الذنوب الكبيرة - 2 219


للآميرزا نبي خان وان كنت تحب أن ترى شخصه فها هو قاعد هناك وأشار الى موضع فإلتفت فإذا به وحده قاعد في بناء يسمى بالفارسية تالار ( قاعة) فلما رآني أشار إلي بالصعود إليه فذهبت عنده فقام وسلم علي وأجلسني صدر المجلس وجلس على عادته وهيئته في أيام حياته وكنت متفكرا في حاله ومكانه! فتفرس ذلك من وجهي وقال : يا شيخ كأنك تتعجب من مكاني ههنا وأعمالي التي كنت عاكفا عليها في الحياة تقتضي العذاب الأليم! نعم الأمر كما ترى، ولكنه كان لي معدن ملح بأرض طالقان أرسل كل سنة وجه إجارتها منها الى النجف الأشرف ليصرف في إقامة عزاء أبي عبدالله الحسين «عليه السلام» وأوتيت هذا المكان والبستان عوضاعن ذلك.
قال رحمه الله: فانتبهت متعجبا وذكرت الرؤيا في مجلس البحث وكان حينئذ بطهران ولم أكن حاضرا عنده فقال بعض ولد العالم الفاضل المولي مطيع الطالقاني: هذه رؤيا صادقة وكان له معدن ملح هناك وكان وجه إجارته قريبا من مئة تومان يرسله الى النجف ، وكان والدي هو القائم بمصارفه في العزاء والمصيبة.
قال الشيخ الأستاذ «رحمه الله»: وما سمعت قبلها بأنه كان له علقة بأرض طالقان ولا بسائر ما ذكره لي في المنام والحمد لله الكريم الوهاب «حـ 2 ـ 233».
يقول الإمام الصادق «عليه السلام» (ليس يتبع الرجل بعد موته إلا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجرى بعد موته، وسنة هدىً سنّها فهي يعمل بها بعد موته، او ولد صالح يدعو له) «الكافي».

الذنوب الكبيرة - 2 220




الذنوب الكبيرة - 2 221


38
ألأستخفاف بالحج

الثامن والثلاثون من الذنوب الكبيرة المنصوصة هو( الإستخفاف بالحج) وعدم الإهتمام به، كما ورد التصريح بذلك في رواية الاعمش عن الامام الصادق «عليه السلام» ، ورواية الفضل بن شاذان عن الامام الرضا «عليه السلام» .
وحيث ان وجوب الحج مثل وجوب الصلاة من ضروريات الاسلام، كان تارك الحج من جهة الإنكار كافرا ظاهرا وباطنا ، واما إذا تركه وهو معتقد بوجوبه ولكن تركه تسامحا واهمالا وانشغالا بأمور الدنيا، فان هذا الاستخفاف العملي بمثل هذا الواجب الالهي العظيم رغم ما ورد فيه من التاكيد هو من كبائر الذنوب.

تاخير الحج عن عام الإستطاعة حرام:

ليس فقط ترك الحج كاملا هو من الذنوب الكبيرة، بل ان تأخير الحج عن سنة الاستطاعة ذنب كبيرا ايضا حتى وان حج في السنة الآتية ذلك ان الحج واجب فوري ، فمن كان مستطيعا في موسم الحج وجب عليه الحج في تلك السنة ويحرم عليه التأخير.

