الذنوب الكبيرة - 2 236


روى سماعة قال: سألته عن رجل اخذ في شهر رمضان وقد افطر ثلاث مرات وقد رُفع الى الامام ثلاث مرات؟ قال «عليه السلام» يقتل في الثالثة.
وفي صحيحة يونس عن ابي الحسن الماضي «عليه السلام» (اصحاب الكبائر اذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا الثالثة).

الجهاد في سبيل الله:

الجهاد ركن من اركان الاسلام كالصلاة والصيام كما ورد التصريح بذلك في الروايات، كما ان الآيات والروايات في اهمية وفضيلة الجهاد والتهديد في تركه عديدة.
والجهاد على عدة اقسام:

القسم الاول:
قتال الكافر ابتداء لدعوتهم الى الاسلام ولهذا القسم من الجهاد شروط من جملتها إذن الامام «عليه السلام» او نائبه الخاص، وحيث ان الامام المعصوم «عليه السلام» في زماننا غائب، وليس له نائب خاص كان الجهاد الابتدائي ساقطا.
القسم الثاني:
قتال الكفار الذين هجموا على المسلمين لمحو الاسلام واثاره ولا يشترط في هذا القسم من الجهاد اذن الامام «عليه السلام» او نائبه بل تجب الحرب ، والدفاع عن حريم الاسلام، ودفع شر الاجانب والكفار على عموم المسلمين حتى النساء في صورة القدرة.
القسم الثالث:
قتال مجموعة من الكفار هجموا على مجموعة من المسلمين لقتلهم والإغارة على اموالهم، دون ان يكون قصدهم تغيير الدين، والقضاء على الاسلام وفي هذا القسم ايضا لا يشترط اذن الامام او نائبه الخاص.

الذنوب الكبيرة - 2 237


القسم الرابع:
الجهاد في مقام الدفاع عن النفس والعرض والمال ، فيجب على كل مسلم ـ في صورة القدرة وأمن الخطر ـ الدفاع مع مراعاة شروطه ـ ضد كل معتد اراد قتله او قتل مسلم آخر او الاعتداء على عرضه أو عرض مسلم اخر، او استلاب امواله المحترمة او اموال مسلم اخر.
ولكل واحد من هذه الاقسام الاربعة احكام وفروع كثيرة مذكورة في الكتب الفقهية.
كتب المرحوم الشيخ كاشف الغطاء في كتاب «اصل الشيعة واصولها» :
(الجهاد هو حجر الزاوية في بناء هيكل الاسلام وعموده الذي قامت عليه سرادقه، واتسعت مناطقه، وامتدت طرائقه ولولا الجهاد لما كان الاسلام رحمة للعالمين وبركة على الخلق اجمعين.)
وهو الجهاد هو مكافحة العدو ومقاومة الظلم والفساد في الأرض بالنفوس وألأموال والتضحية والمفاداة للحق .
الجهاد عندنا على قسمين : (الجهاد الاكبر) بمقاومته العدو الداخلي وهو النفس ومكافحة صفاتها الذميمة ، واخلاقها الرذيلة من الجهل والجبن والجور والظلم والكبر والغرور والحسد والشُح الى آخر ماهناك من نظائرها(اعدى عدويك نفسك التي بين جنبيك).
(الجهاد ألأصغر) هو مقاومة العدو الخارجي، عدو الحق، عدو العدل ، عدو الصلاح، عدوالفضيلة، عدو الدين.
ولصعوبة معالجة النفس وانتزاع صفاتها الذميمة وغرائزها المستحكمة فيها والمطبوعة عليها سمى النبي«صلى الله عليه واله» هذا النوع في بعض كلماته (بالجهاد الأكبر) ولم يزل هو واصحابه رضوان الله عليهم طول حياته وحياتهم مشغولين بالجهادين حتى بلغ الاسلام الى أسمى مبالغ العز و المجد.

