الملهوف على قتلى الطفوف 141

واحسيناه واضيعتاه بعدك يا أبا عبدالله.
قال : فعزاها الحسين (عليه السلام) وقال لها : « يا أختاه تعزي بعزاء الله ، فإن سكان السموات يموتون ، وأهل الأرض لا يبقون ، وجميع البرية يهلكون ».
ثم قال : « يا أختاه يا أم كلثوم ، وأنت يا زينب ، وأنت يا رقية (222) ، وأنت يا فاطمة (223) ، وأنت يا رباب (224) ، أنظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن علي وجهاً ولا تقلن علي هجراً ».
وروي من طريق آخر : أن زينب لما سمعت الأبيات ـ وكانت في موضع منفرد عنه مع النساء والبنات ـ خرجت حاسرة تجر ثوبها ، حتى وقفت عليه وقالت :

=
عند المؤرخين بينهما وبين أختها زينب الكبرى ، لاتحادهما في الكنية.
راجع من مصادر ترجمتها : أجوبة المسائل السروية : 226 ، الاستغاثة : 90 ، الاستيعاب 4|490 ، أسد الغابة 5|614 ، أعلام النساء المؤمنات : 181 ـ 220 ، وذكر فيه الكثير من مصادر ترجمتها.
(222) لم يذكرها المؤرخون ، وذكرها السيد الأمين في الأعيان 7|34 قائلا : ينسب لها قبر ومشهد مزور بمحلة العمارة من دمشق ، الله أعلم بصحته ، جدده الميرزا علي أصغر خان وزير الصدارة في ايران عام 1323هـ ...
(223) فاطمة بنت الإمام الحسين (عليه السلام) ، تابعية من روايات الحديث ، روت عن جدتها فاطمة مرسلاً وعن أبيها ، حملت إلى الشام مع أختها سكينة وعمتها زينب وأم كلثوم ، قيل : عادت إلى المدينة فتزوجها ابن عمها الحسن بن الحسن بن علي ، ومات عنها فتزوجها عبدالله بن عمرو بن عثمان ، ومات فأبت الزواج إلى أن توفيت سنة 110 هـ.
الطبقات 8|347 ، مقاتل الطالبيين : 119 و120 و202 و237 ، الأعلام 5|130.
(224) الرباب بنت امرئ القيس بن عدي ، زوجة الحسين السبط الشهيد ، كانت معه في وقعة كربلاء ، وبعد استشهاده جيء بها مع السبايا إلى الشام ، ثم عادت إلى المدينة ، فخطبها الأشراف ، فأبت ، وبقيت بعد الحسين سنة لم يظلها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً ، وكانت شاعرة لها رثاء في الحسين (عليه السلام).
المحبر 3|13 ، أعلام النساء 1|378 ، الأعلام النساء 1|378 ، الأعلام 1|378.
الملهوف على قتلى الطفوف 142

واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمي فاطمة الزهراء ، وأبي علي المرتضى ، وأخي الحسن الزكي ، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.
فنظر الحسين (عليه السلام) إليها وقال : « يا أختاه لا يذهبن حلمك ».
فقال : بأبي أنت وأمي أستقتل ؟! نفسي لك الفداء.
فرد غصته وتغرغرت عيناه بالدموع ، ثم قال : « هيهات هيهات ، لو ترك القطا ليلاً لنام ».
فقالت : يا ويلتاه ، أفتغصب نفسك اغتصاباً ، فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ، ثم أهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشياً عليها.
فقام (عليه السلام) فصب على وجهها الماء حتى أفاقت ، ثم عزاها (عليه السلام) بجهده وذكرها المصيبة بموت أبيه وجده صلوات الله عليهم أجمعين.
ومما يمكن أن يكون سبباً لحمل الحسين (عليه السلام) لحرمه معه ولعياله : أنه لو تركهن بالحجاز أو غيرها من البلاد كان يزيد بن معاوية لعنه الله أرسل من أخذهن إليه ، وصنع بهن من الإستيصال وسوء الأعمال ما يمنع الحسين (عليه السلام) من الجهاد والشهادة ، ويمتنع (عليه السلام) ـ بأخذ يزيد بن معاوية لهن ـ عن مقام السعادة.