الذنوب الكبيرة - 2 222


ذكر المحقق في الشرائع ان تأخير الحج عن عام الاستطاعة ذنب كبير مهلك ، وذكر الشهيد الثاني في المسالك انه لاخلاف بين علماء الشيعة في هذه المسألة ، والادلة من الكتاب والسنة على ان تاخير الحج عن سنة الإستطاعة ذنب كبير كثيرة.
وواضح ان تأخير الحج هو نوع إستخفاف عملي به.
ويكفي في اثبات انه ذنب كبير ان الله تعالى عبر في القرآن المجيد عن ترك الحج بالكفر ، وكما ان الكفر والشرك لا يغتفر فكذلك ترك الحج.
قال تعالى في سورة آل عمران « وللهِ على الناسِ حِجُّ البَيتِ مَن إستَطاعَ إليهِ سَبيلاً ومَن كَفَرَ فإنَّ أللهَ غَنيٌّ عَنِ العالَمينَ » (1).
وعن الامام الكاظم «عليه السلام» (من كفر يعني من ترك).
وعن الإمام الكاظم «عليه السلام» قوله (ان الله فرض الحج على أهل الجدة في كل عام وذلك قوله عز وجل « ولِلهِ على الناسِ... » قال: قلت فمن لم يحج منا فقد كفر؟ قال «عليه السلام» (لا ، ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر).
وعن الامام الصادق «عليه السلام» انه قال :
(من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به او مرض لا يطيق فيه الحج او سلطان يمنعه فليمت يهوديا او نصرانيا).
وفي حديث آخر( من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا او نصرانيا).
قال المحدث الفيضي في (الوافي) : (تجحف به أي تفقره او تدنو منه وتقاربه وإنما يموت يهوديا اونصرانيا لأنه لو اعتقدها لأتى بها مع عدم المانع والإستطاعة وتوقع الفوت بالموت).
وروى اسحاق بن عمار قال: سألت اباعبدالله «عليه السلام» عن رجل له مال ولم

(1) آل عمران 97.
الذنوب الكبيرة - 2 223


يحج قط ، قال «عليه السلام» : هو ممن قال الله تعالى «ونَحشُرُهُ يومَ القيامةِ أعمى» ،قال: قلت سبحان الله أعمى؟ قال «عليه السلام»: أعماه الله عن طريق الجنة. وفي رواية اخرى (اعماه عن طريق الحق).
وروي محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن (موسى بن جعفر) «عليه السلام» عن قوله تعالى « مَن كانَ في هذهِ أعمى فَهوَ في الآخِرَة ِأعمى وأضَلُّ سَبيلاً » فقال «عليه السلام»: نزل فيمن سوف الحج حجة الإسلام وعنده ما يحج به فقال العام احج...

الآيات التي فسرت بتارك الحج:

قال تعالى في سورة المنافقين « وأنْفِقوا مِما رَزَقناكُم مِن قَبلِ أن يأتي أحَدَكُم الموتُ فيقولَ ربِ لولا أخّرتَني إلى أجَلٍ قَريبٍ فأصَّدَّقَ وأكُنْ مِنَ الصالحينَ، ولن يُؤخِّرَ اللهُ نَفسَاً إذا جاءَ أَجَلُها واللهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلُون » «سورة المنافقون /الآية 10 ـ 11».
وعن الامام موسى بن جعفر «عليه السلام» انه قال:
(واكن من الصالحين يعني احج) «الفقيه».
وعن الامام موسى بن جعفر «عليه السلام» ايضا في قوله تعالى« قُلْ هَلْ نُنَبِئُكُم بالأخسَرينَ أعْمالاً الذينَ ضَلَّ سَعْيُهُم في الحياةِ الدُنيا وهُم يَحسَبونَ أَنَهُم يُحسِنونَ صُنْعا »(1) قال «عليه السلام» «انهم الذين يتسامحون عن الحج ويسوفونه» .
والروايات الواردة في ان تاخير الحج ذنب كبير كثيرة نكتفي بهذا المقدار.

ألآثار الدنيوية لترك الحج:

يجب ان يعلم ان لترك الحج عدة آثار دنيوية وردت الإشارة اليها في الاخبار.
من جملتها عدم الوصول الى ما من اجله أخر الحج ، فقد ورد عن الامام الباقر «عليه السلام» (ما من عبد يؤثر على الحج حاجة من حوائج الدنيا إلا نظر الى المحلقين قد

