الذنوب الكبيرة - 2 290




الذنوب الكبيرة - 2 291


3
هتك حرمة ألمؤمن

(هتك حرمة المؤمن بالسخرية، والشتم ، والطعن، والإذلال ، والإهانة ، والتوبيخ، والهجاء والإيذاء).
الثالث من الذنوب الكبيرة التي اوعد الله عليها بالعذاب (هتك حرمة المؤمن).
باي نحو كان، سواء بالسخري ، او الشتم ، او سوء القول ، او التعيير او الاذلال والإحتقار، او الإستخفاف والإهانة ، او الهجو.

المؤمن عزيز:

مما جاء من الآيات والروايات في منزلة المؤمن يعرف ان الشارع اهتم بنحو بالغ بشأن المؤمن وشرفه، حتى كانت حرمته أعلى من كل الحرمات، وهتك حرمته من كبائر الذنوب وبمنزلة سفك دمه ، حتى ان الله تعالى ربط المؤمن بنفسه في قوله « اللهُ وليّ الذينَ ~آمنوا »«السورة 2 ـ 157» وكان الله ناصره وعونه كما في قوله « ذلك بأنَّ اللهَ

الذنوب الكبيرة - 2 292


مولى الذين آمنوا » (1)وأوجب على نفسه نصرة المؤمن « وكانَ حقاً عَليَنا نَصْرُ المؤمنينَ » «السورة30 ـ47» وأردف عزته بعزة الله ورسوله « وللِه العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلمُؤمِنينَ » «السورة 63 ـ8».
وجعله أفضل أفراد البشر « إن الذينَ آمَنُوا وعَمِلَوا الصالِحاتِ أولئِكَ هُم خَيرُ البَريَّة » «السورة 98 ـ 7».
وامر اشرف مخلوقاته وهو خاتم الانبياء «صلى الله عليه واله» بالتواضع للمؤمنين وذلك في قوله تعالى « واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنْ إتَّبَعَكَ مِنْ المُؤمِنينَ » «السورة 26 ـ 215».
واوجب على نفسه الرحمة بهم « كَتَبَ رَبُّكُم على نَفْسِهِ الرَحْمَة » السورة 6 ـ 54»، بَل إشْتَرى مِنْهُم أمْوالَهُم وأنْفُسَهُم « إنَّ اللهَ إشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وأمْوالَهُم »«السورة 9ـ الآية 111»، وبين حبه لهم وحبهم له « يُحِبَّهُم ويُحِبُّونَه » (2) « والذينَ آمَنُوا أشَدُّ حُباً للهِ » (3).
وبالجملة فان انتساب المؤمن وارتباطه بالله ظاهر، وبديهي ان هتك حرمة من يرتبط بعظيم هو هتك لحرمة ذلك العظيم في الحقيقة كما في الحديث النبوي الشريف: (ان الله خلق المؤمن من عظمة جلاله وقدرته فمن طعن عليه او ردَّ عليه قوله فقد رد على الله) «الوسائل».
وعن الامام الكاظم «عليه السلام»: قوله (ما اعظم حقك يا كعبة! والله ان حق المؤمن لأعظم من حقك) «سفينة البحار».
ومن هنا يعلم كم هو ذنب عظيم هتك حرمة المؤمن، ولأجل إطلاع القراء الاعزاء وتأكيد ما تقدم نذكر بعض الآيات والروايات بخصوص كل واحد من العناوين

(1) محمد 11.
(2) المائدة 54.
(3) البقرة 165.
الذنوب الكبيرة - 2 293


المذكورة.
1 ـ الإستهزاء والسخرية:


وهو بيان الغير او عمله او وصفه او خلقته بنحو يضحك الآخرين، سواءا كان ذلك بالقول او بالعمل بالإيحاء والاشارة او الكناية . ولا شبهة في ان ذلك من الكبائر ، حيث جاء الوعيد عليه بالعذاب في القرآن المجيد والروايات المستفيضة.
ويقول تعالى في سورة التوبة « الذينَ يَلمِزونَ المُطِّوِعِينَ مِنَ المُؤمِنينَ في الصَدَقاتِ والذينَ لا يَجِدونَ إلا جُهْدَهُم فَيَسْخَرُونَ مِنْهُم سَخِرَ اللهُ مِنْهُم ولَهُم عَذابٌ أليم ». ووردت في شأن نزول هذه الآية عدة روايات خلاصتها ان رسول الله «صلى الله عليه واله» في غزوة تبوك امر بأن ينفق المسلمون مما عندهم لتغطية نفقات جيش الاسلام، فأعطى بعض الاغنياء مالا كثيرا واعطى بعض الفقراء مالا قليلا، وجاء ابو عقيل الانصاري بنصف صاع من التمر وقال: عملت ليلة أمس حتى الصباح فكان حاصلي صاعا من التمر اعطيت نصفه لعيالي وانفقت النصف الآخر في سبيل الله. وسخر المنافقون بكلا القبيلين، واعابوا كلا الفريقين الاغنياء والفقراء ، اما أولئك الذين تصدقوا بمال كثير فقالوا عنهم انهم يريدون ان يضعوا انفسهم في عداد المنفقين، او يريدون ان ينبهوا الناس لحالهم فيتصدقوا عليهم.
وجزاء هؤلاء المستهزئين بالمؤمنين أمران:
احدهما ان يسخر الله منهم والآخر العذاب الاليم.
وفي بيان المراد من السخرية الإلهية ذكروا عدة وجوه منها:
ان الله تعالى يمهل هؤلاء المستهزئين في الدنيا ويجعلهم في نعمة ورفاه، وحين يصلون الى غاية الطغيان يهلكم فجأة، والسخرية في هذا الأمر ناشئة من ان المهلة والرفاه ظاهرة ولكنه في الحقيقة استدراج وهلكة، واما في الآخرة فالسخرية بالشكل التالي: ان يجلس المؤمنون على الأسِّرة في الجنة بينما يلبث الكافرون في النار، وحينئذ يفتح ـ بامر الله ـ باب من ابواب النار الى جهة الجنة ، وحين يرى المنافقون

الذنوب الكبيرة - 2 294


الجنة يسرعون اليها، فيصلون بعد عناء الى باب الجنة ويراهم اهل الجنات وهم في مقاماتهم العالية، وحين يريدون دخول الجنة تغلق ابوابها فورا فيسخر منهم المؤمنون، وذلك هو جزاء سخريتهم من المؤمنين في الدنيا.

اليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون:

قال تعالى في سورة المطففين « إنَّ الذينَ أجْرَمُوا كانُوا مِنَ الذينَ آمَنوا يَضْحَكُونْ وإذا مَروا بِهِم يَتَغامَزون » (1) « فاليومَ الذينَ آمَنوا مِنَ الكُفّارِ يَضحَكُون » (2) وفي هذه الآيات عد المستهزىء بالمؤمنين مذنبا ومجرما، بمعنى انه ملوث بالمعصية، منجر الى الكفر، مقطوع عن الحق والخير ومكانه في الآخرة في مقابل المؤمنين، ومن الواضح ان مقابل الجنة هو النار.

لعل اولئك افضل:

قال تعالى في سورة الحجرات « يا أيُّها الَذينَ آمَنوا لا يَسْخَر قَومٌ مِنْ قَومٍ عَسى أنْ يَكونوا خَيراً مِنْهُم ، ولا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أنْ يَكُنَّ خيراً مِنْهُنَّ ولا تَلمِزوا أنْفُسَكُم ولا تَنابَزوا بألألقابِ (3).
ويروي في تفسير مجمع البيان انها نزلت في ثابت بن قيس حيث كان ثقيل السمع وكان إذا دخل المسجد تفسحوا له حتى يجلس قريبا من النبي «صلى الله عليه واله» يسمع ما يقول فدخل المسجد مرة وقد فرغ الناس من الصلاة واخذوا مكانهم فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا حتى انتهى الى رجل فقال له أصبت مجلسا فاجلس فجلس خلفه مغضبا فلما إنجلت الظلمة قال من هذا ؟ قال الرجل انا فلان فقال ثابت ابن فلانة؟

