أحكام المرأة والأسرة 149

أو حيوان أو نحوهما، وكذلك يصح أن يكون المهر عمل الزوج نفسه كتعليمها قراءة سورة من القرآن الكريم مثلا أو تعليمها صنعة وحرفة، وهكذا كلّ عمل محلّل، بل ويجوز أن يجعله حقّاً ماليّاً قابلا للنقل والانتقال كحقّ التحجير(1).
2 ـ لا يوجد مقدار معيّن للمهر شرعاً من جانب القلّة، ويكفي ما تراضيا عليه الزوجان ولو كان حبّة حنطة، وكذلك لا تقدير له من جانب الكثرة، ولكن يستحب أن لايجوز مهر السّنّة، وهو المهر الذي كان لمولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومقداره خمسمائة درهم، فلو أراد أن يجعله أكثر جعل الزائد عن مهر السنّة هدية لها.
3 ـ لا بدّ من تعيين المهر بما يخرجه عن الإبهام والترديد، فلو أمهرها أحد شيئين مردّداً أو خياطة أحد ثوبين بطل المهر ولم يبطل العقد وكان بهاء(2) الدخول بها مهر المثل وهو مهر النساء اللواتي مثلها بحسب شأنها إلاّ إن يزيد على أقلهما قيمة فيتصالحان في مقدار التفاوت. ولا يعتبر أن يكون المهر معلوماً على النحو المعتبر في البيع وشبهه من المعاوضات، فيكفي مشاهدة عين حاضرة وإن جهل كيلها أو وزنها، أو الصبرة من الطعام أيّ (الكومه) منه، أو قطعة من الذهب، أو طاقة (طول) مشاهدة من القماش أو صبرة حاضرة من الجوز، وأمثال ذلك.
4 ـ لو تزوّج كافران من أهل الذمّة وكان المهر في زواجهما خمراً أو خنزيراً صحّ العقد والمهر، ولو أسلما قبل القبض فللزوجة قيمته عند مستحليّه(3)، ولو أسلم أحدهما قبله فلا يبعد لزوم القيمة أيضاً.

(1) وقد مرّ بيان المقصود من حقّ التحجير في أحكام زواج المتعة المسألة رقم (7).
(2) البهاء هو الثمن.
(3) أي عند من يعتقد صحّة تملّك الخمر والخنزير.
أحكام المرأة والأسرة 150

ولو تزوّج المسلم على أحدهما(1) صحّ العقد وبطل المهر، وللمرأة ـ إذا دخل بها ـ مهر المثل، إلاّ أن يكون المسمّى أقلّ قيمة منه فيتصالحا في مقدار التفاوت.
5 ـ ذكر المهر ليس شرطاً في صحة العقد الدائم، فلو عقد على امرأة ولم يذكر لها مهراً أصلا، بأن قالت الزوجة للزوج مثلا: (زوجّتك نفسي)، أو قال وكيلها: (زوجت موكّلتي فلانه)، فقال الزوج: (قبلت) صحّ العقد، بل لو صرّحت الزوجة بعدم المهر بأن قالت: (زوّجتك نفسي بلا مهر) فقال الزوج (قبلت) صحّ العقد، ويقال لذلك تعويض المبلغ.
6 ـ لو عقد المرأة ولم يعيّن لها مهراً جاز أن يتراضيا بعد العقد على شيء، سواء كان المقدار الذي يتراضيا عليه بمقدار مهر أمثالها أو أقلّ منه أو أكثر، فيصبح ذلك مهراً لها كالمهر المذكور في العقد.
7 ـ لو عقد على المرأة ولم يسمّ لها مهراً، ولم يتفقا على تعيينه بعده لم تستحقّ المرأة شيئاً قبل الدخول، إلاّ إذا طلّقها فحينئذ تستحقّ أن يعطيها شيئاً بحسب حاله من الفقر والغنى واليسار والإعسار، ويسمّى ذلك الشيء الذي يعطى (بالمتعة) ولهذا يشير قوله تعالى: « وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ »(2).
أمّا لو انفصلا قبل أن يدخل بالمرأة بأمر غير الطلاق لم تستحقّ المرأة شيئاً عليه بسبب عدم الدخول، وهكذا لو مات أحدهما قبل الدخول، أمّا لو دخل بها

(1) أي لو جعل المسلم المهر في زواجه خمراً أو خنزيراً.
(2) البقرة 2 : 236 .
أحكام المرأة والأسرة 151

