الملهوف على قتلى الطفوف 111

فقال : إن معاوية قد (97) مات ، فأهون به والله هالكاً ومفقوداً ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم ، وقد كان أحدث بيعةً عقد بها أمراً وظن أنه قد أحكمه ، وهيهات والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل ، وقد قام ابنه (98) يزيد ـ شارب الخمور ورأس الفجور ـ يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضىً منهم (99) ، مع قصر حلمٍ وقلة علمٍ ، لا يعرف من الحق موطئ قدمه ، فأقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده على الدين أفضل من جهاد المشركين.
وهذا الحسين بن علي ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله (100) ، ذو الشرف الأصيل والرأي الأثيل ، له فضلٌ لا يوصف وعلمٌ لا ينزف ، وهو (101) أولى بهذا الأمر ، لسابقته وسنه وقدمه (102) وقرابته ، يعطف على الصغير ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية وإمام قوم ، وجبت لله به الحجة (103) وبلغت به الموعظة.
فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا في وهدة الباطل(104) ، فقد كان صخر

(97) قد ، لم ترد في ب . ع.
(98) ابنه ، لم يرد في ر . ب.
(99) بغير رضى منهم ، لم يرد في ر . ب.
(100) ر ، ب : ابن رسول الله .
(101) ر : له فضل لا يوصف وهو.
(102) ب : وقدمته.
(103) ر : وجبت لله الحجة ، ب : وحيت لله به الحجة ، ع : وحببت لله به الحجة ، والمثبت ملفق من هذه النسخ.
(104) ر : فلا تعشوا عن نور الحق ولا تكسعوا في الباطل ، ب : ولا تعشوا ... ، ع : وهد الباطل ... والتسكع : التمادي في الباطل.
الملهوف على قتلى الطفوف 112

ابن قيس (105) قد (106) انخذل بكم يوم الجمل ، فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ونصرته ، والله لا يقصر أحدٌ عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته.
وها أنا قد لبست للحرب لامتها وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب.
فتكلمت بنو حنظلة ، فقالوا : يا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفارس عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرةً إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا (107) ، فانهض لما شئت.
وتكلمت بنو سعد بن زيد (108) ، فقالوا : يا أبا خالد إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج عن (109) رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا ، فأمهلنا نراجع المشورة ونأتك برأينا.
وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا : يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك (110) ، لا نرضى إن غضبت ولانقطن إن ضعنت ، والأمر إليك ، فادعنا نجبك ومرنا نطعك ، والأمر إليك إذا شئت.

(105) يعرف بالأحنف لقب له لحنف كان في رجله ، واختلفوا في اسمه ، فقيل : صخر ، وقيل : الضحاك ، ولد في البصرة ، وأدرك النبي ولم يره ، اعتزل يوم الجمل ، توفي في الكوفة.
الطبقات 7|66 ، جمهرة الأنساب : 206 ، تاريخ الاسلام 3|129 ، الأعلام 1|276 ـ 277.
(106) قد ، لم يرد في ب . ع.
(107) ب : ونقيك بأبداننا إذا شئت ، ع : إذا شئت فافعل.
(108) ع : يزيد.
(109) ر : نراجع المشهورة ونأتك برأينا ، ب : نراجع المشورة ويأتيك رأينا.
(110) ر : وخلفاؤك.
الملهوف على قتلى الطفوف 113

فقال : والله يا بني سعد لئن فعلتموها لا يرفع الله عنكم السيف أبداً ، ولا يزال سيفكم فيكم.
ثم كتب الى الحسين (عليه السلام).
بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد ، فقد وصل إلي كتابك ، وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك ، وأن الله لم يخل الأرض من عاملٍ عليها بخير ودليل على سبيل النجاة ، وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته (111) في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها ، فأقدم سعدت بأسعد طائر ن فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعأً لك من الإبل الظلماء يوم خمسها لورود الماء ، وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت لك درن صدورها بماء سحابة مزن حتى استهل برقها فلمع.
فلما قرأ الحسين (عليه السلام) الكتاب قال : « آمنك (112) الله يوم الخوف وأعزك وأرواك يوم العطش الأكبر ».