(1) المطففين 29، 30.
(2) المطففين 34.
(3) الحجرات.
الذنوب الكبيرة - 2 295


وذكر أُماً له كان يعير بها في الجاهلية ، فنكس الرجل رأسه حياءا فنزلت الآية. واما قوله « ولا نِساءٌ مِن نِساءٍ » فقد ذكر في المجمع انها نزلت كما يروي انس في بعض نساء النبي «صلى الله عليه السلام» حيث سخرن من أم سلمه، وذلك انها ربطت حقويها بثوب أبيض وسدلت طرفها فكانت تجره فقالت عائشة لحفصة انظري ماذا تجر خلفها كأنه لسان كلب ، وسخرتا بام سلمه.
وايضا روى انهما سخرتا بصفية بنت حُيَي بن اخطب زوجة الرسول «صلى الله عليه واله» وقالتا لها يا بنت اليهودي فانزل الله تعالى « ولا تَلمِزوا أنْفُسَكُم ولا تَنابَزوا بألألقابِ » . وقال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(ان المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم من باب الجنة فيقال : هلم هلم فيجئ بكربه وغمه فاذا أتاه أغلق دونه، ثم يفتح له باب آخر فيقال: هلم هلم فيجئ بكربه وغمه فاذا اتاه أغلق دونه فما يزال كذلك حتى ان الرجل ليفتح له الباب فيقال : هلم هلم فما يأتيه) «المحجة البيضاء حـ 5/236».
2 ـ السبّ والطعن:


وهو نسبة الامور القبيحة للمؤمن ونداؤه بكلمات نابية وفي اصطلاح الفقهاء يقال عن نسبة الزنا اليه او القول بانه ولد حرام قذف . وقد ذكرناه في الباب الاول ، ويقال لباقي النسب القبيحة سبٌ مثل: يا مرابي ، ملعون ، خائن ، حمار، خنزير ، فاسق، وامثال ذلك مما يتضمن الإهانة ، والتحقير للمخاطب.
يقول الرسول الاكرم «صلى الله عليه واله»:
(ساب المؤمن كالمشرف على الهلكة ) «الكافي» ولعل المراد ان سب المؤمن اقتراب نحو الكفر والخروج من الدين ذلك لان عاقبة الإصرار على الكبائر هي الكفر. وهكذا قال «صلى الله عليه واله»: (سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، واكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه)«الكافي».
وقد ذكر العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث ان إثم السب أعظم من الغيبة

الذنوب الكبيرة - 2 296


خصوصا مع ملاحظة ان المؤمن يتأذى من السب أكثر، وذلك لأن في السب إيذاء له بوجهه وأما في الغيبة فالإيذاء خلفه.

يموت شر ميتة:

عن الامام الباقر «عليه السلام»انه قال:
(ما من انسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة وكان حقا ألا يرجع الى خير) «الكافي».
ويقول العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث ان شر ميتة اما بحسب الدنيا مثل ان يموت بغرق، او إحتراق ، او إنهدام عمارة عليه، او يكون فريسة لحيوان وما ماثل ذلك ، واما بحسب الآخرة مثل ان يموت كافرا او بلا توبة.
والمراد من الخيرـ في الحديث ـ التوبة والعمل الصالح مع الإيمان.

أحيانا يصبح المظلوم ظالما:

عن ابي الحسن موسى «عليه السلام» في رجلين يتسابان، فقال «عليه السلام»: (البادئ منهما اظلم ، و وزره و وزر صاحبه عليه ما لم يتعد المظلوم) « الكافي ـ باب السفه».
وقد ذكر العلامة المجلسي في شرح في هذا الحديث ما ملخصه ان إثم كلا الطرفين المتسابين يجعل على الطرف الباديء وذلك لأنه ارتكب حراما من ناحية ، وصار سببا في ارتكاب الطرف الآخر للحرام من ناحية ثانية ، إذ لو لم يبتدئ الاول بالسب لسكت الطرف الثاني. ورغم ان السب من الطرف الثاني ـ المظلوم ـ حرام ايضا إلا ان الشارع قد جعل وزره على البادئ بشرط ان لا يتعدى المظلوم فلو تعدى فهو في حكم المبتديء بالنسبة للزيادة

التعدي بالتكرار أو بالأشد:

التعدي في الجواب قد يكون بالتكرار ، مثل ان يسبه مرة واحدة بالقول (يا كلب) فيقول له في الجواب مرتين (يا كلب يا كلب) ، وقد يكون التعدي بالإجابة بما هو اشد،