الذنوب الكبيرة - 2 238


ولو اردنا ان نطلق عنان البيان للقلم في تصوير ما كان عليه الجهاد بالأمس عند المسلمين وما صار اليوم لتفجرت العيون دما، ولتمزقت القلوب أسفا وندما، ولتسابقت العبرات والعبادات والكلوم والكلمات ولكن أتراك فطنت لما حبس قلمي ولوى عناني واجج لوعتي واهاج احزاني وسلبني حتى حرية القول ونفثة المصدور وبثة المحجور؟
فدع عنك نهبا صيح في حجراته ولكن حديثا ما حديث الرواحل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر:

الامر بالمعروف يعني دفع الغير نحو الطاعة، والنهي عن المنكر يعني منع الغير عن المعصية ، وكلاهما من اركان الاسلام واهم فروضه وهما شعبة من شعب الجهاد ورد التصريح بذلك في روايات كثيرة ،وورد الامر الاكيد بهما والتهديد الشديد على تركهما في آيات وروايات عديدة، نشير فيما يلي الى بعضها.
قال ألله تعالى في سورة ال عمران « ولَتْكُن مِنكُم أُمةق يَدعونَ الى الخيرِ ويأمرونَ بالمَعروفِ ويَنهونَ عَن المُنكَرِ وأُولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ » (1).
فقد اوجب الله تعالى في هذه الآية التبليغ الديني والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وفي موضع آخر من نفس السورة يقول تعالى « كُنتُم خَيرَ أُمةٍ أُخرِجَت للناسِ تأمُرونَ بالمَعروفِ و تَنهَونَ عَن المُنكَرِ وتؤمِنُونَ بأللهِ » (2).
ويقول تعالى في سورة المائدة في توبيخ من ترك النهي عن المنكر « لولا يَنهاهُمُ الرَبّانيونَ والأحبارُعَن قَولِهِمُ الإثمَ وأكلِهِمُ السُحْتَ لَبِئسَ ما كانوا يَصْنَعونَ » (3).
ويقول تعالى في قصة أصحاب السبت:

(1) آل عمران 104.
(2) آل عمران 110.
(3) المائدة 63.
الذنوب الكبيرة - 2 239


« واسألهُم عَن القَريةِ التي كانَتْ حاضِرةَ البَحرِ إذْ يَعدونَ في السَبتِ إذ تأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعاً ويَومَ لا يَسْبِتُونَ لا تأيتهم كَذلِكَ نَبلُوَّهُم بما كانوا يَفسُقُونَ، وإذ قالَت أُمة ٌمِنهُم لِمَ تَعِظونَ قَوماً اللهُ مُهلِكُهُم أو مُعَذِّبُهُم عذاباً شديداً قالوا مَعذِرَةً إلى رَبِكُم ولَعلَّهُم يَتّقون، فلَما نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ أنْجَينا الذينَ يَنهَونَ عَن السُوءِ وأخذنا ِالذينَ ظَلَموا بِعَذابٍ بَئيس بِما كانوا يَفسِقُونَ، فلَّما عَتوا عَن ما نُهوا عَنهُ قُلنا لَهُم كونوا قِرَدَةً خاسِئين » «السورة 7/163ـ 166» حيث يعلم من هذه الآيات ان ترك النهي عن المنكر من الذنوب التي جاء في القرآن المجيد الوعيد عليها بالعذاب ، كما يعلم ان تارك النهي عن المنكر هو بمثابة فاعل المنكر في استحقاق العذاب، ذلك ان فاعل المنكر اذا كان قد ارتكب حراما فإن تارك النهي قد ترك واجبا الهيا ، واصبح بذلك فاسقا (1) .
وقال تعالى ايضا:
« لُعِنَ الذينَ كَفَروا مِن بَني إسْرائيلَ على لِسانِ داوُدَ وعيسى إبنَ مَريَمَ ذلِكَ بِما عَصَوا وَكانوا يَعتَدونَ، كانوا لا يَتَناهَونَ عَنْ مُنكَرٍفَعَلُوهُ لَبِئسَ ما كانوا يَفعَلُونَ ، تَرى كَثيراً مِنهُم يَتَوَلَوْنَ الذينَ كَفروا لَبِئسَ ما قَدَّمَت لَهُم أنفُسُهُم أن سَخِطَ اللهُ عَليهِم وفي العَذابِ هُم خالدونَ » «السورة 5 /78ـ80»
ففي هذه الآيات تهديد عظيم لتاركي النهي المنكر.
روي عن الامام الصادق «عليه السلام» في قوله تعالى «كانوا لا يَتَناهونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئسَ ما كانوا يَفعَلُون» قال «عليه السلام» (اما انهم لم يكونوا يدخلون مداخلهم ولا يجالسون مجالسهم، ولكن كانوا اذا لقوهم ضحكوا في وجوههم وأنسوا بهم) «تفسير العياشى».

