الذنوب الكبيرة - 2 170


عليهم ما يشق علينا ، والنفوس سواء.
وهذا القياس جار بعينه في سائر انواع الحيوان ، فكيف يسوغ لنا ان نعذبهم بما نتعذب به، ونبدلهم حلاوة الحياة من مرارة الموت ، ونحرمهم نعمة البقاء التي هي اشرف نعمة ؟ والله سبحانه ارحم الراحمين ، فكيف يسع رحمته ان يأمر بقتل حيوان ليلتذ به انسان وهما جميعا في أنهما خلقه سواء؟
والجواب عنه أنه من تحكيم العواطف على الحقائق، والتشريع انما يتبع المصالح الحقيقية دون العواطف الوهمية.
وتوضيح ذلك : اذا تتبعت الموجودات التي تحت مشاهدتك بالميسور مما عندك وجدتها في تكونها وبقائها تابعة لناموس التحول، فما من شيء إلا وفي إمكانه ان يتحول الى آخر، وان يتحول الآخرين اليه بغير واسطة ، لا يوجد واحد الا ويعدم آخر، ولا يبقبى هذا الا ويفنى ذلك ، فعالم المادة عالم التبديل والتبدل، وان شئت فقل : عالم الأكل والمأكول.
فالمركبات الأرضية تأكل الأرض بضمها الى انفسها وتصويرها بصورة تناسبها او تختص بها ثم الارض تاكلها وتفنيها.
ثم النبات يتغذى بالأرض ويستنشق الهواء ثم الأرض تأكله وتجزئه الى اجزائه الأصلية وعناصره الأولية ، ولا يزال احدهما يراجع الآخر.
ثم الحيوان يتغذى بالنبات والماء ويستنشق الهواء، وبعض انواعه يتغذى ببعض كالسباع تاكل لحوم غيرها بالإصطياد ، وجوارح الطير تاكل امثال الحمام والعصافير، لا يسعها بحسب جهاز التغذي الذي يخصها الا ذلك ، هي تتغذى بالحبوب وامثال الذباب والبعوض وهي تتغذى بدم الانسان وسائر الحيوانات ونحوه ثم الارض تاكل الجميع.
فنظام التكوين وناموس الخلقة الذي له الحكومة المطلقة المتبعة على الموجودات هو الذي وضع حكم التغذي باللحوم ونحوها، ثم هدى اجزاء الوجود

الذنوب الكبيرة - 2 171


الى ذلك، وهو الذي سوى الانسان تسوية صالحة للتغذي بالحيوان والنبات جميعا. وفي مقدم جهازه الغذائي اسنانه المنضودة نضدا صالحا للقطع والكسر والنهش والطحن من ثنايا ورباعيات وانياب وطواحن، فلاهو مثل الغنم والبقر من الانعام لا تستطيع قطعا ونهشا ، ولاهو كالسباع لا تستطيع طحنا ومضغا.
ثم القوة الذائقة المعدة في فمه التي تستلذ طعم اللحوم، ثم الشهوة المودعة في سائر اعضاء هضمه جميع هذه تستطيب اللحوم وتشتهيها كل ذلك هداية تكوينية وإباحة من مؤتمر الخلقة ، وهل يمكن الفرق بين الهداية التكوينية ، واباحة العمل المهدي اليه بتسليم احدهما وانكار الآخر. i
وهو كما يحيي بالشرايع هذا الحكم الفطري يحيي احكاما أخرى وضعها واضع التكوين، وهو ما تقدم ذكره من الموانع من الاسترسال في حكم التغذي اعني حكم العقل بوجوب اجتناب ما فيه ضرر جسماني او معنوي من اللحوم ، وحكم ألإحساسات والعواطف بالتحذر وألإمتناع عما يستقذره ويتنفر منه الطباع المستقيمة ، وهذان الحكمان ايضا ينتهي اصولهما الى تصرف من التكوين ، وقد اعتبرهما الاسلام فحرم ما يضر نماء الجسم ، وحرم ما يضر بمصالح المجتمع الإنساني مثل ما أُهل به لغير الله، وما اكتسب من طريق الميسر والاستقسام بالأزلام ونحو ذلك ، وحرم الخبائث التي تستقذرها الطباع .
واما حديث الرحمة المانع من التعذيب والقتل فلاشك ان الرحمة موهبة لطيفة تكوينية اودعت في فطرة الإنسان وكثير مما اعتبرنا حاله من الحيوان ، إلا ان التكوين لم يوجدها لتحكم في الأمور حكومة مطقة وتطاع طاعة مطلقة ، فالتكوين نفسه لا يستعمل الرحمة استعمالا مطلقا، ولو كان ذلك لم يوجد في دار الوجود اثر من الآلام والأسقام والمصائب وانواع العذاب.
ثم الرحمة الإنسانية في نفسها ليست خلقا فاضلا على الإطلاق كالعدل ، ولو كان كذلك لم يحسن ان نؤاخذ ظالما على ظلمه، او نجازي مجرما على جرمه، ولا ان

