العباس عليه السلام131

يولجها حتى يواري اشجعه كأنما يطلب شيئاً ضيعه(1)

فلم ينكر عليه النعمان ولا أحد من العرب لأن لهم شرفاً لا يدافع ولذلك طرد النعمان الربيع عن مسامرته وقال له :
شرد برحلك عني حيث شئت ولا تكثر علي و دع عنك الأباطيلا
قد قيـل ذلك ان حقـاً وان كذباً فما اعتذارك في شيء إذا قيلا


(1) الزيادة من جمهرة الامثال للعسكري ص 175 .
العباس عليه السلام132

الزواج

تزوّج أمير المؤمنين عليه السلام من فاطمة ابنة حزام العامرية إما بعد وفاة الصديقة سيدة النساء كما يراه بعض المؤرخين(1) أو بعد أن تزوج بإمامة بنت زينب بنت رسول الله كما يراه البعض الآخر(2) وهذا بعد وفاة الزهراء عليها السلام لأن الله قد حرم النساء على عليّ ما دامت فاطمة موجودة(3) فولدت أربعة بنين وأنجبت بهم العباس وعبد الله وجعفر وعثمان وعاشت بعده مدة طويلة ولم تتزوج من غيره كما ان إمامة واسماء بنت عميس وليلى النهشلية لم يخرجن الى احد

(1) الطبري ج 6 ص 89 وابن الأثير ج 3 ص 158 وأبو الفدا ج 1 ص 181 .
(2) مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 117 ومطالب السؤول ص 63 والفصول المهمة ص 145 والاصابة بترجمة امامة : ج 4 ص 236 .
(3) مناقب ابن شهراشوب ج 2 ص 93 .
العباس عليه السلام133

بعده وهذه الاربع حرائر توفى عنهنّ سيد الوصيين(1) وقد خطب المغيرة بن نوفل إمامة ثم خطبها أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث فامتنعت وروت حديثاً عن عليّ عليه السلام ان ازواج النبي والوصي لا يتزوجن بعده فلم يتزوجن الحرائر وامهات الاولاد عملاً بالرواية(2) .
وكانت أم البنين من النساء الفاضلات العارفات بحق أهل البيت مخلصة في ولائهم ممحضة في مودتهم ولها عندهم الجاه الوجيه والمحل الرفيع وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزيها بأولادها الأربعة كما كانت تزورها أيام العيد(3) .
وبلغ من عظمها ومعرفتها وتبصرها بمقام أهل البيت انها لما ادخلت على أمير المؤمنين وكان الحسنان مريضين أخذت تلاطف القول معهما وتلقي إليهما من طيب الكلام ما يأخذ بمجامع القلوب وما برحت على ذلك تحسن السيرة معهما وتخضع لهما كالام الحنون .

(1) كشف الغمة ص 32 والفصول المهمة ص 145 ومناق ابن شهراشوب ج 2ص 76 ومطالب السؤول ص 63 .
(2) مناقب ابن شهراشوب : ج 2 ص 76 .
(3) عن مجموعة الشهيد الأول .
العباس عليه السلام134

ولا بدع في ذلك فانها ضجيعة شخص الايمان قد استضاءت بأنواره وربت في روضة أزهاره واستفادت من معارفه وتأدبت بآدابه وتخلقت بأخلاقه .



العباس عليه السلام135

الولادة

لقد أشرق الكون بمولد قمر بني هاشم يوم بزوغ نوره من افق المجد العلوي مرتضعاً ثدي البسالة متربياً في حجر الخلافة وقد ضربت فيه الامامة بعرق نابض فترعرع ومزيج روحه الشهامة والاباء والنزوع عن الدنايا وما شوهد مشتداً بشبيته الغضة الا وملء اهابه إيمان ثابت وحشو ردائه حلم راجح ولب ناضج وعلم ناجع فلم يزل يقتص أثر السبط الشهيد عليه السلام الذي خلق لاجله وكون لأن يكون ردءاً له في صفات الفصل ومخائل الرفعة وملامح الشجاعة والسؤدد والخطر فان خطى سلام الله عليه فإلى الشرف وان قال فعن الهدى والرشاد وان رمق فإلى الحق وان مال فعن الباطل وان ترفع فعن الضيم وان تهالك فدون الدين .
فكان أبو الفضل جامع الفضل والمثل الاعلى للعبقرية لانه كان يستفيد بلج هاتيك المآثر من شمس فلك الامامة

