الذنوب الكبيرة - 2 379


الباب ألثاني

الكبائر غير المنصوصة

ألفصل ألثالث


الذنوب الكبيرة - 2 380




الذنوب الكبيرة - 2 381


فيما كان عظيما لدى أهل الشرع

1
هتك القرآن

الطريق الرابع في تعيين الذنوب الكبائر هو ما كان عظيما بنظر أهل الشرع في تمام عصورهم الى ان يصل إلى زمن الأئمة «عليهم السلام» الرسول «صلى الله عليه واله» فيثبت بذلك انه كبيرة. مثل هتك أهانة المقدسات والمحترمات الدينية التي يعتبر لزوم إحترامها أمرا بديهيا مثل القرآن المجيد ، والكعبة المعظمة، والمساجد، والمشاهد المشرفة حتى التربة الحسينية.
وفيما يلى نشير بنحو مختصر الى حرمة إهانة الأمور المذكورة، ووجوب تعظيمها، وأحكامها.

إحترام القرآن من ضروريات المذهب :

بديهي لدى كل مسلم أنه لا يوجد شيئ أعز ولا أشرف ولا أحق بالإحترام في الإسلام من القرآن الذي هو كلام الخالق ـ تعالى ـ وقد عبر عنه رسول الله «صلى الله عليه واله» بأنه الثقل الأكبر فقال:

الذنوب الكبيرة - 2 382


(إن القرآن هو الثقل الأكبر، وإنَّ وصيي هذا وابنيَّ ومن خلفهم من أصلابهم هم الثقل الأصغر) «سفينة البحار /المجلد 132».

أحسن الثواب:

يقول الامام الباقر «عليه السلام» في حديث طويل في باب عظمة القرآن:
(ان القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة.. فيقول الله تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي؟ فيقول : يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيع شيئا، ومنهم من ضيعني واستخف بحقي وكذب بي وانا حجتك على جميع خلقك ، فيقول الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي وإرتفاع مكاني لأثني عليك اليوم أحسن الثواب ، ولأعاقبن عليك اليوم أليم العقاب) (1).
وفي رواية اخرى عن الامام الصادق «عليه السلام» انه قال:
(فيقول الجبار: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لأكرمن اليوم من أكرمك ، ولأهينن من أهانك) (2).
وبالجملة فانه لا يخفى على أي مسلم ان إهانة القرآن المجيد من كبائر الذنوب، وهو إهانة لله ورسوله «صلى الله عليه واله»
قال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(انا اول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم أمتي ، ثم أسألهم ما فعلتهم بكتاب الله وبأهل بيتي؟) (3).

معنى إهانة القرآن وحكمها:

تشخيص الإهانة أمر يعود الى العرف، فأي كلام او تصرف بالقرآن المجيد يرى

(1) أصول الكافي/حـ 2 /فضل القرآن.
(2) أصول الكافي/حـ 2/فضل القرآن.
(3) أصول الكافي/حـ 2/فضل القرآن.
الذنوب الكبيرة - 2 383


عند العرف توهينا له، ويكون موجبا لهتك حرمته، فهو حرام وذنب كبير.
بالطبع، فان ذلك إنما هو في صورة ما اذا كانت الإهانة ناشئة بدافع الإستخفاف والتوهين لأصل الدين ، وشريعة سيد المرسلين «صلى الله عليه واله».
كما ان هذا الحكم مخصوص بما إذا لم يكن مستحلا لتوهين القرآن اما إذا كان يراه حلالا فان عمله موجب للكفر والإرتداد عن الدين، ذلك ان حرمة إهانة القرآن من ضروريات الدين.
وبناءا على ذلك فان من يركل القرآن بقدمه او يلقيه في النجاسة كافر لا حرمة لدمه، وذلك ان ظاهر عمله الإهانة لأصل الدين وإنكار حرمة القرآن المجيد ، اللهم الا إذا إدعى انه كان في حالة الغضب وفاقدا للإرادة، وكان يحتمل ذلك في حقه.
وهنا يناسب التذكير بعدة ملاحظات حول حرمة إهانة القرآن المجيد ووجوب إحترامه:
(1) إن جلد القرآن وغلافه وهكذا اوراقه ـ الخالية من الكتابة ـ هي بمثابة سطور القرآن في حرمة هتكها.
وبناء على ذلك فإن تنجيسها حرام أيضا إذا كان موجبا للهتك وفي صورة تنجيسها فإن الواجب عليه تطهيرها.
(2) كتابة القرآن بالحبر النجس حرام أيضا، ولو كتب بذلك او تنجس بعد ان كتب فإن تطهيره واجب وان لم يمكن وجب محوه.
(3) تسليم القرآن بيد الكافر حرام إذا كان موجبا لهتك القرآن، وكذ مس الكافر لخطوطه.
وقال بعض العلماء انه لا يجوز مطلقا، ويجب أخذه من يد الكافر.
(4) متى ما وقع القرآن المجيد في بيت الخلاء ـ لا سمح الله ـ أو أوراق منه، أو دعاء المعصوم «عليه السلام» او الخاتم الذي فيه اسم الله، او التربة الحسينية وأمثال ذلك من المقدسات الدينية والمذهبية التى يحرم هتكها وبجب احترامها فان الواجب

الذنوب الكبيرة - 2 384


إخراجها فورا، وتطهيرها، وإن استلزم ذلك صرف مبالغ طائلة وما زال لم يخرجها فان التخلي في ذلك المكان حرام، وان لم يكن إخراجه ممكنا وجب إغلاق المكان لئلا يتخلى فيه.
وما ذكر في وجوب الإخراج والتطهير وغيره لا يختص بصاحب المكان ولا يختص بالشخص الذى اوجب تنجسها بل هو واجب على كل مسلم عرف بالخير وجوبا كفائيا، وان لم يؤده أحد كان الجميع مسؤولين ومحاسبين.
(5) يحرم على الشخص المحدث مس خطوط القرآن، سواءا بيده او بسائر الأعضاء وحيث ان فروع هذا الحكم كثيرة لذا ندعو القارىء الى مراجعة كتاب (العروة الوثقى).
(6) قال الشيخ الأنصاري عليه الرحمة في ختام بحث المكاسب المحرمة:
(صرح جماعة بحرمة بيع المصحف والمراد به خطه... وعليه تدل ظواهر الأخبار المستفيضة ففي موثقه سماعة لا تبيعوا المصاحف فان بيعها حرام، قلت : فما تقول في شرائها؟ قال: إشتر منه الدفتين والحديد والغلاف، وإياك ان تشتري منه الورق ..».... وقد تعارف الى الآن تسمية ثمن القرآن هدية).

إلفاتٌ لازم:

كلما كان الشخص اكثر اطلاعا في عالم المعرفة، وكلما ادرك عظمة الخالق اكثر، كان القرآن المجيد الذي هو كلامه ـ تعالى ـ عنده أعظم، وسعى في رعاية الأدب اللازم معه واحترامه وتعظيمه، ومع ذلك فهو يعتقد بانه مقصر في حق القرآن.
مثل هذا الشخص لا ينبغي ان يضع يده أبدا على القرآن من غير وضوء وحتى جلده وحاشيته ولا يمسه حتى وان كانت يده يابسة ولا يحمله معه في غير وضوء، بل يكون على طهارة طالما كان القرآن معه ، ولا يضع القرآن وراء ظهره عند الجلوس، ولا يمد اليه رجليه، ولا يضع فوقه شيئا، وحين يقرأه يتجه الى القبلة ويتلوه بأدب وبحضور قلب وبتأني وتاثر بمواعظه، ويستمع له إذا قرأه غيره « وإذا قرئ القرآن »

الذنوب الكبيرة - 2 385


« فاسْتمعوا لَهُ وأنْصِتُوا » (1) لأنه كلام الله ، ولا يقرأالقرآن في مجلس اذا كان أهل المجلس لا يراعون الأدب مع القرآن.
جاء في كتاب (روضة الأزهار (2) للاكبري في الحديقة (51) نقلا عن (أبو الوفاء الهروى) انه قال: كنت أقرا القرآن في مجلس الملك وكان مشغولا بالحديث غير متسمع للقرآن، فرأيت رسول الله «صلى الله عليه واله» في المنام وقد تغير لونه فقال لى: أ تقرأ القرآن بين يدي قوم وهو يتحدثون ولا يستمعون وإنك لا تقرأ بعد هذا إلا ما شاء الله) استيقظت من نومي وأنا أبكم لا أطيق الكلام ولكن كنت آمل ان ينطلق لساني لأنه «صلى الله عليه واله» قال(إلا ما شاء الله)، ويعد اربعة شهور رأيت رسول الله «صلى الله عليه واله» في المنام في المكان الذي رأيته فيه اولا فقال لي (قد تبت؟) قلت (بلى يا رسول الله) فقال «صلى الله عليه وآله» (من تاب تاب الله عليه) ثم قال لي: أخرج لسانك، فمسح عليه وقال (إذا كنت بين يدي قوم تقرأ كلام الله فإقطع قراءتك حتى يسمعوا كلام رب العزة).
وليس خفيا كما ان هتك القرآن المجيد حرام، وذنب كبير، فكذلك الأدعية الواردة عن المعصومين «عليهم السلام» مثل الصحيفة السجادية، وهكذا الأحاديث الواردة عنهم فإن هتكها حرام أيضا، كإلقائها على الأرض، او سحقها بالقدم وأمثال ذلك مما يعد في العرف هتكا.

(1) الأعراف 204.
(2) الكتاب باللغة الفارسية باسم (كلزار)
الذنوب الكبيرة - 2 386




الذنوب الكبيرة - 2 387


2
هتك الكعبة

لا يوجد في الإسلام بعد القرآن ـ ماهو أعز وأشرف من الكعبة المعظمة ، وهذا أمر بديهي لدى كل مسلم بنحو أنه لا شك في ان هتك الكعبة من الذنوب الكبيرة، بل ان بعض مراتبه يوجب الكفر والإرتداد، كما ذكر ذلك في هتك القرآن المجيد . يروي الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن الإمام الصادق «عليه السلام» : قوله :
(ان لله عز وجل حرمات ثلاثا ليس مثلهن شئ كتابه وهو حكمته ونوره، وبيته الذي جعله قبلة للناس، وعترة نبيكم).
وقال «عليه السلام»:
(ما خلق الله في بقعة أحب إليه من الكعبة ولا أكرم عليه منها).
وبالجملة فإن من البديهي والضروري لدى كل مسلم متدين أن إهانة الكعبة ذنب كبير جدا، بل إن من الواضح لزوم إحترام مكة بأجمعها، بل تمام الحرم (1).

(1) ( الحرم) حسب تقدير الفقهاء أوسع من مكة المكرمة، ويقدر بمسافة اثنين وعشرين كيلو مترا طولا وعرضا، والمسجد الحرام واقع وسط هذه المسافة عرفا.
الذنوب الكبيرة - 2 388


وعلاوة على ذلك فقد ورد النص صريحا عن الرسول الأكرم «صلى الله عليه واله» في أن هتك الكعبة من الذنوب الكبائر وذلك قوله (الكبائر تسع أعظمهن الإشراك بالله عزوجل ـ الى ان قال ـ وإستحلال البيت الحرام) «وسائل الشيعة ـ ابواب جهاد النفس».
وقال تعالى في سورة المائدة « يا أيُّها الذينَ آمَنُوا لا تُحِّلُوا شَعائِرَ اللهِ »«الآية ـ 2» كتب في تفسير الميزان في شرح هذا الآية:
(ألإحلال هو الإباحة الملازمة لعدم المبالاة بالحرمة والمنزلة، ويتعين معناه بحسب ما أضيف اليه، فإحلال شعائر الله عدم احترامها وتركها ، واحلال الشهر الحرام عدم حفظ حرمته والقتال فيه وهكذا).
ولا شك في ان الكعبة المعظمة هي أعظم الشعائر الإلهية.
وقال تعالى في سورة الحج « ومَنْ يُعَظِّم حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه »الآية /29».
وقد ذكر بعض المفسرين ان المراد من حرمات الله في هذا الآية الشريفة الكعبة المعظمة التي هي بيت الله الحرام، والمسجد الحرام، ومكة المعظمة التي هي البلد الحرام، تمام الحرم.

مراتب الإهانة:

سبقت الإشارة الى ان بعض مراتب الهتك توجب الكفر والإرتداد مثل تخريب الكعبة وتلويثها عمدا بالنجاسة ، وأمثال ذلك مما تقدم في بحث هتك القرآن، أما سائر مراتب الهتك فسوف نشير الى بعضها في الفروع التالية:
1 ـ ألإلحاد في الحرم:



كل معصية وكل مخالفة شرعية تقع في مكة المعظمة فهي إهانة وهتك لبيت الله الحرام ، والبلد الحرام، من حيث ان مخالفة حكم الله في بيت الله هي منتهى الإساءة

الذنوب الكبيرة - 2 389


واللامبالاة واللاتقدير، ولذا جاء في بعض الروايات ان ثواب الحسنة في الحرم مضاعف كما ان عذاب المعصية مضاعف أيضا.
ويستفاد أيضا من الروايات أن من إرتكب في الحرم ذنبا قد عين الشارع فيه الحد اوالتعزير فانه يلزم الزيادة على العقوبة المقررة ، لأنه بعمله هذا قدهتك حرم الله، وبناء على ذلك فان كل ذنب يصدرفي حرم الله فهو ذنب كبير حتما وقد ذكر بعض الفقهاء ان الدليل على ان اي ذنب في حرم الله ذنب كبير هو الوعيد عليه في القرآن المجيد بالعذاب (1) كما في قوله تعالى « ومَنْ يُرِد فيِهِ بِالحادٍ بِظُلمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أليم »«السورة 22/الآية 25».
ويعلم من الروايات ان المراد بالإلحاد الإلحاد في تمام الحرم ، ومعنى الإلحاد إرتكاب أي ذنب وأي عمل مخالف للشرع.
روى ابو الصباح الكناني قال: سألت أبا عبدالله «عليه السلام» عن قوله عزوجل « ومَن يُرد فيهِ بإلحادٍ بِظُلمٍ نُذِقْةُ مِن ْعَذابٍ أليم » فقال «عليه السلام» : كل ظلم يظلمه الرجل على نفسه بمكة من سرقة او ظلم أحد أو شئ من الظلم ، فإني أراه الحادا «الوسائل ـ كتاب الحج».
قال ابوا الصباح: ولذلك كان يتقي الفقهاء ان يسكنوا مكة.
وقد ذكر في الوافي عدة روايات مماثلة.
ويقول العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث أنه يعلم من هذا الحديث ان من يستطيع ان يعصم نفسه عن إرتكاب المعاصي لا يكره له مجاورة مكة .
قيل للإمام الصادق «عليه السلام» : ان سَبُعا من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شيء من الحمام إلا ضربه فقال: أنصبوا له وأقتلوه فإنه قد ألحد «الكافي ـ الحج ـ باب 4».

(1) أنظر آيات الأحكام للجزائرى ـ كتاب الحج.
الذنوب الكبيرة - 2 390


ولا يبقى خفيا ان حد الحرم أربع فراسخ من الأطراف الأربعة فيبلغ المجموع ستة عشر فرسخا.
2 ـ الحرم محل الأمن:



كل من ارتكب جريمة اوخيانة خارج الحرم ثم لجأ الى الحرم ولاذ به فلا يحق لأحد التعرض له، وإنما يلزم مقاطعته ، والتشديد عليه في التعامل الى ان يخرج من الحرم بإختياره، وحينئذ يجوز مجازاته، نعم ، من إرتكب في داخل الحرم ما يوجب القصاص او الحد او التعزير فانه يجب الإقتصاص منه او اجراء الحد الإلهي عليه ولو في داخل الحرم.
سئل الصادق «عليه السلام» عن رجل قتل رجل في الحل ثم دخل الحرم ، فقال: لا يقتل ولا يطعم ولا يسقى ولا يباع ولا يؤوى حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد ، قلت: فما تقول في رجل قتل في الحرم أو سرق ؟ قال«عليه السلام»: يقام عليه الحد صاغرا لانه لم ير للحرم حرمة «الوسائل ـ كتاب الحج».
وروى سماعة بن مهران عن ابي عبدالله «عليه السلام»: قال : سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا، ثم رأيته يطوف حول الكعبة أفأ تقاضاه مالي ؟ قال: لا، لا تسلم عليه، ولا تروعه حتى يخرج من الحرم « الوسائل ـ كتاب الحج».
3 ـ قتل الحيوان وقلع النبات:



بإستثناء الإبل، والبقر، والغنم، والدجاج يحرم قتل أي حيوان في الحرم . إلا الأفعى والحية والعقرب والفأر والبق والقمل وكل حيوان مؤذٍ قتله للخلاص من شره.
كما يحرم أيضا قلع الشجر والنبات الموجود في الحرم.

دخول الحرم بدون إحرام:

لا يجوز الدخول إلى مكة المعظمة ، بل مطلق الحرم بدون إحرام، فيجب على من

الذنوب الكبيرة - 2 391


أراد دخول الحرم، ومكة المعظمة، في سائر أيام السنة، أن يحرم من الميقات ويدخل الحرم بلباس الإحرام، وبعد الطواف والسعي والتقصير يحل من إحرامه.
ويستثنى من ذلك من يكثر دخوله وخروجه من الحرم مثل الحطاب والمسافر، ويستثنى أيضا من لم يفصل بين إحرامه السابق ودخوله للحرم شهر واحد.
وقد اعتقد بعض الفقهاء ان إستحلال البيت ـ الذي تقدم أنه من الكبائر ـ يرجع الى هذه المسألة، اي دخول مكة المعظمة محلا ـ بدون إحرم ـ

التخلي مستقبلا أو مستدبراً للقبلة:

يحرم في حال التخلي أستقبال القبلة أو إستدبارها، سواء كان في صحراء أم في عمران ، و الأحوط عدم وضع الطفل في حال التخلي مستقبلا أو مستدبرا للقبلة ، نعم لو جلس بإختياره كذلك فانه لا يجب منعه ، اما إذا فعل العاقل البالغ ذلك فان كان جاهلا بالحكم وجب تعليمه، وان كان عالما عامدا بفعله وجب منعه عن ذلك من باب النهي عن المنكر (على شرح تقدم في باب النهي عن المنكر).
ولا حرمة فيما لو إنحرف عن القبلة بإتجاه اليمين أو الشمال وان لم يكن إنحرافا كاملا نحو الشرق اوالغرب.
ونحن من أجل الإختصار لم نذكر مدارك هذا الحكم كما هو طريقتنا في المسائل السابقة.

الذنوب الكبيرة - 2 392




الذنوب الكبيرة - 2 393


3
هتك المساجد

كل مكان بناه المسلمون بعنوان المسجد شيعة كانوا أم من سائر الفرق الإسلامية فانه يجب مراعاة حرمته، وتحرم إهانته وهتكه مثل تخريبه او تلويث بنائه بالنجاسة. ويعتبر ذلك ذنبا كبيرا لدى كل متدين يعرف بديهيا ان المسجد منتسب الى الخالق ـ تعالى ـ « وإنَّ المَساجِدَ لِلهِ» (1) وان إهانته هي إهانة لله.
قال أبو بصير: سألت ابا عبدالله «عليه السلام» عن العلة في تعظيم المساجد فقال «عليه السلام» : إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله في الأرض (2).
وروي ان الله تبارك وتعالى أنزل في التوراة « ألا أن بيوتى في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشر المشائين في الظلمات الى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة » «الوسائل ـ احكام المساجد»

(1) الجن 18.
(2) الوسائل ـ كتاب الصلاة ـ باب 70.
الذنوب الكبيرة - 2 394


وعلاوة على ان اعتبار هتك المسجد ذنبا كبيرا امر مرتكز عند كل متدين عد في القرآن الكريم السعي في خراب المساجد ـ وهو قسم من أقسام الهتك ـ من أعظم مراتب الظلم فقال « وَمَنْ أَظْلَم مِمَنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أنْ يُذكَرَ فيها إسْمَهُ وَسَعى في خَرابِها »«السورة 2/108».
وفيما يلي نذكر عدة من أحكام المساجد بدون ذكر مداركها
1 ـ تنجيس المسجد حرام:



يحرم تنجيس المسجد، ويحرم أيضا إدخال عين النجاسة فيه إذا كان مستلزما لتنجيس المسجد، وكذا إذا كان موجبا لهتك المسجد وان لم يؤد الى نجاسة .
وكذلك الحال في إدخال المتنجس في المسجد فيحرم اذا كان موجبا لهتك المسجد وان لم يوجب نجاسة وكان يابسا، نعم ، يجوز إدخاله إذا لم يؤد لا الى الهتك ولا الى التنجيس. والأحوط عدم إدخال عين النجس في المسجد مطلقا.
2 ـ تطهير المسجد واجب:



يجب على الفور تطهير المسجد وإزالة النجاسة عنه، بنحو يقال في العرف انه لم يتسامح في تطهير المسجد، ومعنى الوجوب الفوري أنه ـ مثلا ـ إذا لم يكن وقت الصلاة ضيقا فإن اللازم عليه اولا تطهير المسجد.
ولا فرق في هذا الحكم بين أرض المسجد وجداره وسقفه وسطحه وخلف الجدار.
ويجب أيضا تطهير فرش المسجد.
ويجب ان يعلم ان وجوب التطهير لا يختص بمن كان سببا في تنجيس المسجد، بل هو واجب كفاية على جميع المسلمين، وإذا توقف على بذل مال وجب بذله وتطهير المسجد أو فرشه، وإن لم يتمكن الشخص وحده على على ذلك وجب أن يستعين

الذنوب الكبيرة - 2 395


بالغير على الترتيب المقدم.
3 ـ يحرم مكث الجنب والحائض والنفساء:



ويحرم على الجنب والحائض والنفساء الوقوف في المسجد كما يقول تعالى في القرآن « ولا جُنُباً إلاعابِري سَبيل » (1) ومعنى عابرى سبيل ان يدخل من باب ويخرج من آخر دون ان يمكث في المسجد فان ذلك جائز إلا في مسجد النبي «صلى الله عليه واله» والمسجد الحرام فإنه لا يجوز العبور فيها للجنب والحائض والنفساء.
4 ـ مستحبات المسجد:



يستحب إنارة المسجد، وتنظيفه، وان يقدم رجله اليمنى عند الدخول ، ورجله اليسرى عند الخروج منه ، وان يتأكد من عدم نجاسة نعليه لئلا ينجس المسجد، ويستحب أيضا دخول المسجد على طهارة ـ الوضوء او الغسل ـ وان يلبس أفضل ثيابه، وان يستعمل العطر الجيد، وان يصلي عند دخوله ركعتي تحية المسجد.
5 ـ مكروهات المسجد:



ويكره الورود في المساجد من دون أداء صلاة التحية ولا مانع ان يصلي صلاة أخرى، ولا ينبغي له ان يبصق في المسجد أو يمخط، ولا ينبغي ان ينام في المسجد او يرفع صوته في غير الأذان، وأمثاله ولا ينبغي له التعرف بالضائعات أو طلبها ، ولا ينبغي له قراءة الأشعار التي لا تشتمل على الموعظة.
ويكره في المسجد الحديث بأحاديث الدنيا، ويكره البيع والشراء فيه.
وينبغي لمن أكل البصل او الثوم او كل طعام يولد رائحة كريهة في الفم ان لا يدخل المسجد.
وينبغي ان لا يسمح للاطفال والمجانين بدخول المسجد.

(1) النساء 43.
الذنوب الكبيرة - 2 396


مراتب المساجد في الفضل:

ان أشرف المساجد وأفضلها هو المسجد الحرام، والصلاة فيه تعدل ألف ألف صلاة في غيره، وبعده مسجد النبي «صلى الله عليه واله»والصلاة فيه تعدل عشرة آلاف صلاة في غيره، وبعدهما مسجد الكوفة والمسجد الأقصى والصلاة فيهما تعدل بألف صلاة. وبعد ذلك المسجد الجامع في كل مدينة ، والصلاة فيه مائة صلاة. وبعده مسجد المحلة، والصلاة فيه تعدل خمساً وعشرين صلاة في غيره، وبعده مسجد السوق، والصلاة فيه تعدل إثنتي عشرة صلاة في غيره.

الذنوب الكبيرة - 2 397


4
هتك المشاهد المشرفة

من الضروري والبديهي لدى كل مسلم وجوب رعاية حرمة قبر الرسول« صلى الله عليه واله» وقبور أئمة الهدى «عليهم السلام» ، بحيث بعتبر هتكها وإهانتها من الذنوب الكبيرة.
والروايات في ذلك كثرة، نكتفي هنا برواية الشيخ الطوسي في التهذيب: قال رسول الله «صلى الله عليه واله» : يا أبا الحسن ان الله قد جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها، وان الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده تحن إليكم وتحتمل الأذى والمذلة فيكم فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا منهم الى الله ، ومودة منهم لرسوله ، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي، والواردون حوضي وهم زواري غدا في الجنة.
(يا علي من عمَّر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته امه، فابشر وبشر أولياءك ومحبيك من

الذنوب الكبيرة - 2 398


النعيم وقوة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا أنالهم الله شفاعتي ولا يردون حوضي) «الوسائل ـ ابواب المزار».

هتك قبر المعصوم كفر:

من ضروريات المذهب ان أهانة القبور المباركة للرسول «صلى الله عليه واله» والأئمة «عليهم السلام» من كبائر الذنوب بل أكبر الكبائر، وهي في حد الشرك والكفر، ومثال ذلك تخريبها وتنجيسها.
ويجب ـ على الأحوط ـ تطهيرها عند النجاسة حتى إذا لم يكن بقاؤها موجبا لهتكها.
وقد ذكر مشهور الفقهاء ان مكث الجنب والحائض والنفساء في المشاهد المشرفة حرام كما هو الحال في المساجد وذلك لأنه يوجب هتكها، وذكر بعضهم ان الدخول فيها بقصد العبور حرام أيضا كما هو الحال في المسجد الحرام.

الصلاة في جوار قبر المعصوم:

اذا صلى في المشاهد المشرفة فلا ينبغي له ان يضع قبر الرسول «صلى الله عليه واله»والأئمة «عليهم السلام» خلفه ففي هذا العمل هتك، وصلاته باطلة، بل يجب ان يصلي خلف القبر بنحو يكون القبر في قبلة المصلي، اما الصلاة على يمين القبر او شماله فالأحوط ان لا يكون محاذيا للقبر ولا متقدما عليه بل يقف خلفه ولو قليلا.
ويقول الإمام موسى بن جعفر «عليه السلام»:
(أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة ، بل يضع خده الأيمن على القبر ، و أما الصلاة فإنها خلفه ويجعله الإمام، ولا يجوز ان يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم عليه ويصلي عن يمينه وشماله) «الوسائل ـ مكان المصلي ـ 26».
وروي عن الامام الحجة بن الحسن عجل الله فرجه الشريف (ولا يجوز ان

السابق السابق الفهرس التالي التالي