تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 246

في حوزة كربلاء ، يقيم الجماعة في مسجد والده إلى ان توفى سنة 1345 هـ ، خلفه نجله العالم الفاضل السيد مهدي بن السيد كاظم بن السيد حسين البهبهاني ، ومن كبار الأعلام في فخذ آخر لهذه ألأسرة: السيد أحمد بن سيد محمد باقر بن عناية ألله بن محمد بن زين العابدين الموسوي البهبهاني المتوفى سنة 1350 هـ وكان على جانب كبير من العلم والتقوى ، كثير التصانيف، خلفه نجله العالم المفضال السيد محمد رضا بن السيد أحمد الموسوي البهبهاني الحائري ، كان فقيها مبرزا ومرجعا للفتيا وإماما للجماعة في صحن المشهد الحسيني الشريف ، غير أنه هاجر فيما بعد إلى إيران وتوفى في المدينة المنورة سنة 1389 هـ ، ولهذه ألأسرة أعقاب في إيران منهم : العلامة السيد صدر الدين بن السيد محمد رضا البهبهاني المتوفى سنة 1404 هـ والفاضل الدين السيد محيي الدين بن محمد رضا البهبهاني.
* * *

أسرة الخطيب:

تنتمي لعشيرة «جشعم» النازحة من الحجاز ، إستوطنت مدينة كربلاء في القرن الثالث عشر الهجري ، برز ونبغ من بين أفرادها العلامة الكبير الشيخ محمد بن الحاج داود بن خليل بن حسين بن نصير، المولود سنة 1301 هـ والمتوفى في الحائر الشريف يوم 17 رجب سنة 1380 هـ ، كان من أفاضل العلماء وألأساتذة الكبار في حوزة كربلاء ، وكانت له حوزة درس وبحث عامرة تخرج منها العديد من الطلاب المنتهين، وكان تلمذه على الشيخ غلام حسين المرندي ، والسيد محمد البحراني والشيخ جعفر الهر بن الشيخ صادق المتوفى سنة 1347 هـ ، له تصانيف خطية ومكتبة ومدرسة دينية ، إنتقلت عمادتها بعد وفاته إلى نجله الشيخ عبدالحسين بن محمد الخطيب ، وكان يقيم الجماعة في صحن الروضة الحسينية الشريفة إلى ما قبل وفاته بفترة سنتين أو أقل.
* * *

أسرة السيبويه :

أسرة علمية جليلة هاجرت من مقاطعة يزد في إيران إلى كربلاء وقطنتها

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 247

في القرن الثالث عشر الهجري ، إشتهر أفرادها بالعلم والفضيلة والصلاح والتقوى والنسك الشديد ، برز فيهم علماء وخطباء ، وكبير هذه ألأسرة هو المولى الشيخ عباس بن رضا بن أحمد ألابرند آبادي اليزدي الحائري المتوفى سنة 1329 هـ ، وكان من العلماء وأئمة الجماعة ألأتقياء في كربلاء ، خلفه نجله الشيخ علي أكبر سيبويه المتوفى سنة 1363 هـ ونجله ألآخر العالم الفاضل والفقيه المتبحر والزاهد الورع الشيخ محمد علي سيبويه المتوفى سنة 1391 هـ ولهذين ألأخوين أعقاب هاجروا كربلاء وإستوطنوا بلاد إيران منهم : العالم والخطيب الشيخ الميرزا أحمد بن الشيخ علي أكبر سيبويه المتوفى في مشهد سنة1401 هـ ، والعالم الفاضل الشيخ محمد حسين سيبويه بن الشيخ محمد علي نزيل مدينة مشهد ، وهذا ألأخير يعتبر بقية السيف لأسرته نظرا لنشاطه الديني المكثف ، ونزوعه لأعمال الخير والبر وإنشغاله بالدرس والبحث.
* * *

أسرة الزعيم الشيرازي:

تنسب إلى العالم الكبير والفقيه النحرير والمجاهد ألإسلامي العظيم الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي زعيم الثورة العراقية الكبرى المتوفى سنة 1338 هـ ، والذي كان قد هاجر إلى كربلاء في مطلع القرن الرابع عشر الهجري ، وقد بقيت أسرته الكريمة محتفظة بطابعها العلمي الديني في عهد نجليه المبجلين العلامة الشيخ محمد رضا ، الذي أسهم بدور كبير وفاعل جدا في تأجيج نار الثورة العراقية ضد ألإحتلال البريطاني ، ولقي في سبيل ذلك مرارة ألإعتقال والطرد والنفي ، توفى سنة 1378 هـ ، والعلامة المفضال الشيخ عبدالحسين الشيرازي المتوفى سنة 1381 هـ ، ولهذه ألأسرة أعقاب في إيران.
* * *

أسرة السيد الشيرازي:

من ألأسر العلمية العلوية التي إشتهرت وبرزت على ساحة العلم والفضيلة في كربلاء خلال ما يربو على قرن واحد ، ويرجع نسبها إلى سيدنا

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 248

ألإمام الحسين عليه السلام ، إستوطنت كربلاء في مطلع القرن الرابع عشر الهجري فأحيت حركة العلم والدعوة ألإسلامية فيها، وهي ترتبط بصلة القرابة والمصاهرة بأسرة المجدد الشيرازي الحاج السيد الميرزا محمد حسن ، صاحب فتوى حرمة تدخين التبغ على عهد الملك الإيراني ناصر الدين شاه القاجار والمتوفى سنة 1312 هـ ، وكبير هذه ألأسرة هو المرجع الديني السيد الميرزا مهدي الحسيني الشيرازي المتوفى سنة 1380 هـ ، وبقيت أسرته موهجة بأنوار العلم والفضيلة والتقوى والصلاح بأنجاله ألأربعة وهم : العالم والمرجع الديني الحاج السيد محمد الشيرازي والكاتب والداعية ألإسلامي العلامة المفضال السيد حسن الشيرازي المستشهد سنة 1400 هـ له مؤلفات ومصنفات كثيرة من أهمها كتابه : «ألإقتصاد ألإسلامي» الذي ترك أثرا نافعا جدا في وسط الشبيبة والمثقفين و كتاب «كلمة ألله» وكتاب «كلمة الرسول ألأعظم» وكتاب «كلمة ألإمام الحسين» وغيره ، والفقيه النابه السيد صادق الشيرازي الذي له بحوث وتأليفات إسلامية ودينية ، والبحاثة ألإسلامي السيد مجتبى الشيرازي ، الذي يتفرغ بدوره لشؤون التحقيق والتأليف.
* * *

أسرة السيد القمي:

أسرة علمية علوية كريمة إشتهر جل أفرادها بالعلم والزهد والصلاح والتقوى إنتقل كبيرها آية الله العظمى السيد الحاج آقا حسين القمي من النجف إلى كربلاء في أعقاب وفاة أستاذه ألأجل ألأخوند الخراساني ، فأسهم في إحياء الحركة العلمية والتدريسية في حوزتها الدينية وتولى الرئاسة العامة للمسلمين الشيعة بعد وفاة المرجع الديني ألأكبر العلامة السيد أبو الحسن ألأصفهاني سنة 1365 هـ ، وتوفى هو سنة 1366 هـ ، برز في أسرته من بعده نجله ألأكبر العالم الفقيه السيد الميرزا مهدي القمي المتوفى سنة 1407 هـ ، تولى مهمة التدريس والتصدي لشؤون الفتيا في حوزة كربلاء لسنوات طويلة ، ونجله ألآخر العالم المجتهد الحاج السيد آغا حسن القمي نزيل مشهد ، وله نجل آخر هو آية ألله الحاج السيد آغا تقي القمي نزيل مدينة قم.

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 249

أسرة ألأسكوئي الحائري:

رأس هذه ألأسرة هو المولى الشيخ محمد باقر بن محمد سليم القراجة داغي ألأسكوئي المتوفى بعد سنة 1285 هـ ، كان من زمرة العلماء والفضلاء الكبار في عصره ، ترجمه الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه «الكرام البررة» ، ومما قال عنه:أن له آثار منها كتاب «معين التجارات» طبع في سنة 1271 هـ وكتاب «مناسك الحج» طبع في سنة 1285 هـ ورسالة علمية فارسية مخطوطة في أبواب المعاملات إلى الخمس . . . الخ .
خلفه نجله الشيخ الميرزا موسى الأسكوئي الحائري ، كان من أفاضل رجال الدين والمدرسين في حوزة كربلاء العلمية ، إتسم بالزهد والتقوى وتهذيب النفس والسعي لكسب الكمال الروحي ، خلفه نجله ألأكبر الشيخ الميرزا علي ألسكوئي الحائري ، الذي إهتم إلى جانب إنشغاله بالبحث والتدريس ببعض المشاريع الخيرية ذات النفع العام ، منها حسينية ومكتبة لاتزالان قائمتين في كربلاء على ما يبدو ، ثم توجه إلى الكويت فتصدر شؤون الفتيا وألإمامة عند الشيعة فيها ، حتى تاريخ وفاته.
ومن هذه ألأسرة أيضا : العلامة الشيخ الميرزا محمد حسن ألسكوئي الحائري المعروف بألأحقاقي ، الذي كان بدوره من علماء ومدرسي الحوزة العلمية في كربلاء ، ثم خلف أخاه الميرزا علي في التصدي لئؤون الفتيا وأمور الدين للشيعة في الكويت ، ولا يزال حتى يومنا هذا قائما بوظائفه الشرعية على أحسن وجه في هذه البلاد ألإسلامية ، له مؤلفات دينية وثقافية إسلامية عديدة باللغتين العربية والفارسية.
* * *

أسرة الشاهرودي (الكلاموئي) :

أسرة علمية إستوطنت مدينة كربلاء المقدسة في عهد رئاسة العالم المجاهد الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي ، مساهما في تنشيط الحركة العلمية والتدريسية بحوزتها الدينية ، وكان ذلك حينما هاجر إليها من النجف عميد هذه ألأسرة العالم المجتهد الشيخ علي بن محمد الشاهرودي

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 250

(الكلاموئي) ، في سنة 1336 هـ تلبية لرغبة المجاهد الشيرزاي في توسيع وتطوير الحوزة العلمية الدينية في كربلاء ودعم مسيرتها الدراسية بكبار العلماء وفطاحل الفقهاء من أمثاله ، ومن بين مشاهير العلماء والفضلاء في هذه ألأسرة:
ـ العالم المحقق والمجتهد الأصولي الشهير الحاج الشيخ محمد بن الشيخ علي الشاهرودي الحائري المتوفى سنة 1409 هـ .
ـ العلامة الحاج الشيخ أحمد بن الشيخ علي الشاهرودي النجفي الذي كان مشتغلا بالتدريس والتصدي لئؤون الفتيا وإمامة الجماعة في مشهد الرضا بخراسان ثم سكن طهران حيث توفى سنة 1409 هـ ايضا.
ـ الخطيب الشهير الشيخ مرتضى الشاهرودي الحائري.
ولم يبق أحد من أفراد هذه ألأسرة في كربلاء ، إذ أنهم رحلوا عنها جميعا في فترات متعاقبة.
* * *

أسرة النخجواني:

أسرة علم وفضيلة وتقىً ، إشتهرت في مدينة كربلاء لفترة نصف قرن تقريبا ، وكان رأس هذه ألأسرة المولى الشيخ محمد علي النخجواني ، الذي برز ولمع إسمه في حوزة النجف ألأشرف بوصفه من أجلاء الفقهاء وكبار المجتهدين والمراجع الروحيين بها، هاجر نجله ألأكبر العلامة الشيخ محمد حسين النخجواني إلى كربلاء بعد أن أتم مرحلة متقدمة من تحصيله العلمي وفوزه بمرتبة ألإجتهاد في النجف ، وإشتغل في حوزة كربلاء بالتدريس والتحقيق، والتصدي لئؤون الفتيا ، وإشتهر به بيته في الحائر الحسيني الشريف ، وكان على جانب كبير من الزهد والورع والتقوى توفى في كربلاء بحدود سنة 1384 هـ وخلفه نجله ألأكبر الشيخ محمود بن الشيخ محمد حسين النخجواني الحائري ، الذي إضطر إلى مغادرة كربلاء في سنة ألف وثلاثمائة وتسعين ونيف والقدوم إلى إيران ، وهو ألآن نزيل مدينة قم المقدسة ، ولم يبق أحد من أفراد هذه ألأسرة في مدينة كربلاء فقد غادروها بصورة متعاقبة خلال العقدين ألأخيرين .

