الذنوب الكبيرة - 2 152


امير المؤمنين «عليه السلام» الإبريق فغسل يد الرجل بعد ان كان الرجل يمتنع من ذلك وتمرغ في التراب واقسم اميرالمؤمنين «عليه السلام» ان يغسل مطمئنا كما كان يغسل لو كان الصاب عليه قنبر ففعل ثم ناول الإبريق محمد بن الحنفية وقال يا بني لو كان هذا الإبن حضرني دون ابيه لصببت على يده ولكن الله عز وجل يأبى ان يسوى بين إبن وأبيه اذا جمعها مكان لكن قد صب الأب على ألأب فليصب الأبن على الأبن فصب محمد بن الحنفية على الأبن».

علامات التواضع :

عن الإمام الصادق «عليه السلام» عن آبائه «عليه السلام» قال:
(ان من التواضع ان يرضى الرجل بالمجلس دون المجلس، وان يسلم على من يلقى، وان يترك المراء و إن كان محقا، ولا يحب ان يحمد على التقوى) «سفينة البحار/حـ2/ 666».
وعن الامام امير المؤمنين «عليه السلام»في وصيته:
(عليك بالتواضع فانه من اعظم العبادة) «سفينة البحار».
وقد روي ان موسى بن عمران كان يمرغ وجهه في الارض بعد كل صلاة يمينا وشمالا تواضعا لله تعالى ، ومن هنا اتخذه الله لنفسه كليما.
عن الامام الرضا «عليه السلام» انه قال:
(التواضع ان تعطي الناس ما تحب ان تعطاه)«الكافي».
وعن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا «عليه السلام»ما حد التواضع الذي اذا فعله العبد كان متواضعا؟
فقال «عليه السلام»: التواضع درجات منها ان يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب ان يأتي الى أحد إلا مثل ما يؤتى اليه ، ان رأى سيئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس، والله يحب المحسنين «الكافي».

الذنوب الكبيرة - 2 153


أئمتنا اكثر الناس تواضعا:

روي عن الامام موسى بن جعفر «عليه السلام» انه مر برجل من اهل السواد دميم المنظر فسلم عليه ونزل عنده وحادثه طويلا ثم عرض عليه نفسه في القيام بحاجة ان عرضت له ، فقيل له يا ابن رسول الله اتنزل الى هذا ثم تسأله عن حوائجه وهو إليك احوج؟
فقال «عليه السلام» : عبد من عبيد الله ، وأخ في كتاب الله، وجار في بلاد الله يجمعنا وإياه خير الآباء آدم وأفضل الأيادن الإسلام، ولعل الدهر يرد من حاجتنا اليه فيرانا بعد الزهو عليه متواضعين بين يديه «سفينة البحار/حـ 2/66».

يجب إقتلاع جذور الكبر بأية صورة:

(كان محمد بن مسلم رجلا شريفا موسرا فقال له الإمام الباقر «عليه السلام» تواضع يا محمد!! فلما إنصرف الى الكوفة أخذ قوصرة من تمر مع الميزان وجلس على باب المسجد الجامع وجعل ينادي عليه فأتاه قومه فقالوا له فضحتنا !! فقالوا ان مولاي امرني بأمر فلن أخالفه ولن أبرح حتى أفرغ من بيع هذه القوصرة فقال له قومه اما إذا أبيت إلا أن تشتغل ببيع وشري فاقعد في الطحانين فقعد في الطحانين فهيأ رحى وجملا وجعل يطحن ) «المصدر السابق».