فلما تجهز المشار إليه للخروج إلى الحسين (عليه السلام) بلغه قتله قبل أن يسير ، فجزع من انقطاعه عنه .
وأما المنذر بن الجارود ، فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيدالله بن زياد ، لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيساً من عبيدالله بن زياد ، وكانت بحرية بنت المنذر (113) زوجة لعبيدالله (114) ، فأخذ عبيدالله الرسول فصلبه ، ثم صعد

(111) ر : ووديعة.
(112) ع : قال : مالك آمنك.
(113) ر : بحيرة ابنت المنذر.
لم يذكروها.
(114) ب : تحت عبيدالله بن زياد.
الملهوف على قتلى الطفوف 114

المنبر فخطب وتوعد أهل البصرة على الخلاف وإثارة الإرجاف.
ثم بات تلك الليلة ، فلما أصبح استناب (115) عليهم أخاه عثمان بن زياد(116) ، وأسرع هو إلى قصد الكوفة.
فلما قاربها نزل حتى أمسى ، ثم دخلها ليلاً ، فظن أهلها أنه الحسين (عليه السلام) ، فتباشروا بقدومه ودنوا منه ، فلما عرفوا أنه ابن زياد تفرقوا عنه ، فدخل قصر الامارة وبات ليلته إلى الغداة ، ثم خرج وصعد المنبر وخطبهم وتوعدهم على معصية السلطان ووعدهم مع الطاعة بالإحسان
.
فلما سمع مسلم بن عقيل بذلك خاف على نفسه من الاشتهار ، فخرج من دار المختار وقصد دار هاني بن عروة(117) ، فآواه وكثر اختلاف الشيعة إليه ، وكان عبدالله بن زياد قد وضع المراصد عليه.
فما علم أنه في دار هاني دعا محمد بن الأشعث(118) وأسماء بن خارجة (119)

(115) ر : استأمر.
(116) لم أعثر على من ترجم له.
(117) هاني بن عروة الغطيفي المرادي ، من مذحج ، أحد سادات الكوفة وأشرافها ، أدرك النبي وصحبه ، ومن أصحاب وخواص أمير المؤمنين ، شارك في حروب الجمل وصفين والنهروان ، من أركان حركة حجر بن عدي الكندي ضد زياد بن أبيه ، قتله عبيدالله بن زياد في اليوم الثامن من ذي الحجة سنة 60 هـ وبعث برأسه مع رأس مسلم إلى يزيد.
تسمية من قتل مع الحسين : 156 ، الكامل 4|10 ـ 15 ، المحبر : 480 ، النقائض : 246 ، التاج 3|359 ، رغبة الآمل 2|86 ، جمهرة الأنساب : 382 ، الأعلام 8|68 ، أنصار الحسين : 124 ـ 125 ، ضياء العينين : 30 ـ 38.
(118) محمد بن الأشعث بن قيس الكندي ، أبو القاسم ، من أصحاب مصعب بن الزبير ، قتل سنة 67 هـ.
الإصابة ترجمة رقم 8504 ، الأعلام 6|39.
(119) أسماء بن خارجة بن حصين الفزاري ، تابعي ، من رجال الطبقة الأولى من أهل الكوفة ، توفي سنة 66 هـ.
فوات الوفيات 1|11 ، تاريخ الاسلام 2|372 ، النجوم الزهراة 1|179 ، الأعلام 1|305.
الملهوف على قتلى الطفوف 115

