عقلية بني هاشم 21

قال : وقد أومأت الى الناس ان اسكوتوا ، فارتدت الأنفاس وسكنت الأصوات ، فقالت :
الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطيبين الأخيار أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختر (1)والغدر اتتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا (2)تتخذون أيمانكم دخلا بينكم (3)ألا وهل إلا الصلف (4)والنطف (5) والكذب والشنف (6) وملق الاماء وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة (7) أو كقصة (8) على ملحودة الاساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون ، أي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ،

(1) الختر : الخديعة بعينها ، وقيل هو أسوء الغدر وأقبحه ، وفي التنزيل العزيز : (( كل ختار كفور )) ، وفي الحديث : ما ختر قوم بالعهد إلا سلط عليهم العدو ـ لسان العرب .
(2) أي لا تكونوا كالتي غزلت ثم نقضت غزلها ، يقال كانت امرأة حمقاء تغزل مع جواريها الى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ولا يزال ذلك دأبها .
(3) أي خيانة ومكرا .
(4) الصلف : الادعاء تكبرا .
(5) النطف : التلطخ بالعيب .
(6) الشنف : بالتحريك البغض والتنكر .
(7 الدمنة : ما تدمنه الابل والغنم بأبوالها وأبعارها .
(8) القصة : بالفتح ، بناية مجصصة على قبر ، كأنها تقول انتم كقصة على جيفة ، فشبهت أجسامهم بالقصة المجصصة على الميتة .
عقلية بني هاشم 22

فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار محجتكم ، ومدره سنتكم ، الاساء ما تزرون وبعداً لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ،ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ، وأي كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتكتم ، ولقد جئتم بها صلعاء (1) عنقاء سوداء فقماء خرقاء شوهاء كطلاع الأرص (2)أو ملأ السماء ، أفعجبتم أن امطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وانتم لاتنظرون ، فلا ستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار (3) ولا يخاف فوت الثار ، وان ربكم لبالمرصاد .
قال الراوي : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم على أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا الى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته بالدموع ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الشباب ، ونسائكم

(1) الصلعاء ، الداهية ، وما بعد صفات لها في القبح والشدة .
(2) طلاع الأرض: ملؤها .
(3) الحفز : الحث والاعجال .
عقلية بني هاشم 23

خير النساء ،ونسلكم خير نسل ، لايخزى ولا يبزى (1)
كلامها مع ابن زياد :

ذكر أرباب التاريخ كالسيد ابن طاووس وغيره ، ان ابن زياد جلس في القصر واذن للناس اذنا عاما وجيء اليه برأس الحسين (ع) فوضع بين يديه في طشت ، وادخلت عليه نساء الحسين وصبيانه وجاءت زينب ابنة علي أمام وهي متنكرة ، فسأل ابن زياد ، من هذه المتنكرة ؟ فقيل له : هذه زينب ابنة علي ، فأقبل عليها بوجهه ، فقال : الحمد لله الذي فضحكم ،واكذب احدوثتكم (2)فقالت عليها السلام : الحمد لله الذي اكرمنا بالنبوة وطهرنا من الرجس تطهيرا ، إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق ، وهو غيرنا فقال : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت إلاخيرا ، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا على مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يابن مرجانة .
فغضب اللعين وهم أن يضربها ، فقال له عمرو بن حريث : انها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشء من منطقه ،

(1) لايبزى : أي لا يغلب ولا يقهر .
(2) يريد بالأحدوثة دين جدها رسول الله (ص) وما جاء به من عند الله تعالى .
عقلية بني هاشم 24

فقال لها ابن زياد: لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين ، والعصاة المردة من أهل بيتك فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فان كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت ، فقال لعنه الله هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا ، فقالت يابن زياد ، ما للمرأة المسبية والسجاعة وان لي عن السجاعة لشغلا .

