العباس عليه السلام55
الأعمام

هلمّ معي أيها القارئ لنقرأ صحيفة بيضاء مختصرة من حياة أعمام أبي الفضل الذين هم أغصان تلك الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء فان للعمومة عرقاً يضرب في نفسيات المولود من فضائل وفواضل وقد جاء في الحديث : الولد كما يشبه أخواله يشبه أعمامه وقبل الاتيان على ما حباهم به المولى من الآلاء نستعرض اليسير من حياة عم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي لم يزل يفتخر به في مواطن شتى الا وهو الحمزة بن عبد المطلب .
وما ادراك ما حمزة وما هو وهل تعلم ماذا عنى نبيّ العظمة من وصفه «بأسد الله وأسد رسوله» وهل انه أراد الشدة والبسالة فحسب ؟ لا !
لأنّه صلى الله عليه وآله وسلم أفصح من نطق بالضاد وكلامه فوق كلام البلغاء فلو كان يريد خصوص الشجاعة

العباس عليه السلام56

لكان حق التعبير ان يأتي بلفظ «الاسد» مجرداً عن الاضافة الى الله سبحانه والى رسوله كما هو المطرد في التشبيه به نظماً ونثراً .
وحيث اضافه الرسول الى ذات الجلالة والرسالة فلا بد أن يكون لغاية هناك أخرى وليست هي الا افادة ان ما فيه من كرّ واقدام وبطش وتنمر مخصوص في نصرة كلمة الله العليا ودعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أربى من غيره وأرقى فكان سلام الله عليه من عمد الدين واعلام الهداية ولذلك وجب عليه الاعتراف بفضله وبما حباه المولى سبحانه من النزاهة التي لا ينالها أحد من الشهداء وكان ذلك من مكملات الايمان ومتممات العقائد الحقة .
يشهد له ما في كتاب «الطرف» للسيد ابن طاووس ان رسول الله قال لحمزة في الليلة التي اصيب في يومها انك ستغيب غيبة بعيدة فما تقول لو سألك الله عن شرايع الاسلام وشروط الايمان .
فبكى حمزة وقال أرشدني وفهّمني .
فقال النبي : تشهد لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة ولعليّ بالولاية وان الأئمة من ذرية الحسين وان فاطمة سيدة نساء العالمين وان جعفر الطيار مع الملائكة في الجنة ابن

العباس عليه السلام57

أخيك وان محمداً وآله خير البرية .
قال حمزة آمنت وصدّقت .
ثم قال رسول الله وتشهد بأنك سيد الشهداء وأسد الله وأسد رسوله فلما سمع ذلك حمزة أدهش وسقط لوجهه ثم قبّل عيني رسول الله وقال أشهدك على ذلك وأشهد الله وكفى بالله شهيداً .
وان التأمل في الحديث يفيدنا منزلة كبرى لحمزة من الدين والإيمان لا تحدّ وإلا فما الفائدة في هذه البيعة والاعتراف بعدما صدر منه بمكة من الشهادة لله بالوحدانية ولرسوله بالنبوة ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد لهذه الذات الطاهرة التي حلقت بصاحبها الى ذروة اليقين التحلي بأفضل صفات الكمال وهو التسليم لأمير المؤمنين بالولاية العامة ولأبنائه المعصومين بالخلافة عن جدّهم الأمين .
وهناك مرتبة أخرى لا يبلغ مداها أحد وهي اعتراف حمزة وشهادته بأنه سيد الشهداء وانه أسد الله وأسد رسوله وان ابن أخيه الطيار مع الملائكة في الجنة وهذه خاصة لم يكلف بها العباد فوق ما عرفوه من منازل أهل البيت المعصومين وإنما هي من مراتب السلوك والكشف واليقين .
وإذا نظرنا إلى اكبار الأئمة لمقامه وهم أعرف بنفسيات

العباس عليه السلام58

الرجال حتى انهم احتجوا على خصومهم بعمومته وشهادته دون الدين كما احتجوا بنسبتهم الى الرسول الأقدس مع ان هناك رجالاً بذلوا أنفسهم دون مرضاة الله تعالى .
استفدنا درجة عالية تقرب من درجاتهم عليهم السلام فهذا امير المؤمنين يقول ان قوما ًاستشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى اذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصّه رسول الله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه .
وفي يوم الشورى احتج عليهم به فقال أنشدكم الله هل فيكم أحد له مثل عمّي حمزة أسد الله وأسد رسوله(1) .
وقال الامام المجتبى في بعض خطبه : وكان ممن استجاب لرسول الله عمه حمزة وابن عمه جعفر فقتلا شهيدين في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله فجعل حمزة سيد الشهداء .
وقال سيد الشهداء أبو عبد الله يوم الطف . أوليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي .
إلى غير ذلك مما جاء عنهم في الاشادة بذكر حتى ان رسول الله لم يزل يكرر الهتاف بفضله ويعرف المهاجرين

(1) أمالي الشيخ الطوسي : ص 557 .
العباس عليه السلام59

والانصار بما امتاز به اسد الله وأسد رسوله من بينهم كي لا يقول قائل ولا يتردد مسلم عن الاذعان بما حبا الله تعالى سيد الشهداء من الكرامة فيقول صلى الله عليه وآله :
يا معشر الانصار يا معشر بني هاشم يا معشر بني عبد المطلب أنا محمد رسول الله الا أني خلقت من طينة مرحومة في أربعة من أهل بيتي أنا وعلي وحمزة وجعفر(1) .
والغرض من هذا ليس الا التعريف بخصوص فضل عمه وابن عمه فلذلك لم يتعرض لخلق الأئمة بل ولا شيعتهم المخلوقين من فاضل طينتهم كما في صحيح الاثار وانما ذكر نفسه ووصيه لكونهما من أصول الاسلام والايمان .
كما ان أمير المؤمنين يوم فتح البصرة لما صرح بفضل سبعة من ولد عبد المطلب قال لا ينكر فضلهم الا كافر ولا يجحده الا جاحد وهم النبي محمد ووصيه والسبطان والمهدي وسيد الشهداء حمزة والطيار في الجنان جعفر لم يقصد بذلك الا التنويه بفضل عمه وأخيه فقرن شهادتهما بمن نهض في سبيل الدعوة الالهية وهم أركان الاسلام والايمان .
ولو لم تكن لسيد الشهداء حمزة وابن أخيه الطيار كل

(1) مجالس الصدوق : ص 172 ح 7 .
العباس عليه السلام60

فضيلة سوى شهادتهما للانبياء بالتبليغ وأداء الرسالة لكفى أن لا يتطلب الانسان غيرهم .
قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق كان نوح أول من يدعى به فيقال له هل بلغت فيقول نعم ، فيقال له : من يشهد لك فيقول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يخرج نوح ويتخطى الناس حتى يأتي الى محمد وهو على كثيب المسك ومعه علي عليه السلام فيقول نوح لمحمد ان الله سألني هل بلغت فقلت نعم فقال من يشهد لك قلت محمد فيقول محمد يا جعفر ويا حمزة اذهبا فاشهدا انه قد بلّغ . قال أبو عبد الله أفحمزة وجعفر هما الشاهدان للأنبياء بما بلغوا فقال الراوي فأين علي قال انه أعظم منزلة من ذلك(1) .
وهذه الشهادة لا بد أن تكون حقيقية بمعنى انها تكون عن وقوف بمعالم دين نوح عليه السلام واديان الأنبياء الذين هما الشاهدان لهم بنص الحديث واحاطة شهودية بها وبمعارفها وبمواقعها وبوضعها في الموضع المقرر له والا لما صحت الشهادة وهذا المعنى هو المتبادر الى الذهن من الشهادة عند اطلاقها فهي ليست شهادة علمية بمعنى حصول

(1) سفينة البحار للشيخ عباس القمي ج 1 ص 158 عن الكافي .
العباس عليه السلام61

العلم لهما من عصمة الأنبياء بأنهم وضعوا ودائع نبواتهم في مواضعها ولو كان ذلك كافياً لما طولبوا بمن يشهد لهم فان جاعل العصمة فيهم جل شأنه اعرف بأمانتهم لكنه لضرب من الحكمة أراد سبحانه وتعالى أن يجري الامر على أصول الحكم يوم فصل القضاء .
ثم ان هذه الشهادة ليست فرعية بمعنى انهما يشهدان عن شهادة رسول الله فان المطلوب في المحاكم هي الشهادة الوجدانية فحسب .
فإذا تقرر ذلك فحسب حمزة وجعفر من العلم المتدفق خبرتهما بنواميس الأديان كلها والنواميس الالهية جمعاء أو وقوفهما بحق اليقين أو بالمعاينة في عالم الانوار أو المشاهدة في عالم الاظلة والذكر لها في عالم الشهود والوجود ومن المستحيل بعد تلك الإحاطة أن يكونا جاهلين بشيء من نواميس الاسلام .

العباس عليه السلام62
طالب

ان الثابت عند المحققين اسلام طالب بن أبي طالب من أول الدعوة فان المتأمل إذا نظر بعين البصيرة الى أبي طالب وقد ضم أولاده اجمع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم لا يفارقونه فـي جميع الأحوال مع ما يشاهدونه منه صلى الله عليه وآله وسلم من الآيـات البـاهرات لا يرتاب في صدق الدعـوى وقـد افصـح عنـه شعـره(1) :
إذا قيل من خير هذا الورى قبيـلاً واكرمهـم اسـرة
أنـاف بعبـد منــاف أب وفضلـه هـاشـم الغـرة


(1) البحار ج 9 ص 39 وذكر السيد علي خان في الدرجات الرفيعة بترجمته الثالث والرابع فقط .
العباس عليه السلام63

لقد حل مجد بني هاشم مكان النعائـم والنثـرة
وخير بنـي هاشم احمد رسـول الاله على فترة

وان في حديث جابر الانصاري ما يفيد منزلة أرقى من مجرد الاسلام يقول قلت لرسول الله أكثر الناس يقولون ان أبا طالب مات كافراً قال يا جابر ربك أعلم بالغيب انه لما كانت الليلة التي أسري بي فيها الى السماء انتهيت الى العرش فرايت أربعة أنوار فقلت إلهي ما هذه الأنوار فقال يا محمد هذا عبد المطلب وهذا أبو طالب وهذا أبوك عبد الله وهذا أخوك طالب فقلت إلهي وسيدي فيم نالوا هذه الدرجة قال بكتمانهم الايمان والصبر على ذلك حتى ماتوا(1) .
وروى الكليني في روضة الكافي عن الصادق عليه السلام كان طالب مسلماً قبل بدر وانما اخرجته قريش كرهاً فنزل رجّازوهم يرتجزون ونزل طالب يرتجز :
يا رب اما يغزون بطالب في مقنب من هذه المقانب


(1) روضة الواعظين ص 71 .
العباس عليه السلام64

في مقنب المحارب المغالب يجعله المسلوب غير السالب

وروي محمد بن المثنى الحضرمي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقي أبا رافع مولى العباس ابن عبد المطلب يوم بدر فسأله عن قومه فأخبره ان قريشاً اخرجوهم مكرهين(1) .
ويشهد له ما رواه ابن جرير ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم بدر اني لأعرف رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحداً منهم فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله انما خرج مستكرهاً(2) .
وقد اختلف في موت طالب فقيل انه لما خرج الى بدر فقد ولم يعرف خبره وقيل اقحمه فرسه في البحر فغرق وليس من البعيد أن قريشاً قتلته حينما عرفت منه الاسلام وعرفت مصارحته بالتفاؤل بمغلوبيتهم وكان حاله كحال سعد بن عبادة لما رماه الجن «لو صدقت الأوهام» .

(1) في كتابه وهو من اصحاب الائمة عليهم السلام .
(2) تاريخ الطبري ج 2 ص 282 .
العباس عليه السلام65

عقيل

كان عقيل بن ابي طالب أحد أغصان الشجرة الطيبة وممن رضي عنهم رسول الله فان النظرة الصحيحة في التاريخ تفيدنا اعتناقه الاسلام أول الدعوة وكان هذا مجلبة للحب النبوي حيث اجتمعت فيه شرائط الولاء من رسوخ الايمان في جوانحه وعمل الخيرات بجوارحه ولزوم الطاعة في أعماله واقتفاء الصدق في أقواله فقول النبي له : «اني احبك حبين حباً لك وحباً لحب أبي طالب إياك»(1) انما هو لأجل هاتيك

(1) نكت الهيمان ص 200 والسيرة الحلبية ج 1 ص 304 وتذكرة الخواص ص 7 والخصال ج 1 ص 38 للصدوق ولكنه في المجالس ص 78 مجلس 27 روي عن ابن عباس ان علياً قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اتحب عقيلاً قال أي والله اني احبه حبين حبا له وحباً لحب أبي طالب له وان ولده لمقتول في محبة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلي عليه الملائكة المقربون ثم بكى رسول الله حتى جرت دموعه على صدره وقال الى الله اشكو ما تلقى عترتي من بعدي .
العباس عليه السلام66

المآثر وليس من المعقول كون حبه لغاية شهوية أو لشيء من عرض الدنيا .
إذن فحسب عقيل من العظمة هذه المكانة الشامخة وقد حدته قوة الإيمان الى أن يسلق اعداء اخيه أمير المؤمنين بلسان حديد خلده عاراً عليهم مدى الحقب والاعوام .
على ان حب أبي طالب له لم يكن لمحض النبوة فانه لم يكن ولده البكر ولا كان اشجع ولده ولا أوفاهم ذمة ولا ولده الوحيد وقد كان في ولده مثل أمير المؤمنين وأبي المساكن جعفر الطيار وهو أكبرهم سناً وانما كان «شيخ الابطح» يظهر مرتبة من الحب له مع وجود ولده (الامام) وأخيه الطيار لجمعه الفضائل والفواضل موروثة ومكتسبة .
وبعد أن فرضنا ان أبا طالب حجة وقته وأنه وصيّ من الأوصياء لم يكن يحابي أحداً بالمحبة وان كان اعز ولده الا ان يجده ذلك الانسان الكامل الذي يحابي احداً بالمحبة وان كان اعز ولده الا ان يجده ذلك الانسان الكامل الذي يجب في شريعة الحق ولاءه .
ولا شك ان عقيلاً لم يكن على غير الطريقة التي عليها اهل بيته اجمع من الايمان والوحدانية لله تعالى وكيف يشذ عن خاصته وأهله وهو واياهم في بيت واحد وأبو طالب هو

العباس عليه السلام67

المتكفل تربيته واعاشته فلا هو بطارده عن حوزته ولا بمبعده عن حومته ولا بمتضجر منه على الاقل وكيف يتظاهر بحبه ويدنيه منه كما يعلمنا النص النبوي السابق لو لم يتوثق من إيمانه ويتيقن من اسلامه غير انه كان مبطناً له كما كان أبوه من قبل وأخوه طالب وان كنا لا نشك في تفاوت الايمان فيه وفي اخويه الطيار وأمير المؤمنين .
وحينئذ لم يكن عقيل بدعاً من هذا البيت الطاهر الذي بني الاسلام على علاليه فهو مؤمن بما صدع به الرسول منذ هتف داعية الهدى .
كما لبّت هذا الهتاف اختهم ام هاني فكانت من السابقات إلى الايمان كما عليه صحيح . الاثر وفي بيتها نزل النبي عن معراجه وهو في السنة الثالثة من البعثة وحدثها بأمره قبل أن يخرج الى الناس وكانت مصدقة له غير انها خشيت تكذيب قريش إياه وعليه فلا يعبأ بما زعم من تأخر إسلامها الى عام الفتح سنة ثمان من الهجرة(1) .

(1) في مناقب ابن شهراشوب ج 1 ص 110 انها ماتت في أيام النبي صلى الله عليه وآله ولكن ابن حجر في تقريب التهذيب نص على وفاتها في خلافة معاوية وعليه فليست هي المعنية بما في كامل الزيارة ص 96 واقبلت اليه بعض عماته تقول أشهد يا حسين لقد سمعت قائلاً يقول :
=
العباس عليه السلام68

وما عسى أن يقول القائل في امهم زوج شيخ الابطح بعد شهادة الرسول الامين بأنها من الطاهرات الطيبات المؤمنات في جميع أدوار حياتها .
والعجب ممن اغتر بتمويه المبطلين فدون تلك الفرية زعماً منه انها من فضائل سيد الأوصياء وهي ان فاطمة بنت أسد دخلت البيت الحرام وهي حاملة بعلي عليه السلام فأرادت أن تسجد لهبل فمنعها عليّ وهو في بطنها .
وقد فات المسكين ان في هذه الكرامة طعناً بتلك الذات المبرأة من رجس الجاهلية ودنس الشرك وكيف يكون اشرف المخلوقات بعد خاتم الأنبياء المتكون من النور الإلهي مودعاً في وعاء الكفر والجحود .
كما انهم ابعدوها كثيراً عن مستوى التعاليم الإلهية ودروس خاتم الأنبياء الملقاة عليها كل صباح ومساء وفيها ما فرضه المهيمن جلّ شأنه على الامة جمعاء من الايمان بما حبى ولدها الوصي بالولاية على المؤمنين حتى اختص بها دون الائمة من أبنائه وان كانوا نوراً واحداً وطينة واحدة ولقد غضب الامام الصادق عليه السلام على من سماه

=
وان قتيل الطف من آل هاشم اذل رقاباً من قريش فذلت
العباس عليه السلام69

أمير المؤمنين وقال مه لا يصلح هذا الاسم الا لجدّي أمير المؤمنين .
فرووا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولف على قبرها وصاح ابنك عليّ لا جعفر ولا عقيل ولما سئل عنه اجاب ان الملك سألها عمن تدين بولايته بعد الرسول فخجلت أن تقول ولدي .
أمن المعقول ان تكون تلك الذات الطاهرة الحاملة لاشرف الخلق بعد النبوة بعيدة عن تلك التعاليم المقدسة وهل في الدين حياء ؟ نعم أرادوا أن يزحزحوها عن الصراط السوي ولكن فاتهم الغرض واخطأوا الرمية .
فان الصحيح من الآثار ينص على ان النبي لما أنزلها في لحدها ناداها بصوت رفيع يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر فاذا أتاك منكر ونكير فسألاك من ربّك فقولي الله ربي ومحمد نبيي والاسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليّي ثم خرج من القبر واهال عليها التراب(1) .
ولعل هذا خاص بها ومن جرى مجراها من الزاكين الطيبين والا فلم يعهد في زمن الرسالة تلقين الاموات بمعرفة

(1) مجالس الصدوق ص 189 مجلس 51 .
العباس عليه السلام70

الولي بعده فانه كتخصيصها بالتكبير أربعين مع ان التكبير على الاموات خمس .
وبالرغم من هاتيك السفاسف التي أرادوا بها الحطّ من مقام والدة الامام اظهر الرسول أمام الأمة ما اعرب عن مكانتها من الدين وانها بعين فاطر السماء حين كفنها بقميصه الذي لا يبلى لتكن مستورة يوم يعرى الخلق وكان الاضطجاع في قبرها اجابة لرغبتها فيه عند ما حدثها عن اهوال القبر وما يكون فيه من ضغطة ابن آدم .
فتحصل أن هذا البيت الطاهر بيت أبي طالب بيت توحيد وإيمان وهدى ورشاد وان من حواه البيت رجالاً ونساء كلهم على دين واحد منذ هتف داعية الهدى وصدع بأمر الرسالة غير انهم بين من جاهر باتباع الدعوة وبين من كتم الايمان لضرب من المصلحة .

العباس عليه السلام71

السفر الى الشام

لقد كانت الروايات في سفر عقيل الى الشام في انه على عهد أخيه الامام أو بعده متضاربة واستظهر ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 3 ص 82 انه بعد شهادة أمير المؤمنين وجزم به العلامة الجليل السيد علي خان في الدرجات الرفيعة وهو الذي يقوي في النظر بعد ملاحظة مجموع ما يؤثر في هذا الباب ، وعليه تكون وفادته كوفود غيره من الرجال المرضيين عند أهل البيت الى معاوية في تلك الظروف القاسية بعد أن اضطرتهم إليه الحاجة وساقهم وجه الحيلة في الابقاء على النفس والكف من بوادر الرجل فلا هم بملومين بشيء من ذلك ولا يحط من كرامتهم عند الملأ الديني فان للتقية احكاماً لا تنقض ولا يلام المضطر على أمر اضطر إليه .
على ان عقيلاً لم يؤثر عنه يوم وفادته على معاوية اقرار

العباس عليه السلام72

له بامامة ولا خضوع له عند كرامة وانما المأثور عنه الوقيعة فيه والطعن في حسبه ونسبه والحط من كرامته والاصحار بمطاعنة مشفوعة بالاشارة الى فضل أخيه أمير المؤمنين .
من ذلك ان معاوية قال له يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك فقال عقيل لقد مررت بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله ونهار كنهاره الا ان رسول الله ليس فيهم وما رأيت فيهم الا مصلياً ولا سمعت الا قارئاً ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله ليلة العقبة(1) .
وقال له معاوية ان علياً قطع قرابتك ولم يصلك فقال عقيل والله لقد اجزل اخي العطية واعظمها ووصل القرابة وحفظها وحسن ظنه بالله إذ ساء به مثلك وحفظ أمانته واصلح رعيته اذ خنتم وأفسدتم فاكفف لا أبا لك فانه عما تقول بمعزل(2) .
ثم صاح يا أهل الشام لقد وجدت أخي قد جعل دينه دون دنياه وخشي الله على نفسه ولم تأخذه في الله لومة لائم ووجدت معاوية قد جعل دنياه دون دينه وركب الضلالة واتبع

(1) الدرجات الرفيعة : ص 160 .
(2) العقد الفريد ج 2 ص 134 في باب الاجوبة المسكتة .

السابق السابق الفهرس التالي التالي