فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، فنزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم الا عز وجل.
فقال (عليه السلام) : « لولا تقارب الأشياء وحضور الأجل لقاتلتهم بهؤلاء ، ولكني أعلم يقيناً أن هناك مصرعي وهناك مصارع أصحابي ، لا ينحو منهم إلا ولدي علي ».
وروي أنه (عليه السلام) لما عزم على الخروج إلى العراق قام خطيباً ، فقال : « الحمد لله ما شاء الله ولا قوة(166) إلا بالله وصلى الله على رسوله وسلم ، خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، وما أولهني إلى اشتياق أسلافي (167) اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرعٌ أنا لاقيه ، كأني بأوصالي تقطعها ذئاب (168) الفلوات بين النواويس(169) وكربلاء ، فيملأن مني أكراشاً جوفا(170) وأجربةً سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم ، رضى الله رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين ، لن تشذ عن رسول الله صلى الله عليه وآله لحمته ، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس ، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده ، من كان باذلاً فينا مهجته وموطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا ، فإني راحل مصبحاً إن شاء
(166) ب : الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة.
(167) ب . ع : وما أولهني إلى أسلافي اشتياق.
(168) ر : تنقطعها ذباب . ب : يتقطعها عسلان . ع : تقطعها عسلان.
(169) كانت مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الإسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى.
تراث كربلاء : 19.
(170) ب : أكرشاً جوافاً . ع : اكرشاً جوفاً.
الملهوف على قتلى الطفوف
127
الله (171) ».
ورويت بالإسناد عن محمد بن داود القمي (172) ، بالاسناد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : جاء محمد بن الحنفية (173) إلى الحسين (عليه السلام) في الليلة التي أراد الحسين الخروج في صبيحتها عن مكة.
فقال له : يا أخي ، إن أهل الكوفة من قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تقيم فإنك أعز من بالحرم
(171) من قوله : وروي أنه (عليه السلام) ... إلى هنا ، مقدم على قوله : وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ... ، في نسخة ع.
وجاء في نسخة ع بعد قوله : مصبحاً إن شاء الله.
وروى معمر بن المثنى في مقتل الحسين (عليه السلام) ، فقال ما هذا لفظه : فلما كان يوم التروية قدم عمر ابن سعد بن أبي وقاص إلى مكة في جندٍ كثيف ، قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه أو يقاتله إن قدر عليه ، فخرج الحسين (عليه السلام) يوم التروية.
ولم ترد هذه العبارة في نسخة ر . ب ، فأوردناها في الهامش لاحتمال كونها من تعليقات المصنف على الكتاب ، وأدرجت بعده في متن الكتاب.
(172) ع : ورويت من كتاب أصل لأحمد بن الحسين بن عمر بن بريدة الثقة ، وعلى الأصل أنه كان لمحمد ابن داود القمي.
ب : أحمد بن داود القمي.
هو محمد بن أحمد بن داود بن علي شيخ الطائفة أبو الحسن القمي ، توفي سنة 368 هـ ، صاحب كتاب المزار ، من أجلاء مشايخ المفيد ، ويروي عنه أيضاً الحسين بن عبيدالله بن الغضائري.
الطبقات القرن الرابع : 236.
(173) أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب ، والحنفية لقب أمه خولة بنت جعفر ، كان كثير العلم والورع شديد القوة ، وحديث منازعته في الإمامة مع علي بن الحسين (عليه السلام) وإذعانه بإمامته بعد شهادة الحجر لعلي بن الحسين (عليه السلام) بالإمامة مشهور ، بل في بعضها : وقوعه على قدمي الإمام السجاد (عليه السلام) ، توفي سنة 80 هـ ، وقيل : 81 هـ.
تنقيح المقال 3|115 ، وفيات الأعيام 5|91 ، الطبقات 5|91.
الملهوف على قتلى الطفوف
128
وأمنعه.
فقال : « يا أخي قد خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت ».
فقال له ابن الحنفية : فان خفت ذلك فصر إلى اليمن (174) أو بعض نواحي البر ، فإنك أمنع الناس به ، ولا يقدر عليك أحد.
فقال : « أنظر فيما قلت » .
فلما كان السحر ارتحل الحسين (عليه السلام) ، فبلغ ذلك ابن الحنفية ، فأتاه ، فأخذ زمام ناقته وقد ركبها فقال : ياأخي ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟
فقال : « بلى ».
