه ، ولا من يعتمد عليه ليصح النقل عنه .
فاليك مثلا الواقعة الاخيرة المنسوبة لعلي هدله . فقد وقعت لسنة ثلاث وتسعين بعد المائتين والألف الهجرية . ولم يكن من لم يدركها . أو لم يشاهدها بل ان جل الأهلين قد شاركوا فيها أو شاهدوها عن كثب . فمع شدة تحرياتي لم أقع على مدرك يمكن التعويل عليه وضبطه سوى الكليات . فقد وقفت على رسالتين في المناخور احدهما عربي العبارة غير انه على غير ترتيب (1) والثاني فارسي العبارة (2) . الا انه أشبه شيء بالروايات منه بالوقائع التأريخية لشخص عاصر تلك الحادثة . ورسالة في واقعة نجيب باشا منظومة من بحر الرجز فارسية للميرزا زكي حسين الهندي ، وهو عند الحادثة شاهدا وقائعها . وأما أخبار نهب ابن مسعود بها . فقد وقفت على بعض حزادثها ضمن أخبار العلماء وتراجمهم ومرثية للشيخ محمد رضا الازري . وقد بلغني ان لوقعة علي هدله رسالة مدونة لبعض الأفاضل ، أرجو من الله أن يمكنني منها لكي اتمم بها قصدي . وعليه التكلان .
حتى اذا جاءت سنة 1216 هجرية جهز الامير سعود الوهابي جيشا عرمرما مؤلفا من عشرين الف مقاتل وهجم على مدينة كربلاء ـ وكانت على غاية من الشهرة والفخامة ينتابها زوار الفرس والترك والعرب ـ فدخل

(1) قد تكون الرسالة المسماة بـ ( نزهة الاخوان في وقعة بلد القتيل العطشان ) لأديب كربلائي مجهول ممن عاصر هذه الحادثة . توجد نسخته المخطوطة عند السادة آل النقيب .
(2) لعله كتاب ( كاشف الاعجاز الذي يبحث في حادثة المناخور ، بالفارسية . منه نسخة خطية في مكتبة السيد عبد الرزاق الوهاب .
بغية النبلاء في تاريخ كربلاء 34

سعود المدينة بعد أن ضيق عليها وقاتل حاميتها وسكانها قتالا شديدا ، وكان سور المدينة مركب من أفلاك النخيل مرصوصة خلف حائط من الطين . وقد ارتكب الجيش فيها من الفضائع ما لا يوصف . حتى قيل : انه قتل في ليلة واحدة عشرين الف شخص .
وبعد ان أتم الأمير سعود مهمته الحربية التفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالاموال الوفيرة وكل شيء نفيس ، فأخذ كا ما وجد فيها وقيل انه فتح كنزا كان فيها جمة جمعت من الزوار . وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرون سيفا محلاة جميعها بالذهب ومرصعة بالحجارة الكريمة . وأوان ذهبية وفضية وفيروز والماس وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر . ومن جملة ما نهبه ابن سعود أثاث الروضة وفرشها منها 4000 شمال كشميري و 3000 سيف من الفضة وكثيرا من البنادق والاسلحة .
وقد صارت كربلاء بعد هذه الواقعة في حال يرثى لها ، وقج عاد اليها بعد هذه الحادثة من نجل بنفسه فأصلح بعض خرابها وأعاد اليها العمران رويدا رويدا (1) .

(1) هذا ما ذكره المرحوم المؤلف عن هذه الحادثة . لكنه عثر بعد ذلك على بعض المؤلفات الفارسية الجليلة التي أرخت الحادثة بشيء من التفصيل .
ونحن نثبت ترجمتها هنا لما لها من القيمة التأريخية ولندرة وجودها وعدم تيسرها للقارئ العربي على الأقل .
فمن هذه المؤلفات مسير طالبي لأبي طالب بن محمد الأصفهاني . ط الهند سنة 1227 هـ .
« في الثامن عشر من ذي الحجة يوم غدير خم ( حيث كان معظم سكان كربلاء قد ذهبوا لزيارة النجف الاشرف بقصد الزيارة المخصوصة ) . اذ داهم كربلاء خمسة وعشرون ألف من الفرسان وقد امتطول الجياد العربية الأصيلة ـ وكانوا قبل ذلك قد بعثوا جماعة منهم الى ضواحي كربلاء وقد =

السابق السابق الفهرس التالي التالي