الذنوب الكبيرة - 2 154




الذنوب الكبيرة - 2 155


34
محاربة المسلمين

الرابع والثلاثون من الذنوب التي ورد التصريح في النصوص المعتبرة باعتبارها من الذنوب الكبيرة محاربة اولياء الله اي (المسلمين)، كما في رواية الأعمش عن الامام الصادق «عليه السلام» ورواية الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا «عليه السلام» وقد ورد الوعيد عليه ـ في القرآن المجيد ـ بالعذاب كما حدد له عقوبة دنيوية وهي (الحد) حيث يقول تعالى« إنما جَزاءُ الذينَ يُحاربونَ اللهَ ورسَولُهُ ويَسْعَونَ في الأرضِ فَسادا أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطَعَ أيديهِم وأرْجُلُهُم مِن خِلافٍ أو يُنفَوا مِن الأرضِ ذلِكَ لَهُم خِزْيٌّ في الدُنيا وَلَهُم في الآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ إلا ألذين تابُوا مِنْ قَبلِ أن تَقدِرُوا عَلَيهِم فاعلَمُوا أنّ اللهَ غَفُورٌ رَحيم» «السورة 5/ الآية 33ـ 34» .
كتب في تفسير (منهج الصادقين):
«في السنة السادسة للهجرة اقبل جماعة من (عوينة وعكل) الى رسول الله «صلى الله عليه واله» وأسلموا ، واختاروا البقاء عند رسول الله «صلى الله عليه واله» وملازمته وحيث لم يلائمهم مناخ المدينة وجوّها مرضوا فعرضوا حالهم على الرسول «صلى الله عليه واله»

الذنوب الكبيرة - 2 156


فاذن لهم بمغادرة المدينة الى جبل العير ليشربوا من حليب الإبل وأبوالها طلبا للعافية، وبالفعل فقد ذهبوا الى الموضع المذكور واستعادوا صحتهم، ولكنهم في صباح يوم من الأيام اتفقوا عى سرقة خمسة عشر من ابل رسول الله «صلى الله عليه واله» وارتدوا عن الإسلام ولجأوا الى قبيلتهم ، ولما وصل الخبر الى المدينة اقبل في طلبهم يسار مولى رسول الله «صلى الله عليه واله» مع عدة اشخاص فلحقهم فقابلوه وقاتلوه واسروه ثم قطعوا يديه ورجليه حتى استشهد، فلما وصل خبره الى رسول الله «صلى الله عليه واله» ارسل في طلبهم كربز بن جابر، فأسرهم جميعا واقبل بهم الى رسول الله «صلى الله عليه واله» فانزل الله تعالى قوله « إنما جَزاءُ الذينَ يُحارِبُون... ».
وقريب من هذا المضمون ما ورد في روايات أهل البيت «عليهم السلام».

من هو المحارب؟

المحارب ـ عند الفقهاء ـ هو من يحمل معه سلاحا ـ كالسيف والرمح ، والسكين، والبندقية والعصا، والحجرـ لإرعاب المسلمين والتجاوز على أموالهم وأعراضهم او سفك دمائهم، سواء كان واحدا أو جماعة ، وسواء وصل الى غرضه فارعب وقتل وسرق المال ام لا، فهو محارب بمجرد حمله للسلاح وتحركه بهذا القصد وايضا لافرق بين ان يكون في البر او في البحر ، في المدن والعمران او في الصحاري والبيداء كقطاع الطرق ، بل حتى إذا حمل معه السلاح ودخل بيت مسلم ليلا او نهارا بقصد الإغارة على أهل المنزل فانه محارب.
روي عن سورة بن كليب قال : قلت لأبي عبدالله «عليه السلام»: رجل يخرج من منزله يريد المسجد او يريد الحاجة فيلقاه رجل ويستعقبه فيضربه ويأخذ ثوبه...
قال «عليه السلام» هؤلاء من اهل هذه الآية « إنَّما جَزاءُ الذينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ »
وايضا لافرق في المحارب بين ان يكون مسلما او غير مسلم ، رجل او إمرأة ، في بلاد الاسلام او في بلاد الكفر.
ويعلم من جملة « ويَسعَونَ في الأرضِ فَساداً » إن المراد بالمحاربة ليس الحرب

الذنوب الكبيرة - 2 157


والقتال بل المراد كل فساد في الأرض ، وإخلال بالأمن العام، بايجاد الخوف والهلع، وهو امر لا يتحقق عادة إلا بحمل السلاح، والتهديد بالقتل.
وبالجملة ، فالمحارب هو من يحمل السلاح ويسلب المسلمين أمنهم واطمئنانهم في المال او العرض أو الأنفس.

