الذنوب الكبيرة - 2 306


وقال تعالى في سورة البقرة/263 : « قّولٌ مَعْرُوفٌ ومَغْفِرَةٌ خَيرٌ مِنْ صَدَقَة ٍيَتْبَعُها أذى » (1).
وروي (لا يدخل الجنة منّان بأفعال الخير إذا عمله ) «لآليء الأخبار /277» وفي حديث آخر ان الجنة حرام عليه .
(المنّان على الفقراء ملعون في الدنيا والآخرة ، والمنان على أبويه واخوانه بعيد من الرحمة ، من الملائكة ، قريب من النار، لا يستجاب له دعوة ولا يقضى له حاجته ولا ينظر الله اليه في الدنيا والآخرة).

الذنوب الكبيرة - 2 307


4
المكر وألخديعة

الرابع من الكبائر التي ورد الوعيد عليها بالنار (المكر والغدر والخديعة )، كما جاء في الروايات المستفيضة الوعيد بالنار على كل واحد من هذه الثلاث، من جملتها ما جاء في اصول الكافي في كتاب الإيمان والكفر باب المكر والغدر والخديعة حيث نقل ستة أحاديث نذكر منها اثنين كنموذج.
عن امير المؤمنين «عليه السلام»:
(لولا ان المكر والخديعة في النار لكنت أمكر الناس).
قال «عليه السلام »:
( ألا وان الغدر والفجور والخيانة في النار).
وجاء في وسائل الشيعة عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال:
(من كان مسلما فلا يمكر ولا يخدع، فاني سمعت جبرئيل يقول: ان المكر والخديعة في النار، ثم قال «صلى الله عليه واله» ليس منا من غش مسلما وليس منا من خان مسلما) وقريب من هذا المضمون عدة احاديث أُخرى ، كما نقل في المستدرك

الذنوب الكبيرة - 2 308


روايات بهذا المضمون ايضا من جملتها ان الناس اجمعوا عليه فقالوا له (أكتب يا امير المؤمنين إلى من خالفك بولايته ثم اعزله) فقال «عليه السلام»: (المكر والخديعة والغدر في النار) «المستدرك».

معنى المكر والغدر والخدعة:

الغدر بمعنى نقض العهد ، وقد ذكر مفصلا في الباب الأول في الذنب الحادى والعشرين، أما المكر والخدعة فكلاهما بمعنى قصد السوء للغير من طريق لا يعلمه ، مثل ان يكون ظاهره الإحسان اليه إلا ان باطنه الإساءة اليه، او ان يكون ظاهره المحبة والتوافق معه ولكنه في الباطن عداء ومخالفة، أو أن يفهمه ظاهرا أن لا غرض له معه ولكنه في الباطن ينصب له كمينا ليقع فيه، وخلاصة المكر والخدعة ان يكون له وجهان ولسانان وظاهر جميل وباطن قبيح ، والمكر والخدعة على قسمين :
الأول: المكر والخدعة مع الله والرسول والإمام.
الثاني: المكر والخدعة مع الناس.

مخادعة الله:

إن أسوأ مراتب المخادعة مع الله مخادعة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، كما يقول تعالى في سورة البقرة « يُخادِعُونَ اللهَ والَذينَ آمَنُوا وما يَخْدَعُونَ إلا أنْفُسَهُم وَما يَشْعُرُون » (1).
ولو قيل: ان الخدعة انما هي في مورد يكون المخدوع غافلا وجاهلا بالخدعة ، فكيف تكون الخدعة مع الله؟
الجواب : ان هؤلاء حيث يخادعون الرسول «صلى الله عليه واله» والمؤمنين فهم في حكم من يخادع الله، او بمعنى ان هؤلاء المنافقين يتعاملون مع الله تعاملا مخادعا حين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان.

(1) البقرة 9.
الذنوب الكبيرة - 2 309


ومعنى انهم يخدعون أنفسهم هو انه لا يصل بخدعتهم ضرر الى الرسول «صلى الله عليه واله» والى المؤمنين ، انما الضرر يعود عليهم، حيث يحرمون من كل خير وسعادة ، ويبتلون في الدنيا بالخزي والإفتضاح، وفي الآخرة بالعذاب الإلهي.
ومن جملة موارد الخداع مع الله الرياء في العبادة على تفصيل تقدم في آخر بحث الشرك.

إدعاء المقامات الدينية:

من جملة مراتب الخدعة مع الله إدعاء بعض المقامات الدينية العالية في حين انه فاقد لها بالحقيقة . مثل مقام الصبر والشكر والتوكل والمحبة والرضا والتسليم والإخلاص، فيدعى ان معبوده الله واحد لاغير ويقول « إياك نَعْبُد » في حين انه يعبد الشطان ، او يقول« الله اكبر» في حين انه يعطي للمال والجاه والشؤون الدنيوية اهتماما كبيرا ، وهي متجذرة في قلبه ، حيث لو قيل له اترك الذنب الفلاني قربة الى الله لم يترك ، ولكن اذا علم بان فيه ضررا في ماله او كرامته او سائر شؤونه الدنيوية تركه.يقول الإمام الصادق «عليه السلام»:
(اذا كبّرت ـ في الصلاة ـ فاستصغر ما بين السماوات العلى والثرى دون كبريائه فان الله تعالى اذا إطلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره قال يا كاذب أتخدعني ؟ وعزتي وجلالي لأحرمنك حلاوة ذكري...) «المستدرك ـ الصلاة ـ باب 2».

مخادعة أئمة الدين:

مخادعة أئمة الدين مثل ان يخاطبهم فيقول (موالٍ لكم ولأوليائكم) والحال انه لاعلاقة له بمحبيهم ولا يلاحظ نسبتهم لأهل البيت «عليهم السلام» ، او يقول (التارك للخلاف عليكم) والحال انه خالفهم ويخالفهم آلاف المرات ، ونظير ذلك كما أشير اليه في بحث الكذب.

الذنوب الكبيرة - 2 310


مخادعة عباد الله:

انواع التحايل، والخداع، والتضليل المتداول بين الغافلين عن الآخرة هو من هذا القبيل ـ اي مخادعة عباد الله ـ وجميع ذلك ذنب كبير وحرام ، وكلما كانت مفسدته اكبر كانت حرمته وعقوبته اشد.
يقول تعالى في سورة فاطر : « ولا يَحيقُ المَكْرُ السَيُء إلا بأهْلِهِ » (1) ذلك ان كل مكر هو سبب في ذلة الماكر وتسافله، وبالعكس سبب في عزة المخدوع وارتفاع درجته اما في الآخرة فقط حيث يتسافل الماكر في قعر جهنم ، ويرتفع المخدوع بسبب الظلم الذي أصابه في درجات الجنة ، واما في الدنيا والآخرة معا كما نجد ان المخادع غالبا يفتضح في الدنيا ويصيبه ضرر مكره وخداعه، والمسألة بدرجة كبيرة من الوضوح حتى كتب في (منهج الصادقين) ان هذا المعنى ذهب مثلا عند العرب فقيل ( من حفر بئرا لأخيه وقع فيها) وعند العجم (لا تعمل سوءا فتراه ، ولا تحفر بئرا فتقع فيها) وقيل ايضا (من حفر بئرا لآخر، وقع فيه أولا ثم الآخر) (2).

(1) فاطر 43.
(2) جاء في تفسير (منهج الصادقين):
يذكر في كتب التواريخ ان شخصين حصلا على فضة كثيرة ، وخوفا من السارق إتفقا على إخفائها في بطن شجرة جوفاء ، ولكن احد هذين الشخصين جاء في الليل وسرق جميع الفضة . وفي اليوم التالي حين جاء الشخصان معا ليأخذا الفضة ، لم يعثروا عليها، فأخذ الشخص الذي سرقها بالأمس بتلابيب الشخص الثاني قائلا : اننا حين اخفينا الفضة لم يكن يطلع على ذلك احد سواك، اذن فانت السارق لها يقينا، وكلما حلف ذلك الشخص على نفي سرقته لها كلما أصر الأول على دعواه حتى وصل امرهما الى الحاكم، فطلب الحاكم من المدعي ـ وهو الشخص السارق ـ ان يحضر شاهدا على دعواه فقال له المدعي: ان الشجرة نفسها تشهد على أن الشخص ألآخر هو الذي سرق الفضة وفي السر طلب من أخيه أن يذهب ليلا ويستقر في جوف تلك الشجرة ويشهد في الصباح اذا طلب الحاكم من الشجرة ان تشهد بان الشخص الثاني ـ المتهم ـ، هو الذي سرق الفضة ، وهكذا كان ففي الصباح حين ذهب الحاكم مع جماعة من الناس الى تلك الشجرة قال الحاكم: أيتها الشجرة ، بالله الذي خلقك من الذي سرق من جوفك الفضة؟
فأجاب اخو السارق من جوفها : فلان ـ وذكر المتهم ـ هو الذي سرق الفضة!! فرأى الحاكم بذكائه ان يحرق تلك الشجرة لكي لا تكون سببا في الفساد من حيث أنها شجرة تنطق على خلاف ماهو المعتاد في الأشجار وبالتالي امر بإحراقها، ولكن ذلك الشخص المستقر في جوفها لم يتكلم خوفا حتى وصلت النار اليه، فعلا صراخه أخيرا وعرف =
الذنوب الكبيرة - 2 311


ذو الوجهين واللسانين مخادع أيضا:

عن الإمام الصادق «عليه السلام» انه قال: ( من لقي المسلمين بوجهين ولسانين جاء يوم القيامة وله لسانان من نار) «الكافي».
وعن الإمام الباقر «عليه السلام».
(بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطري أخاه ظاهرا، ويأكله غائبا ، ان أعطي حسده، وان أبتلي خذله) «الكافي».
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(يجئ يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه وآخر من قدامه يلتهبان نارا حتى يلهبا جسده ثم يقال هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين يعرف بذلك يوم القيامة ).
وقال «صلى الله عليه واله»:
(من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار) «الوسائل ـ الحج».

= الناس بالخبر فأخرجوه وهو نصف ميت فأخذ الحاكم المال واعطاه لصاحبه ثم عزر ذلك الشخص الماكر.
وينقل المحدث الجزائري في كتاب (زهر الربيع) انه كان شخص في أصفهان أراد أن يضرب زوجته ، فضربها بالعصى لعدة مرات، فماتت صدفة من دون أن يقصد هو قتلها بل كان غرضه تأديبها، بعد ذلك خاف من عشيرتها ولم يجد حيلة للخلاص من شرهم، فخرج من منزله وقص القصة على احد معارفه ، فقال له ذلك الشخص ان طريق الخلاص هو ان تعثر على شخص جميل الصورة وتدعوه لبيتك بعنوان الضيافة ، ثم اقطع رأسه وضع جسده في جنب جنازة المرأة، وقل لعشيرتها انني وجدت هذا الشاب يزني معها فلم اتحمل وقتلتهما معا.
وحين سمع الحيلة منه جلس على باب داره حتى جاء شاب وسيم فأصر عليه بان يدخل المنزل فدخل المنزل فقتله ، ولما جاء أقرباء الزوجة وشاهدوا الجنازتين ، وقص عليهم القصة ذهبوا راضين.
وكان لذلك الشخص ـ صاحب الحيلة ـ ولد، ولم يرجع الى منزله ذلك اليوم ، فاضطرب الأب الحيال ـ وذهب الى بيت ذلك الزوج وسأله عن الحيلة التي علمها إياه هل نفذها؟ فقال : نعم، فقال له : ارني ذلك الشاب الذي قتلته ؟ فلما رآه وجده ابنه وقد قتل بسبب حيلة أبيه، فكان ذلك مصداقا للقول المعروف «من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيها».
ومثل هذه القصة في كتاب التواريخ قصص كثيرة . وقد نقل في كتاب (المحجة البيضاء) قصة تناسب بحث الحسد والمكر ، وسوف نذكرها في بحث الحسد ـ (ان شاء الله تعالى).
الذنوب الكبيرة - 2 312


من هو ذو الوجهين وذو اللسانين؟

1 ـ ذو اللسانين هو صاحب الكلمات المتضادة والمتناقضة والذي يتحدث بأحاديث من أجل تحصيل المنفعة الدنيوية ومن دون ضرورة لذلك ، مثلا يعترف بشيء ثم ينكره بعد ذلك ، او يشهد على شيء ثم يظهر خلافه بعد ذلك ، او يمدح أحدا حال حضوره ولكنه عند غيابه يطعن به.
2 ـ وذو الوجهين وذو اللسانين هو صاحب العلاقة بين عدوين يتكلم مع كل واحد منهما بلسان يوافقه وهذا هو عين النفاق.
3 ـ اذا كان بين شخصين عداوة وكل يتناول صاحبه في حال غيابه بكلام شديد، فمن ينقل كلام كل واحد الى الآخر هو شخص ذو لسانين ، وهذا العمل أسوأ من النميمة، اذ ان النميمة هي نقل كلام الشخص لمن يعود عليه ذلك الكلام، اما اذا نقل كلام الطرف الآخر فانه يصبح ذا لسانين.
4 ـ ومن يلتقي بكل واحد من هذين المتخاصمين ويمدحه ويفضله على صاحبه، فهذا ايضا ذو لسانين.
5 ـ من يمد كلا هذين المتخاصمين بالعون والمساعدة على الآخر، فهذا ايضا ذو لسانين.
والخلاصة ان الشخص في جميع هذه الموراد يقال له ذو لسانين وذو وجهين .
ولا يفوتنا القول ان الصداقة وإظهار المحبة مع كلا الشخصين المتنازعين من دون نقل كلام أحدهما للآخر، ولا تفضيله ، ولا وعده بالمساعدة على صاحبه ، فلا مانع منه ، وليس هو ذا لسانين.

الغش أيضا مخادعة مع الناس:

من أقسام خداع الناس الغش في المعاملة ، وذلك بخلط الجنس الذي يبيعه او أي شئ آخر بحيث يخفي ذلك، مثل خلط الحليب بالماء او خلط الجيد والردئ من

الذنوب الكبيرة - 2 313


الجنس الواحد ويبيعه على اعتبار انه من النوع الجيد (1).
عن الإمام الباقر «عليه السلام» أنه قال:
(مر النبي«صلى الله عليه واله» في سوق المدينة بطعام فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلا طيبا وسأله عن سعره ، فاوحى الله عز وجل اليه ان يدس يده في الطعام ففعل فأخرج طعاما رديئا ، فقال لصاحبه: ما أراك إلا وقد جمعت خيانة وغشا للمسلمين)«الوسائل ـ التجارة /باب 86».
وأيضا عنه «صلى الله عليه واله»:
(من غش مسلما في شراء او بيع فليس منّا، ويحشر يوم القيامة مع اليهود لأنهم أغش الخلق للمسلمين) «الوسائل».
وقال «صلى الله عليه واله» :
(من بات وفي قلبه غش لأخيه المسلم بات في سخط الله، واصبح كذلك وهو في سخط الله حتى يتوب ويرجع ـ أو يراجع ـ وان مات كذلك مات على غير دين الإسلام .ثم قال«صلى الله عليه واله» ألا ومن غشنا فليس منا ـ قالها ثلاث مرات ـ ومن غش أخاه المسلم نزع الله بر كة رزقه وأفسد عليه معيشته ، ووكله الى نفسه) «الوسائل».
وروي عن الإمام الصادق «عليه السلام»:
(دخل عليه رجل يبيع الدقيق، فقال :اياك والغش فانه من غَشَّ غُشَّ في ماله فان لم يكن له مال غش في أهله) «الوسائل».
والروايات الواردة في المقام عديدة، وقد عرضنا بعضها ضمن بحث التطفيف.

(1) على ان الغش حرام إلا أن المعاملة صحيحة في بعض الصور، ولأجل توضيح تلك المسائل راجع الرسائل العملية.
الذنوب الكبيرة - 2 314


البيع بغلاء مخادعة أيضا:

ومثل الغش في المعاملة الغبن، وهو خداع المشتري في الثمن، بمعنى بيع الجنس بثمن أغلى من ثمنه الواقعي لمن لا يعرف ذلك.
عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال:
(غبن المترسل سحت) وقد ذكرنا معنى السحت في الذنب رقم«25».
وقال «عليه السلام» (غبن المؤمن حرام) وفي رواية أخرى ( لا تغبنوا المسترسل فان غبنه لا يحل) «وسائل الشيعة ـ التجارة».

الذنوب الكبيرة - 2 315


5
الإحتكار

الإحتكار هو جمع قوت الناس وحفظه، مثل الحنطة والشعير ، والرز، والدهن بهدف غلاء أسعارها.
والإحتكار ذنب كبير محرم فيما إذا كان ذلك الطعام مورداً لحاجة الناس ، ولا يوجد من يوفره لهم ويرفع حاجتهم غيره ، وقد جاء الوعيد عليه بالنار.
ويقول الرسول الأكرم «صلى الله عليه واله» عن جبرئيل «عليه السلام» أنه قال:
(إطلعت في النار فرأيت وادياً في جهنم يغلي ، فقلت : يا مالك لمن هذا ؟ فقال لثلاثة: المحتكرين ، والمدمنين الخمر، والقوادين) «الوسائل ـ التجارة 27».
وقال «صلى الله عليه واله» أيضا : (لا يحتكر الطعام إلا خاطيء ) «الوسائل».
وقال «صلى الله عليه واله»:
(أيما رجل إشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه

الذنوب الكبيرة - 2 316


فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع )«الوسائل».
وجاء في عدة روايات ان المحتكر ملعون:
وقال«صلى الله عليه واله» (طرق طائفة من بني اسرائيل ليلا عذاب واصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف: الطبالين والمغنين والمحتكرين للطعام والصيارفة..)«المستدرك».
وقال «صلى الله عليه واله» ( من احتكر فوق أربعين يوما وان الجنة توجد ريحها من مسيرة خمسائة عام وأنه لحرام عليه) «المستدرك».
وقال «صلى ألله عليه وآله» ( من حبس طعاما يتربص به الغلاء اربعين يوما فقدبريء من ألله وبرىء منه) «المستدرك».
ويجب ان يعلم ان كل من يحتكر طعاما في صورة عدم إحتياج الناس إليه، او وجود من يوفره ويبيعه لهم ويرفع حاجتهم ، او يحفظه لأجل مصرف عائلته لا لغرض ارتفاع الأسعار، ففي هذه الصور الثلاث لا يحرم الاحتكار، واما في غير هذه الصورة فهو ذنب كبير محر م ، ويجب على حاكم الشرع ان يفرض بيعه بالسعر الذي يرضيه واذا أراد ان يجحف في السعر أخذ الحاكم ماعنده بسعر عادل ، وباعه للمحتاجين.

الذنوب الكبيرة - 2 317ont>


ألحسد

السادس من الذنوب التي ورد الوعيد عليها بالعذاب في النصوص المعتبرة (الحسد) . والحسد هو ان لا يصبر على رؤية نعمة الغير، ويود ذهابها منه.
يقول المحقق الحلي في الشرائع: (الحسد معصية ، وكذا بغض المؤمن ، والتظاهر بذلك قادح في العدالة).
وذكر الشهيد الثاني في المسالك أنه ( لا خلاف في تحريم هذين الأمرين والتهديد عليهما في الأخبار مستفيض وهما من الكبائر فيقدحان في العدالة مطلقا، وإنما جعل التظاهر بهما قادحا لأنهما من الاعمال القلبية فلا يتحقق تأثيرهما في الشهادة إلا مع إظهارهما وان كانا محرمين بدون الإظهار) .

الحسد يأكل الإيمان:

ورد عن الإمام الباقر «عليه السلام» انه قال:

الذنوب الكبيرة - 2 318


(ان الرجل ليأتي بأي بادرة (1) فيكفر، وان الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب) « اصول الكافي ـ باب الحسد».
وروي عن الامام الصادق«عليه السلام»
(ان الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب) «أصول الكافي»
وعنه ايضا:
(آفة الدين الحسد والعجب والفخر) «أصول الكافي».
وعنه «عليه السلام» أيضا:
(ان المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط)«أصول الكافي».
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(قال الله عز وجل لموسى بن عمران«عليه السلام» يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك الى ذلك ولا تتبعه نفسك فان الحاسد ساخط لنعمي صاد لقسمي الذي قمست بين عبادي ومن يك كذلك فلست منه وليس مني) «أصول الكافي».
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» (أصول الكفر ثلاثة: الحرص والإستكبار والحسد) «الوسائل ـ الجهاد».

أساس الكفر

كون الحسد من أسس الكفر كما في هذه الرواية ومن أسس النفاق كما في الرواية السابقة واضح جدا، ذلك ان الحاسد ان كان لا يعرف ان النعمة التي لدى المحسود هي من عند الله فهو مشرك بالله كما تقدم تفصيل ذلك في باب الشرك ، وان كان يعلم انها من الله لكن لا يرى الله عادلا حكيما، فيغضب لفعل الله فهو كافر، وهل يوجد كفر أسوأ من المعاداة لله والحقد عليه ، وهل إظهار الإيمان في مثل هذا الحال إلا النفاق؟

(1) البادرة ما يبدر من الحدة في الغضب من قول اوفعل.
الذنوب الكبيرة - 2 319


وفي رواية قال رسول الله «صلى الله عليه واله» لأصحابه» :
(ألا أنه قد دب اليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد ، وليس بحالق الشعر لكنه حالق الدين ، وينجي فيه ان يكف الإنسان يده، ويخزن لسانه ، ولا يكون ذا غمز على أخيه المؤمن)« الوسائل ـ كتاب الجهاد /75».
وعن امير المؤمنين «عليه السلام»:
(ان الله عز وجل يعذب ستة بستة ، العرب بالعصبية ، والدهاقنة بالكبر ، والأمراء بالجور، والفقهاء بالحسد، والتجار بالخيانة ، وأهل الرستاق بالجهل) «خصال الصدوق«.
يقول الشهيد الثاني في (كشف الريبة): ( الحسد وهو أعظم الأدواء، وأكبر المعاصي وأشرها وافسدها للقلب، وهى اول خطيئة وقعت في الأرض لما حسد ابليس آدم فحمله على المعصية فكانت البلية من ذلك الى الأبد وقد امر الله نبيه «صلى الله عليه واله» بالإستعاذة من شره فقال «مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَد» بعد ان إستعاذ من الشيطان والساحر وأنزله منزلتهما . والأخبار النبوية فيه كثيرة لا تحصى.
والحق ان الشخص الحسود لا دنيا له ولا آخرة ، فهو في الدنيا دائما في هم وغم ، وذلك ان النعمة لا تزول من المحسود بحسد الحاسد بل ربما تزداد، كما انه يتحمل مشقة كبيرة، ويعيش حالة عدم الإرتياح من أجل إزالة النعمة من الطرف المحسود ولكنه في الغالب لا يصل الى هدفه.
واما بالنسبة للآخرة فلا شك ان حالة العبادة مع حضور القلب لا توجد عند الحسود، وهو غير موفق لبعض العبادات العظيمة كالإحسان والإحترام للمؤمنين ومضافا الى ذلك فهو إن كان له عمل صالح إنما يهبه للمحسود، ويزيد بذلك حسناته بينما يقلل حسنات نفسه ، فهل يوجد أسوأ من هذه الحال؟

إظهار الحسد:

ذهب مشهور الفقهاء الى ان الحسد من كبائر الذنوب ، والأعضاء كاللسان واليد

الذنوب الكبيرة - 2 320


هى طرق لإظهاره واثباته كما سبق، إلا ان بعض العلماء ذهب الى ان الحسد طالما كان غير ظاهر فهو ليس بحرام انما الحرام هواظهاره وإنعكاسه على الأعضاء ، وذلك اولا: ان الحسد القلبي امر غير اختياري، فهو نتيجة للخبث الذاتي ، اوالعداء السابق لشخص ، فحين يراه في رفاه ونعمة يستاء من ذلك قهرا وبلا اختيار، ويود لو تزول عنه، ولا تكليف في امر غير اختياري، وثانيا: ورد التصريح في عدة روايات انه لا مؤاخذة على الحسد القلبي ما لم يظهر، من جملتها حديث الرفع عن رسول الله «صلى الله عليه واله» (رفع عن أمتي تسع خصال: الخطأ والنسيان ـ الى ان قال ـ والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد) «أصول الكافي».

الحسد إختيارى:

والجواب على هذا الرأي ان ما يمكن القول عنه بأنه غير اختياري هو الخواطر القلبية ، والإستياء عند سماع خبر بأن فلانا ـ ممن كان له معه عداء سابق ـ صار غنيا ، فيود ان تزول عنه، اما الإستمرار في هذا الوضع النفسي، وإشغال القلب بمثل هذه الخواطر الرديئة فهو امر اختياري ومن الذنوب القلبية وذلك لانه يستطيع ان يكف قلبه بطرق علمية وعملية عن مثل هذا الذنب.

الطريق العلمي والعملي لدفع الحسد:

اما الطريق العلمي فهو التأمل والتفكر في مفاسد الحسد التي تقدم ذكرها، والتفكر في سوء الدنيا وفنائها حتى تنقطع من قلبه شجرة حب الدنيا والتي هي رأس كل خطيئة، وأما الطريق العملي فهو ان لا يتبع تلك الخواطر ولا يسير بمقتضاها ، وذلك ان أية خاطرة لا يتبعها الإنسان عمليا سوف تزول ذاتيا كما ورد في رواية مفادها (ان الوسوسة مثلها مثل الكلب يهجم فكلما اعتنيت به كلما اشتد عناده وكلما اهملته ابتعد).

الذنوب الكبيرة - 2 321


توجيه حديث الرفع:

ظاهر ادلة الحسد التي تقدم ذكر بعضها حرمة الحسد القلبي وهو ان يرغب الحسود في زوال النعمة عن صاحبها ، اما إذا انعكس ذلك الحسد القلبي على اليد وللسان كما هو في الشتم ، والغيبة ، والايذاء، فان كل واحد من هذه الامور هو ذنب مستقل، وبناءا على ذلك يجب ان يحمل حديث الرفع على بعض مراتب الحسد لكي لا ينافي تلك الادلة.
وتوضيح تلك المرتبة ان الحاسد اذا اغتاظ من حالة الحسد القلبي التي تحدث عنده عندما يرى النعمة لدى غيره بحيث يود زوالها ، فهذه المرتبة من الحسد والتي هى مجرد الخطور معفوعنها ولاعقاب فيها، اما من لا يتاذى من حدوث مثل هذه الحالة عنده، بل يحتفظ بها في قلبه ويستمر عليها فهو عاص وغير ممتثل للتكليف الشرعي حتى وان لم تنعكس تلك الحالة على جوارحه، وذلك لأنه قد تابع تلك الخاطرة السيئة ،هذا مضافا ما الى ما ورد في حديث آخر (واذا حسدت فلا تبغ) «خصال الصدوق».
وقد عرفت من هذا ان لك في اعدائك ثلاثة أحوال:
احدها ان تحب مسائتهم بطبعك وتكره حبك لذلك وميل قلبك اليه بعقلك وتمقت نفسك عليه ، وتود لو كانت لك حيلة في ازالة ذلك الميل منك وهذا معفو عنه قطعا لا يدخل تحت الإختيار اكثر منه.
الثانية : ان تحب ذلك وتظهر الفرحة بمساءته اما بلسانك او بجوارحك ، فهذا هو الحسد المحظور قطعا.
الثالثة: وهي بين الطرفين ان تحسد بالقلب من غير مقتك لنفسك على حسدك ، ومن غير إنكار منك على قلبك ، ولكن تحفظ جوارحك عن طاعة الحسد في مقتضاها، وهذا محل الخلاف وقيل : انه لا يخلو من إثم بقدر قوة ذلك الحب وضعفه «مرآة العقول ـ باب الحسد».

الذنوب الكبيرة - 2 322


لا ينافي ذلك سائر الروايات:

قد يقال: ان هناك روايات وردت في ان المؤمن لا تسجل عليه النية السيئة حتى يرتكبها وبمقتضى ذلك فالحسد ما لم يؤد الى ارتكاب محرم لا يعتبر معصية.
الجواب : ان هذه الروايات ناظرة الى الذنوب التي تصدر من الأعضاء والجوارح بطبعها، فمثل هذه الذنوب طالما لم تصدر فانها لا تعتبر معصية بمجرد النية، اما الذنوب التي موضعها القلب مثل الرياء ، والعجب ، بغض المؤمن، الحسد ، وامثال ذلك من الذنوب القلبية فهي خارجة عن مورد روايات العفو المشار اليها.
ويعلم مما ذكر انه متى ما وجد الإنسان في قلبه رغبة في زوال نعمة عن مسلم وجب عليه ان يمقت هذا الحال ويكره ما في قلبه، ولو استمر على هذا الحال فليعرف انه متورط في معصية كبيرة، ويجب عليه الندم في كل لحظة ويتوب من ذنبه .

الغبطة ليست حراما:

معنى الحسد ان يغضب من حصول النعمة عند احد ويتمنى زوالها كما تقدم، والغبطة معناها ان يرجو حصول مثل تلك النعمة له ايضا كما حصلت لذلك الغير من دون ان يسوءه وصولها للغير، ومن دون ان يرغب في زوالها منه.
والخلاصة ان الغبطة هي تمني حصول النعمة عنده كما حصلت عند الغير، والحسد هو تمنى زوال النعمة من الغير.
ويمكن القول ـ كما ذكر العلامة المجلسي في مرآة العقول ـ ان الغبطة ـ لها خمسة أحكام بحسب مواردها، فهي احيانا تكون واجبة وتلك هي الغبطة على الواجبات مثل لو أدى صديقه الحج الواجب وتسامح هو في أدائه فيجب عليه ان يتمنى لو كان مثل صديقه قد أدى الواجب، اذ لو لم يتمن ذلك كان معناه انه راض بترك الواجب وهذا في نفسه حرام بدليل وجوب التوبة والندم على ترك وفعل الحرام.
والغبطة في المستحبات مستحبة، مثل ان يغبط صديقه على ان وفق للزيارة او لمستحب آخر.

السابق السابق الفهرس التالي التالي