الذنوب الكبيرة - 2 172


نقابل عدوانا بعدوان، وفيه هلاك الأرض ومن عليها.
ومع ذلك لم يهمل الإسلام أمر الرحمة بما انها من مواهب التكوين ، فأمر بنشر الرحمة عموما، ونهى عن زجر الحيوان في القتل ، ونهى عن قطع اعضاء الحيوان المذبوح وسلخه قبل زهاق روحه ـ ومن هذا الباب تحريم المنخنقة والموقوذة ـ ونهى عن قتل الحيوان وآخر ينظر اليه ، ووضع للتذكية ارفق الاحكام بالحيوان المذبوح وامر بعرض الماء عليه، ونحو ذلك مما يوجد تفصيله في كتب الفقه.
ومع ذلك كله ألإسلام دين التعقل لا دين العاطفة فلا يُقدَّم حكم العاطفة على الاحكام لمصلحة لنظام المجتمع الانساني ولا يعتبر منه الا ما إعتبره العقل ، ومرجع ذلك الى اتباع حكم العقل.
واما حديث الرحمة الالهية وانه تعالى ارحم الراحمين ، فهو تعالى غير متصف بالرحمة بمعنى رقة القلب او التاثر الشعوري الخاص الباعث للراحم على التلطف بالمرحوم،فإن ذلك صفة جسمانية مادية تعالى عن ذلك علوا كبيرا .، بل معناها افاضته تعالى الخير على مستحقه بمقدار ما يستحقه، ولذلك ربما كان ما نعده عذابا رحمة منه تعالى وبالعكس ، فليس من الجائز في الحكمة ان يبطل مصلحة من مصالح التدبير في التشريع اتباعا لما تقترحه عاطفة الرحمة الكاذبة التي فينا، او يساهم في جعل الشرائع محاذية للواقعيات.
فتبين من جميع ما مر ان الاسلام يحاكي في تجويز اكل اللحوم وفي القيود التي قيد بها الإباحة والشرائط التي اشترطها جميعا امر الفطرة « فِطرَةَ اللهِ التي فَطَر َالناسَ عليها لا تبديلَ لِخلقِ اللهِ ذلكَ الدينُ القيّمُ » (1).
3 ـ لماذا بُنيَ الإسلام على التذكية؟