(1) الكهف 103 ـ 104.
الذنوب الكبيرة - 2 224


انصرفوا قبل ان تقضى له تلك الحاجة) «الفقيه».
ومن جملتها ان ترك الحج يوجب الفقر كما ورد عن رسول الله «صلى الله عليه واله» في خطبة الغدير (معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا إستغنوا ولا تخلفوا عنه إلا إفتقروا) «الاحتجاج».
وعن الامام الباقر «عليه السلام» قوله:
(ثلاثة مع ثوابهن الآخرة الحج ينفي الففر، والصدقة تدفع البلية ، والبر يزيد في العمر) «المستدرك».
(لوترك الناس الحج لما نوظروا العذاب) او قال (انزل عليهم العذاب).
وروي سماعة عن الامام الصادق «عليه السلام» قال:
قال لي: ما لك لا تحج في العام؟
فقلت : معاملة كانت بيني وبين قوم واشتغال ، وعسى ان يكون ذلك خيرة.
فقال : لا والله ، وما فعل الله لك في ذلك من خيرة ، ثم قال: ما حبس عبد عن هذا البيت الا بذنب وما يعفوا اكثر«الوسائل /الحج /باب 47».
وروى اسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبدالله «عليه السلام» ان رجلا استشارني في الحج وكان ضعيف الحال فأشرت عليه ان لا يحج ، فقال«عليه السلام»:
(ما أخلقك ان تمرض سنة ، قال: فمرضت سنة ) «الكافي».
يعلم من هذا الحديث انه لا ينبغي لشخص ان يصد من قصد عملا صالحا خصوصا الحج، فان فعل مثل ذلك فهو ممن صد عن سبيل الله، بل اللازم عكس ذلك، وهو ان يشوق الآخرين للإسراع في الخير ، حتى لا يفوتهم وهكذا لا ينبغي له أن يصرف الغير عن ذلك الخير الذي قصده ويوجهه إلى خيرآخر هو بحسب نظره أفضل منه ، اذ لعله يترك الخير الذي قصده ثم لا يوفق للخير الآخر، اما اذا شوقه الى الخير، ودعاه للإسراع فيه فهو من جملة الامرين بالمعروف.
عن الامام الصادق «عليه السلام»:

الذنوب الكبيرة - 2 225


(ليحذر احدكم أن يعوق أخاه عن الحج فتصيبه فتنة في دنياه مع ما يدخر له في الآخرة) «الوافي».

فضيلة الحج:

وكما ان في ترك الحج عقوبات شديدة، فان في اداء الحج ثوابا عظيما، وفضلا كثيرا، وآثارا دنيوية وأخروية، وردت الإشارة اليها ، وفيما يلي نذكر بعضها:
روي عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال :
للحاج والمعتمر إحدى ثلاث خصال:
اما أن يقال له: قد غفر لك ما مضى وما بقي.
واما يقال له: قد غفر لك ما مضى فاستانف العمل.
واما يقال له : قد حفظت في اهلك وولدك وهي أخسهن) «الوسائل ـ الحج ـ باب 38».
وعن ابي عبدالله «عليه السلام»: سأله رجل في المسجد الحرام مَن اعظم الناس وزرا؟
فقال «عليه السلام» : من يقف بهذين الموقفين عرفة ومزدلفة ، وسعى بين هذين الجبلين، ثم طاف بهذا البيت ، وصلى خلف مقام ابراهيم ثم قال في نفسه او ظن ان الله لم يغفر له فهو من اعظم الناس وزرا «الوافي».
وعن الامام الصادق «عليه السلام» عن آبائه:
ان رسول الله «صلى الله عليه واله» لقيه أعرابي فقال له: يا رسول الله «صلى الله عليه واله» اني خرجت اريد الحج ففاتني وانا رجل مميل فمرني ان اصنع في مالي ما ابلغ به مثل أجر الحاج قال فالتفت اليه رسول الله «صلى الله عليه واله» فقال له أنظر الى أبي قبيس فلو ان أبا قبيس لك ذهبة حمراء انفقته في سبيل الله ما بلغت به ما بلغ الحاج، ثم قال ان الحاج اذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه الا كتب الله له عشر حسنات،