العباس عليه السلام136

(حسين العلم والبأس والصلاح) فكان هو وأخوه الشهيد عليه السلام من مصاديق قوله تعالى في التأويل «والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها»(1) فلم يسبقه بقول استفاده منه ولا بعمل أتبعه فيه ولا بنفسية هي ظل نفسيته ولا بمنقبة هي شعاع نوره الاقدس المنطبع في مرآة غرائزه الصقيلة وقد تابع امامه في كل اطواره حتى في بروز هيكله القدسي الى عالم الوجود فكان مولد الامام السبط في ثالث شعبان وظهور أبي الفضل العباس الى عالم الشهود في الرابع منه(2) سنة ست وعشرين من الهجرة(3) .

(1) سورة الشمس ، آية : 1 ـ 2 .
(2) انيس الشيعة للعلامة السيد محمد عبد الحسين بن السيد محمد عبد الهادي المدارسي الهندي قال شيخنا الحجة في الذريعة الى مصنفات الشيعة ج 2 ص 457 رأيت الكتاب في النجف عند العالم السيد اقا التستري من احفاد السيد نعمة الله الجزائري والكتاب في وقائع الايام من موجبات السرور والاحزان من مواليد الأئمة ووفياتهم ومعاجزهم رتبه على الاشهر بدأ فيه بربيع الاول وختم في شهر صفر وله مقدمة في نسب النبي وسنة جلوس الوصي وخاتمة في احوال الحجة المنتظر عجل الله فرجه وذكر العلامة الميرزا محمد علي الاوردبادي انه قرأ بخط المؤلف على ظهر الكتاب انه اهداه الى السلطان فتح علي شاه يوم الجمعة أول شعبان سنة 1244 هـ وللمؤلف كتب منها (زاد المؤمنين وتذكرة الطريق وعناية الرضا) .
(3) المجدي والانوار النعمانية ص 124 وحكاه في كتاب قمر بني هاشم ص 22 عن وقائع الايام للشيخ محمد باقر البيرجندي .
العباس عليه السلام137

ومما لا شك فيه ان أمير المؤمنين عليه السلام لما احضر امامه ولده المحبوب ليقيم عليه مراسيم السنة النبوية التي تقام عند الولادة ونظر الى هذا الولد الجديد الذي كان يتحري البناء على امه أن تكون من أشجع بيوتات العرب ليكون ولدها ردءاً لأخيه السبط الشهيد يوم تحيط به عصب الضلال شاهد بواسع علم الامامة ما يجري عليه من الفادح الجلل فكان بطبع الحال يطبق على كل عضو يشاهده مصيبة سوف تجري عليه . يقلب كفيه اللذين سيقطعان في نصرة حجة وقته فتهمل عيونه ويبصر صدره عيبة العلم واليقين فيشاهده منبتاً لسهام الاعداء فتتصاعد زفرته وينظر إلى رأسه المطهر فلا يعزب عنه انه سوف يقرع بعمد الحديد فتثور عاطفته وترتفع عقيرته كما لا يبارح فاكرته حينما يراه يسقي اخاه الماء ما يكون غدا من تفانيه في سقاية كريمات النبوة ويحمل اليهن الماء على عطشه المرمض وينفض الماء حيث يذكر عطش أخيه تهالكاً في المواساة ومبالغة في المفادات واخلاصاً في الاخوة فيتنفس الصعداء ويكثر من قول (مالي وليزيد) وعلى هذا فقس كل كارثة يقدر سوف تلم به وتجري عليه .
فكان هذا الولد العزيز على أبويه وحامته كلما سر أبوه اعتدال خلقته او ملامح الخير فيه أو سمة البسالة عليه أو شارة