قال : فما حداك على الخروج عاجلاً ؟
فقال : « أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما فارقتك ، فقال : يا حسين ، أخرج ، فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً ».
فقال محمد بن الحنفية : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟
قال : فقال له : « قد قال لي : إن(175) الله قد شاء أن يراهن سبايا » ، وسلم عليه ومضى (176) .
(174) بالتحريك ، وهي بين عمان إلى نجران ثم يلتوي على بحر العرب إلى عدن.
معجم البلدان 5|447.
(175) ب : قال فقال إن.
(176) من قوله : ورويت بالإسناد عن محمد بن داود ... إلى هنا لم يرد في نسخة ر ، وورد في نسخة ب.ع.
وجاء في نسخة ع بعد قوله : وسلم عليه ومضى :
=
الملهوف على قتلى الطفوف
129
=
وذكر محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ذكرنا خروج الحسين (عليه السلام) وتخلف ابن الحنفية عنه ، فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : يا حمزة إني سأحدثك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا :
إن الحسين (عليه السلام) لما فصل متوجهاً ، أمر بقرطاس وكتب :
بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من لحق بي منكم استشهد ، ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح ، والسلام.
وذكر المفيد محمد بن محمد بن النعمان رضى الله عنه في كتاب مولد النبي صلى الله عليه وآله ومولد الأوصياء صلوات الله عليهم ، بأسناده إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال : لما سار أبو عبدالله الحسين بن علي صلوات الله عليهما من مكة ليدخل المدينة ، لقيه أفواج من الملائكة المسومين والمردفين في أيديهم الحراب على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله عز وجل أمد جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة ، وأن الله أمدك بنا.
فقال لهم : الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها ، وهي كربلاء ، فإذا وردتها فأتوني.
فقالوا : يا حجة الله ، إن الله أمرنا أن نسمع لك ونطيع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟
فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة أو أصل إلى بقعتي.
وأتته أفواج من مؤمني الجن ، فقالوا له : يا مولانا ، نحن شيعتك وأنصارك فمرنا بما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك.
فجزاهم خيراً وقال لهم : أما قرءتم كتاب الله المنزل على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله «قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم» ، فإذا أقمت في مكاني فبم يمتحن هذا الخلق المتعوس ، وبماذا يختبرون ، ومن ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحا الأرض ، وجعلها معقلاً لشيعتنا ومحبينا ، تقبل أعمالهم وصلواتهم ، ويجاب دعاؤهم ، وتسكن شيعتنا ، فتكون لهم أماناً في الدنيا والآخرة ؟ ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشوراء ـ في غير هذه الرواية يوم الجمعة ـ الذي في آخره أقتل ، ولا يبقى بعدي مطلوب من أهلي ونسبي وإخواني وأهل بيتي ، ويسار رأسي إلى يزيد بن معاوية لعنهما الله.
=
الملهوف على قتلى الطفوف
130
ثم سار الحسين (عليه السلام) حتى مر بالتنعيم (177) ، فلقي هناك عيراً تحمل هدية قد بعث بها بحير بن ريسان الحميري(178) عامل اليمن إلى يزيد بن معاوية فأخذ (عليه السلام) الهدية ، لأن (179) حكم أمور المسلمين إليه.
ثم قال لأصحاب الجمال : « من أحب أن (180) ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنا صحبته ، ومن أحب أن يفارقنا أعطيناه كراه (181) بقدر ما قطع من الطريق ».
فمضى معه قوم وامتنع آخرون.
=
فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه لولا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك لخالفناك وقتلنا جميع أعداءك قبل أن يصلوا إليك.
فقال لهم (عليه السلام) : ونحن والله أقدر عليهم منكم ، ولكن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة . انتهى بنصه من نسخة ع.
ولم يرد هذا في نسخة ر ، ب ، وإنما أوردناه في الهامش لاحتمال كونه من حواشي المصنف على الكتاب ، وأدخل بعده في المتن.
(177) بالفتح ثم السكون وكسر العين وياء ساكنة وميم : موضع بمكة في الحل ، وهو بين مكة وسرف ، على فرسخين من مكة ، وقيل : على أربعة ، وسمي بذلك لأن جبلاً عن يمينه يقال له نعيم وآخر عن شماله يقال له ناعم والوادي نعمان ، وبالتنعيم مساجد حول مسجد عائشة وسقايا على طريق المدينة منه يحرم المكيون بالعمرة.