الذنوب الكبيرة - 2 226


ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات فاذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه الا كتب الله له مثل ذلك فاذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه فاذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه فاذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه فاذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه فاذا رمى الجمار خرج من ذنوبه قال فعدد رسول الله «صلى الله عليه واله» ، كذا وكذا موقفا اذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه ثم قال:
أنى لك ان تبلغ ما يبلغ الحاج؟
قال ابو عبدالله «عليه السلام» ولا تكتب عليه الذنوب أربعة اشهر وتكتب له الحسنات الا ان يأتي بكبيرة «الوسائل ـ الحج ـ باب 42».
وقد ذكر المحدث الفيض في شرح هذا الحديث ان للذنوب انواعا مختلفة من التأثير وتسويد القلب، ولها مراتب من حيث الصغر والكبر، ولعل المراد من هذا الحديث الشريف هو ان الحاج يمحى عنه في كل موقف نوع من تلك الذنوب، او انه يطهر من مرتبة من مراتبها الى ان يطهر منها جميعا ، بل في بعض الروايات ان بعض الذنوب لا تمحى الا بالوقوف في عرفات يوم عرفة (1).
وقال «عليه السلام» ايضا (الحاج والمعتمر وفد الله ان سألوه أعطاهم، وان دعوه اجابهم وان شفعوا شفعهم ، وان سكتوا ابتداهم، ويعوضون بالدرهم الف الف درهم).
وايضا قال «عليه السلام» (ان الحاج اذ دخل مكة وكل الله به ملكين يحفظان عليه طوافه وصلاته وسعيه فاذا وقف بعرفة ضربا منكبه الأيمن ثم قالا اما ما مضى فقد

(1) للذنوب انواع مختلفة ، فمنها مالية ، ومنها قلبية ، ومنها بدنية، والبدنية على نوعين قولية وفعلية، والفعلية على انواع تبعا لأدواتها التي ترتكب بها ولكل نوع تأثير خاص، فبعضها توجب نزول البلاء ، وبعضها تمنع استجابة الدعاء ونزول المطر، وبعضها تحبس الرزق ، وبعضها تعجل الفناء ، وقد اشير الى ذلك في دعاء كميل.
وكما ان لكل مرض دواء مخصوصا لا يتحقق الغرض إلا به ، كذلك في علاج الذنوب فان كل واحد من اعمال الحج له اثر في التكفير عن بعض الذنوب، الامر الذي لا يعمله الا الله تعالى ، ولعل المراد من الذنوب التي يعفى عنها في عرفات الكبر والقساوة، او الوقوف في مجالس المعصية او امثال ذلك.
الذنوب الكبيرة - 2 227


كُفيتَهُ فانظر كيف تكون فيما يستقبل) «الوافي».
والأخبار الواردة في فضل الحج كثيرة نكتفي بذكر هذا المقدار.

شرائط وجوب الحج:

الاول: البلوغ، وبناءا عليه فلو حج الطفل قبل البلوغ فان حجه وان كان صحيحا ومستحبا مثل سائر عباداته، إلا انه لا يكفي عن الحج الواجب عليه بعد البلوغ اذا اجتمعت شرائط الوجوب.
الثاني: العقل.
الثالث: الحرية.
الرابع: ان لا يوقعه الحج في عسر، او يضطره للإرتكاب حرام او ترك عمل واجب.
الخامس: الاستطاعة.

شروط الاستطاعة:

تتحقق الاستطاعة باجتماع عدة امور:
الاول : توفر الزاد والراحلة للذهاب والإياب، او توفر المال الذي يكفي لتوفير الزاد والراحلة المناسبين بشأنه.
الثاني: سلامة المزاج بحيث يتمكن من الذهاب والإياب.
الثالث: عدم وجود المانع من الذهاب للحج ، فلو خاف على نفسه في الطريق او على حرمته ، لم يجب عليه الحج.
الرابع : سعة الوقت.
الخامس: التمكن من تأمين نفقة العائلة مدة ذهابه وايابه، والعائلة تنطبق على الأشخاص الذين يعول بهم، سواء كانوا ممن تجب نفقتهم عليه كالزوجة والاولاد ام لا كالاخ الصغير او الاخ الكبير الفقير ، وهكذا اليتيم الذي تكفل باعالته، وهكذا الخادم والخادمة.