العباس عليه السلام138

السعادة منه ساءه ما يشاهده هنالك من مصائب يتحملها أو فادح ينوء به من جرح دام وعطش مجهد وبلاء مكرب .
وهذه قضايا طبيعية تشتد عليها الحالة في مثل هاتيك الموارد ممن يحمل أقل شيء من الرقة على أقل انسان فكيف بأمير المؤمنين الذي هو اعطف الناس على البشر عامة من الاب الرؤوف وأرق عليهم من الام الحنون .
إذن فكيف به في مثل هذا الانسان الكامل (أبي الفضل) الذي لا يقف أحد على مدى فضله كما ينحسر البيان عن تحديد مظلوميته واضطهاده .
وذكر صاحب (كتاب قمر بني هاشم) ص 21 ان أم البنين رأت أمير المؤمنين في بعض الايام اجلس أبا الفضل عليه السلام على فخذه وشمّر عن ساعديه وقبلهما وبكى فأدهشها الحال لأنها لم تكن تعهد صبياً بتلك الشمائل العلوية ينظر إليه أبوه ويبكي من دون سبب ظاهر ولما أوقفها أمير المؤمنين على غامض القضاء وما يجري على يديه من القطع في نصرة الحسين عليه السلام بكت وأعولت وشاركها من في الدار في الزفرة والحسرة غير انّ سيد الأوصياء بشرها بمكانة ولدها العزيز عند الله جل شأنه وما حباه عن يديه بجناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل ذلك لجعفر بن أبي طالب فقامت تحمل بشرى الابد والسعادة الخالدة .

العباس عليه السلام139

صفاته

لقد كان من عطف المولى سبحانه وتعالى على وليه المقدس سلالة الخلافة الكبرى سيد الأوصياء ان جمع فيه صفات الجلالة من بأس وشجاعة واباء ونجدة خلال الجمال من سؤدد وكرم ودماثة في الخلق وعطف على الضعيف كل ذلك من البهجة في المنظر ووضاءة في المحيا من ثغر باسم ووجه طلق تتموج عليه أمواه الحسن ويطفح عليه رواء الجمال وعلى اسرة جبهته أنوار الايمان كما كانت تعبق من أعراقة فوائح المجد متأرجة من طيب العنصر ولما تطابق فيه الجمالات الصوري والمعنوي (قيل له قمر بني هاشم)(1) حيث كان يشوء بجماله كل جميل وينذ بطلاوة منظره كل احد حتى كأنه الفذ في عالم البهاء والوحيد في دنياه كالقمر الفائق

(1) كان يقال لعبد مناف قمر البطحاء ولعبد الله والد النبي صلى الله عليه وآله قمر الحرم .
العباس عليه السلام140

بنوره اشعة النجوم وهذا هو حديث الرواة :
«كان العباس وسيماً جميلاً يركب الفرس المطهم ورجلاه يخطان في الارض ويقال له قمر بني هاشم»(1) .
وقد وصفته الرواية المحكية في مقاتل الطالبيين بان (بين عينيه أثر السجود) ونصها :
قال المدائني حدّثني أبو غسان هارون بن سعد عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة قال رأيت رجلاً من بني أبان بن دارم أسود الوجه وكنت أعرفه جميلاً شديد البياض فقلت له ما كدت اعرفك قال اني قتلت شاباً أمرد مع الحسين بين عينيه أثر السجود فما نمت ليلة الا أتاني فيأخذ بتلابيبي حتى يأتي جهنم فيدفعني فيها فاصيح فما يبقى احد في الحي الا سمع صياحي قال والمقتول هو العباس بن علي عليه السلام .
وروى سبط ابن الجوزي عن هشام بن محمد عن القاسم بـن الاصبــغ المجاشعـي(2) قال لما أتي بالرؤوس الى

(1) مقاتل الطالبيين ص 33 ايران .
(2) الاصبغ هنا هو ابن نباتة لان بني مجاشع بطن من خنظلة من تميم كما في نهاية الارب للقلقشندي ص 334 والاصبغ ابن نباتة حنظلي تميمي كما نص عليه ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 1 ص 362 .
العباس عليه السلام141

الكوفة وإذا بفارس احسن الناس وجهاً قد علق في لبب فرسه رأس غلام أمرد كأنه القمر ليلة تمّه والفرس يمرح فاذا طأطأ رأسه لحق الرأس بالارض فقلت رأس من هذا قال رأس العباس بن علي قلت ومن أنت قال أبا حرملة بن الكاهل الاسدي(1) فلبثت أياماً واذا بحرملة ووجهه أشد سواداً من القار قلت رأيتك يوم حملت الرأس وما في العرب انظر وجهاً منك ولا أرى اليوم أقبح ولا أسود وجهاً منك فبكى وقال والله منذ حملت الرأس والى اليوم ما تمرّ عليّ ليلة الا واثنان يأخذان بضبعي ثم ينتهيان بي الى نار تؤجج فيه فيدفعاني فيها وأنا انكص فتسفعني كما ترى ثـم مـات على أقبـح حـال(2) .
ويمنع الاذعان بما في الروايتين من تعريف المقتول بأنه العباس بن علي عليه السلام عدم الالتئام مع كونه شاباً امرد فان للعباس يوم قتله أربعاً وثلاثين سنة والعادة قاضية بعدم كون مثله أمرد ولم ينص التاريخ على كونه كقيس بن سعد بن عبادة لا طاقة شعر في وجهه .