محاربة الله ورسوله:

في الآية عبر عن محاربة المسلمين بمحاربة ألله ورسوله «صلى الله عليه واله» اما تعظيما وتكريما للمسلمين حتى ان اي تعامل معهم هو تعامل مع الله ورسوله «صلى ألله عليه وآله» لأنهم يرتبطون بهما، ,اما من جهة أن ألله ورسوله «صلى ألله عليه وآله» قد حرم ايذاء المسلمين والعدوان على اموالهم واعراضهم وانفسهم ، ومن يخالف هذا الحكم هو محارب لله ورسوله « صلى الله عليه واله».
ورد عن الامام الصادق «عليه السلام»:
(قال الله عز وجل ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن) «الكافي» .
وقال «عليه السلام» (من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ) «الكافي».

حدُّ المحارب:

طبقا للآية الشريفة يجب إجراء واحد من اربعة أمور على المحارب : القتل ، الصلب ، قطع الأيدي والأرجل من خلاف، التبعيد . جاء في كتاب (برهان القرآن):
المقصود من المحاربة في اصطلاح الفقهاء حمل السلاح لإرعاب المسلمين في مدينة او صحراء او بحر، ليلا او نهارا ، ضعيفا كان او قويا ، رجلا كان او إمرأة ، فذلك في اصطلاح الفقهاء محارب ، وعد هذا العمل في القرآن المجيد حربا لله ورسوله حيث قال تعالى « إنما جزاءُ الذينَ يُحاربُون الله ورسوله » ايها القارىء العزيز: هذا احد الموارد التي اثارت ذوي الطبائع الحساسة والقلوب الرقيقة من المتحضرين! حيث

الذنوب الكبيرة - 2 158


عدوا هذه العقوبة الاسلامية وحشية قاسية الا اننا لا ندري لماذا تضع هذه الطبقة من المثقفين عطفهم ورقة قلوبهم وحنانهم الى جانب الجناة وقطاع الطرق ومصاصي الدماء،اما مع الناس الأبرياء والنساء والاطفال المعصومين الذين يتعرضون لتعدي اولئك الجناة، ويقعون هدفا لأطماعهم واغراضهم واهوائهم فانهم لا يظهرون شفقتهم وحنانهم، ولا ندري هل يفرق استئصال هؤلاء المحاربين وقتلهم من اجل حفظ الامن والسلام، ومصلحة المجتمع الإسلامى عن قتل ملايين المكروبات لأجل سلامة واحد من خطر الموت؟
وهل يوجد عاقل واحد وطبيب صادق يعترض على تزريق إبرة في بدن المريض من اجل ان لا تقتل ملايين الميكروبات، بحيث يعتبر هذا العمل وحشيا قاسيا ، انه لا مجال للتردد في ان كل شخص منصف يعرف ان هذا الحكم انما هو بدافع الرحمة والشفقة على المجتمع ، ومعتمد على اساس العدل والإنصاف في حق أولئك الجناة وقطاع الطرق ، كما انه يجدر الاشارة الى ان المشرع الاسلامى الرحيم قد اخذ بعين الاعتبار جانب الرأفة والشفقة حتى في عملية تنفيذ هذا الحكم.
فقد ورد في تفسير (مجمع البيان) في ذيل الآية السابقة عن الامام الباقر: (انما جزاء المحارب على قدر استحقاقه فان قتل فجزاؤه أن يقتل ، وان قتل وأخذ المال فجزاؤه ان يقتل ويصلب، وان اخذ المال ولم يقتل فجزاؤه ان تقطع يده ورجله من خلاف وان اخاف السبيل فقط فانما عليه النفي لاغير).
وليس مجالا للتردد في ان مجرد الأمر والنهي لا يستطيع تأمين ما تقدم ، بل التأمين يتحقق من خلال العقوبة فهي التي تضمن الإلتزام بالأوامر والنواهي.
لقد ذكر الفيلسوف الاسلامي (ابو ريحان البيروني) في كتاب (تحقيق ما للهند)، وهو بصدد شرح عقائد وأفكار الهنود:
ان حالهم حال النصارى ، فهم يعتمدون على اساس الخير ، واجتناب الشر من قبيل ترك القتل تماما، ودفع القميص الرقيق لغاصب جبة الصوف ، وادارة الخد

