العباس عليه السلام266

والقواد أرهاباً واعزازاً وتفاؤلاً بالظفر فقد كتب ابن بشكم على رايته (الرائقي) نسبة الى ابن رائق وربما كتبوا آيات القرآن عليها فقد وجد في دير الظاهر مدينة برغوس في الاندلس راية من الحرير الخالص مطرزة بالنقـوش الجميلـة وعليها آيات قرآنية(1) .
وكتب أبو مسلم الخراساني بالحبر على لوائه :
«أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير»(2) . ثم انه عقد لواء بعثه إبراهيم الامام اسمه «الظل» على رمح طوله أربعة عشر ذراعاً وعقد آخر بعث به اليه اسمه «السحاب» على رمح طوله ثلاثة عشر ذراعاً(4) .
أما الوان الألوية والرايات فلا يعرف عنها شيء في الجاهلية سوى راية العقاب فانها سوداء وكذلك راية النبي

(1) التمدن الاسلامي ج 1 ص 196 وفي ص 168 ذكر اهتمام الفاطميين بالولاية والرايات والدرق فمن ذلك انهم صنعوا بيتاً بمصر يقال له «خزانة البنود» اختزنوا فيها الاعلام والرايات والاسلحة والسروج واللجم المذهبة والمفضضة وكانوا ينفقون عليها في كل سنة ثمانين ألف دينار ولما احترقت الدار بما فيها قدرت الخسارة بثمانية ملايين دينار وكان في جملتها لواء يسمونه لواء الحمد .
(2) سورة الحج ، آية : 39 .
(3) مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 73 ج 1 ص 166 .
(4) التمدن الاسلامي ج 1 ص 166 .
العباس عليه السلام267

صلى الله عليه وآله وسلم ويقال ان رايات العرب كانت بيضاء(1) أما رايات النبي صلى الله عليه وآله في مغازيه فمختلفة ففي بدر كانت راية حمزة حمراء وراية أمير المؤمنين صفراء ويوم احد وخيبر اللواء والراية أبيضان(2) وفي عين الوردة الراية بلقاء(3) .
وكانت أعلام بني أمية حمر وكل من دعا الى الدولة العلوية فعلمه أبيض ومن دعا الى الدولة العباسية فعلمه أسود ويقرب في الظن ان شعار العلويين الخضرة حتى في راياتهم فان المأمون لما عقد ولاية العهد للامام الرضا عليه السلام ألزم النالس بالخضرة وترك شعار العباسيين .
نعم لما عقد المتوكل لبنيه البيعة عقد لك ل واحد منهم لوائين احدهما أسود وهو لواء العهد والآخر أبيض وهو لواء العمل(4) .
وكيف كان فالراية عقد نظام العسكر وآية زحفهم فلا يخالون انجفالاً ما دامت تسري أمامهم فهي بتقدمها شارة الظفر

(1) آثار الدول للقرماني .
(2) مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 22 .
(3) الطبري ج 7 ص 79 .
(4) التمدن الاسلامي ج 1 ص 166 .
العباس عليه السلام268

وعلامة الفوز فلن تجد جحفلاً منثالاً وفيلقاً ملتاثاً الا اذا انكفأت الراية أوأصيب حاملها فخرت ولذلك لا تعطى الا للأكفاء الحماة الغيارى على المبدأ ممن لا يجبنه الخور أو يفشله الضعف أو يخذله الطمع .
وفي قول سيد الوصيين عليه السلام شاهد عدل على هذا فانه كان يحرض الناس يوم صفين ويقول «ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوا ولا تجعلوها الا مع شجعانكم فان المانع للذمار والصابر عند نزول الحقايق أهل الحفاظ واعلموا ان أهل الحفاظ هم الذين يحتفون براياتهم ويكتنفونها ويصيرون حفافها وامامها ووراءها ولا يضيعونها ولا يتأخرون عنها فيسلمونها ولا يتقدمون عنها فيفردونها(1)» .
ولقد كان حملة الرايات يتهالكون دون حملها الى آخر قطرة تسقط من دمائهم حذراً من وصمة الجبن وشيعة العار وسمة الخزي ولا يدع لهم ثبات الجأش وحمى الذمار واصرة الشرف ان يلقوها ما دامت أيديهم تقلها
لا عيب فيهم غير قبضهم اللوا عند اشتباك السمر قبض ضنين

