العباس عليه السلام302

الحائر

جاء في حديث الصادق عليه السلام لفظ الحير فانه قال :
«وهو على شط الفرات بحذاء الحير» والحير بالفتح فالسكون كالحائر هو المكان المنخفض الذي يسيل إليه ماء الامطار ويجتمع فيه(1) وفي تاج العروس بمادة حور . الحائر اسم موضع فيه مشهد الامام المظلوم الشهيد أبي عبد الله الحسين .
ولم تحدث التسمية بالحائر من استدارة الماء حول القبر المقدس حين اجري عليه بأمر المتوكل العباسي لان لفظ الحائر والحير وقع في لسان الصادق والكاظم قبل

(1) نصّ عليه في الصحاح ج 2 ص 640 والمصباح والقاموس ومعجم البلدان : ج 2 ص 329 .
العباس عليه السلام303

استخلاف المتوكل .
نعم ان الله سبحانه أكرم حجته ووليه المذبوح دون دينه القويم ممنوعاً من ورود الماء الذي جعل شرع سواء لعامة المخلوقات باستدارة الماء حول قبره يوم اجري عليه لاعفاء أثره ومحو رسمه (ولن يزداد أثره الا علواً) .
ولقد شعت هذه الآية الباهرة فاستضاءت منها الحقف والاعوام واهتزت لها الاندية والمحافل ارتياحاً وتناقلها العلماء المنقبون في جوامعهم منهم الشهيد الاول في الذكرى والاردبيلي في شرح الارشاد والسبزواري في الذخيرة والشيخ الطريحي في المنتخب والشيخ المحقق في «الجواهر» .
وكم لآل الرسول من براهين كاثرت النجوم بكثرتها وقد اجتهد أهل العناد في اغفالها او افتعال نظائرها لأئمتهم حقداً وحسداً «ويأبى الله إلا أن يتمّ نوره»(1) .
ومن يباريهم وفي الشمس معنى مجهد متعـب لمـن بـاراها
ورثـوا مـن محمد سبق أولا ها وحازوا ما لم تحز اخراها
قـادة علمهـم ورأي حجـاهم مسمعاً كل حكمـة منظـراها


(1) سورة التوبة ، آية : 32 .
العباس عليه السلام304

علماء أئمة حكماء يهتدي النجم باتباع هداها

يتحدث اليافعي في مرآة الجنان ج 4 ص 273 عن كرامة لاحمد بن حنبل فيقول زادت دجلة زيادة مفرطة حتى خربت مقبرة أحمد بن حنبل سوى البيت الذي فيه ضريحه فان الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها الغبار حول القبر صح الخبر .
هكذا يرتاح لهذه الكرامة ويصحح الخبر ولكنه يتوقف عن اثبات تلك الكرامة لسيد شباب أهل الجنة وفلذة كبد الاسلام وريحانة النبي الأعظم .
وما ادري بماذا يعتذر يوم جرفت دجلة قبر ابن حنبل ومحت أثره حتى لم يعرف له ضريح الى اليوم(1) .
وقد اجاد العلامة الشيخ محمد السماوي اذ يقول :
ألا من عذيري يا بني العلم والحجى من اليافعي الحنبلي المجلل
يكذبني ان قلت قبـر ابـن فاطـم عليه استدار الماء للمتوكل

(1) بغداد في عهد العباسيين ص 146 .
العباس عليه السلام305

ويزعم حار الما ولم تجل غبرة على حصر كانت بقبر ابن حنبل

وان لأمثال ذلك في كتبهم أُنشئ الكثير أرادوا به المقابلة لما صدر من آل النبي المعصومين والاشارة الى بعض ما أوقفنا البحث عليه وان يخرجنا عن وضع الرسالة الا ان الغرض تعريف القارئ بأن العداء كيف يأخذ بالشخص الى انكار البديهي والتعامي عن النيرات .
ذكر اليافعي في مرآة الجنان ج 3 ص 113 ان أبا اسحق الشيرازي المتوفى سنة 476 هجرية لما ورد بلاد العجم خرج اهلها اليه بنسائهم واطفالهم للتبرك به فكانو يمسحون أردانهم به ويأخذون من تراب نعله فيستشفون به .
واذا صح مثل هذا فلماذا كان الاستشفاء بتربة الحسين وهو سيد شباب أهل الجنة بدعة وضلالة .
ثم في ج 3 ص 133 منه يعد من فضائل احمد وكراماته وما حباه الله عن خدمته في الدين ان ابراهيم الحربي رأى في المنام بشر الحافي خارجاً من مسجد الرصافة وفي كمه شيء فسأله عنه فقال لما قدم علينا روح احمد بن حنبل نثر عليه الدر والياقوت فهذا مما التقطته .