الذنوب الكبيرة - 2 159


الايمن لضارب الخد الايسر ، والدعاء بالخير والصلاة وطلب العفو للعدو.
وبنفسي ان هذا السلوك سلوك جيد جميل الا انه ليس جميع اهل الدنيا هم من طبقة الفلاسفة بل اكثرهم من الجهلاء الضالين الذين لا ينفع في استقامتهم الا السوط والسيف ، ومن يوم اصبح قسطنطين نصرانيا لم تهدأ حركة السوط والسيف ، اذا لا تقوم السياسة الا بهما.
وبناءا على هذا الاصل الاساسي، والنظر الحكيم ، قال تعالى في القرآن الكريم في مقام بيان حكمة القصاص « ولَكُم في القِصاصِ حَياةٌ يا أُولي الألبابِ لَعَلكُم تَتَقوُن » (1). فقد جعل المخاطب في هذه الآية هم ذوو العقول والالباب، وذوو المعرفة بعواقب الامور، وقيمة الحياة، وذكر ان حياة الناس مرهونة بالقصاص ، ذلك انه متى ماعلم الشخص انه سوف يُقتَل لو قتل فسوف ينصرف عن التفكير بالقتل، وبالنتيجة سيحفظ نفسه من القتل ويحفظ غيره.
ومع الالتفات الى هذه الحقائق يعلم لماذا جعلت الشريعة الاسلامية عقوبات خاصة محدده ، كما هو في جريمة القتل العمدي ، والقذف ، والزنا، والسرقة، والمحاربة وشرب الخمر، والارتداد عن الدين ، بينما لم تحدد عقوبة خاصة في موارد اخرى وترك نوع العقوبة ومقدارها مفوضا الى الحاكم الشرعى ليحكم فيه بما تقتضيه اوضاع الزمان والمكان واحوال المجرم، ذلك ان انتشار مثل هذه الجرائم يؤدي الى فقدان الروابط الاجتماعية والبؤس والشقاء العام (برهان القرآن).

روايات في كيفية إجراء الحد:

وردت في كيفية اجراء هذه الحدود روايات منها ما ورد في الكافي عن مرو بن عثمان المدائني عن الإمام الرضا «عليه السلام» قال :
سئل عن قول الله عز وجل « إنما جَزاءُ الذينَ يُحارِبونَ اللهَ ورَسُولَهُ ويَسعَونَ في

(1) البقرة 179).
الذنوب الكبيرة - 2 160


ألأرضِ فَساداً»» (1) ما الذى إذا فعله استوجب واحدة من هذا الاربع؟ فقال:اذا حارب الله ورسوله وسعى في الارض فسادا فقتل به ، وان قتل وأخذ المال قتل وصلب، وان أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وان شهر السيف وحارب الله ورسوله وسعى في ألأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من ألأرض.
قلت : كيف ينفى ؟ وما حد نفيه؟
قال :(ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل الى مصر غيره ويكتب الى اهل ذلك المصر انه منفي فلا تجالسوه ولا تبايعوه ولا تناكحوه ولا تشاربوه فيفعل ذلك به سنة) «الوسائل حد المحارب».
وحيث ان اجراء الحدود الالهية معطل في زماننا (2)، فاننا سوف لا ندخل في ذكر فروع هذا الموضوع، والروايات والأقوال المذكورة فيه ، والتحقيق في سائر جوانبه.
في اي وقت ندم المحارب قبل القاء القبض عليه وتاب، فان الحد المذكور يسقط عنه ، ولزمه ان كان قد اخذ مالاً أرجعه الى صاحبه ، وان كان قد جنى فان عليه القصاص الا اذا عفا عنه صاحب الحق.