منهاج البكاء في فجائع كربلاء 143

المسلك الثاني

في وصف حال(1)القتال وما يقرب من تلك الحال


(1) حال ، لم يرد في ر.
الملهوف على قتلى الطفوف 144




كتاب ليلة عاشوراء في الحديث والأدب 145

قال الراوي (2) : وندب عبيدالله بن زياد أصحابه إلى قتال الحسين (عليه السلام) ، فاتبعوه ، واستخف قومه فأطاعوه ، واشترى من عمر بن سعد آخرته بدنياه ودعاه إلى ولاية الحرب فلباه ، وخرج لقتال الحسين (عليه السلام) في أربعة (3) آلاف فارس ، وأتبعه ابن زياد بالعساكر ، حتى تكاملت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم عشرون ألفاً ، فضيق على الحسين (عليه السلام) حتى نال منه(4) العطش ومن أصحابه.
فقام (عليه السلام) واتكى على قائم (5) سيفه ونادى بأعلى صوته ، فقال : « أنشدكم الله هل تعرفونني ؟ »
قالوا : اللهم نعم ، أنت ابن رسول الله وسبطه.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ »
قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن أمي فاطمة ابنت محمد ؟ »
قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن أبي علي بن أبي طالب ؟ »

(2) الراوي ، لم يرد في ر.
(3) أربعة ، لم يرد في ر.
(4) ر : من.
(5) قائم ، لم يرد في ر.
الملهوف على قتلى الطفوف 146

قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جدتي خديجة بنت خويلد (6) أول نساء هذه الأمة إسلاماً ؟ »
قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن حمزة(7) سيد الشهداء عم أبي ؟ »
قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن جعفر الطيار (8) في الجنة عمي ؟ »

(6) خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى ، من قريش زوج رسول الله صلى الله عليه وآله الأولى ، وكانت أسن منه ، بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله قبل النبوة ، دعاها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الاسلام ، فكانت أول نساء هذه الأمة إسلاماً ، وكانت تصلي مع النبي صلى الله عليه وآله سراً ، توفيت خديجة بمكة لثلاث سنين قبل الهجرة.
الطبقات الكبرى 8|7 ـ 11 ، الإصابة قسم النساء ، صفة الصفة 2|2 ، تاريخ الخميس 1|301 ، الأعلام 2|302.
(7) حمزة ، لم يرد في ر.
وحمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو عمارة ، سيد الشهداء ، استشهد سنة 3 هـ ، عم النبي صلى الله عليه وآله ، أحد صناديد قريش وسادتهم في الجاهلية والاسلام ، هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله إلى المدينة ، حضر وقعة بدر وغيرها ، قتل يوم أحد ودفن في المدينة.
تاريخ الاسلام 1|99 ، صفة الصفوة 1|144 ، الأعلام 2|278.
(8) جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) ، يكنى أبا عبدالله ، صحابي هاشمي من شجعانهم ، أول قتيل من الطالبيين في الإسلام ، ويكنى أبا المساكين أيضاً ، وجعفر هو الثالث من ولد أبيه بعد طالب وعقيل ، وبعد جعفر علي (عليه السلام) ، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، استشهد سنة 8 هـ ، حضر وقعة مؤتة ، فنزل عن فرسه وقاتل ، ثم حمل الراية وتقدم صفوف المسلمين ، فقطعت يمناه ، فحمل الراية باليسرى ، فقطعت أيضاً ، فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيداً وفي جسمه نحو تسعين

=

الملهوف على قتلى الطفوف 147

قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله صلى الله عليه وآله أنا متقلده ؟ »
قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله أنا لا بسها ؟ »
قالوا : اللهم نعم.
قال : « أنشدكم الله هل تعلمون أن علياً (عليه السلام) كان أول الناس إسلاماً وأجزلهم (9) علماً وأعظمهم حلماً وأنه ولي كل مؤمن ومؤمنة ؟ »
قالوا : اللهم نعم.
قال : « فبم تستحلون دمي وأبي صلوات الله عليه الذائد عن الحوض غداً ، يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصادر على الماء ، والواء الحمد بيد أبي يوم القيامة ؟!! »
قالوا : قد علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً !!!
فلما خطب هذه الخطبة وسمع بناته وأخته زينب كلامه بكين وندبن ولطمن (10) وارتفعت أصواتهن.

