العباس عليه السلام283

بمثـل الكـرار فـي كراته بل في المعاني الغر من صفاته
ليس يد الله سـوى أبـيـه وقـدرة الله تـجلـت فـيـه
فهو يـد الله وهـذا ساعده تغنيك عن اثبـاته مشـاهـده
صولته عند النـزال صولته لولا الغلو قلت جلـت قـدرته

وهل في وسع الشاعر ان ينضد خياله أو يتسنى للكاتب ان يسترسل في وصف تلك البسالة الحيدرية وجوهر الحقيقة قائم بنفسه ماثل أمام الباحث بأجلى من كل هاتيك المعرفات في مشهد يوم الطف .
ولعمري ان حديث كربلا لم يبق لسابق في الشجاعة سبقاً ولا للاحق طريقاً الا الالتحاق به فلقد استملينا اخبار الشجعان في الحروب والمغازي يوم شأوا الاقران في الفروسية فلم يعدهم في الغالب الاستظهار بالعدد وتوفر العتاد وتهيء ممدات الحياة من المطعم والمشرب وفي المغالب ان الكفاية بين الجيشين المتقابلين موجودة .
يسترسل المؤرخون لذكر شجعان الجاهلية والحالة كما

العباس عليه السلام284

وصفناها واهتزوا طرباً لقصة ربيعة بن مكدم ـ وهي ان ربيعة بن مكدم بن عامر بن حرثان من بني مالك بن كنانة كان احد فرسان مضر المعدودين خرج بالظعينة وفيها امه ام سنان من بني أشجع بن عامر بن ليس بن بكر بن كنانة واخته أم عزة واخوه أبو القرعة ورأى الظعينة دريد بن الصمة فقال لرجل معه صح بالرجل ان خل الظعينة وانج بنفسك وهو لا يعرفه فلما رأى ربيعة ان الرجل قد ألحّ عليه ألقى زمام الناقة وحمل على الرجل فصرعه فبعث دريد آخر فصرعه ربيعة فبعث الثالث ليعلم خبر الأولين فقتله ربيعة وقد انكسر رمحه فلما وافاه دريد ورأى الثلاثة صرعى ورمحه مكسوراً قال له يا فتى مثلك لا يقتل وهؤلاء يثأرون ولا رمح لك ولكن خذ رمحي وانج بنفسك والظعينة ثم دفع إليه رمحه ورجع دريد إلى القوم واعلمهم ان الرجل قتل الثلاثة وغلبه على رمحه وقد منع بالظعينة فلا طمع لكم فيه(1) .
هذا الذي حفظته السيرة مأثرة لربيعة بن مكدم بتهالكه دون الظعائن حتى انكسر رمحه ولكن أين هو من (حامي الظعينة) يوم قاتل الالوف وزعزع الصفوف عن المشرعة

(1) امالي القالي ج 2 ص 271 والسمط ج 2 ص 910 والاغاني ج 14 ص 129 .
العباس عليه السلام285

حتى ملك الماء وملأ القربة والكل يرونه ويحذرونه وانى لربيعة من بواسل ذلك المشهد الرهيب فضلاً عن سيدهم أبي الفضل فلقد كان جامع رأيهم فلم يقدهم الا الى محل الشرف منكباً بهم عن خطة الخسف والضعة على حين ان الأبطال تتقاذف بهم سكرات الموت هذا وللسبط المقدس طرف شاخص الى صنوه البطل المقدام كيف يرسب ويطفو بين بهم الرجال ووجهه متهلل لكراته ولحرائر بي النبوة أمل موطد لحامية الظعائن .
وإليك مثالاً من بسالته الموصوفة في ذلك المشهد الدامي وهي لا تدعك الا مذعناً بما له من ثبات ممنع عند الهزاهز وطمأنينة لدى الاهوال .
الأول ـ في اليوم السابع من المحرم حوصر سيد الشهداء ومن معه وسد عنهم باب الورود ونفذ ما عندهم من الماء فعاد كل منهم يعالج لهب الاوام(1) وبطبع الحال كانوا بين أنة وحنة وتضور ونشيج ومتطلب للماء الى متحر ما يبل غلته وكل ذلك بعين «أبي علي» والغيارى من آله والاكارم من صحبه وما عسى أن يجدوا لهم وبينهم وبين الماء رماح مشرعة وبوارق مرهفة في جمع كثيف يرأسهم عمرو بن

(1) مقتل محمد بن أبي طالب .
العباس عليه السلام286

الحجاج لكن «ساقي العطاشى» لم يتطامن على تحمل تلك الحالة .
أو تشتكي العطش الفواطم عنده وبصدر صعدته الفرات المفعم
ولو استقى نهر المحمرة لارتقى وطويـل ذابلـه اليهـا سلـم
لو سد ذو القـرنين دون وروده نسفتـه همته بمـا هـو أعظم
في كفه اليسـرى السقـاء يقله وبكفـه اليمنى الحسـام المخذم
مثل السحابة للفواطـم صـوبه فيصيـب حاصبه العدو فيرجم

هناك قبض الحسين لهذه المهمة اخاه العباس في حين ان نفسه الكريمة تنازعه الى ذلك قبل الطلب ويحدوه اليه حفاظه المر فأمره ان يستقي للحرائر والصبية وان كان دونه شق المرائر وسفك المهج وضم اليه ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وبعث معهم عشرين قربة وتقدم امامهم نافع بن هلال الجملي فمضوا غير مبالين وكل بحفظ الشريعة لأنهم محتفون بشتيم من آل محمد فتقدم نافع باللواء وصاحب به عمرو بن الحجاج من الرجل وما جاء بك قال جئنا نشرب من هذا الماء

العباس عليه السلام287

الذي حلأتمونا عنه فقال له اشرب هنيئاً قال نافع لا والله لا اشرب منه قطرة والحسين ومن ترى من آله وصحبه عطاشا .
فقال لا سبيل الى سقي هؤلاء وانما وضعنا هاهنا لنمنعهم الماء ثم صاح نافع بأصحابه إملأوا قربكم وشد عليهم اصحاب ابن الحجاج فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض يقاتل وحاميهم «ابن بجدتها» مسدد الكماة المتربي في حجر البسالة الحيدرية والمرتضع من لبانها «أبو الفضل» فجاؤوا بالماء وليس في القوم المناوئين من تحدثه نفسه بالدنو منهم فرقاً من ذلك البطل المغوار فبلت غلة الحرائر والصبية الطيبة من ذلك الماء وابتهجت به النفوس(1) .
ولكن لا يفوت القارئ معرفة ان تلك الكمية القليلة من الماء ما عسى أن تجدي اولئك الجمع الذي هو أكثر من مئة وخمسين رجالاً ونساء واطفالاً او انهم ينيفون على المائتين على بعض الروايات ومن المقطوع به انه لم ترو أكبادهم الا مرة واحدة او انها كمصة الوشل فسرعان ان عاد إليهم الظما والى الله سبحانه المشتكى .
الثاني ـ كان أصحاب الحسين عليه السلام بعد الحملة الاولى التي استشهد فيها خمسون يخرج الاثنان والثلاثة

(1) تاريخ الطبري ج 6 ص 234 والاخبار الطوال ص 53 .
العباس عليه السلام288

والاربعة وكل يحمي الآخر من كيد عدوه فخرج الجابريان وقاتلا حتى قتلا وخرج الغفاريان فقاتلا معاً حتى قتلا وقاتل الحر الرياحي ومعه زهير بن القين يحمي ظهره حتى فعلا ذلك ساعة فكان اذا شدّ احدهما واستلحم شد الآخـر واستنقذه حتى قتل الحر(1) .
وفي تاريخ الطبري ج 6 ص 255 ان عمرو بن خالد الصيداوي وسعد مولاه وجابر بن الحارث السلماني ومجمع بن عبد الله العائذي شدوا جميعاً على أهل الكوفة فلما اوغلوا فيهم عطف عليهم الناس من كل جانب وقطعوهم عن اصحابهم فندب إليهم الحسين اخاه العباس فاستنقذهم بسيفه وقد جرحوا بأجمعهم وفي اثناء الطريق اقترب منه العدو فشدوا بأسيافهم مع ما بهم من الجراح وقاتلوا حتى قتلوافي مكان واحد وفازوا بالسعادة الخالدة .

(1) الطبري ج 6 ص 252 .
العباس عليه السلام289

الشهادة

لم يفتأ قمر بني هاشم دؤوب على مناصرة الحق في شمم واباء عن النزول على حكم الدنية منذ كان يرتضع لبان البسالة وتربى في حجر الامامة فترعرع ونصب عينه امثلة الشجاعة والتضحية دون النواميس الالهية لمطاردة الرجال ومجالدة الابطال فاما فوز بالظفر أو ظفر بالشهادة فمن الصعب عنده النزول على الضيم وهو يرى الموت تحت مشتبك الاسنة اسعد من حياة تحت الاضطهاد فكان لا يرى للبقاء قيمة «وامام الحق» مكدور وعقائل بيت الوحي قد بلغ منهن الكرب كل مبلغ ولكن لما كان سلام الله عليه انفس الذخائر عند السبط الشهيد واعز حامته لديه وطمأنينة الحرم بوجوده وبسيفه الشاهر ولوائه الخفاق وبطولته المعلومة لم يأن له الى النفس الاخير من النهضة المقدسة فلا الحسين يسمح به ولا العائلة الكريمة تألف بغيره ولا الحالة تدعه لأن يغادر حرائر

العباس عليه السلام290

أبيه بين الوحوش الكواسر .
هكذا كان أبو الفضل بين نزوع الى الكفاح بمقتضى غريزته وتأخر عن الحركة لباعث ديني وهو طاعة الامام عليه السلام حتى بلغ الأمر نصابه فلم يكن لجاب الغيرة او دافعها مكافئ وكان ملء سمعه ضوضاء الحرم من العطش تارة ومن البلاء المقبل اخرى (ومركز الامامة) دارت عليه الدوائر وتقطعت عنه خطوط المدد وتفانى صحبه وذووه هنالك هاج (صاحب اللواء) ولا يلحقه الليث عند الهياج فمثل أمام أخيه الشهيد يستأذنه فلم يجد أبو عبد الله بداً من الان حيث وجد نفسه لتسبق جسمه اذ ليس في وسعه البقاء على تلكا لكوارث الملمة من دون أن يأخذ ثاره من اولئك المردة فعرفه الحسين انه مهما ينظر اللواء مرفوعاً كأنه يرى العسكر متصلاً والمدد متتابعاً والاعداء تحذر صولته وترهب اقدامه وحرائر النبوة مطمئنة بوجوده فقال له (انت صاحب لوائي) ولكن اطلب لهؤلاء الاطفال قليلاً من الماء فذهب العباس الى القوم ووعظهم وحذرهم غضب الجبار فلم ينفع فرجع الى اخيه واخبره فسمع الاطفال يتصارخون من العطش فنهضت (بساقي العطاشى) غيرته الشماء واخذ القربة وركب فرسه وقصد الفرات فلم يرعه الجمع المتكاثر وكشفهم شبل علي عن الماء وملك الشريعة ومذ احس ببرده تذكر عطش الحسين

العباس عليه السلام291

فرأى من واجبه ترك الشرب لأن الامام ومن معه اضر بهم العطش فرمى الماء من يده(1) واسرع بالقربة محافظاً على مهجة الامام ولو في آن يسير وقال(2) :
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت ان تكوني
هـذا الحسيـن وارد المـنون وتشـربين بـارد المعين
تالله ما هـذا فعـال دينـي

فتكاثروا عليه وقطعوا طريقه فلم يبال بهم وجعل يضرب فيهم بسيفه ويقول :
لا أرهب الموت اذا الموت زقا حتى اُواري في المصاليت لقا
اني أنا العبـاس اغـدو بالسقا ولا اهاب المـوت يوم الملتقى

فكمن له زيد بن الرقاد الجهنى وعاونه حكيم بن

(1) البحار ج 1 ومقتل العوالم ص 94 عن بعض التأليفات .
(2) أسرار الشهادة ص 322 .
العباس عليه السلام292

الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فقطعها فأخذ السيف بشماله وجعل يضرب فيهم ويقول :
والله ان قطعتموا يميني اني احامي أبداً عن ديني
وعن امام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الامين

فكمن له حكيم بن الطفيل من وراء نخلة فضربه على شماله فبراها فضم اللواء الى صدره .
فعند ذلك أمنوا سطوته وتكاثروا عليه وأتته السهام كالمطر فأصاب القربة سهم واريق ماؤها وسهم اصاب صدره وسهم أصاب عينه وحمل عليه رجل بعمود من حديد وضربه على رأسه المقدس .
وهو بجنب العلقمي فليته للشاربين به يداف العلقم

ونادى بصوت عال عليك منّي السلام يا أبا عبد الله(1) فأتاه الحسين عليه السلام ويا ليتني علمت بماذا أتاه أبحياة مستطارة منه بذلك الفادح الجلل أو بجاذب من الاخوة الى

(1) تظلم الزهراء ص 120 .
العباس عليه السلام293

مصرع صنوه المحبوب نعم حصل الحسين عنده وهو يبصر هيكل البسالة وقربان القداسة فوق الصعيد وقد غشيته الدماء السائلة وجللته النبال ورأى ذلك الغصن الباسق قد ألم به الذبول فلا يمين تبطش ولا منطق يرتجز ولا صولة ترهب ولا عين تبصر ومرتكز الدماغ على الارض مبدد .
أصحيح ان الحسين ينظر الى تلكم الفجائع ومعه حياة تقدمه او عافية تنهض به لا والله لم يبق الحسين بعد أبي الفضل الا هيكلاً شاخصاً معرى عن لوازم الحياة وقد اعرب سلام الله عليه عن هذا الحال بقوله (الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي) .
وبان الانكسـار فـي جبينه فانكدت الجبال من حنينه
كافل أهلـه وسـاقي صبيته وحامل اللوا بعالـي همته
وكيف لا وهو جمال بهجته وفي محياه سرور مهجته

ورجع الى المخيم منكسراً حزيناً باكياً يكفكف دموعه بكمه كي لا تراه النساء(1) وقد تدافعت الرجال على مخيمه

(1) الكبريت الاحمر ص 159 عن اكسير العبادة .
العباس عليه السلام294

فنادى بصوت عال أما من مجير يجيرناأما من مغيث يثغيثنا أما من طالب حق ينصرنا أما من خائف من النار فيذب عنّا .
كل هذا : لابلاغ الحجة واقامة العذر حتى لا يعتذر احد بالغفلة يوم يقوم الناس لرب العالمين .
ولما رأته سكينة مقبلاً اخذت بعنان جواده وقالت أين عمي العباس أراه أبطأ بالماء فقال لها ا ن عمك قتل فسمعته زينب فنادت واأخاه واعباساه واضيعتنا بعدك وبكين النسوة وبكى الحسين معهن ونادى واضيعتنا بعدك أبا الفضل .

العباس عليه السلام295

المشهد المطهر

مما لا شك فيه ان الامام الشهيد أبا عبد الله عليه السلام لم يترك القتلى في حومة الميدان وانما كان يأمر بحملهم الى الفسطاط الذي يقاتلون دونه وهذا وان لم نجده صريحاً في كل واحد من المستشهدين الا ان التأمل فيما يؤثر في الواقعة يقتضيه وان طبع الحال يستدعيه ويؤيده ما في البحار من حمل الحر حتى وضع بين يدي الحسين وعند سقوط عليّ الأكبر امر الحسين فتيانه ان يحملوه الى الفسطاط الذي يقاتلون دونه وقد حمل القاسم بنفسه المقدسة حتى وضعه مع ابنه الأكبر وقتلى حوله من أهل بيته .
هذا لفظ ابن جرير وابن الاثير ومن البعيد جداً أن يحمل سيد الشهداء أهل بيته خاصة الى الفسطاط ويترك اولئك الصفوة الاكارم الذين قال فيهم «لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي» ففضلهم على كل احد حتى على

العباس عليه السلام296

اصحاب جده وأبيه وان كل احد لا يرضى من نفسه هذه الفعلة بذلك السيد الكريم الذي علم الناس الشمم والاباء والغيرة .
على ان الفاضل القزويني يحكي في تظلم الزهراء ص 118 عن غيبة النعماني ان أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول كان الحسين يضع قتلاه بعضهم مع بعض ويقول قتلة مثل قتلة النبيين وآل النبيين .
نعم مما لا شك فيه انه عليه السلام ترك اخاه العباس في محل سقوطه قريباً من المسناة لا لما يمضي في بعض الكتب من كثرة الجروح وتقطع الاوصال فلم يقدر على حمله(1) لان في وسع الامام أن يحرك ذلك الشلو المبضع الى حيث أراد ومتى شاء .
ولا لما قيل امن ان العباس اقسم عليه بجده الرسول ان يتركه في مكانه لأنه وعد سكينة بالماء ويستحي منها(2) لعدم الشهاد الواضح على كل منهما .
بل انما تركه لسر دقيق ونكتة لا تخفى على المتأمل

(1) الدمعة الساكبة ص 337 عن بعض التأليفات .
(2) الكبريت الاحمر ج 1 ص 158 . عن اكسير العبادات .
العباس عليه السلام297

ومن له ذوق سليم ولولاه لم يعجز الامام عن حمله مهما يكن الحال وقد كشفت الايام عن ذلك السر المصون وهو ان يكون له مشهد يقصد بالحوائج والزيارات وبقعة يزدلف إليها الناس وتتزلف الى المولى سبحانه تحت قبته التي تحك السماء رفعة وسناء فتظهر هنالك الكرامات الباهرة وتعرف الامة مكانته السامية ومنزلته عند الله فتقدره حق قدره وتؤدي ما وجب عليهم من الحب المتأكد والزورة المتواصلة ويكون عليه السلام حلقة الوصل بينهم وبين الله تعالى وسبب الزلفى لديه .
فشاء المهيمن تعالى شأنه وشاء وليه وحجته أن تكون منزلة أبي الفضل الظاهرية شبيهة بالمنزلة المعنوية الاخروية فكان كما شاءا وأحبا .
ولو حمله سيد الشهداء الى حيث مجتمع الشهداء في الحائر الاقدس لغمره فضل الامام الحجة عليه السلام ولم تظهر له هذه المنزلة التي ضاهت منزلة الحجج الطاهرين خصوصاً بعدما اكد ذلك الامام الصادق عليه السلام بافراد زيارة مختصة به واذناً بالدخول الى حرمه الاطهر كما شرع ذلك لائمة الهدى غير ما يزار به جميع الشهداء بلفظ واحد وليس هو الا لمزايا اختصت به .

العباس عليه السلام298

وقد ارشدتنا آثار أهل البيت على هذا الموضع من مرقده الطيب ففي كامل الزيارة لابن قولويه ص 256 بسند صحيح عن أبي حمزة الثمالي عن الصادق عليه السلام قال إذا أردت زيارة العباس بن علي وهو على شط الفرات بحذاء الحير فقف على باب السقيفة وقل سلام الله وسلام ملائكته الخ .
وحكى المجلسي أعلى الله مقامه في مزار البحار عن الشيخ المفيد وابن المشهدي زيارة اخرى له في هذا المشهد الذي أشار إليه الصادق برواية غير مقيدة بوقت من الاوقات .
وهكذا حكي عن المفيد والشهيد والسيد ابن طاووس في زيارة النصف من رجب وليلة القدر ويومي العيدين ومثله العلامة النوري في (تحية الزائر) .
وعبارة المفيد في الارشاد صريحة فيما نصت به رواية ابي حمزة الثمالي فانه قال عند ذكر من قتل من آل الحسين «وكلهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين في مشهده حفر لهم حفيرة والقوا فيها جميعاً الا العباس بن علي فانه دفن في موضع مقتله على المسناة بطريق الغاضرية وقبره ظاهر وليس لقبور اخوته واهله الذين سميناهم اثر وانما يزورهم الزائر من عند قبر الحيسن ويومي الى الارض التي نحو رجليه بالسلام

