العباس عليه السلام248

الرابعة : ما في كتاب (أعلام الناس في فضايل العباس) تأليف الزاكي التقي السيد سعيد بن الفاضل المهذب الخطيب السد ابراهيم(1) البهبهاني قال تزوجت في أوائل ذي القعدة سنة 1351 هـ وبعد ان مضى اسبوع من أيام الزواج أصابني زكام صاحبته حمى وباشرني اطباء النجف فلم انتفع بذلك والمرض يتزايد ومن جملة الاطباء الطبيب المركزي (محمد زكي اباظة) وفي أول جماد الاول من سنة 1353 هـ خرجتالى «الكوفة» وبقيت الى رجب فلم تنقطع الحمى وقد استولى الضعف على بدني حتى لم أقدر

(1) هو ابن السيد محمد بن السيد جعفر بن سيد محمد بن سيد هاشم بن سيد محمد بن سيد عبد الله بن سيد محمد الكبير بن سيد عبد الله البلادي ابن سيد علوي عتيق الحسين بن سيد حسين الغريفي بن سيد حسن بن سيد احمد بن سيد عبد الله بن سيد عيسى بن سيد خميس بن سيد احمد بن سيد ناصر بن سيد علي بن كمال الدين بن سيد سلمان بن سيد جعفر بن أبي العشا موسى بن أبي الحمراء محمد بن علي الطاهر بن علي الضخم بن ابسي علي محمد الحسن بن محمد الحائري بن إبراهيم المجاب بن محمد العابد ابن الامام الكاظم عليه السلام ولهذه الكرامة كتب السيد سعيد كتاباً في احوال العباس يزيد على أربعمائة صفحة اجهد نفسه وسهر الليالي في جمعه وتبويبه جزاه الله خير الجزاء .
العباس عليه السلام249

على القيام ثم رجعت الى النجف وبقيت الى ذي القعدة من هذه السنة بلا مراجعة طبيب لعجزهم عن العلاج وفي ذي الحجة من هذه السنة اجتمع الطبيب المركزي المذكور مع الدكتور محمد تقي جهان وطبيبين آخرين جاؤوا من بغداد وفحصوني فاتفقوا على عدم نفع كل دواء وحكموا بالموت الى شهر وفي محرم من سنة 1354 هـ خرج والدي الى قرية «القاسم بن الامام الكاظم عليه السلام» للقراءة في المآتم التي تقام لسيد الشهداء وكانت والدتي تمرضني ودأبها البكاء ليلاً ونهاراً .
وفي الليلة السابعة من هذه السنة رأيت في النوم رجلاً مهيباً وسيماً جميلاً اشبه الناس بالسيد الطاهر الزكي (السيد مهدي الرشتي) فسألني عن والدي فأخبرته بخروجه الى القاسم فقال اذن من يقرأ في عادتنا يوم الخميس وكان الليلة ليلة خميس ثم قال اذن أنت تقرأ .
ثم خرج وعاد الي وقال ان ولدي السيد سعيد(1) مضى

(1) ولد السيد مهدي الرشتي سنة 1303 وتوفي في النجف يوم 14 رجب سنة 1358 ودفن في الحجرة الملاصقة لباب الصحن المعروفة بباب القزازين وكان السيد رحمه الله باذلاً نفسه ونفيسه في خدمة اجداده الأئمة المعصومين وداره العامرة (حسينية) لأهل طرفه (البراق) يقيمون فيها مراسيم=
=
العباس عليه السلام250