خطبتها في مجلس يزيد :

واستمع الآن الى خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية ، روى الشيخ الصدوق ، وابن طيفور (1)وغيره من أرباب التاريخ ، قال لما ادخل علي بن الحسين (ع) وحرمه على يزيد لعنه الله ، وجيء برأس الحسين (ع) ووضع بين يديه في طشت وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يتمثل بأبيات ابن الزبعري المشرك ، منقوله :
يا غراب البين ماشئت فقل أنما تذكر شئا قد فعل
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباءبركها واستحر القتل في عبد الأشل
لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندق ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعل

(1) انظر احمد بن طيفور ـ بلا غات النساء ـ ص 21 .
عقلية بني هاشم 25

قد قتلنا الفخر من ساداتهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل
وأخذنا من علي ثارنا وقتلنا الفارس الشهم البطل(1)

فقامت زينب بني علي بن أبي طالب (ع) وأمها فاطمة بنت رسول الله (ص) وقالت : ( الحمد لله رب العلمين ، وصلى الله على رسوله محمد وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه حيث يقول : «ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون» أظننت يا يزيد ، حيث أخذت علينا أقطار الارض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الإما ، أن بنا على الله هوانا ، وبك عليه كرامة ، وان ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك تضرب أصدريك فرحا وتنفض مذوريك مرحا(2) جذلان مسرورا ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة(3) والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسطاننا فمهلا مهلا (4) لاتطش جهلا .
أنسيت قول الله تعالى : « ولا تحسبن الذين كفروا أنما

(1) ذكر ابن هاشم في سيرته قصيدة ابن الزبعري بكاملها .
(2) تضرب أصدريك : أي منكبيك ، وتنفض مذوريك : المذوران جانبا الأليتين ، ولاواحد لهما ، وقيل هما طرفا كل شيء ، كما يقال : جاء فلان ينفض مذوريه ، إذا جاء باغيا يتهدد ،وكذلك ، اذا جاء فارغا من غير شغل .
(3) مستوسقة : أي مجتمعة ، ومتسقة أي منتظمة .
(4) يقال : مهلا للرجل ، وكذا للانثى والجمع بمعنى امهل .
عقلية بني هاشم 26

نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ولهم عذابٌ مهين »(1) أمن العدل يابن الطلقا (2) تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول الله (ص) سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههي ، وصحلت أصواتهن (3) تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والشريف والدني ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، وكيف يرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأزكياء (4) ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت ، من نظر الينا بالشنف والشنآن ، والإِحن والأضعان ، ثم تقول غير متأثم ، ولا مستعظم ، داعيا بأشياخك ـ ليت أشياخي ببدر شهدوا ـ منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكثها

(1) سورة آل عمران / 178 .
(2) الطلقاء : هم أبو سفيان ، وكعاوية ، وبقية الأمويين ، الذين اطلقهم رسول الله (ص) عام الفتح ـ يوم ورد (ص) مكة المكرمة فاتحا ، وقد أيسوا من أنفسهم ، وما يدرون ما يصنع بهم رسول الله (ص) ، فأمرهم أن يجتمعوا وخطبهم، وقال في آخر خطرته : أذهبوا فأنتم الطلقاء ، فهذا صاروا عبيداً لرسول الله (ص) هم وذريتهم الى يوم القيامة .
(3) صحل صحلً : صوته بح وخسن ، فهو صحل .
(4) اشارة الى هند ام معاوية ، حين شقت بطن حمزة وهو قتيل ، ولاكت بأسنانها أمعاءه .
عقلية بني هاشم 27