الذنوب الكبيرة - 2 228


السادس : عدم الوقوع في ضيق ومشقة في معيشته بعد العودة من الحج، بان يكون لديه ما يتكسب به، اوعوائد الاملاك، او طريق آخر يؤمن به معيشة نفسه وعائلته.
* * *
ويجب ان يعلم ان الحج الواجب هو مرة واحدة في العمر لا اكثر، ويستحب له بعد ذلك اداء الحج في كل عام.
ويجب عليه بتوفر الشروط السابقة ان يحج في ذلك العام، ويحرم عليه التأخير للسنة الآتية، وهو من الذنوب الكبيرة كما تقدم ، ولو تسامح في ادائه في السنة الاولى وجب عليه اداؤه في السنة الثانية وان لم يكن مستطيعا، وكان يوقعه في حرج ومشقة، ولو استطاع في السنين الاتية ولكنه ابتلى بمرض يمنعه من الحج ويئس من الشفاء وجب عليه الاستنابة لأداء الحج، ولزمه ان يدفع نفقات الأجير، كما انه لو لم يستنب أجيرا الى ان مات لزم اخراج نفقات الحج من اصل ماله ، ثم استئجار من يحج عنه ، سواءا رضي بذلك ام لا، وسواءا يبقى من امواله للورثة شيء ام لا، حتى لو كان الوارث صغيرا ، وذلك ان نيابة الحج واجبة على الميت كسائر الديون المالية التي تقدم على الميراث ، بحيث يجب اولا دفع الديون ، وبعدئذ لو بقي شيء من التركة يقسم على الورثة.
وفي صورة ما لو اوصى الميت بالحج، حسبت نفقات الحج من ثلث ماله.

تستحب الاستنابة للحي والميت:

كما في رواية محمد بن عيسى اليقطيني حيث قال: وعن عبدالله بن سنان قال كنت عند ابي عبدالله «عليه السلام» اذ دخل عليه رجل فاعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن اسماعيل ولم يترك شيئا من العمرة والحج الا اشترط عليه ثم قال «عليه السلام» يا هذا ان انت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة بما انفق من ماله ولك تسع بما اتعبت من بدنك «الوسائل».

الذنوب الكبيرة - 2 229


المتقي هو الذي ينوب عن الامام:

في (الكافي) عن موسى بن القاسم قال (قلت لأبي جعفر الثاني «عليه السلام» ـ الامام الجواد ـ قد أردت ان أطوف عنك وعن ابيك فقيل لي : ان الاوصياء لا يطاف عنهم، فقال: بلى طف ما امكنك، فان ذلك جائز، ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين اني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن ابيك ، فاذنت لي في ذلك فطفت عنكما ما شاء الله ثم وقع في قلبي شيء فعملت به، قال : وما هو ؟ قلت طفت يوما عن رسول الله «صلى الله عليه واله» فقال ثلاث مرات صلى الله على رسول الله، ثم اليوم الثاني عن امير المؤمنين «عليه السلام» ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن «عليه السلام» والرابع عن الحسين «عليه السلام» والخامس عن علي بن الحسين«عليه السلام»، واليوم السادس عن ابي جعفر محمد بن علي الباقر«عليه السلام» واليوم السابع عن جعفر بن محمد «عليه السلام» واليوم الثامن عن ابيك موسى«عليه السلام» واليوم التاسع عن ابيك علي «عليه السلام» واليوم العاشر عنك يا سيدي، وهؤلاء الذين ادين الله بولايتهم ، فقال اذا والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره ، فقلت ، وربما طفت عن امك فاطمة «عليها السلام» وربما لم اطف فقال: استكثر من هذا فانه افضل ما انت عامله ان شاء الله «الوسائل ـ الحج ـ باب 26».

اسرار وجوب الحج:

ورد في عدة روايات عن اهل البيت «عليهم السلام» الإشارة الى اسرار وجوب الحج ، والحكمة في مناسكه، من جملتها ما جاء في وسائل الشيعة عن الامام الرضا «عليه السلام» قال:
(انما أُمروا بالحج لعلة الوفادة الى الله ، وطلب الزيادة ، والخروج من كل ما اقترف العبد تائبا مما مضى مستانفا لما يستقبل مع ما فيه من اخراج الاموال، وتعب الأبدان، والاشتغال عن الاهل والولد، وحظر النفس عن اللذات شاخصا في الحر والبرد ثابتا على ذلك دائما مع الخضوع والاستكانة والتذلل ، مع ما في ذلك لجميع الخلق من

الذنوب الكبيرة - 2 230


المنافع لجميع من في شرق الارض وغربها ومن في البر والبحر وممن يحج وممن لم يحج ، من بين تاجر وجالب وبائع ومشتري وكاسب ومكار وفقير، وقضاء حوائج اهل ألاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيه مع ما فيه من التفقه ونقل اخبار الائمة «عليهم السلام» الى كل صقع وناحية.. «الوسائل ـ كتاب الحج ـ حديث ـ 15».

