الذنوب الكبيرة - 2 273


الغيبة وروايات اهل اليت:

الروايات التي ورد فيها الوعيد بالعذاب على الغيبة عديدة بل هي متواترة تواترا اجماليا. وهنا نلفت النظر لما ذكره الشيخ الانصاري عليه الرحمة في المكاسب المحرمة حيث قال:
(روي عن النبي «صلى الله عليه واله» بعدة طرق ان الغيبة اشد من الزنا وان الرجل يزني فيتوب ويتوب الله عليه وان صاحب الغيبة لا يغفر له حتى يغفر له صاحبها).
وعنه «صلى الله عليه واله»انه خطب فذكر الربا وعظم شأنه فقال (ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا اعظم من ست وثلاثين زنية، وان اربى الربا عرض الرجل المسلم).
وفي ضوء هذين الحديثين يثبت ان الغيبة اسوأ من الزنا والربا وقد سبق في الباب الاول ان الزنا والربا من الكبائر.
وعنه «عليه السلام» (من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة ومن اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما وكان المغتاب خالدا في النار).
وعنه «عليه السلام» ( كذب من زعم أنه ولد من حلال هو يأكل لحوم الناس بالغيية ، فاجتنب الغيبة فإنها أدام كلام النار).
عنه«عليه السلام» (من مشى في غيبة ـ عيب ـ اخيه وكشف عورته كانت اول خطوة خطاها وضعها في جهنم).
و روي ( ان المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة وان وان لم يتب فهو أول من يدخل النار) «المكاسب».
وروي الشهيد الثاني عن الامام الصادق «عليه السلام» عن الرسول الاكرم « صلى الله علي واله» انه قال:
(ادنى الكفر ان يسمع الرجل من اخيه كلمة فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها، أولئك لا خلاق لهم).
وقريب من هذا المضمون عدة روايات نقلت في اصول الكافي.

الذنوب الكبيرة - 2 274


وقال الرسول الاكرم «صلى الله عليه واله»:
(ان الغيبة حرام على كل مسلم ، وان الغيبة تأكل الحسنا ت كما تأكل النار الحطب) «اصول الكافي».
ويقول الشيخ في معنى هذا الحديث:
(وأكل الحسنات اما ان يكون على وجه الإحباط أو لإضمحلال ثوابها في جنب عقابه او لأنها تنقل الحسنات الى المغتاب كما في غير واحد من الاخبار ومنها النبوي «صلى الله عليه واله»:يؤتى باحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب ع زوجل ويدفع اليه كتابه فلا يرى حسناته فيه فيقول الهي اليس هذا كتابي لا ارى فيه حسناتي؟ فيقال له ان ريك لا يضل ولا ينسى ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يؤتى بآخر ويدفع اليه كتابه فيرى فيه طاعات كثيرة فيقول إلهي ما هذا كتابي فاني ماعملت هذه الطاعات فيقال له ان فلانا اغتابك فدفع حسناته اليك).
قال الشيخ بعد نقل هذه الروايات: ظاهر هذه الاخبار كون الغيبة من الكبائر كما ذكره جماعة، بل اشد من بعضها.
وايضا فان الخيانة من جملة الكبائر المنصوصة كما تقدم، ويمكن القول بان الغيبة هي من اقسام الخيانة، إذ اية خيانة اكبر من ان يأكل الإنسان لحم اخيه ميتا في حين انه غافل عن ذلك ، وأية خيانة اكبر من كشف العيب المخفي؟ويجب ان يعلم ان حرمة الغيبة مختصة بالمؤمن، اي المعتقد بالعقائد الحقة ومنها الاعتقاد بإمامة الائمة الاثني عشر «عليهم السلام»، وبناءا على ذلك فان غيبة المخالفين ليست حراما.
الا ان الأحوط ترك غيبة جميع فرق الإسلام خصوصا غير المعاندين للحق، والقاصرين في ترك العقائد الحقة.
وايضا يجب ان يعلم ان حرمة الغيبة لا اختصاص لها بالمؤمن المكلف، بل ان غيبة الطفل غير البالغ الذين يتاثر من استغابته حرام ايضا، وذكر بعض الفقهاء ان غيبة الاطفال المؤمنين حرام مطلقا سواءا كان مميزا ام لا.