الدفاع ومقاومة السارق:

السارق الذي يحمل سلاحه لاجل السرقة يعتبر محاربا ويجوز لصاحب المال مقاومته اذا استطاع، ولو قتل السارق في هذا الحال كان دمه هدرا لا ضمان فيه ، واذا اراد السارق الإعتداء على الاعراض او على مال محترم ـ واجب الحفظ ـ وجب الدفاع الا اذا اعتقد ان فيه هلاكا، اما إذا قصد السارق قتل صاحب المال فيجب الدفاع والمقاومة لحفظ النفس او الفرار والاختفاء او ما ماثل ذلك من الامور الموجبة لحفظ النفس، اما اذا كان السارق بدون اسلحة فانه في حكم المحارب من حيث وجوب

(1) (المائدة 33).
(2) تاليف هذا الكتاب سبق قيام الجمهورية الاسلامية التي تجري فيها الحدود الالهية ـ المترجم.
الذنوب الكبيرة - 2 161


الدفاع الا انه لا يجري عليه حكم المحارب، نعم يجري عليه حد السرقة مع اجتماع الشروط وبدونها يجري عليه التعزير والتأديب ومثل هذا السارق أما مستلب وأما مختلس، والمستلب هو الذي ينهب مال الناس علنا ثم يفر به ، وأما المختلس فهو الذي ينهب المال سرا ويفر به ، وفي كلتا الصورتين يعاقبه الحاكم الشرعي بما يراه كافيا لتركه السرقة او يحبسه.
روي عن امير المؤمنين «عليه السلام» انه أتي برجل قد اختلس درة من أذن جارية فقال «عليه السلام» هذه الدغارة المعلنة فضربه وحبسه «كتاب المسالك».
واما المختال ـ وهو من يخادع الناس ويأخذ مالهم حيلة كمن يزوّر سندا ويأخذ به مال الناس فيجب تعزيره.

الذنوب الكبيرة - 2 162




الذنوب الكبيرة - 2 163


35
أكل الميتة والدم ولحم الخنزير

الخامس والثلاثون من الكبائر المنصوصة اكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما لم يذكر اسم الله عليه عند الذبح وقد صُرِّح بذلك في رواية الأعمش عن الامام الصادق «عيه السلام»، ورواية الفضل بن شاذان عن الامام الرضا «عليه السلام» ، كما جاء التصريح به في القرآن الكريم في كل من سورة البقرة الآية 173 ، وسورة الأنعام الآية 145، وسورة النحل الآية 116، وقال تعالى في سورة المائدة:
« حُرِّمَت عَليكُمُ الميتَةُ والدمُ ولَحمُ الخِنزيرِ وَما أُهِلَّ لِغيرِ اللهِ بِهِ والمُنخَنِقَةُ والمَوقُوذَةُ والمُتَرِدِّيَةُ والنَطيحَةُ وَما أَكَلَ السَبُعُ إلا ما ذَكَّيتُم وما ذُبِحَ على النُصُبِ وأن تَسْتَقسِمُوا بِالأزلامِ ذلِكُم فِسقٌ » (1).
وبالجملة ، لا شبهة في حرمة ذلك، وكونه من الذنوب الكبيرة ، والأمر الذي يجدر التعرف عليه هو حقيقة الأمور المذكورة واقسامها وفروعها.

(1) (المائدة 3).
الذنوب الكبيرة - 2 164

الميتة:

كل حيوان مات من دون تذكية شرعية لا يجوز أكله ، واذا كان ذا نفس سائلة ـ بمعنى أنه يسيل دمه عند الذبح ـ فهو نجس أيضا ، اما اذا ذكي فهو طاهر ما عدا الكلب والخنزير حيث انهما نجسان دائما وغير قابلين للتطهير أما إذا ذكي الحيوان وكان مما يحل أكله ، وبناءا على ذلك يلزم التعرف على ما يحل اكله من الحيوانات.
كتب في مجموعة مطبوعات منظمة الإعلام الإسلامي:
(لقد عين الفقه الإسلامى بوضوح كامل الحيوانات التي يحل أكلها، ولو تتبع العالم الطبيعي هذه المسألة لوقف على دقائق علمية رائعة موجودة في هذا التصنيف.
لقد حرم الدين الإسلامى عموما الحيوانات آكله اللحوم ، اذ ان معدة هذه الحيوانات عفنة ، ولحمها قذر ذو رائحة كريهة توجب النفرة على العكس من الحيوانات التي تأكل العلف فقد أحلّ الأسلام لحمها).
(كما حرّم الإسلام جميع الحيوانات ذوات المخلب وأحل الحيوانات ذوات الظلف ، بينما جعل بعضها مكروها كالفرس والبغل.
واما في الطيور فالمقياس معرفة الحرام منها والحلال هو كيفية حركة جناحها عند الطيران فاذا كانت تصف جناحيها غالبا عند الطيران فهي حرام وان كانت تحرك جناحيها غالبا عند الطيران فهي حلال...).
وكتب ايضا:
(لقد ترك الصيد حرا، إلا انه انما يجوز حيث يكون المراد منه النفع المعيشي، اما اذا كان المراد منه اللهو واللعب ومجرد قتل الحيوان فانه ليس بجائز، وفي السفر لإجل صيد اللهو واللعب تكون الصلاة تامة والصيام واجبا ـ من حيث انه سفر معصية).
والحيوانات لا تعدو ثلاثة انواع : برية ، مائية ، هوائية.
والحيوانات البرية على قسمين أهلية ـ وهي ما تالف مع حياة الانسان ـ ووحشية ـ

الذنوب الكبيرة - 2 165


وهى ما تعيش في الصحاري .

الحيوانات البرية:

الغنم، والبقر، والإبل من بين الحيوانات البرية حلال، واما أكل لحم الفرس، والحمار، والبغل فهو مكروه، وما عدا هذه الست من الحيوانات الاهلية حرام كالقط مثلا.
واما الحيوانات الوحشية فلا يوجد شيء منها حلال، ما عدا انواع الغزلان ومعز الجبال ، والبقر الوحشي، والحصان الوحشي.
واما الحيوانات المفترسة آكله اللحوم ، وذوات المخالب سواء كانت قوية كما في الاسد، والنمر والذئب او كانت ضعيفة كما في الثعلب والضبع فهي حرام ، ويحرم ايضا لحم الأرنب وان لم يكن من الحيونات الوحشية.
وجميع انواع الزواحف يحرم اكلها مثل الحية ، وفئران المنازل او فئران الصحاري، والسحالي والقنفذ ، وأمثال ذلك.

الحيوانات الهوائية :

انواع الحمام من الحيوانات الطائرة حلال كالقماري والدراج ، والقبج والقطا، والبط ، والكركى ، والحباري، وانواع الدجاج، والعصفور بجميع انواعه كالبلبل والقبّرة والزرزور، والصردـ وهو طائر صخم الراس والمنقار يصيد العصافير ابقع نصفه ابيض ونصفه اسود ـ والصوام (وهو طائر اغبر اللون طويل الرقبة اكثر ما يبيت في النخل) والشقراق (وهو طائر اخضر مليح بقدر الحمام ، خضرته حسنة مشبعة في اجنحته سواد ويكون مخططا بحمرة وخضرة وسواد).
ويحرم الخفاش والطاووس وكل ذي مخلب سواءا كان قويا يقوى به على افتراس الطير كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق او ضعيفا لا يقوى به على ذلك كالنسر والبغاث، وألأحوط التنزه والاجتناب عن الغراب بجميع اقسامه حتى الزاغ