وهذا سؤال آخر يتفرع على السؤال المتقدم، وهو انا سلمنا ان اكل اللحوم مما

(1) (الروم 30).
الذنوب الكبيرة - 2 173


تبيحه الفطرة والخلقة، فهلا أقتصر في ذلك بما يحصل على الصدفة ونحوها بأن يقتصر في اللحوم بما يهيئه الموت العارض حتف الأنف، فيجمع في ذلك بين حكم التكوين بالجواز، وحكم الرحمة بالإمساك عن تعذيب الحيوان بالقتل أو الذبح من غير ان يعدل عن ذلك الى التذكية والذبح؟
وقد تبين الجواب عنه مما تقدم في الفصل الثاني، فان حكم الرحمة بهذا المعنى غير واجب الاتباع بل اتباعه يفضي ابطال احكام الحقائق، وقد عرفت ان الاسلام مع ذلك لم يأل جهدا في الأمر باعمال الرحمة قدر ما يمكن في هذا الباب حفظا لهذه الملكة اللطيفة بين ابناء النوع .
على ان الاقتصار على إباحة الميتة وامثالها مما لا ينتج التغذي به فساد المزاج ومضار الأبدان هو نفسه خلاف الرحمة، وبعد ذلك كله لا يخلو عن الحرج العام الواجب نفيه.(انتهى ما نقل عن تفسير الميزان).
* * *
ولا يفوتنا القول ان ذبح الحيوان من اجل ان يأكله الانسان ليس فيه اي ظلم له ، بل ذلك هو مقتضى سيره التكاملي، اذ ان الحيوان قبل الذبح صامت لاعقل له ولا شعور اما بعد الذبح وبعد ان يتناوله الإنسان فيصبح جزءا منه يكون صاحب ادراك وشعور وعقل.
مثلا: ان لسان الشاة لا يظهر منه اي كمال ، ولكن حين يصير جزءا من الإنسان فانه سوف يشرح الحقائق ويسبح لربه بالحمد والثناء ، وهكذا سائر الخيرات والكمالات التي تظهرها سائر أعضاء الانسان وجوارحه.

التذكية بالذبح الشرعى:

الثاني من اسباب التذكية في الحيوان الذبح الشرعي وهو قطع الأوداج الأربعة (المرىء ، الودجان في العنق، الحلقوم) قطعا كاملا من تحت الجوزة. ويشترط في صحة الذبح خمسة شروط:

الذنوب الكبيرة - 2 174


الأول : ان يكون الذابح مسلما، رجلا او إمراة أو طفلا مميزا.
الثاني: ان تكون اداة الذبح من الحديد، وان لم يكن لديه حديد وكان الحيوان بحيث لو ترك لمات جاز ذبحه بكل ما يفري الأوداج الأربعة كالزجاجة ، والحجارة الحادة.
الثالث: استقبال القبلة بالذبيحة حال الذبح بمقاديم بدنها (الوجه ، اليدين، الرجلين، البطن) ولو نسي ذلك او كانت القبلة مجهولة عنده ، او لم يكن بامكانه وضع الحيوان باتجاه القبلة لا مانع من ذبحه بدون ذلك.
الرابع: التسمية ـ ذكر اسم ألله ـ عند الذبح ، ولا مانع لو نسي ذلك.
الخامس: ان يتحرك الحيوان بعد الذبح ولو بعينه او ذنبه او يرفس الأرض برجله والأحوط ان يخرج من بدنه مقدار مناسب من الدم.
وأما في الابل فمضافا الى الشروط الخمسة المتقدمة يشترط نحرها، وهو ادخال سكين او رمح ونحوهما من الآلات الحديدية في اللبة ، وهي المنطقة الواقعة بين العنق والصدر.
ولوتعذر ذبح الحيوان بالطريقة الشرعية كما لو كان واقعا في بئر واحتمل مماته هناك جاز طعنه في اي موضع من بدنه بحيث يموت بعده من اثرالجرح ولا يلزم جعله مستقبل القبلة وان لزم توفر باقي الشروط.
* * *

واما تذكية السمك فهي باخراجه من الماء حيا ، فاذا كان السمك ذا فلس واخرج من الماء حيا ومات خارجه كان طاهرا حلال الاكل ، واما لو مات في داخل الماء فهو طاهر ايضا باعتبار انه ليس بذي نفس سائلة الا انه يحرم اكله
ولا يشترط في صيد السمك ان يكون الصياد مسلما، وبناءا على ذلك فلو اصطاده الكافر حل اكله ايضا بشرط ان يكون قد خرج من الماء حيا.
واما تذكية الجراد فهو قبضه حيا باليد او بوسيلة أخرى، وحينئذ يجوز اكله بعد

الذنوب الكبيرة - 2 175


موته ، ولا يلزم ان يكون ممسكه مسلما ولا يلزم ايضا التسمية عند امساكه.
ولا يحل اكل الجراد الذي لم يظهر بعد جناحه ولم يكن قادرا على الطيران ، واما الحيوان الجنيني الذي لم تلجه الروح اذا اخرج من بطن امه فيحل اكله اذا ذكيت امه كما انه اذا كان تام الخلقة وظهر عليه الشعر او الصوف فهو طاهر، وكما يحل اكل لحم امه فكذلك يحل اكل لحمه بالشروط المعتبرة.