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 251


الـفصل الرابــع

نخبة من الخطباء والوعّاظ
في كربلاء


تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 252




تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 253

في الحقيقة أن الساحة الدينية في مدينة كربلاء شهدت خطباء ووعاظا قديرين ومتألقين ، ممن إنبروا للتبليغ الديني ونشر الدعوة ألإسلامية ، وذكر مناقب وفضائل ألأئمة ألأطهار (عليهم السلام) والقراءة لمصاب الشهيد بكربلاء، وأمضوا سني حياتهم متفرغين لهذه الغاية الشريفة ، راضين بضنك العيش وتحمل الصعاب والمتاعب ، وقد نذروا أنفسهم لخدمة ثورة الحسين عليه السلام ، ومرامي دين جده الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلى الرغم من أن بعض هؤلاء الخطباء والوعاظ لم يقلوا علما وفضلا ومعرفة عن غيرهم من العلماء ورجال الدين ،إلا أن أصحاب التراجم والسير لم يصنفوهم ولم يذكروا تراجم حياتهم عدا القليل منهم.
وإضافة إلى ذلك فإن الكثيرين من هؤلاء إشتهروا بعلمهم وتقريراتهم الفقهية وألأصولية ومؤلفاتهم القيمة قبل إشتهارهم بمواعظهم الدينية وقراءتهم في مقتل سيدنا الحسين عليه السلام.
ولقد حاولت الحصول على تراجم عدد كبير من خطباء ووعاظ كربلاء لأنقلها هنا، بقصد تكملة دراستي عن الطابع العلمي الديني لمدينة كربلاء ، لكني مع ألأسف لم أوفق في ذلك ، غير أني أكتفي هنا بسرد تراجم لعدد لا بأس منهم ، وذلك في ضوء ما توفر لي من مصادر ومعلومات ، ومن بين من

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 254

أذكرهم وأترجمهم وعاظ إهتموا بالتبليغ الديني والتثقيف الخلقي ألإسلامي ، ولم تكن لهم قراءات في مصاب سيدنا الحسين عليه السلام ، ومن بينهم أيضا وعاظ وخطباء لا يزالون في مقتبل العمر إو في دور الكهولة.

المولى حسن اليزدي الحائري:

من مشاهير الوعاظ والعلماء في كربلاء بالقرن الثالث عشر الهجري ، كان مجتهدا ورعا ، زاهدا موجها لدى العام والخاص، عرف عنه إهتمامه بإقامة مجالس العزاء لمصاب سيدنا الإمام الحسين عليه السلام وألإكثار من رثائه وإبكاء الناس على مظلوميته ، وقد أمضى جل سنوات حياته بجوار الحائر الشريف مبلغا وواعظا ومعلما ، صادق بإخلاص السيد إبراهيم القزويني صاحب «الضوابط» ولازمه لفترة طويلة ، توفى في كربلاء بحدود عام 1264 هـ .
ترجمه صاحب «أعيان الشيعة» فقال: المولى حسن بن محمد علي اليزدي الحائري ، عالم فاضل مؤلف ، كان أرشد تلاميذ السيد محمد الطباطبائي المعروف بالمجاهد المتوفى _أستاذه المجاهد ) سنة 1242 هـ ، له من المؤلف: 1 ـ مهيج ألأحزان 2 ـ تجويد القرآن 3 ـ المغتنم في الفقه ، فرغ من طهارته ـ باب الطهارة ـ سنة 1242 هـ 4 ـ إكمال ألإصلاح وهو ترجمة لـ «إصلاح العمل» إلى الفارسية، وألأصل تأليف شيخه السيد المجاهد ، وقال فيه ما معناه : إن «إصلاح العمل» كان من فتاوى السيد ألأستاذ (المجاهد) ، ولم تكن له رسالة فارسية فأمرني بترجمته إلى الفارسية ، فإذا هو رسالة عملية 5 ـ مصباح طريق الإصلاح ، وهو مختصر من «إكمال ألإصلاح» لأنه كان كأصله ذا فروع غريبة ومسائل كثيرة فإختصره.