الى كربلا يعقد مجلساً لذكر مصيبة أبي الفضل العباس وفاء لنذر عليه فأمضي الى كربلا واقرأ مصيبة العباس وغاب عنّي .
فانتبهت من النوم ونظرت الى والدتي عند رأسي تبكي ثم نمت ثانياً فأتاني السيد المذكور وهو يقول ألم أقل لك ان ولدي سعيد ذهب الى كربلا وانت تقرأ في مأتم أبي الفضل فأجبته الى ذلك فغاب عنّي فانتبهت .
وفي المرة الثالثة نمت فعاد لي السيد المذكور وهو يقول بزجر وشدة ألم أقل لك امضي الى كربلا فما هذا التأخير فهبته في هذه المرة وانتبهت مرعوباً .
وقصصت الرؤيا من أولها على والدتي ففرحت وتفاءلت بأن هذا السيد هو أبو الفضل وعند الصباح عزمت على الذهاب بي الى حرم العباس ولكن كل من سمع بهذا لم يوافقها لما يراه من الضعف البالغ حده وعدم الاستطاعة على الجلوس حتى في السيارة وبقيت على هذا الى اليوم الثاني

= العزاء والفرح للأئمة عليهم السلام لا يعدلون بها بدلاً وفقهم الله لما يرضيه واما ولده السيد سعيد فكانت ولادته في سنة 1322 وتوفي في ذي القعدة 15 سنة 1355 هـ ودفن في الحجرة مع أبيه وقام السيد صالح مكان أبيه في اقامة الافراح والمآتم فنعم الخلف لذلك السيد الطاهر .
العباس عليه السلام251

عشر من المحرم فأصرّت الوالدة على السفر الى كربلا بكل صورة فأشار بعض الارحام على ان يضعوني في تابوت ففعلوا ذلك ووصلت ذلك اليوم الى القبر المقدس ونمت عند الضريح الطاهر .
وبينا أنا في حالة الاغماء في الليلة الثالثة عشر من المحرم اذ جاء ذلك السيد المذكور وقال لي لماذا تأخرت عن يوم السابع وقد بقي سعيد بانتظارك وحيث لم تحضر يوم السابع فهذا يوم دفن العباس وهو يوم 13 فقم واقرأ ثم غاب عني وعاد اليّ ثانياً وأمرني بالقراءة وغاب عني وعاد في الثالثة ووضع يده على كتفي الأيسر لأني كنت مضطجعاً على الايمن وهو يقول الى متى النوم قم واذكر (مصيبتي) فقمت وأنا مدهوش مذعور من هيبته وانواره وسقطت لوجهي مغشياً علي وقد شاهد ذلك من كان حاضراً في الحرم الاطهر .
وانتبهت من غشوتي وأنا اتصبب عرقاً والصحة الطاهرة علي وكان ذلك في الساعة الخامسة من الليلة الثالثة عشر من المحرم سنة 1354 هـ .
فاجتمع علي من في الحرم الشريف واقبل من في الصحن والسوق وازدحم الناس في الحضرة المنورة وكثر التكبير والتهليل وخرق الناس ثيابي وجاءت الشرطة

العباس عليه السلام252

فأخرجوني الى البهو الذي هو أمام الحرم فبقيت هناك الى الصباح .
وعند الفجر تطهرت للصلاة وصلّيت في الحرم بتمام الصحة والعافية ثم قرأت مصيبة أبي الفضل عليه السلام وابتدأت بقصيدة السيد راضي بن السيد صالح القزويني وهي :
أبا الفضل يا من أسس الفضل والابا أبا الفضل الا ان تكون له ابا

والامر الأعجب اني لما خرجت من الحرم قصدت داراً لبعض أرحامنا بكربلاء وبعد أن قرأت مصيبة العباس خلوت بزوجتي وببركات أبي الفضل حملت ولداً سميته «فاضل» وهو حيّ يرزق كما رزقت عبد الله وحسناً ومحمداً وفاطمة كنيتها أم البنين .
هذه من علاه احدى المعالي وعلى هذه فقس ما سواها

وذكر ان السيد الطاهر الزاكي السيد مهدي الاعرجي وكان خطيباً نائحاً له مدائح ومراثي لأهل البيت عليهم السلام كثيرة ورد النجف يوم خروجي الى كربلاء فبات مفكراً في