ما يحرم اكله يطهر بالتذكية:

يعلم مما سبق ان كل حيوان مما يحرم اكله يطهر بالتذكية ما عدا الكلب والخنزير، واما اذا لم يذك فهو ميتة نجس، نعم ان لم يكن ذا نفس سائلة ومات من دون تذكية فهو وإن حرم اكله كالحية والدودة الا انه ليس بنجس.
وكل حيوان يحل اكله اذا ذكي فهو طاهر، وان مات بدون تذكية فهو نجس حرام الا اذا كان ذا نفس غير سائلة فهو طاهر وان حرم أكله مثل السمك الذي يموت في الماء.
وبناء على ذلك فالميتة التي يحرم اكلها هي الحيوان الذي يموت بدون تذكية شرعية سواء مات بمرض او بحلول اجله او بسبب من الاسباب الخارجية دفعة او تدريجا، وحيث ان موت الحيوان بسبب خارجي دفعة واحدة قليل الوقوع ، وقد يتخيل انه ليس من أقسام الميتة تعرض القرآن الكريم الى خمسة عناوين واعتبرها من افراد الميتة:
1 ـ المنخنقة:


وهي الحيوان الذي يموت خنقا ، عمدا او صدفة ، بآلة كأن يشد عنقه بحبل ثم يخنق به، او يوضع رأسه بين خشبتين وامثال ذلك من الطرق التي كانت متبعة في زمن الجاهلية.
2 ـ الموقوذة:


وهى الحيوان الذي يضرب الى ان يموت.

الذنوب الكبيرة - 2 176


3 ـ المتردية:


وهي الحيوان الذي يتردى من مكان عال ، كأن يقع من قمة جبل ، او يقع في بئر ، ثم يموت.
4 ـ النطيحة:


وهي الحيوان الذي يموت نتيجة نطحه من حيوان آخر.
5 ـ ما اكل السبع:


وهو الحيوان الذي تمزقه السباع فتأكل بعضه وتترك الباقي ميتة.
والمراد بـ «ما ذُبِحَ على النُصُبِ» (1) المذكور في الآية الشريفة المنع من السلوك المتبع في زمان الجاهلية حيث كان المشركون قد نصبوا الاصنام باطراف الكعبة لتقديسها وعبادتها ويذبحون لها الذبائح.
والمراد بـ «وأن تَستَقْسِمُوا بالأزْلام» (2) النهي عن ذلك ، والأزلام هي القداح والاستقسام بالقداح ان يؤخذ جزور ـ او بهيمة اخرى ـ على سهام ثم يضرب باقداح في تشخيص من له سهم ممن لا سهم له ، وفي تشخيص نفس السهام المختلفة ، وهو نوع من القمار كما تقدم في بحث حرمة القمار.

لماذا تحرم الميتة؟

روي في الكافي عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله «عليه السلام» : لم حرم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟
قال «عليه السلام» : ان الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سواه من رغبة منه فيما حرم عليهم، ولا زهو فيما احل لهم ، ولكنه خلق الخلق فعلم ما تقوم به ابدانهم وما يصلحهم، فاحله لهم واباحه تفضلا عليهم لمصلحتهم ، وعلم