معجم البلدان 2|49.
(178) الحميري ، لم يرد في ر.
لم أهتد إلى ترجمته.
(179) ب : وكان عامله على اليمن وعليها الورس والحلل ، فأخذها (عليه السلام) لأن حكم.
(180) ب : وقال لأصحاب الإبل : من أحب منكم أن.
(181) ب : أن يفارقنا من مكاننا هذا أعطيناه من الكرى.
(182) ذات عرق مهل أهل العراق ، وهو الحد بين نجد وتهامة . وقيل : عرق جبل بطريق مكة ومنه ذات عرق . وقال الأصمعي : ما ارتفع من بطن الرمة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق . وعرق هو الجبل المشرف على ذات عرق.
معجم البلدان 4|107 ـ 108.
(183) في مستدركات علم الرجال 2|33 : بشر بن غالب الأسدي الكوفي ، من أصحاب الحسين والسجاد ، قاله الشيخ في رجاله ، والبرقي عده من أصحاب أمير المؤمنين والحسنين والسجاد ، وأخوه بشير ، رويا عن الحسين دعاءه المعروف يوم عرفة بعرفات ...
وله روايات عن الحسين ذكرت في عدة الداعي ، ويروي عنه عبدالله بن شريك.
(184) الراوي ، لم يرد في ر . ب.
(185) ر : التغلبية.
والثعلبية بفتح أوله من منازل طريق مكة من الكوفة بعد الشقوق وقبل الخزيمية ، وهي ثلثا الطريق ، وأسفل منها ماء يقال له الضويجعة على ميل منها مشرف ، وإنما سميت بالثعلبية لإقامة ثعلبة ابن عمرو بها ، وقيل : سميت بن دودان بن اسد وهو أول من حفرها ونزلها.
معجم البلدان 2|78.
(186) ب . ع : أنتم تسرعون والمنايا تسرع.
(187) ب : جزاك الله يا بني خير ما جزا ولداً عن والدٍ.
(188) لم أعثر على من ترجم له.
(189) بني ، لم يرد في ر .
(190) زهير بن القين البجلي ، وبجيلة هم بنو أنمار بن أراش بن كهلان من القحطانية ، شخصية بارزة في المجتمع الكوفي ، ويبدو أنه كان كبير السن عند لحوقه بالحسين (عليه السلام) ، ذكر في الزيارة بتكريم خاص ، انضم إلى الحسين (عليه السلام) في الطريق من مكة إلى العراق بعد أن كان كارهاً للقائه ، خطب في جيش ابن زياد قبيل المعركة ، جعله الحسين (عليه السلام) على ميمنة أصحابه.
تاريخ الطبري 5|396 ـ 397 و6|42 و422 ، رجال الشيخ : 73 ، أنصار الحسين : 88.
الملهوف على قتلى الطفوف
133
فلما كان في بعض الأيام نزل في مكان ، فلم نجد بداً من أن ننازله فيه ، فبينما نحن نتغدى بطعام لنا إذا أقبل رسول الحسين (عليه السلام) حتى سلم علينا.
ثم قال : يا زهير بن القين إن أبا عبدالله (عليه السلام) بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأنما على رؤوسنا الطير.
فقالت له زوجته ـ وهي ديلم بنت عمرو(191) ـ : سبحان الله ، أيبعث إليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه ، فلو أتيته فسمعت من كلامه.
فمضى إليه زهير ، فما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه فقوض وبثقله ومتاعه فحول إلى الحسين (عليه السلام).
وقال لامرأته : أنت طالق ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير ، وقد عزمت على صحبة الحسين (عليه السلام) لأفديه بروحي وأقيه بنفسي (192) ، ثم أعطاها مالها وسلمها إلى بعض بني عمها ليوصلها إلى أهلها.
فقامت إليه وودعته وبكت ، وقالت : خار(193) الله لك ، أسألك أن تذكرني في القيامة عند جد الحسين (عليه السلام).
ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يصحبني ، وإلا فهو آخر العهد مني (194) به.
(191) أو ديلم بنت عمر.
وهي التي قالت لغلام لزهير بعد شهادته : انطلق فكفن مولاك ، قال : فجئت فرأيت حسيناً ملقى ، فقلت : اكفن مولاي وأدع حسيناً ! فكفنت حسيناً ، ثم رجعت فقلت ذلك لها ، فقالت : أحسنت ، وأعطتني كفناً آخر ، وقالت فكفن مولاك ، ففعلت.
ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات ، المطبوع في مجلة تراثنا ، العدد 10 ص 190 ، وراجع أيضاً أعلام النساء المؤمنات : 341.
(192) ع : لأفديه بنفسي وأقيه بروحي . والمثبت من ب.
(193) ع : وقالت : كان الله عوناً ومعيناً خار.
(194) مني ، لم يرد في ر.
(195) بضم أوله : منزل معروف بطريق مكة من الكوفة ، وهي قرية عامرة بها أسواق بين واقصة والثعلبية . وقال أبو عبيدة السكوني : زبالة بعد القاع من الكوفة وقبل الشقوق فيها حصن وجامع لبني غاضرة من بني أسد.
معجم البلدان 3|129.
(196) ب : حتى أتاه خبر مسلم في زبالة.
(197) الراوي ، لم يرد في ر.
(198) والعويل ، لم يرد في ر.
(199) ب : ثم أنه سار فلقيه.
(200) ب : في الرزق.
(201) ب : الحر.
(202) الراوي ، لم يرد في ر.
(203) ر : نجية.
(204) ع : قيس بن مصهر الصيداوي.
وقيس بن مسهر أسدي من عدنان ، شاب كوفي من أشراف بني أسد ، أحد حملة الرسائل من قبل الكوفيين إلى الحسين (عليه السلام) بعد إعلان الحسين رفضه لبيعة يزيد وخروجه إلى مكة ، صحب مسلم بن عقيل حين قدم من مكة مبعوثاً من قبل الحسين إلى الكوفة ، حمل رسالة من مسلم إلى الحسين (عليه السلام) يخبره فيها بيعة من بايع ويدعوه إلى القدوم.
تاريخ الطبري 5|394 ـ 395 ، رجال الشيخ : 79 ، تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، أنصار الحسين : 123 ـ 124.
(205) الحصين بن نمير بن نائل أبو عبدالرحمن الكندي ثم السكوني ، قائد من القساة الأشداء المقدمين في العصر الأموي ، من أهل حمص ، رمى الكعبة بالمنجنيق ، وكان في آخر أمره على ميمنية عبيدالله بن زياد في حربه مع إبراهيم الأشتر ، فقتل مع ابن زياد على مقربة من الموصل سنة 67 هـ.
التهذيب لابن عساكر 4|371 ، الأعلام 2|262.
الملهوف على قتلى الطفوف
136
قال : ممن الكتاب وإلى من ؟
قال من الحسين بن علي عليهما السلام إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم.
فغضب ابن زيادوقال : والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم ، أو تصعد المنبر فتلعن الحسين وأباه وأخاه ، وإلا قطعتك إرباً إرباً.
فقال قيس : أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم ، وأما لعن الحسين وأبيه وأخيه فأفعل.
فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ، وأكثر من الترحم على علي وولده صلوات الله عليهم ، ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ، ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم.
ثم قال : أيها الناس ، أنا رسول الحسين بن علي عليهما السلام إليكم ، وقد خلفته بموضع كذا وكذا ، فأجيبوه.
فأخبر ابن زياد بذلك(206) ، فأمر بإلقائه من أعلا القصر ، فألقي من هناك ، فمات رحمة الله.
فبلغ الحسين (عليه السلام) موته ، فاستعبر باكياً ثم قال : « اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك إنك على كل شيءٍ قدير ».
وروي أن هذا الكتاب كتبه الحسين (عليه السلام) من الحاجز(207) ، وقيل : غير ذلك.
(206) بذلك ، لم يرد في ر.
(207) في إرشاد المفيد 2|70 : من الحاجز من بطن الرمة.
وفي مراصد الاطلاع 2|634 : بطن الرمة منزل يجمع طريق البصرة والكوفة إلى المدينة.
وفي معجم البلدان 1|666 : بطن الرمة واد معروف بعالية نجد ، وقال ابن دريد : الرمة قاع عظيم بنجد تنصب إليه أوديه.
الملهوف على قتلى الطفوف
137
قال الراوي (208) : وسار الحسين (عليه السلام) حتى صار على مرحلتين من الكوفة ، فاذا (209) بالحر بن يزيد(210) في ألف فارس.
فقال له الحسين (عليه السلام) : « ألنا أم علينا ؟ »
فقال : بل عليك يا أبا عبدالله.
فقال : « لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ».