العباس عليه السلام253

الامر وكيف يكون الحال وفي تلك الليلة الثالثة عشر رأى في المنام كأنه في كربلاء ودخل حرم العباس فرأى الناس مجتمعين علي وأنا أقرأ مصيبة العباس فارتجل في المنام
لقد كنـت بالسل المبرح داؤه فشافانـي العباس من مرض السل
ففضلت بين الناس قدراً وانما لي الفضل اذ اني عتيق أبي الفضل

وانتبه السيد من النوم يحفظ البيتين فقصد دارنا وعرفهم بما رآه وفي ذلك اليوم وضح لهم الامر .
وقد نظم هذه الكرامة جماعة من الادباء الذين رأوا السيد سعيد في الحالين الصحة والمرض .
فمنه السيد الخطيب العالم السيد صالح الحلي رحمه الله .
بأبي الفضل استجرنا فحبانـا منـه منحه
وطلبنـا ان يـداوي ألم القلب وجـرحـه
فكسـا الله سعـيـداً بعد سقم ثوب صحة


العباس عليه السلام254

بدل الرحمن منه قرحة القلب بفرحه

وقال الخطيب الفاضل الاستاذ الشيخ محمد علي اليعقوبي :
بأبي الفضل زال عني سقامي مذ كسانـي مـن الشفاء برودا
وحباني من السعـادة حتـى صرت في النشأتين ادعى سعيدا

وقال العلامة الشيخ علي الجشي أيده الله :
سعيد سعدت وجزت الخطر من السل في مثل لمح البصر
غـداة التجـأت لمثوى به أبو الفضل حـل فـرد القدر

وقال السيد حسون السيد راضي القزويني البغدادي :
سعيد لقد نال الشفا من ابي الفضل ولولاه كان السقـم يـأذن بالقتل
ولا غرو ان نـال الشفـا منه انه أبو الفضل اهل للمكارم والفضل


العباس عليه السلام255

وله أيضاً :
ذا سعيد بالبرء اضحـى سعيـدا وحباه الاله عمـراً جديدا
من أبي الفضل بالشفا نال فضلا وامتناناً ونال عيشاً رغيدا

وللأديب الكامل السيد محمد بن العلامة السيد رضا الهندي رحمه الله .
لم أنس فضلك يا أبا الفضل الذي هيهات ان يحصـى ثناه مفصـلا
يكفيك يوم الطف موقفـك الـذي قد كان المع ما يكـون وافضـلا
ولقد نصرت بـه النبـي بسبطه وغدوت في دنيـا الشهـادة أولا
وأنا الذي قـد كـان دائي مهلكا واجرتني لما استجـرت مؤمـلا
ألبستني ثـوب الشفـاء وعدت حياً فيك يا ساقي عطاشى كربلا

وللخطيب الذاكر الفاضل الشيخ عبد علي الشيخ حسين .

العباس عليه السلام256

سعيد التجى مـن ضـره وسقامه بقبر أبي الفضل المفدى فعافاه
لعمري ترى الاقدار طـوع يمينه كوالده الكـرار يمنـاه يمنـاه
فآب ابـراهيـم قـرت عيـونـه ببرء سعيد الندب يشكر مولاه
سعيد سعيـداً عـش بظـل لوائه بأسعد يوم لا تـزال واهنـاه
بفضل أبي الفضل الفضيلة حزتها ولولا لم تنجو من الضر لولاه

وللشيخ جعفر الطريفي :
عجز الطبيب لعلتـي وقلاني وعجزت من سقمي وطول زماني
هجر الصديق زيارتي وكأنني ما زرته في سقمـه فجـفـانـي
حتى إذا قالوا فقلـوا خفيـة هجروا الاوانـي خيفـة العـدوان
فقصدت باباً للحوائج والشفا العباس باباً للشـفـا فـشـفـاني