(1) المائدة 3).
(2) المائدة 3).
الذنوب الكبيرة - 2 177


ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم، ثم اباحه للمضطر واحله له في الوقت الذي لا يقوم بدنه الا به فامره ان ينال منه بقدر البلغة لاغير، ثم قال:
اما الميتة فانه لا يدنو منها احد الا ضعف بدنه ونحل جسمه وذهبت قوته وانقطع نسله ولا يموت آكل الميتة الافجأة «الوسائل ـ الأطعمة والأشربة»
ولعل السبب في هذه المفاسد ان الحيوان اذا مات موتا طبيعيا او مات خنقا فان الدم سيتوقف في بدنه دفعة واحدة، ويبقى في عروقه ويفسد اللحم ويسممه اما اذا ذبح الحيوان فان دمه سيخرج، ويبتعد اللحم عن الفساد والتسمم كما اشير الى هذا المطلب في حديث الإمام الصادق «عليه السلام» في الاحتجاج في جوا ب الزنديق الذى سأله لماذا حرم الله الميتة؟
فقال «عليه السلام»: فرقا بينهما وبين ما يذكر عليه اسم تعالى ، والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع الى بدنها فلحمها ثقيل غير مري، لأنها يوكل لحمها بدمها قال: فالسمك ميتة؟
فقال «عليه السلام» ان السمك ذكاته اخراجه حيا من الماء ثم يترك حتى يموت من ذات نفسه وذلك انه ليس له دم وكذلك الجراد «بحار الأنوار».
وقد ذكر العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث انه حيث كان هناك سببان تجعل الحيوان ميتة وبالتالي يحرم اكله احدهما عدم رعاية شروط الذبح والنحر كعدم ذكر اسم ألله ـ عمداـ وعدم استقبال القبلة،وثانيهما عدم تحقق الذبح والنحر ، فقد ذكر الامام «عليه السلام» للحرمة في الصورة الأولى جهة دينية روحانية وهي ان ما ذكر اسم الله عليه تحل فيه البركات الدنيوية والاخروية ، المادية والمعنوية، وتكون من نصيب الانسان في روحه وبدنه، واما اذا لم يذكر اسم الله عليه فسوف يحرم الانسان من تلك البركات.
واما الحرمة في الصورة الثانية ـ وهي ان يموت الحيوان بدون ذبح ونحر ـ فقد ذكر الامام «عليه السلام» ان الدم سيبقى في العروق ويختلط باللحم فيؤكل معه وفي ذلك

الذنوب الكبيرة - 2 178


مفاسد عظيمة هي مفاسد شرب الدم، ولما اعترض السائل بموضوع السمك أجاب «عليه السلام» بان السمك ليس له دم كثير فلا يلزم ذبحه حتى يخرج دمه، واما ما يبقى فيه من الدم فهو كالدم المتخلف في الذبيحه الذي احله الشارع ولا ضرر فيه.

الدم:

الدم على قسمين : نجس وطاهر.
دم الإنسان وكل حيوان له نفس سائلة نجس ـ كثيرا كان او قليلا ـ وبناءا على ذلك فالدم الذي يرى مع اللبن اثناء الرضاعة نجس ، وينجس معه اللبن فيحرم شربه، والأحوط اجتناب تناول البيضة التي يرى فيه ذرة من الدم.
اما الدم الطاهر فهو في موردين:
احدهما : دم الحيوانات التي ليس لها نفس سائلة مثل السمك والبق.
ثانيهما: ما يتبقى في الذبيحة التي يحل اكلها بعد الذبح ، فلو ذبح الحيوان بالطريقة الشرعية وخرج المقدار المتعارف من دمه فالباقي طاهر، اما اذا لم يخرج الدم من بدنه بسبب التنفس ، او بسبب وضع راسه في مكان مرتفع فان الدم الباقي حينئذ ليس بطاهر.
وشرب الدم حرام على العموم سواءا كان طاهرا ام نجسا ، واما الدم الطاهر في المسك او المتبقي في الحيوان بعد الذبح اذا كان بنحو يعتبر جزءا من اللحم فلا مانع من اكله، اما اذا كان يصدق عليه اسم الدم فاكله حرام.

سبب حرمة الدم:

روي في تفسير العياشي عن الامام الصادق «عليه السلام» في تفسير قوله تعالى « حُرِّمَتْ عليكُمُ الميتَةُ والدُم ولحمُ الخَنزيرِ » (1) قال «عليه السلام» (واما الدم فانه يورث الكلب (اى مرض الكلب) والقسوة للقلب وقلة الرأفة والرحمة لا يؤمن ان يقتل ولده

(1) (المائدة 3).
الذنوب الكبيرة - 2 179


ووالديه ولا يؤمن على حميم ، ولا يؤمن على من صحبه)
وروي عنه ايضا انه قال (واما الدم فانه يورث آكله الماء الأصفر وينخر الفم، وينتن الريح، ويسيء الخلق ويورث الكلف والقسوة في القلب... ) «الوسائل ».
وروي ان الزنديق سأل اباعبدالله «عليه السلام» لم حرم الدم المسفوح؟
قال «عليه السلام» لانه يورث القساوة ويسلب الفؤاد رحمته ويعفن البدن ويغير اللون واكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من اكل الدم) «الإحتجاج».
وروي عن الرضا «عليه السلام» ان أكل الدم يورث الطاعون...

