الملهوف على قتلى الطفوف 97

يأمره (34) بأخذ البيعة له على أهلها (35) وخاصةً على الحسين بن علي عليهما السلام (36) ، ويقول له : إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه.
فأحضر الوليد مروان بن الحكم (37) واستشاره في أمر الحسين (عليه السلام).
فقال : إنه لا يقبل ، ولو كنت مكانك لضربت (38) عنقه.
فقال الوليد : ليتني لم أك شيئاً مذكوراً.
ثم بعث إلى الحسين (عليه السلام) ، فجاءه في ثلاثين رجلاً من أهل بيته ومواليه ، فنعى الوليد إليه معاوية ، وعرض عليه البيعة ليزيد.
فقال : « أيها الأمير ، إن البيعة لا تكون سراً ، ولكن إذا دعوت الناس

=
إبانها بمكة ، وظل في المدينة إلى أن توفي بالطاعون سنة 64 هـ ، حج بالناس سنة 62 هـ.
مرآة الجنان 1|140 ، نسب قريش : 133 و433 ، الأعلام 8|121.
(34) ع : أمير المدينة يأمره ، ب : كتب يزيد إلى الوليد يأمره.
والمدينة : مدينة رسول الله ، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد ، وللمدينة اسماء كثيرة ، منها : طيبة ويثرب والمباركة.
معجم البلدان 5|82.
(35) ع : على أهلها عامة ، ولفظ عامة لم يرد في ر . ب.
(36) ع . ب : عن الحسين (عليه السلام).
(37) ابن الحكم ، لم يرد في ع . ب.
ومروان هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف ، أبو عبد الملك ، خليفة أموي ، أول من ملك من بني الحكم بن أبي العاص ، إليه ينسب بنو مروان ، ودولتهم المروانية ، ولد بمكة ونشأ بالطائف وسكن المدينة ، جعله عثمان من خاصته واتخذه كاتباً له ، وبعد قتل عثمان خرج مروان مع عائشة إلى البصرة ، وشهد صفين مع معاوية ، ولي المدينة سنة في ولاية معاوية ، أخرجه منها عبدالله بن الزبير فسكن الشام ومات سنة 65 بالطاعون ، وقيل : قتلته زوجته أم خالد.
أسد الغابة 4|348 ، تاريخ ابن الأثير 4|74 ، تاريخ الطبري 7|34 ، الأعلام 7|207.
(38) ب : ضربت.
الملهوف على قتلى الطفوف 98

غداً فادعنا معهم ».

فقال مروان : لا تقبل أيها الأمير عذره ، ومتى لم يبايع فاضرب عنقه.
فغضب الحسين (عليه السلام) ثم قال : « ويلي عليك يابن الزرقاء ، أنت تأمر بضرب عنقي ، كذبت والله ولؤمت (39) ».
ثم أقبل على الوليد فقال : « أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ، وبنا فتح الله وبنا ختم الله (40) ، ويزيد رجلٌ فاسق شارب الخمر (41) قاتل النفس المحرمة معلن بالفسق ليس له هذه المنزلة (42) ، ومثلي لا يبايع مثله (43) ، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ».
ثم خرج (عليه السلام) ، فقال مروان للوليد : عصيتني.
فقال : ويحك يا مروان ، إنك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي ، والله ما أحب أن ملك الدنيا بأسرها لي وأنني قتلت حسيناً ، والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان ، لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يزكيه وله عذابٌ أليمً.
قال : وأصبح الحسين (عليه السلام) ، فخرج (44) من منزله يستمع الأخبار ، فلقاه مروان ، فقال : يا أبا عبدالله ، إني لك ناصحٌ فأطعني ترشد.

(39) ب : وأثمت.
(40) ر : وبنا فتح الله وبنا يختم.
(41) ر : خمر.
(42) قوله : ليس له هذه المنزلة ، لم يرد في ع . ب.
(43) ع : بمثله ، ر : لمثله ، والمثبت من ب.
(44) ب : فلما أصبح الحسين (عليه السلام) خرج.
الملهوف على قتلى الطفوف 99

فقال الحسين (عليه السلام) : « وما ذاك ، قل حتى أسمع ».
فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين ، فإنه خيرٌ لك في دينك ودنياك.
فقال الحسين (عليه السلام) : « إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعلى الإسلام السلام ، إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان ».
وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان (45)
وهو غضبان (46) .

