الذنوب الكبيرة - 2 345


الوعيد عليها بالعذاب الأليم كما تقدم، إذن فكيف حال من ينهى عن المعروف ، أو يأمر بالمنكر؟
(3) منع الآخرين من أعمال الخير المحبوبة عند الله تعالى، والموجبة للقرب منه، مثل من يمنع الآخرين عن الإنفاق في سبيل الله، وسائر الأمور المستحبة.
وهذا القسم الثالث وان لم يمكننا القول بأنه حرام الا ان الأحوط تركه، ذلك ان الشخص الممنوع عن أداء الخير يستطيع ان يؤاخذ المانع يوم القيامة ويقول له بأنك ظلمتني، وحرمتني من السعادة ومن موجبات القرب، ويكفي في مذمة ذلك ما ورد من الروايات في كتاب الأمر بالمعروف من الوسائل الباب /8.
ويقول الامام الصادق «عليه السلام»:
(لعن الله قاطعي سبيل المعروف ، قيل : ومن قاطعوا سبيل المعروف؟
قال: الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من أن يصنع ذلك الى غيره).

الذنوب الكبيرة - 2 346




الذنوب الكبيرة - 2 347


15
كفران النعمة

الخامس عشر كفران النعمة كما جاء الوعيد على ذلك بالعذاب في القرآن المجيد وورد التعبير عنه بالكفر في عدة مواضع ، وورد انه سبب في نزول البلاء على أهله.
قال تعالى في سورة إبراهيم:
« وإذ تَأذَّن رَبُّكُم لَئِنْ شَكَرتُم لأزيدَنَّكُم ولَئِن كَفَرْتُم إنَّ عَذابي لَشَديد » «الآية /7».
وقال تعالى في سورة البقرة : « فاذكُروني أذْكُرُكُم وأشْكُروا لي ولا تَكْفُرون ».

قوم سبأ كفروا فعذبوا :

وقال تعالى في سورة سبأ (ألآية 15 ـ 17) حول أهالى سبأ:
« لقد كانَ لِسَبأٍ في مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمينٍ وشِمَالٍ، كُلوا مِن رِزقِ رَبِكُم وأشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبةٌ وَرَبٌ غَفُور * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيِهم سَيلَ العَرِم وبَدّلْناهُم بِجَنَّتَيهِم جَنَّتَينِ ذَواتى أُكُلٍ خَمْطٍ وأَثْلٍ وشَيءٍ مِن سِدْرٍ قَليل * ذلِكَ جَزَيناهُم بِما كَفَروا وهَلْ نُجازي إلا الكافرون ».

الذنوب الكبيرة - 2 348


النعمة تتحول الى نقمة:

ويقول تعالى في سورة النحل:
« وضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مِطْمَئِنَّة ًيأتيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَها اللهُ لِباسَ الجُوعِ والخَوفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ »«الآية /112».
والتعبير باللباس هنا (لباس الجوع..) من حيث إحاطته بهم كما يحيط اللباس بصاحبه، وقال بعض المفسرين ان المراد من القرية في هذه الآية مكة حيث أصيبت بقحط وجوع عدة سنوات حتى وصل بهم الحال من الجوع والشدة الى ان يأكلوا العظام المحروقة والدم و الميتة.

كفر النعمة من اقسام الكفر:

لقد عد الامام الصادق «عليه السلام» الكفر بالنعمة من اقسام الكفر حيث قال «عليه السلام»:
(الكفر في كتاب الله خمسة أوجه الى ان قال «عليه السلام» والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان هذا مِن فَضْلِ رَبّى ليَبْلُوَني أأشْكُرُ أم أكْفُر وَمَنْ شَكَرَ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَنْ كَفَرَ فَإنَّ رَبّى غَنيٌّ كَريم») «السورة 27/ الآية 40».
وقال تعالى:
« فاذكُرونى أذْكُرُكُم وأشْكُروا لي ولا تَكْفُرون » (1)«السورة 2/الآية 152».
وخلاصة كلام الامام «عليه السلام» ان الله تعالى يعد الكفر بالنعمة كفرا، كما يعلم من هذه الآيات الثلاث ان لكفران النعمة ثلاثة آثار سيئة : أحدها أنه يوجب زوال النعمة والثاني العذاب والألم، والثالث ان الله تعالى يترك الكافر بالنعمة الى نفسه.

كفران النعمة وأخبار أهل البيت (ع):

الروايات في المقام عديدة نكتفي بذكر بعضها.

(1) أصول الكافي /كتاب الإيمان والكفر.
الذنوب الكبيرة - 2 349


عن رسول الله«صلى الله عليه واله» قوله:
(أسرع الذنوب عقوبة كفران النعمة) «وسائل الشيعة».
وعنه «صلى الله عليه واله» أيضا:
(ثلاث من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر الى الآخرة ، عقوق الوالدين والبغي على الناس ، وكفر الإحسان) «وسائل الشيعة».
وقال امير المؤمنين «عليه السلام» في وصيته:
)ولا تكفر فان كفر النعمة من ألأَم الكفر) «المستدرك».
وقال «عليه السلام» ايضا:
(أحب الناس الى الله العامل فيما أنعم به عليه بالشكر، وأبغضهم إليه العامل في نعمه بكفرها) «المستدرك».

معنى كفران النعمة:

كفران النعمة معناه إخفاؤها ، وله مراتب ثلاث:
(1) الجهل بأصل النعمة، فهو نتيجة لعدم الفهم، لا يعرف النعمة ولا يرى لها وجودا ، ويساوي بين وجودها وعدمها.
والآخر الجهل بالمنعم بأن يجهل الخالق بالمرة ، او يجهل انه هو المنعم ، فلا يرى تلك النعمة منه بل يراها من غيره.
والخلاصة ان الجهل بالنعمة او بالمنعم كلاهما كفران بالنعمة ، ومورد قطعي للعقوبة التي وعد بها الكافرون بالنعمة ، ولا شك انه من كبائر الذنوب.
(2) الكفر بحسب الحال ، وتوضيحه ان الإنسان العاقل حين تصل اليه نعمة الله يجب ان يفرح ويبتهج قلبه حيث حلت به نعمة الله وعنايته، ويجب ان يذكر الله ويشكره ويأمل دوام فضله « قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَليَفْرَحُوا »(1) اما ذا فعل

(1) يونس 58.
الذنوب الكبيرة - 2 350


عكس ذلك فأساء الظن بخالقه، ولم يأمل فضله ، ولم يأنس قلبه معه بل كان بعيدا عنه يائسا منه، فذلك هو الكفر بنعمة الله.
(3) الكفر بالأعضاء والجوارح ـ وهو الكفر العملي ـ وذلك بأن يقصد بقلبه المعصية ويظهر بلسانه الذم والشكوى ، بدل ذكر النعمة وشكرها وأمّا بِنِعْمَةِ ربِّكَ فَحَدَّثْ»(1) فهو يتجاهل النعمة ، ويشكو لعدم تحقق آماله الوهمية من فعل الله وايضا يصرف نعمة الله في غير ما خلقت له، ويستعين بأعضائه على ما نهى الله عنه، وما يوجب البعد عن رحمته.
وقال الامام السجاد «عليه السلام» في تفسير (الذنوب التي تغير النعم): منها كفران النعم «معاني الأخبار» .
وقال الرسول ألأكرم«صلى الله عليه وآله»:
(ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه من تضييع النعم) «بحار الأنوار» والآيات والروايات الواردة في وجوب الشكر عديدة ـ وفي بيان حقيقة ذلك ومراتبه تفصيل ليس هنا محل ذكره ، على الراغبين مراجعة أصول الكافي، وسائر الكتب الأخلاقية.

لولا الشكر لكان الإنسان أحقر من الحيوان:

يقول الامام السجاد في أول دعاء من الصحيفة السجادية:
(والحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة لَتَصرفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية الى حد البهيمية فكانوا كما وصف في محكم كتابه: إنْ هُم إلا كَالأنْعامِ بَلْ هُم أضَّلُ سَبيلا»).
والخلاصة ان الكافر بالنعمة خارج عن حريم الآدمية ، فضلا عن السعادة الأبدية للإنسان الناشئة من الإيمان، والمعارف الحقة ، وألأعمال الصالحة.

(1) الضحى 11.
الذنوب الكبيرة - 2 351


كفران الوسائط:

حيث ان الله تعالى بحكمته البالغة جعل الدنيا تجري وفق اساب، وجعل لكل نعمة سببا يوصل العباد اليها، لزم بحكم العقل والشرع عدم نسيان تلك الأسباب والوسائط وعدم إغفالها: بل يجب شكرها، لا باعتبار أنها هي المنعم بالإستقلال بل باعتبار انها واسطة في النعمة ، ويشكر الله تعالى بحاله ولسانه انه تفضل عليه بواسطة الشخص الفلاني وهنا نكتفي بنقل عدة روايات.
يقول الإمام السجاد «عليه السلام» :
(ان الله يحب كل عبد شكور يقول الله تعالى لعبد من عبيده يوم القيامة أشكرت فلانا؟ فيقول بل شكرتك يا رب ، فيقول لم تشكرني إذ لم تشكره، ثم قال «عيله السلام»: أشكركم لله أشكركم للناس) «وسائل الشيعة».
ويقول الإمام الصادق«عليه السلام»:
)من حق الشكر لله ان تشكر من أجرى تلك النعمة على يده) «وسائل الشيعة».
وعن الامام الرضا «عليه السلام»:
)من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل) «وسائل الشيعة»
وقال الرسول الأكرم «صلى الله عليه واله»:
(يؤتى العبد يوم القيامة فيوقف بين يدى الله عز وجل فيأمر به الى النار ، فيقول أي رب أمرت بي الى النار وقد قرأت القرآن، فيقول الله: أي عبدي إني قد أنعمت عليك ولم تشكر نعمتي ، فيقول : أي رب أنعمت على بكذا وشكرتك بكذا ، وأنعمت علي بكذا وشكرتك بكذا، فلا يزال يحصي النعمة ويعدد الشكر فيقول الله تعالى : صدقت عبدي إلا إنك لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه، وإني قد آليت على نفسي ان لا اقبل شكر عبد لنعمة انعمتها عليه حتى يشكر من ساقها من خلقي إليه)

الذنوب الكبيرة - 2 352


«الوسائل ـ فعل المعروف ـ 8» (1.
وقد نقلنا في البحث السابق رواية عن الامام الصادق «عليه السلام» قال فيها: (لعن الله قاطعي سبيل المعروف . قيل : وما قاطعوا سبيل المعروف؟
قال : الرجل يصنع اليه المعروف فيكفره فيمتنع صاحبه من ان يصنع ذلك الى غيره).

كيفية شكر الواسطة:

وقال الرسول «صلى الله عليه واله» : (كفاك بثنائك على أخيك إذا أسدى إليك معروفا ان تقول له جزاك الله خيرا واذا ذكر وليس هو في المجلس ان تقول جزاه الله خيرا فإذاً قد كافيته) «الوسائل».
وقال «صلى الله عليه واله» : أيضا (من سألكم بالله فاعطوه ومن آتاكم معروفا فكافوه وان لم تجدوا ما تكافونه فادعوا الله له حتى تظنوا أنكم قد كافيتموه) «الوسائل».
وبالجملة فانه يجب مقابلة الإحسان بالإحسان كما قال تعالى في سورة الرحمن « هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلا الإحْسان » (2) مع الالتفات الى ان البادئ بالإحسان هو الأفضل.
وصريح الروايات انه لا فرق بين المحسن ان كون مؤمنا او كافرا، مطيعا او فاسقا .
والخلاصة يجب مكافاته على إحسانه كان من كان ، ومهما كان إحسانه.

الولاية أكبر النعم:

لا شك ان نعم الله الدنيوية والأخروية، الصورية والمعنوية على كل فرد لا تعد ولا

(1) في وسائل الشيعة في الباب الثامن من كتاب الامر بالمعروف نقل 16 حديثا في هذا المورد، وفي الباب السابع منه نقل 11 حديثا، وفي المستدرك نقل 14 حديثا، ونقل في الباب السابع منه تسعة احاديث ، في استحباب الدعاء لمن كان واسطة في النعمة.
(2) الرحمن 60.
الذنوب الكبيرة - 2 353


تحصى كما قال تعالى في القرآن المجيد « وإن تَعِدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها » (1)وكفران كل واحدة من تلك النعم هو من الذنوب الكبيرة التي يستحق عليها العقاب، لكن يجب ان يعلم انه كلما كانت النعمة أهم وأعظم وأكبر أثراً كانت العقوبة على الكفران بها أشد وأكبر، وكان اثمه اكبر.
واهم النعم واعلاها ولاية آل محمد «عليهم السلام» ، وكفران هذه النعمة اشد من أي ذنب آخر، وكفرانها يتحقق بإنكار ولايتهم «عليهم السلام» أو نسيانهم وعدم ذكرهم وعدم السير في طريق محبتهم والإعراض عن أوامرهم ونواهيهم، والخلاصة عدم الإعتناء بشأنهم، وعدم الإستفادة من نعمة ولايتهم.
ومن خلال مراجعة تفسير الصافي وتفسير البرهان يعلم ان معظم الآيات القرآنية الواردة حول الإيمان هي إشارة الى الإيمان بولايتهم ، وهكذا الآيات الواردة في مورد الكفر فان معظمها تنظر الكفر بولايتهم، وكنموذج على ذلك نستعرض بعضها:
قال تعالى في سورة إبراهيم « ألَمْ تَرَ الذينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وأَحلّوا قَومَهُم دارَ البَوَار » (2) وقد ورد في اخبار كثيرة ان النعمة هنا هي اهل بيت العصمة والطهارة، والمراد بالكفر بنوأُمية وأعداء آل محمد «صلى الله عليه واله» .
وقال تعالى في سورة التكاثر « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَعيم » (3) وقد ورد في روايات عديدة ان المراد بالنعميم في هذه الآية ولاية آل محمد «صلى الله عليه واله» .
والخلاصة ان اصل النعمة وحقيقتها هي نعمة الولاية وذلك ان التمتع بأية نعمة يتوقف على ولايتهم «عليهم السلام».

كفران وجود العلماء:

من كفران نعمة الولاية الكفران بوجود العلماء الربانيين والفقهاء الروجانيين الذين

(1) ابراهيم 34.
(2) ابراهيم 28.
(3) التكاثر 8.
الذنوب الكبيرة - 2 354


هم النواب العامون للامام الحجة بن الحسن ـ أرواحنا فداه ـ في زمن غيبته فظاهر جدا ان الكفر بالنائب كفر بالمنوب عنه، كما ان شكر النائب شكر للمنوب عنه، وحيث ان ذكر الأدلة والروايات في هذا المقام وبيان فضل العلماء يوجب إطالة الكلام والخروج عن وضع الكتاب، نكتفي بالإشارة فقط وبنحو الإختصار الى المراد بالنائب العالم ومعنى الكفران بنعمته.

من هو نائب الإمام؟

نائب الإمام « عليه السلام» وهو كل من تلقى من حيث العلم علوم آل محمد «صلى الله عليه واله» بحيث يمكنه إستنباط الأحكام الشرعية ومعرفة الحلال والحرام تبعا للأدلة (الكتاب، السنة، العقل، الإجماع) ومن حيث المعرفة استفاد من معارف آل محمد «صلى الله عليه واله» الحقة بحيث وصل الى مقام اليقين والإطمئنان ، ومن حيث الكمالات النفسية تحرر من قيود الهوى وتغلب على شيطان النفس، واصبحت لديه ملكة العدالة.
وخلاصة ذلك انه مثال ونموذج عن نفس الإمام «عليه السلام» ، كسب من نوره ليستفيد الناس من نور أقواله وأفعاله «عليه السلام» بل ليستفيدوا من نفس وجوده الشريف ، ويفلحوا بإتباعه.
وليس خفيا على أهل المعرفة ان الوصول الى مثل هذا المقام الشامخ لنيابة الإمام «عليه السلام» عزيز جدا ، وصعب متوقف على تحمل الصعوبات، وألوان المجاهدات.
وحيث ان وجود مثل هذا العالم الروحاني من اكبر النعم الإلهية كان شكره من أهم الشكر كما إن الكفر به من اكبر الذنوب.

الكفران بوجود العالم الديني:

كفران وجود العالم الديني يتحقق بان لا يرى وجوده نعمة ، ولا يعتني بشأنه، ولا يعتقد بوجوب إطاعته، أو ـ والعياذ بالله ـ يرد حكمه والذي هو نفسه ذنب كبير

الذنوب الكبيرة - 2 355


وبمنزلة رد الامام «عليه السلام» الذي هو بحد الشرك بالله تعالى، والخلاصة ان ذلك قطع بالإمام «عليه السلام» .
ويقول ابو حمزة ان الإمام الصادق «عليه السلام» قال له:
(أغدو عالما او متعلما او أحب أهل العلم ولا تكن رابعا فتهلك ببغضهم) «اصول الكافي».
وعن الامام السجاد «عليه السلام» :
(اوحى الله تعالى الى دانيال ان أمقت عبيدي الجاهل المستخف باهل العلم التارك للاقتداء به وان احب عبيدى التقي الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحكماء القابل عن الحكماء) «أصول الكافي».

العقوبة الشديدة على كفران وجود العلماء:

ورد الوعيد بالعقوبة الشديدة على كفران النعمة منها قال رسول الله «صلى الله عليه واله» (سيأتي زمان على الناس يفرون من العلماء كما يفر الغنم من الذئب فاذا كان كذلك إبتلاهم الله بثلاثة اشياء الاول يرفع الله البركة من اموالهم، والثاني سلط الله عليهم سلطانا جائرا والثالث يخرجون من الدنيا بلا إيمان) «سفينة البحار/المجلد 2/22».
ولا يفوتنا القول ان طلاب العلوم الدينية حيث انهم في طريق الوصول الى مقام النيابة الشامخ فان وجودهم هو ايضا نعمة ويلزم على الجميع الإعتزاز بهم، كما ان الكفران بوجودهم بعدم الإعتناء بهم وهتكهم حرام ايضا.

الذنوب الكبيرة - 2 356




الذنوب الكبيرة - 2 357


الباب الثاني

الكبائر غير المنصوصة

ألفصل ألثاني


الذنوب الكبيرة - 2 358




الذنوب الكبيرة - 2 359


ما هو أعظم من إحدى الكبائر الثابتة

1
ألفتنة

سوف نستعرض في هذا الفصل الذنوب التي ثبت بالفحوى وبالأولوية القطعية او بالقرآن المجيد او بالنصوص المعتبرة أنها أكبر من إحدى الكبائر المسلم بها مثل الفتنة التي جاء في القرآن المجيد التصريح بانها اكبر من القتل وأشد، كما في قوله تعالى « والفِتْنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتلِ » (1) « والفِْتنَةُ أكبَرُ مِنَ القَتلِ » (2) وحيث ان قتل الانسان بدون حق هو من الكبائر المسلم بها كما تقدم، فستكون الفتنة من الكبائر بلا شك إذ انها اكبر من القتل.
ويكفي لمعرفة شدة مبغوضية الفتنة ان الله تعالى امر بجهاد المشركين في القرآن المجيد دفعا للفتنة وذلك قوله تعالى « وقاتِلُوهُم حتى لا تَكون فِتْنَة »«السورة 2/189».
جاء في كتاب السلام العالمي والإسلام للسيد قطب:

(1) البقرة 191.
(2) البقرة 217.
الذنوب الكبيرة - 2 360


هنا نتبين تلك الحرب الوحيدة التي يقرها الاسلام (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) فماذا هى كلمة ألله التي يقاتل من يقاتل في سبيلها فيكون في سبيل الله؟
ان كلمة الله هي التعبير عن إرادته، وإرادته الظاهرة لنا نحن البشر هي تلك التي تتفق مع الناموس الذي وضعه للكون والحياة والناس وقد مر بنا أن التناسق في طبيعة الكون والتعاون في حياة البشر هما القانون الذي يريده الله للحياة، التناسق الذي يمنع الفساد والإضطراب، ويسمح للحياة بالرقي الدائم والإرتفاع الذي يحقق الخير العام للبشرية في جميع الأعصار « وتَعاوَنُوا على البِرِّ والتَقوى ولا تَعاوَنُوا على الإثْمِ والعُدْوانِ » (1).
ولقد جاء الاسلام الى هذه الإنسانية كلها، فمن تحقيق كلمة الله ان يصل هذا الخير الذي جاء الإسلام به الى الناس جميعا ، وألا يحول بينهم وبينه حائل ، فمن وقف في طريق هذا الخير أن يصل الناس كافة وحال بينهم وبينه بالقوة فهو اذن معتد على كلمة الله ، وإزالته من طريق الدعوة هي إذن تحقيق لكلمة الله لا لفرض الإسلام فرضا على الناس ولكن لمنحهم حرية المعرفة وخبرة الهداية، فالإسلام لا يكره أحدا على اعتناقه ولكنه يكره الذي يقفون بالقوة في طريقه ويفتنون الناس عنه « وقاتِلُوهُم حتى لا تَكونَ فِتْنَةٌ ويَكونَ الدينُ كُلُهُ لِلهِ » (2) وهذه حرب من الحروب التى يقرها الإسلام ويحرض عليها تحريضا ويدعو رسوله ان يحرض عليها المؤمنين ويحب الذين يخضونها ويعدهم أعلى درجات الرضوان...
ولقد جاء الاسلام ليحقق العدالة في الأرض قاطبة ويقيم القسط بين البشر عامة . العدالة بكل أنواعها: العدالة الإجتماعية، و العدالة القانونية، والعدالة الدولية ، فمن بغى وظلم وجانب العدل فقد خالف عن كلمة الله، وعلى المسلمين ان يقاتلوا لإعلاء

(1) المائدة 3.
(2) الأنفال39 .
الذنوب الكبيرة - 2 361


كلمة الله ...
قال تعالى في سورة البروج « إنَّ الذينَ فَتَنُوا المُؤمِنينَ والمُؤمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبوا فَلَهُم عَذابُ جَهَنَّم » (1).
وقال الرسول الأكرم «صلى الله عليه واله»:
(كفر بالله العظيم من هذه الأُمة عشرة ، الى أن قال «صلى الله عليه واله» والساعي في الفتنة ) «وسائل الشيعة /الجهاد».

معنى الفتنة :


رغم ان أهل اللغة ذكروا للفتنة حسب موارد إستعمالها عشرة معاني إلا أن المراد بالفتنة هنا هو معناها العرفي الذي يتبادر من إطلاقها وهو إحداث الشغب وسلب أمن وإستقرار وحرية الآخرين فردا أو جماعة ، وإيجاد الفرقة بين نفرين او أكثر ، وخلق الإثنينية مع الآخرين ووضع الناس في حالة العذاب والشقاء.

الفتنة في الأمور الدينية:

والفتنة في الدين على أقسام فأحيانا يسعى الشخص في إظلال الناس ، ولا يدعهم يقبلون الدين الحق من خلال شبهات وشكوك يطرحها بقلمه او لسانه ، واحيانا يمنع الآخرين من قبول الدين من خلال إيذائهم وتعذيبهم كما في معاملة مشركي مكة مع شيعة الإمام امير المؤمنين «عليه السلام».

بنو أُمية أسوأ فتنة:

يقول امير المؤمنين «عيه السلام» ضمن خطبة له في نهج البلاغة : (ألا وأن أخوف الفتن عندى فتنة بني أُمية فإنها فتنة عمياء مظلمة عمت خطتها، وخصت بليتها، وأصحاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها) «نهج البلاغة ـ الخطبة».

(1) البروج 10.
الذنوب الكبيرة - 2 362


ان في كل قرن بشهادة التاريخ من صدر الاسلام والى زماننا هذا ـ وهو القرن العشرون ـ تظهر في العالم الإسلامى فتنة ، وبالطبع فان وجودها إنما هو لأجل امتحان الناس وظهور الصادق من الكاذب من مدعي الإسلام، وتمييز الخبيث من الطيب، ومعرفة السعداء من الأشقياء وقد جاء في القرآن المجيد الإشارة الى هذا الموضوع في أكثر من موضع، من ذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت:
« أَحَسِبَ الناسُ أن يُتْرَكُوا أن يَقولوا آمَنّا وَهُم لا يُفَْتنُون » (1)وان اشد الفتن في القرن الأخير هي فتنة الشيوعية، وفتنة أتباع الرأسمالية والمادية والوجودية التي انهمر سيلها في اوربا وامريكا باتجاه الشعوب الإسلامية، فاقتلعت أُسس العقيدة بالمبدأ والمعاد من القلوب ووضعت محلها بذور المادية والشهوانية والذاتية وحب الدنيا، واصبح المسلمون في هذا المقطع الزمني مصداقا حقيقيا للآية الشريفة « فَخَلَفَ مِنْ بَعدِهِم خَلَفٌ أضَاعوا الصَلاةَ وإتَّبَعوا الشَهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غيّا » (1).
وبالجملة فقد سلبوا الجوانب الإنسانية والمعنوية من المجتمع البشري ، ومنعوهم عن ذكر الله والآخرة، وشغلوهم بانواع الشهوات والفسق والفجور بحيث لم يبق من الإسلام إلا إسمه كما جاء في الخبر عن رسول الله.
ومن خلال النظر في حال مجتمعنا المعاصر يعلم ان صفات الكمال الإنساني قد سلبت منه، ووضعت محلها الرذائل الحيوانية والشيطانية.
مثال ذلك سلب منهم الحياء ـ الذي هو من الصفات الإنسانية العالية ، والذي يصد عن آلاف المفاسد، ويؤمن العفاف العام ـ وحل محله الإستهتار والتحلل وهكذا فقدت رعاية الحقوق وبالأخص حقوق الوالدين التي هي من لوازم المجتمع البشري والتي اهتمت بها الديانات، فقد زال هذا الامر وحل محله تضييع الحقوق ، وكفران النعمة ، وعدم تقدير الإحسان والخدمة من الآخرين.

(1) العنكبوت 2.
(2) مريم 59.

السابق السابق الفهرس التالي التالي