الخنزير:

الخنزير والكلب حيوانان نجسا العين، بجميع اجزاء بدنهما حتى الشعر والظفر مما لا روح فيه، وذبحهما لغو لا ينفع في تطهيرهما ويحرم اكلهما ، وهو من الذنوب الكبيرة.
قال الامام الرضا «عليه السلام» في بيان وجه تحريم أكلهما:
(حرم الخنزير لأنه مشوه جعله الله عز وجل عظة للخلق عبرة وتخويفا ودليلا على ما مسخ على خلقته، ولأن غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة) «عيون أخبار الرضا».
وقال الإمام الصادق «عليه السلام».
(وأما لحم الخنزير فان الله تبارك وتعالى مسخ اقواما في صور شتى مثل شبه الخنزير والقرد والدب وما كان من المسوخ ثم نهى عن اكله لمثله، لكيلا ينتفع الناس ولا يستخفوا بعقوبته) «تفسير العياشى».
جاء في كتاب (الاسلام والعلم المعاصر) من مطبوعات منظمة الاعلام الاسلامي:
الخنزير احد الحيوانات التي يعدها علماء الطبيعة من نوع الحيوانات سميكة الجلد، كما يعدون الخنزير الوحشي، وفرس الماء من هذا النوع.
ولحم الخنزير فيه اضرار عديدة ، وبالرغم من ذلك فقد دأبوا على أكله نظرا لطعمه، مع ان ألله تعالى قد نهى اليهود عن أكله، وحرمه على المسلمين، وأما

,
الذنوب الكبيرة - 2 180


النصارى فانهم اليوم يأكلونه، والعجب انهم مع معرفتهم اليوم بعلة تحريمه لم يكفوا عن أكله.
لقد عرف علماء الطبيعة اليوم بكامل الوضوح أية اضرار في ذلك، وأية مفاسد يوجدها في صحة المجتمع ، ولا يوجد اي طريق للوقوف بوجه تلك المفاسد سوى تحريمه.

الذنوب الكبيرة - 2 181


36
ترك الصلاة عمداً

السادس والثلاثون من الكبائر المنصوصة ترك الصلاة عمدا، كما ورد التصريح بذلك في صحيحة عبد العظيم «عليه السلام» عن الامام الجواد والرضا والكاظم والصادق «عليهم السلام» كما ورد التصريح باعتباره من الكبائر في رواية عن امير المؤمنين «عليه السلام»، وحيث ان وجوب الصلاة من الاحكام البديهية والضرورية في الاسلام اذن فمن ترك الصلاة من جهة انكار وجوبها، يعتبر كافرا خارجا عن دين الاسلام، واما اذا لم يكن منكرا لوجوبها وكان مؤمنا بحقانية القرآن ورسالة خاتم الانبياء ومعتقدا بان الصلاة واجبة بحكم الله تعالى ، لكنه يتركها كسلا واهمالا، فمثل هذا الشخص فاسق.
والاخبار الواردة في كفر تارك الصلاة ناظرة للصورة الأولى ، وهي اخبار كثيرة متفقة المضمون.
عن النبي «صلى الله عليه واله» : (من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر) «لئاليء الأخبار /394» وعن الامام الباقر «عليه السلام»: (تارك الفريضة كافر) «وسائل الشيعة».
وعن الإمام الصادق «عليه السلام»: (جاء رجل الى النبي «صلى الله عليه واله» فقال يا