العبودية لله ـ التشبه بالملائكة :

قال امير المؤمنين «عليه السلام» في« نهج البلاغة » :
وفرض حج بيته الحرام ، الذي جعله قبلة للأنام، يردونه ورود الأنعام ويألهون إليه ولوه الحمام ، جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته ، واذعانهم لعزته ، واختار من خلقه سماعا أجابوا اليه دعوته، وصدقوا كلمته ، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه ، يحرزون الأرباح في متجر عبادته، ويتبادرون عنده موعد مغفرته، وجعله سبحانه وتعالى للإسلام علما، وللعائذين حرما، فرض حقه، واوجب حجه وكتب عليكم وفادته ، فقال سبحانه « وللهِ على الناسِ حجُ البيتِ مَن إستَطاعَ إليهِ سَبيلا ، ومَن كَفرَ فإنَّ اللهَ غنيٌ عَن العالمين » «النهج / خطبة /2».
وقد عرض المحقق النراقي في (معراج السعادة) الأسرار الباطنية والمعنوية للحج بعبارات جميلة ، ومضامين رائعة ننقل فيما يلي بعضها:
(الحج اعظم اركان الدين، وعمدة ما يقرب الانسان الى رب العالمين ، وهو من اهم التكاليف وأصعب العبادات البدنية وتاركه يحسب من خيول اليهود والنصارى وهو محجوب عن الجنة ، وألأخبار في فضل الحج وذم تاركه مشهورة وفي كتب ألأخبار مسطورة.
إن الغرض ألأصلي من خلق ألإنسان معرفة ألله ، والوصول إلى درجة محبته تعالى وألأنس معه، وهذا امر موقوف على صفاء النفس وتجردها، وذلك موقوف على الإبتعاد عن الشهوات الطبيعية ، وكف النفس عن اللذات الشهوانية ، والإعراض عن زخارف الدنيا ومتاعها، ثم توجيه الجوارح والاعضاء الى الله في الأعمال الشاقة،

الذنوب الكبيرة - 2 231


والمداومة على ذكر الله، وبناء القلب على التوجه له.
ومن هنا فقد فرض الله العبادات التي تتضمن هذه الأمور ، فبعض العبادات عبارة عن بذل المال في سبيل الله وهو امر يبعث القلب على الانقطاع عن متاع الدنيا مثل الزكاة والخمس وسائر الصدقات، وبعض العبادات يتضمن ترك الشهوات واللذات مثل الصوم ، وبعضها يشتمل على ذكر الله وتوجيه القلب اليه واشتغال الأعضاء في العبادة مثل الصلاة.
والحج هو من بين جميع العبادات يحتوي على جميع تلك الامور مع زيادة، ففيه ترك الوطن، ومشقة البدن، وبذل المال، وقطع الآمال، وتحمل المشاق ، وتجديد الميثاق مع الله، والطواف ، والدعاء ، والصلاة ،وفيه امور لم يعتد الناس عليها يألفوها، ولاتدرك العقول حكمتها ، مثل رمي الجمرات ، والهرولة بين الصفا والمروة، وبهذه الاعمال تظهر غاية العبودية ، وكمال التواضع والمذلة لله تعالى ، أما سائر العبادات فهي أعمال تفهم العقول علتها ، ومن هنا يأنس الطبع بها، وتميل النفس لها، بينما بعض اعمال الحج امور لا طريق لعقول امثالنا الى فهما، ومن هنا فالاتيان بها لا يكون الا من جهة الطاعة، والعبودية لله، واظهار العبودية لله في مثل هذه الاعمال اكثر مما في غيرها ، فالعبودية الحقيقية هي ان لا يصدر الفعل عن سبب سوى الاطاعة للمولى، ومن هنا قال رسول الله «صلى الله عليه واله» في خصوص الحج (لبيك بحجة حقا ، تعبدا ورقا) ولم يقل مثل ذلك في سائر العبادات.
اذا فمثل هذه العبادة التي لا يدرك العقل حكمتها هي اكمل في اظهار العبودية ، ومن هنا نعرف ان تعجب بعض الناس من هذه الأفعال العجيبة ناشىء من جهلهم باسرار العبودية ، وهذا السر موجود في فريضة الحج..
ومضافا الى ان كل عمل من اعمال الحج هو نموذج لحالة من حالات الآخرة، او متضمن لأسرار أخرى سنشيراليها « ان شاء الله »، ان فريضة الحج يتحقق بها اجتماع اهل العالم في موضع نزول الوحي ، ومهبط الملائكة ، وحضورهم في خدمة رسول الله

