تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 34

تنحط فتخضع لدول الطوائف وطورا تُعمر متقدمة بعض التقدم ، إلى أن دخلت في حوزة الدولة العثمانية ، سنة 914 هـ ، وأخذت تتنفس الصعداء مما اصابها من نكبات الزمان وحوادث الدهر التي كادت تقضي عليها وبقيت وهي مطوئنة البال مدة طويلة تزيد على ثلاثة قرون ، ولم تر في خلالها ما يكدر صفو سكانها ، حتى إذا جاءت سنة 1216 هجرية ، جهز ألأمير سعود الوهابي جيشا عرمرما مؤلفا من عشرين ألف مقاتل وهجم بهم على مدينة كربلاء، وكانت على غاية من الشهرة والفخامة يرتادها زوار الفرس ، والترك ، والعرب ، فدخل سعود المدينة بعد أن ضيق عليها وقاتل حاميتها وسكانها قتالا شديدا وكان سور المدينة مركبا من أفلاك نخيل مرصوص خلف حائط من طين ، وقد إرتكبت الجيوش فيها من الفضائع ما لا يوصف ، حتى قيل انه قتل في ليلة واحدة عشرين ألف نسمة ، وبعد ان أتم ألأمير سعود مهمته الحربية إلتفت نحو خزائن القبر وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شيء نفيس، فأخذ كل ما وجد فيها، وقيل أنه فتح كنزا كان فيه جمة جمعت من الزوار ، وكان من جملة ماأخذه لؤلؤة كبيرة ، وعشرون سيفا محلاة جميعها بالذهب مرصعة بألأحجار الكريمة ، وأوان ذهبية وفضية ، وفيروز وألماس، وغيرها من الذخائر النفيسة الجليلة القدر ، وقيلك أن من جملة ما نهبه سعود، أثاثات الروضة وفرشها ، منها اربعة آلاف شال كشميري ، والفا سيف من الفضة وكثيرة من البنادق، وقد صارت كربلاء بعد هذه الواقعة في حالة يرثى لها ، وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجى بنفسه فأصلح بعض خرابها ، وأعاد إليها العمران رويدا رويدا ، وقد زارها في اوائل القرن التاسع عشر (الميلادي) ، احد ملوك الهند ، فأشفق على حالتها وبنى فيها أسواقا حسنة وبيوتا قوراء، أسكنها بعض من نكبوا ، وبنى للبلدة سورا حصينا ، لصد هجمات ألأعداء ، وأقام حوله ألأبراج والمعاقل، ونصب له آلات الدفاع على الطراز القديم ، وصارت على من يهاجمها أمنع من عقاب الجو فأمنت على نفسها وعاد إليها بعض الرقي والتقدم.
والجدير بالذكر أن العلماء ألإماميين الشيعة في كربلاء كانوا مستهدفين

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 35

من الغارة الوهابية بعد الحضرة الحسينية والحضرة العباسية ، اللتين تعرضتا للنهب والسلب / والحرق والتدنيس من جانب عساكر الوهابيين، وفي هذا الوقت كانت الرئاسة العلمية وشؤون الفتيا في حوزة كربلاء من نصيب العالم والفقيه الجليل المرحوم المير السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض ، والذي بحث عنه الوهابيين ليقتلوه ، لكنه نجى بإعجوبة من محاولتهم للقضاء على حياته.
وبهذا الصدد جاء في كتاب «بهجة ألآمال في شرح زبدة المقال» للعالم الرجالي «المولى علي العلياري التبريزي» المتوفى في سنة 1326 هـ ، ما نصه ألآتي: وقد توجه غالب أهل البلد إلى مخصوصة أمير المؤمنين عليه صلوات رب العالمين ، ( زيارة مرقد ألإمام علي في يوم الغدير) ، ومن عجيب ألأتفاق في تلك الواقعة العظيمة ايضا بالنسبة إلى سيدنا صاحب الترجمة عليه الرحمة (السيد علي الطباطبائي) وهو أنه لما وقف على قصدهم الهجوم على داره بعزيمة قتله وقتل عياله ونهب أمواله ، فأرسل بحسب ألإمكان أهاليه وأمواله في الخفاء عنهم إلى مواضع مأمونة ، وبقي هو وحده مع طفل رضيع لم يذهبوه معهم ، فحمل ذلك الطفل معه، وأرتقى إلى زاوية من بوتاتها الفوقانية معدة لخزن الحطب والوقد وأمثاله فيها ليختفي عن عيونهم، فلما وردوا وجعلوا يجوسون خلال حجرات الدار في طلبه وينادون من كل جهة منها بقولهم : أين مير علي ، ثم عمدوا إلى تلك الزاوية ، أخذ هو (رحمة ألله عليه) ذلك الطفل على صدره متوكلا على ألله في جميع أمره، ودخل تحت ظرف كان هناك من جملة ضروريات البيت، فلما صعدوا إلى تلك الزاوية ورأوا فيها حزمة من الحطب موضوعة في ناحية منها اعمى الله ابصارهم عن مشاهدة تحت تلك الظرف، وتخيلوا في ان جناب السيد لهله فوق ذلك الظرف إلى أن تمت ، ويئس الذين كفروا من دينهم فانقلبوا خائبين وخاسرين. وخرج السيد الرحوم شاكرا ألله على انه كيف سكن ذلك الطفل الصغير الرضيع من الفزع وألأنين ، وأخمد منه التنفس والحنين ، ومكروا ومكر ألله والله خير الماكرين، وهو خير الحافظين وارحم الراحمين.