بمخصرتك(1) وكيف لا نقول ذلك ، وقد نكأت القرحة(2) واستأصلت الشافة (3) باراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله ، ونجوم الأرض من أل عبد المطلب أتهتف بأشياخك ، زعمت انك تناديهم ، فلتردن وشيكاً (4) موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ، ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت ، اللهم خذ لنا بحقنا أوانتقم ممن ظلمنا ، وأحلل غضبك بمن سفك دمائنا ، وقتل حماتنا ، فوالله يا يزيد ، ما فريت (5) إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله ، بما تحملت من دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته ، في عترته ولجمته حيث يجمع الله تعالى شملهم ويلم شعثهم ، ويأجذ بحقهم :«ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم سرزقون »(6)وحسبك بالله حاكما ، وبمحمد صلى الله عليه وآله خصيما ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم من سول لك ، ومكنك من رقاب المسلمين «بئس للظالمين بدلاً »(7)،

(1) المخصرة : بكسر الميم كالوسط ، أو كلما اختصره الانسان بيده فأمسكه من عصا ونحوها .
(2) نكأت القرحة : أي وسعت مكان جراحها .
(3) الشافة : قرحة تخرج في أسفل القدم فتكون وتذهب ، والأصل استأصل الله شافته ، اذهبه كما تذهب تلك القرحة ، أو أزاله من أصله .
(4) وشيكاً : أي سريعاً .
(5) الفري : القطع .
(6) آل عمران / 169 .
(7) الكهف / 50 .
عقلية بني هاشم 28

وأيكم شر مكاناً ، واضعف جنداً يزيد ولئن جرت عليّ الدواهي مخاطيتك (1) إني لاستصغر قدرك ، واستعظم تقريعك ، واستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى والصدور حرى ألا فلعجب كل العجب ، لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف (2) من دمائنا ، وألآفواه تتحلب من لحومنا (3)وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل (4) وتعفرها امهات الفراعل (5) ولئن اتخذتنا مغنماً ، لتجدنا وشيكا مغرماً ، حين لا تجد إلاّ ما قدمت يداك ،« وما ربك بظلاّم للعبيد» (6) والى الله المشتكى ، وعليه المعول ، فكد كيدك ، واسعى سعيك وناصب جهدك ، فوالله لا تمحوا ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا ترحض عنك عارها ، وهل رأيك إلاّ فند (7)وأيامك إلاّ عدد ، وجمعك إلاّ بدد ، يوم ينادي المنادي ، ألالعنة الله على الظالمين ، فالحمد الله رب العالمين ، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة

(1) الدواهي : جمع داهية ، وهي النازلة بالانسان ، من بلاء وغيره .
(2) تنطف : أي تقطر بكسر الطاء وضمها .
(3) تنحلب عينه وفوه أي سالا ـ القاموس ـ .
(4) العواسل : الذئاب السريعة العدو .
(5) أمهات الفراعل : تريد بها الضياع ، جمع فرعل ، وهو ولد الضبع .
(6) فصلت / 46 .
(7) الفند : الكذب ، ويقال : لضعف الرأي الفند .
عقلية بني هاشم 29

والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ).
فقال يزيد في جوابها :
يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون النوح على النوائح

جوابها ليزيد في مجلسه :

لما ادخلو سبايا أهل البيت على يزيد لعنه الله ، دعا بنساء أهل البيت والصبايا فأجلسوا بين يديه ، في مجلسه المشؤم ، فنظر شامي الى فاطمة بنت الحسين (ع) فقام الى يزيد ، وقال : ياأمير هب لي هذه الجارية لتكون خادمة عندي ، قالت فاطمة بنت الحسين (ع) فارتعدت فرائصي (1) وظننت أن ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب (ع) وقلت لها : عمة أوتمت على صغر سني واستخدم لأهل الشام ، فقالت عمتي للشامي ما جعل الله ذلك لك ولا لأميرك ، فغضب يزيد ، وقال : ان ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت ، فقالت زينب (ع) : كلا والله ما جعل الله ذلك لك ، إلاّ ان تخرج عن ملتنا وتدين بغير ديننا ، فاستطار يزيد غضبا وقال : إياي تستقبليني بهذا الكلام ، انما خرج عن الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب (ع) بدين الله ودين جدي وأبي اهتديت أنت وأبوك إن