العباس عليه السلام306

أصحيح ان تعد هذه الرؤيا من الكرامات ويعد من الباطل حديث الرسول الأعظم في حق سيد الوصيين ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى ولولاه لما قام للدين عمود ولما اخضر له عود وذلك لما تزوج أمير المؤمنين من سيدة نساء العالمين بأن الله تعالى أمر شجرة طوبى أن تحمل صكاكاً فيها براءة لمحبي علي وفاطمة من النار وأنشأ تحتها ملائكة التقطوا ما نثرته عليهم يحفظونه الى يوم القيامة كرامة لعلي وفاطمة .
ثم يرمي راوي هذه الكرامة بالجهالة والرفض ويعد الحديث من الموضوعات(1) مع شهرة الحديث بين المحدثين والمنقبين في الآثار .
وجاء السبكي فعد في طبقات الشافعية ج 1 ص 215 من فضائل احمد بن نصر الخزاعي الذي قتله الواثق على مسألة خلق القرآن تكلم رأسه بالقرآن لما قطع وبقي يقرأه الى ان ألحق بالجسد ودفن .
واذ سمعوا بأن رأس الحسين الذي قتل في سبيل الدعوة الالهية واحياء الدين يتكلم بالقرآن لا تمام الحجة

(1) اللئالئ المصنوعة للسيوطي ج 1 ص 198 .
العباس عليه السلام307

وتعريفاً للامة طغيان اولئك الامراء ولئلا تذهب تلك التضحية المقدسة ادراج التمويهات طعنوا في الحديث ونسبوا روايه الى الرفض والجهالة مع ان الحسين لم يخرج عن كونه ابن الرسول وقد شهد الصادقالامين له ولأخيه المجتبى بانهما اماما هذه الامة ان قاما وان قعدا وانهما سيدا شباب أهل الجنة ولم يخرج اشراً ولا بطراً ولا ظالماً للعباد ولا غاصباً للحقوق .
ولم يقتنع بذلك حتى ادعى كلامة لاسماعيل الحضرمي وانها من المستفيض قال في ج 5 ص 51 من طبقات الشافعية ان اسماعيل بن محمد بن اسماعيل الحضرمي كان في سفر ومعه خادمه فأشرفت الشمس على الغروب فقال لخادمه قل للشمس تقف حتى نصل المنزل ونصلي فقال الخادم ان الفقيه اسماعيل يقول لك قف فوقفت حتى بلغ المنزل وصلى ثم قال للخادم اما تطلق ذلك المحبوس فأمرها الخادم بالغروب فغابت واظلم الليل في حال .
هكذا يقول الخبر من المستفيض في رجل قصارى ما يتخيل فيه انه احد الأولياء وينكر حديث رد الشمس لامير المؤمنين وكان من أعلام النبوة .

العباس عليه السلام308

ويرتاح الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج 4 ص 423 الى حديث الوركاني بوقوع المآتم والنوح في أربعة اصناف من الناس المسلمين واليهود والنصارى والمجوس يوم وفاة احمد بن حنبل .
ولا يكون هذا من البدعة والشناعة والخروج عن اخلاق المؤمنين كماتحاملوا بذلك على الشيعة في اقامتهم المآتم والنياحة على سليل الرسول وريحانته حتى قال الغزالي في مكاشفة القلوب ص 187 (إياك أن تشتغل ببدع الرافضة من الندب والنياحة والحزن فان ذلك ليس من اخلاق المؤمنين) .
وضرب على وتره غير واحد من المؤرخين وما ذنب الشيعة والمشرع الأعظم بكى على ولده الحسين وهو حيّ يرزق لمجرد تذكر ما يجري عليه فيخرج الى المسجد ودموعه جارية فتبكي الصحابة لبكائه وفيهم أبو بكر وعمر وأبو ذر وعمار ويسأل عن سبب بكائه فيقول الآن حدّثني جبرائيل بما يجري على الحسين(1) .
ويمر أمير المؤمنين بوادي كربلا في ذهابه الى صفين