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 36


ثم إن أولئك الفجرة الفسقة ، لما فعلوا ما فعلوا وقتلوا ما قتلوا ، ونهبوا ما نهبوا ، وهدموا اركان الدين المبين، وهتكوا حرمة إبن بنت رسول ألله ألأمين ، بحيث ربطوا الدواب الكثيرة في الصحن المطهر، وأخذوا جميع ما كان من النفايس في الحرم الشريف ، بل قلعوا الضريح والصندوق المنيف، ووضعوا هاون القهوة فوق رأس الحضرة المقدسة على وجه التخفيف ، ودقوها وطبخوها وشربوها وسقوها كل فاسق غير عفيف، ولم يتركوا حرمة إلا هتكوها ، ولا شقاوة إلا ختموها ، ولا عداوة إلا أتموها ، فخافوا على أنفسهم الخبيثة ن سوء عاقبة هذه ألطوار ، ومن هجوم رجال الحق عليهم بعد ذلك من ألأقطار ، فاختاروا الفرار على القرار، ولم يلبثوا في البلد إلا بقية ذلك النهار، «يريدون أن يطفؤوا نور ألله بأفواههم وألله متم نوره ولو كره الكافرون»، «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
ومن بين الذين قتلوا بيد المهاجمين الوهابيين في الحائر الشريف ، السيد عبدالصمد الهمداني الكربلائي ، من مشاهير علماء الشيعة في اواخر القرن الثاني عشر ، وأوائل القرن الثالث عشر الهجري، كان عالما تقيا ضليعا بالفقه وألأصول، والحكمة والفلسفة ، واللغة ، ترجمة العلامة ألأميني في كتابه «شهداء دروب الفضيلة» بقوله: كان من حملة راية العلم فقيها محققا، ومحدثا حكيما ، محيطا باللغة العربية ، وملما بفروع العلم ، سليم النفس، حسن السلوك، زاهدا ورعا، قتل ظلما في كربلاء على أثر هجمة الوهابيين في يوم الغدير عام 1216 هـ ، وذكره صاحب «أعيان الشيعة» ـ العلامة السيد محسن ألأمينـ فقال: السيد عبدالصمد الحسيني الهمداني الحائري من أحفاد المير السيد عليا دفين همدان ، إستشهد بيد الوهابيين يوم 18 ذي الحجة سنة 1216 هـ ، كان تلميذ البهبهاني (العلامة محمد باقر الوحيد البهبهاني) ، له مؤلف في الفقه ألإستدلالي مبسوط مع مستطردات ومستطرقات، وله كتاب بحر المعارف في العرفان والتصوف ـ فارسي وعربي ـ طبع في بمبئي وتبريز، قتله الوهابيون عند أخذهم كربلاء سنة 1216 هـ فيمن قتلوا ، وهو أحد العلماء العرفاء المشاهير ، اخذ في كربلاء عن صاحب

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 37

«الرياض» ، وإتصل بعد إقامته في العراق اربعين سنة بنور علي شاه العارف ألأصفهاني واخذ الطريقة عنه وأصبح من جملة مريديه، فانصرف إلى رياضة النفس ومجاهدتها ، وأذن له بقاء الحاج محمد حسين ألصفهاني ، ثم عاد إلى كربلاء مؤثرا المجاورة فيها فقتله الوهابيون.
وبقى في ذيول غارة الوهابيين على كربلاء لكي نعرف رأي «الحلواني» الذي جاء في كتابه المسمى «خمسة وخمسون عاما من تارخ العراق» ، فقد قال ما نصه: غزا سعود بن عبدالعزيز الوهابي العراق، وحاصر كربلاء واخذها بالسيف عنوة ، وغنم جميع ما كان في مشهد الحسين عليه السلام من الذهب والجواهر التي أهدتها الملوك والشيعة إلى ذالك المقام المقدس ، وقتل اهلها قتلا ذريعا، إستباحها ، ونهب من المال والذهب والفضة ما لا يتصوره العقل ، وبه تقوى ،وإستعد لملك الحرمين ، ثم رجع إلى «عارضه» متبجحا بما صدر من عسكره ، ويقول: لو لم نكن على الحق لما إنتصرنا، وما علم أن ذلك إستدراج وأنه على الباغي تدور الدوائر ، وأنه من قال: «لا إله إلا ألله» فقد حقن دمه وماله ، ولكن الهوى إذا إستولى أعمى البصائر ، وبأموال كربلاء إستفحل أمر إبن سعود ، وطمع في ملك الحرمين وشرع في محاصرة المدينة المنورة ، فصار في امره ما سيأتيك بيانه . . . إلخ.
واورد عثمان بن عبدالله بن بشر الحنبلي في كتابه «المجد في أحوال نجد» شرحا مقضبا للمصير الذي لقيه إبن سعود بعد أقل من عامين من تاريخ هجمته على كربلاء ، فقال بالحرف الواحد: في سنة 1218 هـ قتل سعود بن عبدالعزيز بن محمد السعود في مسجد الطريق (المعروف في الدرعية) ، وهو ساجد في اثناء صلاة العصر، مضى عليه رجل قيل انه كردي من أهل العمادية (بلدة قرب الموصل في شمال العراق) إسمه عثمان على هيئة درويش ، وقيل انه رافضي (شيعي) خبيث من أهل بلد الحسين «كربلاء» خرج من وطنه لهذا القصد ، وألله العالم.