=
طعنة ورمية.
مقاتل الطالبيين 6|18 ، البداية والنهاية 4|255 ، تهذيب التهذيب 2|98 ، أسد الغابة 1|286 ، الإصابة 1|237 ، الطبقات الكبرى 4|22 ، حلية الأولياء 1|114 ، صفوة الصفوة 1|205 ، الأعلام 2|125.
(9) ع : كان أول القوم إسلاماً وأعلمهم.
(10) وندبن ولطمن ، لم يرد في ر.
الملهوف على قتلى الطفوف 148

فوجه إليهن أخاه العباس (11) وعلياً (12) ابنه وقال لهما : « سكتاهن فلعمري ليكثرون بكاؤهن ».
قال الراوي (13) : وورد كتاب عبيدالله على عمر بن سعد يحثه على القتال وتعجيل النزال ، ويحذره من التأخير والإمهال ، فركبوا نحو الحسين (عليه السلام).
وأقبل شمر بن ذي الجوشن (14) لعنه الله فنادى : أين بنو أختي

(11) العباس بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد العامري ، وهو أكبر ولدها ، ويكنى أبا الفضل ، كان وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض ، يقال له قمر بني هاشم وهو السقاء ، كان لواء الحسين (عليه السلام) معه يوم قتل ، هو آخر من قتل من اخوته لأمه وأبيه ، قتله زيد بن رقاد الجنبي وحكيم بن الطفيل الطائي النبسي ، وكلاهما ابتلي في بدنه.
مقاتل الطالبيين : 84 ـ 85 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 131 وقال : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي.
(12) علي بن الحسين الأكبر ، يكنى أبا الحسن ، من سادات الطالبيين وشجعانهم ، أمه ليلى بنت أبي مرة ( قرة ) بن عروة ( عمرو ) بن مسعود بن مغيث ( معبد ) الثقفي ، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب ، كان له من العمر سبع وعشرون سنة ، وردت رواية أنه كان متزوجاً من أم ولد ، هو أول من قتل من بني هاشم ، طعنه مرة بن منقذ بن النعمان العبدي وهو يحوم حول أبيه ويدافع عنه ويقيه ، وانهال أصحاب الحسين على مرة فقطعوه بأسيافهم ، قيل : مولده في خلافة عثمان ، وسماه المؤرخون الأكبر تمييزاً له عن أخيه زين العابدين علي الأصغر.
مقاتل الطالبيين : 8 ـ 81 ، الطبقات 5|156 ن تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، رجال الشيخ : 76 وفيه : علي بن الحسين الأصغر ، نسب قريش : 57 ، البداية والنهاية 8|185 ، الأعلام 4|277 ، أنصار الحسين : 129 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والخوارزمي والمسعودي.
(13) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.
(14) شمر بن ذي الجوشن ـ واسمه شرحبيل ـ بن قرط الضبابي الكلابي ، ابو السابغة ، من كبار قتلة

=

الملهوف على قتلى الطفوف 149

عبدالله (15) وجعفر (16) والعباس وعثمام ؟ (17) .