العباس عليه السلام299

عليهم وعلى ابن الحسين في جملتهم ويقال انه اقربهم دفناً الى الحسين فاما اصحاب الحسين الذين قتلوا معه فانهم دفنوا حوله ولسنا نحصل لهم اجداثاً على التحقيق ، الا انا لا نشك ان الحائر محيط بهم» .
وعلى هذا مشى العلماء المحققون والمنقبون في الآثار من كون مشهده بحذاء الحاير الشريف قريباً من شط الفرات نص عليه الطبرسي في اعلام الورى 147 والسيد الجزائري في الانوار النعمانية ص 344 والشيخ الطريحي في المنتخب والسيد الداودي في عمدة الطالب ص 349 وحكاه في رياض الاحزان ص 39 عن كامل السقيفة .
وهو الظاهر من ابن ادريس في السرائر والعلامة في المنتهى والشهيد الاول في مزار الدروس والاردبيلي في شرح الارشاد والسبزواري في الذخيرة والشيخ آغا رضا في مصباح الفقيه فانهم نقلوا كلام المفيد ساكتين عليه .

العباس عليه السلام300

ملاحظة

تقدم في نقل البحار ان الحر الرياحي حمل من الميدان ووضع امام الحسين وعليه يكون مدفوناً في الحاير الاطهر ولكن في الكبريت الاحمر ج 3 ص 124 جاءت الرواية عن مدينة العلم للسيد الجزائري ان السجاد دفنه في موضعه منحازاً عن الشهداء وفي ص 75 ذكر ان جماعة من عشيرته نقلوه عن مصرع الشهداء لئلا يوطأ بالخيل الى حيث مشهده ويقال ان امه كانت معه فأبعدته عن مجتمع الشهداء .
وإذا صحّ حمل العشيرة اياه الى حيث مشهده فلا يتم ما في مدينة العلم من دفن السجاد له فانه من البعيد جداً ان تحمله العشيرة ثم تترك عميدها في البيداء عرضة للوحوش بل لم يعهد ذلك في أي امة وملة .
وعلى كل فهذا المشهد المعروف له مما لا ريب في

العباس عليه السلام301

صحته للسيرة المستمرة بين الشيعة على زيارته في هذا المكان وفيهم العلماء والمتدينون ويظهر من الشهيد الاول المصادقة عليه فانه قال في مزار الدروس (واذا زار الحسين فيزر علي بن الحسين وهو الأكبر على الاصح وليزر الشهداء واخاه العباس والحر بن يزيد) ووافقه العلامة النوري في اللؤلؤ والمرجان ص 115 واعتماد السلطنة محمد حسن المراغي من رجال العهد الناصري في حجة السعادة على حجة الشهادة 56 طبع تبريز .
وقال المجلسي في مزار البحار عند قوله عليه السلام في زيارة الشهداء العامة (فان هناك حومة الشهداء) المراد منه معظمهم او أكثرهم لخروج العباس والحر عنهم ويشهد له ما في الانوار النعمانية ص 345 ان الشاه اسماعيل لماملك بغداد وزار قبر الحسين وبلغه طعن بعض العلماء على الحر أمر بنبشه لكشف الحقيقة ولما نبشوه رآه بهيئته لما قتل ورأى على رأسه عصابة قيل له انها للحسين فلما حلها نبع الدم كالميزاب وكلما عالج قطعة بغيرها لم يتمكن فاعادها الى محلها وتبينت الحقيقة فبنى عليه قبة وعين له خادماً واجرى لها وقفاً .

السابق السابق الفهرس التالي التالي