فإنّها تستحقّ مهر أمثالها من النساء.
8 ـ المعتبر في مهر المثل ملاحظة حال المرأة وصفاتها من السنّ والبكارة والنجابة، والعفة والعقل والأدب، والشرف والجمال والكمال و... بل يلاحظ كلّ ماله دخل في العرف والعادة في ارتفاع المهر ونقصانه، فتلاحظ أقاربها وعشيرتها وبلدها، وغير ذلك من الخصوصيّات التي يختلف المهر باختلافها، والظاهر دخالة حال الزوج في ذلك أيضاً.
9 ـ إذا عقد امرأةً على مهر معيّن وكان في نيّته أن لا يدفعه إليها صحّ العقد، ووجب عليه دفع المهر.
10 ـ إذا جعل المهر مشتركاً بين الزوجة وبين أبيها، بأن يعطي نصفاً لها ونصفاً لأبيها مثلا، أو جعل مهرها عشرين على أن يكون عشرة لها وعشرة لأبيها، سقط ما سمّاه للأب ولا يستحقّ أبوها شيئاً، ولو لم يجعل المهر شراكة بينهما ولكن اشترط عليها أن تعطيه شيئاً من مهرها صحّ.
وكذلك يصحّ لو جعل شيئاً زائداً عن مهرها لشرطها عليه ذلك، أمّا لو شرط الزوج اشتراك المهر بينها وبين أبيها خارج العقد ولم يجعل العقد مترتّباً عليه فلا يصحّ هذا الشرط ولا يستحقّ الأب شيئاً.
11 ـ المبلغ الذي يأخذه الأب أو بعض الأقارب وهو ما يسمى بـ (شيربها)(1)ليس جزءاً من المهر، بل هو شيء آخر يؤخذ زائداً عليه، ويجوز إعطاؤه وأخذه إن كان على نحو الجعالة، كأن يجعله الزوج لأحد الأقارب مقابل عمل مباح كتوسّط

(1) شيربها: عبارة فارسية والمقصود منها ثمن الحليب الذي رضعته المرأة حينما كانت طفلة، وهو معروف عند العوام.
أحكام المرأة والأسرة 152

الأخ مثلا في البين بأن يرضي أخته في التزويج منه، ويسعى في رفع بعض الموانع التي تعيق زواجه منها، فلا يوجد إشكال في هذا العطاء، ويستحقّ الأخ ما جُعل له، ولا يمكن للزوج أو أحد أقربائه استرجاعه بعد إعطائه.
وإن لم يكن ما أعطاه من باب الجعاله، فإن كان إعطاء الزوج للقريب عن طيب نفس منه وإن كان لأجل جلب خاطره وإرضائه، سواء كان رضاه في نفسه مقصوداً له أم لتوقّف رضى البنت على رضاه، ففي هذه الحالة يجوز للقريب أخذه، ويجوز للزوج استرجاعه منه بعد ذلك مادام المال موجوداً عنده بعينه.
وأمّا مع عدم رضى الزوج قلباً، وكون إعطائه من جهة استخلاص البنت; لأن هذا القريب مانع من تمشية الأمر، مع أنّها راضية بالتزويج بما بذل لها من المهر، فلا يجوز للقريب أخذه، و يجوز للزوج استرجاعه باقياً كان أو تالفاً.
12 ـ يجوز أن يجعل المهر كلّه حالاّ ـ أي بلا أجل ـ ومؤجّلا، وأن يجعل بعضه حالاّ و بعضه مؤجّلا(1)، ولكن لا بدّ في المؤجّل من تعيين الأجل ولو في الجملة مثل ورود المسافر ووضع الحمل ونحو ذلك. ولو كان الأجل مبهماً بحتاً(2) مثل زمان ما، أو ورود مسافر ما صحّ العقد، وصح المهر أيضاً على الاظهر ولغي التأجيل.
13 ـ يجب على الزوج تسليم المهر، وهو مضمون عليه حتى يسلّمه(3)، فلو تلف قبل التسليم ولو من دون تفريط كان ضامناً له أيضاً، فإن كان له مثل أعطى للزوجة مثله، وإن كان من الأشياء القيميّة فيعطيها قيمته، ولو كان الإتلاف بفعل

(1) حالاّ: أي المهر الحاضر، ومؤجّلا أي الغائب.
(2) أي غير معيّن أصلا.
(3) بمعنى أنّه يجب عليه حفظه في مكان آمن وعدم التفريط به.
أحكام المرأة والأسرة 153