الشيخ محمد حسين القزويني الحائري:

كانت له اليد الطولى في الوعظ والخطابة ، وكان إلى جانب ذلك مشهورا بالإجتهاد والفضل وسداد الرأي ، له كتاب «نتائج البدائع في شرح

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 255

الشرائع» وكتاب «بدائع ألأصول في حجية الظن وألإستصحاب وألإجتهاد والتقليد» ورسائل في المنطق ، توفى في كربلاء سنة 1281 هـ ودفن بمقبرة ركن الدولة في الصحن الصغير لروضة سيدنا الحسين عليه السلام، وقد عده صاحب «أعيان الشيعة» من تلامذة الشيخ محمد حسن النجفي صاحب «جواهر الكلام» ،والسيد إبراهيم القزويني صاحب «الضوابط» ، والشيخ مرتضى ألأنصاري صاحب «الرسائل والمكاسب» ، وهو نجل علي الطالقاني القزويني.
وقد إشتهر بمواعظه الدينية وخطبه البليغة في تبيان مبادئ الدين وتعليماته والمسائل الشرعية ، وقلما كانت له قراءات في رثاء ألإمام الحسين عليه السلام وذكر مصابه الجلل.

الملا آقا الدربندي الحائري:

إشتهر بوصفه محبا ومتفانيا لسيدنا ألإمام الحسين عليه السلام ،وقد وصل صدقه وإخلاصه في العزاء لمصابه والبكاء لمظلوميته أنه عندما كان يقوم وهو جالس على المنبر بذكر مصاب الحسين يفقد سيطرته على نفسه ، فيلقي بعمامته على ألأرض ويمزق رداءه ، ثم يغمى عليه من فرط التأثر والحزن للحسين عليه السلام، وفي يوم عاشوراء من كل عام كان يلطخ جسمه ووجهه بالطين وينثر التراب والتبن على رأسه ، ويمشي في ألأزقة والشوارع على هذه الهيئة ، وآيات الحزن وألأسى والتفجع الشديد بادية عليه بكل وضوح.
وحينما مرض في كربلاء وإشتد به المرض إلى حد الموت ، أوصى بعض العلماء الذين زاروه وهو على فراش المرض: بأن لا يدفن جثمانه في أرض كربلاء، وعندما سألوه عن السر في ذلك ـ والعجب الشديد آخذ بهم بسبب أن كل مسلم شيعي مؤمن يتمنى من كل قلبه بأن يدفن في كربلاء ـ أجابهم بالقول إن أرض كربلاء قطعة من الجنة وأن كل من بدفن فيها يدخل الجنة مباشرة يوم القيامة ، وأنا لا أريد الدخول إلى الجنة مباشرة بل أريد قبل ذلك أن أقف أولا في صحراء المحشر لآرى بأم عيني كيف يساق ويجر قتلة ألإمام

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 256

الحسين عليه السلام إلى النار والجحيم ، وبذلك ينشرح صدري ويطمئن قلبي وترتاح نفسي.
توفى سنة 1286 هـ ودفن جثمانه في حجرة بصحن الروضة الحسينية الشريفة (الصحن الصغير متصلا بقبر السيد محمد مهدي نجل السيد علي الطباطبائي صاحب «الرياض»).
وذكره صاحب «أعيان الشيعة»بقوله: الملا آقا بن عابدين بن رمضان علي بن زاهد الشيرواني الدربندي المعروف بالفاضل الدربندي الحائري ، فقيه أصولي ، متكلم محقق، مدقق ، جامع المعقول والمنقول ، كثير الجدل معروف بذلك. . . وقال عنه أيضا: خرج من دربند (قرية في ضواحي طهران) إلى كربلاء لطلب العلم ، وناصب البابية أيام ظهورهم في كربلاء ، وحاولوا إغتياله في داره ، فدافع عن نفسه إلى أن هرب ، لكنه جرح جراحا بالغة في وجهه ، ثم خرج إلى طهران واقام فيها متقدما عند ناصر الدين شاه وعند الناس كافة ، وكان يعظ في طهران، ويرقى المنبر في عاشوراء ، ويذكر خبر مقتل الحسين عليه السلام ويبكي ويلطم على رأسه ويظهر أشد الجزع ، ويبكي الناس لبكائه.
درس على شريف العلماء المازندراني في كربلاء ، ومن مؤلفاته: 1 ـ الخزائن في ألأصول 2 ـ عناوين ألأدلة في ألأصول أيضا 3 ـ خزائن ألحكام وهو شرح لمنظومة بحر العلوم 4 ـ نواميس القواعد يشتمل على دراية الحديث والرجال وطبقات الرواة 5 ت كتاب في الدراية 6 ـ جوهر الصناعة في ألأسطرلاب 7 ـ الفن ألأعلى في ألإعتقادات 8 ـ فن التمرينات 9 ـ إكسير العبادات في أسرار الشهادات ، المشهور بأسرار الشهادة في واقعة الطف 10 ـ السعادة الناصرية ، فارسي ألفه لناصر الدين شاه 11 ـ جوهر ألإيقان ، كتاب مقتل فارسي.