الذنوب الكبيرة - 2 275


معنى الغيبة ومواردها:

قال رسول الله «صلى الله عليه واله» (الغيبة ذكرك أخاك بما يكرهه). وقال الامام صادق «عليه السلام» (الغيبة ان تقول في اخيك ما ستره الله عليه) وقال الامام موسى بن جعفر «عليه السلام» (من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه ، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لم يعرفه الناس فقد اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته).
وبناءا على هاتين الروايتين والروايات الأخرى فاذا كان العيب ألموجود في المؤمن غير خفي على السامع وغيره فإن نقله ليس غيبة وان دخل تحت عنوان المذمة والإيذاء والإستخفاف بالمؤمن، وكان حراما بسبب هذه العناوين.
والشيخ الانصاري بعد ان نقل كلمات اهل اللغة والروايات في معنى الغيبة، والتحقيق في اطراف ذلك ذكر كلاما خلاصته ان مصاديق الغيبة ثلاثة:
الاول: ما كان غيبة قطعا وبنحو متفق عليه.
الثاني: ما كان الظاهر انه غيبة.
الثالث: ما كان الظاهر انه ليس من الغيبة.
اما القسم الاول: فهو اظهار العيب الشرعي او العرفي المستور عن السامع والذي لا يرضى صاحبه بكشفه ، وكان قصد المغتاب الانتقاص من صاحب العيب.
وخلاصة القول ان انتقاص المؤمن بكشف عيب خفي فيه غيبة قطعا ومن الذنوب الكبيرة.
اما القسم الثاني: فهو نقل العيب الخفي عند شخص لا بقصد الذم والانتقاص بل لغرض آخر كالتفكه او الإستشهاد به او من باب الشفقة على صاحبه . ولا شك في ان ذلك حرام، والذي يظهر من الروايات انه من موارد الغيبة ومصاديقها.
واما القسم الثالث: فهو نقل عيب شخص لآخر يعلم بوجود ذلك العيب ، وظاهر بعض الروايات ان ذلك خارج من عنوان الغيبة وان كان يستفاد من روايات اخرى ان ذلك غيبة ايضا.

الذنوب الكبيرة - 2 276


وهنا اذا كان المغتاب يقصد الإنتقاص والمذمة فلاشك في حرمة ذلك وان كان اعتباره غيبة محل شك، وذلك لان نفس هذا النقل يوجب الإيذاء والتوهين للمؤمن ولاشك في حرمته وان لم يكن قصد المغتاب الانتقاص والمذمة لكن يتحقق ذلك قهرا كأن يصفه بألقاب وأوصاف ذميمة كما لو قال انه ابن يهودي ، أو أمه فاحشة ، فذلك حرام ايضا كما جاء النهي في سورة الحجرات صريحا عن التنابز بالألقاب«ولا تَنابَزوا بألألْقابِ بِئْسَ الإسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيمانِ» (1).

انواع الغيبة:

صريح الروايات وكلمات الفقهاء ان لا فرق في ذكر العيب بين عيب وآخر ، سوءا كان نقصا في البدن، او في النسب ، او في الخلق، وسواء في الأقوال او الأفعال ، في دين او دنيا، او في امور ترجع اليه كاللباس والمنزل والمركب وامثال ذلك.
وقد ذكر بعض لكل واحد من هذه الامور مثالا، اما الغيبة الراجعة للبدن فمثاله ان يقول فلان اعمش او احول اوأعور أو اقرع او قزم أواسود او اصغر وامثال ذلك من الأوصاف التي يتأثر صاحبها لذكرها.
واما الغيبة في النسب فمثاله ان يقول ابوه فاسق او خبيث او خسيس او حائك او غير شريف وامثال ذلك.
واما الغيبة في الخلق فمثاله ان يقول فلان سيء الخلق، بخيل او متكبر او جبان او ضعيف ، او مرائي او سارق وظالم.
واما الغيبة في سلوكه الدينيي فمثاله ان يقول : فلان كذا ب ، او شارب خمر، او يتسامح في صلاته.
واما الغيبة في سلوكه الدنيوي فمثاله ان يقول: فلان غير مؤدب ، لا يعرف الحق، لا يعرف موضعه الطبيعي، ثرثار، أكول ، نوام.