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 38

الحركة العلمية في كربلاء على مر القرون:

قلنا أنه بالرغم من كل النكبات والويلات التي حلت ببلد الحسين عليه السلام ،وأهالي كربلاء في فترات زمنية كختلفة ، فإن الحركة العلمية بهذه المدينة المقدسة إستمرت وتقدمت أشواطا إلى ألأمام ، ذلك أن أسباب تعكير صفو ألأمن وألإخلال بأجواء الطمأنينة والهدوء فيها خلال فترة ما بعد حكم الخليفة العباسي «المتوكل» ، كانت وقتية تزول بسرعة أو بعد حين، نظرا لتواجد العشائر المؤمنة وبعض القوى الرسمية والشعبية التي كانت تهرع لنجدة كربلاء وأهلها ، ورد كيد العدا عنها بالسرعة الممكنة ، وكذا تفادي كل ما كان يحل بها من خراب وإضطراب في ألمن ، وهو أمر مختلف تماما عما كتمن الحالة عليه في العهد ألأموي ، حيث كان نظام الحكم نفسه متورطا في قتل سبط رسول ألله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي خلق واقعة كربلاء المفجعة ، ولهذا كان يحاول بشتى الوسائل وألإمكانيات المتاحة له ألإجهاض على أية مضاعفات تنشأ عن هذه الواقعة، واية دلالات لها أو معالم تشير إليها ، أو تلك التي تبقيها حية متفاعلة في الخواطر وألأذهان ، وهكذا كان الحال في العهد العباسي الذي كان على خلاف مبدئي مع العلويين وأئمتهم ، والذي كان يتوجس الخطر والتهديد من جانبهم خوفا من ضياع السلطة من أيدي العباسيين ، ولذا كان هذا الحكم بدوره يكافح أية ظاهرة أوإتجاه يمنح للعلويين شرعيتهم واحقيتهم بتولي مقاليد حكم المسلمين ، خاصة وأن العلويين مهدوا السبيل بدورهم الحيوي والحاسم جدا في إسقاط نظام حكم خلفاء بني أمية ، وهيأوا الفرصة المناسبة أمام بني العباس للإستيلاء على السلطةفي بلاد ألإسلام ، ثم تفردوا بها وحرموا العلويين وعلى رأسهم أئمة الشيعة من أي نصيب فيها.
ولكن يستثنى من الخلفاء العباسيين بعض المتأخرين منهم، بينهم على سبيل المثال: الخليفة أبو جعفر المنصور الملقب بالراشد بألله إبن المسترشد العباسي ، والذي في عهده مضى خلق كثير لا حصر ولا عد لهم ، إلى زيارة قبر الحسين عليه السلام في كربلاء ، وكان ذلك في عام 529 هـ ، وعلى عهده أيضا

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 39

بزغ نجم التشيع من جديد ، وكذا الخليفة المقتفي لأمر ألله العباسي الذي توجه في ربيع الثاني سنة 553 هـ ، قاصدا زيارة قبر الحسين عليه السلام في كربلاء، وتصدق بمبالغ طائلة للفقراء العلويين الساكنين بجوار قبره الشريف ، وذلكإيفاءً منه لنذر كان قد نذره في مرضه، والخليفة أبو جعفر المنصور، الملقب بالمستنصر بالله بن الظاهر بأمر الله العباسي ، فقد بعث في سنة 634 هـ بثلاثة آلاف دينار من الذهب إلى نقيب الطالبيين في بغداد أبي عبدالله الحسين الأقساسي ، ليفرقها على السادة العلويين الساكنين في كربلاء، وكان المستنصر بالله مكرما للعلماء ، مهتما بإنشاء المدارس والجوامع، والخانات للسابلة في طريق المشاهد المقدسة.
وتأسيسا على ذلك ، ظلت الساحة العلمية في كربلاء محتفظة برموزها وبألأسماء اللامعة التي اضاءت آفاق العلم والفضيلة والمعرفة فيها ، أمثال أولئك الذين أوجدوا لكربلاء بمعطياتهم العلمية السخية ، تراثا زاخرا وغنيا يعتبر اليوم كنزا من كنوز الثقافة الإسلامية العريقة.
ففي القرن الخامس الهجري ، لمع إسم الشيخ هشام بن الياس الحائري، كان عالما فاضلا صالحا ، له كتاب «المسائل الحائرية» ، يروي عن الشيخ أبي علي الطوسي ، قال فيه صاحب «رياض العلماء» : جاء في بعض ألإجازات ، ان إسمه الياس بن هشام الحائري، فلعل المراد إبنه أيضا، كذا أفادنا احد تلامذة الشيخ المعاصر في «أمل ألآمل»، وفي ذلك قال أحد تلامذة الشيخ علي الكركي في رسالته المعمولة في ذكر أسامي مشايخ أصحابنا، ومنهم الشيخ هشام بن الياس الحائري، وهو صاحب «المسائل الحائرية» وهو تلميذ أبي علي بن الشيخ الطوسي توفى في حدود سنة 490 هـ ودفن في الحائر الحسيني.
ومن أبرز أعلام كربلاء في هذا القرن ، عماد الدين محمد بن علي بن حمزة الطوسي المكنى بأبي الحمزة ، من تلامذة شيخ الطائفة ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، قال صاحب «منتخب التواريخ»: لم يعرف تاريخ ولادته ولا وفاته بالضبط ، كان من أعلام الإمامية في القرن الخامس الهجري،