(1) راجع تفسير الميزان فقد نقل عدة روايات عن اهل البيت (ع) تؤيد ما ذكرناه.
الذنوب الكبيرة - 2 240


الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأخبار:

ورد عن الامام الرضا «عليه السلام» قوله:
(لتامرن بالمعروف، ولتنهن عن المنكر ، او ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) «الوسائل ـ الامر بالمعروف» .
وقال رسول الله «صلى الله عليه واله» :
( إذا أمتي تواكلت ألأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من ألله )(1)«الوسائل ـ ألأمر بالمعروف».
وقال «صلى الله عليه واله» :
(ان الله عز وجل يبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له فقيل وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال«صلى الله عليه واله» الذي لا ينهى عن المنكر) «الوسائل».
وعن الامام الباقر «عليه السلام» قوله:
(أوحى الله الى شعيب النبي «عليه السلام» اني معذب من قومك مائة الف: أربعين الفا من شرارهم، وستين الفا من خيارهم ، فقال «عليه السلام» : يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار؟ فاوحى الله عزوجل اليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي «الوسائل /الامر المعروف باب/8».

(1) كتب المرحوم الشيخ كاشف الغطاء في كتاب (اصل الشيعة وأصولها):
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من اهم الواجبات شرعا وعقلا، وهو اساس من اسس دين الاسلام ، وهو من افضل العبادات وانبل الطاعات، وهو باب من ابوب الجهاد، والدعوة الى الحق ، والدعاية الى الهدى ، ومقاومة الضلال والباطل ، والذي ما تركه قوم الا وضربهم الله بالذل، والبسهم لباس البؤس ، وجعلهم فريسة لكل غاشم ، وطعمة كل ظالم، وقد ورد من صاحب الشريعة الاسلامية ، وائمتنا المعصومين صلوات الله عليهم في الحث عليه والتحذير من تركه وبيان المفاسد والمضار في إهماله ما يقصم الظهور ويقطع ألأعناق والمحاذير التي أنذرونا بها عند التواكل والتخاذل في شان هذا الواجب قد اصبحنا نراها عيانا ولا نحتاج عليها دليلا ولا برهانا، وبا ليت الامر وقف عند ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتجاوزه الى ان يصير المنكر معروفا والمعروف منكرا، ويصير الامر بالمعروف تاركا له والناهي عن المنكرعاملا به، فانا لله وانا اليه راجعون، « ظَهَرَ الفَسادُ في البرِ والبحر» فلا منكر مغير، ولا زاجر مزدجر لعن الله الآمرين بالمعروف التاريكن له الناهين عن المنكر العاملين به.
الذنوب الكبيرة - 2 241


وعن الصادق «عليه السلام»:
(ويلٌ لقوم لا يدينون الله بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر) «الوسائل» :
وعن الامام المؤمنين «عليه السلام» :
(إن الله لم يلعن القرن الماضي بين ايديكم الا لتركهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فلعن السفهاء لركوب المعاصي والحكماء لترك التناهي) «نهج البلاغة».

شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا توفرت أربعة شروط:
الاول: العلم بالمعروف والمنكر.
فاذا اراد ان يامر احدا بشيء ويدفعه نحو الإتيان به ، لزم ان يكون الآمر عالما بوجوبه على المأمور أولاً، بأن يكون من ضروريات الدين، او من المتفق عليه عند جميع العلماء والمجتهدين ، فلا يجب الامر به اذا كانت المسألة خلافية إذ يحتمل ان يكون الشخص التارك له مقلدا لمن لا يقول بوجوبه ، وهكذا اذا احتمل ان التارك للواجب الشرعي انما تركه لعذر شرعي او عقلي فلا يجب عليه حينئذ الامر به.
كما ان وجوب النهي عن المنكر يشترط فيه ان يكون الناهي عالما بحرمة ذلك المنكر الذي يريد النهي عنه، فاذا رأى من يستغيب مسلما واحتمل ان غيبته من الموراد المأذون بها شرعا بالنسبة لذلك الشخص ، فلا يجب عليه النهي، بل لا يجوز له اذا كان موجبا لهتكه، وفي الجملة يشترط في المعروف الذي يريد ان يامر به ان يكون عالما بانه من (المعروف) حكما وموضوعا، وما يريد النهي عنه يجب ان يكون عالما بانه من ( المنكر) حكما وموضوعا، ويكون ذلك امرا مسلما وقطعيا.
الثاني: احتمال التأثير والفائدة.
اما اذا تيقن ان لا فائدة في امره ونهيه لم يجب عليه .
قال مسعدة سمعت ابا عبدالله «عليه السلام» وقد سئل عن الحديث الذي جاء عن النبي «صلى ألله عليه وآله» ان افضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر قال «عليه السلام» هذا على

الذنوب الكبيرة - 2 242


ان يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا «وسائل الشيعة».
وعن الامام الصادق«عليه السلام» ايضا انه قال:
(انما يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ او جاهل فيتعلم فاما صاحب سوط او سيف فلا) «الوسائل».
الثالث: ان يكون التارك للمعروف والمرتكب مصرا على ترك الواجب اوفعل الحرام ومستمرا به.
اما اذا كان نادما ومتراجعا عن المعصية، فمعه يسقط الأمر والنهي ، قال عدة من الفقهاء انه اذا ظهرت عليه علامات الندم والعزم على ترك تلك المعصية سقط الامر والنهي إذا كان معلوما منه ترك الحرام والإتيان بالفعل الواجب.
الرابع: ان لا يترتب على الامر والنهي مفسدة وضرر:
وبناءا عليه اذا احتمل ترتب الضررعلى نفسه او كرامته او ماله سقط وجوبهما، اما الحديث الوارد في ان اكرم الشهداء رجل قال كلمة حق عند سلطان جائز فقتله فإنه يحتمل على صورة ما اذا لم يكن لديه ظن بالضرر والمفسدة بل كان ظنه عدم الضرر فقال كلمته فقتله الظالم.

لا يعتنى بالضرر الوهمي والضرر الطفيف:

اما الأحاديث الواردة في مذمة من يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا من الضرر مثل حديث جابر الانصاري عن الامام الباقر«عليه السلام» والذي يقول فيه:
(يكون في آخر الزمان قوم ينبع فيهم قوم مراؤون فينفرون وينسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون امرا بمعروف ولا نهيا عن منكر الا اذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير... الى ان قال: هناك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه) «الوسائل الامر بالمعروف/باب 2».
فيمكن حملها على عدة وجوه:
1 ـ ان المراد بالضرر في هذه الروايات الضرر الوهمي او المشكوك، إلا أنهم

الذنوب الكبيرة - 2 243


يتركون الامر والنهي دون ان يكون لهم علم بالضرر، بل لمجرد احتمال وصول الضرر، وواضح ان مثل هذا الحال دليل على ضعف الايمان ، ولذا وقع موردا للتوبيخ.
2 ـ والوجه الثاني ان المراد بالضرر الضرر القليل الذي لا يعتنى به عند العقلاء. واحيانا يترك النهي عن المنكر بتوهم انه سوف يحرم من نفع يرجوه من مرتكب الحرام، في حين انه ليس عذرا عند الله.
والخلاصة انه في كل مورد يعلم او يظن وصول الضرر المعتنى به عند العقلاء اذا امر بالمعروف ونهى عن المنكر سقط عنه وجوب الامر والنهى .

