الذنوب الكبيرة - 2 253


النفس هيئة لا ينفع معه ذكر مقام الرب تعالى، وهي الاستهانة بامر الله ، وعدم المبالاة بهتك حرماته ، والاستكبار عليه تعالى، ولا تبقى معه عبودية ، ولا ينفع معه ذكر، ولذلك بعينه قيّده بقوله « وهم يعلمون ».

من اكبر الكبائر:

(اياك والإصرار فانه من اكبر الكبائر واعظم الجرائم) «الغرر للآمدي».
وقال«عليه السلام» (اعظم الذنوب ذنب أصر عليه عامله ) «المصدر السابق».
وقال «عليه السلام» (الإصرار أعظم حوبة).

ماهو الإصرار على الذنب؟:

اعتبار الاصرار على الصغائر ذنبا كبيرا مورد اتفاق الفقهاء بل هو اجمالي، لكن اختلفوا في معنى الاصرار على عدة اقوال، والقدر المسلم المتفق عليه ان الاصرار هو ان لا يندم المرتكب على ذنبه بل يرتكبه مرة اخرى ويداوم عليه ، مثلا: بناءا على حرمة لبس الحرير والتختم بالذهب للرجل ـ ان لم يثبت انه من الكبائر ـ فمداومة الشخص على لبسه هو قطعا من الذنوب الكبائر ، ومثال آخر النظر لأجنبية، او الدخول في منازل الناس بدون إذن دون ان يندم فاعله عليه ويستغفر منه، فان مثل هذه المداومة تعتبر ذنبا كبيرا باتفاق الفقهاء.
وقد ذكر الشهيد «عليه الرحمة» في كتاب القواعد ، وجمع آخر من الفقهاء، ان ارتكاب عدة ذنوب صغائر من دون ان يندم عليها ويستغفر منها ـ كما لو لبس الحرير ، وتختم بالذهب ، ونظر للأجنبية وصافحها ولامسهاـ في حكم الكبائر ولا فرق بينه وبين الإصرار على ذنب صغير واحد.
وقد ذكر بعض الفقهاء ان ارتكاب ذنب صغير مرة واحدة مع ألعزم على ارتكابه ثانية يعتبر من الإصرار، ومعناه ان الاصرار هو مجرد التصميم على التكرار.
إلا ان ما إنتهى اليه النظر هو ان صدق عنوان الاصرار على الصورة الاخيرة من

الذنوب الكبيرة - 2 254


حيث اللغة والعرف أمر مشكل، بل هو خلاف الظهور العرفي لكلمة الإصرار.
وما يمكن ان يكون مدركا لإعتبار هاتين الصورتين الاخيرتين من الكبائر هو رواية جابر عن الامام الباقر «عليه السلام» في تفسير« ولم يصروا على مافعلوا» (1) قال «عليه السلام»: الاصرار ان يذنب فلا يستغفر الله ولا يحدث نفسه بالتوبة فذلك الاصرار.
ولكن يحتمل ان مقصود الإمام «عليه السلام» هو بيان المراد من الاصرار المذكور في الآية الشريفة لا بيان الإصرار الذي هو من الكبائر.
والرواية الاخرى هي حسنة ابن ابي عمير عن الامام الباقر«عليه السلام» حيث يقول «عليه السلام» ( ما من احد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم انه سيعاقب عليها الا انه ندم على ما ارتكب ، متى ما ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ، ومن لم يندم عليها كان مصرا، والمصر لا يغفر له لانه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم «الوسائل ـ الجهاد».
وهذا الحديث كالحديث السابق حيث عد (عليه السلام» عدم الندم وترك التوبة والإستغفار من الذنب الذي ارتكبه اصرارا حتى وان لم يكرر الذنب ولم يكن له تصميم على تكراره.
الا ان ما يلاحظ هو:
اولا: ان مورد كلام الإمام «عليه السلام» هو الذنوب الكبيرة، ويحتمل في معنى الحديث حينئذ ان يكون ترك التوبة من الذنوب الكبيرة هو الإصرار، اما في الصغائر فان تكرارها هو الإصرار وليس مجرد ترك التوبة منها.
وثانيا: ان كلام الإمام انما هوفي مورد ما اذا كان ترك التوبة من باب الإستخفاف وعدم المبالاة بالوعيد الإلهى، ومن باب الأمن من مكر الله، ومن الواضح ان ترك التوبة في مثل هذه الحال هو بنفسه أمن من مكر الله وقد سبق انه من كبائر الذنوب.

(1) آل عمران 13.
الذنوب الكبيرة - 2 255

ويمكن ان يطلق على مثل هذا الترك للتوبة والندامة مجازا انه إصرار كما ورد عن الامام الباقر «عليه السلام» (ان الإصرار على الذنب أمن من مكر الله ولا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون) «تحف العقول».
وبالجملة فان القدر المسلم من معنى الإصرار هو التكرار العملي للذنب من دون الندم والتوبة ، فهو يداوم عليه ـ بنحو يقال عرفا انه مداومة ـ او يزيد عليه.

ما يلحق بالإصرار:

ذكر بعض العلماء انه كما ان الإصرار على الذنب الصغير يجعله كبيرا ، هناك عدة عناوين أخرى متى ما صدقت على أي ذنب من الذنوب الصغيرة جعلته كبيرا ، وهي ما يلي:
(1) إستصغار الذنب:



بمعنى ان يستخف مرتكب الصغيرة بذنبه، ولا يرى نفسه جديرا بالعقوبة الالهية، وهنا يعتبر ذنبه كبيرا، ويكون مستحقا للنقمة الإلهية، اذ انه في هذا الحال يستهين بنهى الله، ويخرج من طريق العبودية،وحسب تصريح الروايات لا يغفر هذا الذنب، وسر المطلب ان عدم المؤاخذه على الذنوب الصغيرة مع الابتعاد عن الكبائر انما هو فضل ورحمة من الله، وإلا فان في مخالفة النهي الالهي صغيرا وكبيرا ـ استحقاق للعقوبة بحكم العقل، وواضح ان من يناله الفضل الالهى هو من لم يخرج عن جادة العبودية، واما من كان من اهل العجب ، ولا يعرف حقارة نفسه وعظمة الله، ويرتكب الذنب كأن لم يكن شيئا فانه لا يناله الفضل الالهي، بل هو جدير بالخذلان والإنتقام وبالجملة فان الله يفضله يعفو عن الذنب الصغير لمن لا يستهين بالذنب ويستخف به .
ويقول امير المؤمنين «عليه السلام» (اشد الذنوب ما استهان به صاحبه) «الوسائل» >
وعن الامام الباقر«عليه السلام» قوله: الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أؤاخذ إلا بهذا «الوسائل».

الذنوب الكبيرة - 2 256


وعنه «عليه السلام (اياكم ومحقرات الذنوب فان لها من ألله طالبا وانها لتجتمع على المرء حتى تهلكه) «الوسائل» .
وقال الامام الصادق«عليه السلام»:
(اتقوا المحقرات من الذنوب فانها لا تغفر،
قلت: وما المحقرات من الذنوب؟
قال «عليه السلام»: الرجل يذنب الذنب فيقول طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك)«الكافي».
(2) السرور بالذنب:


ومن جملة ما يجعل الذنب الصغير كبيرا السرور والابتهاج بالذنب الذي ارتكبه، وذلك ان علامة الإيمان بالله ويوم الجزاء الحزن والندم على الذنوب التي ارتكبها مهما كانت صغيرة كما روي عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال: (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن) «الوسائل ـ الجهاد».
فكما ان الله تعالى عظيم فكذلك مخالفة اوامره ونواهيه عظيمة . روي عن امير المؤمنين«عليه السلام» : (لاتنظروا الى صغير الذنب، ولكن انظروا الى ما اجترأتم) «الوسائل ـ الجهاد».
وكما ان الندم والحسرة على ارتكاب الذنب تمحو الذنب وتطهر مرتكبه ، وكذلك السرور بالذنب توجب ثبات الذنب وتعاظمه، وفي الحقيقة ان السرور بالذنب أمن من مكر الله وقد سبق القول انه من الكبائر.
ويقول رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من اذنب ذنبا هو ضاحك دخل النار وهو باك) «الوسائل ـ الجهاد».
وقال «صلى الله عليه واله» : (اربعة في الذنب شر من الذنب الإستحقار، والإفتخار، والإستبشار والإصرار) «المستدرك».

الذنوب الكبيرة - 2 257


(3) المجاهرة بالذنب:


ومن جملة ما يجعل الذنب الصغير كبيرا اظهاره ونقله للاخرين ، كما ان اظهار الذنب هو هتك للحرمات الالهية.
يقول رسول الله «صلى الله عليه واله»:
)المستتر بالحسنة تعدل سبعين حسنة، والمذيع بالسيئة مخذول ، والمستتر بها مغفور له) « الكافي» .
ويجب ان يعلم ان اظهار الذنب لا مانع منه في صورتين:
احدهما:
ترتب الغرض العقلائي مثل اظهاره للطبيب لغرض المعالجة حيث يكون يكون اظهاره لازما، او اظهاره للعالم لمعرفة حكمه بنحو تتوقف معرفة الحكم على اظهاره.
ثانيهما:
اظهار انه مذنب بنحو عام لا بذكر الذنب الخاص ، فان ذلك لا مانع منه بل هو امر ممدوح في مقام اظهار العبودية والمسكنة ، مثل ان يقول انا المذنب امام ربي، انا صاحب الوجه الأسود، انا الذي ارتكبت المعاصي، بل ان الإعتراف بانه مذنب امام خالقه هو من اشرف اقسام المناجاة والعبادات، وله اثار عظيمة في قبول التوبة ونورانية القلب وارتفاع الدرجة.
وبالجملة فان الاعتراف بالذنب على وجه العموم والإقرار بالتقصير هو امر ضد العجب وهو الطريقة المحبوبة لدى عظماء الدين حتى في رسائلهم وكتبهم حيث يلقبون انفسهم بالعاصي، المذنب، الخاطيء ، الاقل ، احقر العباد ، وامثال ذلك.
(4) الذنب والموقع الإجتماعي للشخص:


اذا كان الشخص مطمح انظار الناس في المجتمع بحيث ان كلامه وسلوكه مؤثر فيهم مثل اهل العلم والمعروفين بالقداسة والتقوى المؤهلين لقيادة الناس روحيا

الذنوب الكبيرة - 2 258


ومعنويا، فصدور الذنب الصغير من مثل هؤلاء حيث كان مؤديا الى جرأة الناس واقدامهم على المعاصي الكبيرة، بل مؤديا في بعض الاحيان الى زلزلة إيمان الناس وعقيدتهم ـ أمكن القول ان صدور الذنب الصغير من هؤلاء هو امر بالمنكر عمليا، كما ان عملهم ومعرفتهم تدعو بحكم العقل والشرع ـ الى تضخيم الذنب الصادر منهم حتى ان الصغيرة منه بمنزلة الكبيرة.
يقول الامام الصادق «عليه السلام»:
)يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل ان يغفر للعالم ذنب واحد) «الكافي».

زلة العالم تفسد العوالم:

يقول المحقق الخونساري في شرح هذه الجملة عن امير المؤمنين «عليه السلام» ان ذلك هو باعتبار ان قبح الذنب الصادر من العالم يزول بأعين الناس ولذا سوف يقدمون على ارتكابه والتساهل فيه، واما الخطا الصادر منه في الحكم فانه سيجري في الناس مدة مديدة، وتبنى عليه كثير من امورهم، اذن يجب ان يهتم العالم اكثر من غيره في اجتناب المعصية، وحفظ النفس عن الخطا والغلط.
وايضا عنه «عليه السلام» (زلة العالم كانكسار السفينة تغرق وتغرق غيرها معها) «غرر الحكم ودرر الكلم».

بحكم الكبيرة واقعا:

ما ذكر من ان المعصية الصغيرة كبيرة تبعا لواحد من تلك العناوين المتقدمة (الاستصغار، المسرة بالذنب ، والمجاهرة به، والاصرار عليه ، والموقع الاجتماععي( المراد منه انه معصية كبيرة واقعا وشدة استحقاق العقوبة عليه كما هو في سائر الذنوب الكبيرة ، واما اعتبارها كبيرة اصطلاحا ـ بمعنى ان مرتكبها تسقط عنه العدالة ويحكم عليه بالفسق ـ فهو امر غير معلوم بل هو على خلاف الظاهر، والقدر المتيقن من الامور التي تجعل الصغيرة كبيرة إصطلاحا هو الإصرار عليها.

الذنوب الكبيرة - 2 259


تعيين الإصرار أمر عرفي :

تقدم ان الاصرار هو تكرار الذنب من دون الندم عليه بعد كل مرة ودون التوبة منه، او زيادة صدور الذنب منه وان تعدد انواعه.
اما بماذا يتحقق التكرار؟ وفي أية مرتبة ؟ فتعيين ذلك امرعرفي وليس له ميزان محدد، حيث يختلف باختلاف الذنوب الصغيرة ومدى قربها او بعدها من الكبائر ، ففي بعضها يتحقق الإصرار بتكرارها ثلاث مرات، وبعضها بأكثر من ذلك وبعضها باقل، وعلى جميع التقادير فالميزان هو النظر العرفي.

الذنوب الكبيرة - 2 260




الذنوب الكبيرة - 2 261


ملاحظـة

الذنوب التي ذكرت ضمن العناوين الأربعين السابقة هي الذنوب التي ورد التصريح بها في النص المعتبر ، هذا وقد نقل في وسائل الشيعة روايتين مرسلتين عد في احداهما (استحلال البيت) من جملة الكبائر وفي الأخرى (الحيف في الوصية).
اما استحلال البيت فسوف نذكره «ان شاء الله» ضمن الكبائر غير المنصوصة ، وفيما يلي نذكر حديثا مجملا عن (الحيف في الوصية) كي لا يفوتنا شيء من الكبائر المنصوصة.

الذنوب الكبيرة - 2 262


الحيف في الوصية

الحيف في الوصية بمعنى الظلم والتعدي على جميع الورثة او بعضهم، وحرمانهم من الميراث.
روى في تفسير القمي في شرح الآية 182 من سورة البقرة « فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أوإثماً فأصْلَحَ بَينَهُم فَلا إثْمَ عليه » قال الصادق «عليه السلام» (الجنف : الميل الى بعض ورثته دون بعض، والإثم ان يأمر بعمارة بيوت النيران واتخاذ المسكر فيحل للوصي ان لا يعمل شيئا).

رعاية الوارث الفقير لازمة:

اذا كان الوارث غنيا فان باستطاعة الموصي ان يوصي: بثلث ماله ، وأما ما زا د عليه فهو موقوف على اذن الوارث، كما ان بعض الورثة إذا كان فقيرا او صاحب تقوى اكثر فان باستطاعة الموصي ان يوصي له من ثلث ماله بحيث يصل له اكثر من سهمه في الميراث.
اما اذا كان الوارث فقيرا فالأفضل ان لا يوصي صاحب المال أصلا، او لا يوصي باكثر من سدس ماله او خمس ماله، وذلك ان إغناء الوارث الفقير هو بنفسه من افضل مصارف الخير فانه صلة للرحم وخصوصا اذا كان صغيرا.
عن امير المؤمنين «عليه السلام»:
(لئن اوصي بالخمس أحب الي من اوصي بالربع، ولئن اوصي بالربع أحب الي من ان أوصي بالثلث، ومن اوصى بالثلث فلم يترك شيئا) «البحار».
وعن الامام الرضا«عليه السلام» :
(ويستحب ان يوصي الرجل لقرابته ممن لا يرث شيئا من ماله قل او كثر وان لم يفعل فقد ختم عمله بمعصية) «البحار».
ولعل جهة المعصية في ذلك انه في آخر ساعات حياته لم يراع صلة الرحم والتي هى من اهم الواجبات الإلهية ، في صورة ما اذا كان ترك مثل تلك الوصية بحسب نظر

الذنوب الكبيرة - 2 263


الناس قطعا للرحم ومثاله ما لو كان الشخص غنيا وله رحم فقير غير وارث ، فان عدم الوصية له حرام قطعا ومن الذنوب الكبيرة.

الوارث مقدم على غيره:

ورد في رواية عن الامام الصادق «عليه السلام» ان رجلا من الأنصار مات وله أولاد صغار ولم يكن له من الدنيا إلا ستة عبيد اعتقهم عند موته، فلما مات دفن في مقابر المسلمين، فوصل خبره الى رسول الله «صلى الله علي واله» فقال : لو علمت ما دفناه مع اهل الإسلام، ترك ولده يتكففون الناس «الوافي».

تقسيم التركة حسب قانون الميراث:

وبالجملة لا يجوز الوصية بأكثر من ثلث ماله، ولو فعل فان اللازم على الوصي العمل بوصيته بمقدار الثلث فقط ، اللهم إلا إذا اذن الوارث.
كما أن الوصية في ألأمور المحرمة غير جائزة، ويجب على الوصي تركها وصرف المال في ألأمور الخيرية .
كما ان حرمان بعض الورثة من الإرث غير جائز ايضا، ويجب على الوصي ان يعطيه حسب استحقاقه ماعين الله له.
وايضا اذا كان له وارث غني من الطبقة الأولى (الأولاد والأبوان) وكان له وارث فقير من الطبقة الثانية (الاخوة والاخوات) او من الطبقة الثالثة (الاعمام والعمات والاخوال والخالات) فانه يلزمه الوصية بصرف مقدار من ماله على ذلك الرحم، ولو ترك هذه الوصية وكان ذلك عرفا قطعا للرحم مات عاصيا كما تقدم ان الامام الصادق «عليه السلام» اوصى بأن يعطى من ماله سبعون أشرفيا للحسن ألأفطس وهو ابن عم ألإمام ، كم أوصى لآخرين من ارحامه حتى قيل له (اتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد ان يقتلك!؟
فقال «عليه السلام»: تريد ان لا أكون من الذين قال الله عز وجل « والذينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ

الذنوب الكبيرة - 2 264


اللهُ بِهِ أن يُوصَلَ ويَخْشَونَ رَبَّهُم ويَخافُونَ سُوءَ الحِسابِ » (1) وقد نقلنا الرواية في بحث قطع الرحم.

الذنوب الكبيرة - 2 265


الباب ألثاني

الكبائر غير المنصوصة

الفصل ألأول


الذنوب الكبيرة - 2 266




الذنوب الكبيرة - 2 267


ما ورد عليه بالعذاب

ذكرنا في أول الكتاب هناك أربعة طرق لتعيين الذنوب الكبيرة:
الأول: ان يرد التصريح بذلك في نص معتبر.
الثاني: ان يرد الوعيد عليه بالعذاب في القرآن المجيد أو الروايات المعتبرة اما بالتصريح او بالدلالة الضمنية.
الثالث: ان يرد التصريح في الكتاب او السنة بانه اكبر من الكبائر الثابتة بالطريقين السابقين.
الرابع : ان يكون كبيرا عند المتشرعة(المتدينين).
* * *
وقد ذكرنا القسم الاول في الباب الاول من هذا الكتاب ضمن اربعين ذنبا، والاقسام الثلاثة الأخرى سنذكرها « ان شاء الله» في الباب الثاني.
وقبل الشروع بتعداد ما ورد الوعيد عليه بالنار يجب ان يعلم ان مدرك هذه الاحكام روايات عديدة صرحت بهذا الامر، من جملتها صحيحة ابن ابي يعفور عن الامام الصادق «عليه السلام» حيث قال «عليه السلام» في معرفة عدالة الشخص:
(ويعرف باجتناب الكبائر التي اوعد الله عليها النار).
ويظهر بوضوح من هذا النص ان كل ذنب اوعد الله علي بالنار فهو من الكبائر، ومثل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه الامام موسى بن جعفر «عليه السلام»:

الذنوب الكبيرة - 2 268


سألته عن الكبائر التي قال الله تعالى «إن تَجْتَنِبوا كَبائِرَ ما تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيّئاتِكُم »قال «عليه السلام»: (التي اوجب الله عليها النار).
ومثل ذلك ماورد في الكافي عن الامام الصادق «عليه السلام».
ويروي ابو بصير قائلا: سمعته «عليه السلام» يتلو قوله تعالى:
« ومَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَدْ أوتيَ خَيراً كَثيراً » (1) فقال «عليه السلام» في معنى الحكمة:
( معرفة الإمام واجتناب الكبائر التي أوجب ألله عليها النار) «الكافي ».
وعن محمد بن مسلم عن الامام الصادق «عليه السلام»انه عد من الكبائر (وكل ما أوجب الله عليها النار) «الكافي».
وبالجملة يعرف من نصوص عديدة خصوصا صحيحة عبدالعظيم «عليه السلام» أن كل ذنب ورد الوعيد عليه بالنار في القرآن المجيد أو سنة رسول ألله «صلى الله عليه وآله» أو ألأئمة عليهم السلام هو ذنب كبير، سواءا كان الوعيد صريحا وبشكل مباشر مثل الوعيد بالنار لتارك الصلاةـ (2)، او بشكل غير مباشر مثل التصريح بان تارك الصلاة مشرك (3) ، ثم القول بان المشرك في جهنم (4)، وسواءا كان الوعيد بالنار صريحا (5) او كان الوعيد ضمنيا، مثل قول رسول الله «صلى الله عليه واله» : (من ترك الصلاة متعمدا فقد برىء من ذمة الله وذمة رسوله).
وظاهر ان هذه الجملة كناية عن العذاب والهلاك الدائم لتارك الصلاة، كما جعل هذا الحديث في صحيحة عبد العظيم شاهدا على ان ترك الصلاة من الكبائر.
ومن هنا يظهر صحة ما نسب الى ابن عباس انه قال (الكبائر أقرب الى سبعمائة

(1) البقرة299.
(2) « فَخَلَفَ مِن بَعدِهِم خَلَفٌ أضاعُوا الصلاة وإتَّبَعوا الشَهوَاتِ فَسَوفَ يَلقونَ غَيّا » «السورة 19/59».
(3) « وأقِيمُوا الصَلاةَ ولا تَكونوا مِنَ المُشْرِكينَ »«السورة 30 /31».
(4) « والمُشركينَ في نارِِ جَهَنَّمَ »«سورة البينة ـ 6».
(5) « فَوَيلٌ لِلمُصَّلينَ الذينَ هُم عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ »«السورة 107 ـ 5».
الذنوب الكبيرة - 2 269


منها الى سبعة)، ذلك ان الذنوب التي جاء الوعيد عليها في الكتاب او السنة المعتبرة بالعذاب كثيرة، ولو اريد جمعها بالتفصيل لزادت على سبعمائة ومع ضيق المجال فإن جمعها في غاية الصعوبة ، وبناء على ذلك فإننا سنشير هنا إلى أكثرها محل للابتلاء.
ونشير ضمنا الى ان جميع ما ذكر من الكبائر في الباب الاول قد ورد الوعيد عليه بالعذاب مضافا الى التصريح باعتباره من الكبائر.

الذنوب الكبيرة - 2 270




الذنوب الكبيرة - 2 271


1
ألغيبـة

اول اذنوب التي ثبت انها من الكبائر بدليل الوعيد عليها بالعذاب في القرآن المجيد والروايات الكثيرة هو الغيبة ، كما يقول تعالى في سورة النور « إنَّ الَذينَ يُحِبُونَ أن تَشيعَ الفاحِشَةُ في الذينَ آمَنوا لَهُم عَذابٌ أليم » (1) وفي رواية ابن ابي عمير عن الامام الصادق «عليه السلام» انه قال:
من قال في مؤمن مارأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله عزوجل « إن الذينَ يُحِبُونَ أن تَشيعَ الفاحِشَةُ » «اصول الكافي» وبمقتضى هذه الرواية الصحيحة تكون الغيبة داخلة في هذه الآية الشريفة التي أوعدت بالعذاب.
وفي سورة الحجرات يقول تعالى « ولا يَغتَبْ بَعضُكًم بَعضاً أيُحبُ أحَدُكُم أن يأكُلَ لَحمَ أخيهِ مَيتاً فَكَرِهْتُمُوهُ » (2) وفي هذه الآية الشريفة عدة احتمالات:
احدها: انها في مقام بيان كيفية العذاب الأخروي للمغتاب، حيث تتجسم الغيبة

(1) النور 19.
(2) الحجرات 12.
الذنوب الكبيرة - 2 272


في الآخره بصورة اكل ميتة الشخص المستغاب، والشاهد على هذا الاحتمال رواية شريفة عن الرسول الأكرم «صلى ألله عليه وآله» انه نظر في ليلة الاسراء فاذا قوم يأكلون الجيف فقال ياجبرئيل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس «المستدرك / احكام العشرة » والإحتمال الآخر هو ان المراد التنزيل الحكمي بمعنى ان الغيبة هي بمنزلة اكل لحم المستغاب ميتا من ناحية الحكم ، وقد تقدم في الباب الاول ان اكل الميتة من الذنوب الكبيرة:
عن الامام الحسن العسكري «عليه السلام» انه قال:
(اعلموا ان غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمد «صلى الله عليه واله» اعظم في التحريم من الميتة قال الله تعالى « ولايَغْتَبْ بَعضُكُم بَعضاً » (1) « المستدرك» وبناءا على ذلك فانه يظهر من الآية الشريفة على كلا الاحتمالين ان الغيبة من الذنوب الكبيرة().
وقال تعالى في سورة الهمزة: « ويلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة » (2) وقال في تفسير مجمع البيان (هذا وعيد من الله سبحانه لكل مغتاب غياب مشاء بالنميمة مفرق بين الأحبة، وقيل الهمزة المغتاب واللمزة الطعان، وقيل الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمزة الذين يلمزهم بلسانه وبعينة).
واما (ويل) فهو اسم لدركة من دركات جهنم، اواسم لواد فيها، وتستعمل للتعبير عن شدة العذاب.
وبناءا على ذلك فان الغيبة من الذنوب التي جاء الوعيد عليها بالعذاب في اكثر من موضع من القرآن المجيد وهي من الكبائر.

(1) الحجرات 12.
(2) الهُمزة 1.

السابق السابق الفهرس التالي التالي