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 40

دفن في كربلاء في وادي ألأيمن بالقرب من باب الطويريج، له مزار يزار يعرف بابن الحمزة ، له تصانيف منها: كتاب «الوسيلة»في مسائل الفقه، وكتاب «المثاقب والمناقب»، وفي كتاب «أمل ألآمل» جاء ذكره بما يلي: الشيخ ألإمام عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدي/ فقيه ، عالم ، واعظ ، له تصانيف منها : «الوسيلة» و «الوساطة» و «الرايع في الشرايع» و «مسائل في الفقه».
ومن أعلام الدين والفضيلة بكربلاء في القرن السادس الهجري، الشريف ابو جعفر احمد بن إبراهيم العلوي الموسوي النقيب بالحائر على ساكنه السلام، وقد ترجمه صاحب «أعيان الشيعة»فأثنى عليه وأطرى بعلمه وفضله.
وأما في القرن السابع الهجري ، فقد برز على الساحة العلمية الدينية في كربلاء ، علماء اجلاء تبوؤوا مكانة مرموقة في دنيا الفقه ، والحديث، والتفسير مثل: العالم والمحدث الجليل ، السيد فخار بن معد بن فخار الموسوي الحائري، من سلالة السيد إبراهيم المجاب ، حفيد ألإمام موسى بن جعفر عليهالسلام وكان أحد الأعلام الأفذاذ في كربلاء ، توفي سنة 630 هـ ودفن في الحائر الحسيني، كان عالما ، اديبا ومحدثا ، له تصانيف منها : كتاب «الرد على الذاهب إلى تكفير أبي طالب» وفيه دحض آراء من ذهبوا إلى تكفير أبي طالب ، مبرهنا على ان أبا طالب قد رحل عن هذه الدنيا وهو يؤمن بالإسلام إيمانا لا شائبة فيه، يروي عنه المحقق، وإبن إدريس الحلي، وشاذان بن جبرائيل القمي، وغيرهم من أعلام الإمامية ، وقال فيه تاج الدين بن زهرة الحسيني في كتابه «غاية ألإختصار في البيوتات العلوية المحفوظة من الغبار» : وبيت فخار في الحلة ومنهم شمس الدين النسابة السيد الفاضل الدين الفقيه ، ألأديب ، الشاعر، المؤرخ، كان سيدا جليلا ، فقيها ، نبيلا، نسابة ، عالما بألأصول والفروع، متورعا دينا، مؤرخا ، صادقا ، أمينا . . . إلخ.
وفي القرن الثامن الهجري ، كانت كربلاء تزخر بجيل من العلماء ألأعلام يأتي في مقدمتهم: ـ

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 41


ـ الشيخ علي بن الخازن الحائري، أستاذ الشيخ أحمد بن فهد الحلي المعروف ، وكان على قدر كبير من العلم والورع والتقوى ، إلى جانب تبحره في ألأدب ، وعلم الفصاحة وألإنشاء ، وكان محترما ومبجلا لدى العام والخاص.
ـ الشيخ علي بن الحسن الحائري، عالم وفقيه محقق ، صاحب رأي ونظر، إشتهر بتعاليقه الكثيرة منها: تعليقه على كتاب «منهاج الوصول إلى علم الأصول» للقاضي البيضاني، وتعليقه على «تهذيب الوصول» للعلامة الحلي.
ـ السيد جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن احمد الموسوي، عالم فاضل، ترجمه الشيخ الحر العاملي في كتابه«أمل ألآمل» ، والسيد محسن العاملي في كتابه «أعيان الشيعة» ، كما ترجمه عدد آخر من النُساب واصحاب التراجم وكتب السير.
ـ عز الدين الحسيني العبدلي الحائري، ترجمه إبن الفوطي في كتابه «تلخيص مجمع ألآداب في معجم ألألقاب» فقال: عز الدين أبو عبدالله الحسين بن سعد الدين بن حمزة بن سعد الدين بن أبي السعادات الحسيني العبدلي من سكان المشهد الحائري على حاله أفضل السلام والتحية.
ـ الشيخ أبو طالب إبراهيم بن سيفي بن إبراهيم بن علي بن دريد الحائري ، كان من أبرز وأشهر العلماء والمحققين في عصره ، لقب بفخر المحققين.
ـ الشيخ علي بن عبدالجليل الحائري، من مشايخ علي بن الحسن الحائري ، الذي درس عنده كتاب«تهذيب الوصول إلى علم ألأصول» للعلامة الحلي.
ـ السيد عميد الدين عبدالمطلب بن السيد مجد الدين أبو الفوارس، كان عالما ، فاضلا ، وشاعرا مجيدا، وهو من سلالة الحسين ألأصغر إبن الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان مولده في ليلة النصف من شعبان سنة