يجب مراعاة الأهم والمهم:

يجب ان يعلم ان سقوط وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انما هو في صورة ما اذا لم يكن في تركهما ضرر، أما إذا كان في تركهما ضرر فيجب مراعاة مراتب الضرر، فان كان الضرر في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اكثر من الضرر المترتب على ألأمر والنهي فيلزمه أن لا يتركهما وإن كان ضررهما أكثر لزمه الترك.
مثلا : اذا رأى من يريد الاعتداء على مسلم في نفسه او عرضه او ماله وكان يستطيع الدفاع عنه والمنع من الاعتداء عليه ولكنه يحتمل بعض المشاق، ويسمع بعض الشتم والبذاء ، فهنا يجب النهي عن المنكر ، وذلك لأن الضرر الذي يصل إليه نتيجة النهي عن المنكر اقل من الضرر الذي يتعرض له ذلك المسلم ولا شيء بالنسبة له.
وحيث كان البناء على الاختصار لذا نعتذر عن بسط المقال.

مراتب النهي من المنكر:

للنهي عن المنكر ثلاث مراتب، الإنكار بالقلب واللسان واليد، وكل واحد من هذه المراتب الثلاث له درجات يجب مراعاتها ، يعني انه اذا كانت المرتبة الأسهل والاخف مؤثرة لم يجز الانتقال الى المراتبة الاشد والاصعب ، وتوضيح ذلك كما يلي:

الذنوب الكبيرة - 2 244


(1) الإنكار القلبي:
ان من لوازم الإيمان انزعاج المؤمن من كل منكر حرام، ومحبة كل معروف وعمل صالح، فمتى ما واجه منكرا وجب عليه ان يعرب عن سخطه وإعراضه عن ذلك الحرام ويعبس وجهه امام فاعله، ويقطع الكلام معه، او اذا كان مضطرا يتكلم معه ويشيح بوجهه عنه.
يقول امير المؤمنين «عليه السلام» (امرنا رسول الله « صلى الله عليه واله» ان نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرة) «الوسائل ـ الأمر بالمعروف».
وعن الامام الصادق «عليه السلام» قوله:
ان الله بعث ملكين الى اهل مدينة ليقلباها، فلما انتهيا الى المدينة فوجدا فيها رجلا يدعو ويتضرع ـ الى ان قال ، فعاد احدهما الى الله فقال: يا رب اني انتهيت الى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع اليك، فقال ـ تعالى ـ. امضى لما امرتك به، فإن هذا رجل لم يتمعر وجهه غيظا لي قط) «الوسائل ـ الامر بالمعروف باب 6».
وروي عن عليه السلام انه قال:
(لأحملن ذنوب سفهائكم الى علمائكم ـ الى ان قال ـ ما يمنعكم اذا بلغكم عن الرجل منكم ما تكرهون، وما يدخل علينا به ألأذى ان تأتوه فتؤنبوه وتعذلوه وتقولوا له قولا بليغا.
قلت : جعلت فداك، اذا لا يقبلون منا؟
قال «عليه السلام» : اهجروهم واجتنبوا مجالسهم) «الوسائل ـ الأمر بالمعروف ـ باب 7».
واذا كفت هذه المرتبة في الإنتهاء عن المنكر فلا ينبغي الإنتقال الى المراتب الاخرى، كما انه في نفس هذه المرتبة اذا كانت الدرجة الخفيفة منها موثرة لاينبغي استعمال الدرجة الاشد، فالملاقاة بوجه مكفهر أولى من الإعراض، والإعراض أولى من القطيعة والهجر.