من أجل ذلك كانت راية الاسلام مع أمير المؤمنين في

(1) نهج البلاغة : الخطبة 124 ص 180 .
العباس عليه السلام269

جميع مغازي الرسول ولم يفته مشهد الا تبوك حيث لم يقع فيها قتال(1) والا لما تركه النبي في المدينة مع ما يعلمه من بلائه واقدامه وفي يوم بدر اعطاه الرسول : راية الاسلام فزحف بها والمسلمون خلفه ولما يبلغ الخامسة والعشرين من عمره فأظهر الأمير المؤمنين فيها من البسالة والنجدة والبأس ما اطاش الالباب وحير العقول وجبن الشجعان ووضع من قدرها فطار (أبو الحسن) بذكرها وحاز مجدها واستأثر بفضلها وان عمله في هذا اليوم الذي كسر الله به شوكة المشركين وفل خدهم لمن خوارق العادة واجل الكرامات اذ لم يباشر قبله حرباً ولا نازل قرناً فعمل في ذلك الجمع من الكناية والقتل الذريع مالم يشاهد مثله مع ان اكثر الجمع قد مارس الحرب وقاسى الاهوال وخاض الغمرات وبارز الشجعان .
وأما يوم احد فكان اللواء مع مصعب بن عمير من بني عبد الدار وإنما أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم جبراً لقلوب من آمن به من بني عبد الدار خصوصاً لما كان لواء المشركين مع قومهم من بني عبد الدار وبعد أن فعل مصعب ذلك اليوم ما يبهر العقول وادى حق اللواء حتى قطعت يده اليمنى ثم اليسرى واذ قطعت ضم اللواء الى صدره حتى

(1) الصواعق المحرقة ص 72 .
العباس عليه السلام270

طعن بالرمح في ظهره فسقط الى الأرض قتيلاً دفع النبي صلى الله عليه وآله اللواء الى صاحبه (ابي الريحانتين) فكان لامير المؤمنين من البلاء العظيم والمقامات المحمودة ما لم يكن لأحد قط حتى عجبت من ثباته وحملاته الملائكة بقتله أصحاب الألوية ولما كانت الدبرة على المسلمين كان له الموقف المشهود أبصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماعة فقال لعلي فرقهم ففرقهم وقتل عمرو بن عبد الله الجمحي ثم ابصر جماعة اخرى فقال له فرقهم فحمل عليهم وقتل شيبة بن مالك فقال جبرائيل هذه المواساة .
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما يمنعه انه منّي وأنا منه .
فقال جبرائيل وأنا منكما .
وسمعوا صوتاً :
لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي(1)

وفي يوم خيبر لما شاهد النبي خور المسلمين وضعفهم وانتصار اليهود لانكسار (الرجلين) في اليوم الأول والثاني

(1) الطبري ج 3 ص 17 وابن الاثير ج 2 ص 75 والاغاني ج 14 ص 17 .
العباس عليه السلام271

ساءه ذلك فقال لاعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستطالت لها اعناق الرجال رجاء ان يدعوا لها فيحظون بالفتح والسعادة الخالدة .
فأتاه الوصـي أرمـد عيـن فسقاها مـن ريقه فشفـاها
ومضى يطلب الصفوف فولت عنه علمـاً بـأنـه امضاها
وبرى مـرحبـاً بكـف اقتدار اقوياء الاقدار من ضعفـاها
ودحـى بـابهـا بقـوة بأس لو حمتها الافلاك منه دحاها

وأما يوم حنين فلم يلق المسلمون اشد منه فلقد ضاقت عليهم الارض بما رحبت وبلغت القلوب الحناجر وعاتبهم الله على فرارهم عن حبيبه وخاتم رسله ولكن ظهرت في هذا اليوم عظمة (صاحب الراية) ومكانته من الرسول موقفه من الدين ومبلغه من الدفاع وثباته في وجه الخطوب حتى تراجع المسلمون .
ثم لفت هذه الراية خمساً وعشرين سنة ونشرها أمير المؤمنين يوم (الجمل) واعطاها لولده محمد بن الحنفية

العباس عليه السلام272

وقال له هذه راية رسول الله لا ترد قط فزحف بها (ابن حيدرة) والجيش خلفه وقيس بن سعد بن عبادة يقول(1) :
هذا اللواء الذي كنـا نحـف بـه مع النبي وجبـريـل لنا مددا
ما ضر من كانت الانصار عيبته ان لا يكون له من غيرها احدا
قوم اذا حـاربوا طالـت أكفهـم بالمشرفية حتى يفتحـوا البلدا

وأدى شبل علي عليه السلام حقها حتى كان الفتح كما انها كانت معه يوم النهروان(2) .
أما يوم صفين فكانت راية الهمدانيين مع سفيان بن يزيد فلما قتل اخذها اخوه عبيد ثم اخوه كرب ثم عمير بن بشير ثم الحرث بن بشير ثم وهب بن كرب وكلهم قتلوا دونها(3) وفي هذا اليوم الباهر كان لحملة الرايات من أهل العراق المقام المشكور حتى تضعضع من أقدامهم عرش معاوية لولا القضاء وابرام المحتوم .

(1) كتاب الجمل للشيخ المفيد ص 165 .
(2) الاختصاص للمفيد مخطوط .
(3) رجال المامقاني بترجمة سفيان .
العباس عليه السلام273

فكان ذوو ألويات يحرصون على رفعها لكونها معقد الجيش وبها يتم نظامهم وتتطامن نفوسهم ولم ينكسر الجيش الا بقتل صاحب الراية وسقوطها .
ومن هنا نعرف مكانة أبي الفضل من البسالة وموقفه من الشهامة ومحله من الشرف ومبوءه من الدين ومنزلته من الغيرة ومرتقاه من السؤدد يوم عبأ الحسين أصحابه فأعطى رايته اخاه «العباس» مع ان للعباس اخوة من أمه وأبيه وهناك من أولاد أبيه من لا يسلم اللواء كما ان في الاصحاب من هو أكبر سناً منه مع صدق المفادات ولكن سيد الشهداء وجد اخاه أبا الفضل اكفى ممن معه لحملها واحفظهم لذمامه وارأفهم به وادعاهم الى مبدئه وأوصلهم لرحمه واحماهم لجواره واثبتهم للطعام وأربطهم جأشاً واشدهم مراساً فكان «صاحب الراية» عند معتقد اخيه الامام ثابت الجأش في ذلك الموقف الرهيب ثبات الاسد الخادر وهذا بيان مطرد تلهج به الالسن والا فما موقف الاسد منه ومن أين له طمأنينة هذا البطل المغوار الثابت فيما يفر عنه الضرغام .
ولولا احتقار الاسد شبهتها به ولكنها معدودة في البهائم

نعم أنسب تشبيه يليق بمقامه انه كان يصول ومعه صولة

العباس عليه السلام274

أبيه المرتضى .
وللعباس مزية على من حمل اللواء وبارز الابطال وتقدم للطعان فانه عليه السلام قد ألمت به الكوارث والمحن من نواحي متعددة من جروح وعطش وفئة صرعى وحرائر ولهى واطفال امض بها الظما والواحدة منها كافية في ان تهدي الى البطل ضعفاً والى الباسل فراراً لكن صريخة بني هاشم بالرغم من كل هاتيك الرزايا كان يزحف بالراية في جحفل من بأسه وصارم من عزمه وكان في حدّ حسامه الاجل المتاح وملك الموت طوع يمينه اذاً فليس من الغريب اذا ظهر في غصن الخلافة ما يبهر العقول .
قسماً بصارمه الصقيـل وانني في غير صاعقة السما لا اقسم
لولا القضا لمحا الوجود بسيفه والله يقضي مـا يشاء ويحكم


العباس عليه السلام275

موقفه قبل الطف

يسترسل بعض الكتاب عن موقفه قبل الطف فيثبت له منازلة الاقران والضرب والطعن وبالغوا في ذلك حتى حكي عن المنتخب انه يقول كان كالجبل العظيم وقلبه كالطود الجسيم لأنه كان فارساً هماماً وجسوراً على الضرب والطعن في ميدان الكفار ويحدث صاحب الكبريت الاحمر ج 3 ص 24 عن بعض الكتب المعتبرة لتتبع صاحبها انه عليه السلام كان عضداً لأخيه الحسين يوم حمل على الفرات وازاح عنه جيش معاوية وملك الماء .
قال ومما يروى انه في بعض أيام صفين خرج من جيش أمير المؤمنين عليه السلام شاب على وجهه نقاب تعلوه الهيبة وتظهر عليه الشجاعة يقدر عمره بالسبع عشر سنة يطلب المبارزة فهابه الناس وندب معاوية إليه أبا الشعثاء فقال ان أهل الشام يعدونني بألف فارس ولكن أرسل إليه احد أولادي

العباس عليه السلام276

وكانوا سبعة وكلما خرج احد منهم قتله حتى أتى عليهم فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه ولما برز إليه الحقه بهم فهابه الجميع ولم يجرأ أحد على مبارزته وتعجب أصحاب أمير المؤمنين من هذه البسالة التي لا تعدو الهاشميين ولم يعرفوه لمكان نقابه ولما رجع الى مقره دعا أبوه أمير المؤمنين وأزال النقاب عنه فاذا هو «قمر بني هاشم» ولده العباس عليه السلام .
قال صاحب الكبريت بعد هذه الحكاية وليس ببعيد صحة الخبر لأن عمره يقدر بالسبع عشر سنة وقد قال الخوارزمي كان تاماً كاملاً .
وهذا نص الخوارزمي في المناقب ص 147 خرج من عسكر معاوية رجل يقال له كريب كان شجاعاً قوياً يأخذ الدرهم فيغمزه بابهامه فتذهب كتابته فنادى ليخرج الي علي فبرز إليه مرتفع بن وضاح الزبيدي فقتله ثم برز إليه شرحبيل بن بكر فقتله ثم برز إليه الحرث بن الحلاج الشيباني فقتله فساء أمير المؤمنين ذلك فدعا ولده العباس عليه السلام وكان تاماً كاملاً من الرجال وامره ان ينزل عن فرسه وينزع ثيابه فلبس علي ثياب ولده العباس وركب فرسه وألبس ابنه العباس ثيابه واركبه فرسه لئلا يجبن كريب عن مبارزته اذا عرفه فلما برز إليه أمير المؤمنين ذكره الآخرة وحذره بأس الله وسخطه

العباس عليه السلام277

فقال كريب لقد قتلت بسيفي هذا كثيراً من أمثالك ثم حمل على أمير المؤمنين فاتقاه بالدرقة وضربه عليّ على رأسه فشقّه نصفين ورجع أمير المؤمنين وقال لولده محمد بن الحنفية قف عند مصرع كريب فان طالب وتره يأتيك فامتثل محمد أمر أبيه فأتاه أحد بني عمه وسأله عن قاتل كريب قال محمد انا مكانه فتجاولا ثم قتله محد وخرج إليه آخر فقتله محمد حتى أتى على سبعة منهم .
وفي ص 105 من المناقب ذكر حديث العباس بن الحارث بن عبد المطلب وقد برز إليه عثمان بن وائل الحميري فقتله العباس فبرز إليه اخوه حمزة وكان شجاعاً قوياً فنهاه أمير المؤمنين عن مبارزته وقال له انزع ثيابك وناولني سلاحك وقف مكانك وأنا اخرج إليه فتنكر أمير المؤمنين وبرز إليه وضربه على رأسه فقطع نصف رأسه ووجه وابطه وكتفه فتعجب اليمانيون من هذه الضربة وهابوا العباس بن الحارث .
هذا ما حدث به في المناقب ومنه نعرف ان هناك واقعتين جرتا لأمير المؤمنين مع ولده العباس ومع العباس بن الحارث فانكار شيخنا الجليل المحدث النوري في حضور العباس في صفين مدعياَ اشتباه الامر على بعض الرواة

العباس عليه السلام278

بالعباس بن الحارث في غير محله فان الحجة على تفنيد الخبر غير تامة لأن آحاد هذا البيت ورجالاتهم قد فاقوا الكل في الفضائل جميعها وجاؤوا بالخوارق في جميع المراتب فليس من البدع اذا صدر من أحدهم ما يمتنع مثله عن الشجعان وان لم يبلغوا مبالغ الرجال .
فهذا القاسم بن الحسن السبط لم يبلغ الحلم يوم الطف وقد ملأ ذلك المشهد الرهيب هيبة واهدى الى قلوب المقارعين فرقاً والى الفرائص ارتعاداً والى النفوس خوراً غير مبال بالجحفل الجرار ولا بمكترث بمزدحم الرجال حتى قتل خمسة وثلاثين فارساً(1) وبطبع الحال فيهم من هو أقوى منه لكن البسالة وراثة بين اشبال (علي) على حدّ سواء فهم فيها كأسنان المشط صغيرهم وكبيرهم كما انهم في الانفة عن الدنية سيان فلم يغتالوا الشبل الباسل حتى وقف يشد شسع نعله وهو لا يزن الحرب الا بمثله وقد أنف (شبل الوصي) أن يحتفي في الميدان .
أهـوى يشـد حذاءه والحرب مشرعة لأجله
ليسومها ما ان غلت هيجاؤها بشراك نعـله
متقلداً صمصـامـه متفيئاً بظـلال نصلـه


(1) نفس المهموم ص 170 وحكى عن أمالي الصدوق انه قتل ثلاثة .
العباس عليه السلام279

لا تعجبـن لفعلـه فالفرع مرتهن بأصله
السحب يخلفها الحيا والليث منظور بشبله
يردي الطليعة منهم ويريهم آيـات فعله(1)

وهذا عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب بارز يوم الطف الالوف مع صغر سنه حتى قتل منهم على رواية محمد بن أبي طالب ثلاثة وتسعين رجلا بثلاث حملات .
وهذا محمد بن الحنفية فان له مواقف محمودة في الجمل وصفين والنهروان وكانت الراية معه فأبلى بلاءاً حسناً سجله له التاريخ وشكره الاسلام وكان صغير السن على ما يظهر من السبط في تذكرة الخواص وابن كثير في البداية ج 9 ص 38 فانهما نصا على وفاته سنة 81 عن خمس وستين فتكون ولادته سنة 16 وله يوم البصرة الواقع سنة 36 عشرون سنة .
وحينئذ فلا غرابة في التحدث عن موقف أبي الفضل وما أبداه من كر واقدام خصوصاً بعدما أوقفنا النص النبوي الآتي على ما حواه ولد أبي طالب من بسالة وبطولة .
وأما يوم شهادة أخيه الامام المجتبى فله أربع وعشرون

(1) للعلامة السيد مير علي أبو طبيخ رحمه الله .
العباس عليه السلام280

سنة وقد ذكر صاحب كتاب «قمر بني هاشم» ص 84 انه لما رأى جنازة سيد شباب أهل الجنة ترمى بالسهام عظم عليه الأمر ولم يطق صبراً دون ان جرّد سيفه وأراد البطش بأصحاب «البغلة» لولا كراهية السبط الشهيد الحرب عملاً بوصية اخيه (لا تهرق من أمري محجمة من دم) فصبر أبو الفضل على احرّ من جمر الغضا ينتظر الفرصة ويترقب الوعد الالهي فاجهد النفس وبذل النفيس في مشهد (النواويس) وحاز كلتا الحسنين .

العباس عليه السلام281

موقفه في الطف

ربما يستعصي البيان عن الافاضة في القول في هذا الفصل لشدة وضوحه وربما اعقب الظهور خفاء فان من أبرز الصفات الحميدة في الهاشميين الشجاعة وقد جبلوا عليها وبالاخص الطالبيين وقد اوقفنا على هذه الظاهرة الحديث النبوي «لو ولد الناس أبو طالب كلهم لكانوا شجعاناً»(1) إذاً فما ظنك بطالبي أبوه أمير المؤمنين قاتل عمر بن عبد ود ومزهق مرحب وقالع باب خيبر وقد عرق في ولده البسالة كلها والشهامة بأسرها وعلمه قراع الكتائب فنشأ بين حروب طاحنة وغارات شعواء وخؤولته العامريون الذين شهد لهم عقيل بالفروسية وللخؤولة كالعمومة عرق ضارب في الولد ومن هنا قالت العرب فلان معم مخول اذا كان كريمهم وحوى المزايا

(1) غرر الخصائص للوطواط ص 17 في باب حفظ الجوار .
العباس عليه السلام282

الحميدة عنهما(1) ولم يعقد أمير المؤمنين على ام البنين الا لتلد له هذا الفارس المغوار والبطل المجرب فما اخطأت ارادته الغرض ولا عدى سهمه المرمى .
فكان أبو الفضل رمز البطولة ومثال الصولات يلوح البأس على أسارير جبهته فاذا يمم كمياً قصده الموت معه أو التقى بمقبل ولاه دبره ولم يبرح هكذا تشكوه الحرب والضرب وتشكوه الهامات والاعناق ما خاض ملحمة الا وكان ليلها المعتكر ولم يلف في معركة الا وقابل ببشره وجهها المكفهر .

(1) تاج العروس ج 7 ص 312 وج 8 ص 400 وقد نظم هذه الخاصة أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي المتوفى سنة 373 ففي معجم البلدان ج 1ص 63 بمادة امل انه قال :
بآمل مولـدي وبنـو جرير فاخوالي ويحكي المرء خاله
فها أنا رافضي عن تراث وغيري رافضي عن كلاله
عرض بابن جرير صاحب التاريخ فانه اخو امه وكان من أهل السنة وانما نسبه الى التشيع الحنابلة لتصحيحه حديث الغدير فتشيعه ادعائي وهو المعبر عنه (بالكلالة) فانها في اللغة ما لم يكن من النسب لحاً فقول الحموي في المعجم كذب الخوارزمي لان ابن جرير من اعلام السنة مبني على عدم فهمه والغرض من البيت فالخوارزمي لم يعرتف بتشيعه .

السابق السابق الفهرس التالي التالي