شخص أجنبيّ غير الزوج تخيّرت المرأة بين الرجوع على الأجنبيّ أو على الزوج نفسه، وإن كان لو رجعت على الزوج جاز له الرجوع به على الأجنبي(1).
وإذا حدث في المهر عيب قبل أن يُسلّم بيد الزوجة فالأحوط وجوباً التصالح بين الزوجين.
14 ـ لو كان المهر جميعه حالاّ فللزوجة الامتناع من التمكين حتى استلامه، ولو مكّنته من نفسها قبل الاستلام على أمل أنّها تأخذه بعد ذلك فلا يجوز لها أن تمنعه بعد هذا التمكين، وأمّا لو كان المهر كلّه أو بعضه مؤجّلا وقد أخذت بعضه الحالّ فلا يجوز لها الامتناع عن التمكين وإن حلّ الأجل ولم تقبض المهر بعد.
15 ـ المهر ملك للمرأة يمكنها التصرّف به، فإذا شاءت وهبته(2) أو أهدته إلى أحد، أو اشترت به أو باعته، ويمكن لها التصرّف به حتى قبل استلامه، نعم لا تستقر ملكيّتها لتمامه إلاّ بعد أن يدخل بها.
16 ـ إذا جعل مهرها تعليمها لصنعة أو حرفة ما، ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف أُجرة التعليم، ولو كان قد علّمها قبل الطلاق أرجع إليها نصف الأُجرة.

(1) أي يحق للزوج أن يأخذ مثل المهر التالف أو قيمته من الأجنبي الذي أتلفه لو أخذته الزوجة منه أيّ من الزوج.
(2) الهبة غير الهدية; لأنّ للهبة أحكام خاصّة، وقد مر ذكرها في باب الهبة.
أحكام المرأة والأسرة 154

في الحقوق الزوجيّة

النشوز لغة: هو: أن تستعصي المرأة على بعلها وتبغضه؟
ونشوز الرجل امرأته هو أن يضربها ويجفوها، ومنه قوله تعالى: « وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً »(1)
والشقاق: هو الخلاف والعداوة.
وبما أنّ الأُسرة معرّضة لهذه الحوادث ومهددّة بهذه الأخطار، لذا جعل الإسلام ـ وهو الدين المعالج لكلّ معضلة من معضلات الحياة ـ حلاّ لهذه الخلافات والمشاكل، وقرّر حقوقاً لكلّ من الزوجين على الآخر، بعضها واجب و بعضها مستحب، فالواجب منّها على ثلاثة أقسام:
الأوّل ـ حقّ الزوج على الزوجة:وهو أنّ تمكّنه من نفسها للمقاربة وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له حسب ما اقتضاه عقد النكاح، فمِن حقّه الاستمتاع بها في أيّ وقت شاء، ولا يجوز لها أن تمنعه إلاّ لعذر شرعي.
ولا أن تخرج من بيتها إلاّ بإذنه، سواء كان الخروج منافياً لحقّ استمتاعه بها أولا، بخلاف بقيّة الأفعال غير الخروج من البيت، فإنّه لا يحرم عليها ممارستها من دون إذن الزوج إلاّ إن كانت منافيةً لحقّه في الاستمتاع منها.
1 ـ ينبغي للرجل أن يأذن لزوجته في زيارة أقربائها و عيادة مرضاهم، وتشييع

(1) النساء 4:128.
أحكام المرأة والأسرة 155

جنائزهم ونحو ذلك وإن لم يجب عليه ذلك، وليس له منعها من الخروج إذا كان للقيام بفعل واجب.
2 ـ لا يستحقّ الزوج على الزوجة خدمة البيت و حوائجه التي لا تتعلّق بالاستمتاع، من الكنس أو الخياطة أو الطبخ، أو تنظيف الملابس أو غير ذلك، حتّى سقي الماء و تمهيد الفراش وإن كان يستحب لها أن تقوم بذلك.
الثاني ـ حقّ الزوجة على الزوج:وهو أن ينفق عليها بالغذاء واللباس والمسكن، و سائر ما تحتاجه إليه بحسب حالها وما يليق بشأنها بالقياس إلى زوجها، أي بما هي زوجة فلان.
وأن لا يؤذيها، أو يظلمها أو يشاكسها من دون وجه شرعي، و قد أكدّ الإمام الصادق(عليه السلام) على هذا الحقّ في كلماته النورانيّة حيث قال لسائل سأله عن حقّ الزوجة على زوجها: "يشبعها ويكسوها وان جهلت غفر لها"، وقال(عليه السلام) أيضاً "كانت امرأة عند أبي(عليه السلام) تؤذيه فيغفر لها(1)".
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله) "أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشة مبيّنه"(2).
وعن يونس بن عمّار قال: زوّجني ابو عبدالله(عليه السلام) جارية لإبنه إسماعيل فقال: "أحسن إليها"، قلت: وما الاحسان؟ قال: "أشبع بطنها، واكسو جنبها، واغفر ذنبها"(3).

(1) وسائل الشيعة 20:169، الحديث 1.
(2) وسائل الشيعة 20:170، الحديث 4.
(3) وسائل الشيعة 20:170، الحديث3.
أحكام المرأة والأسرة 156

ويكفيك قوله تعالى: « وَعَاشِروُهَنَّ بالمَعْرُوفِ »(1).
كما وإنّ من حقوق الزوجة على زوجها أن لا يهجرها، وأن لا يجعلها معلّقةً لا هي ذات بعل و لا هي مطلّقة.
ولا يجوز له أن يترك مقاربتها أكثر من أربعة أشهر، بل الأحوط لزوماً ـ إذا لم تقدر على الصبر هذه المدّة، بحيث خاف الزوج وقوعها في الحرام ـ أن يطلّقها ويخلّي سبيلها.
الثالث ـ حقّ كلّ من الزوجين على الآخر:وهو ما يسمّى (بالقِسم)، أي بيتوتة الزوج عند زوجته ليلة واحدة من كلّ أربع ليال، فهذا حقّ مشترك بين الزوجين، يجوز لكلّ منهما مطالبة الآخر به، ويجب على الآخر الاستجابة إليه، ولو أسقطه أحد الزوجين فمن حقّ الآخر أن يطالبه به أو يتركه فلا يطالب به، هذا بخلاف الحقوق المختصّة بكلّ واحد منهما، كالنفقة مثلا فهي حقّ للزوجة يمكن أن تتنازل عنه وتسقطه، ولا يجب عليها قبول النفقة لو أنفق الزوج عليها، وكذلك التمكين الذي هو من الحقوق المختصّة بالزوج على زوجته، فيجوز له أن يتخلّى ويتنازل عنه، ولا يجب عليه القبول لو مكّنته الزوجة من نفسها، بخلاف حقّ القِسم الذي تجب فيه الإجابة لكلّ منهما.
1 ـ إذا كان للرجل زوجتان أو أكثر فبات عند إحداهنّ ليلة، يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضاً، فإذا كنّ أربع وبات عند إحداهنّ طاف عليهنّ في أربع ليال لكلّ منهنّ ليلة، ولا يفضّل بعضهنّ على بعض، وإذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند إحداهنّ ليلة يجب عليه أن يبيت عند الأُخرتين في ليلتين، ويحقّ له أن يفضّل

(1) النساء 4:19.
أحكام المرأة والأسرة 157

إحداهن على الأُخرى بالليلة الرابعة. وإذا كانت عنده زوجتان وبات عند إحداهما في ليلة لزمه المبيت في ليلة اُخرى عند الاُخرى، ويحقّ له أن يجعل لإحداهما ثلاث ليال و للثانية ليلة واحدة، وبعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع وإن شاء شرع فيه على الترتيب المتقدّم.
4 ـ يختصّ وجوب المبيت على الزوج عند الزوجة الدائمة لا المؤقتة، سواء كانت المؤقتة واحدة أو أكثر، والأحوط وجوباً النوم قريباً منها على النحو المتعارف، وأن يعطيها وجهه بعض الوقت، ولا يجب عليه مواقعتها في ليلتها بل يكفي المضاجعة معها في الفراش.
5 ـ يجوز للزوجة أن تهب حقّها في المبيت و تتركه لزوجها إمّا بعوض أو بدون عوض، وأمّا الزوج فهو مخيّر بين القبول وعدمه، فإن قبل أن تترك الزوجة المبيت عنده فيحقّ له أن يقضي ليلته فيما يشاء، ويحقّ لها أن تهب ليلتها لضرّتها. برضى الزوج، فيكون حقّ القسم للضرّة إذا قبلت.
6 ـ لا يثبت حقّ المبيت للزوجة الصغيرة، ولا المجنونة في وقت جنونها، ولا الناشزة ـ وهي المرأة العاصية لزوجها والتاركة لحقوقه ـ، ولو سافر الزوج أو الزوجة سقط حقّ المبيت وليس له قضاء.
7 ـ لو تزوّج بالمرأة البكر فيستحب له أن يخصّص لها سبع ليال من أوّل عرسها، وأمّا إن كانت ثيّباً فيخصّص لها ثلاث ليالي، تتفضلان بذلك على غيرهما من الزوجات، ولا يجب عليه أن يقضي تلك الليالي مع زوجاته السابقات.
8 ـ لوكان عنده أكثر من زوجة فهو مخيّر أن يبتدىء بأيّ منهنّ شاء في المبيت، وإن كان الأحوط استحباباً أن يقرع بينهنّ فمن خرجت في القرعة جعل

أحكام المرأة والأسرة 158

الابتداء منها.
9 ـ تستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق والالتفات إليهن وطلاقة الوجه والمواقعة، وكذلك يستحب أن يكون في صبيحة كلّ ليلة عند صاحبتها، أي صاحبة تلك الليلة.



أحكام المرأة والأسرة 159

أحكام النشوز والشقاق

1 ـ النشوز بمعنى الترفّع و منع أداء الحقوق كراهةً، و تارةً يكون من الزوجة، واُخرى من الزوج.
فأمّا نشوز الزوجة فيتحقّق بخروجها عن طاعة الزوج الواجبة عليها، وذلك بعدّة أُمور:
منها: عدم تمكينه من حقّه في الاستمتاع بها، ويدخل في عدم التمكين عدم إزالة الأُمور التي تنفّر الزوج عن التمتّع والالتذاذ منها، وكذلك ترك تنظيف بدنها، وتزيّنه حسب ما تقتضيه طبيعة الزوج لذلك.
ومنها أيضاً خروجها من بيتها من دون إذنه، ولا يتحقّق النشوز بترك غير الواجب عليها كعدم خدمتها في البيت و نحو ذلك.
وأمّا نشوز الزوج فيتحقّق بمنع الزوجة من حقوقها التي وجبت عليه، كترك الإنفاق عليها، أو المبيت عندها في ليلتها، أو هجرها و تركها بالمرّة، أو إيذائها ومخالفتها دون مبرّر شرعي.
أمّا لو صارت الزوجة ناشزة، فهل تسقط حقوقها الواجبة على الزوج أم لا؟
الجواب: نعم، فلو منعت الزوج أن يستمتع بها دائماً من دون عذر شرعي فلا تستحقّ النفقة عليه، سواء خرجت الزوجة من عنده أم كانت معه في البيت، أمّا لو امتنعت من التمكين في بعض الأحيان بلا عذر شرعي، أو خرجت من بيتها دون إذنه

أحكام المرأة والأسرة 160

فلا تسقط نفقتها بذلك على الأحوط لزوماً، وأمّا المهر فلا يسقط استحقاقها له إذا نشزت.
2 ـ لو نشزت الزوجة سقط حقّها من المبيت و المواقعة كلّ أربعة أشهر، ويستمر الحال كذلك ما دامت ناشزة وعاصيّة لزوجها، فلو رجعت وتابت رجعت إليها هذه الحقوق مرّة اُخرى.
3 ـ إذا عصت الزوجة زوجها وصارت ناشزة فيمكن للزوج أن يرجعها إلى طاعته، وذلك بطرق متعدّدة، يعمل بها تدريجاً، فيعظها أوّلا، فإن لم تتعظ هجرها وأدار وجهه عنها في الفراش، أو ترك النوم معها على فراش واحد إذا كان يشاركها في مضجعها من قبل أن تعصيه، هذا إذا احتمل أن تعود لطاعته بالهجر.
فإن لم يؤثّر ذلك أيضاً ضربها إذا كان يأمل رجوعها إلى الطاعة، ولا يجوز له أن يضربها ضرباً مبرّحاً(1)، بل يكتفي بأقلّ مقدار يحتمل معه التأثير وحصول الغرض من الضرب، الذي هو تركها النشوز.
وإن لم يجد في الضرب القليل فائدة تدرّج فيه الأقوى فالأقوى، ولا يحقّ له أن يضربها حتّى يخرج الدم من بدنها، أو يجعله أسود أو أحمر، ويشترط أن يكون الضرب لإصلاحها لا التشفّي والانتقام منها، كما يقوم بعض الرجال بضرب الزوجة سخطاً على أهلها أو أقربائها; لأنّه لا يستطيع أن يصبّ غيظه إلاّ عليها!!!
ولو ضربها وأدّى إلى إدمائها أو اسوداد بدنها فعليه الغرامة، كما هو المحدّد في باب الجنايات من نوع الجناية ومقدار الغرامة.
ولو لم تنفع معها هذه، الإجراءات جميعاً، وأصرّت على العصيان، فلا يجوز

(1) الضرب المبرّح: هو الذي يترك الأثر على البدن.
أحكام المرأة والأسرة 161

للزوج أن يتّخذ ضدّها إجراءً آخر، كأن يهدّدها قائلا: أقتلك أو أقطع لسانك، أو يعدها بأيّ شيء آخر لا يجوز له فعله، ويجوز له أن يعدها بما هو جائز له كأن يقول لها: إن لم تطيعي أمري أتزوّج عليك أو أطلّقك، وكذلك لا يجوز له تهديدها بالفعل، كفرك إذنها أو جرّ شعرها أو حبسها، أو غير ذلك من الإجراءات، نعم يجوز له أن يرفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ ليلزمها بما يراه مناسباً له من التعزير وغيره.
4 ـ إذا نشز الزوج على زوجته ـ بمعنى أنّه منعها من حقوقها الواجبة عليه ـ فيحقّ لها أن تطالبه بذلك وتعظه وتحذّره من تركه حقوقها، فان لم ينفع فيجوز لها أن ترفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ، ولا يجوز لها أن تهجره أو تضربه أو تعتدي عليه بأيّ نحو كان.
5 ـ لو امتنع الزوج عن بذل نفقة الزوجة المستحقّة لها، لا التي لم تستحقّها من قبيل الزوجة العاصية كما مرّ، وكانت أيضاً تطالبه بها لا أنّها ساكته، ففي هذه الأحوال يجوز لها أن تأخذ نفقتها من أمواله بدون إذنه، ويجوز لها أيضاً أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ حتى يجبره على الإنفاق، فإن لم تتمكّن من رفع أمرها لسبب مّا ـ كما إذا كانت في بلد بعيد عن الحاكم الشرعيّ مثلا ـ واضطرت أن تتخذ وسيلة لتحصيل معاشها لم يجب عليها إطاعته حال اشتغالها و تهيئة معيشتها بنفسها، وأمّا في غير وقت اشتغالها فالأحوط وجوباً أن لا تترك إطاعته.
6 ـ إذا امتنع الزوج عن الإنفاق مع قدرته عليه، فرفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، أبلغه الحاكم باختيار أحد الأمرين: إما أن ينفق عليها أو يطلّقها، فإن امتنع عن الأمرين معاً ـ فإن أمكن الإنفاق عليها من ماله ولو ببيع عقاره إذا توقّف الإنفاق عليه، وإن لم يمكن الإنفاق عليها مطلقاً ولم يمكن إجباره على الطلاق

أحكام المرأة والأسرة 162

وإعطائها النفقة جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك.
وإذا كان الزوج غير قادر على الإنفاق على زوجته وجب عليه طلاقها إذا لم ترض بالصبر معه بدون نفقة، فإن لم يفعل فيجوز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيأمر الزوج بالطلاق، فإن امتنع وكان إجباره على الطلاق غير ممكن طلّقها الحاكم بنفسه، ويكون الطلاق في هاتين الحالتين من نوع الطلاق البائن لا الرجعي، وهذا الحكم شامل لما إذا كان الزوج غائباً عنها أيضاً.
7 ـ قد نرى بعض الأزواج يمتنعون عن أداء نفقة أزواجهم، أو يكونون عاجزين عنها، فيتعمّدون إخفاء محلّ سكونتهم وإقامتهم كي لا يتسنّى للحاكم الشرعيّ أن يتّخذ بشأنهم الإجراءات اللازمة لو رفعت المرأة أمرها إليه، وحينئذ يجوز للحاكم الشرعيّ أن يطلّقها لو طلبت منه ذلك إذا تعذّر عليه القيام بالإجراءات التي سبق ذكرها من إبلاغه وإجباره وغير ذلك.
8 ـ تقدّم في المسائل السابقة أنّه لا يجوز للرجل هجر زوجته دون مبرّر شرعيّ، فلو هجرها بالمرّة فصارت كالمعلّقة لاهي صاحبة زوج ولا هي مطلّقة، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعيّ، فيُلزم الزوج ويخيّره بين الرجوع إليها وترك هجرها، أو طلاقها لتتمكّن من الزواج من رجل آخر، فإذا امتنع الزوج عن كلا هذين الأمرين جاز للحاكم أن يطلّقها إذا طلبت ذلك، وبعد تنفيذ كلّ الإجراءات الشرعيّة حتى حبسه ـ لو أمكن من أجل اجباره على وضع حلّ لهذه المشكلة ـ وفي هذه الحالة يقع الطلاق بائناً أو رجعيّاً حسب اختلاف الموارد، وتجري هذه الأحكام على الزوج سواء كان باذلا لها نفقتها أو تاركاً ذلك.
9 ـ إذا كان الزوج غير قادر على العود إلى زوجته لسبب، كما إذا كان محكوماً عليه بالحبس مدّة طويلة فصارت كالملّعقة بغير اختيار الزوج، فلا هي صاحبة زوج

أحكام المرأة والأسرة 163

فعلا ولا هي مطلّقة، ولم ترض بالصبر على هذا الوضع، فيجب على الزوج أن يطلّقها على الأحوط وجوباً، ولكن لو امتنع وجب عليها الانتظار حتى يفرّج الله تعالى عنه.
10 ـ إذا كان الزوج يؤذي زوجته ويظلمها دون مبرر شرعيّ، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي لينهاه عن الإيذاء والظلم، ويأمره بحسن المعاشرة، فإن غيّر أُسلوبه معها ونفعت فيه الموعظة فبها ونعمت، وإن لم تنفع عزّره وضربه بالمقدار الذي يراه كافياً، فإن لم ينفع التعزير جاز للمرأة أن تطلب الطلاق من الزوج، فلو امتنع عنه طلّقها الحاكم الشرعيّ.
11 ـ يجوز للمرأة أن تبذل مالا للزوج أو تتنازل عن بعض حقوقها من المبيت والنفقة لجلب رضاه، ولكي يسمح لها بالخروج من الدار للنزهة أو زيارة العتبات المقدّسة مثلا، أو طلبها للعلوم المفيدة أو لقيامها ببعض العبادات المستحبة كصوم المستحب فيما لوكان الزوج مخالفاً لذلك، أو غيره من الحقوق الغير واجبة عليه، أو كان يحدّث نفسه بطلاقها لأنّه يكرهها، أو أراد الزواج عليها بمرأة اُخرى، ويحلّ له التصرّف بهذا المال وترك الحقوق التي وهبتها إليه لهذه الأسباب.
أمّا لو ترك بعض حقوقها الواجبة، أو آذاها بالضرب أو الشتم أو غير ذلك، فبذلت له مالا لإرجاع حقّها إليها وترك أذاها، أو ليطلّقها فتتخلّص من يده فيحرم عليه أخذه، حتّى لوكان يظلمها لا لغرض حصوله على هذا المال وإلجائها إلى بذله إياه.
12 ـ لو حصل خلاف شديد وشقاق ومنافرة بين الزوجين فلا يمكن التسرّع في الطلاق ـ الذي هو أبغض حلال عند الله تعالى ـ بل ينبغي التأنّي فيه ومحاولة حلّ المشاكل الزوجيّة بما هو أحسن، فلو رفع الأمر إلى الحاكم الشرعيّ يقوم الحاكم

أحكام المرأة والأسرة 164

ببعث حكمين، حكماً من جانب الزوج وآخر من جانب الزوجة كي يتمّ بواسطتهما الإصلاح، ورفع الخلافات بما رأياه صالحاً من الفراق أو الجمع بين الزوجين.
ويجب على الحكمين البحث بدقّة عن حال الزوجين، والأسباب التي دعت إلى نشوب هذا الخلاف والشقاق بينهما، وبعد ذلك يسعيان في أمرهما، فكلّما استقرّ عليه رأيهما وحكما به نفذ على الزوجين ويلزم عليهما الرضى به بشرط أن يكون سائغاً وغير محرّم شرعاً، كما إذا شرطاً على الزوج أن يُسكِن الزوجة في بلد معيّن، أو في مسكن مخصوص أو عند أبويها، أو لا يُسكن معها في الدار أمّه واُخته، ولو في بيت منفرد، أو لا تسكن معها ضرّتها في دار واحدة ونحو ذلك.وكذلك يمكن أن يشرطا عليها أن تؤجّل المهر الحالّ(1) إلى مدّة من الزمن، أو تردّ على الزوج ما أخذته من المهر فيكون قرضاً عليه ونحو ذلك، فتصحّ جميع هذه الشروط، بخلاف الشروط المحرّمة من قبيل أن يترك الزوج بعض حقوق الضرّة كالنفقة والمبيت أو غير ذلك.
13 ـ إذا استقرّ رأي الحكمين على أن يفرّقا بين الزوجين مع الفدية أو بدونها لم ينفذ حكمهما بذلك، إلاّ إذا كانا قد شرطا على الزوجين ـ حين بعثهما ـ بأنّ الأمر أمرهما، إن شاءا جمعا، وإن شاءا فرّقا، أو أنّهما استأذنا الزوجين في الطلاق وبذل الفدية حينما يريدان ذلك، وحيث إنّ التفريق لا يتحقق إلاّ بالطّلاق فلابدّ من وقوع الطلاق عند اجتماع شرائطه، ومنها أن تكون المرأة طاهرة من الحيض، ولا يواقعها الزوج حال طهرها هذا، ومنها أن يقع الطّلاق بحضور عدلين وغير ذلك من شرائط الطلاق.

(1) الحالّ: أي الحاضر.
أحكام المرأة والأسرة 165

14 ـ الأحوط وجوباً أن يكون الحكمان من أهل الزوج والزوجة، فإن لم يكن لهما أهل، أو لم تكن لهم الأهليّة والقدرة على أن يكون منهم حكم تعيّن الحَكَم من غيرهم، ولا يعتبر أن يكون من جانب كلّ منهما حَكَم واحد بل لو اقتضت المصلحة بعث أكثر من واحد تعيّن.



أحكام المرأة والأسرة 166

من يصوّر الجنين في الرحم

لو فكّرنا قليلا في قدرة الله تعالى على الإنشاء وكيف صوّرنا في الأرحام، لارتقينا إلى مدارج الكمال.
والتفكّر من أفضل العبادات التي يثاب الإنسان عليها، ويعرج من خلالها إلى معارج المعرفة، ويسبح في غمرات الربانيّين.
من الذي يصوّر الجنين في رحم أُمّه؟
هذا السؤال حيّر عقول الفلاسفة والعظماء، لا سيما ارسطو وتلامذته ومن كان قبلهم وبعدهم، وقفوا لا يهتدون إلى شيء ولا يجدون حلاّ لهذا اللّغز العظيم، والكلّ يبدي برأيه ويتحاور مع صاحبه كي يتوصّل إلى الحلّ.
ولكنّ الجواب لا يتأتّى إلاّ على يد منقذ البشرية، الذي خاطبه خبر السماء يا محمد(صلى الله عليه وآله): «إِنَّا خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِنْ نُطْفَة أَمْشَاج نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً»(1).
والأمشاج: كناية عن اختلاط النطفة وتداخلها، فلا الطبيعة المحتاجة ولا كلّ ممكن يقوم بهذا الإنشاء ويصوّر هذا المخلوق في الرحم.
قال البعض: إنّ الجنين يتصوّر بطبيعته، وطبيعته هي التي تصوّره، وبها يتكوّن وينمو، وقد غفلوا أنَّ المصوَّر والمصوِّر سيكونا شيئاً واحداً، ولو أمكن ذلك لجاز أن

(1) الانسان 76:2.
أحكام المرأة والأسرة 167

يكون المؤلِّف والمولَّف شيئاً واحد.
وقال آخر: إنّ في الرحم قالب يصوّر الجنين، فيقال لهم: هل شاهدتم قطعة من الطين توضع في القالب ثمّ تقذف بعد تسعة أشهر؟ وهل في البيضة قالب يتصوّر فيه الفرخ؟ وهل توجد قوالب في أجواف الغنم وأرحام إناثها التي تمّ تشريحها على يد الأخصائيّين؟ هذا إذا قيل بعدم إمكان تشريح رحم المرأة، الذي صار ممكناً مع تقدّم العلم وتطوّره.
وقال ثالث: إنّ الجنين بمنزلة النبات.ونقول في جوابه: وهل يمكن أن يبقى إذا قطع رأسه، كما يبقى النبات لو قطعت أُصوله، أو قُصّرت أغصانه فإنّ ذلك يؤدّي إلى حيويّته.
وكذلك قالوا: إنّ كلّ عضو يتخلّق من مثيله، بمعنى أنّ كلّ جزء من أجزاء (الأب) يخرج منه جزءاً شبيهاً له، ولو صحّ هذا لخرج من الأب الأعمى ولد أعمى مثله، وهكذا باقي العاهات الموجودة في بدن الأبوين، وها هو القرآن الكريم يعطي الجواب الفصل بقوله: « هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الاَْرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ »(1).

(1) آل عمران 3:6.

السابق السابق الفهرس التالي التالي