الخطيب الشيخ محسن بن الشيخ محمد أبي الحب الحائري:

كان فاضلا ، أديبا ، بحاثة ن ثقة ، جليلا ، ومن عيون الحفاظ المشهورين

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 257

والخطباء البارعين ، له القوة الواسعة في الرثاء والوعظ والتاريخ وكان راثيا لآل رسول ألله صلى الله عليه وىله وسلم وشاعرا مجيدا وأديبا بليغا ولد سنة 1235 هـ ونشأ بعناية أبيه وتربيته وتحدر من أسرة تعرف بآل أبي الحب وتمت بنسبها إلى قبيلة خثعم ،وتدرج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم لاسيما مجالس الرثاء لأبي الشهداء الحسين بن علي عليهالسلام في كربلاء ، نظم الشعر واكثر من النوح والبكاء على الحسين وصوّر بطولة وإباء شهداء الطف تصويرا شعريا، لا يزال ألأدباء والشعراء يستعيدونه ويتذوقونه ، كتب عنه الشيخ السماوي في «الطليعة» فقال: محسم بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيبا ذاكرا بليغا منصرفا في فنون الكلام ، إذا إرتقى ألأعواد تنقل في المناسبات، وله ديوان كبير مخطوط كله في ألأئمة ، وقال عنه صاحب «معارف الرجال» : حضرت مجلس قراءته فلم أر أفصح منه لسانا ولا أبلغ منه أدبا وشعرا. . . الخ، توفى ليلة ألإثنين 20 ذي القعدة عام 1350 هـ ، ودفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد إبراهيم المجاب.
قال في الحسين:
فار تنور مقلتي فسالا فغطى السهل موجه والجبالا
وطفت فوقه سفينة وجدي تحمل الهم وألأسى أشكالا
عصفت في شراعها وهو نار عاصفات الضنا صبا شمالا
فهي تجري بمزبد غي ساج ترسل الحزن وألأسى إرسالا
فسمعت الضوضاء في كل فج كـل لحـن يهـيـّج ألأعــوالا
قلت ماذا عرى ـ أميم ـ فقالت جاء عائوراء وإستهل الهلالا
قلت ماذا علي فيه فقالت ويــك جـدد لحــزنه سربــالا
لا أرى كربلاء يسكنها اليوم سوى من يرى السرور محالا
سميت كربلاء كـي لا يروم الكـرب منها إلى سواهـا إرتحالا
فإتخذها للحزن دارا وإلا فإرتحل لا كفيت داء عضالا
من عذيري من معشر إتخذوا اللهو شعارا ولقبوه كمالا
سمعوا ناعي الحسين فقاموا مثل من للصلواة قاموا كسالا


تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 258

ايها الحزن لا عدمتك زدني حرقة فيمصابه وإشتعالا
لست ممن تراه يوما جزوعا تشتكي عينه البكاء ملالا
أنا والله لو طحنتُ عظامي وإتخذت العمى لعيني إكتحالا
ما كفاني وليس إلا شفائي هزة تجفل العدى إجفالا


الواعظ السيد حسين اليزدي الحائري:

إمتهن الوعظ والخطابة وبرع فيهما بكربلاء ،وإشتهر بعلمه وفضله ومصنفاته ، ترجمه العلامة العاملي في كتابه «أعيان الشيعة» فقال: السيد حسين بن مرتضى الحسني الحسيني اليزدي الطباطبائي الحائري الواعظ، توفى في 14 المحرم سنة 1307 هـ في كربلاء ، عالم فاضل واعظ له 1 ـ كتاب «الرق المنشور ولوامع الظهور في تفسير آية النور» ، مطبوع فرغ منه سنة 1291 هـ 2 ـ «أخبار ألأوائل»مطبوع ، وفي الذريعة (الذريعة إلى تصانيف الشيعة) : معه فهرست تصانيفه ، وهو يدل على أن له عدة تصانيف ، ولم يتيسر لنا ألإطلاع على فهرسها 3 ـ تنبيه الخواطر.

الواعظ الشيخ عبدالرحيم الترك:

خطيب واعظ من أهل المعرفة من علماء كربلاء في النصف ألأول من القرن الثالث عشر الهجري ، كان يعظ الناس ويرشدهم إلى مسائل وأحكام دينهم، ولذا كان يعرف بـ «المسألة گو» أي الشخص الذي يبين ويشرح المسائل الشرعية ، وكان المؤمنون وألأخيار من الناس يلتفون حوله ويصغون لمواعظه وقراءاته في مسائل واحكام الدين ، وكان صادقا في قوله وذكيا في فكره ومخضرما في تعبيراته وكان يقيم الجماعة في المسجد شتاءا وفي صحن الروضة الحسينية الشريفة صيفا ، ثم يرقى المنبر بعد الصلاة للوعظ والخطابة.
توفى في نيّف وعشرين وثلاثمائة وألف للهجرة ، وقام مقامه ولده الشيخ

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 259

حسن الترك ، فنهج درب والده ، إلا أن حياته لم تطل بل توفى شابا في سنة 1322 هـ .

الشيخ محمد علي الحائري الشهير بالهر:

ولد بكربلاء سنة 1248 هـ ، وتوفى فيها سنة 1329 هـ ، كان واعظا ومرشدا إسلاميا قديرا ، درس على أبيه الشيخ قاسم بن محمد علي الهر وعمه الشيخ صادق الهر، إمتهن الخطابة والوعظ وبدأهما في صحن الروضة الحسينية الشريفة ، وكان ذا صوت جهوري أخّاذ ، وإلى جانب الخطابة والرثاء للحسين ، تألق في الشعر وألأدب ، فله قصائد في شتى ألأغراض وبألأخص مديح بعض ألأسر العلمية وألإجتماعية المعروفة بكربلاء في حينه كالسادة آل الرشدي وآل كمونة ، ذاع صيته إلى أبعد من مدينته كربلاء ، فإنهالت عليه الدعوات للقيام بالوعظ ، وذكر مصاب الحسين عليه السلام في بعض المدن الجنوبية في العراق وإيران.
وهو ينتمي لبيت علم وأدب ، تخرج منه عدد من أهل الفضل والمعرفة فجده ألأكبر الشيخ أحمد بن عيسى الهر الحائري كان عالما فاضلا ، وهو أول من رحل ن أسرته إلى كربلاء وإستوطنها في أوائل القرن الثاني عشر الهجري.

الخطيب الشيخ مهدي الخاموش:

ولد بكربلاء حدود سنة 1260 هـ ، وتوفى بها سنة 1332 هـ ، برع في الخطابة وإشتهر بحسن التعبير وجميل ألأسلوب ،وإلى جانب براعته ومقدرته في الخطابة فقد كان شاعرا مجيدا ، وأكثر شعره في مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام) ، وأعظم حسنة له أن تخرج على يده السيد جواد الهندي خطيب كربلاء الذائع الصيت ، عمّر حتى تجاوز السبعين من العمر ، وشهرته «الخاموش» هي كلمة فارسية تعني الصمت وخفوت الصوت ، ومن قصائده

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 260

المشهورة قصيدته في ألإمام الحسين عليه السلام ، وفي ىخرها يصف ندبة عيال الحسين على مصارع القتلى:
تناديه مذ ألفته في الطف عاريـا بأهلي مرضوض القـرى والجوانب
فمن لليتامى يابن أم وللنسا إذا طوحت فيها حداة الركائب


الخطيب السيد جواد الهندي:

السيد جواد بن السيد محمد علي الحسيني ألأصفهاني الحائري الشهير بالهندي ، ولد سنة 1270 هـ وتوفي بعد مجيئه من الحج في كربلاء سنة 1333 هـ ودفن فيها، كان من مشاهير الخطباء طلق اللسان أديبا شاعرا، نشأ وترعرع في ظل أسرة علوية تنتسب للإمام الحسين بن علي بنأبي طالب عليه السلام ، بدأ تحصيله العلمي بدراسة الفقه على العالم الكبير الشيخ زين العابدين المازندراني الحائري وغيره من علماء عصره ، وحينما وجد في نفسه الكفاءة في الخطابة تخصص بها وأعانه صوته الجهوري وجودة ألإلقاء، وقد حاز قصب السبق بطول الباع وسعة ألإطلاع في التفسير والحديث وألأدب واللغة وألأخلاق والتاريخ إلى غير ذلك ، وسبب إشتهاره بالهندي لسمرة في لونه أو لأنه ينحدر من سلالة كانت تسكن الهند وكان يجيد الخطابة باللغتين العربية والفارسية ، ذكره السيد محسن أمين العاملي في «أعيان الشيعة» وقال: رأيته في كربلاء وحضرت مجالسه وجاء إلى دمشق ونحن فيها في طريقه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ، وأشاد به الخطيب المرحوم الشيخ محمد علي قسام ـ وهو أستاذ فن الخطابة ـ قال: كانت له المقدرة التامة على جلب القلوب وإثارة العواطف ، وإنتباه السامعين سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء ،فلا يكاد يملك السامع دمعته ، وكان يصور الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها رأي العين ، وقال عنه الخطيب اليعقوبي: وما رأيت ولا سمعت أحدا من الخطباء أملك منه لعنان الفنون المنبرية على كثرة ما رأيت منهم وسمعت، وتوفى وعمره يربو على الستين بقليل وأعقب ولدا هو السيد كاظم بن السيد جواد المتوفى سنة 1349 هـ وكان من خطباء المنبر الحسيني المعروفين في كربلاء.

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 261

وللسيد جواد الهندي ديوان شعر يحوي لجميع أنواع الشعر وخير ما فيه رثاؤه لأهل البيت ، ومن أشعاره في الحسين الشهيد:
رحلتم وما بيننا موعد وإثركم قلبي المكمد
وبت بداري غريب الديار فلا مونس لي ولا مسعد
وفارق طرفي طيب الرقاد وفي سهده يشهد المرقد
أعلله نظرة في النجوم وشهب النجوم له تشهد
أقوم إشتياقا لكم تارة وأخرى على بعدكم أقعد
بكفي أكفكف دمعي الغزير فيرسله طرفي ألأرمد
يطارح بالنوح ورق الحمام بتذكاركم قلبي المنشد
وما كان ينشد من قبلكم فقيدا فلا والذي يعبد
سوى من بقلبي له مضجع ومن بالطفوف له مشهد
ومن رزؤه ملأ الخافقين وإن نفذ الدهر لا ينفد
فمن يسأل الطف عن حاله يقص عليه ولا يجحد
بأن الحسين وفتيانه ظمايا بأكنافه إستشهدوا
أبا حسن يا قوام الوجود ويا من به الرسل قد سددوا
دريت وأنت نزيل الغري وفوق السما قطبها ألأمجد
بأن بنيك برغـم العلى على خطة الخسف قـد بددوا
مضوا بشبا ماضيات السيوف وما مُدَّ للذل منهم يد

وله ايضا مرثية شعرية مطولة منها هذه ألأبيات:
ومصاب أبكى الأنام حقيق فيه شق ألأكباد لا ألأبراد
وقتيل بالسيف ملقىً ثلاثا عافر الجسم في الربى والوهاد
لست أنساه إذ أتته جنود قد دعاها لحربه إبن زياد
فغدا يحصد الرؤوس ويؤتي سيفه حقه بيوم حصاد
كاد أن يهلك البرية لولا إن دعاه ألإله في خير نادي
بأبي ثاويا طريحا جريحا فوق أشلائه تجول العوادي


السابق السابق الفهرس التالي التالي