الذنوب الكبيرة - 2 166


وهو غراب الزرع ، والغداف الذي هو اصغر منه اغبر اللون كالرماد، والابقع الذي فيه سواد وبياض ويقال له (العقعق) والأسود الكبير الذي يسكن الجبال، ويحتمل قويا كونهما من سباع الطير.
ان العناوين المذكورة قد ورد حكمها في الروايات ومن هنا فهي معلومة الحال، واما سائر الطيور التي لم يصل فيها حكم خاص فهناك في الشرع علامتان لمعرفة ما يحل اكله مما يحرم:
1ـ ان يكون الدفيف (حركة الجناح عند الطيران) اكثر من الصفيف (بسط الجناح عند الطيران) .
2 ـ ان يكون لديه ثلاثة امور (الحوصلة ، والقانصة والصيصية) فما كان فيه احد هذه الثلاثة فهو حلال، وما لم يكن فيه شيء منها فهو حرام.
والمراد بالحوصلة ما يجتمع فيه الحب وغيره من الماكول.
والمراد بالقانصة قطعة صلبة تجتمع فيها الحصاة الدقاق التي يأكلها الطير.
والمراد بالصيصية هي الشوكة التى في رجل الطير موضع العقب.
* * *
ويجب ان يعلم ان الحيوان الذي يحل اكله قد يحرم احيانا لأمرين:
احدهما: ان يكون جلالا (وهو ما اعتاد على اكل النجاسات)
ثانيهما: ان يكون موطوءا من قبل انسان.
ولكل من هذين الامرين احكام مذكورة في الرسائل العملية.

الحيوانات المائية:

واما الحيوانات المائية فلا يحل منها إلا ما كان له فلس بالاصل وان سقط عنه بعدئذ مثل الكنعت (الذي يقال عنه انه مؤذ جدا يضرب ويحتك بكل ما حوله ولذا يسقط الفلس منه وغالبا ما يبقى الفلس في اصل ذنبه.)

الذنوب الكبيرة - 2 167



التذكية بالصيد:

التذكية للحيوان الذي له نفس سائلة تتحقق بأمرين احدهما الصيد والآخر الذبح.
ويحل اكل الصيد بامرين:
احدهما:

ان يكون بواسطة كلاب الصيد المعلمة وهي ما كان من عادتها الاسترسال والتحرك نحو الصيد لو أرسلها صاحبها، والإنزجار والوقوف اذا زجرها.
ويشترط في حلية صيد الكلب امور: منها ان يكون المرسل مسلما ، ومنها ان يذكر اسم الله عند إرساله ، ومنها ان لا يغيب الكلب عن نظر المرسل.
ثانيهما:

ان يكون بواسطة الآلة كالسيف والسكين والخنجر وكل آلة حديدية حتى البندق ـ في البندقية ـ شريطة أن ـ يثقب جسم الحيوان سواء كان من حديد ام من غيره . ويشترط ان يكون الرامي مسلما ، وان يذكر اسم الله عند الرمي.
ولو اصاب الصيد وكان بعد حيا لزمه ان يذبحه بالتفصيل المتقدم في كيفية الذبح.
واما الصيد بباقي الآلات كالمصيدة، وشبكة الصيد، وهكذا الصيد بالفهود، فانه لا يحل إلا اذا ادركه الصياد وهو حي فذبحه.
وايضا يشترط في الحيوان الذي يحل أكله بالصيد ان يكون قادرا على الفرار او الطيران، وبناءا على ذلك فان اصطياد فراخ الحجل التي لا تستطيع الطيران لا يوجب حليتها ولا طهارتها.
* * *

حديث حول اكل اللحوم:

كتب العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان تحت عنوان تحت عنوان (بحث علمي في فصول ثلاثة) فيه مطالب مفيدة في شرح الآية 3 من سورة المائدة ننقلها فيما يلي:

الذنوب الكبيرة - 2 168


1 ـ العقائد في اكل اللحم:


لا ريب ان الانسان كسائر الحيوانات والنبات مجهز بجهاز التغذي يجذب به الى نفسه من الأجزاء المادية ما يمكنه ان يعمل فيه ما ينضم الى بدنه وينحفظ به بقاؤه ، فلا مانع له بحسب الطبع من اكل ما يقبل الازدراد والبلع الا ان يمتنع منه لتضرر او تنفر.
اما التضرر فهو كأن يجد الماكول يضر ببدنه ضرا جسمانيا لمسمومية ونحوها فيمتنع عندئذ عن الاكل ، او يجد الاكل يضر ضرا معنويا كالمحرمات التي في الأديان والشرائع المختلفة، وهذا القسم امتناع عن الاكل فكري.
واما التنفر فهو الاستقذار الذي يمنتع معه الطبع عن القرب منه كما ان الإنسان لا يأكل مدفوع نفسه لإستقذاره إياه، قد شوهد ذلك في بعض الاطفال والمجانين، ويلحق بذلك ما يستند الى عوامل اعتقادية كالمذهب او السنن المختلفة الرائجة في المجتمعات المتنوعة مثل ان المسلمين يستقذرون لحم الخنزير، والنصارى يستطيبونه، ويتغذى الغربيون من انواع الحيوانات اجناسا كثيرة يستقذرها الشرقيون كالسرطان والضفدع والفأر وغيرها، وهذا النوع من الامتناع إمتناع بالطبع الثاني والقريحة المكتسبة.
فتبين ان الانسان في التغذي باللحوم على طرائق مختلفة ذات عرض عريض من الاسترسال المطلق الى الإمتناع، وان استباحة ما استباح منها إتباع للطبع كما ان امتناع عما يُمتنع عنه إنما هوعن فكر او طبع ثانوي.
وقد حرمت سنة بوذا أكل لحوم الحيوانات عامة ، وهذا تفريط يقابله في جانب الإفراط ما كان دائرا بين اقوام متوحشين من افريقية وغيرها انهم كانوا ياكلون اللحوم حتى لحم الانسان.
وقد كانت العرب تاكل لحوم الانعام وغيرها من الحيوان حتى امثال الفار والوزغ وتاكل من الانعام ماقتلته بذبح ونحوه ، وتاكل غير ذلك كالميتة بجميع اقسامها

الذنوب الكبيرة - 2 169


كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع، وكان القائل منهم يقول:
ما لكم تاكلون مما قتلتموه ولا تاكلون مما قتله الله ؟!
كما ربما يتفوه بمثله اليوم كثيرون ؟ يقول قائلهم:
ما الفارق بين اللحم واللحم اذا لم يتضرر به بدن الانسان ولو بعلاج طبي فني فجهاز التغذي لا يفرق بين هذا وذاك؟.
وكانت العرب ايضا تاكل الدم، وكانوا يملؤون المعى من الدم ويشوونه ويطعمونه الضيف ، وكانوا اذا اجدبوا جرحوا إبلهم بالنصال وشربوا ما ينزل من الدم ، واكل الدم رائج اليوم بين كثير من الأمم غير المسلمة.
واهل الصين من الوثنية اوسع منهم سنة ، فهم ـ على ما ينقل ـ يأكلون اصناف الحيوان حتى الكلب والهر، وحتى الديدان والأصداف وسائر الحشرات.
وقد اخذ الاسلام في ذلك طريق وسطا فأباح من اللحوم ما تستطيبه الطباع المعتدلة من الانسان، ثم فسره في ذوات الاربع بالبهائم كالضان والمعز و البقر والابل على كراهية في بعضها كالفرس والحمار ، وفي الطير ـ بغير الجوارح ـ مما له حوصلة ودفيف ولا مخلب له، وفي حيوان البحر ببعض انواع السمك على التفصيل المذكور في كتب الفقه.
ثم حرم دماءها وكل ميتة منها وما لم يذك بالإهلال به لله «عز إسمه»، والغرض في ذلك ان تحيا سنة الفطرة ، وهي إقبال الانسان على اصل اكل اللحم ، ويحترم الفكر والصحيح والطبع المستقيم اللذين يمتنعان من تجويز ما فيه الضرر نوعا، وتجويز ما يستقذر ويتنفر منه.
2ـ كيف أُمر بقتل الحيوان والرحمة تأباه؟


ان الحيوان ذو روح شاعرة بما يشعر به الإنسان من ألم العذاب ومرارة الفناء والموت، وغريزة حب الذات التي تبعثنا الى الحذر من كل مكروه والفرار من ألم العذاب والموت تستدعي الرحمة لغيرنا من افراد النوع لأنه يؤلمهم ما يؤلمنا ، ويشق

السابق السابق الفهرس التالي التالي