(45) مروان ، لم يرد في ر.
(46) جاء بعد هذا الموضع في نسخة ع كلام طويل لم يرد في نسخة ر . ب ، ويمكن أن يكون من حاشية المؤلف على الكتاب ، وعلى أي حال فنحن ننقل الكلام بنصه كما في نسخه ع :
يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس مؤلف هذا الكتاب : والذي تحققناه أن الحسين (عليه السلام) كان عالماً بما انتهت حاله إليه ، وكان تكليفه ما اعتمد عليه.
أخبرني جماعة ـ وقد ذكرت أسماءهم في كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى ـ بإسنادهم إلى أبي جعفر محمد بن بابوية القمي فيما ذكر في أماليه ، باسناده إلى المفضل بن عمر ، عن الصادق (عليه السلام) ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام :
أن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) دخل يوماً على الحسن (عليه السلام) ، فلما نظر إليه بكى ، فقال : ما يبكيك ؟ قال : أبكي لما يصنع بك ، فقال الحسن (عليه السلام) : إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فأقتل به ، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله ، يزدلف إليك ثلاثون الف رجلٍ يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله ، وينتحلون الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك وانتهاك حرمتك وسبي ذراريك ونسائك وانتهاب ثقلك ، فعندها يحل الله ببني أمية اللعنة وتمطر السماء دماً ورماداً ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش والحيتان في البحار.
وحدثني جماعة منهم من اشرت إليه ، بإسنادهم إلى عمر النسابة رضوان الله عليه فيما ذكره في آخر كتاب الشافي في النسب ، بإسناده إلى جده محمد ابن عمر قال : سمعت أبي عمر بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحدث أخوالي آل عقيل قال :

=

الملهوف على قتلى الطفوف 100



لما امتنع أخي الحسين (عليه السلام) عن البيعة ليزيد بالمدينة ، دخلت عليه فوجدته خالياً ، فقلت له : جعلت فداك يا أبا عبدالله حدثني أخوك أبو محمد الحسن ، عن أبيه عليهم السلام ، ثم سبقتني الدمعة وعلا شهيقي ، فضمني إليه وقال : حدثك أني مقتول ؟ فقلت : حوشيت يابن رسول الله ، فقال : سألتك بحق أبيك بقتلي خبرك ؟ فقلت : نعم ، فلولا ناولت وبايعت.
فقال : حدثني أبي : ان رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بقتله وقتلي ، وأن تربتي تكون بقرب تربته ، فتظن أنك علمت مالم أعلمه ، وإنه لا أعطي الدنية من نفسي أبداً ، ولتلقين فاطمة أباها شاكية مالقيت ذريتها من أمته ، ولا يدخل الجنة أحدٌ آذاها في ذريتها.
أقول أنا : ولعل بعض من لا يعرف حقائق شرف السعادة بالشهادة يعتقد أن الله لا يتعبد بمثل هذه الحالة ، أما سمع في القرآن الصادق المقال أنه تعبد قوماً بقتل أنفسهم ، فقال تعالى : «فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلك خيرٌ لكم عند بارئكم».
ولعله يعتقد أن معنى قوله تعالى : «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» أنه هو القتل ، وليس الأمر كذلك ، وإنما التعبد به من أبلغ درجات السعادة.
ولقد ذكر صاحب المقتل المروي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في تفسير هذه الآية ما يليق بالعقل :
فروى عن أسلم قال : عزونا نهاوند ـ وقال غيرها ـ واصطفينا والعدو صفين لم أر أطول منهما ولا أعرض ، والروم قد ألصقوا ظهورهم بحائط مدينتهم ، فحمل رجلٌ منا على العدو ، فقال الناس : لا إله إلا الله ألقى نفسه إلى التهلكة ، فقال أبو أيوب الأنصاري : إنما تؤولون هذه الآية على أن حمل هذا الرجل يلتمس الشهادة ، وليس كذلك ، إنما نزلت هذه الآية فينا ، لأنا كنا قد اشتغلنا بنصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وتركنا أهالينا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلح ما فسد منها ، فقد ضاعت بتشاغلنا عنها ، فأنزل الله إنكالٌ لما وقع في نفوسنا من التخلف عن نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله لإصلاح أموالنا : « ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» ، معناه : إن تخلفتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وأقمتم في بيوتكم ألقيتم بأيدكم إلى التهلكة وسخط الله عليكم فهلكتم ، وذلك رد علينا فيما قلنا وعزمنا عليه من الإقامة ، وتحريضٌ لنا على الغزو ، وما أنزلت هذه الآية في رجلٍ حمل العدو ويحرض أصحابه أن يفعلوا كفعله أو يطلب الشهادة بالجهاد في سبيل الله رجاء ثواب الآخرة.
أقول : وقد نبهناك على ذلك في خطبة هذا الكتاب ، وسيأتي ما يكشف عن هذه الأسباب.
قال رواة حديث الحسين (عليه السلام) مع الوليد بن عتبة ومروان : ...
منهاج البكاء في فجائع كربلاء 101