الذنوب الكبيرة - 2 182


رسول الله أوصني فقال «صلى الله عليه واله» لا تدع الصلاة متعمدا فان من تركها متعمدا فقد برئت منه ذمة الإسلام) «الوسائل ـ الصلاة».
وقال «صلى الله عليه وآله»: (ما بين المسلم وبين ان يكفر الا ان يترك الصلاة الفريضة متعمدا أو يتهاون بها فلا يصليها) «الوسائل ـ الصلاة».
يقول العلامة المجلسي في شرح الكافي ان بعض هذه الاخبار لها دلالة على ان ترك اي واجب او خصوص بعض الواجبات عن عمد كفر، وهذا بنفسه هو احد معاني الكفر الوارد في الآيات ، حيث ورد ان تارك الصلاة عمدا كافر، وتارك الزكاة كافر، وتارك الحج كافر.
وهذا هو السر في ان ترك الواجبات لم يذكر في الروايات من جملة كبائر الذنوب ولعل جهة ذلك ان ارتكاب المحرمات ينشأ غالبا من غلبة الشهوة على الإنسان ودفعه اياه نحو المعصية كما هو في الزنا، او ينشا من سيطرة الغضب عليه ودفعه اياه نحو المعصية كما هو في الظلم، والقذف ، والقتل ، واما في ترك واجب كالصلاة فانه لا تتدخل الشهوة ولا الغضب اطلاقا في دفعه نحو ترك الصلاة ، بل السبب منحصر في استخفاف واستحقار الأوامر الدينية، وعلى ذلك دخل ترك الواجبات في عنوان الكفر بالله، وحيث ان الاستخفاف بالدين واضح في ترك الصلاة واظهر من غيره لذا جاء في الروايات ان تارك الصلاة خصوصا كافر، اذ ان ترك الزكاة والحج ينشأ احيانا من الحرص على المال ، وترك الصوم يمكن ان ينشأ من شهوة البطن، اما في ترك الصلاة فلا يوجد دافع لذلك سوى الاستخفاف بالدين .
روي عن الامام الصادق «عليه السلام» انه سئل : ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة تسميه كافرا وما الحجة في ذلك؟
فقال «عليه السلام» لأن الزاني ما اشبهه انما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه، وتارك الصلاة لا يتركها الا إستخفافا بها «الوسائل ـ الصلاة ـ باب 11» .
ومن هذا الحديث يتضح ان ترك الواجبات اذا كان ناشئا من الاستخفاف بالدين كفر.

الذنوب الكبيرة - 2 183


ورد عن رسول الله »صلى الله عليه واله» انه قال : (ليس مني من استخف بصلاته ، وليس مني من شرب مسكرا ، لا يرد على الحوض لا والله) « الوسائل ـ الصلاة باب 6».
وعن ألإمام الصادق «عليه السلام» انه قال حين حضرته الوفاة:
(لا تنال شفاعتنا من استخف بالصلاة) «فرو ع الكافي».

مغالطة بعض السخفاء:

حين يوعظ تاركوا الصلاة ويسئلون عن سبب ترك الصلاة يقول بعضهم ان الله غير محتاج لصلاتنا وصيامنا ، والحقيقة ان هذا الجواب مغالطة شيطانية . فليس غنى الله تعالى هو السبب في تركهم للصلاة بل السبب هو جهل هؤلاء الأفراد بحقيقة الأمر وهم لا يرون انفسهم عبيدا محتاجين الى خالق العالم ومن هنا يقطعون رابطة العبودية معه، ولا يرون انفسهم غارقين في نعمائه واحسانه ولذا يتركون الشكر، ولا يؤدون وظيفة العبودية.
وبعبارة اخرى ان سبب ترك الصلاة هو قساوة القلب ، والإستكبار، والترف المفرط ومقتضى العدل الإلهي الذي يعني وضع كل شيء في موضعه المناسب هو ان يضع النفوس الغليظة التي هي اقسى من الحديد والحجارة في العذاب ، كما ورد ذلك في الآيات والروايات ، وان يضع النفوس الرقيقة اللينة الخاشعة لربها في دار السلام.

الوعيد بالعذاب في القرآن المجيد:

ترك الصلاة من الذنوب التي جاء الوعيد عليها بالعذاب في القرآن المجيد كما في سورة المدثر «في جناتٍ يَتساءَلونَ عن المُجرمينَ ما سَلََككُمْ في سَقَر، قالوا لَم نَكُ مِنَ المُصلّينَ ، ولَمْ نَكُ نُطعِمُ المِسكينَ، وكنّا نَخوضُ مَعَ الخائِضينَ ، وكُنّا نُكذِّبُ بيومِ الدينِ » (1). ويقول تعالى في سورة القيامة «فلا صَدّقَ ولا صلّى، ولكنْ كَذَّبَ وَتَوَلّى، ثُمَّ ذَهَبَ