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 42

681 هـ بالحلة، ووفاته في ليلة ألإثنين العاشر من شهر شعبان سنة 754 هـ ببغداد، ونقل جثمانه إلى النجف ألأشرف، وكان الباعث لشهرته هو تدريسه في الحائر الحسيني، وملازمته للروضة الحسينية المقدسة ، وإحتكاكه بالوافدين من المسلمين المحبين لأهل البيت عليهم السلام ، الذين كانوا يقصدون هذه العبة المقدسة ، ويحضرون مجلسه ويتلقفون منه الدروس في العلوم العقلية والنقلية ، قال فيه صاحب «أمل ألآمل» : جاء في بعض ألإجازات المعتبرة عند مشايخنا ألإمامية : إن السيد عميد الدين عبدالمطلب كان حلّي المولد حائري المحتد، وقال فيه صاحب «روضات الجنات» : كان اليد عميد الدين عبدالمطلب من أجلة الثقاة ومشايخ الروايات، قاصده محققا أصوليا ماهرا ، مجتهدا كابرا، حسن التصرف والتصنيف ، وكفاه فخرا، ما قال عنه شيخنا الشهيد ألأول (محمد بن الشيخ جمال الملة مكي بن شمس الدين محمد الدمشقي) ، الذي عليه منا المرجع والمعول، في إجازاته: درة الفخر ، وفريدة الدهر، مولانا ألإمام الرباني عميد الدين عبدالمطلب ، وأثنى عليه وبالغ فيه ، يروي عنه السيد حسن بن ايوب الشهير بابن نجم ألأطراوي العاملي، والشيخ عبدالحميد النيلي، وولده السيد جمال الدين أبي طالب محمد ، والشيخ زين الدين علي بن الحسين ألأسترابادي ، والسيد تاج الدين بن معية الديباجي، وله جملة تصانيف أكثرها شروح وتعاليق على كتب خاله العلامة الحلي.
ومن دلائل إزدهار النهضة العلمية في كربلاء خلال القرن الثامن الهجري ، ما ذكره الرحالة الشهير إبن بطوطة الذي زار هذه المدينة سنة 726 للهجرة ، فنوّه بوجود مدرسة عظيمة وزاوية كريمة فيها الطعام للوارد والصادر ، فالمدرسة العظيمة التي اشار إليها ، هي جامع إبن شاهين الملاصق لأبنية الروضة الحسينية الشريفة ، وكانت أعداد متزايدة من طلاب العلم والفضيلة ترتاد هذا الجامع للإغتراف من معين الفكر ألإسلامي ومناهل الفقه الشيعي الجعفري ، بقدر ما يُشفي غليل كل طالب علم جاد، وأما الزاوية التي قصدها إبن بطوطة في كربلاء فهي دار السيادة التي أقامها

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 43

السلطان محمود غازان خان ، وجعلها وقفا على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل.
وفي منصف القرن التاسع الهجري ، عادت الموجة الفكرية والنشاط العلمي المكثف إلى ساحة كربلاء ، وذلك بعد ما كانت قد إنتقلت إلى النجف ألأشرف في أمواخر القرن الثامن وبداية القرن التاسع، بسبب إنتقال عدد لا بأس به من علماء كربلاء ألأجلاء آنذاك إلى مدينة النجف حيث اسهموا بدورهم في بعث وتنشيط الحركة العلمية بها، ألأمر الذي خلق لها مركزية علمية تبزُّ مكانة كربلاء العلمية.
وكان مردُّ عودة النشاط العلمي الدؤوب إلى كربلاء من جديد، هو إنتقال الزعيم الديني الكبير الشيخ أحمد بن فهد الحلي ألأسدي إليها، وكان من أشهر فقهاء ومحدثي الشيعة في القرن الثامن والتاسع الهجري، وقد إزدهرت الحركة العلمية في كربلاء على عهده ، حيث كانت حلقات درسه، وأبحاثه وتقريراته ، مليئة وعامرا بكبار العلماء وأبنه الطلبة والتلاميذ المتفوقين.
وفي هذا القرن ، أي القرن التاسع ، برز على ساحة العلم في كربلاء علماء وفقهاء أمثال: الشيخ إبراهيم الكفعمي، الذي قال بحقه صاحب «تنقيح المقال» ـ الشيخ عبدالله المامقاني المتوفى سنة 1351 هـ : هو من مشاهير الفضلاء ،والمحدثين ،والصلحاء ، والمتورعين، وكان بين زماني الشهيدين رحمة ألله عليهما ، وذكره الشيخ الحر العاملي في «أمل ألآمل» قائلا: كان ثقة ، فاضلا ، أديبا، شارعرا، عابدا، زاهدا، ورعا، له كتب منها: المصباح ، وهو «الجنة الواقية والجتة الثمانية» وهو كبير كثير افوائد ، تاريخ تصنيفه سنة 895 هـ ، وله مختصر منه لطيف، وله كتاب البلد ألأمين في العبادات أيضا أكبر من المصباح وفيه شرح الصحيفة ، وله «كتاب لمع البرق في معرفة الفرق» ، وله شعر كثير ورسائل متعددة ، وقال فيه صاحب روضات الجنات : هو العالم ، العادل ، الورع، ألأمين، والثقة ألأديب، الماهر المتفنن، وذكره الحاج محمد هاشم الخراساني في «منتخب التواريخ» بقوله:

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 44

الشيخ إبراهيم بن علي بن حسن العاملي الكفعمي صاحب كتاب البلد ألأمين ،والمصباح ، وغيرهما ، تاريخ ولادته مجهول ووفاته سنة 895 هـ. ويقول عنه صاحب «أعيان الشيعة» قد سكنكربلاء ، وعمل لنفسه أزجا بها بأرض تسمى عقيرا، وأوصى أن يدفن فيه ، وكان كثير التصانيف إذ بلغ عدد كتبه 48 كتابا، أشهرها كتاب «المصباح» ، كما له رسائل وحواشي على بعض الكتب، وكان واسع ألإطلاع ، طويل الباع في ألأدب ، سريع البديهة في الشعر والنثر، ومتيما ومغرما بآل بيت رسول ألله صلى الله عليه وآله وسلم، وله قصيدة يوصي أهله فيها بأن يدفنونه في كربلاء بأرض تسمى عقيرا، يقول في مطلعها:
سألتكم بألله أن تدفنوني إذا مت في قبر بأرض عقير
فإني به جار الشهيد بكربلاء سليل رسول ألله خير مجير
فإني به في حفرتي غيرخائف بلا مرية من منكر ونكير
آمنت بـه في موقفي وقيامتي إذا الناس خـافوا من لظى وسعير
فإني رأيت العرب يحمى نزيلها ويمنه من أن يصاب بضير
فكيف بسبط المصطفى أن يزود من بحائره ثاو بغير نصير
وعار على حامي الحمى وهو في الحمى إذا ضل في البيدا عقال بعير

وله أيضا قصيدة غراء في مديح ألإمام علي عليه السلام ، ووصف يوم الغدير يبلغ عدد أبياتها مائة وتسعين بيتا ، كما له ارجوزة بمائة وثلاثين بيتا بشأن ألأيام التي يستحب فيها الصوم ، توفي الشيخ الكفعمي في كربلاء سنة 900 هـ ، ودفن في وادي أيمن وكان قبره ظاهرا . والكفعمي نسبة إلى قرية «كفعم» من قرى جبل عامل في الجنوب اللبناني.
كما برز في القرن التاسع على ساحة العلم بكربلاء ، السيد عز الدين حسين بن مساعد الحائري ، كان عالما متبحرا ، وأديبا مبرزا ، ومحققا قوي الحجة ، واسع ألإطلاع/ ورعا ، تقيا، إشتهر بمعرفته الدقيقة في ألأنساب، حيث عمل عدة مشجرات بخط يده للعديد من ألأسر العلوية القديمة في كربلاء ، وترك آثارا مصنفة منها : كتابه «تحفة ألأبرار في مناقب أبي ألأئمة

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 45

ألأطهار» وهو من سلالة علوية قديمة في كربلاء تُعرف بـ (آل طوغان) الحسينيين، وعلى ذكر آل طوغان، فقد جاء كتاب «مدينة الحسين» لمؤلفه محمد حسن الكليدار آل طعمة: وآل طوغان المخزوميين الحسينيين، منهم العالم الفاضل النسابة حسين بن مساعد العيسوي الطوغاني الحسيني، من سلالة عيسى بن زيد الشهيد حفي ألإمام السجاد عليه السلام، وبإسمهم سميت محلة (آل عيسى) في كربلاء ، توفى سنة 910 هـ . وكان إلى جانب عمله ومعرفته الواسعة بألأنساب، شاعرا سريع الدبيهة ، جميل ألأسلوب، له قصائد في مديح أهل بيت رسول ألله ، ورثاء ألإمام الحسين عليه السلام ، منها هذه الأبيات الشعرية:
مصاب رسول ألله في آله ألألى تقاصر زيد عن علاهم كذا عمرو
أئمة هذا الخلق بعد نبيهم بناة العُلى قد طاب من ذكرهم ذكر
هم التين والزيتون هم شافعوا الورى هم السادة ألأطهــار والشفع والوتر
هم مهبط الوحي الشريف وهم غدا سقــاة الزلال العذب من ضمه الحشر