فلما كان الغداة توجه الحسين (عليه السلام) إلى مكة (47) لثلاث مضين من شعبان سنة ستين.
فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة.
قال (48) : وجاءه عبدالله بن العباس رضي الله عنه (49) وعبدالله بن الزبير (50) ، فأشارا عليه بالإمساك.

فقال لهما : « إن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمرني بأمرٍ ، وأنا ماضٍ فيه ».
قال : فخرج ابن عباس وهو يقول : واحسيناه !
(47) ولها أسماء أخر كثيرة ، منها : أم القرى ، والنساسة ، وأم رحم ، وهي بيت الله الحرام.
والمك : النقض والهلاك ، وسمي البلد الحرام مكة لأنها تنقض الذنوب وتنفيها ، أو تمك من قصدها بالظلم ، أي تهلكه.
معجم البلدان 5|181 ـ 188 ، مجمع البحرين 5|289.
(48) قال ، لم يرد في ر.
(49) عبدالله بن العباس بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي ، أبو العباس ، حبر الأمة ، صحابي جليل ، ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوة ، لازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه ، وشهد مع علي (عليه السلام) الجمل وصفين ، كف بصره في آخر عمره ، فسكن الطائف وتوفي بها سنة 68 هـ.
الإصابة ترجمة رقم 4772 ، صفة الصفوة 1|314 ، حلية الأولياء 1|314 ، نسب قريش : 26 ، المحبر : 98 ، الأعلام 4|95.
(50) أبو بكر عبدالله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي ، بويع له بالخلافة سنة 64 هـ عقيب موت يزيد بن معاوية ، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق واكثر الشام ، وجعل قاعدة ملكه المدينة ، وكانت له مع الأمويين وقائع هائلة ، سار لمحاربته الحجاج الثقفي في أيام عبدالملك بن مروان ، فانتقل إلى مكة وعسكر الحجاج في الطائف ، ونشبت بينهما حروب انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة بعد أن خذله أصحابه وذلك سنة 73 هـ ، مدة خلافته 9 سنين.
تاريخ ابن الأثير 4|135 ، تاريخ الطبري 7|202 ، فوات الوفيات 1|210 ، تاريخ الخميس 2|301 ، الأعلام 4|87.
الملهوف على قتلى الطفوف 102

ثم جاءه عبدالله بن عمر (51) ، فأشار عليه (52) بصلح أهل الضلال وحذره من القتل والقتال.
فقال له : « يا أبا عبدالرحمن أما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل ، أما علمت (53) أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً ، فلم يعجل الله عليهم ، بل امهلهم وأخذهم بعد ذلك أخذ عزيز مقتدر (54) ، إتق الله (55) يا أبا عبدالرحمن ولا تدعن نصرتي ».
قال : وسمع أهل الكوفة (56) بوصول الحسين (عليه السلام) إلى مكة وامتناعه من البيعة ليزيد ، فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي (57) ، فلما تكاملوا قام فيهم