(1) جاء في تاريخ الطبري حرملة بن الكاهن بالنون بعد الهاء وهنا كامالي ابن الشيخ الطوسي ص 150 باللام بعدها وتقديم ما في الطبري تشهي بعد عدم النص على ضبطها فلعله غلط من النساخ .
(2) تذكرة الخواص ص 114 .
العباس عليه السلام142


وفي دار السلام للعلامة النوري ج 1 ص 114 والكبريت الاحمر ج 3 ص 52 ما يشهد للاستبعاد واصلاحه كما في كتاب (قمر بني هاشم) ص 126 بأنه رأس العباس الاصغر بلا قرينة مع الشك في حضوره الطف وشهادته وهذا كاصلاحه بتقدير المقتول : (أخ العباس) المنطبق على عثمان الذي له يوم قتله احدى وعشرين سنة او محمد بن العباس المستشهد على رواية ابن شهراشوب فان كل ذلك من الاجتهاد البحت .
ولعل النظرة الصادقة فيما رواه الصدوق منضماً الى رواية ابن جرير الطبري تساعد على كون المقتول حبيب بن مظاهر .
قال الصدوق : «وبالاسناد عن عمرو بن سعيد عن القاسم بن الاصبغ بن نباتة قال قدم علينا رجل من بني أبان بن دارم ممن شهد قتل الحسين وكان رجلاً جميلاً شديد البياض فقلت له ما كنت أعرفك لتغير لونك قال قتلت رجلاً من اصحاب الحسين يبصر بين عينيه أثر السجود وجئت برأسه قال القاسم لقد رأيته على فرس له مرحاً وقد علق الرأس بلبانها وهو يصيبه بركبتيه قال فقلت لابي لو أنه رفع الراس قليلاً اما ترى ما يصنع به الفرس بيديها فقال يا بني ما يصنع به أشد لقد حدّثني قال ما نمت ليلة الا أتاني في منامي

العباس عليه السلام143

حتى يأخذ بكتفي ويقول انطلق فينطلق بي الى جهنم فيقذف بي فأصيح قال فسمعت جارة له قالت ما يدعنا شيئاً من صياحه قال فقمت في شباب من الحي فأتينا امرأته فسألناها قالت قد أبدى على نفسه قد صدقكم(1) .
وقد اتفقت هذه الروايات الثلاث في الحكاية عن القاسم بن الاصبغ ابن نباتة بما فعل بالرأس الطاهر وتفيدنا رواية الصدوق ان المقتول رجل لا شاب وانه من أصحاب الحسين ولا اشكال فيها واذا وافقنا ابن جرير على ان الرأس المعلق هو رأس حبيب بن مظاهر في حين ان المؤرخين لم يذكروا هذه الفعلة بغيره من الرؤوس الطاهرة امكننا ان ننسب الاشتباه الى الروايتين السابقتين خصوصاً بعد ملاحظة ذلك الاستبعاد بالنسبة الى العباس وتوقف التصحيح فيهما على الاجتهاد بلا قرينة واضحة .
قال ابن جرير في ج 6 ص 252 من التاريخ طعن رجل من بني تميم حبيب بن مظاهر فوقع وذهب ليقوم واذا الحصين بن تميم يضربه بسيفه على رأسه فصرعه ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه فتنازعا الحصين والتميمي في رأسه كل يقول انا قتلته فأصلح الناس بينهما على ان يأخذ الحصين