(1) الفرائص .
عقلية بني هاشم 30

كنت مسلماً ، قال : كذبت يا عدوة الله ، قالت : يزيد أنت امير تشتم ظلماً وتقهر بسلطانك ، فكأنه استحى وسكت ، فأعاد الشامي كلامه ، هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اسكت وهب الله لك حتفاً قاضياً .
وللمرحوم السيد حسن الخطيب البغدادي :
ياقلب زينب ما لاقيت من محنٍ فبك الرزيا وكل الصبر قد جمعا
لوكان ما فيك من صبر ومن محن في قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا
يمفيم صبراً قلوب الناس كلهم تفطرت للذي لاقيته جزعا

شِعْرَهْا

جاء في بطون الكتب والأسفار أن هذه الأبيات لزينب الكبرى حين رأت شقيقها الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة وزولاً على صعيد كربلآ :
لقد حط فينا من زماني نوائبه وفرقنا أنيابه ومخالبه
وجار علينا الدهر في أرض غربة ودبت علينا بالرزايا عقاربه
وأردوا أخي بالقتل غدراً وغيلة وما خلفوا إلاّ الأسى ونوائبه

عقلية بني هاشم 31

وجار علينا الدهر والقوم شهد وطمت رزاياه وحلت مصائبه
حسين لقد أمسى قتيلاً مجدلاً وأظلم من دين الإله مذاهبه
فلم يبق لي ركن ألوذ بظله ومن ذا يعاني الدهر من ذا يغالبه
وفرقنا هذا الزمان مشتتاً وأرحت علينا الفاجعات نكائبه
* * * *

ولها (ع) :
ماذا تقولون إذ قال النبي الكم ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي أهل بيتي بعد مفتقدي منهم أسارى ومنهم ضرجوا بدم
ما كان جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي

تزويجها :

أن العقيلة زينب بنت علي (ع) خطبها الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل فكان علي (ع) يردهم ويقول : بناتي لأولاد اخوتي ويروى انه خطبها الأشعث بن قيس ، وكان من ملوك كنده ، فزيره علي (ع) ورده وقال له : يابن
عقلية بني هاشم 32

الحائك (1) أغرك ابت أبي قحاحفة حين زوجك اخته ، فخاب الأشعث مما به ورجع آيسا .
ولكن امير المؤمنبن (ع) كان بوده أن يزوج بناته من أبناء أخيه اقتداء بقول النبي (ص) عندما نظر ذات يوم الىا أولاد علي وجعفر قال : بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا ، فأعظى علي (ع) رقية لابن أخيه مسلم بن عقيل (2) وزوج السيدة زينب (ع) من ابن أخيه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (ع) على صداق أمها سيدة النساء فاطمة (ع) على اربعماية وثمانين درهما ، ووهب المهر علي (ع) إياه من خالص ماله .

زوجها :

عبد الله بن جعفر ، هو أول مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة ونشأ وترعرع في حجر عمه أمير المؤمنين (ع) الى ان زوجع ابنته زينب الكبرى وكان عبد الله بن جعفر بن

(1) هنا الحائك : يريد به المحتال ، أو الذي يحوك الكلام كذبا، وكان أبو بكر ، قد زوج اخته أم فروة بنت أبي قحافة ن الأشعث ، وذلك ان الأشعث ارتد فيمن ارتد من الكنديين ، وأسر فاحضر الى أبي بكر فأسلم واطلقه وزوجه اخته أم ، فأولدها محمد بن الأشعث ، وكان محمد من قواد جيش ابن زياد وممن حارب الحسين (ع) يوم الطف .
(2) مسلم بن عقيل ابن عم الحسين (ع) ورسوله الى اهل الكوفة ، قتله ابن زياد ، وأمر به فرموا جسده من على سطح قصر الامارة الى الارض وسحبوه بأسواق الكوفة ، وقبره اليوم الى جنب المسجد الأعظم بالكوفة يزار ويتبرك به .
عقلية بني هاشم 33