(51) عبدالله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبدالرحمن ، كف بصره في آخر حياته ، وهو آخر من توفي بمكة من الصحابة ، مولده ووفاته بمكة ، سنة وفاته مختلف فيه.
الإصابة ترجمة رقم 4825 ، طبقات ابن سعد 4|105 ـ 138 ، تهذيب الأسماء 1|278 ، الأعلام 4|108.
(52) ر . ع : إليه.
(53) ع . ب : أما تعلم.
(54) ع . ب : أخذ عزيزٍ ذي انتقام.
(55) لفظ : الله ، لم يرد في ر.
(56) الكوفة بالضم : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ، قيل : سميت الكوفة لاستدارتها.
معجم البلدان 4|322.
(57) أبو مطرف سليمان بن صرد بن الجون بن أبي الجون عبد العزى بن منقذ السلولي الخزاعي ، صحابي ، من الزعماء القادة ، شهد الجمل وصفين مع علي (عليه السلام) ، سكن الكوفة ، ترأس التوابين ، استشهد بعين الوردة ، قتله يزيد بن الحصين.
الإصابة ترجمة رقم 3450 ، تاريخ الاسلام 3|17 ، الأعلام 3|127 .
الملهوف على قتلى الطفوف 103

خطيباً . وقال في آخر خطبته :
يا معشر الشيعة ، إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله ، وقد قعد في موضعه ابنه يزيد ، وهذا الحسين بن علي عليهما السلام قد خالفه وصار إلى مكة هارباً من طواغيت آل أبي سفيان ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله ، وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه.
قال : فكتبوا إليه :
بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام ، من سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة (58) ورفاعة بن شداد (59) وحبيب بن مظاهر (60) وعبدالله بن

(58) ر : نجية.
وهو المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح الفزاري ، تابعي ، كان رأس قومه ، شهد القادسية وفتوح العراق ، كان مع علي (عليه السلام) في مشاهده ، سكن الكوفة ، ثار مع التوابين في طلب دم الحسين (عليه السلام) ، استشهد مع سليمان بن الصرد بالعراق سنة 65 هـ ، وكان شجاعاً بطلاً متعبداً ناسكاً.
الكامل في التاريخ 4|68 ـ 71 ، الإصابة ترجمة رقم 8424 ، الأعلام 7|225 ـ 226.
(59) رفاعة بن شداد البجلي ، قارئ ، من الشجعان المقدمين ، من أهل الكوفة ، من شيعة علي (عليه السلام) ، قتل سنة 66 هـ.
الكامل في التاريخ حوادث سنة 66 هـ ، الأعلام 3|29.
(60) حبيب بن مظاهر ـ أو مظهر أو مطهر ـ بن رئاب بن الأشتر بن حجوان الأسدي الكندي ثم الفقعسي ، تابعي ، من القواد الشجعان ، نزل الكوفة ، صحب علي (عليه السلام) في حروبه كلها ، وكان من شرطة الخميس ، ثم كان على ميسرة الحسين يوم كربلاء وعمره خمس وسبعون سنة ، بذل محاولة لاستقدام أنصار من بني أسد وحال الجيش الأموي دون وصولهم إلى معسكر الحسين (عليه السلام) ، كان معظماً عند الحسين ، وكان شخصية بارزة في مجتمع الكوفة ، ولما استشهد قال الحسين (عليه السلام) : احتسب

=

الملهوف على قتلى الطفوف 104

وائل (61) وسائر شيعته من المؤمنين.
سلام الله عليك ، أما بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوك وعدو أبيك من قبل ، الجبار العنيد الغشوم الظلموم الذي ابتز (62) هذه الأمة أمرها ، وغصبها فيأها ، وتأمر عليها بغير رضىً منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وعتاتها ، فبعداً له كما بعدت ثمود.
ثم أنه ليس علينا إمامٌ غيرك ، فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق ، والنعمان ابن بشير (63) في قصر الامارة ، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو بلغنا أنك قد أقبلت أخرجناه حتى يلحق بالشام (64) ،

=
نفسي وحماة أصحابي ، قتله بديل بن صريم الغفقاني.
تاريخ الطبري 5|325ـ440 ، رجال الشيخ : 72 ، تسمية من قتل مع الحسين : 152 ، لسان الميزان 2|173 ، الكامل في التاريخ حوادث سنة 61 هـ ، الأعلام 2|166 ، أنصار الحسين : 81 ـ 82.
(61) كذا في ع ، وفي ر : وابل.
والظاهر أن الصحيح اسمه : عبدالله بن وال التميمي ، كما جاء اسمه في أصحاب أمير المؤمنين في رجال الشيخ : 55 ، وجاء اسمه بعد اسم قنبر مندمجاً معه ، وهو اشتباه ، وفي مخطوطة رجال الشيخ جاء اسمه قبل اسم قنبر بعدة أسماء ، وورد اسمه في شرح النهج 3|132 ، وعدة أماكن أخرى.
(62) أي : اغتصب.
(63) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري أبو عبدالله أمير شاعر ، من أهل المدينة ، وجهته نائلة ـ زوجة عثمان ـ بقميص عثمان إلى معاوية ، فنزل الشام وشهد صفين مع معاوية ، وولي القضاء بدمشق ، وولي بعده اليمن لمعاوية ، ثم استعمله على الكوفة ، وعزل عنها وصارت له ولاية حمص ، واستمر فيها إلى أن مات يزيد ، فبايع النعمان لابن الزبير ، وتمرد أهل حمص ، فخرج هارباً ، فأتبعه خالد بن خلي الكلاعي فقتله سنة 65 هـ.
جمهرة الأنساب : 345 ، أسد الغابة 5|22 ، الإصابة ترجمة رقم 8730 ، الأعلام 8|36.
(64) بالهمزة ، ويجوز أن لا يهمز ، فيكون جمع شامة ، سميت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض

=

الملهوف على قتلى الطفوف 105

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته يابن رسول الله وعلى أبيك من قبل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم سرحوا الكتاب ، ولبثوا يومين آخرين وأنفذوا جماعة معهم نحو ماءة وخمسين صحيفة من الرجل والإثنين والثلاثة والأربعة (65) ، يسألونه القدوم عليهم.
وهو مع ذلك يتأنى فلا يجيبهم.
فورد عليه في يوم واحدٍ ستمائة كتاب ، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده منها في نوب (66) متفرقة إثنى عشر ألف كتاب.
ثم قدم عليه هاني بن هاني السبيعي (67) وسعيد بن عبدالله الحنفي (68) بهذا

=
فشبهت بالشامات ، حدها من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية ، وعرضها من جبلي طي من نحو القبلة إلى بحر الروم ، وبها من أمهات المدن حلب ومنبج وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدس والمعرة وفي الساحل أنطاكية وطرابلس ...
معجم البلدان 3|311 ـ 315.
(65) والأربعة ، لم يرد في ر.
(66) أي : فرص متفرقة.
(67) هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي ، روى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وعنه أبو إسحاق السبيعي.
تهذيب التهذيب 11|22 ـ 23.
ولم ينعته كل من ترجمه بالسبيعي ، والسبيعي بطن من بطون همدان.
(68) ر : النخعي ، وكذا فيما يأتي.
ذكر في أكثر المصادر وفي الزيارة باسم سعد ، وهو من بني حنيفة بن لجيم من بكر بن وائل ، وهو أحد الرسل الذين حملوا رسائل الكوفيين إلى الحسين (عليه السلام) ، من أعظم الثوار تحمساً.
تاريخ الطبري 5|419 و353 ، مقتل الحسين للخوارزمي 1|195 و2|20 ، المناقب 4|103 ، البحار 45|21 و26 و70 ، تسمية من قتل مع الحسين : 154 ، أنصار الحسين : 90 ـ 91.
الملهوف على قتلى الطفوف 106

الكتاب ، وهو آخر ما ورد عليه (عليه السلام) من أهل الكوفة ، وفيه :
بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الحسين بن علي أمير المؤمنين عليهما السلام.
من شيعته وشيعة أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام).
أما بعد ، فان الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل يابن رسول الله ، فقد أخضر الجناب(69) ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، فاقدم علينا إذا شئت ، فإنما تقدم على جندٍ مجندة لك ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك.
فقال الحسين (عليه السلام) لهاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبدالله الحنفي : « خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي ورد علي معكما ؟ ».
فقالا : يابن رسول الله شبث بن ربعي(70) ، وحجار بن أبجر(70) ، ويزيد بن

(69) ع : اخضرت الجنات.
والجناب : الفناء ، وما قرب من محلة القوم.
(70) ر : ربيعي.
شبث بن ربعي التميمي اليربوعي أبو عبد القدوس ، شيخ مضر وأهل الكوفة في أيامه ، أدرك عصر النبوة ، ولحق بسجاح المتنبئة ، ثم عاد إلى الاسلام ، ثار على عثمان ، قاتل الحسين (عليه السلام) بعد أن كتب إليه يدعوه إلى المجيء ، مات بالكوفة نحو سنة 70 هـ.
وقيل : إنه لما قبض على شبث قال له إبراهيم : أصدقني ما عملت يوم الطف ؟ قال : ضربت وجهه الشريف بالسيف !! فقال له : ويلك يا ملعون ما خفت من الله تعالى ولا من جده رسول الله ، ثم جعل يشرح أفخاذه حتى مات.
الإصابة ترجمة رقم 3950 ، تهذيب التهذيب 4|303 ، ميزان الاعتدال 1|440 ، الأعلام 3|154.
(71) حجار ـ ككتان وككتاب ـ بن أبجر الكوفي ، يقال فيه : يروي عن أمير المؤمنين ، روى عنه السماك

=

الملهوف على قتلى الطفوف 107

الحارث ، ويزيد بن رويم (72(73)) ، وعروة بن قيس (74) ، وعمرو بن الحجاج (75) ، ومحمد بن عمير بن عطارد (76) .
قال (77) : فعندها قام الحسين (عليه السلام) ، فصلى(78) ركعتين بين الركن والمقام ، وسأل الله الخيرة في ذلك.
( ثم دعا بمسلم بن عقيل (79) وأطلعه على الحال ، وكتب معه جواب كتبهم

=
ابن حرب.
الرجال في تاج العروس 2|25.
(72) كذا في النسخ ، والظاهر وقوع خلل في العبارة ، والصحيح : ويزيد بن الحارث بن رويم ، لا : ويزيد ابن الحارث ويزيد بن رويم.
(73) هو : يزيد بن الحارث بن رويم الشيباني ، أدرك عصر النبوة ، وأسلم على يد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وشهد اليمامة ، ونزل البصرة ، قتل في الري سنة 68 هـ.
وفي بعض المصادر : يزيد بن رويم الشيباني ، وهذه النسبة إلى جده ، والمصادر متفقة على أنه يزيد بن الحارث بن رويم.
الكامل 4|111 ، الإصابة ترجمة رقم 9398 ، تهذيب التهذيب 8|163 ، جمهرة الأنساب : 305 ، الأعلام 8|180 ـ 181.
(74) ظاهراً الصحيح : عزرة بن قيس ، راجع : تاريخ الطبري 5|353 ، أنساب الأشراف 3|158.
(75) ر : عمر.
وفي إرشاد المفيد : 38 : عمرو بن الحجاج الزبيدي.
(76) محمد بن عمير بن عطارد بن حاجب بن زرارة التميمي الدارمي ، من أهل الكوفة ، له مع الحجاج وغيره من أمرائها أخبار ، كان أحد أمراء الجند في صفين مع علي (عليه السلام) ، توفي نحو سنة 85 هـ.
المحبر : 154 و338 و339 ، لسان الميزان 5|330 ، الأعلام 6|319.
(77) قال ، ليس في ر.
(78) ر : وصلى.
(79) ع : ثم طلب مسلم.
ومسلم هو ابن عقيل بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم ، تابعي من ذوي الرأي والعلم

=

الملهوف على قتلى الطفوف 108

يعدهم بالوصول إليهم ويقول لهم ما معناه : « قد نفذت إليكم ابن عمي مسلم ابن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من الرأي(80) ».
فسار مسلم بالكتاب حتى دخل إلى الكوفة ، فلما وقفوا على كتابه كثر استبشارهم بإتيانه إليهم ، ثم أنزلوه في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي(80) ، وصارت الشيعة تختلف إليه.
فلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) وهم يبكون(82) ، حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفاً.

=
والشجاعة ، أمه أم ولد اشتراها عقيل من الشام ، وجه به الإمام الحسين إلى الكوفة ليأخذ له البيعة على أهلها ، فخرج من مكة في منتصف شهر رمضان سنة 60 هـ ، ودخل الكوفة في اليوم السادس من شهر شوال ، وهو أول من استشهد من أصحاب الحسين (عليه السلام).
مقاتل الطالبيين : 80 ، الطبقات الكبرى 4|29 ، تسمية من قتل مع الحسين : 151 ، الكامل في التاريخ 4|8 ـ 15 ، الأخبار الطوال : 233 ، تاريخ الكوفة : 59 ، الأعلام 7|222 ، أنصار الحسين : 124 ، ضياء العينين : 13 ـ 29.
(80) ع : من رأي جميل.
(81) الثقفي ، لم يرد في ر.
والمختار هو أبن أبي عبيدة ابن مسعود الثقفي أبو إسحاق ، من زعماء الثائرين على بني أمية ، من أهل الطائف ، انتقل إلى المدينة مع أبيه ، وبقي المختار في المدينة منقطعاً إلى بني هاشم ، تزوج عبدالله ابن عمر بن الخطاب أخت المختار صفية ، وكان المختار مع علي (عليه السلام) بالعراق ، وسكن البصرة بعد علي (عليه السلام) ، قبض عليه عبيدالله بن زياد في البصرة وحبسه ونفاه بشفاعة ابن عمر إلى الطائف ، ذهب إلى الكوفة بعد موت يزيد لأخذ الثأر من قتلة الحسين ، واستولى على الكوفة والموصل وتتبع قتلة الحسين (عليه السلام) ، قتله مصعب بن الزبير بعد حرب بينهما سنة 67 هـ.
الإصابة ترجمة رقم 8547 ، الفرق بين الفرق : 31 ـ 37 ، الكامل في التاريخ 4|82 ـ 108 ، تاريخ الطبري 7|146 ، الأعلام 7|192.
(82) من قوله : فلما اجتمع ، إلى هنا لم يرد في ر.
الملهوف على قتلى الطفوف 109

وكتب عبدالله بن مسلم الباهلي (83) وعمارة بن الوليد (84) وعمر بن سعد (85) إلى يزيد يخبرونه بأمر مسلم بن عقيل ويشيرون عليه (86) بصرف النعمان بن بشير وولاية غيره.

فكتب يزيد إلى عبيدالله بن زياد (87) ـ وكان والياً على البصرة (88) ـ بأنه قد ولاه الكوفة وضمها إليه ، ويعرفه أمر مسلم بن عقيل وأمر الحسين (عليه السلام) ، ويشدد عليه في تحصيل مسلم وقتله ، فتأهب عبيدالله للمسير إلى الكوفة.

`
(83) لم يذكروه.
(84) ع : بن وليد.
لم يذكروه.
(85) عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري المدني ، سيره عبيدالله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الري ، ثم لما علم ابن زياد بمسير الحسين (عليه السلام) من مكة متجهاً إلى الكوفة كتب إلى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فعاد ، فولاه قتال الحسين (عليه السلام) ، فاستعفاه ، فهدده وذكره ولاية الري ، فأطاع ، بعث المختار من قتل عمر بن سعد حين قيامه فقتل.
الطبقات 5|125 ، الكامل في التاريخ 4|21 ، الأعلام 5|47.
(86) ر : بأمر مسلم بن عقيل ويشيرونه ، ع : بأمر مسلم ويشيرون عليه.
(87) عبيدالله بن زياد بن أبيه ، ولد بالبصرة ، وكان مع والده لما مات بالعراق ، قصد الشام فولاه عمه معاوية خراسان سنة 53 هـ وبقي فيها سنتين ، ونقله معاوية إلى البصرة أميراً عليها سنة 55 ، وأقره يزيد على امارته سنة 60 هـ ، وكانت فاجعة الطف في أيامه وعلى يده ، وبعد هلاك يزيد بايع أهل البصرة لعبيد الله ، ثم لم يلبثوا أن وثبوا عليه ، فهرب متخبئاً إلى الشام ، ثم عاد يريد العراق ، فلحق به إبراهيم الأشتر فاقتتلا وتفرق أصحاب عبيدالله فقتله ابن الاشتر في خازر من أرض الموصل ، ويدعى عبدالله بابن مرجانة ، وهي أمه كانت معروفة بالفسق والفجور.
تاريخ الطبري 6|166 و7|18 و144 ، الأعلام 4|193.
(88) البصرة بلدة إسلامية بنيت في خلافة عمر في السنة 18 من الهجرة ، سميت بذلك لأن البصرة الحجارة الرخوة ، وهي كذلك ، فسميت بها ، والبصرتان : البصرة والكوفة.
مجمع البحرين 3|225 ـ 226.
الملهوف على قتلى الطفوف 110

وكان الحسين (عليه السلام) قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنى أبا رزين (89) يدعوهم فيه إلى نصرته ولزوم طاعته ، منهم يزيد بن مسعود النهشلي (90) والمنذر بن الجارود العبدي (91) .
فجمع يزيد بن مسعود بني تميم وبني حنظلة وبني سعد (92) ، فلما حضروا قال : يا بني تميم كيف ترون موضعي منكم وحسبي فيكم ؟
فقالوا : بخٍّ بخٍّ ، أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر (93) ، حللت في الشرف وسطاً ، وتقدمت فيه فرطاً.

قال : فإني قد جمعتكم لأمرٍ أريد أن أشاوركم فيه وأستعين بكم عليه.
فقالوا : والله إنما نمنحك (94) النصيحة ونجهد (95) لك الرأي ، فقل نسمع(96) .

(89) كان مولى للحسين ، أرسله إلى أهل البصرة ، وسلمه أحد من أرسل إليهم من زعماء البصرة إلى عبدالله فقتله ، وذكر بعض المؤرخين أنه استشهد مع الحسين (عليه السلام) ، والظاهر أنه وقع خلط بين هذا وبين سليمان آخر استشهد مع الحسين (عليه السلام).
تاريخ الطبري 5|357 ـ 358 ، مقتل الخوارزمي 1|199 ، بحار الأنوار 44|337 ـ 340 ، أنصار الحسين : 74 ، ضياء العينين : 39 ـ 40.
(90) لم يذكروه.
(91) المنذر بن الجارود بن عمرو بن خنيس العبدي ، ولد في عقد النبي وشهد الجمل مع علي (عليه السلام) ، وولاه علي إمرة اصطخر ، ثم بلغه عنه ما ساءه فكتب إليه كتاباً وعزله ، ولاه عبيدالله بن زياد ثغر الهند سنة 61 هـ ، فمات فيها آخر سنة 61 هـ.
الإصابة ترجمة رقم 8336 ، جمهرة الأنساب : 279 ، الأغاني 11|117 ، الأعلام 7|292.
(92) ر : سعيد.
(93) ر : الفجر.
(94) ب : فقالوا انما والله نمنحك ، ع : إنا والله نمنحك.
(95) ب : ونحمد.
(96) ب : فقل حتى نسمع.

السابق السابق الفهرس التالي التالي