الذنوب الكبيرة - 2 297


مثل ان يقول لمن قال له يا حمار: يا كلب ، وما قيل من ان وزر الجواب بالمثل على البادئ لا يبعد أنه في صورة ما إذا لم يكن السب بالأساس قذفا وكذبا، اما اذا قال له البادئ يا زاني، او يا سارق فانه لا يستطيع ان يقول له في الجواب مثل ذلك في حين انه ليس بسارق.
وبالجملة ففي مقام الجواب يجب الإقتصار على السباب الذي يقال عادة في مقام التأديب كالقول يا أحمق، جاهل ، ظالم، غافل، وامثال ذلك

الجنة حرام على بذئ اللسان:

ان الله حرم الجنة على كل مخاشن بذيء قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، فإنك ان فتشته لم تجده الا لغية او شرك شيطان فقيل: يا رسول الله أفي الناس شرك شيطان؟
فقال «صلى الله عليه واله» تقرأ قول الله تعالى«وشارِكْهُم في الأمْوالِ والأولادِ»(1)«الكافي ـ باب البذاء».
ونقل العلامة المجلسي عن الشيخ البهائي قوله لعل المقصود حرمة الجنة عليه لأمد ما، او ان المقصود ان جنة خاصة هي المحرمة عليه ومعدة للمؤمن غير الفحاش. وروى سماعة قال:
دخلت على ابي عبدالله «عليه السلام» فقال لي مبتدئا يا سماعة ماهذا الذي بينك وبين جمالك ؟ إياك ان تكون فحاشا او صخابا او لعانا ، فقلت: والله لقد كان ذلك انه ظلمني، فقال «عليه السلام»: ان كان ظلمك لقد أربيت عليه، ان هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي استغفر ربك ولا تعد «الكافي ـ باب البذاء».
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من طعن في مؤمن شطر كلمة حرم الله عليه ريح الجنة وان ريحها ليوجد من

(1) الإسراء 64.
الذنوب الكبيرة - 2 298


مسيرة خمسمائة عام) «المستدرك ـ كتاب الحج.»
والروايات في هذا المقام كثيرة نكتفي بما ذكرناه.
وهنا يجب ان نلفت النظر الى أمرين:
وأحدهما: اذا سب احد مؤمنا فمضافا الى العقاب الأخروي سيكون لذلك المؤمن عليه حق لأنه قد آذاه، ويستطيع ان يشتكي الى الحاكم الشرعي ، والحاكم الشرعي يعزره بما يراه صلاحا، كما تقدم ذلك في بحث القذف، كما انه إذا إعتذر ممن سبه سقط عنه التعزير.
والآخر: انه إذا ندم من هذا الذنب ، وسأل الله ان يعفو عنه، سقط عنه العذاب الأخروي أيضا.

البذاء بأي نحو كان:

عن الامام الصادق «عليه السلام» (البذاء من الجفاء والجفاء في النار) «الكافي».
وقد ذكر المحقق اطلاق الروايات في حرمة الفحش مع اي احد مسلما مؤمنا كان او كافرا فاسقا، صغيرا أم كبيرا، بل يمكن القول بذلك حتى لو كان صغيرا وغير مميز، بل ورد النهي في بعض الروايات عن سب الحيوان ولعنه.

حرمة السب إذا أدى الى رد فعل:

لا يجوز سب المخالف او الكافر اذا كان سببا في ان يعود عليه او على مؤمن آخر بالسباب، كما لا يجوز سب المقدسات الدينية لأية أُمة من العالم، ذلك ان السامع من تلك الأُمة سيعود ويسب مقدسات الدين الإلهي، وحينئذ يكون وزره على البادئ، كما نهى تعالى عن ذلك صريحا في سورة الأنعام حيث قال تعالى « ولا تَسّبُوا الذينَ يَدعونَ مِنْ دونِ اللهِ فَيَسبّوا أللهَ عَدواً بِغَيرِ عِلمٍ » (1).
كتب في تفسير الميزان:

(1) الأنعام 108.
الذنوب الكبيرة - 2 299


(الآية تذكر أدبا دينيا تصان به كرامة مقدسات المجتمع الديني وتتوقى ساحتها ان يتلوث بدرن الإهانة والازراء بشنيع القول والسب والشتم والسخرية ونحوها فإن الإنسان مغروز على الدفاع ما يقدسه والمقابلة في التعدي على من يحسبه متعديا الى نفسه، وربما حمله الغضب على الهجر والسب لماله عنده أعلى منزلة العزة والكرامة فلو سب المؤمنون آلهة المشركين حملتهم عصبية الجاهلية ان يعارضوا المؤمنين بسب ماله عندهم كرامة الألوهية وهو الله عز إسمه ففي سب آلهتهم نوع تسبيب إلى ذكره تعالى بما لا يليق بساحته وكبريائه)
3 ـ إذلال المؤمن وإحتقاره:


عن الامام الصادق «عليه السلام»:
(من استذل مؤمنا واستحقره لقلة ذات يده ولفقره شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق) «أصول الكافي».
وقال «عليه السلام»:
( من حقّر مؤمنا مسكينا أو غير مسكين لم يزل ألله حاقرا له ماقتا حتى يرجع عن محقرته إياه)«الكافي».
وقال «عليه السلام»:
(ان الله تعالى يقول من أهان لي ولياً فقد ارصد لمحاربتي وان اسرع شيء الى نصرة أوليائي) «الكافي».
وروى ابوهارون عن الإمام الصادق «عليه السلام» انه:
وقال لنفر عنده وانا حاضر: ما لكم تستخفون بنا ؟
فقام اليه رجل من خراسان فقال: معاذ الله لوجه الله ان نستخف بك او بشيء من أمرك.
فقال «عليه السلام»: بلى أنك أحد من استخف بي.
فقال : معاذاً لوجه الله ان أستخف بك!

الذنوب الكبيرة - 2 300


فقال له «عليه السلام»: ويحك ألم تسمع فلانا ونحن بقرب الجحفة وهو يقول لك إحملني قدر ميل فقد والله عييت ، والله ما رفعت به رأسا، لقد استخففت به، ومن استخف بمؤمن فبنا استخف، وضيع حرمة الله عز وجل«الوسائل ـ كتاب الحج ت باب 148».
4 ـ تعنيف المؤمن وذمه:


عن الامام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام (اقرب ما يكون العبد الى الكفر أن يواخي الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنّفه بها يوما ما) «الكافي».
وقال الرسول الاكرم «صلى الله عليه واله»:
(يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان الى قلبه، لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عوراتهم تتبع ألله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته) «الكافي».
وعن الامام الصادق«عليه السلام»قوله :
(من أنـَّب مؤمنا أنبه الله في الدنيا والآخرة) «الكافي».
وهكذا قال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من اذاع فاحشة كان كمبتدئها ، ومن عير مؤمنا بشيء لم يمت حتى يرتكبه)«الكافي».
ولا يبقى خفيا ان حرمة تعنيف المؤمن لا تتنافى مع النهي عن المنكر، اذ في الحقيقة ان النهي عن المنكر نصيحة ، وشفقة ، وطلب الخير، وبالتفصيل المتقدم وذلك غير التوبيخ والتعنيف.
قال الإمام الصادق «عليه السلام»:
(من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروَّته ليسقطه من أعين الناس أخرجه الله من ولايته الى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان) «الكافي» .
قال العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث : (من روى على مؤمن) بان ينقل عنه

الذنوب الكبيرة - 2 301


كلاما يدل على ضعف عقله وسخافة رأيه... ويحتمل شموله لرواية الفعل أيضا...
وقال في معنى (اخرجه الله من ولايته) المراد أما المحبة و النصرة فيقطع ألله عنه محبته ونصرته ويكله إلى الشيطان. . . وعدم قبول الشيطان له لأنه ليس غرضه من إضلال بني آدم كثرة الأتباع والمحبين فيودهم وينصرهم اذا تابعوه، بل مقصوده إهلاكهم وجعلهم مستوجبين للعذاب للعدواة القديمة بينه وبين ابيهم، فاذا حصل غرضه منهم يتركهم ويشمت بهم ولا يعينهم في شيء ...
وفي رواية محمد بن فضيل عن ابي الحسن موسى «عليه السلام» قال :
قلت له: جعلت فداك الرجل من اخواني يبلغني عنه الشيء الذي اكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك وقد اخبرني عنه قوم ثقات . فقال لي: يا محمد سمعك وبصرك عن اخيك ، فان شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولا فصدقه وكذبهم، ولا تذيعن عليه شيئا تشينه به، وتهدم به مروته فتكون من الذين قال ألله : « إن الذينَ يُحِبُونَ أن تُشيعَ الفاحِشَة في الذينَ آمَنوا لَهُم عٌذاب أليمٌ في الدُنيا والآخِرَةِ » (1).
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من مشى في عيب أخيه وكشف عورته كانت اول خطوة خطاها وضعها في جهنم وكشف الله عورته على رؤوس الخلائق) «الوسائل».
وقال الإمام الصادق«عليه السلام»:
(من روى رواية على اخيه يريد بها شينه وهدم مروته أوقفه الله في طينة خبال) «المستدرك ـ الحج ـ باب 137».
وقال «عليه السلام»:
(من اطلع من مؤمن على ذنب او سيئة فافشى ذلك عليه ولم يكتمها ولم يستغفر الله له كان عند الله كعاملها وعليه وزر ذلك الذي أفشى عليه وكان مغفورا لعاملها وكان

(1) وسائل الشيعة /كتاب الحج/ باب 157.
الذنوب الكبيرة - 2 302


عقابه ما افشى عليه في الدنيا مستورا عليه في الآخرة ثم يجد الله اكرم من ان يثني عليه عقابا في الآخرة)«المستدرك».
وفي هذا المقام روايات عديدة نكتفي بما ذكرناه.
5 ـ هجاء المؤمن بالشعر او النثر:


يقول الشيخ الأنصاري عليه الرحمة:
(هجاء المؤمن حرام بالأدلة الأربعة لأنه همز ولمز وأكل اللحم وتعيير وإذاعة سر وكل ذلك كبيرة موبقة فيدل عليه فحوى جميع ما تقدم في الغيبة بل البهتان ايضا بناءا على تفسير الهجاء بخلاف المدح).
(ولافرق في المؤمن بين الفاسق وغيره ، واما الخبر «مَحِّصُوا ذنوبكم بذكر الفاسقين» فالمراد به الخارجون عن الإيمان أو المتجاهرون بالفسق).
( واحترز بالمؤمن عن المخالف فانه يجوز هجوه لعدم احترامه ، وكذا يجوز هجاء الفاسق المبدع لئلا يؤخذ ببدعته) «المكاسب» .
6 ـ إيذاء المؤمن:


قال تعالى في سورة الأحزاب « والذينَ يُؤذُونَ المُؤمِنينَ والمُؤمِناتِ بِغَيرِ ما أكْتَسَبُوا فَقَد إحتَمَلوا بُهْتاناً وإثماً مُبينا » (1).
وقال الامام الصادق «عليه السلام»:
(ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن من أكرم عبدي المؤمن) «الكافي».
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله» : (من آذى مؤمنا فقد آذاني فقد اذى الله ومن آذى الله ملعون في التوراة والإنجيل والفرقان) «المستدرك».
وقال:

(1) الاحزاب 58.
الذنوب الكبيرة - 2 303


(ومن أحزن مؤمنا ثم أعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يؤجر عليه).
وقال : ( من آذى مؤمنا بغير حق فكأنما هدم مكة والبيت المعمور عشر مرات وكأنما قتل ألف ملك من المقربين) «المستدرك».
عقوبة إيذاء الجار أشد:

في عدة مواضع حرم الشارع المقدس بنحو اكيد ايذاء الغير ووضع لها عقوبة دنيوية وأخروية أكبر، ومن جملة تلك المواضع الجار .
وفي رواية عن الامام الصادق«عليه السلام» انه جاء رجل من الانصار الى رسول الله «صلى الله عليه واله» فقال: (اني اشتريت دارا في بني فلان وان اقرب جيراني مني جوارا من لا ارجو خيره ولا آمن شره.
قال : فأمر رسول الله «صلى الله عليه واله» علياً وسلمان وأبا ذر ان ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بانه لا إيمان لمن لم يؤمن جاره بَوائِقَهُ ، فنادوا بها ثلاثا.
ثم أوما بيده «عليه السلام» الى كل أربعين داراً من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله) «اصول الكافي ـ كتاب العشرة».
وفي مصحف الزهراء «عليها السلام»:
(من كان يؤمن بألله واليوم ألآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم ألآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا او ليسكت).
وعن الامام الصادق«عليه السلام»قوله:
ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره «الكافي».
وروي عن رسول الله «صلى الله عليه واله».
(من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة ومأواه جهنم وبئس المصير، ومن ضيع حق جاره فليس منا، وما زال جبرئيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) «كتاب الحج».
ويوما قال رسول الله «صلى الله عليه واله» لأصحابه : (فلانة تصوم النهار، وتقوم الليل

الذنوب الكبيرة - 2 304


وتتصدق، وتؤذي جارها بلسانها ؟
قال «صلى الله عليه واله»: لا خير فيها ، هي من اهل النار، وفلانة تصلي المكتوبة وتصوم شهر رمضان ، ولا تؤذي جارها، قال «صلى الله عليه واله» هي من اهل الجنة «المستدرك ـ الحج باب 72».
ايضا قال «صلى الله عليه واله»:
(الجيران ثلاثة فمنهم من له ثلاثة حقوق: حق الإسلام وحق الجوار وحق القرابة ، ومنهم من له حقان: حق الإسلام وحق الجوار، ومنهم من له واحد ، الكافر له حق الجوار) « المستدرك ـ الحج ـ باب 72».
وعن الإمام الصادق«عليه السلام»انه قال : (ملعون ملعون من آذى جاره) «المصدر السابق» وعنه «عليه السلام» أيضا قال: (ان يعقوب لما ذهب منه بنيامين نادى يا رب ألا ترحمني أذهبت عيني وأذهبت ابني فأوحى الله تبارك وتعالى إليه لو أمتهما لأحييتهما حتى اجمع بينك وبينهما ولكن تذكر الشاة التي ذبحتها وشويتها وأكلت وفلان الى جنبك صائم لم تنله منها شيئا) «المستدرك».
وفي رواية أخرى قال : فكان بعد ذلك يعقوب «عليه السلام» ينادي مناديه كل غداة من منزله على فرسخ : ألا من أراد الغداء فليأت الى يعقوب ، وإذا أمسى نادى ألا من أراد العشاء فليأت الى يعقوب «الكافي».

حقوق الجار:

يجب التعامل مع الجار بالمحبة واللطف، وعدم قطع الإحسان اليه وعدم مضايقته فيما يحتاج إليه، واعتباره كالشريك في المال ، والسلام عليه وعدم تتبع ما يريد ستره ، وعيادته اذا مرض، وتعزيته في المصيبة ، وتهنئته في الأفراح ، وان إطلع منه على عيب أخفاءه ، والعفو عنه اذا أخطأ، والسماح له اذا أراد الإستفادة من جدار البيت ، وعدم ممانعته اذا أراد ان ينصب ميزاباً على فضاء الجار، وعدم ممانعته في الإستفادة من الأمور المنزلية اللازمة له، وغض النظر عن اهله وعياله، ومراقبة داره

الذنوب الكبيرة - 2 305


حال غيابه، والحنان على اطفاله ونصيحته بما فيه مصلحة دينه ودنياه ومعونته اذا طلب العون، وإقراضه اذا اقترض، وعدم رفع البناء على داره بنحو يحبس الهواء عنه إلا بإجازته وارسال الطعام اللذيذ الذي يشتريه لمنزله الى جاره وان لم يكن ذلك ميسورا يجب اخفاء الطعام حتى لا يشم رائحته الاطفال فيتأذون فلعله لا يستطيع توفيره لهم.

إيذاء الزوج:

قال الرسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من كان له إمرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وان صامت الدهر وقامت واعتقت الرقاب وانفقت الأموال في سبيل الله وكانت من ترد النار).
ثم قال «صلى الله عليه واله»:
(وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب اذا كان مؤذيا ظالما ، ومن صبر على سوء خلق إمرأته واحتسبه أعطاه الله له بكل مرة يصبرعليها من الثواب مثل اعطى أيوب على بلائه وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج فان ماتت قبل ان يرضى عنها حشرت يوم القيامة منكوسة مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار).
(ومن كانت له إمرأة ولم توافقه ولم تصبر على ما رزقه الله وشقت عليه وحملته ما لم يقدر عليه لم يقبل الله لها حسنة تتقي بها النار وغضب الله عليها ما دامت كذلك)«الوسائل ـ كتاب النكاح /82.

إيذاء الفقير:

قال تعالى في سورة البقرة ـ ألآية 264 : « لا تُبْطِلوا صَدَقاتِكُم بالمَنِّ والأذى » .

السابق السابق الفهرس التالي التالي