العباس عليه السلام257

لولاه واراني التراب بحفرتي نعم الطبيب الاوحد الرباني

وللشيخ كاظم السوداني :
فكم لابي الفضـل الابـي كرامات لها تليـت عنـد البـريـة أيـات
وشاراته كالشمس في الافق شوهدت لها من نبـات المجد أومت اشارات
سعيد سعيداً عاد منهـا الـى الشفـا به انسل عنه السل اذ كم به ماتوا
أبو الفضل كـم فضل لـه ومناقب فيا جاحديـه مثـل برهـانه هاتوا
هو الشبل شبل من علي وفي الوغى له اثـر مـن بـأسـه وعـلامات
لقد شعت الاكوان مـن بـدر فضله بأنـواره ارخ (وفيهـا مضيئـات)

وللخطيب الشيخ حسن سبتي :
الا عش سعيداً يا سعيد منعما مدى الدهر اذ عوفيت من فتكة السل


العباس عليه السلام258

عتيق حسين كان جدك أولا لذا صرت ثانية عتيق أبي الفضل

وللسيد نوري بن السيد صالح بن السيد عباس البغدادي :
بشرى لابراهيم في نجله من مرض السل غدا سالما
ابرأه العبـاس من فضله وفضله بين الـورى دائما

الخامسة : حدثني الشيخ العالم الثقة الثبت الشيخ حسن بن العلامة الشيخ محسن بن العلامة الشيخ شريف آل الشيخ المقدس صاحب الجواهر قدس سره عن حاج منيشد بن سلمان آل حاج عبودة من أهل الفلاحية وكان ثقة في النقل عارفاً بصيراً شاهد الكرامة بنفسه قال كان رجل من عشيرة البراجعة يسمى (مخيلف) مصاباً بمرض في رجليه وطال ذلك حتى يبستا وصارتا في رفع الاصبع وبقي على هذا ثلاث سنين وشاهده الكثير من أهل المحمرة وكان يحضر الاسواق ومجالس عزاء الحسين عليه السلام ويستعين بالناس وهو يزحف على إليتيه ويديه وقد عجز عن المباشرة ويئس وكان للشيخ خزعل بن جابر الكعبي في المحمرة (حسينية) يقيم

العباس عليه السلام259

فيها عزاء الحسين عليه السلام في العشرة الأولى من المحرم ويحضر هناك خلق كثير حتى النساء يجلسن في الطابق الاعلى من الحسينية والعادة المطردة في تلك البلاد ونواحيها ان (الخطيب النائح) إذا وصل في قراءته الى الشهادة قام أهل المجلس يلطمون بلهجات مختلفة وهكذا النساء في اليوم السابع من المحرم كان المتعارف ان تذكر مصيبة أبي الفضل العباس وهذا الرجل أعني «مخيلف» يأتي الحسينية (ويجلس تحت المنبر لأن رجليه ممدودتان)(1) وحينما وصل الخطيب الى ذكر المصيبة أخذت الحالة المعتادة من في المجلس رجالاً ونساءً وبينا هم على هذا الحال إذ يرون ذلك المصاب بالزمانة في رجليه «مخيلف» واقفاً معهم يلطم ولهجته «أنا مخيلف قيمني العباس» وبعد أن تبين الناس هذه الفضيلة من أبي الفضل تهافتوا عليه وخرقوا ثيابه للتبرك بها وازدحموا عليه يقبلون رأسه ويديه فأمر الشيخ خزعل غلمانه أن يرفعوه الى احدى الغرف ويمنعوا الناس عنه وصار ذلك اليوم في المحمرة اعظم من اليوم العاشر من المحرم وصار البكاء والعويل والصراخ من الرجال واما النساء فمنهن من تهلهل واخرى تصرخ وغيرها تلطم .

