الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الغر الميامين . وبعد فيقول العبد الفقير المعترف بالتقصير الراجي رحمة ربه القدير : عبد الحسين بن علي بن جواد الحسيني الموسوي الحائري ( آل طعمه ) ، وفققه الله لمراضيه ، وجعل مستقبل أيامه خيراً من ماضيه : قد كنت مولعاً من نعومة اظفاري وصدر شبابي بعلم ما بلغ اليه وسعي مما تفضلل الله سبحانه علي من أمهات الكتبب العربية التي ألفت ، قديماً وحديثاً . وحداني الشوق ضمن ذلك ، البحث عن حوادث بلدتي ومسقط رأسي ، وقد حز في نفسي أن أرى ما ألف للبلدان من التواريخ . حتى ان القرى والقصبات لم يهملوا شأنها ، وشرف قدسية هذه المدينة وشهرتها لم يدون لها كتاب يعرب عن مبدئها ، وعن تأريخها الحافل بالحوادث الخطيرة . فلذا لم يقر لي قرار حتى وفقني الله الى التصدي لتدوين تأريخ هذه المدينة الخالدة ، وسميته بـ ( بغية النبلاء في تأريخ كربلاء ) .
|
يحملن حمراء رسوبا بالنقل | قد غربلت وكربلت من القصل |
وثامر كربل وعيمم دفلى | عليها والندى سبط يمور |
(1) معجم البلدان لياقوت الحمودي ج 7 : ص 229 . (2) جاء في تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي ج 8 ص 97 . عدة وجوه في اشتقاق لفظة كربلاء منها يقول من كربل بالفتح قيل هو نبات له نور أحمر مشرق اذ يقول أبو حنيفة في ذلك :
|
|
(1) معجم البلدان ج 7 ص 296 ، طبعة مرجليوث . (2) راجع حول مؤلف هذا الكتاب ـ الذريعة الى تصانيف الشيعة للعلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني . |
|
لقد حبست في كربلا مطيتي | وفي العين حتى عاد غثاً سمينها | |
اذا رحلت من منزل رجعت له | لعمري وأيها انني لأهينها | |
ويمنعها من ماء كل شريعة | رفاق من الذبان زرق عيونها (1) |
(1) تأريخ الطبري ج 4 . ص : 192 ، ومعجم البلدان ج 7 ص 229 ط مصر . (2) صوق حكمه : بالتحريك موضع بنواحي الكوفة . نسب الى حكمه بن حذيفة بن بدر . وكان قد نزل عنده ( معجم البلدان ج 5 . ص 176 ) . (3) معجم البلدان ج 7 ص 396 . (4) وقد ورد ان سلمان الفارسي الصحابي الجليل قد مر بها عند مجيئه من المدينة اذ يحدثنا الكشي في رجاله ( ص 24 ) في سنده عن ابن نجيه الفزاري . قال : لما أتانا سلمان الفارسي قادما فتلقيته ممن تلقاه فسار حتى انتهى الى كربلاء فقال : ما يسمون هذه ؟ قالوا : كربلا . فقال : هذه مصارع اخواني ، هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم وهذا مهراق دمائهم . قتل بها خير الاولين ، ويقتل بها خير الآخرين ، ثم سار حتى انتهى الى حروراء . فقال ما تسمون هذه الأرض ؟ قالوا : حرورا ، فقال : خرج بها شر الاولين ويخرج بها شر الآخرين . ثم سار حتى انتهى الى بانقيا وبها جسر الكوفة الاول ، فقال : ما تسمون هذه ؟ . قالوا : بانقيا . ثم سار حتى انتهى الى كوفة . قال : هذه الكوفة ! قالوا : نعم ، قال قبة الاسلام » انتهى أقول : هذا الترتيب الذي ذكر لسلمان عند قدومه العراق ، لا يصح الا للوارد الى العراق من الشام لا من الحجاز ، اذ بانقيا على ما ذكر أرباب كتب الفتوح تقع على سيف البادية على خط الحيرة قريبة من أرض النجف ، ثم يتلو بانقيا الكوفة ثم كربلاء ثم حرورا . هذا وسلمان لم يقدم = |
|