الذنوب الكبيرة - 2 232


«صلى الله عليه واله» ومن قبل كان هذا الموضع منزل خليل الله «عليه السلام» ونزول الملائكة عليه، بل هذا المكان المقدس كان باستمرار منزل معظم الانبياء من آدم وحتى خاتم الانبياء«صلى الله عليه واله» ، وكان دائما مهبطا للوحي، ومحلاً لنزول الملائكة، وفيه ولد خاتم ألأنبياء «صلى ألله عليه وآله» وقد وطأت قدمه المباركة واقدام سائر الانبياء اكثر مواضع هذه الارض، وقد جعله الله تعالى بيتا له ، ودعا عباده لزيارته ، وجعل اطرافه وحواليه حرما ، حرم فيه صيد الحيوان، وقطع النباتات اكراما لبيته، وجعل عرفات اشبه بميدان يقع في ابتداء الحرام. كما انه تعالى جعل هذا الموضع كما هو الحال في عواصم الملوك حيث يقصده الزائرون من مسافات شاسعة ، وولايات بعيدة وهم شعث الشعور ، غبر الوجوه تواضعا لصاحب هذا البيت مع اعترافهم بانه منزه عن المكان والزمان.
ولا شك ان الاجتماع في مثل هذا الموضع المكر م باعث على حصول الالفة بين الناس، والوصول بخدمة الصالحين الذين جاءوا الى الحج من اطراف العالم، وموجب لسرعة اجابة الدعوات، وموجب لتذكر النبي «صلى الله عليه واله» وعظمته ، وجهوده في ترويج الدين، ونشر احكام الله ، وهذا كله سبب يوجب رقة القلب، وصفاء النفس «انتهى» .

الذنوب الكبيرة - 2 233


39
ترك أحد ألواجبات

التاسع والثلاثون من الذنوب التي ورد التصريح باعتبارها كبيرة هو ترك احد الواجبات الإلهية ، كما في صحيحة عبد العظيم «عليه السلام» عن الامام الجواد والامام الرضا والامام الكاظم والاصام الصادق«عليهم السلام» حيث يقول (او شيئا مما فرض الله لان رسول الله «صلى الله عليه واله» وقال : من ترك الصلاة متعمدا فقد برىء من ذمة الله وذمة رسوله).
وروي عن الامام الصادق «عليه السلام» انه قال:
(والوجه الرابع من الكفر ترك ما امر الله عز وجل به وهو قول الله عز وجل« وإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُم لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُم ولا تُخرِجُونَ أَنْفُسَكُم مِن ديارِكُم ثُم َأَقْرَرْتُم وأنتُم تَشْهَدونَ ، ثُمَ أنتُم هؤلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَكُم وتُخرِجونَ فَريقاً مِنكُم مِن دِيارِهِم تَظاهَرُونَ عَليهِم بالإثمِ والعُدوانِ وإن يأتوكُم أُسارى تُفادوهُم وَهُوَ مُحَرَّمٌ عليكم إخراجُهُم أفَتؤمِنونَ ببعضِ الكتابِ وتَكفِرونَ ببعضٍ فما جَزاءُ مَن يَفعلُ ذلكَ