(1) الحجرات 11.
الذنوب الكبيرة - 2 277


واما الغيبة في اللباس فمثاله ان يقول : لباسه وسخ ، عتيق، ممزق، طويل ،قصير، وهكذا في سائر الامور الراجعة له اذا ذكرت بسوء بنحو لا يرضى صاحبها.
ويجب ان يعلم انه لا فرق في حكم الغيبة بين كشف عيب الآخرين باللسان، او بالفعل والاشارة، بنحو صريح او بالكناية، بل احيانا تكون الغيبة بالكناية اسوأ كان يقول الحمد لله الذي لم يبتلني بحب الرئاسة او مجالسة الظلمة او حب المال او يقول: اعوذ بالله من الحرص والبخل والصلافة، اعاذني الله من شر الشيطان ، وغرضه في جميع هذه العبارات التعريض بشخص يحمل تلك المواصفات.
وكثيرا ما يقوم بعض الأشخاص المحتالين حين يريدون استغابة احد يمدحه اولا فيقول:هو نعم الرجل لكن مع الأسف انه مبتلى بالشيطان، وكذا وكذا، واحيانا يظهرون الغصة والتاثر عليه نفاقا ويقولون مااشد تاثرنا لفلانا ، قلبنا يتحرق له حيث صدر منه العمل الفلاني:
وان كانوا صادقين في محبتهم له وتاثرهم لاجله فكان يلزمهم ان لا يفضحوا سره ويذكروه بسوء.

غيبة شخص غير معين:

انما تكون الغيبة في صورة ما إذا كان الشخص معينا، اما اذا كان الشخص المذكور بلا اسم ولاعلامة فانه لا مانع من ذلك ، مثل ان يقول رأيت شخصا كذا وكذا، وأما غيبة شخص مردد بين مجموعة أشخاص بأن يقول مثلا: أحد اولاد فلان كذا وكذا فان ذلك حرام، إذ ان جميعهم سوف يتأثر وينزعج، واما اذا غتاب شخصا مرددا بين اشخاص كثيرين كأن يقول مثلا: احد الاصفهانيين او الشيرازيين كذا وكذا فإن ذلك جائز ، ويجوز أيضا لو قال بعض ألأصفهانيين أو بعض الشيرازيين لديهم العيب الكذائي ولكن إذا قال كل ألأصفهانيين أو كل الشيرازيين لديهم العيب الكذائي فلا شك في حرمة ذلك ، بل هو ظاهر في غيبة تمام اهل المدينة.
واذا قال اكثر اهالى المدينة الفلانية لديهم العيب الكذائي فهو خلاف الإحتياط بل

الذنوب الكبيرة - 2 278


لا تخلو حرمته من قوة.

كفارة الغيبة والتوبة منها:

لما كانت الغيبة من الذنوب الكبيرة وجب على المبتلى بها الندم عليها فورا اذ انه قد عصى ربه ، وبعد الندم القلبي يستغفر بلسانه ، ويصمم على ان لا يعود لمثل هذا الذنب، وحيث يظهر من بعض الروايات ان الشخص المستغاب يكون صاحب حق على المغتاب فيحب ـ في صورة الإمكان ـ طلب العفو منه وارضاؤه وذكره بخير مقابل استغابته قبلا، والأفضل في صورة موت المستغاب او تعذر الوصول اليه او كان طلب العفو منه مستلزما لمحذور ما مثل ما اذا كان المستغاب غير عارف باستغابته فاذا عرف ذلك غضب واغتاظ وفي ذلك نقض للغرض ـ ففي مثل هذا الحال يستغغر له ويسأل الله ان يرضيه ، كما جاء في الصحيفة السجادية في الدعاء التاسع والثلاثين ، وهكذا دعاء يوم الاثنين(1).

موارد جواز الغيبة:

ذكر الفقهاء جواز الغيبة في عدة موارد، نكتفي هنا بعرض ما ذكره الشيخ الانصاري في كتاب المكاسب:
1 ـ غيبة المتجاهر بالفسق كمن يشرب المسكر علنا في الطرقات فقد جاء في رواية (اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولاغيبة) . وفي رواية اخرى (من ألقى جلباب الحياء فلاغيبة له).
ويجب ان يعلم ان القدر المتيقن من جواز الغيبة في هذا المورد هو ذكره في ما يتجاهر به ، اما جواز غيبته في الذنوب الاخرى المستورة فهو غير معلوم وان ذكر

(1) «واسالك في مظالم عبادك عندي فأيما عبد من عبيدك أو أَمَة من إمائك كانت له قبلي مظلمة ظلمتها اياه في نفسه او في عرضه او في ماله اوفي اهله وولده او غيبة إغتبته بها او تحامل عليه بميل او هوى ... فاسألك يا من يملك الحاجات وهي مستجيبة لمشيئته ومسرعة الى إرادته ان تصلي على محمد وال محمد وان ترضيه عني بما شئت».
الذنوب الكبيرة - 2 279


الشيخ الانصاري انه اذا كان الذنب المتجاهر به اشد من المستور فلا مانع من ذلك، الا ان الاحوط تركه.
ويجب ان يعلم ايضا ان جواز غيبة المتجاهر بالفسق إنما هو في صورة ما لو كان المتجاهر يعترف بان عمله ذنب، اما لو أظهر لعمله عذرا صحيحا فان غيبته غير جائزة كما لو ادعى انه يتناول الشراب للدواء والعلاج ، و انه مقلد لشخص يراه جائزا في تلك الصورة ، ومثل من يفطر في ايام شهر رمضان بحجة انه مريض او مسافر او بأعذار أخرى قابلة للتصديق ، ومثل من يعمل في معونة الظالمين لكن يبين عذره لعمله شريطة ان لا يكون ذلك العذر واضح الفساد كما ان الأحوط عدم إستغابة المتجاهر في غير البلد او المحل الذي يتجاهر فيه.
2 ـ غيبة الظالم في مقام الشكاية منه وبيان ظلمه لا فيما عدا ذلك ، قال ألله تعالى في سورة الشورى: « ولِمَنْ إنتَصَرَ بَعْدَ ظُلمِهِ فَأولئِكَ ماعَليهِم مِن سَبيلٍ، إنَّما السَبيلُ على الذينَ يَظِلمُونَ الناسَ ويَبْغُونَ في الأرضِ بِغَيرِ الحقِ » (1).
وقال تعالى في سورة النساء « لا يُحِبُ اللهُ الجَهْرَ بالسوءِ مِنَ القَولِ إلا مَنْ ظُلِم » (2) والاحوط الإقتصار على اظهار التظلم عند من يرجو نصرته واغاثته ، اما من يعلم بانه لا يجيبه او لا يستطيع ان ينصره فالاحوط ان لا يشتكي عنده من الظالم ولا يذكر ظلمه.
3 ـ نصح المستشير، فمتى استشاره مسلم في معاملة يريد اجرائها مع شخص وكان في ذلك الشخص عيب بحيث لو لم يذكره للمستشير لأجرى المعاملة وتورط بضرر ومشقة جاز له في هذه الصورة ان يذكر العيب لمن استشاره، والحقيقة ان عدم ذكر العيب هنا هو خيانة للمستشير، وعلى ذلك من لا مانع من ذكر العيب في هذه الصورة.
ويجب ان يعلم ان الاحوط في هذه المسألة مراعاة أمرين:

(1) الشورى 41ـ42.
(2) ألنساء 148 .
الذنوب الكبيرة - 2 280


احدهما: ان يكون الضرر في عدم ذكر العيب اكبر، اما اذا كان الامر على عكس ذلك يعني كان الضرر في هتك الشخص وفضحه اكبر من الضرر الذي يصل الى المستشير عند ايقاع المعاملة، فاللازم هنا الامتناع عن ذكر العيب.
والآخر ان يكون مضطرا لذكر العيب من اجل عدم ايقاع المعاملة اما اذا كان بالإمكان منع المستشير عن إيقاع المعاملة من دون ذكر العيب بل يقول له مثلا: لا أرى صلاحا في هذه المعاملة وكان المستشير يقبل منه ذلك، فحينئذ يجب الإكتفاء بذلك.
4 ـ الغيبة بقصد النهي عن المنكر مع اجتماع شرائطه، بمعنى انه اذا رأى منكرا من مسلم ـ وعلم انه سوف يتركه اذا اغتابه واذا لم يغتبه فسوف يبقى مصرا عليه ـ جاز له غيبته.
اما اذا كان يحتمل ان ذلك الشخص قد ترك المنكر ولم يصر عليه فغيبته غير جائزة ، وكذلك يجب ملاحظة المفسدة الكبرى ـ كما في المورد السابق فاذا كانت مفسدة الغيبة وهتك حرمة ذلك المسلم اكبر من مفسدة نفس المنكر فان غيبته حينئذ غير جائزة وان علم يقينا انه سوف يترك الذنب لو اغتابه.
5 ـ غيبة الضالين المضلين المبتدعين في دين الله، بقصد فضحهم لئلا ينخدع الناس بهم.
6 ـ غيبة الفاسق الذي نقل خبرا، او شهد شهادة ، بقصد ان يعرف فسقه فلا يقبل قوله.
7 ـ ذكرالعيب الواضح المشهور مثل غيبة الاعمش والاحول والأعرج وامثالهم، بشرط ان لا يقصد بذلك الانتقاص منهم بل كان يقصد التعريف بهم، وبشرط ان لا يتأذي من ذلك صاحب الوصف ـ اما اذا كان يتأذى من ذكره بالوصف فيجب الإمتناع عنه وتعريفه بوصف آخر.
8 ـ رد مدعي النسب زورا وكذبا، من حيث ان مصلحة حفظ الانساب اهم من مفسدة هتك المدعي.

الذنوب الكبيرة - 2 281


9 ـ نقل في كشف الريبة عن بعض الفقهاء انه اذا رأى إثنان منكرا من شخص جاز لأحدهما نقله للآخر في غياب صاحبه ، اذ ان الناقل لا يكشف بذلك امرا خفيا على السامع، بل ينقل له ما رآه.
وقد ذكر الشهيد الثاني ان الأفضل ترك مثل هذا القول خصوصا مع احتمال نسيان السامع له، أو كان يحتمل أن يشتهر الموضوع.
وذكر الشيخ ألأنصاري إن تحدث الشخصين بهذا الذنب إذا كان بهدف ألإساءة له وانتقاصه حرام وإلا فهو جائز.
10 ـ وبنحو كلي تجوز الغيبة في كل مورد كانت المصلحة في الغيبة اكثر من مفسدة هتك حرمة المؤمن كما في الشهادة عليه

استماع الغيبة حرام ايضا:

وكما ان الغيبة ذنب كبير حرام فكذلك الإستماع اليها فهو حرام باتفاق جميع الفقهاء ، وورد عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال:
(السامع للغيبة احد المغتابين) «المستدرك».
وعن الامام الصادق «عليه السلام» (الغيبة كفر والمستمع لها والراضي بها مشرك) «المستدرك». * * *
وبعد مراجعة الروايات في شأن المؤمن وان حرمته اعظم من حرمة الكعبة ، وان هتك حرمته على حد سفك دمه، وكشف اسراره موجب للعذاب الأليم، ومن البديهي ان الشخص السامع هو الطرف الأعظم في الغيبة ، وهتك الموؤن، ذلك انه لو لم يكن هناك سامع، او لم يصغ السامع، فان الغيبة سوف لا تحدث على هذا فيجب على كل مسلم ان لا يستمع لاحد بنقل عيب في مؤمن، بل يجب رده والإنتصار لذلك المؤمن،
يقول رسول الله «صلى الله عليه واله»:

الذنوب الكبيرة - 2 282


(من اغتيب عنده اخوه المؤمن وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن خذله وهو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والآخرة).
وقال «صلى الله عليه واله»ايضا:
(من تطول على اخيه في غيبة سمعها في مجلس فردها عنه رد الله عنه الف باب من الشر في الدنيا والآخرة ، فان هو لم يردها وهو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة).
يقول الشيخ الانصاري بعد نقل هذا الحديث (ولعل وجه زيادة عقابه انه اذا لم يرده تجرأ المغتاب على الغيبة فيصر على هذه الغيبة وغيرها . والظاهر ان الرد غير النهي عن الغيبة والمراد به الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة فان كان عيبا دنيويا انتصر له بان يقول العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصي التي اكبرها ذكر اخاك بما لم يعبه الله به، وان كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية فان لم يقبل التوجه إنتصر له بان المؤمن قد يبتلى بالمعصية فينبغي ان تستغفر له لا ان تعير عليه وان تعييرك إياه لعله اعظم عند الله من معصيته ونحو ذلك.

لا يجب رد الغيب في موارد الإستثناء:

يجب ان يعلم ان حرمة استماع الغيبة ووجوب ردها ووجوب نصرة المؤمن انما هو في غير الصور العشر التي تجوز فيها الغيبة ، بناءا على ذلك يكون حكم الغيبة على ثلاثة اقسام.
الاول : ان يعلم بان هذه الغيبة هي من الموارد العشرة الجائزة ، ففي هذه الصورة يجوز الاستماع اليها ولا يجب ردها.
الثاني : ان يعلم يقينا بان هذه الغيبة ليست من الموارد العشرة المذكورة وهنا يحرم قطعا الإستماع اليها ويجب ردها عند القدرة.
الثالث : ان يحتمل دخولها في الاقسام العشرة الجائزة، وفي هذه الصورة يجب ان يجمع بين ترك الإستماع اليها وردها، بل الإنتصار لذلك المؤمن وبين احترام

الذنوب الكبيرة - 2 283


الشخص المغتاب حيث يحتمل انها من الموارد الجائزة وليست معصية ، مثل ان يقول للمغتاب لعلك مشتبه، ويذكر للعيب وجها صحيا.

ذو اللسانين وذو الوجهين:

يقول الشيخ الانصاري في آخر بحث الغيبة من المكاسب المحرمة: (ثم انه قد يتضاعف عقاب المغتاب اذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره، وهذا وان كان في نفسه مباحا الا انه اذا إنضم مع ذمه في غيبته سمي صاحبه ذا اللسانين).

الذنوب الكبيرة - 2 284




الذنوب الكبيرة - 2 285


2
ألنميمة

الثاني من الذنوب التي ثبت انها من الكبائر من خلال الوعيد عليها بالعذاب في القرآن الكريم والاخبار الشريفة هو (النميمة) كما صرح باعتبارها من الكبائر الشهيد الثاني في كشف الريبة والشيخ الانصاري في المكاسب المحرمة واستدلوا على ذلك بعدة من آيات القرآن المجيد منها ما جاء في سورة الرعد:
«ويَقطَعُونَ ما أَمَرَأللُه بِهِ أن يوصَلَ ويُفْسِدُونَ في ألأرضِ أُولئِكَ لَهُم الَلعْنَةُ ولَهُم سوءُ الدار» (1) والظاهر ان النمنام ـ وهو ينقل كلاما سمعه من شخص حول شخص الى ذلك الشخص ـ يقطع ما امر الله بوصله ، ومفسد في الارض ، اذا انه بدل ان يوجد العلاقة والألفة والمحبة بين المؤمنين ويقوي وحدتهم ، يوجد الفرقة والنفرة والعداوة بينهم ، فله اللعنة وعذاب الآخرة.
ويقول تعالى في سورة البقرة: « والفِْتنَةُ أشَدُّ مِنَ القَتلِ » (2) وفي آية اخرى : «والفِتنَةُ