= العراق الا من الحجاز . واختلفوا في سبب قدومه ، اذ ذكر البعض انه حضر غازيا فتوح ايران . بينما يذكر العلامة النوري في ( نفس الرحمن في فضائل سلمان . طبع حجر ) : توجه سلمان من المدينة الى المدائن واليا عليها في خلافة ابن الخطاب بعد ما عزل حذيفة عنها . (1) ترجمة فتوح ابن أعثم الكوفي ص 16 . (2) وقد جاء في نسخة أخرى من هذا الكتاب عن موضع كربلاء القديمة ، ما نصه : فموقع ( كربلاء ) اليوم على ضوء التحقيق الذي قمت به ، واقع على بعد بضع أميال في الشمال الغربي من بلدة كربلاء ـ الحالية ـ مما يلي أرض القرطة ، وهو مكان مرتفع يسمى باصطلاح اليوم : الظهيرة أو العرقوب . ويبعد موقعها عن قبر الحر بم يزيد الرياحي حوالي سبعة آلاف متر . ( وتعود ملكيتها اليوم لآل بحر العلوم القاطنين في هذه البلدة المشرفة ) ومنهم السيد جواد أفندي الذي توفي قبل أيام . وقد جاء في ( نفس الرحمن في فضائل سلمان . للعلامة الميرزا حسين الطبرسي ) عن موضع كربلاء ما نصه : واما كربلا فالمعروف عند أهل تلك النواحي انها قطعة من الارض الواقعة في جنب نهر يجري من قبلي سور البلدة ، يمر بالمزار المعروف بابن حمزه . منها بساتين ومنها مزارع والبلدة واقعة بينها ) اقول : يا لله ما لشيخنا الجليل قدس سره أن يخوض ما يقصر عنه علمه . وكيف يعتمد على من لا علم لهم ويعول عليهم بالتحقيق . فأين النهر الذي يجتاز قبلي سور البلدة . واذا قصد نهر الهندية فأين بعده عن السور وأين قبر ابن حمزه عنه . وما قبر ابن حمزه الا على شرق السور بمسافة . وان قصد نهرها لم ينطبق مع الحقيقة . نعم على موضع قلعة ناصر علي خان اللاهوري يطلق لفظ كربله لا كربلاء . |
|
|
(1) وتأتي تفصيل هذه الواقعة المروعة في الجزء الثاني من هذا الكتاب . (2) راجع بشأن هذه القرية والقرى الاخرى التي كانت تحيط كربلاء يوم ورود ابي عبد الله عليه السلام لها في ( الزهر المقتطف في أخبار أرض الطف ) للعلامة المؤلف . وهو مصنف نفيس لا نظير له في موضوعه . |
|
أبكي قتيلاً بكربلا | . . . . . . . . |
غادروه بكربلا صريعاً | لا سقى الله جانبي كربلا (1) |
مررت على قبر الحسين بكربلا | ففاض عليه من دموعي غزيرها |
سلام على أهل القبور بكربلا | وقل لها مني سلام يزورها |
وأظلم في كربلا يومهم | ثم تجلى وهم ذبائحه(3) |
كم دموع ممزوجة بدماء | سكبتها العيون في كربلاء |
(1) في معجم البلدان ، الشطر الثاني : لا سقى الغيث بعده كربلا والبيت لزوجة الحسين (ع) عاتكة بنت عمرو بن نفيل في رثائها للحسين . (2) امالي الشيخ الطوسي ص 148 . (3) مناقب ابن شهر آشوب ج 4 ص 117 ط . طهران . (4) زهر الآداب في هامش العقد الفريد للحصري ج 2 ص 272 . |
|
بيثرب كربلاء لهم ديار | نيام الاهل دارسة الطلول (1) |
وأضحى بكم كربلا مغربا | كزهر النجوم اذا غورت |
(1) في بحار الأنوار للمجلسي ( ج 45 ص 289 ) : بتربة كربلاء . (2) وقد وردها المختار ابن أبي عبيدة بعد رجوعه من الحج . وسلم على القبر ، وقبل موضعه ، وأخذ بالبكاء وقال : يا سيدي قسما بجدك وأبيك وأمك الزهراء وبحق شيعتك وأهل بيتك ، قسماً بهؤلاء جميعاً أن لا أذوق طعاماً طيباً أبداً ، حتى انتقم من قتلتك » . عن مجالس المؤمنين ص 172 . |
|
فواندمي أن لا أكون نصرته ! | ألا كل نفس لا تسدد نادمه ! | |