الذنوب الكبيرة - 2 234


منكم »(1).
فكفرهم بترك ما امرالله عز وجل به ، ونسبهم الى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال « فَما جَزاءُ مَن يَفعلُ ذلكَ مِنكُم إلا خِزيٌ في الحياةِ الدُنيا ويومَ القيامَةِ يُردّونَ الى أشَدِ العَذابِ وَما اللهُ بغافلٍ عَمّا تَعمَلون » (2) ) «الكافي».
وايضا عنه «عليه السلام» انه قال:
(ولا ينظر الله الى عبده ولا يزكيه لو ترك فريضة من فرائض الله او ارتكب كبيرة من الكبائر ، قلت : لا ينظر الله اليه!؟ قال «عليه السلام» نعم قد اشرك بالله ، قلت اشرك!؟ قال «عليه السلام» نعم ان الله امره بامر وامره ابليس بامر فترك ما امر الله عز وجل به وصار الى ما امر به ابليس فهذا مع ابليس في الدرك السابع من النار) «الوسائل الشيعة».
ويظهر من هذا البيان ان المراد بالشرك هنا هو الشرك في مقالم الاطاعة كما تقدم تفصيله في بحث الشرك .

الفتنة والعذاب الأليم:

من جملة الآيات التي جاءت في تهديد المخالف لأمر الله الوجوبي ، ووعيده بالعذاب قوله تعالى في سورة النور « فَليَحذَر ِالذينَ يُخالِفُونَ عَن أمْرِهِ أن تُصيبَهُم فِتنَةٌ أو يُصيبَهُم عذابٌ أليمٌ » (3).
وقد ذكر بعض المفسرين ان من الممكن ان يكون المراد بالفتنة البلاء الدنيوي، والعذاب الاليم في الآخرة ، و يمكن ان تكون الفتنة والعذاب كلاهما أخرويين .
وقد وردت روايات عديدة في باب اهمية اداء الواجبات:
منها قول رسول الله «صلى الله عليه واله» (قال الله تعالى وما يتقرب الى عبد من عبادي بشئ احب الي مما افترضت عليه) » الكافي».

(1) البقرة 84،85.
(2) البقرة 85.
(3) النور 63.
الذنوب الكبيرة - 2 235


وقال «صلى الله عليه واله» (اعمل بفرائض الله تكن اتقى الناس) «اصول الكافي»
وفي بعض الروايات (من عمل بما افترض الله عليه فهو من خير الناس) «اصول الكافي» .

ماهي الواجبات؟

كل ما امر الله به بحيث يكون في الإتيان به ثواب ، وفي تركه الوعيد بالعذاب يقال له فريضة وواجب والفرائض الاليهة كثيرة الا ان اهمها والتي هي الاساس الذي ابتنى عليه دين الاسلام خمس:
الصلاة ، الصوم ، الزكاة، الحج، الولاية) وقد عبر عن هذه الخمس في بعض الروايات بأركان الاسلام.
وقد ذكر صاحب (وسائل الشيعة) بعد ان نقل عدة روايات بهذا المضمون ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قسم من اقسام الجهاد، والجهاد من توابع الولاية كما أشير الى ذلك في بعض الروايات، وحيث ان الخمس ـ على تفصيل تقدم ـ يدفع للسادات بدل الزكاة، والتبري هو ايضا جزء مهم في الولاية أذن فروع الدين واركانه عشرة الصلاة ، الحج، الزكاة، الخمس ، الجهاد ، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الولاية ، البراءة ، وحيث تقدم ان ترك الصلاة والحج والزكاة والخمس من الذنوب الكبائر فسوف نشير فيما يلي بإجمال الى الباقي.

صيام شهر رمضان:

وجوب صوم شهر رمضان من ضروريات الدين الإسلامي، ومنكره مرتد يجب قتله، ومن تركه عالما متعمدا من دون عذر، دون ان يكون منكرا لوجوبه يجب تعزيره، بمعنى انه يجلد بخمس وعشرين سوطا او باي مقدار يراه حاكم الشرع مناسبا، ولو تكرر منه ذلك مرة ثانية يعزر ايضا، ويقتل في الثالثة.
عن الامام الصادق «عليه السلام»:

السابق السابق الفهرس التالي التالي