وعمرو بن الحجاج وقال : ما يمنع هاني بن عروة من إتياننا ؟
فقالوا : ماندري ، وقد قيل : إنه يشتكي.
فقال : قد بلغني ذلك وبلغني أنه قد برء وأنه يجلس على باب داره ، ولو أعلم أنه شاك لعدته ، فالقوه ومروه أن لايدع ما يجب عليه من حقنا ، فإني لا أحب أن يفسد عندي (120) مثله ، لأنه من أشراف العرب.
فأتوه حتى وقفوا عليه عشية على بابه ، فقالوا : ما يمنعك من لقاء الأمير ، فإنه قد ذكرك وقال : لو أعلم أنه شاكٍ لعدته.
فقال لهم : الشكوى تمنعني.
فقالوا له : إنه قد بلغه إنك تجلس على باب دارك كل عشية ، وقد استبطاك ، والإبطاء والجفاء لايحتمله السلطان من مثلك ، لأنك سيدٌ في قومك ، ونحن نقسم عليك إلا ما ركبت معنا إليه . فدعا بثيا به فلبسها وفرسه فركبها ، حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه قد أحست ببعض الذي كان ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة(121) : يابن أخي إني والله من هذا الرجل لخائف ، فما ترى ؟
فقال : والله يا عم ما أتخوف عليك شيئاً ، فلا تجعل على نفسك سبيلاً ، ولم يك حسان يعلم في أي شيء بعث عبيدالله بن زياد . فجاء هاني والقوم معه حتى دخلوا جميعاً على عبيدالله ، فلما رأى هانياً قال : أتتك بخائن (122) رجلاه ، ثم التفت إلى شريح القاضي(123) ـ وكان جالساً عنده ـ وأشار إلى هاني وأنشد بيت

(120) ر : علي.
(121) لم يذكروه.
(122) كذا في النسخ ، والظاهر أن الصحيح : حائن ، وهو الذي حان حينه وهلاكه ، راجع مجمع الأمثال للميداني.
(123) شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي ، أبو أمية ، توفي سنة 78 هـ ، أصله من اليمن ، ولي

=

الملهوف على قتلى الطفوف 116

عمرو بن معدي كرب الزبيدي (124) :
أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

فقال له هاني : وما ذاك أيها الأمير ؟
فقال له : إيهاً يا هاني ، ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين ؟ جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال في الدور حولك وظننت أن ذلك يخفى علي.
فقال : ما فعلت.
فقال ابن زياد : بلى قد فعلت.
فقال : ما فعلت أصلح الله الأمير.
فقال ابن زياد : علي بمعقل (105) مولاي ـ وكان معقل عينه على أخبارهم ، وقد عرف كثيراً من أسرارهم ـ فجاء معقل حتى وقف بين يديه.
فلما رآه هاني عرف أنه كان عيناً عليه ، فقال : أصلح الله الأمير والله ما بعثت إلى مسلم ولا دعوته ، ولكن جاءني مستجيراً ، فاستحييت من رده ، ودخلني

=
قضاء الكوفة في زمن عمر وعثمان وعلي ومعاوية ، واستعفى في أيام الحجاج فأعفاه سنة 77 هـ.
الطبقات 6|90 ـ 100 ، وفيات الأعيان 1|224 ، حلية الأولياء 4|132 ، الأعلام 3|161.
(124) ر : وأنشد بيت معدي كرب الزبيدي.
وعمرو بن معدي كرب بن ربيعة بن عبدالله الزبيدي ، فارس اليمن وصاحب الغارات المذكورة ، وفد على المدينة سنة 9 هـ في عشرة من بني زبيد فأسلم وأسلموا ، يكنى أبا ثور ، توفي على مقربة من الري سنة 21 هـ ، وقيل : قتل عطشاً يوم القادسية.
الاصابة ترجمة رقم 5972 ، الطبقات 5|383 ، خزانة الأدب 1|425 ـ 426 ، الأعلام 5|86.
(125) لم يذكروه ، وهو ملعون خبيث.
الملهوف على قتلى الطفوف 117

من ذلك ذمام فآويته ، فأما إذ قد عمت فخل سبيلي حتى أرجع إليه وآمره بالخروج من داري إلى حيث شاء من الأرض ، لأخرج بذلك من ذمامه وجواره.
فقال له ابن زياد : والله لا تفارقني أبداً حتى تأتيني به.
فقال : والله لا آتيك به أبداً ، آتيك بضيفي حتى تقتله !
فقال : والله لتأتيني به.
قال : والله لا آتيك به.
فلما كثر الكلام بينهما ، قام مسلم بن عمرو الباهلي (106) فقال : أصلح الله الأمير أخلني وإياه حتى أكلمه ، فقام فخلى به ناحية ـ وهما بحيث يراهما ابن زياد ويسمع كلامهما ـ إذ رفعا أصواتهما.
فقال له مسلم : يا هاني أنشدك الله أن لا تقتل نفسك وتدخل البلاء على عشيرتك ، فوالله إني لأنفس بك عن القتل ، إن هذا الرجل ابن عم القوم وليسوا بقاتليه ولا ضاريه ، فادفعه إليه ، فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة ، وإنما تدفعه إلى السلطان.
فقال هاني : والله إن علي في ذلك الخزي والعار ، أنا أدفع جاري وضيفي ورسول ابن رسول الله إلى عدوه وأنا صحيح الساعدين وكثير الأعوان ! والله لو لم أكن إلا رجلاً واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه.
فأخذ يناشده ، وهو يقول : والله لا أدفعه.
فسمع ابن زياد ذلك ، فقال : أدنوه مني ، فأدني منه ، فقال : والله لتأتيني به أو لأضر بن عنقك.