(1) الرعد 25.
(2) البقرة191.
الذنوب الكبيرة - 2 286


أكبَرُ مِنَ القَتلِ » (1) وظاهر ان الشخص النمام يشعل نار الفتنة بكلامه.
وفي سورة القلم ضمن صفات الكفار الذين يستحقون النار، يقول تعالى « مَشّاءٌ بِنَمِيم » (2) اي يسعى في النميمة. ويقول الامام الصادق«عليه السلام» بعد بيان اقسام السحر:
(وان من اكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب بها العداوة على المتصافين، ويسفك بها الدماء ويهدم بها الدور، ويكشف بها الستور، والنمام شر من وطأ الأرض).
وقد ثبت قبلا ان السحر من الكبائر ، وبناءا على ذلك فاذا كانت النميمة اكبر اقسام السحر فهي قطعا من الكبائر.
قال «صلى الله عليه واله»:
(الا أنبئكم بشراركم؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال «صلى الله عليه اله»:
المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبراء المعايب).
وروي عنه «صلى الله عليه واله»:
(من مشى في نميمة بين الإثنين سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه واذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا اسودا ينهش لحمه حتى يدخل النار) «الكافي».
ويقول الامام الباقر «عليه السلام»:
(محرمة الجنة على القتاتين المشائين بالنميمة) «الكافي».
وقال «صلى الله عليه واله»:
(لما أسري بي رأيت إمرأة رأسها رأس خنزير، وبدنها بدن حمار ، وعليها الف الف لون من العذاب ، فسئل: ما كان عملها؟ «فقال «صلى الله عليه واله»: انها كانت نمامة كذابة) «عيون الاخبار» وقد نقل في وسائل الشيعة ـ كتاب الحج اثني عشر حديثا في حرمة

(1) البقرة 217.
(2) القلم 11.
الذنوب الكبيرة - 2 287


النميمة ، في جميعها تصريح بان الجنة حرام على النمام.
وقال تعالى في سورة الهُمزة:
« ويلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزة » (1) وويل اسم لدركة من دركات جهنم ، اوإسم لحفرة في جهنم ، او بمعنى العذاب الشديد، وهُمزة بمعنى النمام كما صرح بذلك الشهيد الثاني في كشف الريبة، ونقل بعض العلماء في قوله تعالى «هَمّازٌ مَشاءٌ بِنَمِيم، عُتُلٌ بَعدَ ذلِكَ زَنيم» (2) ان هذه الآية لها دلالة على ان من لا يحفظ سر الغير، ويسعى في النميمة هو ولد حرام، اذ ان زنيم معناه نسبة شخص مجهول الأب والحاقه به.

لا يسقط المطر لنمام:

روى ان موسى «عليه السلام» استسقى لبني اسرائيل حين اصابهم قحط فأوحى الله تعالى اليه لا استجيب لك ولا لمن معك وفيكم نمام قد اصر على النميمة. فقال موسى«عليه السلام»: من هو يارب حتى نخرجه من بيننا؟ فقال الله: يا موسى انهاكم من النميمة وأكون نماما؟ فتابوا باجمعهم فسقوا (3).

معنى النميمة:

قال الشيخ الانصاري في كتاب (المكاسب):
(النميمة حرام بالأدلة الأربعة ، وهي نقل قول الغير الى المقول فيه كأن يقول تكلم فلان فيك بكذا وكذا...
(ويدل على حرمتها مع كراهة المقول عنه لإظهار القول فيه جميع ما دل على حرمة الغيبة ويتفاوت عقوبته بتفاوت ما يترتيب عليها من المفاسد).
وقال الشهيد الثاني في كشف الريبة ان النميمة هي:

(1) الهمزة 1.
(2) القلم 13 ،11.
(3) كشف الربية /الشهيد الثاني /245.
الذنوب الكبيرة - 2 288


كشف ما يكره كشفه، سواء كرهه المنقول عنه ام المنقول اليه ام كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول ام بالكتابة او بالاشارة ام بالرأس أم بالايماء وسواء كان المنقول من الاعمال من الاقوال ، وسواء كان عيبا او نقصانا على المنقول عنه ام لم يكن . بل حقيقة النميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه، بل كل ما رآه الانسان من احوال الانسان فينبغي ان يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم او دفع لمعصية كما اذا رأى من يتناول مال غيره فعليه ان يشهد به مراعاة بحق المشهود عليه واما اذا رآه يخفي مالاً لنفسه فذكره نميمة وافشاء للسر، فان كان ما ينم به نقصانا او عيبا في المحكي عنه كان قد جمع بين الغيبة والنميمة.
وقال ايضا:
(والسبب الباعث على النميمة اما إرادة السوء بالمحكي، او إظهار الحب للمحكي له ، او التفرج بالحديث والخوض في الفضول) .
وكل من حملت اليه النميمة وقيل ان فلانا قال فيك كذا وكذا او هو يدبر في افساد امرك او في ممالاة عدوك او تضييع حالك او ما يجري مجراه فعليه ستة امور:
الاول : ان لا يصدقه لان النمام فاسق وهو مردود الشهادة. قال الله تعالى « إن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنوا » (1)«الآية ـ 6».
الثاني: ان ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح له فعله. قال الله تعالى «وأمُرْ بالمَعْروفِ وإنْهَ عَنِ المُنْكَر» (2).
الثالث : ان يبغضه في الله تعالى ، فانه مبغوض عند الله، ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع : ان لا تظن بأخيك السوء بمجرد قوله ، لقوله تعالى« اجتَنِبوا كثيراً مِنَ

(1) الحجرات 6.
(2) لقمان 17.
الذنوب الكبيرة - 2 289


الظن» (1) بل يثبت حتى يتحقق الحال.
الخامس: ان لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث لقوله تعالى « ولا تجسوا » (2).
السادس : ان لا ترضى لنفسك ما نهيت النمام عنه، فلا تحكي نميمته فتقول فلان قد حكى لي بكذا فتكون به نماما، وتكون قد اتيت بما نهيت عنه ، وقال الشهيد الثاني ايضا في الكتاب نفسه:
(روي ان حكيما من الحكماء زاره بعض أخوانه وأخبره بخبر عن غيره ، فقال له الحكيم قد أبطأت في الزيارة واتيتني بثلاث خيانات : تبغض الي اخي ، وشغلت قلبى الفارغ ، واتهمت نفسك الأمينة).
وقال الحسن (من نم إليك نم عليك ) وهذا إشارة الى ان النمام ينبغي ان يبغض ولا يوثق بصداقته، وكيف لا يبغض وهو لا ينفك من الكذب والغيبة والغدر والخيانة والغل والحسد والنفاق...).
ثم نقل الشهيد الثاني الحكاية التالية:
(قيل : باع بعضهم عبدا وقال للمشتري ما فيه عيب الا النميمة ، قال : رضيت به فإشتراه، فمكث الغلام أياما ثم قال لزوجة مولاه ان زوجك يريد ان يتسرى ـ التسري هو نكاح الأمة ـ عليك فخذي الموسى واحلقي من قفاه شعرات حتى اسحر عليها فيحبك، ثم قال للزوج ان إمرأتك اخذت خليلا وتريد ان تقتلك فتناوم لها حتى تعرف!!
فتناوم وجاءت المرأة بالموسى فظن انها تقتله فقام وقتلها ، فجاء أهل المرأة وقتلوا الزوج فوقع القتال بين القبيلتين وطال الأمر) انتهى.

(1) الحجرات 12
(2) الحجرات 12


السابق السابق الفهرس التالي التالي