ثم تراد القول بينهما ، حتى قال له الحسين (عليه السلام) : « فإذا كنتم على خلاف ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم ، فإني أرجع إلى الموضع الذي أتيت منه ».
فمنعه الحر وأصحابه من ذلك ، وقال : لا ، بل خذ يا بن رسول الله طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يوصلك إلى المدينة لأعتذر إلى ابن زياد بأنك خالفتني الطريق.
فتياسر الحسين (عليه السلام) ، حتى وصل إلى عذيب الهجانات(211) .
(208) الراوي ، لم يرد في ر.
(209) ر : وإذاً.
(210) الحر بن يزيد بن ناجيه بن سعيد من بني رياح بن يربوع ، من الشخصيات البارزة في الكوفة ، قائد من أشراف تميم ، أحد أمراء الجيش الأموي في كربلاء ، وكان يقود ربع تميم وهمدان ، التقى مع الحسين (عليه السلام) عند جبل ذي حسم ، تاب قبل نشوب المعركة لما أقبلت خيل الكوفة تريد قتل الحسين وأصحابه وأبى أن يكون منهم ، فانصرف إلى الحسين ، فقاتل بين يديه قتالاً عجيباً حتى قتل.
تاريخ الطبري 5|422 و400 و427 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 ، رجال الشيخ : 73 ، البداية والنهاية 8|172 ، الكامل في التاريخ 4|19 ، أنصار الحسين : 84 ـ 85 ، الأعلام 2|172.
(211) عذيب الهجانات قريب من عذيب القوادس ، وعذيب القوادس ماء بين القادسية والمغيثه ، بينه وبين القادسية أربعة أميال ، وقيل : غير ذلك.
معجم البلدان 4|92.
(212) قال الرواي ، لم يرد في ر.
(213) ظاهراً هو نفسه نافع بن هلال بن نافع بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج المذحجي الجملي ، ويخطئ من يعبر عنه : البجلي ، كان سيداً شريفاً شجاعاً قارءاً من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين ، وحضر معه حروبه الثلاثة في العراق ، وخرج إلى الحسين فلقيه في الطريق ، وأخباره في واقعة الطف كثيرة ، ذكرت في المقاتل.
إبصار العين : 86 ـ 89 ، الطبري 6|253 ، ابن الأثير 4|29 ، البداية 8|184.
(214) ع : خضير.
وفي بعض المصادر : بدير بن حفير ، والظاهر أن خضير هو الأولى.
هو سيد القراء ، كان شيخاً تابعياً ناسكاً قارئاً للقرآن ومن شيوخ القراءة في جامع الكوفة ، وله في الهمدانيين شرف وقدر ، وكان مشهوراً ومحترماً في مجتمع الكوفة ، وهو همداني من شعب كهلان موطنه الكوفة ، بذل محاولة لصرف عمر بن سعد عن ولائه للسلطة الأموية.
تاريخ للطبري 5|421 و423 و432 ، معجم رجال الحديث 3|289 ، المناقب 4|100 ، البحار 45|15.
(215) ر : نزل.
(216) ب : الثامن.
(217) ع : فقيل كربلا ، فقال (عليه السلام) : اللهم إني أعوذبك من الكرب والبلاء ، ثم قال : هذا موضع كرب وبلاء.
انزلوا ، هاهنا محط رحالنا ومسفك دمائنا وهنا محل قبورنا ، بهذا حدثني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله.
(219) الراوي ، لم يرد في ر.
(220) زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام ، عقيلة بني هاشم ، شقيقة الحسن والحسين ، زوجها ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب ، حضرت مع أخيها الحسين وقعة كربلاء ، حملت مع السبايا إلى الكوفة ، ثم إلى الشام ، كانت صابرة ثابتة الجنان رفيعة القدر فصيحة خطيبة ، توفيت سنة 62 هـ ، وقيل غير ذلك ، دفنت في مصر على أشهر الأقوال.
الإصابة 8|100 ، نسب قريش : 41 ، الطبقات 8|341 ، الأعلام 3|67.
ولزيادة الإطلاع راجع كتاب زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي ، فانه أحسن وأجاد في دراسته عن هذه الشخصية البارزة سيدة النساء بعد أمها الزهراء عليها السلام.
(221) أم كلثوم بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأمها فاطمة عليها السلام ، وهي أخت الحسن والحسين وزينب عقيلة بني هاشم ، ومسألة زواجها من عمر من أشد المسائل اختلافاً بين المسلمين ، وكثيراً ما يقع الخلط