أبي طالب (ع) جوادا كريما تتغنى بذكره الركبان ، وكان يكنى بأبي محمد ، وأبي جعفر .
أبوه جعفر الطيار بالجنة مع الملائكة وهو قتيل مؤته ، وامه اسماء بنت عميس الخثعمية ، وهي اخت ميمونة بنت الحرث أم المؤمنين .
كانت تحت جعفر بن أبي طالب (ع) فقتل عنها ، وبعده تزوجها أبو بكر ، فأولدها محمدا ـ أنبل فتى في قريش ـ ولما توفي عنها أبو بكر تزوجها أمير المؤمنين (ع) فولدت له يحيى بن علي ـ توفي في حياة أبيه أمير المؤمنين (ع)(1) على اشهر الروايات ، وكان عبد الله بن جعفر ممن صحب النبي (ص) وحفظ عنه أحاديث كثيرة وجاء في الإصابة ، لابن حجر ـ قال ابن جريح انبأنا جعفر بن خالد بن سارة ان أباه أخبره عن عبد الله بن جعفر قال : مسح رسول الله (ص) رأسي ، وقال : اللهم اخلف جعفراً في ولده ، وقد اخذه بيده ـ اللهم اخلف جعفر في اهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ، قالها ثلاثا ـ وانا وليهم في الدنيا والآخرة .
ثم ان عبد الله لازم عنه أمير المؤمنين وولديه الحسنين (ع) وأخذ منهم العلم الكثير .

(1) هذه رواية ابي الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين .
عقلية بني هاشم 34

وجاء في كتاب ( الاستيعاب ) ان عبد الله بن جعفر كان كريما جوادا ظريفا خليقا عفيفا سخيا يسمى بحر الجود ، وذكر ابن عساكر قال روى الحافظ ، ان معاوية كان يقول : بنو هاشم رجلان رسول الله (ص) لكل خير ذكر ، وعبد الله بن جعفر لكل شرف ، والله لكأن المجد نازل منزلا لا يبلغه أحد وعبد الله بن جعفر نازل وسطه .
وقال الشعبي :دخل عبد الله بن جعفر على معاوية وعنده يزيد ابنه فجعل يزيد يعرض بعبد الله في كلامه وينسبه الى الاسراف في غير مرضاة الله فقال عبد الله : ليزيد اني لأرفع نفسي عن جوابك ، ولو صاحب السرير لأجبته ، فقال معاوية : كأنك تظن أنك أشرف منه . . قال : أي والله ، ومنك ومن أبيك وجدك ، فقال معاوية ، ما كنت أحسب أن أحدا في عصر حرب بن أمية أشرف من حرب ابن أمية ، فقال عبد الله : بلى والله يا معاوية ، ان أشرف من حرب ( من اكفأ عليه إناءه وأجاره بردائه ) قال : صدقت يا أبا جعفر ، ثم ذكر الشعبي معنى قول عبد الله ( ومن اكفأ عليه إناءه ) وانه عبد المطلب بن هاشم ، في قضية ذكرها المؤرخون في ما دوّنوه .
ونذكر من جود ابن جعفر وكرمه ، ما ذكره ابن عساكر في تاريخه قال : جاء شاعر الى عبد الله بن جعفر فأنشده ـ هذه الابيات ـ :
رأيت أبا جعفر في المنام كساني من الخز درعه


عقلية بني هاشم 35

نقلت الى صاحبي أمرها فقال ستؤتى بها الساعة
سيكسوكها الماجد الجعفري ومن كفه الدهر نفاعه
ومن قال للجود لا تعدني فقال : لك السمع والطاعة