=
ومبغضي الحسين الشهيد (عليه السلام) ، كان في أول أمره من ذوي الرئاسة في هوازن موصوفاً بالشجاعة ، وشهد يوم صفين مع علي (عليه السلام) ، سمعه أبو إسحاق السبيعي يقول بعد الصلاة : اللهم إنك تعلم أني شريف فاغفرلي !!! فقال له : كيف يغفر الله لك وقد أعنت على قتل ابن رسول الله ؟! فقال : ويحك كيف نصنع ، إن امراءنا هؤلاء أمرونا بأمرٍ فلم نخالفهم ! ولو خالفناهم كنا شراً من هذه الحمر ؟! ثم أنه لما قام المختار طلب الشمر ، فخرج من الكوفة وسار إلى الكلتانية ـ قرية من قرى خوزستان ـ ففجأه جمع من رجال المختار ، فبرز لهم الشمر قبل أن يتمكن من لبس ثيابه فطاعنهم قليلاً وتمكن منه أبو عمرة فقتله وألقيت جثته للكلاب.
الكامل في التاريخ 4|92 ، ميزان الاعتدال 1|449 ، لسان الميزان 3|152 ، جمهرة الأنساب : 72 ، سفينة البحار 1|714 ، الأعلام 3|157 ـ 176.
(15) عبدالله بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل خمساً وعشرين سنة ، قال له أخوه العباس : تقدم بين يدي حتى أراك وأحتسبك ... ، قتله هاني بن ثبيت الحضرمي ، وقيل : رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم وأجهز عليه رجل من بني تميم.
مقاتل الطالبيين : 82 ، تاريخ الطبري 6|89 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 76 ، أنصار الحسين : 129 ـ 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي.
(16) جعفر بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل تسع عشر سنة ، قتله خولي بن يزيد الأصبحي ، وقيل : هاني بن ثبيت الحضرمي.
مقاتل الطالبيين : 83 ، تسمية من قتل مع الحسين : 149 ، رجال الشيخ : 72 ، أنصار الحسين : 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والاصفهاني والمسعودي والخوارزمي.
(17) عثمان بن علي بن أبي طالب ، أمه أم البنين بنت حزام ، كان عمره حين قتل إحدى وعشرين سنة ، رماه خولي بن يزيد الأصبحي بسهم فأضعفه ، وشد عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وأخذ رأسه ، وعثمان هذا هو الذي روي عن علي (عليه السلام) أنه قال : إنما سميته باسم أخي عثمان بن مظعون ، وفي رواية أخرى عن هبيرة بن مريم قال : كنا جلوساً عند علي (عليه السلام) ، فدعا ابنه عثمان ، فقال له : يا عثمان ، ثم قال : إني لم اسمه باسم عثمان الشيخ الكافر ، وإنما سميته باسم عثمان بن مظعون.
مقاتل الطالبيين : 84 ، تسمية من قتل مع الحسين : 150 ، تقريب المعارف : مخطوط ، أنصار الحسين : 130 وفيه : ورد ذكره في الزيارة والإرشاد والطبري والإصفهاني والمسعودي والخوارزمي.
الملهوف على قتلى الطفوف 150

فقال الحسين (عليه السلام) : « أجيبوه وإن كان فاسقاً ، فإنه بعض أخوالكم ».
فقالوا له : ما شأنك ؟
فقال : يا بني أختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين ، وألزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.
فناداه العباس بن علي : تبت يداك ولعن ماجئت به من أمانك يا عدو الله ، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء أولاد اللعناء.
فرجع الشمر إلى عسكره مغضباً.
قال الراوي (18) : ولما رأى الحسين (عليه السلام) حرص القوم على تعجيل القتال وقلة انتفاعهم بالوعظ (19) والمقال قال لأخيه العباس : « إن استطعت أن تصرفهم عنا في هذا اليوم فافعل ، لعلنا نصلي لربنا في هذه الليلة ، فانه يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه ».
قال الرواي (20) : فسألهم العباس ذلك ، فتوقف عمر بن سعد ، فقال له عمر (21) بن الحجاج الزبيدي : والله لو أنهم من الترك والديلم وسألوا ذلك لأجبناهم ، فكيف وهم آل محمد ، فأجابوهم إلى ذلك.
قال الراوي(22) : وجلس الحسين (عليه السلام) فرقد ، ثم استيقظ وقال (23) : « يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمداً صلى الله عليه وآله وأبي علياً وأمي فاطمة وأخي الحسن

(18) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.
(19) ع : بمواعظ الفعال.
(20) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.
(21) ع : عمرو.
(22) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.
(23) ب : قال ، ع : فقال.
الملهوف على قتلى الطفوف 151

وهم يقولون : يا حسين إنك رائحٌ (24) إلينا عن قريب ».
وفي بعض الروايات : « غداً ».
قال الراوي (25) : فطمت زينب وجهها وصاحت.
فقال لها الحسين (عليه السلام) : « مهلاً ، لا تشمتي (26) القوم بنا ».
ثم جاء الليل ، فجمع الحسين (عليه السلام) أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم أقبل عليهم وقال : « أما بعد ، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم ، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً ، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً ، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي ، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ، فإنهم لا يريدون غيري ».
فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر (27) : ولم نفعل ذلك ، لنبقي بعدك ! لا أرنا الله ذلك أبداً ، وبدأهم بهذا القول العباس بن علي ، ثم تابعوه.
قال الراوي (28) : ثم نظر إلى بني عقيل(29) وقال : « حسبكم من القتل