وإني لأني لم أكن من حماته ، | لذو حسرة ما إن تفارق ، لازمه ! | |
سقى الله أرواح الذين تآزروا | على نصره سقياً ، من الغيث ، دائمه ! | |
وقفت على أجدائهم ومحالهم | فكاد الحشى ينقض والعين ساجمه | |
لعمري لقد كانوا مصاليت في الوغى | سراعاً الى الهيجا حماة ضبارمه | |
تأسوا على نصر ابن بنت نبيهم | بأسيافهم آساد غيل ضراغمه | |
فان يقتلوا فكل نفس زكية ، | على الأرض قد أضحت لذلك واجمه | |
وما أن رأى الراؤن أصبر منهم | لدى الموت سادات وزهراً قماقمه |
أتقتلهم ظلماً وترجوا ودادنا ؟ | فدع خطة ليست لنا بملائمه ! | |
لعمري لقد راغمتمونا بقتلهم | فكم ناقم منا عليكم وناقمه ؟ | |
أهم مراراً أن أسير بجحفل | الى فئة زاعت عن الحق ، ظالمه | |
فكفوا ! والا زرتكم في كتائب | أشد عليكم ، من زحوف الديالمه (2) |
(1) في هامش خزانة الادب للبغدادي ( الطبعة السلفية ) ج 2 ص 138 تعقيب على هذه الابيات هذا نصه : ( غير ان الادبيات الميمية ليست له البته وانما هي للحر بن يزيد الرياحي ، كما هو عند أبي مخنف . فلا أدري هل هذا الوهم من أبي سعيد أو من نساخ كتابه ، أو من البغدادي . . . ) . وهذا زعم باطل مغرض ، اذ ان الابيات نفسها ترد على ذلك . ( عادل ) (2) شرح خزانة الادب للبغدادي . ج 1 : ص 299 . وج 2 ص 139 من ط : السلفيه . |
|
وتطيل المرزآت المقاليت | اليه العقود بعد القيام (3) |
(1) بحار الأنوار للمولى ذو الفيض القدسي الشيخ محمد باقر المجلسي . ج 22 : ص 124 . (2) بلوغ الارب في معرفة أخبار العرب لمحمود شكري الآلوسي في 2 : ص 351 . (3) قال ابن السكيت ان العرب كانت تقول : ان المرأة المقلاة ـ وهي التي لا يعيش لها ولدا ـ اذا وطئت أرض القتيل الشريف عاش ولدها . قال بشر بن حازم :
وقال ابن الاعرابي : ويطاؤن حوله ، وقيل انما كانوا يفعلون ذلك بالشريف يقتل غدرا أو قودا . وقال آخر :
|
|
(1) بحار الانوار ج 21 ص 203 . |
|
(1) سيأتي تفصيل ما قيل في محل الرأس الشريف ، وفصل القول به ، في الجزء الثاني من هذا الكتاب . (2) اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاوس ص 176 . |
|
(1) راجع الفصل الموسوم بـ : ( أخبار عن الحائر وزائريه ) . (2) فرحة الغري : ص 59 . (3) وقد زار كربلاء من البويهيين : عز الدولة عام 366 هـ مع ابن بقية بعد أن استخلف على بغداد الشريف أبا الحسن محمد . ( تكلمة تأريخ الطبري للهمداني ، ص 231 ) . وفي سنة 369 هـ في زمن عضد الدولة ـ أطلقت الصلات لاهل الشرف والمقيمين في المشهدين الغري و ( الحائر ) على ساكنهما السلام وبمقابر قريش ، فاشترك الناس في الزيارات والمصليات بعد عداوات كانت تنشؤ بينهم ( انظر تجارب الامم لابن مسكويه ج 6 ص 407 ) . وفي سنة 402 هـ واصل فخر الملك الصدقات والحمول الى المشاهد بمقابر قريش والحائر والكوفة ، وفرق الثياب والتمور . ( المنتظم ج 7 ص 256 ) . وقد زارها من البويهيين أيضاً الملك جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة بن عضد الدولة ، وترجل قبل أن يرد المشهد بنحو الفرسخ تعظيما واجلالا لقبر سيد الشهداء . وكان ذلك سنة احدى وثلاثين وأربعمائة . ( الكامل ج 9 . وراجع أيضاً المنتظم ج 8 ص 105 ) . = |
الفهرس | التالي |