(1) عقاب الاعمال ص 11 ملحق بثواب الاعمال .
العباس عليه السلام144

الرأس ويعلقه بعنق فرسه ويجول به في العسكر يعلم الناس انه القاتل ثم يدفعه الى الآخر فيدخل به على ابن زياد ففعل به الحصين ذلك ثم اخذه التميمي وعلقه بعنق فرسه ودخل الكوفة فبصر به القاسم بن حبيب بن مظاهر وهو يومئذ مراهق فلم يفارق الفارس كلما دخل القصر أو خرج منه فارتاب منه وسأله عن حاله وبعد أن الح عليه قال القاسم هذا رأس أبي الا تعطينه ان ادفنه فقال يا بني الامير لا يرضى بدفنه وأنا أريد أن يثيبني ثواباً حسناً فقال الغلام لكن الله لا يثيبك عليه الا أسوأ الثواب اما والله لقد قتلته خيراً منك وبكى ثم مكث الغلام يطلب غرة الرجل ليقتله بأبيه فلما غزا مصعب (باجميرا) دخل القاسم عسكر مصعب فرأى الرجل في فسطاطه فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فقتله .
نعم في رواية الصدوق ان القاسم يسأل أباه عما يفعله الفرس بالرأس فيقول (قلت لأبي لو أنه رفع الرأس الخ) وهو يدل على حياة الاصبغ ذلك اليوم وعليه فلم يعرف الوجه في تأخره عن حضور المشهد الكريم مع مقامه العالي في التشيع واخلاصه في الموالاة لامير المؤمنين وولده المعصومين عليهم السلام ومشاهدته هذا الفعل من الطاغي يدل على عدم حبسه عند ابن زياد كباقي الشيعة الخلّص ولا مخرج عنه الا بالوفاة قبل تلك الفاجعة العظمى كما هو

العباس عليه السلام145

الظاهر مما ذكره أصحابنا عند ترجمته من الثناء عليه والمبالغة في مدحه وعدم الغمز فيه فتلك الجملة (قلت لأبي) لا يعرف من أين جاءت ولا غرابة في زيادتها بعد طعن أهل السنة فيه كما في اللئالئ المصنوعة ج 1 ص 213 فانه بعد أن ذكر حديث الاصبغ بن نباتة عن ابي أيوب الانصاري انهم امروا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي قال لا يصح الحديث لان الاصبغ متروك لا يساوي فلساً وفيه ص 195 ذكر عن ابن عباس حديث الركبان يوم القيامة رسول الله وصالح وحمزة وعلي قال رجال الحديث بين مجهول وبين معروف بعدم الثقة .
ولقد طعنوا في أمثاله من خواص الشيعة بكل ما يتسنى لهم وما ذكر في تراجمهم يشهد لهذه الدعوى ولا يتحمل هذا المختصر التبسط في ذكرها ومراجعة ما كتبه السيد العلامة محمد بن أبي عقيل في (العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل) ص 40 في الباب الثاني فيه كفاية فانه ذكر جملة من اتباع أهل البيت طعنوا فيهم بلا سبب الا لموالاة أمير المؤمنين وولده عليهما السلام .

العباس عليه السلام146

كنيته

اشتهر أبو الفضل العباس عليه السلام بكنى وألقاب وصف ببعضها في يوم الطف والبعض الآخر كان ثابتاً له من قبل فمن كناه ابو قربة(1) لحمله الماء في مشهد الطف غير مرة وقد سدت الشرايع ومنع الورود على ابن المصطفى وعياله وتناصرت على ذلك اجلاف الكوفة واخذوا الاحتياط اللازم ولكن أبا الفضل لم يرعه جمعهم المتكاثف ولا أوقفه عن الاقدام تلك الرماح المشرعة ولا السيوف المجردة فجاء بالماء وسقى عيال أخيه وصحبه .
ولم ينص المؤرخون وأهل النسب على كنيته بأبي

(1) ذكره ابن ادريس الحلي في مزار السرائر وابو الفرج في المقاتل ص 84 والسيد الجزائري في الانوار النعمانية ج 1 ص 370 وابو الحسن الديار بكري في تاريخ الخميس ج 2 ص 317 .
العباس عليه السلام147

القاسم إذ لم يذكر أحد ان له ولداً اسمه القاسم نعم خاطبه جابر الانصاري في زيارة الاربعين بها قال «السلام عليك يا ابا القاسم السلام عليك يا عباس بن علي» وبما أن هذا الصحابي الكبير المتربي في بيت النبوة والامامة خبير بالسبب الموجب لهذا الخطاب فهو أدرى بما يقول .
وقد اشتهر بكنيته الثالثة (أبي الفضل) من جهة ان له ولداً اسمه الفضل(1) وكان حرياً بها فان فضله لا يخفى ونوره لا يطفى ومن فضائله الجسام نعرف انه ممن حبس الفضل عليه ووقف لديه فهو رضيع لبانه وركن من أركانه وإليه يشير شارح ميمية أبي فراس .
بذلـت أيـا عبـاس نفساً نفيسة لنصر حسين عز بالنصـر من مثل
أبيت التذاذ المـاء قبـل التـذاذه فحسن فعال المرء فرع عن الاصل
فأنت اخو السبطين في يوم مفخر و في يوم بذل الماء أنت أبو الفضل