(24) ر : راحلٌ.
(25) قال الراوي : لم يرد في ر . الراوي ، لم يرد في ب.
(26) ر : لا يشمت.
(27) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، صحابي ، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها ، وهو أول من ولد بها من المسلمين ، كان كريماً يسمى بحر الجود ، وللشعراء فيه مدائح ، وكان أحد الأمراء في جيش علي يوم صفين ، توفي بالمدينة سنة 80 هـ ، وقيل : غير ذلك.
الإصابة ترجمة رقم 4582 ، فوات الوفيات 1|209 ، تهذيب ابن عساكر 7|325 ، الأعلام 4|76 ، زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي.
(28) لفظ : الراوي ، لم يرد في ر.
(29) عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ، أبو يزيد ، أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها ، صحابي فصيح اللسان شديد الجواب ، وهو أخو علي وجعفر لأبيها ، وكان أسن

=

الملهوف على قتلى الطفوف 152

بصاحبكم مسلم ، إذهبوا فقد أذنت لكم ».
وروي من طريق آخر قال : فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته وقالوا : يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا (30) وماذا نقول لهم ، إذ تركنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وإمامنا وابن بنت نبينا ، لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف ، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً ، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك.
ثم قام مسلم بن عوسجة (31) وقال : نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذ العدو ، لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولم أفارقك أو أموت دونك.

=
منهما ، هاجر إلى المدينة سنة 8 هـ ، عمي في أواخر أيامه ، توفي أول أيام يزيد ، وقيل : في خلافة معاوية.
الإصابة ترجمة رقم 5630 ، البيان والتبيين 1|174 ، الطبقات 4|28 ، التاج 8|30 ، الأعلام 4|242.
(30) لنا ، لم يرد في ر.
(31) مسلم بن عوسجة الأسدي ، من أبطال العرب في صدر الإسلام ، أول شهيد من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الأولى ، كان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ، كان يأخذ البيعة للإمام الحسين (عليه السلام) في الكوفة ، عقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد حين تحركه القصير الأجل ، كان عند حضوره وقعة كربلاء شيخاً كبير السن ، وكان من الشخصيات البارزة في الكوفة ، أبدى شبث بن ربعي أسفه لقتله.
رجال الشيخ : 80 ، تاريخ الطبري 5|435 و369 ، البحار 45|69 ، الأخبار الطوال : 249 و250 و252 ، الكامل في التاريخ 4|28 ، الأعلام 7|222 ، أنصار الحسين : 108 ، تسمية من قتل مع الحسين : 52 وفيه : مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة قتله مسلم بن عبدالله وعبيدالله بن أبي خشكاره.
الملهوف على قتلى الطفوف 153

قال : وقام سعيد (32) بن عبدالله الحنفي فقال : لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله ، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حياً ثم أذرى ـ يفعل بي ذلك سبعين مرة ـ ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك ، فكيف (33) وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً ؟!
ثم قام زهير بن القين وقال : والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك.
قال : وتكلم جماعة من أصحابه بمثل ذلك وقالوا : أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا ، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا.
وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي (34) في تلك الحال : قد أسر إبنك بثغر الري (35) .

(32) ر : سعد.
(33) ع : وكيف لا أفعل.
(34) ب : محمد بن بشير الحضرمي.
وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات 180 ذكر نص هذا الخبر وذكر اسمه كما هنا ، لكن في تاريخ الطبري 5|444 وأنساب الأشراف : 196 ذكر اسمه بشير بن عمرو ، فلاحظ.
(35) ر : بشعر الروم ، والمثبت من : ب . ع.
والثغر بالفتح ثم السكون : وراء كل موضع قريب من أرض العدو ، كأنه مأخوذ من الثغرة التي هي في الحائط.
والري : مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن ، كثيرة الفواكه والخيرات ، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخاً.
معجم البلدان 2|79 و3|116.
الملهوف على قتلى الطفوف 154

فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يوسر وأن أبقى بعده.
فسمع الحسين (عليه السلام) قوله فقال : « رحمك الله ، أنت في حل من بيعتي ، فاعمل في فكاك ابنك ».
فقال : أكلتني السباع حياً إن فارقتك.
قال : فأعط إبنك هذه البرود (36) يستعين بها في فكاك أخيه.
فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.
قال الراوي (37) : وبات الحسين (عليه السلام) وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد ، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً (38) .
قال (39) : فلما كان الغداة أمر الحسين (عليه السلام) بفسطاطه فضرب وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل فيها نورة (40) ، ثم دخل ليطلي.
فروي : أن برير بن حصين (41) الهمداني وعبدالرحمن بن عبد ربه

(36) البرد بالضم فالسكون : ثوب مخطط ، وقد يقال لغير المخطط أيضاً ، وجمعه برود وأبرد ، ومنه الحديث : الكفن يكون برداً ...
مجمع البحرين 3|13.
(37) الراوي ، لم يرد في ر.
(38) في نسخة ع جاء بعد قوله اثنان وثلاثون رجلاً :
وكذا كانت سجية الحسين (عليه السلام) في كثرة صلاته وكمال صفاته ، وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد قال : قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام : ما أقل ولد أبيك ؟ فقال : العجب كيف ولدت له ، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة ، فمتى كان يتفرغ للنساء.
(39) قال ، لم يرد في ر.
(40) ر : وأمر بحفية فيها مسك كبير وجعل عندها نورة . والمثبت من ب . ع.
(41) ب . ع . خضير ، وفي حاشية ر : حضير خ ل.
الملهوف على قتلى الطفوف 155

الأنصاري (42) وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن.
فقال له عبدالرحمن : يا برير أتضحك ! ما هذه ساعة ضحك ولا باطل.
فقال برير : لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل كهلاً ولا شاباً ، وإنما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه ، فوالله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم بها ساعة ، ثم نعانق الحور العين.
قال الراوي (43) : وركب أصحاب عمر بن سعد ، فبعث الحسين (عليه السلام) برير بن حصين (44) فوعظهم فلم يسمعوا وذكرهم (45) فلم ينتفعوا.
فركب الحسين (عليه السلام) ناقته ـ وقيل : فرسه ـ فاستنصتهم فأنصتوا ، فحمد الله وأثنى عليه وذكره بما هو أهله ، وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وعلى الملائكة والأنبياء والرسل ، وأبلغ في المقال ، ثم قال :
« تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً (46) حين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين ، سللتم علنا سيفاً لنا في ايمانكم ، وحششتم علينا ناراً اقتد حناها

(42) ر : عبد الرحمن عبد ربه . والمثبت من ب . ع.
وهو عبدالرحمن بن عبد ربه ـ رب ـ الأنصاري من بني سالم بن الخزرج ، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) رباه وعلم القرآن ، أحد الذين كانوا يأخذون البيعة للحسين (عليه السلام) في الكوفة ، ويبدو أنه كان من إحدى الشخصيات البارزة.
تاريخ الطبري 5|423 ، رجال الشيخ : 76 ـ 77 ، تسمية من قتل مع الحسين : 153 ، البحار 45|1 ، أنصار الحسين : 97.
(43) الراوي ، لم يرد في ر.
(44) ع : خضير . حاشية ر : حضير.
(45) ب : ومذكرهم.
(46) ر : وبرحاً.
الملهوف على قتلى الطفوف 156

على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم أولياء (47) لأعدائكم على أوليائكم بغير عدلٍ أفشوه (48) فيكم ولا أملٍ أصبح لكم فيهم.
فهلا ـ لكم الويلات ـ تركتمونا والسيف مشيمٌ والجأش ضامرٌ والرأي لما يستحصف ، ولكن أسرعتم إليها كطير الدبا ، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش.
فسحقاً لكم يا عبيد الأمة ، وشرار (49) الأحزاب ، ونبذة الكتاب ، ومحرفي الكلم ، وعصبة الآثام ، ونفثة (50) الشيطان ، ومطفئ السنن.
أهؤلاء تعضدون ، وعنا تتخاذلون ؟!
أجل والله غدرٌ فيكم قديم وشحت عليه (51) أصولكم ، وتأزرت عليه فروعكم ، فكنتم أخبث شجاً (52) للناظر وأكلة للغاصب.
ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين : بين السلة ، والذلة ، وهيهات منا الذلة ، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية : من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
ألا وإني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلان الناصر ».

(47) ع : ألباً.
(48) ر : أفشوا.
(49) ع : وشذاذ.
(50) في حاشية ر : وفئة خ.
(51) ع : وشجت إليه.
(52) ع : ثمر شجاً.

السابق السابق الفهرس التالي التالي