(1) هذه الجملة التي بين قوسين حدثني بها في دار الشيخ الجليل الشيخ حسن المذكور ملا عبد الكريم وقد شاهد الرجل بعينه ذلك اليوم .
العباس عليه السلام260

وذكر لي ملا عبد الكريم الخطيب من أهل المحمرة وكان حاضراً وقت الحديث أن الشيخ خزعل في كل يوم يصنع طعاماً لأهل المجلس في الظهر وفي ذلك اليوم تأخر الغداء الى الساعه التاسعة من النهار لبكاء الناس وعويلهم .
وقال العلامة الشيخ حسن المذكور ثم انه سئل مخيلف عما رآه وشاهده فقال بينا الناس يلطمون على العباس اخذتني سنة وانا تحت المنبر فرأيت رجلاً جميلاً طويل القامة على فرس أبيض عال في المجلس وهو يقول يا مخيلف لم لا تلطم على العباس مع الناس فقلت له يا أغاتي لا أقدر وأنا بهذا الحال فقال لي قم والطم على العباس قلت له يا مولاي أنا لا أقدر على القيام فقال لي قم والطم قلت له يا مولاي اعطني يدك لاقوم فقال «انا ما عندي يدين» فقلت له كيف أقوم قال الزم ركاب الفرس وقم فقبضت على ركاب الفرس واخرجني من تحت المنبر وغاب عني وأنا في حالة الصحة وعاش سنتين أو اكثر ومات .
وحدّثني المهذب الكامل ميرزا عباس الكرماني انه تعسرت عليه حاجة فقصد أبا الفضل واستجار بضريحه فما اسرع ان فتحت له باب الرحمة وعاد بالمسرة بعد اليأس مدة طويلة فأنشأ :

العباس عليه السلام261

أبا الفضل اني جئتك اليوم سائلاً لتيسير ما ارجو فانت اخو الشبل
فلا غرو ان اسعفت مثلي بائساً لأنك للحاجات تدعى أبو الفضل

هذا ما أردنا اثباته من الكرامات وهو قطرة من بحر فان الاتيان عليها كلها يحتاج الى مجلد كبير لأن الله سبحانه منح (حامي الشريعة) جزيل الفضل واجرى عليه من الفيض الاقدس ما لم يحوه بشر غير الانبياء المقربين والائمة المعصومين جزاء لذلك الموقف الباهر الذي لم يزل يرن رجع صداه المؤلم في مسامع القرون والاجيال مذكراً بما أبداه أبو الفضل من اباء وشمم وكر واقدام وتضحية دون الشرع القديم .

العباس عليه السلام262

اللواء

اللواء ما يعقد على رمح أو عصا ويقال له الراية كما يطلق عليهما العلم هذا عند أهل اللغة وعند المؤرخين انهما شيئان فذكروا ان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عقد لحمزة بن عبد المطلب لواء أبيض في رمضان أول الهجرة وفيه يقول حمزة .
فمـا برحوا حتى انتدبت لغارة لهم حيث حلوا ابتغي راحة الفضل
بأمر رسـول الله أول خـافق عليه لـواء لـم يكـن راح من قبل
لواء لديه النصر من ذي كرامة إله عزيز فضلـه أفضـل الفـعـل

وأول راية عقدها للمسلمين في شوال من هذه السنة (1) .


(1) سيرة ابن هشام بهامش الروض الآنف ج 2 ص 56 .
العباس عليه السلام263

والمعقود على رمح أو غيره ان كان واسعاً فهو الراية والا فاللواء ويقال للعلم الكبير البند والعقاب وان خص الثاني بما يعقده للولاة(1) والتسمية بالعقاب اقتبسها العرب من الروم فان العقاب والنسر شارة الرومان يرسمونها على اعلامهم وينقشونها على أبنيتهم(2) .
وكان أعلام الروم كباراً تحت كل علم عشرة آلاف أو أكثر(3) .
وكانت راية كسرى يوم الجسر سنة 13 هجرية من جلود النمر في عرض ثمانية أذرع وطول اثني عشر ذراعاً وهي المسماة «درفش كابيان»(4) .
وهذه الراية كانت محفوظة في خزائنهم ولم تكن بهذه السعة وانما زادوا عليها تبركاً والاصل فيها ان الضحاك بيوراسف خرجت من منكبيه سلعتان فكان اذا اشتد عليه الالم طلاهما بدماغ انسان يذبحه فلاقى الناس منه عناء ونكد وجور فأخذ ابنين لرجل من أهل اصبهان اسمه «كابي» فشق