وفي الحقيقة أن حياة هذا العالم ، وألأديب الشاعر، كانت حافلة بالمآثر وألأعمال والنشاطات الخيرة من أجل دفع مسيرة العلم والمعرفة إلى ألأمام ، وقد تطرق لترجمته العديد من رجالات المعاجم والسير.
ومن أبرز العلماء في كربلاء إبن القرن العاشر الهجري : السيد ولي الحسيني الحائري ، ترجمه الشيخ محمد علي التبريزي مؤلف كتاب «ريحانة ألأدب» فقال : السيد ولي بن السيد نعمة ألله الحسيني الرضوي الحائري عالم ، محدث ، صالح وهو من ألإمامية المتأخرين ، وذكره صاحب «أمل ألآمل» بقوله : كان عالما ، فاضلا، صالحا، مُحّثا، وقال عنه الشيخ آغابزرك الطهراني في كتابه «أحياء الدائر في مآثر القرن العاشر» ما يلي: السد ولي بن السيد نعمة ألله الحسيني الرضوي الحائري صاحب كتاب «كنز الطالب» فرغ منه سنة 981 هـ ، وله أيضا «مجمع البحرين» و«منهاج الحق» و «تحفة الملوك» المصرح فيه بأنه مجاور الحائر ، نسخة منه عند

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 46

المولى حسن يوسف بكربلاء ، كما صرح بمجاورته ايضا في كتابه «مصباح الزائرين في فضل زيارة آل العبا» بالفارسية ، وقد ألّفه باسم الشاه طهماسب.وكان السيد ولي الحسيني الحائري من معاصري السيخ حسين والد الشيخ البهائي والشهيد الثاني، ومن مؤلفاته ألأخرى «درر الطالب في مناقب علي بن أبي طالب» ، وقدنقل عنه المير محمد أشرف في فضائل السادات وكذا نقل عنه مؤلف «الدمعة الساكبة».
والسيد عبدالحسين بن مساعد الحسيني الحائري ، وكان عالما فاضلا، ذكره صاحب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» فقال: السيد عبدالحسين بن مساعد بن حسن ين علي بن طوغان الحسيني الحائري، كتب بخطه «شرح مختصر العضدي» ، وفرغ منه في الخميس رابع شهر رمضان سنة 991 هـ .
والمولى محمد قاسم الكربلائي، ذكره الشيخ آغا بزرك الطهراني في كتابه «أحياء الدائر في مآثر القرن العاشر» قائلا: المولى محمد قاسم بن تقي بن محمد الكربلائي، كتب بخطه «مُنتقى الجمان» لصاحب المعالم.
وأما في القرن الحادي عشر الهجري ، فكانت الساحة العلمية في كربلاء زاخرة بالعلماء والفقهاء ، ورجال الحديث والسير ، يأتي في مقدمتهم من نذكرهم توا: ـ
المولى شمس الدين الشيرازي، وكان مجاورا كربلاء في حدود سنة 1000 هـ ، ثم هاجر إلى أصفهان سنة 1006 هـ ، وإلى مشهد الرضا عليه السلام سنة 1010 هـ ، وفي سنة 1029 هـ ذهب إلى مدينة ري وتوفي بها سنة 1035 هـ ، قرأ عليه ولده المولى القاضي محمد شريف المتخلص بكاشف العلوم، ولد هذا ألأخير بكربلاء بحدود سنة 1001 هـ ، وحينما هاجر والده «المولى شمس الدين» من كربلاء إلى أصفهان ، كان إبن خمس سنين، وإشتهر بتآليفه ومصنفاته الكثيرة وتوليه منصب القضاء لفترة من الوقت في اصفها، وجاء ذكره في العديد من كتب التراجم ، فقد قال عنه عمر رضا كحالة في كتابه «معجم المؤلفين» بما يلي: محمد شريف كاشف الشيرازي

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 47

الكربلائي (1001 هـ ـ 000) ، من القضاة اصله من شيراز ولد بكربلاء ، قرأ على والده ألأدب والمنطق والكلام ، تولى القضاء من قبل السلطان بأصفهان ، من مصنفاته «الفرج بعد الشدة » ، «السراج المنير»، «الدرة المكنونة»، «حواس الباطن» ، وترجمه السيد محسن أمين العاملي في «أعيان الشيعة»بقوله : قرأ على والده ألأدبيات والمنطق والكلام وتولى القضاء م قبل السلطان بأصفهان ، وحدث عن نفسه: أن له خمس عشرة سنة منصوبا للقضاء ، له من المصنفات (خزان وبهار) ـ الخريف والربيعـ في ألأخلاق، و «الفرج بعد الشدة» مرتب بعد المقدمة على أربعة عشر أساسا: «الصبر، الرحم ، ألأدب، الطهارة، العبادة، اللطف، اليقين، العلم ، النصرة، المروءة، السخاء ، الكرامة، الهدية» ، وفي طي كل فيها يذكر حكايات ومنشآت متفرقة ، ومن منظوماته : ليلى ومجنون، هفت بيكرـ (الهياكل السبعة) ـ ، عباس نامه، الغزليات، القصائد ، الرباعيات، القطعة ، التركيب، الترجيع.
ـ السيد علي بن عبدالحسين بن مساعد الحسيني الحائري ، عالم نسّابة، قال المولى محمد كاظم الشريف النجفي في حاشية «عمدة الطالب» ما يلي: إني رأيت مشجرة نسب السيد ربيع الحائري ، الذي عمله سنة 1019 هـ ، وعليه شهادة صاحب الترجمة ـ السيد علي الحسينيـ بخطه.
ـ الشيخ عباس البلاغي العاملي، عالم فاضل، جليل، وهو نجل صاحب كتاب «شرح الكافي» وقد إقتفى ولده الشيخ حسن أثر والده في تلقي العلوم وألإغتراف من معين الفضيلة والمعرفة ، وهذا ألأخير هو مؤلف كتاب «تنقيح المقال في علم الرجال» ، وفيه ترجم جده محمد علي البلاغي المتوفى سنة 1000 هـ .
ـ السيد مساعد بن محمد الحسيني ، عالم نسابة ، ذكره المولى محمد كاظم الشريف النجفي في «حاشية عمدة الطالب»، فقال: رأيت المشجر الذي عليه شهادته في الحائر سنة 1166 هـ عند السيد عباس بن حسين من أحفاد