فقال عبد الله لغلامه ادفع اليه جبتي الخز ، ثم قال له : ويحك ، كيف لم تر جبتي الوشي التي اشتريتها بثلاثماية دينار منسوجة بالذهب ، فقال أغفى غفية أخرى فلعلي أراها في المنام ، فضحك منه عبد الله وقال لغلامه : إدفع اليه جبتي الوشي أيضا .
ويروى أن أحد الخلفاء أرسل الى عبد الله بن جعفر ثلاثة آلاف ، فلامه بعض الناس على عطائه هذا ، فقال : والله ما أعطيته هذا المال إلا لجميع أهل المدينة ، ثم لازم الرجل له من صحبه ، وابن جعفر لا يعرفه ، لينظر ما يفعل ، فرآه صار يفرق ذلك المال على فقراء أهل المدينة وزاد عليه من خالص أمواله أضعافه ، وعوتب عبد الله في ذلك ، فقال : ان الله عودني عادة ، وعودت الناس عادة فأنا أخاف إن قطعتها قطعت عني ، قيل ومدحه ـ نصيب ـ فأعطاه إبلا وخيلا وثيابا ودنانير ودراهم ، فقيل له : تعطي لهذا الأسود مثل هذا ؟ فقال : إن كان أسود فشعره أبيض ولقد استحق بما قال اكثر مما نال ، وهل أعطيناه إلا ما يبلى ويفنى وأعطانا مدحا تروى وثناءا يبقى .
ولم يكن في أيامه أجود منه إلا ابن عمه الحسن بن

عقلية بني هاشم 36

علي أول السبطين هذه نبذة من أخبار جوده ، ولنكتفي بها هنا خشية الاطالة .


وفاته :

توفي عبد الله بن جعفر بالمدينة المنورة ، سنة ثمانين ، وصلى عليه ابان بن عثمان بن عفان ، ودفن بالبقيع هكذا ذكره الداوودي في كتابه ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ـ .
ويروى أنه توفي عام الجحاف ـ سيل كان ببطن مكة جحف بالناس فذهب بالحاج وأمتعتهم ، والجمال باحمالها ـ وذلك في خلافة عبد الملك ابن مروان ، وصلى على جنازة عبد الله الإمام السجاد أو الباقر (ع) وأمير المدينة يومئذ أبان بن عثمان .

أولاده وأولادها :

خلف عبد الله بن جعفر عدة أولاد ، وذكر أسماءهم صاحب ـ العمدة ـ قيل عشرين ولدا وقيل أربعة وعشرين لأمهات شتى ولكن المشهور عند أرباب التاريخ ان له من زينب أولاد أربعة عون الأكبر ، ومحمد وعلي وأم كلثوم .
أما محمد وأخوه عون ابنا عبد الله بن جعفر الطيار فقد خرجا مع خالهما الحسين (ع) وأمهما زينب الكبرى الى العراق وقد أوصاهما أبوهما بخالهما وان لا يفارقاه فأقبلا في ركب الحسين الى الطف وجاهدا بين يديه يوم عاشوراء

عقلية بني هاشم 37

وقتلا وأمهما زينب تنظر اليهما .
وكان قد تقدم في ذلك اليوم محمد بن عبد الله الى خاله الحسين وأستأذن منه للبراز فأذن له الحسين (ع) فحمل وهو يترجز قائلا :
أشكو الى الله من العدوان فعال قوم في الردى عميان
قد بدلوا معالم القرآن ومحكم التنزيل و التبيان

فقتل عشرة من أهل الكوفة ، وحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فقتله ، ومشى لمصرعه خاله الحسين (ع) ومن معه فحملوه من الميدان وجاءوا به قتيلا الى الخيمة ، وفيه يقول سليمان بن قتة :
وسمى النبي غودر فيهم قد علوه بصارم مصقول
فإذا ما بكيت عيني فجودي بدموع تسيل كل مسيل

قال أرباب المقاتل : واستأذن الحسين (ع) من بعده أخوه عون بن عبد الله للبراز فاذن له ، فحمل وهو يقول :
إن تنكروني فأنا ابن جعفر شهيد صدق في الجنان أزهر


السابق السابق الفهرس التالي التالي