(1) المدثر 40 ـ 46.
الذنوب الكبيرة - 2 184


الى أهِلهِ يَتَمَطّى ، أولى َلكَ فَأولى ، ثَمَّ أولى لك فَأولى» (القيامة :ألآيات 31ـ35 )،« أَلَمْ يَعلَم ْبأنَّ اللهَ يَرى»(1)
وفي هذه عدة صفات من صفات منكري المعاد والكفار:
1 ـ عدم التصديق بالأنبياء ، وعدم الاعتراف بوحدانية الله.
2 ـ عدم اداء الصلاة، حيث ان اوضح علامة للإيمان هي الصلاة ، وتركها كفر .
3 ـ ينسبون الكذب للأنبياء.
4 ـ يعرضون عن كلام الحق.
وبصدد تهديدهم والأخبار عن هلاكهم تعالى « أولى لك فأولى » وذكر بعض المفسرين ان معنى ذلك ويل لك ، وقد كررت هذه الكلمة أربع مرات تأكيدا او اشارة الى المراتب الأربع في الهلاك، وهى الهلاك في الدنيا، وعذاب القبر، واهوال القيامة، والخلود في العذاب.
يقول تعالى في سورة الماعون « فويلٌ للمُصلينَ ، الذينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِم ساهُونَ، الذينَ هُمْ يُراؤونَ وَيمْنَعونَ الماعُون » (2).
والويل هو شدة العذاب ، واسم لدركة من دركات جهنم ، او اسم لواد فيها، هو كلمة العذاب والتنوين فيها لبيان العظمة ، ويقول تعالى في سورة مريم :
« فَخَلفَ مِن بَعدِهِم خلفٌأ اضاعوا الصلاةَ وأتّبعوا الشَهَواتِ فَسَوفَ يَلقَونَ غَيّاً » (3).
والغي هو واد في جهنم عذابه أشد من عذاب باقي طبقات النار، حتى يستغيث منه اهل جهنم ، وقد نقل عن ابن عباس ان فيه ثعبانا طوله مسير ستين عاما وعرضه مسير ثلاثين عاما ولم يفتح فمه منذ خلق الا لتارك الصلاة وشارب الخمر.

(1) العلق 14.
(2) الماعون 4 ـ7.
(3) مريم 59.
الذنوب الكبيرة - 2 185


ويقول تعالى في سورة الروم« وأَقيموا الصلاةَ ولا تَكُونوا مِنَ المُشركين» (1).
وفي هذه الآية اشارة الى ان تارك الصلاة هو بمنزلة المشرك.
وألآيات القرآنية في أهمية الصلاة كثيرة ، يكفي منها ما تقدم .

خمسة عشر اثر دنيوي وأخروي لترك الصلاة:

ورد عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال :
(من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة، ست منها في دار الدنيا وثلات عند موته وثلاث في قبره وثلاث يوم القيامة اذا خرج من قبره.
فاما اللواتي تصيبه في دار الدنيا فالأولى يرفع الله البركة من عمره ويرفع الله البركة من رزقه ويمحوالله عز وجل سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه ولا يرتفع دعاؤه الى السماء، والسادسة ليس له حظ في دعاء الصالحين.
واما اللواتي تصيبه عند موته فأولهن أن يموت ذليلا والثانية يموت جائعا والثالثة يموت عطشانا فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه .
وأما اللواتي تصيبه في قبره فأولهن يوكل ألله به ملكا يزعجه في قبره ، والثانية يضيق عليه قبره ، والثالثة تكون الظلمة في قبره .
وأما أللواتي تصيبه يوم القيامة اذا خرج من قبره فأولهن ان يوكل الله به ملكا يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون اليه، والثانية يحاسبه حسابا شديدا ، والثالثة لا ينظر الله اليه ولا يزكيه وله عذاب اليم) «فلاح السائل».

اهم الواجبات الالهية:

عن الامام الصادق «عليه السلام» انه قال ( اول ما يحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل سائر عمله وان ردت عليه رد عليه سائر عمله) «بحار الأنوار».
وقد سأل معاوية بن وهب الامام الصادق«عليه السلام»عن افضل ما يتقرب به العباد

(1) الروم 31.

السابق السابق الفهرس التالي التالي