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 48

السيد ربيع الحائري ، وكتب الشهادة معاصره السيد علي بن عبدالحسين بن مساعد ، وكان هذا ألخير عالما نسابة أيضا وقد عمل بخط يده مشجرة السيد ربيع الحائري في سنة 1019 هـ .
السيد حسين بن الحسن العسكري الحسيني الحائري وكان من أهل العلم والمعرفة ، إهتم بكتابه الدروس للشهيد.
ـ السيد طعمة علم الدين الحائري ، كان عالما مشهودا له بالفضل في المشهد الحسيني الشريف ، ونقيبا للأشراف ومرجعا لحل الكثير من المنازعات العشائرية ، وكانت له السطوة والجلال، إمتلك ضياعا وبساتين وعقارات، وإليه ينسب السادة آل طعمة، الذين كانوا يعرفون في الماضي البعيد بـ (آل فائز)، ومنهم نشأت عدة أسر معروفة في كربلاء هي : آل السيد وهاب، وآل السيد مصطفى، وآل اليد درويش، وآل السيد جواد، وآل السيد محمد (بيت الروفي).
وتميزت الساحة العلمية في كربلاء خلال القرن الثاني عشر الهجري، بشخصية علمية فذه وبركن هام من أركان الفقه الجعفري الشيعي، هي شخصية الشيخ يوسف البحراني ، صاحب كتاب «الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة» ، والذي أغنى الفقه الشيعي ، ببحوثه وتتبعاته ومصنفاته الكثيرة، وكان تواجده في كربلاء عامل جذب قوي لطلاب العلم والمعرفة ، وعامل إزدهار للحركة العلمية فيها، وإنه بالرغم من يله للطريقة ألإخبارية، ظل سندا وأسنادا للعلماء المجتهدين ، فكتابه (الحدائق الناضرة) تعتبر من كتب المصادر في الفقه ، كما أن شخصيته العلمية ظلت مصانة من أي نقد من جانب العلماء ألأصوليين ودعاة ألإجتهاد الداحضين للطريقة ألإخبارية.
ومن أعلام كربلاء في هذا القرن (الثاني عشر) ، العالم والمفكر ألإسلامي السيد نصر ألله الحائري ، الذي إشتهر بلقب مدرس الطف تارة ، ومدرس الروضة الحسينية تارة أخرى ، اخذ العلم منه جمع من طلاب العلوم الدينية وأهل الفضل والمعرفة ، ترجمه صاحب «أعيان الشيعة » بقوله : السيد

تاريخ الحركة العلمية في كربلاء 49

أبو الفتح عز الدين نصر الله إبن الحسين إبن علي الحائري الموسوي الفائزي، المدرس في الروضة الحسينية المعروف بالمدرس، نسبته الفائزي نسبة إلى عشيرته، ويسمون بآل فائز أو آل ابي الفائز، وفيهم يقول المترجم (السيد نصر الله الحائري) ضمن قصيدة في رثاء والدته:
كيف لا وهي آل أبي الفائز من هديهم به ألإقتداء
معشر شاد مجدهم وعلاهم سيد المرسلين وألأوصياء
سادة قادة كرام عظام علماء أئمة نقباء

وله قصيدة يتفجع فيها على مصاب الحسين عليه السلام ، في كربلاء يقول في مطلعها:
يا بدورا لم ترض أفق السماء كيف غيبت في ثـرى كربلاء
يا شموسا في الترب غـارت وكانت تبهر الخلق بالسنا والسناء
يا جبالا شواهقا للمعالي كيف وارتك تربة الغبراء
يا بحارا في عرصة الطف جفت بعدما أورت الورى بالعطاء
ثم يمضي قائلا:
آه لا يطفئ البكاء غليلي ولو أني إغترفت من البحر دماء
كيـف يطفي والسبط نصب لعيني وهو في كربة وفرط عناء
لست أنساه في الطفوف فريدا بعد قتل ألأصحاب وألأقرباء
فإذا كر فر جيش ألأعادي وهم كثرة كقطر السماء
كيف لا وهو نجل سم ألأعادي أسد ألله قامع ألأدعياء

ذروة الحركة العلمية في كربلاء:

يتبين من ذلك أن وجوها علمية متميزة ، ظهرت وتجلت ، وأبدعت على الساحة العلمية في كربلاء من قرن لآخر، وإن هذه الساحة لم تخلو أبدا من علماء وفقهاء ومجتهدين، لكن المهم وأن النهضة العلمية في كربلاء ظلت مندفعة إلى ألأمام حتى حلول القرن الثاني عشر وبعده القرن

السابق السابق الفهرس التالي التالي