(1) سر السلسلة وعمدة الطالب : ص 356 ومقاتل ابي الفرج : ص 84 .
العباس عليه السلام148

اللقب

اشتهر بين العامة والخاصة بأنه سلام الله عليه باب الحوائج لكثرة ما صدر منه من الكرامات وقضاء الحاجات ومن هنا قيل فيه(1) .
للشوس عبـاس يـريهم وجهـه و الوفد ينظـر باسماً محتاجها
باب الحوائج ما دعتـه مروعـة في حاجة الا و يقـضي حاجها
بأبي أبي الفضل الذي من فضلـه السامي تعلمت الـورى منهاجها

وقيل له (قمر بني هاشم)(2) لوضاءته وجمال هيئته

(1) من قصيدة لسيد الذاكرين السيد صالح الحلي رحمه الله .
(2) مناقب ابن شهراشوب ج 4 ص 108 ومقاتل الطالبيين : ص 85 وجنات الخلود .
العباس عليه السلام149

وان اسرة وجهه تبرق كالبدر المنير فكان لا يحتاج في الليلة الظلماء إلى ضياء .
وأما «الشهيد» فلم ينص عليه أحد الا انه الظاهر من عبارات أهل النسب ففي المجدي لابي الحسن العمري قال بعد ذكر أولاده هذا آخر نسب بني العباس الشهيد السقا ابن علي بن أبي طالب .
وفي سر السلسلة لابي نصر البخاري والشهيد أبو الفضل العباس بن علي امه أم البنين . ثم روى عن معاوية بن عمار اليزيدي قال قلت للصادق كيف قسمت نحلة فدك بعدما رجعت إليكم قال اعطينا ولد العباس الشهيد الربع والباقي لنا .
وكان الحري بأرباب المقاتل والنسب أن يدونوا له هذا اللقب المعرب عن أسمى منزلة له وهو «العبد الصالح» كما خاطبه الامام الصادق في الزيارة المخصوصة به التي رواها أبو حمزة الثمالي حيث يقول :
«السلام عليك أيها العبد الصالح» فانك جد عليم بأن هذه الصفة أرقى مراتب الانسان الكامل لأنها حلقة الوصل بين المولى والعبد وأفضل حالات أي فاضل حيث يجد نفسه الطرف الرابط لموجد كيانه جل وعلا وان من أكمل مراتب

العباس عليه السلام150

الوجود فيما اذ التئم المنتهى مع المبدأ بنحو الصلة وهذا لا يكون الا اذا بلغ العبد أرقى مراتب الانسانية التي تلحقه بعالم البساطة وتنتهي به الى صقع التجرد فتؤهله لأن يتصل بالبدء الاعلى فلو فقد الانسان تلك الملاءمة دحره عن حضيرة القداسة انقطاع النسبة وبعد المرمى وشسوع المسافة .
ولا نعني بهذه المرتبة ان يكون العبد مواظباً على العبادات البسيطة المسقطة للخطاب والرافعة للتعزير فحسب وانما نقصد منه ما اذا عبد الله سبحانه حق عبادته الناشئة عن فقه وبصيرة ومعرفة بالمعبود الذي يجب أن يعبد من دون لحاظ مثوبة أو عقوبة حتى يكون المولى هو الذي يسميه عبداً له ويصافقه على تصديق دعواه بالعبودية له .
وما أسعد العبد حيث يبصر ما بيده من سلك الطاعة ويعرف ان مولاه قابض على طرفه الآخر تزلفه إليه جاذبة الصلة واشعة القرب .
وعلى ما قلناه كانت هذه المرتبة عند الأنبياء عليهم السلام أرقى مراتبهم وأرفع منصاتهم لان طرف عبوديتهم أمنع واشرف من طرف رسالتهم فالطرف الاعلى في العبودية «مبدأ الحق سبحانه وتعالى» والطرف الاسفل منته الى شخص

السابق السابق الفهرس التالي التالي