(126) ر : مسلم بن عمر ، وفي بعض النسخ : مسلم بن عمير الباهلي.
لم يذكروه.
الملهوف على قتلى الطفوف 118

فقال هاني : إذن والله تكثر البارقة حول دارك.
فقال ابن زياد : والهفاه عليك ، أبا البارقة تخوفني ـ وهاني يظن أن عشيرته يسمعونه ـ ثم قال : أدنوه مني ، فأدني منه ، فاستعرض وجهه بالقضيب ، فلم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خده وجيبنه على لحيته وانكسر القضيب.
فضرب هاني يده إلى قائم سيف شرطي ، فجذبه ذلك الرجل ، فصاح (127) ابن زياد : خذوه فجروه حتى ألقوه في بيتٍ من بيوت القصر واغلقوا (128) عليه بابه ، وقال : اجعلوا عليه حرساً ، ففعل ذلك به.
فقام أسماء بن خارجة إلى عبيدالله بن زياد ـ وقيل : إن القائم حسان بن أسماء ـ فقال : أرسل غدرٍ سائر اليوم (129) ، أيها الأمير أمرتنا أن نجيئك بالرجل ، حتى إذا (130) جئناك به هشمت وجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت أنك تقتله.
فغضب ابن زياد من كلامه وقال : وأنت ها هنا ! وأمر به فضرب حتى ترك وقيد وحبس (131) في ناحية من القصر.
فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إلى نفسي أنعاك يا هاني.
قال الراوي (132) : وبلغ عمرو (133) بن الحجاج أن هانياً قد قتل ـ وكانت رويحة

(127) ر : فقال.
(128) ر : وأغلق.
(129) ع : القوم.
(130) إذا ، لم يرد في ر.
(131) ر : وأجلس.
(132) الراوي ، لم يرد في ر.
(133) ر : عمر
الملهوف على قتلى الطفوف 119

ابنة عمرو (134) هذا تحت هاني بن عروة ـ فأقبل عمرو في مذحج كافة حتى أحاط بالقصر ونادى : أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها (135) لم تخلع طاعة ولم تفارق جماعة ، وقد بلغنا أن صاحبنا هانياً قد قتل.
فعلم عبيدالله باجتماعهم وكلامهم ، فأمر شريحاً القاضي أن يدخل على هاني فيشاهده ويخبر قومه بسلامته من القتل ، ففعل ذلك وأخبرهم ، فرضوا بقوله وانصرفوا.

قال (136) : وبلغ الخبر إلى مسلم بن عقيل ، فخرج بمن بايعه إلى حرب عبيدالله ، فتحصن منه بقصر الامارة ، واقتتل أصحابه وأصحاب مسلم.
وجعل أصحاب عبيدالله الذين معه في القصر يتشرفون منه (137) ويحذرون أصحاب مسلم ويتوعدونهم بجنود الشام ، فلم يزالوا كذلك حتى جاء الليل.
فجعل أصحاب مسلم يتفرقون عنه ، ويقول بعضهم لبعض : ما نصنع بتعجيل الفتنة ، وينبغي أن نقعد في منازلنا وندع هؤلاء القوم حتى يصلح الله ذات بينهم.

فلم يبق معه سوى عشرة أنفس ، ودخل مسلم المسجد ليصلي المغرب ، فتفرق العشرة عنه.
فلما رأى ذلك خرج وحيداً في سكك الكوفة ، حتى وقف على باب امرأة يقال لها طوعة (138) ، فطلب منها ماءً فسقته ، ثم استجارها فأجارته ، فعلم به

(134) لم أهتد إلى من ترجم لها.
(135) ر : ووجوهنا.
(136) قال ، لم يرد في ر.
(137) منه ، لم يرد في ر.
(138) كانت أم ولد للأشعث بن قيس الكندي ، وقد كان لها ابن من غيره يقال له بلال بن أسيد ، أعتقها

=

الملهوف على قتلى الطفوف 120

ولدها ، فوشى الخبر إلى عبيدالله بن زياد ، فأحضر محمد بن الأشعث وضم إليه جماعة وأنفذه لإحضار مسلم.
فلما بلغو دار المرأة وسمع مسلم وقع حوافر الخيل ، لبس درعه وركب فرسه وجعل يحارب أصحاب عبيدالله.
ولما قتل مسلم منهم جماعة نادى إليه (139) محمد بن الأشعث : يا مسلم لك الأمان.
فقال له مسلم : وأي أمان للغدرة الفجرة ، ثم أقبل يقاتلهم ويرتجز بأبيات حمران بن مالك الخثعمي (140) يوم القرن حيث يقول :
أقسمــت لا أقتل إلا حراً وإن رأيت الموت شيئـاً نكرا
أكــره أن أخدع أو أغرا أو أخلط البارد سخنـاً مـرا
كل امرىءٍ يوماً يالقي شرا أضربكم ولا أخــاف ضرا

فقالوا له : إنك لا تخدع (141) ولا تغر ، فلم يلتفت إلى ذلك ، وتكاثروا عليه بعد أن أثخن بالجراح ، فطعنه رجل من خلفه ، فخر إلى الأرض ، فأخذ أسيراً.
فلما أدخل على عبيدالله بن زياد لم يسلم عليه ، فقال له الحرسي : سلم على الأمير.

=
الأسيد الحضرمي.
الكامل في التاريخ 4|31 ، وراجع اعلام النساء المؤمنات : 363 ـ 364 وما ذكر فيه من مصادر ترجمتها.
(139) ر : حتى قتل منهم جماعة فناداه.
(140) لم أعثر على من ترجم له.
(141) ب : فنادى إليه إنك لا تكذب ولا تغر.
الملهوف على قتلى الطفوف 121

فقال له : اسكت يا ويحك والله (142) ما هو لي بأمير.
فقال ابن زياد : لا عليك سلمت أم لم تسلم ، فإنك مقتول.
فقال له مسلم : إن قتلتني فلقد قتل من هو شرٌّ منك من هو خيرٌ مني ، وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة ، لا أحد أولى بها منك (134) .
فقال له ابن زياد : يا عاق يا شاق ، خرجت على إمامك وشققت عصى المسلمين ، وألقحت الفتنة بينهم.
فقال له مسلم : كذبت يابن زياد ، إنما شق عصى المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف (144) ، وأنا أرجوا أن يرزقني الله الشهادة على يدي أشر البرية (145) .
فقال ابن زياد : منتك نفسك أمراً ، حال الله دونه ولم يرك له أهلاً وجعله لأهله.
فقال مسلم : ومن أهله يابن مرجانة ؟
فقال : أهله يزيد بن معاوية !
فقال مسلم : الحمد الله ، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم.

(142) ياويحك والله ، لم يرد في ر.
(143) وبعد فإنك .... أولى بها منك ، لم يرد في ب.
(144) قال السيد الخوئي : زياد بن عبيد ... ، هذا هو زياد بن أبيه ، وأمه سيمة المعروفة ، وقصة إلحاقه بأبي سفيان مشهورة ، ونغله عبيدالله قاتل الحسين (عليه السلام).
وليت شعري كيف عد العلامة وابن داود هذا اللعين ابن اللعين ابا اللعين في القسم الأول من كتابيهما ، وكأنهما لم يلتفتا إلى أن زياد بن عبيد هو زياد المعروف بأمه ، والله العالم.
معجم رجال الحديث 7|309.
(145) ب ، ع : شر بريته.
منهاج البكاء في فجائع كربلاء 122

فقال ابن زياد : أتظن أن لك من الأمر شيئاً.
فقال مسلم : والله ما هو الظن ، ولكنه اليقين.
فقال ابن زياد : أخبرني يا مسلم لم أتيت هذا البلد وأمرهم ملتئمٌ فشتت أمرهم (146) بينهم وفرقت كلمتهم ؟
فقال له مسلم : ما لهذا أتيت ، ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضىً منهم وحملتموهم على غير ما أمركم به الله ، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر ، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة ، وكنا أهل ذلك كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله.
فجعل ابن زياد لعنه الله يشتمه ويشتم علياً والحسن والحسين عليهم السلام !
فقال له مسلم : أنت وأبوك أحق بالشتم ، فاقض ما أنت قاض يا عدو الله .

فأمر ابن زياد بكير بن حمران (147) أن يصعد به إلى أعلا القصر فيقتله ، فصعد به ـ وهو يسبح الله تعالى ويستغفره ويصلي على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ـ فضرب عنقه ، ونزل وهو مذعور .
فقال له ابن زياد : ما شأنك ؟
فقال : أيها الأمير رأيت ساعة قتله رجلاً أسوداً شنيء (148) الوجه حذاي عاضاً على إصبعه ـ أو قال شفتيه ـ ففزعت فزعاً لم أفزعه قط .
فقال ابن زياد : لعلك دهشت .
ثم أمر بهاني بن عروة ، فأخرج ليقتل ، فجعل يقول : وامذحجاه وأين مني

(146) أمرهم ، لم يرد في ر .
(147) في كتاب مستدركات علم الرجال 2 | 50 : بكر بن حمران الأحمري ، خبيث ملعون ، قاتل مسلم ابن عقيل .
(148) ب ، ع : سيء .
منهاج البكاء في فجائع كربلاء 123
مذحج ! واعشيرتاه وأين مني عشيرتي !
فقالوا له : يا هاني مد عنقك .
فقال : والله ما أنا بها سخي ، وما كنت لأعينكم على نفسي .
فضربه غلام لعبيد الله بن زياد يقال له رشيد (149) فقتله .
وفي قتل مسلم وهاني يقول عبدالله بن زبير الأسدي (150) ، ويقال : إنه للفرزدق \ (151) :
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هاني في السوق وابــن عقيل
إلى بطل قد هشم السيف وجـــهه وآخر يهوى من جـــــدار قتيل
أصابهما جور البغى فـــأصبحـا أحاديث من يسعى (152) بكل سبيل
ترى جسداً قد غير الموت لــونـه ونضح دم قد ســــال كل مسيل
فتىً كان أحيى من فتـاة حيـــية واقطع من ذي شفـــرتين صقيل
أيركب أسمــا الهماليــــج آمنا وقد طلبته مذحج بـــــذحول
تطوف حــــواليـه مراد وكلهم على أهبة من سائل ومســــول

(149) لم يذكروه ، وهو خبيث ملعون.
(150) عبدالله بن الزبير بن الأعشى واسمه قيس بن بجرة بن قيس بن منقذ بن طريف بن عمرو بن قعين الأسدي.
أدب الطف 1|146.
(151) ع : ويقال إنها للفرزدق وقال بعضهم إنها لسليمان الحنفي.
والفرزدق هو : همام بن غالب بن صعصعة التميمي الدارمي ، أبو فراس ، شاعر من النبلاء من أهل البصرة ، عظيم الأثر في اللغة ، كان شريفاً في قومه ، وكان أبوه من الأجواد الأشراف ، وكذلك جده ، توفي في بادية البصرة سنة 110 هـ وقد قارب المائة من عمره.
خزانة الأدب 1|105 ـ 108 ، جمهرة أشعار العرب : 163 ، الأعلام 8|93.
(152) ع : يسري.
الملهوف على قتلى الطفوف 124

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم فكونوا بغيا أرضيت بقليل (053)

قال الراوي (154) : وكتب عبيدالله بن زياد بخبر مسلم وهاني إلى يزيد بن معاوية.
فأعاد عليه الجواب يشكره فيه على فعاله وسطوته ، ويعرفه أن قد بلغه توجه الحسين (عليه السلام) إلى جهته ، ويأمره عند ذلك بالمؤاخذة والإنتقام والحبس على الظنون والأوهام.
وكان قد توجه الحسين (عليه السلام) من مكة يوم الثلاثاء (155) لثلاث مضين من ذي الحجة ، وقيل : لثمان مضين من ذي الحجة (156) سنة ستين من الهجرة ، قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه (عليه السلام) خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه.
وروى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري الإمامي (157) في كتاب دلائل الإمامة (158) قال : حدثنا أبو محمد سفيان بن وكيع (159) ، عن أبيه

(153) ع : أرغمت ببعول.
(154) الراوي ، لم يرد في ع.
(155) يوم الثلاثاء ، لم يرد في ب.
(156) وقيل لثمان مضين من ذي الحجة ، لم يرد في ب . وفي ع : وقيل يوم الأربعاء لثمان مضين من ذي الحجة.
(157) قال الشيخ الطهراني في الذريعة 8|241 : أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي المازندراني ، المتأخر عن محمد بن جرير الطبري الكبير ، والمعاصر للشيخ الطوسي المتوفى سنة 460 هـ والنجاشي المتوفى سنة 450 هـ ، والشاهد على ذلك أمور : ...
(158) دلائل الإمامة أو دلائل الأئمة ألفه بعد 411 هـ ، قال الشيخ الطهراني : وأول من نقل عن هذا الكتاب هو السيد علي بن طاووس ... ، وقد ذكرنا أن مكتبة ابن طاووس كانت تشتمل في عام 605 هـ على 1500 مجلد ، ومنها نسخة تامة من هذا الكتاب ، حيث ينقل من أوائله وأواسطه وأواخره متفرقة في تصانيفه ، وكان قد ذكر فيها اسم المؤلف ، ولم تصل هذه النسخة إلى المتأخرين عنه إلا ناقصاً.
ذريعة 8|244.
(159) في مستدركات علم الرجال 4|95 : سفيان بن وكيع ، أبو محمد ، لم يذكروه ، روى محمد بن الفرات

=

الملهوف على قتلى الطفوف 125

وكيع (160) ، عن الأعمش(161) قال : قال لي أبو محمد الواقدي(162) وزرارة ابن خلج (163) : لقينا الحسين بن علي عليهما السلام قبل أن يخرج(164) الى العراق (165) بثلاثة ، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة ، وأن قلوبهم معه وسيوفهم عليه.

=
الدهان عنه عن أبيه عن الأعمش ، وروى محمد بن جرير الطبري عنه عن أبيه عن الأعمش ، وروى عنه في دلائل الطبري كثيراً في أبواب المعجزات.
(160) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي ، أبو سفيان ، حافظ للحديث ، كان محدث العراق في عصره ، ولد بالكوفة ، توفي بفيد راجعاً من الحج سنة 197 هـ ، وقيل : 199 هـ ، وقيل : غير ذلك.
تذكرة الحفاظ 1|282 ، حلية الأولياء 8|368 ، ميزان الإعتدال 3|270 ، تاريخ بغداد 13|466 ، الأعلام 8|117.
(161) سليمان بن مهران الأسدي بالولاء ، تابعي ، أصله من بلاد الري ، ومنشؤه ووفاته بالكوفة ، يروي نحو 1300 حديثاً ، توفي سنة 148 هـ.
الطبقات 6|238 ، الوفيات 1|213 ، تاريخ بغداد 9|3 ، الأعلام 3|135.
(162) ر : الوافدي.
لم يذكروه.
(163) ب : زرارة بن صالح.
وذكر في مستدركات علم الرجال 3|425 زرارة بن خلج وزرارة بن صالح وعدهما شخصين وقال عن ابن خلج : لم يذكروه ، وهو من أصحاب الحسين (عليه السلام) ، رأى معجزته وإخباره إياه بشهادته وشهادة أصحابه . وقال عن ابن صالح : تشرف بلقاء الحسين قبل خروجه إلى العراق بثلاثة أيام ، وروى عنه.
والظاهر أنهما اسمان لشخص واحد ، والله العالم.
(164) ب : خروجه.
(165) العراقان : الكوفة والبصرة ، ويسمى العراق السواد ، لسواده بالزروع والنخيل والأشجار ، وحد السواد : من حديثة بالموصل طولاً إلى عبادان ، ومن العذيب بالقادسية إلى حلوان عرضاً ، وأما العراق في العرف فطوله يقصر عن طول السواد.
معجم البلدان 3|272 ، 4|93 ـ 95.

السابق السابق الفهرس التالي التالي