(1) تاج العروس بمادة عقب : ج 3 ص 414 .
(2) التمدن الاسلامي ج 1 ص 165 .
(3) تاج العروس .
(4) ابن الاثير ج 1 ص 168 .
العباس عليه السلام264

عليه فدعا الناس للخروج على الضحاك واخذ عصا وعلق عليها جراباً وتبعه الناس فتغلب على الضحاك وخلعوه عن الملك واستراحوا من جوره فعظموا ذلك العلم وتفألوا به وزادوا فيه حتى صار عند ملوك العجم العلم الاكبر الذي يتبركون به وسموه «درفش كابيان»(1) .
كما احتفظ الامويون براية بن زياد التي اخرجها يوم الطف ففي تاريخ (يزد) للايتي ص 72 ان أبا العلاء الطوفي كان هو وأبوه من عمال الامويين طاف البلاد لأخذ البيعة لهم فلقب (بالطوفي) وكان معلماً لهشام بن عبد الملك فلما ولي هشام الملك أراد أن يكافأه على خدمته فبعثه عاملاً (على يزد) ودفع إليه تلك الراية فسار أبو العلاء الى (يزد) ونصب الراية في البستان المشهور باسمه ودعا أهل يزد الى بيعة الامويين وكانوا على طريقة أهل البيت عليهم السلام واخذهم على ذلك اخذاً شديداً وعاملهم بالقسوة والجور وبقوا يتقلبون على حسك الظلم الى ان ظهر أبو مسلم الخراساني أيام مروان الحمار وتصرف في خراسان وفارس سنة 132 وسنة 133 هجرية فراسله اليزديون وطلبوا انقاذهم من مخالب الطوفي فبعث أبو مسلم محمد الزمجي الى اصفهان ويزد

(1) الطبري ج 1 ص 100 وابن الاثير ج 1 ص 26 .
العباس عليه السلام265

وبلغ الطوفي اقباله بجيش جرار وان اليزديين معه فخرج ليلاً من يزد الى قرية «ابرند آباد» فبعث محمد الزمجي جماعة فقبضوا عليه واتوا به الى يزد وتجمهر اليزديون رجالاً ونساء عليه واستقر الرأي على احراقه والراية معه ففعل بهما ذلك وانتهبوا القصر والبستان .
وان المصادر التاريخية لم ترشدنا الى أول من رفع اللواء ويقوي في الظن ان (كابي) المتقدم أول من اتخذه كما ان الخليل ابراهيم عليه السلام اول من اتخذ الرايات وذلك لما غلب الروم على لوط واسروه رفع الخليل راية وسار لمحاربة الروم فغلبهم واسترجع لوطاً(1) .
ولما جاء الاسلام وانتشر العرب في انحاء الشام وفارس ومصر وتعددت دولهم كثرت ضروب الألوية عندهم وتنوعت اشكالها وتعددت ألوانها واطالوها وسموها بأسماء مختلفة حتى تفاخروا بتعدادها فقد بلغت رايات العزيز بالله الفاطمي لما خرج الى فتح الشام خمسمائة راية ومثلها البوقات .
وكانوا ينقشون على راياتهم اسماء الخلفاء والسلاطين

(1) تهذيب الشيخ الطوسي في باب النوادر من كتاب الجهاد : ج 6 ص 170 ح 6 . والمستدرك للنوري ج 2 ص 266 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي