أحكام المرأة والأسرة 168

في أحكام الأولاد والولادة


1 ـ لا يجوز إسقاط الحمل وإن كان من سفاح ـ أي من زنا ـ إلاّ فيما إذا خافت الأُمّ الضرر على نفسها من استمرار وجوده، أو كان موجباً لوقوعها في حرج شديد لا يتحمّل عادةً، فإنه يجوز لها حينئذ إسقاطه مالم تلج فيه الروح.
وقد ثبت علميّاً أنّ ولوج الروح في الجنين يتمّ بعد انتهاء الشهر الثالث، وأمّا بعد ولوج الروح فلا يجوز الإسقاط حتى إذا خافت الاُمّ الضرر على نفسها أو استلزم الحرج على الأحوط وجوباً، وإذا أسقطت الأُمّ حملها وجبت عليها ديّته لأبيه أو غيره من ورثة الأب، وإن كان الأب هو الجاني والمسقط للجنين كانت ديّته لأُمّه، وإن أسقطه غير الأبوين كالطبيب لزمته الديّة لهما وإن كان الإسقاط بطلبهما، ولمستحقّها العفو عنها(1).
2 ـ يكفي في ديّة الحمل بعد ولوج الروح فيه دفع خمسة آلاف ومائتين وخمسين مثقالا من الفضة إن كان ذكراً، ونصف ذلك إن كان اُنثى، سواء كان موته بعد خروجه حيّاً أم مات في بطن اُمّه على الأحوط وجوباً ويكفي في ديّته قبل ولوج الروح فيه دفع مائة وخمسة مثاقيل إن كان علقة، وثلاثمائة وخمسة عشر مثقالا إن كان مضغة، وأربعمائة وعشرين مثقالا إن كانت قد بنيت له العظام، وخمسمائة وخمسة وعشرين مثقالا إن كان تامّ الأعضاء والجوارح، ولا فرق في ذلك بين الذكر

(1) أي يحقّ لهما أن يعفوا عن الطبيب أو غيره ممّن أسقط الجنين.
أحكام المرأة والأسرة 169

والاُنثى على الأحوط وجوباً(1).
3 ـ يجوز للمرأة استعمال مايمنع الحمل من العقاقير المعدّة لذلك بشرط أن لا يلحق بها ضرراً بليغاً، بلا فرق في ذلك بين رضى الزوج وعدمه.

في أحكام الولادة وما يلحقها

للولادة والمولود سنن وآداب بعضها واجبة وبعضها مستحبة، وأهمها مايلي:
1 ـ ينبغي مساعدة المرأة عند ولادتها بل يجب ذلك كفاية; بمعنى أنّه إذا قام به شخص سقط عن الآخرين، هذا إذا خيف على المرأة أو على جنينها من التلف، أو ما بحكمه، كالضرر الذي يلحق بأحدهما نتيجة عدم مساعدة المرأة; ولو توقّفت ولادة المرأة على النظر أو اللمس المحرّمين على الرجال الأجانب لزم أن يتكفّلها الزوج، أو النساء، أو محارمها من الرجال.
ولو توقّفت الولادة على النظر أو اللمس من غير الزوج وكان متمكّناً من توليدها من دون عسر ولا حرج فلا يبعد تعيّن اختياره، إلاّ أن تكون القابلة أرفق بحالها، فيجوز للمرأة حينئذ أن تختار القابلة كي تولّدها، هذا في حال الاختيار، أمّا في حال الاضطرار فيجوز أن يولّدها الأجنبي، بل قد يجب ذلك، نعم لا بدّ معه من الاقتصار في كلّ من اللمس والنظر على مقدار الضرورة، فإنّ الضرورات تقدّر بقدرها.
2 ـ يستحب غسل المولود عند وضعه، مع الأمن عليه من الضرر، والأذان في أُذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، فإنّه عصمة من الشيطان الرجيم كما ورد في الخبر، ويستحب أيضاً تحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين(عليه السلام)، والتحنيك هو: أن يدلك

(1) والجنس الذي يعطى فيه الديّة يكون فضّة في جميع مقاديره.
أحكام المرأة والأسرة 170

بهما حنك الوليد أي باطن أسفل الفم من الداخل(1).
وجاء عن الكليني عن أبي جعفر(عليه السلام): "حنّكوا أولادكم بماء الفرات وبتربة قبر الحسين(عليه السلام)، فإن لم يكن فبماء السماء"(2).


استحباب تسمية الوليد

من الأُمور التي أكد عليها أهل بيت الرحمة (عليهم الصلاة والسلام) في كلماتهم هو تسمية الوليد لما في ذلك أثر على شخصيته، فقد ورد استحباب التسمية قبل أن يولد الطفل، وإن لم يسمّه قبل الولادة سمّاه بعدها، حتّى إن كان الوليد سقطاً، وإن اشتبه أنّه ذكر أو اثنى فيختار له اسماً مشتركاً، وفي هذا الباب جاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: "سمّوا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم تدروا أذكر أم اُنثى فسمّوهم بالأسماء التي تكون للذكر والاُنثى، فإنّ أسقاطكم إذا لقوكم في القيامة ولم تسمّوهم يقول السقط لأبيه: ألاّ سمّيتني وقد سمّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) محسناً قبل أن يولد"؟(3)
] 3 ـ يستحب تسمية الوليد بالأسماء المستحسنة، فإنّ ذلك من حق الولد على والده، وفي الخبر: "إنّ أصدق الأسماء ما يتضمّن العبودية لله جلّ شأنه(4)، وأفضلها

(1) حنكت لسان الصبي وحنّكته، إذا مضَغتَ تمراً أو غيره ثمّ دلكته بحنكه، الصحاح 4:1581 "حنَكَ".
(2) وسائل الشيعة 21:407، الحديث 3.
(3) وسائل الشيعة 21:387، الحديث 1.
(4) المقصود ما يكون نحو: عبدالله وعبدالرحيم وعبدالكريم.
أحكام المرأة والأسرة 171

أسماء الأنبياء"(1) صلوات الله عليهم، وكذا أسماء الأئمة(عليهم السلام)، وعن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ أحدهم بأسمي فقد جفاني"(2).
وجاء عن أبي هارون مولى آل جعدة قال: كنت جليساً لأبي عبدالله(عليه السلام)بالمدينة، ففقدني أيّاماً، ثم إنّي جئتُ إليه فقال: "لم أرك منذ أيام يا أبا هارون"؟ فقلت: وُلد لي غلام، فقال: "بارك الله لك، فما سمّيته"؟ قلت: سمّيته محمّداً، فأقبل بخدّه نحو الأرض وهو يقول: "محمّد محمّد محمّد"، حتّى كادّ يلصق خدّه بالأرض، ثمّ قال: "بنفسي وبولدي وبأهلي وبأبويَّ، وبأهل الأرض كلّهم جميعاً الفداء لرسول الله(صلى الله عليه وآله)، لا تسبّه، ولا تضربه، ولا تسىء إليه، وأعلم أنّه ليس في الأرض دار فيها اسم محمّد الاّ وهي تقدَّس كلّ يوم"(3).
ولا يخفى تكريم الله تعالى لاسم رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقد روي أيضاً عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)أنّه قال: "ما من قوم كانت لهم مشورة فحضرها من إسمه محمّد أو أحمد فأدخلُوه في مشورتهم إلاّ كان خيراً لهم(4)".
وكذلك ورد عن أهل البيت(عليهم السلام) استحباب التسمية بعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، ونهي عن ضرب وسب البنت التي سميّت بفاطمة.
كما وجاء عنهم(عليهم السلام) استحباب تغيير اسم الولد أو البنت إن لم يكونا

(1) وسائل الشيعة 21:391، الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة 21:393، الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة 21:393، الحديث 4.
(4) وسائل الشيعة 21:392، الحديث 8.
أحكام المرأة والأسرة 172

حسنين(1).
4 ـ يكره أن يكنّى الوليد (أباالقاسم) إذا كان اسمه محمّد(2)، كما يكره تسميته بأسماء أعداء أهل البيت صلوات الله عليهم(3).
5 ـ يستحب أن يحلق رأس الوليد (الذكر) في اليوم السابع من عمره، وأن يتصدّق بوزنه ذهباً أو فضّة، ويكره أن يحلق موضعاً ويترك موضعاً.


استحباب الوليمة

جاء عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "لا وليمة إلاّ في خمس: في عُرس، أو خُرس، أو عِذار، أو وِكار، أو ركاز. فالعُرس التزويج، والخُرس النُفاس بالولد، والعِذار الختان، والوِكار الرجل يشتري الدّار، والرّكاز الرجل يقدم من مكّة"(4).
6 ـ تستحب الوليمة عند الولادة، وهي إحدى الخمس التي سُنَّ فيها الوليمة، كما أن إحداها عند الختان، ولا يعتبر في وليمة الوليد إيقاعها في يوم الولادة، فلا بأس بتأخيرها عنه بأيام قلائل، والظاهر أنّه إن ختن في اليوم السابع فأولم (أي عمل وليمةً) في يوم الختان بقصدهما ـ أي الولادة والختان ـ تتأدّى السنّة.


أحكام الختان

7 ـ الختان واجب لنفسه، أي ليس واجباً لغيره، كالوضوء الذي يجب للصلاة

(1) وسائل الشيعة 21:388، الحديث 6.
(2) وسائل الشيعة 21:4، الحديث 2.
(3) وسائل الشيعة 21:398 الحديث 4.
(4) وسائل الشيعة 20:95، الحديث 5.
أحكام المرأة والأسرة 173

وغير ذلك، ولكنّه شرط في صحة الطواف، واجباً كان أم مندوباً، عدا طواف الصبيّ غير المميّز الذي يطوّفه وليّه.
ولا فرق في الطواف الواجب بين ماكان جزءاً لحجّ أو عمرة، واجبين أو مندوبين، وليس الختان شرطاً في صحة الصلاة فضلا عن سائر العبادات.
8 ـ لا بأس أن يكون الختّان كافراً حربيّاً أو ذميّاً، فلا يعتبر فيه الإسلام.
9 ـ لو ولد الصبيّ مختوناً سقط الختان عنه وإن استحب إمرار الموسى على المحلّ لإصابة السنّة.
10 ـ يستحب للولي أن يختن الصبيّ في اليوم السابع من ولادته، ولا بأس بتأخيره عنه، ويجوز له أن يترك ختانه حتى يبلغ، ولكن الأحوط استحباباً عدم تأخيره حتّى البلوغ، وإذا لم يُختَن الصبيّ حتى بلغ وجب عليه أن يختن نفسه ـ بمعنى أنّه يذهب إلى الختّان كي يختنه، لا أن يختن نفسه بنفسه ـ حتّى الكافر إذا أسلم وهو غير مختون فيجب عليه الختان وإن طعن في السنّ مالم يتضرّر به.


كلام في الختان

ليس الختان سنّة إسلامية فحسب، بل هو من سوابق عقائد اليهود كما دلّ على ذلك كتابهم المقدّس، فالقاعدة الأساسيّة في التوراة هي وجوب الختان لكلّ مولود ذكر يهوديّ في يومه الثامن، وحملت هذه القاعدة في طياتها عدّة مشاكل:
أوّلها: تعيين مَن هو اليهودي؟
والثانية: هل يختن الذكر إذا وقع موعد الختان يوم السبت؟
والثالثة: هل يمكن تأخير الختان أو تركه في حالة المرض والخوف من خطر

أحكام المرأة والأسرة 174

الموت؟
فأمّا من هو اليهوديّ حسب التعاليم اليهودية؟ فجوابه: إنّه من ولد من أُمّ يهوديّة، مهما كان دين والده، وإذا أصبحت الأُمّ يهوديّة قبل ميلاد الطفل ـ وإن كان في زمن الحمل ـ فإنّ طفلها يصبح يهوديّاً بالتبعيّة، أمّا إذا أصبحت يهوديّة بعد ولادته فيجب أن يحوّل الطفل يهوديّاً قبل أن يختن.
وقد كان هناك جدل عام 1864م في "نيو أورليانز" حول ختان أطفال من أب يهوديّ وأُمّ غير يهوديّة، وقد قرّر أحد الحاخامات اليهود وأيّده على ذلك الحاخامات الاوربيون. إلاّ أن الحاخام "تسفي هيرش كاليشرى" أيّد ختان الأطفال غير اليهود عموماً، والأطفال من أب يهوديّ خاصة; لأنّ التوراة في رأيه لجميع البشريّة، وقد خصّ بها اليهود قديماً بسبب حالة الشعوب في ذلك الوقت، وعليه فيجب إجراء كلّ ما يمكن أن يشجّع الآخرين لقبول التوراة. وبما أنّ الختان على كبر قد يكون مانعاً لتحوّل البالغين لليهوديّة، لذلك ينصح بإجرائه على الأطفال الذين كانوا من أب يهوديّ، إذ أنّهم من بذر يهوديّ، وهكذا يسهل عليهم التحوّل إلى اليهوديّة عندما يكبرون(1).


سِنّ الختان ويوم السبت

أمّا سِنّ الختان عند اليهود فقد ذهبوا إلى أنّه في اليوم الثامن كما في التوراة، فإذا تمّ الختان في اليوم السابع بدلا من اليوم الثامن لا يعتبر ختاناً، بل جرحاً كغيره من الجروح، والخاتن يأثم، ولو غلط الأب فختن أحد طفليه في التاريخ المحددّ

(1) ختان الذكور والإناث: 142.
أحكام المرأة والأسرة 175

لختن الثاني، أي ختن الطفل الثاني يوم السبت وختن الأوّل قبله أو بعده، يأثم ويجب عليه إعطاء الكفّارة.
وكانت شريعة اليهود تقدّس يوم السبت وتحتّرمه، وتعاقب من يستبيح حرمته بالقتل. وكما مر في ختن الأطفال الأحرار عند اليهود كذلك فرض على اليهوديّ أن يختن عبيده، وكانت العادة أنّهم يختنوهم عند شرائهم، ولكن لا يمكن ختانهم يوم السبت إذ أنّ للسبت حرمة لا تخرق.
ولا يسمح بالختان إلاّ لطفل يكون يومه الثامن يوم السبت.
وأمّا المسيحيّون فقد رفضوا سنّة الختان التي ورثت من اليهود، رغم أنّ بعضهم كان يمارسها!! ولكن رفضهم للختان لا ينطلق من دليل منطقي كاحترام الجسد وعدم إيصال الأذى إليه، كما يتصوّر البعض من كون الختان جرحاً مضرّاً لطفل برىء، غافلين عن الفوائد الصحيّة والأثار الإيجابيّة التي تترتّب عليه، بل ألغوه عن منطق لاهوتي سياسي (كي يجذبوا الوثنين للدخول في الدين الجديد)، ومن العجيب أنّ المسيح الذين رفضوا الختان آمنوا ببتر الأعضاء وإخصاء الذكر.
فتروي الاُسطورة المسيحيّة أن "أتيس" عشيق أحد الآلهة قد بتر أعضاءه الجنسيّة في حمية الشوق، ومات من نزيف الدم تحت شجرة، وكلّ من يريد أن يصبح خادماً لـ (سيبيل) وهو أحد الآلهة كان عليه أن يبتر أعضاءه الجنسيّة مثل عشيقها ضمن احتفالات دينيّة صاخبة، ويرميها على جموع الحاضرين!!
ومع إنكار المسيح للختان فإنّهم يحتفلون باليوم الأوّل من السنة لذكرى اليوم الثامن من ميلاد المسيح، وهو يوم ختانه، ولتكريم العذراء مريم(عليه السلام)، ولا يعرف دقيقاً تاريخ دخول هذا الحدث في شعائرهم، وأوّل من ذكره هو المجمع الذي عقد

أحكام المرأة والأسرة 176

في مدينة "توز" الفرنسيّة عام 567م، وهذا المجمع تكلّم عنه وكأنّه عادة قديمة يتمّ الاحتفال بها في أولّ يوم من السنة، وهذا اليوم يصادف في روماً وفي مدن رومانيّة اُخرى عيداً وثنياً شهيراً لتكريم "يانوس"، ومن هنا جاء اسم الشهر "يناير" وهو يوم عبث وفواحش، والقصد من وضع العيد المسيحي في هذا اليوم هو تجنّب المسيحيين المشاركة في العيد الوثني، والتفكير بالصلاة والصوم بدلا عن الآثام التي تقترف في هذا اليوم، فانظر إلى السياسة كيف تغسل الأذهان، وكيف تتداخل مع الدين فتفسد الأهداف التي من أجلها شرّعت الأحكام؟!!


الختان في الشريعة الإسلامية المقدّسة

من كمال العقل أن يعتقد الإنسان للواجبات والمحرّمات ملاكات لا يعلمها إلاّ الله تعالى والراسخون في العلم، وكلّ حكم شرعيّ قبل أن يُجعل يسبق بمرحلتين هما: الإرادة، والملاك. أي وجود غرض لأجله يتمّ تشريع هذا الحكم، أعمّ من كونه واجباً أو محرّماً أو مستحباً أو مكروهاً أو مباحاً اقتضائياً.
فلوكان واجباً كان ملاكه وجود المصلحة، ولو كان محرّماً فملاكه وجود المفسدة الناتجة من القيام به، وهي التي قد غفل عنها كثير من العصاة.
وما نحن فيه من مسألة الختان التي وجبت في شرعنا المقدّس على الذكور من مصاديق ما ذكر، وهنا سؤال يطرح نفسه: هل يوجد دليل من القرآن الكريم على وجوب الختان؟
والجواب: نعم، فقد جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى: « صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ

أحكام المرأة والأسرة 177

أَحْسَنُ مِنْ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ »(1): أن الصبغة هي الختان، وهو صبغة الله للمسلم التي تحلّ محلّ العماد الذي يصبغ به المسيحيون أطفالهم بقصد الطهارة.
وقد استدلّوا على تشريع الختان ووجوبه أيضاً بقوله تعالى: « وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ »(2)ففسروا حنيفاً بمعنى أنّه كان مختوناً.
وقال العلاّمة الطباطبائي في الميزان(3) نقلا عن تفسير القمي لقوله تعالى: « قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ »: أنزل الله على ابراهيم الحنيفيّة، وهي الطهارة، وهي عشرة، خمسة في الرأس وخمسة في البدن، فأمّا التي في الرأس: فأخذ الشارب، وإعفاء اللحى، وضفر الشعر(4)، والسواك، والخلال. وأمّا التي في البدن: فأخذ الشعر من البدن، والختان، وقلم الأظفار، والغسل من الجنابة، والطهور بالماء. وهي الحنيفيّة التي جاء بها إبراهيم(عليه السلام) فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة.
وجاء عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "ما أبقت الحنيفيّة شيئاً حتى أنّ منها قصّ الشارب وقلم الأظفار والختان"(5).

(1) البقرة 2:138.
(2) البقرة 2:136.
(3) الميزان 1:306.
(4) الضفر: نسج الشعر وغيره، والضفيرة: العقيصة: يقال: ضفرت المرأة شعرها. الصحاح 2:721، "ضفر".
(5) تفسير الميزان 1:310.
أحكام المرأة والأسرة 178

وجاء عن الرسول(صلى الله عليه وآله): "من كرامتي على ربّي أنّي ولدت مختوناً، ولم ير أحدٌ سوأتي"(1) أي لأجل الختان، وقد يقال: إنّه لم يتمّ ختانه بل تممّه ملكان أو جدّه عبدالمطلب(عليه السلام).


فوائد الختان

قال أحد اساتذة الجامعة الدمشقيّة في مقدّمة كتابه الختان بين الطب والشريعة: أمّا السبب الذي دفعني لأن أتطرّق لموضوع الختان، فهو أحد الأساتذة من الأطباء كان يتهجّم على عمليّة الختان أثناء إلقائه لمحاضرة أمام الطلاب، وكان يصفها بالعمليّة الوحشيّة الهمجيّة، إضافة الى زعمه أنّ الله لم يخلق شيئاً زائداً عند الإنسان يحتاج إلى قطع.
كما أنّه كان يشجّع على إيقاف عملّية الختان والإقلاع عنها، لكنّه بعد أن تبيّن لي أثناء حياتي العمليّة فوائد الختان العديدة من النواحي الطبيّة، ومنها الوقاية من سرطانات الأعضاء التناسلية، راحت ذاكرتي تشكّ بأحد الأمرين اللذين يجولان في تفكير ذلك الأستاذ وهما: أن يكون الاُستاذ الكريم يجهل فنون الطب، أو تفكيره ينطوي على نيّة خبيثة غايتها محاربة هذه الشعيرة التي أقرّها الدين القويم(2).
11 ـ تستحب العقيقة عن المولود ذكراً كان أو اُنثى، ويستحب أن يعقّ عنه في اليوم السابع، وإن تأخّر لعذر أو لغير عذر لم يسقط ـ أي لم يسقط استحباب العقيقة ـ بل لو لم يعقّ عن الصبيّ حتّى بلغ وكبر عقّ عن نفسه، بل لو لم يعقّ عن نفسه في

(1) ختان الذكور والإناث: 278.
(2) ختان الذكور والاناث: 271.
أحكام المرأة والأسرة 179

حياته فلا بأس أن يعقّ عنه بعد موته، ولا بدّ أن تكون من أحد الأنعام الثلاثة: الغنم ـ ضأناً كان أو معزاً ـ والبقر، والإبل. ولا يجزىء عنها التصدّق بثمنها، نعم يجزىء عنها الأُضحية، فمن ضُحّي عنه أجزأته عن العقيقة.
ويستحب أن تكون العقيقة سمينة، وفي بعض الأخبار (أن خيرها أسمنها)(1).
وقيل: يستحب أن تجتمع فيها شروط الأُضحية، من كونها سليمة من العيوب، وعدم كون سنّها أقلّ من خمس سنين كاملة في الإبل، وأقلّ من سنتين في البقر والمعز، وأقلّ من سبعة أشهر في الظأن، ولكن لم يثبت ذلك.
وفي بعض الأخبار (إنّما هي شاة لحم ليس بمنزلة الأُضحية يجزيء منها كلّ شيء)(2).
12 ـ ينبغي تقطيع العقيقة من غير كسر عظامها، ويستحب أن تختصّ القابلة منه بالربع، وأن تكون حصّتها مشتملة على الرجل والورك، ويجوز تفريق العقيقة لحماً أو مطبوخاً، كما يجوز أن تطبخ ويدعى عليها جماعة من المؤمنين، والأفضل أن يكون عددهم عشرة فما زاد يأكلون منها ويدعون للولد، ويكره أن يأكل منها الأب أو أحد ممّن يعوله، ولا سيما الأُمّ، بل الأحوط استحباباً للأُمّ الترك.

(1) وسائل الشيعة 21:425، الحديث 2.
(2) وسائل الشيعة 21:425، الحديث 1.
أحكام المرأة والأسرة 180

بعض الأحكام المتعلّقة بحضانة الطفل

1 ـ لايجب على الأُم إرضاع ولدها، لا مجاناً ولا بأُجرة، إذا لم يتوقّف حفظه عليه، أي على الإرضاع، كما لا يجب عليها إرضاعه مجاناً وإن توقّف حفظه عليه، بل لها ـ أي يحقّ لها ـ المطالبة بأُجرة إرضاعه في الحولين، لا في الزائد عليهما، من مال الولد إذا كان له مال، ومن أبيه إذا لم يكن له مال وكان الأب مؤسراً. نعم لو لم يكن للولد مال، ولم يكن الأب مؤسراً، أو كان متوفى، وكذا جدّه ـ أي لم يكن قادراً على إعطاء الاُجرة أو كان متوفّى ـ وإن علا، أي جدّ الأب أو جدّ الجدّ، تعيّن على الأُم إرضاعه مجاناً إمّا بنفسها أو باستئجار مرضعة اُخرى، وتكون أُجرتها عليها ـ أي تكون اُجرة المرضعة على الأم ـ بناءً على وجوب إنفاقها عليه كما هو الأحوط وجوباً.
2 ـ الأُم أحقّ بإرضاع ولدها من غيرها، فليس للأب تعيين غيرها لإرضاع الولد، إلاّ إذا طالبت بأُجره، وكانت غيرها تقبل الإرضاع بأُجرة أو بدون أُجرة، فإنّ للأب حينئذ أن يسترضع له اُخرى، وفي هذه الصورة إذا لم تقبل الأُم بإرضاع الغير ولدها وأرضعته هي بنفسها لم تستحقّ بإزائه شيئاً من الأجرة.
3 ـ إذا إدّعى الأب وجود متبرّعة بالإرضاع، وأنكرت الأُم، ولم يكن له بيّنة على وجودها كان القول قولها بيمينها.
4 ـ ينبغي أن يرضع الصبيّ بلبن أُمّه، ففي النصّ "ما من لبن رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أمّه"(1)، نعم إذا كان هناك مرجّح لغيرها ـ أي لغير الأُمّ ـ كشرافتها وطيب لبنها بخلاف الأُمّ، فلا بأس باسترضاعها له.
5 ـ يحسن إرضاع الولد واحداً وعشرين شهراً، ولا ينبغي إرضاعه أقلّ من

(1) وسائل الشيعة 21:452، الحديث 2.
أحكام المرأة والأسرة 181

ذلك، كما لا ينبغي إرضاعه فوق حولين كاملين، ولو اتّفق أبواه على فطامة قبل ذلك كان حسناً.
6 ـ حضانة الولد وتربيته وما يتعلّق بها من مصلحة حفظه ورعايته تكون في مدّة الإرضاع ـ أعني حولين كاملين ـ من حقّ أبويه بالسويّه، فلا يجوز للأب أن يفصله عن أُمّه خلال هذه المدّة وإن كان اُنثى ـ والأحوط استحباباً أن لا يفصله عنها حتى يبلغ سبع سنين وإن كان ذكراً.
7 ـ إذا افترق الأبوان بفسخ أو طلاق قبل أن يبلغ الولد السنتين لم يسقط حقّ الأُمّ في حضانته مالم تتزوّج من غيره، فلا بدّ من توافقهما على ممارسة حقّهما المشترك بالتناوب، أو بأيّ كيفية أُخرى يتفقان عليها.
8 ـ إذا تزوّجت الأُمّ بعد مفارقة الأب سقط حقّها من حضانة الولد، وصارت الحضانة من حقّ الأب خاصّة، ولو فارقها الزوج الثاني عاد حقّ حضانة الطفل إليها مرّة ثانية.
9 ـ إذا مات الأب بعد اختصاصه بحضانة الولد ـ كما مرّ ـ أو قبله فالأُمّ أحقّ بحضانته ـ إلى أن يبلغ ـ من الوصي لأبيه ومن جدّه وجدّته له، وغيرهما من أقاربه، سواء تزوّجت أم لا.
10 ـ إذا ماتت الأُمّ في زمن حضانتها اختصّ الأب بحضانة الطفل، وليس لوصيّها ولا لأبيها ولالأمها ـ فضلا عن باقي أقاربها ـ حقّ في ذلك.
11 ـ إذا فقد الأبوان فالحضانة للجدّ من طرف الأب، فإذا فقد ـ أي هذا الجدّ ـ ولم يكن له وصيّ، ولا للأب وصيّ أيضاً، فالأحوط وجوباً التراضي بين أقارب الولد في حضانته مع الاتسئذان من الحاكم الشرعي.

أحكام المرأة والأسرة 182

12 ـ إذا سقط حقّ الأُمّ في إرضاع ولدها لطلبها اُجرة مع وجود المتبرّع، أو لعدم اللبن لها أو لغير ذلك فلا يسقط حقّها من حضانته; لعدم التنافي بين سقوط حقّ الإرضاع وثبوت حقّ الحضانة، لإمكان كون الولد في حضانة الأُمّ مع كون رضاعه من امرأة اُخرى، إمّا بحمل الولد إلى المرضعة عند الحاجة إلى اللبن، أو بإحضار المرضعة عنده مثلا.
13 ـ يشترط فيمن يثبت له حقّ الحضانة من الأبوين أو غيرهما أن يكون عاقلا مأموناً على سلامة الولد، وأن يكون مسلماً إذا كان الولد مسلماً، فلو كان الأب مجنوناً أو كافراً، والولد محكوم بالإسلام، أي كان أحد أبويه مسلمين، اختصت أُمّه بحضانته إذا كانت مسلمة عاقلة، ولو انعكس الأمر كانت حضانته من حقّ أبيه خاصّة، وهكذا الحال في غيرهما، أي في غير الأبوين من الأقارب.
14 ـ الحضانة كما هي حقّ للأُمّ والأب أو غيرهما على التفصيل المتقدّم، كذلك هي حقّ للولد عليهم، فلو امتنعوا اُجبروا عليها، ولا يجوز لمن يثبت له حقّ الحضانة أن يتنازل عنه لغيره فينقل إليه ـ أي إلى ذلك الغير ـ بقبوله ـ أي مع قبول الغير ـ نعم يجوز لكلّ من الأبوين التنازل عنه ـ أيّ عن حقّ الحضانة ـ للآخر بالنسبة إلى تمام مدّة حضانته أو بعضها.
15 ـ لا تجب المباشرة في حضانة الطفل، فيجوز لمن عليه الحضانة إيكالها إلى الغير مع الوثوق بقيامه بها على الوجه اللازم شرعاً.
16 ـ الأُمّ تستحقّ أخذ الأُجرة على حضانة ولدها، إلاّ إذا كانت متبرّعة بها، أو وجد متبرّع بحضانته، ولو فصل الأبُ أو غيره الولدَ عن أُمّه ولو عدواناً لم يكن عليه تدارك حقّها في حضانته بقيمة أو نحوها.
17 ـ تنتهي الحضانة ببلوغ الولد رشيداً، فإذا بلغ رشيداً لم يكن لأحد حقّ

أحكام المرأة والأسرة 183

الحضانة عليه حتّى الأبوين فضلا عن غيرهما، بل هو المالك لنفسه ذكراً كان أم اُنثى، فله الخيار في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما، نعم إذا كان انفصاله عنهما يوجب أذيّتهما الناشئة من شفقتهما عليه لم يجز له مخالفتهما في ذلك.

أحكام المرأة والأسرة 184

النفقات

تجب النفقة بأحد أسباب أربعة: الزوجيّة، والقرابة، والملك، والاضطرار.
1 ـ تجب نفقة الزوجة على الزوج فيما إذا كانت دائمة ومطيعة له فيما يجب إطاعته عليها، فلا نفقة للزوجة المتمتّع بها إلاّ مع الشرط ـ أي إلاّ إذا شرطت ذلك عليه ضمن العقد ـ كما لا نفقة للزوجة الناشزة على تفصيل تقدّم سابقاً، وقد تقدّم أيضاً بيان ما يتحقّق به النشوز، وإن سقوط نفقة الناشزة مشروط بعدم توبتها، فإذا تابت وعادت إلى الطاعة رجع الاستحقاق.
2 ـ لا فرق في وجوب الإنفاق على الزوجة بين المسلمة والكتابيّة، وأمّا المرتدّة فلا نفقة لها، فإن تابت قبل مضيّ العدّة استحقّت النفقة، وإلاّ بانت من زوجها، أي فصلت عنه بسبب الارتداد.
3 ـ الظاهر ثبوت النفقة للزوجة في الزمان الفاصل بين العقد والزفاف، إلاّ مع وجود قرينة على الإسقاط، أيّ على إسقاط حقّ الزوجة من النفقة ولو كانت هي التعارف الخارجي، أي ولو كانت هذه القرينة قد ثبتت عرفاً، كما إذا كانت الزوجة في بيت أبيها مثلا، فلا هي تستحقّ النفقة ولا هو يستحقّ الاستمتاع عليها.
والأظهر عدم ثبوت النفقة للزوجة الصغيرة غير القابلة للاستمتاع منها على زوجها، خصوصاً إذا كان الزوج صغيراً غير قابل للتمتّع والتلذّذ، وكذا الزوجة الكبيرة إذا كان زوجها صغيراً غير قابل لأن يستمتع منها، نعم لوكانت الزوجة مراهقة، وكان الزوج مراهقاً أو كبيراً، أو كان الزوج مراهقاً وكانت الزوجة كبيرة، لم يبعد استحقاق الزوجة للنفقة مع تمكينها له من نفسها على ما يمكنه من التلذّذ والاستمتاع منها.
4 ـ لا تسقط نفقة الزوجة بعد تمكينها له من نفسها لعذر من حيض أو نفاس أو

أحكام المرأة والأسرة 185

إحرام أو اعتكاف واجب أو مرض مدنف ـ أي ثقيل منعها من تمكين زوجها ـ أو غير ذلك، ومن العذر ما لوكان الزوج مبتلى بمرض معد خافت من سرايته إليها بالمباشرة.
5 ـ إذا استصحب الزوج زوجته في سفره كانت نفقتها عليه وإن كانت أكثر من نفقتها في الحضر، وكذا يجب عليه بذل اُجور سفرها ونحوها ممّا تحتاج إليه من حيث السفر، وهكذا الحكم فيما لو سافرت الزوجة بنفسها في سفر ضروري يرتبط بشؤون حياتها، كأن كانت مريضة وتوقّف علاجها على السفر إلى طبيب، فإنّه يجب على الزوج بذل نفقتها واُجور سفرها.
وأمّا في غيره من السفر الواجب، كما إذا كان أداءً لواجب في ذمّتها، كأن استطاعت للحجّ، أو نذرت الحجّ الاستحبابي بإذن الزوج، وكذا في السفر غير الواجب الذي أذن فيه الزوج، فليس عليه بذل اُجوره، ويجب عليه بذل نفقتها فيه كاملة وإن كانت أزيد من نفقتها في الحضر، نعم إذا علّق الزوج إذنه لها في السفر غير الواجب على إسقاطها لنفقتها فيه كلاّ أو بعضاً ـ أي جعل إسقاط جميع نفقتها أو بعضها ـ في السفر غير الواجب ـ شرطاً في إذنه وترخيصه لها بالسفر ـ وقبلت هي بذلك لم تستحقّها عليه.
6 ـ تثبت النفقة لذات العدّة الرجعيّة ما دامت في العدّة كما تثبت لغير المطلّقة، من غير فرق بين كونها حائلا أو حاملا ـ أي حامل أولا ـ ولو كانت ناشزة وطُلّقت في حال نشوزها لم تثبت لها النفقة، إلاّ إذا تابت ورجعت إلى الطاعة، كالزوجة الناشزة غير المطلّقة، وأمّا ذات العدّة البائنة ـ أي التي لا رجوع فيها ـ فتسقط نفقتها سواء أكانت عن طلاق أو فسخ ـ أي سواء بانت عن الزوج بالطلاق أو بفسخ العقد ـ إلاّ إذا كانت عن طلاق وكانت حاملا فإنّها تستحقّ النفقة والسكنى حتّى تضع

السابق السابق الفهرس التالي التالي