(1) اعلام النبوة للماوردي ص 53 والخصائص الكبرى للسيوطي ج 2 ص 125 .
العباس عليه السلام309

فيقف هناك ويرسل عبرته ويقول هذا مناخ ركابهم ومهراق دمائهم طوبى لك من تربة تراق عليك دماء الاحبة(1) .
اذن فهلا تحسن مواساة صاحب الشريعة ووصيه المقدم بعد وقوع الحادثة على فلذة كبده صاحب النهضة المقدسة والله عز وجل يقول «لكم في رسول الله اسوة حسنة»(2) .
على ان الاحاديث الصحيحة عندهم عن أئمتهم تحثهم على التظاهر بما فيه احياء أمرهم من الدعوة الى سبيل الدين واظهار الجزع والبكاء والنوح على سيد شباب أهل الجنة .
ويقول الامام الصادق عليه السلام في دعائه الطويل وهو ساجد .
(اللهم ارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللهم ان اعدائنا عابوا عليهم خروجهم الينا فلم ينههم ذلك عن الشخوص الينا رغبة في برنا وصلة لرسولك وخلافاً منهم على ما خالفنا اللهم اعطهم افضل ما يأملون في غربتهم عن أوطانهم وما أثرونا به على أبنائهم) .
ويقول عليه السلام لحماد الكوفي بلغني ان اناساً من الكوفة وغيرهم من نواحيها يأتون قبر الحسين في النصف من

(1) قرب الاسناد : ص 14 .
(2) سورة الأحزاب ، آية : 21 .
العباس عليه السلام310

شعبان فبين قارئ يقرأ وقاص يقص ومادح يمدح ونساء يندبنه فقال حماد قد شهدت بعض ما تصف فقال عليه السلام الحمد لله الذي جعل في شيعتنا من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا وجعل في عدونا من يقبح ما يصنعون .
ولما قال له ذرح المحاربي اني اذا ذكرت فضل زيارة الحسين لقومي وبنيّ كذبوني فقال (دع الناس يذهبون حيث شاؤوا وشكن معنا) .
فإذا كان هذا وامثاله الكثير مما اوجب فعل الشيعة لتلك المظاهر فلماذا يطعن عليهم عند إيمانهم بها وما ذنبهم أفلا يتأول عملهم والحال هذا كما أولوا عمل خالد وغيره (أين المنصفون) .
نعم ليس السر فيما حكموا به علىالشيعة من الياء والتصنع والشنعة والبدعة الا قيامهم بهذه الشعائر الذي فيها اظهار مظلومية أهل البيت العلوي وتفظيع اعمال المناوئين لهم واعلام الملأ بما نشروه من الجور واسترداد الجاهلية الاولى كما اعترف به ابن كثير في البداية والنهاية ج 8 ص 202 قال ان الشيعة لم يريدوا بهذه الاعمال الا ان يشنعوا على دولة بني امية لانه قتل في دولتهم .

العباس عليه السلام311

وعليه فلا يكون العمل المستلزم للتشنيع على عمل الجبابرة وطواغيت الامة بقتلهم سيد شباب أهل الجنة وتلاعبهم بالدين الحنيف تلاعب الصبيان بالاكر مقرباً للمولى زلفة ورضىً لرب العالمين .

العباس عليه السلام312

نهر العلقمي

لم يذكر اصحاب المعاجم هذا الوصف واهمله المؤرخون كما لم يصفه حديث الصادق في الزيارة المتقدمة فان فيها (وهو مدفون بشط الفرات بحذاء الحير) لكن شيخنا الطريحي ذكر في المنتخب ص 91 ان رجلاً من أهل الكوفة حداد قال خرجت في البعث الذي سار الى كربلا فخيمنا على شاطئ العلقمي وحموا الماء عن الحسين ومن معه حتى قتلوا واهله وانصاره عطاشا ثم رجعنا الى الكوفة وبعد ان سير ابن زياد السبايا الى الشام رأيت في المنام كأن القيامة قامت والناس يموجون وقد اخذهم العطش وانا أعتقد بأني أشدهم عطشاً مع شدة حرارة الشمس والارض تغلي كالقار اذ رأيت رجلاً عمّ الموقف نوره وفي أثره فارس وجهه انور من البدر وبينا أنا واقف إذ أتاني رجل وقادني بسلسلة إليه فقلت له اقسم عليك بمن امرك من تكون قال انا من الملائكة قلت