الذنوب الكبيرة - 2 245


وخلاصة القول انه يجب مراعاة الأسهل فالأسهل.
وفي بعض الأحيان، ونسبة لبعض الأشخاص، تكون المرتبة الأولى من النهي وهى الإنكار القلبي أشق من المرتبة الثانية وهي الإنكار باللسان، من حيث ان الإنكار اللساني بأسلوب هادىء أخف عنده من الأعراض والهجر، ففي مثل هذه الصورة يجب تقديم المرتبة الثانية .
(2) الإنكار باللسان:
وهنا ايضا يجب ملاحظة الأسهل فالأسهل ، ففي البدء يجب ألإكتفاء بالكلام الهادئ الناعم والموعظة والنصيحة كما قال تعالى لموسى وهارون « وقولا لَهُ قَولاً لَيّناً لَعلَّه ُيَتَذكَّرُ أو يَخشى » (1) واذا لم ينفع ذلك انتقل الى الكلام الخشن، وفي كلا النحوين (الناعم والخشن) يجب ملاحظة درجاتهما.
(3) الإنكار باليد:
اذا لم ينفع الإنكار باللسان تحول الى الإنكار باليد (الجوارح) ، ولا يمارس الأشد طالما كان الأخف مؤثرا، اما اذا لم يؤثر الضرب القليل فلا مانع من التحول الى الضرب الشديد بشرط ان يكون مؤثرا.
بل متى ما تيقن ان المنكر الذي يريد النهي عنه هو محل غضب الشرع مثل زنا المحصنة واللواط، واحتمل ان الضرب الموجب مؤثر في اجتناب العاصي لذلك المنكر ، ولم يكن في ذلك الضرب ضرر بالغ عليه، فهنا يجب الضرب الشديد من باب النهي عن المنكر.
اما اذا لم يكن في الإنكار باليد تأثير على كل الأحوال سقط التكليف عنه
.
ميت بين الاحياء
:
يقول امير المؤمنين «عليه السلام»:

(1) طه 44.
الذنوب الكبيرة - 2 246


(فمنهم المنكر للمنكر بقلبه ولسانه ويده، وذلك المستكمل لخصال الخير، ومنهم المنكر بلسانه وقلبه التارك بيده فذلك متمسك بخصلتين من خصال الخير ، ومضيع خصلة، ومنهم المنكر بقلبه والتارك بيده ولسانه فذلك الذي ضيع اشرف الخصلتين من ثلاث وتمسك بواحدة ، ومنهم تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده فذلك ميت بين الأحياء .. الى ان قال «عليه السلام» :
(وان الامر المعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من اجل ، ولا ينقصان من رزق) «الوسائل ـ الامر بالمعروف ـ باب 3».

الولاية والبراءة:

من جملة الواجبات مودة الله تعالى ومن امر الله بمودته وعلى راسهم المعصومون الاربعة عشر، وبعدهم شيعتهم ومحبوهم وذريتهم الطاهر وسلسلة السادات الجليلة من حيث انتسابهم كما قال تعالى في القران المجيد « قل لا أسألُكُم عليهِ أجراً إلا المَوَدَّةَ في القُربى » (1).
وأما المقصود بالبراءة فهو معاداة جميع اعداء الله واعداء اولياءه وعلى راسهم الغاصبون والظالمون لآل محمد «صلى الله عليه واله» والخلاصة معاداة كل من يبرا الله تعالى ورسوله منه.
ومن ذلك معاداة المعاصي واهلها كما ان من التوالي محبة الطاعات واهلها.
والآيات القرآنية والروايات المتواترة في اهمية هذه الفريضة وعظمتها ـ حتى انها من اركان الدين ـ عديدة، وحيث انها من ضروريات المذهب لا حاجة الى ذكرها وانما نكتفي فقط للتبرك بعدة روايات:
قال تعالى:
«قُل إن كانَ آباؤُكُم وأبنائُكُم وإخوانُكُم وأزواجُكُم وعَشيرَتُكُم وأموالٌ إقتَرَفْتُمُوها

(1) الشورى 23.
الذنوب الكبيرة - 2 247


وتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها ومَساكِنُ تَرضَونَها أحَبُّ إليكم مِنَ اللهِ ورَسولِهِ وجهادٍ في سَبيلهِ فَتَربَّصُوا حتى يأتيَ اللهُ بأمرِهِ واللهُ لا يَهدي القومَ الفاسِقينَ »«البراءة/24».
وعن الامام الباقر «عليه السلام» :
(بني الاسلام على خمس: على الصلاة ، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية) «الكافي».
وعن الامام الصادق «عليه السلام»:
(قال :قال رسول الله «صلى الله عليه واله » لأصحابه اي عرى الايمان اوثق؟
فقالوا :الله ورسوله اعلم، وقال بعضهم الصلاة، وقال بعضهم الزكاة ، وقال بعضهم الصيام ، وقال بعضهم الحج والعمرة وقال بعضهم الجهاد،
فقال رسول الله «صلى الله عليه واله» ، لكل ما قلتم فضل وليس به، ولكن اوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وتولي اولياء الله والتبري من اعداء الله) «الكافي ».
,وفي حديث الامام الرضا «عليه السلام» ضمن بيان شرائع الاسلام قال«عليه السلام» :
(والبراءة ممن ظلموا آل محمد «صلى الله عليه واله» وهموا بإخراجهم وسنوا ظلمهم وغيروا سنة نبيهم «صلى الله عليه واله» والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين الذين هتكوا حجاب رسول الله «صلى الله عليه واله» ونكثوا بيعة امامهم واخرجوا المرأة وحاربوا امير المؤمنين «عليه السلام...) «علل الشرائع ح 2/126».
والولاية لأمير المؤمنين والذين مضوا على منهاج نبيهم «صلى ألله عليه وآله» ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي وابي ذر الغفاري والمقداد بن الاسود وعمار بن ياسر وحذيفة اليماني وابي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف وعبادة بن الصامت وابي ايوب الانصاري وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين وابي سعيد الخدري وامثالهم رضي الله عنهم).
وعن الامام الصادق «عليه السلام»:

الذنوب الكبيرة - 2 248


(من سره ان يلقى الله وهو مؤمن فليتول الله ورسوله والذين امنوا ، وليبرأ الى الله من عدوهم) «الكافي».
وعن الامام الباقر«عليه السلام» :
(والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا، وهل الدين الا الحب والبغض) «بحار الانوار»

انكار حق اهل البيت (ع):

روي في كتاب (الوسائل) عن الامام الصادق «عليه السلام» ضمن حديث في تعداد الكبائر قوله «عليه السلام» (وإنكار حقنا) وفي حديث آخر (وإنكار ما انزل الله).
وظاهر ان المراد من انكار حق اهل البيت «عليهم السلام» إنكار الولاية كما ذكرنا، والمراد من انكار ما انزل الله حقوق ال محمد «صلى الله عليه واله» وولايتهم.
وقد احتمل بعض العلماء ان المراد بـ (المحاربة لأولياء الله) المذكورة في رواية اخرى من جملة الكبائر مخالفة آل محمد «صلى الله عليه واله» ومعاداتهم.
وبناءا على ذلك فان المراد بهذه العبارات الثلاث هو الولاية.
لكن التحقيق هو ان المراد من هذه العبائر الثلاث مختلف، فالمراد من انكار حق اهل البيت انكار ولايتهم ـ والولاية بفتح الواو وكسرها ـ
واما الولاية ـ بكسر الواو ـ فهي حقهم في الحكومة، وولاية الامر والإقرار بذلك عند الامامية من جملة اصول المذهب ، ومنكره خارج من الإيمان قطعا.
اما الولاية (بالفتح) فمعناها حق محبتهم ونصرتهم على تفصيل تقدم . وهو في الحجة من ضروريات دين الإسلام، ومنكره (مثل الناصبي) خارج عن دين الإسلام وانجس من كل نجس.
واما (إنكار ما أنزل الله) فظاهره تمام ما انزل الله تعالى في الموضوعات المختلفة، وبناءا على ذلك فان انكار شيء مما انزل الله ذنب كبير يوجب الكفر في بعض الموارد، وحيث ان اهم الامور النازلة التي اكد الله عليها هو الولاية كان انكارها من اشد مراتب هذا الذنب (الإنكار)، بل لعل بعض مراتبه مثل معاداة الإمام يوجب

الذنوب الكبيرة - 2 249


الكفر القطعي كما أُشير اليه.
اما محاربة أولياء الله فظاهره مطلق اولياء الله ، فمن حارب واحدا من اولياء الله كان مرتكب لذنب كبير وحيث ان آل محمد «صلى الله عليه واله» على راس قائمة اولياء الله كانت محاربتهم اشد مراتب الكفر.
عن الامام الصادق «عليه السلام» (اذا كان يوم القيامة نادى منادي اين الصَدود لأوليائي؟ فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم فيقال هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعنفوهم).
وعن رسول الله «صلى الله عليه واله» في حديث المعراج:
(قال الله تعالى يا محمد «صلى الله عليه واله» من اذل لي ولياً فقد ارصدني بالمحاربة، ومن حاربني حاربته، قلت يارب ومن وليّك هذا فقد علمت ان من حاربك حاربته؟
قال تعالى لي :ذاك من اخذت ميثاقه لك ولوصيك ولذريتكما بالولاية) «الكافي».

الذنوب الكبيرة - 2 250




الذنوب الكبيرة - 2 251


40
ألإصرار على ألذنوب

والذنب الاربعون من الذنوب الكبيرة المنصوصة الإصرار على الذنوب ، كما جاء في رواية الاعمش عن الامام الصادق «عليه السلام» حيث يقول «عليه السلام» (والإصرار على صغائر الذنوب) وهكذا في رواية الصدوق عن الامام الرضا«عليه السلام» حيث قال:
(والإصرار على الذنوب) كما وري عن الامام الصادق «عليه السلام» قوله (لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار) ودلالة هذا الحديث على ان الإصرار من الكبائر ظاهرة.
يقول ابو بصير(سمعت ابا عبدالله «عليه السلام» يقول لا والله لا يقبل الله شيئا من طاعته مع الاصرار على شيء من معاصيه) «الكافي». ودلالة هذا الحديث على ان الاصرار من كبائر الذنوب واضحة وذلك لأن الذنب الصغير ـ الذي يغفره الله بمجرد ترك الكبائر وأداء الواجبات كما في قوله« إن تَجتَنِبوا

الذنوب الكبيرة - 2 252


كَبائِرَ ما تُنهَونَ عَنهُ نُكَفّر عَنكُم سَيّئاتِكُم») (1) ـ كيف يكون مانعا عن قبول الطاعات والعبادات!؟ فيعلم من ذلك ان الاصرار على الذنب هو في نفسه من الكبائر التي تمنع عن قبول سائر العبادات.
وفي حديث اخر عن رسول الله «صلى الله عليه واله» ان من جملة علامات الشقاء الإصرار على الذنب.

ألعفو مشروط بعدم الإصرار:

من جملة الدلائل على ان الإصرار على الذنب من الكبائر ان الله تعالى جعل ترك الكبائر شرطا في العفو عن الذنوب والوصول الى درجات الجنة.
قال تعالى في سورة آل عمران (135 ـ 136):
« والذينَ إذا فَعَلُوا فاحِشَةً أو ظَلَموا أنفُسَهُم ذَكَروا أللهَ فإسْتَغفَروا لِذُنُوبِهِم ومَنْ يَغفِرُ الذُنوبَ إلا أللهُ ولَمْ يَصِّروا على ما فَعَلوا وهُم يَعلَمُون. أُولئِكَ جَزاؤُهُم مَغْفِرَةٌ مِن رَبِهِم وجَناتٌ تَجري مِن تَحتِها ألأنهارُ خالدينَ فيها ونِعمَ أجرُ العاملينَ ».
كتب في تفسير الميزان:
(الفاحشة ماتتضمن الفحش والقبيح من الأفعال ، وشاع استعماله في الزنا، فالمراد بالظلم بقرينة المقابلة سائر المعاصي الكبيرة والصغيرة ، او خصوص الصغائر على تقدير ان يراد بالفاحشة المنكر من المعاصي وهي الكبائر.
وفي قوله (ذكروا الله) دلالة على ان الملاك في الإستغفار ذكر الله تعالى دون مجرد التلفظ باعتياد ونحوه.
وقوله (ومن يغفر الذنوب إلا الله) تشويق وايقاظ لقريحة اللوذ والإلتجاء في الانسان.
وقوله (ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون) انما قيد به الاستغفار لأنه يورث في

(1) النساء 31.

السابق السابق الفهرس التالي التالي