العباس عليه السلام313

ومن هذا الفارس قال هذ علي أمير المؤمنين قلت ومن ذلك الرجل قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم ثم رأيت عمر بن سعد وقوماً لم اعرفهم في اعناقهم سلاسل من حديد والنار تخرج من اعينهم وآذانهم ورأيت النبيين والصديقين قد احدقوا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله لعلي ما صنعت قال لم أترك احداً من قاتلي الحسين الا جئت به فقدموهم امام رسول الله وهو يسألهم عما صنعوا بولده يوم كربلا فواحد يقول أنا حميت الماء عنه والآخر يقول أنا رميته والثالث يقول انا وطأت صدره ورابع يقول انا قتلت ولده وهو يبكي حتى بكى من حوله لبكائه ثم أمر بهم الى النار وجيء برجل قال له ما صنعت قال كنت نجاراً وما حاربت ولا قتلت فقال لقد كثرت السواد على ولدي فأمر به الى النار ثم قدموني اليه فحكيت له فعلي فأمر بي الى النار فلما قص الرؤيا على من حضر عنده يبس لسانه ومات نصفه وهلك بأسوء حال وقد تبرأ منه كل من سمع وشاهد .
وفي مدينة المعاجز ص 263 باب 127 روي عن رجل أسدي قال كنت زارعاً على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني أمية فرأيت عجائباً لا أقدر أن أحكي الا بعضاً منهخا اذا هبت الريح تمر عليّ نفحات كنفحات المسك والعنبر وأرى نجوماً تنزل من السماء وتصعد مثلها من الارض ورأيت عند غياب

العباس عليه السلام314

الشمس أسداً هائل المنظر يتخطى القتلى حتى وقف على جسد جللته الانوار فكان يمرغ وجهه وجسده بدمه وله صوت عالٍ ورأيت شموعاً معلقة واصواتاً عالية وبكاء وعويلاً ولا أرى أحداً .
وفي مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 190 روى جماعة من الثقاة انه لما أمر المتوكل بحرث قبر الحسين وان يجري عليه الماء من العلقمي اتى زيد المجنون وبهلول المجنون الى كربلا ونظرا الى القبر لم يتغير بما صنعوا ، وفي هذا دلالة على وصف النهر بالعلقمي في تلك الايام ويؤكد ذلك ما في مزار البحار ص 161 عن مزاري المفيد وابن المشهدي من ورود رواية بزيارة العباس عليه السلام غير مقيدة بوقت وفيها اذا وردت ارض كربلا فأنزل منهما بشاطئ العلقمي ثم اخلع ثياب سفكر واغتسل غسل الزيارة مندوباً وقل الخ .
وفي تحية الزائر ص 135 ذكر عنهما وعن الشهيد الأول وابن طاووس ورود رواية بزيارة للحسين وقالوا اذا وردت قنطرة العلقمي فقل إليك اللهم قصد القاصد الخ والظاهر منه ورود لفظ العلقمي في الرواية وليس من كلام العلماء خصوصاً بعد العلم بأنهم لا يذكرون الا ما يعتمدون عليه في الروايات ومنه نعرف ان نهر العلقمي كان معروفاً في الازمنة

العباس عليه السلام315

السابقة على زمان ابن العلقمي الذي هو في القرن السابع وجاء في نص الشيخ الطوسي ففي مصباح المتهجد ص 499 ان الصادق عليه السلام قال لصفوان الجمال اذا اتيت الفرات (اعني شرعة الصادق بالعلقمي) فقل اللهم انت خير من وفد الخ .
وعلى هذا يكون قول الفاضل السيد جعفر الحلّي على الحقيقة .
وهوى بجنب العلقمي فليته للشاربين به يداف العلقم

نعم لم يعرف السبب في التسمية به وما قيل في وجهها ان الحافر للنهر رجل من بني علقمة بطن من تميم ثم من دارم جدهم علقمة بن زرارة بن عدس لا يعتمد عليه لعدم الشاهد لواضح ومثله في ذكر السبب كثرة العلقم حول حافتي النهر وهو كالقول بأن عضد الدولة امر بحفر النهر ووكله الى رجل اسمه علقمة فانها دعاوي لا تعضدها قرينة على انك عرفت ان التسمية كانت قبل عضد الدولة .
وحكي في الكبريت الاحمر ج 2 ص 112 عن السيد مجد الدين محمد المعروف بمجدي من معاصري الشيخ البهائي في كتابه زينة المجالس المؤلف سنة 1004 ان الوزير

العباس عليه السلام316

السعيد بن العلقمي لما بلغه خطاب الصادق عليه السلام للنهر «الى الآن تجري وقد حرم جدي منك» أمر بسد النهر وتخريبه ومن اجله حصل خراب الكوفة لان ضياعها كانت تسقى منه .

العباس عليه السلام317

مشهد الرأس

ذكر أرباب المقاتل ان عمر بن سعد أمر بالرؤوس فقطعت فكانت ثمانية وسبعين رأساً اخذت كندة ثلاثة عشر واقبلت هوازن باثني عشر وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً واقبلت بنو اسد بستة عشر رأساً واختصت مذحج بسبعة ولسائر الجيش ثلاثة عشر رأساً .(1)
وساروا بها الى الكوفة ثم سير ابن زياد رأس الحسين ورؤوس من قتل معه من أهله وصحبه مع السبايا الى يزيد بالشام(2) .

(1) اللهوف ص 81 .
(2) تاريخ الطبري ج 6 ص 264 وابن الاثير ج 2 ص 34 والبداية لابن كثير ج 8 ص 191 ومقتل الخوارزمي مخطوط واعلام الورى ص 148 والارشاد للمفيد والبحار ج 10 ص 243 .
العباس عليه السلام318

ولم يترك سيد الشهداء الدعوة الى الدين وتفنيد عمل الظالمين حتى في هذا الحال وهو مرفوع على القناة فكان متمماً لنهضته المقدسة التي أراق فيها دمه الطاهر وقد استضاء خلق كثير من اشراقات رأسه الازهر .
لهفي لرأسك فوق مسلوب القنا يكسوه من انـواره جلبـابا
يتلوا الكتاب على السنان وانما رفعوا به فوق السنان كتابا

ولا غرابة بعد أن كان سيد الشهداء دعامة من دعائم الدين ومنار هداه وعنه يأخذ تعاليمه ومنه يتلقى معارفه وهو صراطه المستقيم ومنهجه القويم دونه كانت مفاداته وفي سبيله سبقت تضحيته فهو حليف القرآن منذ انشئ كيانه لأنهما ثقلا رسول الله وخليفتاه على امته وقد نص المشرع الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض فبذلك كان سلام الله عليه غير مبارح تلاوته طول حياته في تهذيبه وارشاده في دعوته وتبليغه في حله ومرتحله حتى في موقفه يوم الطف ذلك المأزق الحرج بين ظهراني اولئك الطغاة المتجمهرين عليه ليتم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجة .
هكذا كان يسير الى غايته المقدسة سيراً حثيثاً حتى

العباس عليه السلام319

طفق يتلو القرآن رأسه الكريم فوق عامل السنان عسى أن يحصل من يكهربه نور الحق غير ان داعية الحق والرشاد لم يصادف الا قصراً في الادراك وطبعاً في القلوب وصمماً في الآذان «ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة»(1) .
وبلغ من غلواء ابن زياد وتيهه في الضلال ان امر بالرأس الشريف فطيف به في شوارع الكوفة وسككها(2) يقول زيد بن أرقم كنت في غرفة لي فمروا بالرأس على رمح فسمعته يقرأ «أم حسبت ان أصحاب الكهف والرقيم كانوامن آياتنا عجباً»(3) فوقف شعري وقلت رأسك اعجب واعجب(4)
ولما صلب في سوق الصيارفة وهناك ضوضاء فأراد عليه السلام لفت الانظار نحوه تنحنح تنحنحاً عالياً فاتجه الناس نحوه وابهرهم الحال فشرع في قراءة سورة الكهف الى قوله تعالى «انّهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى»(5)(6) .
وعجب الحاضرون اذ لم تعهد هذه الفصاحة والاتيان

(1) سورة البقرة ، آية : 7 .
(2) تاريخ الطبي ج 6 ص 264 .
(3) سورة الكهف ، آية : 9 .
(4) إرشاد المفيد : ص 245 .
(5) سورة الكهف ، آية : 13 .
(6) مناقب ابن شهراشوب : ج 4 ص 61 المطبعة العلمية ـ بقم .

السابق السابق الفهرس التالي التالي