الذنوب الكبيرة - 2 123


قال تعالى في القرآن المجيد «إنْ في صُدُورِهِم إلاّ كِبَرٌ ما هُمْ بِبالغيه» (1) وبمقتضى هذه الآية فإنهم سوف لا يصلون الى الحالة التي يغلبون فيها الحق ويكونون اكبر منه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ويقول تعالى في موضع آخر « فالذينَ لا يؤمِنونَ بالآخرةِ قُلوبُهم مُنكِرة ٌوهُم مُسْتكبرون » «سورة النحل ـ 22».
وأحيانا يصل الغرور والكبر الى مرتبة أشد، فيتجاوز ذاته، ويدّعي الربوبية والإلوهية للآخرين أيضا فيقول (أنا الذي أدبر الجماعة الفلانية ، وهم تحت تصرفي وتربيتي ) كما قال فرعون الأحمق «أنا ربُكُم الأعلى» (2) وإستدل على ذلك بقوله« أليسَ لي مُلكُ مِصْرَ، وهذهِ الأنهارُ تَجري مِن تَحتي» (3)ويدعى أحيانا ان لا يوجد إله سواه «ما علِمْت ُلَكُمُ مِن إلهٍ غيري » «القصص /38»مثل نمرود التعيس الذي اعتقد بان الموت والحياة بيده أيضا فقال« انا أُحيّي وأُميت» «السورة 2/258»
وكان دليله على ذلك ان جاء برجلين من السجن فقتل احدهما وترك الآخر حياً. وأحيانا ونتيجة الجهل والغرور يتكبر عن العبودية لله وإطاعة أوامره تعالى ونواهيه رغم انه غير منكر لله ، كما يقول تعالى في سورة النساء « لنْ يَستَنكِفَ المسيحُ أن يكونَ عبداً للهِ ولا الملائكةُ المُقرّبُونَ ومَن يَستنكف عَن عبادتِهِ ويَسْتكبر فسَيَحشُرُهُم إليهِ جَميعاً فأما الذينَ آمنوا وعَمِلوا الصالحاتِ فيُوَفيهِم أُجورَهُم ويزيدُهُم مِن فضلِهِ وأمّا الذين إستنكفوا فيُعذِبُّهم عذاباً أليماً »«سورة 4/ 172».
والحقيقة ان ترك العبادة والطاعة من باب التكبر والتعالي هو كفر وإنكار لإلوهية الله وربوبيته تعالى بحيث لا يراه اهلا للعبادة وذلك لأن يعرف نفسه عبداً لله ويعرف ان جميع شؤونه هي مخلوقةٌ ومربوبة له تعالى يستحيل ان يتطاول وحتى لو صدرت من هذا الإنسان بعض الذنوب، وخالف وبعض الأوامر الإلهية فليس ذلك من باب

(1) (غافر 56).
(2) (النازعات 24).
(3) (الزخرف 51).
الذنوب الكبيرة - 2 124


إنكار الربوبية والكبرعلى الله ، وإنما من باب غلبة الشهوة وهوى النفس، ونتيجة الغفلة ، كما جاء عن الإمام السجاد «عليه السلام» في دعاء أبي حمزة الثمالى (إلهي لم أعصك حين عصيتك وانا بربوبيتك جاحد، ولا لأمرك مستخف ولا لوعيدك متهاون ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولكن خطيئة عرضت ، وسولت لي نفسي وغلبني هواي، وأعانني على ذلك شقوتي..).
والذنب الصادر نتيجة الكبر والأنفة غير قابل للعفو لأنه شاهد على كفر صاحبه ومن هنا يظهر كفر ابليس حيث ترك امر الله بالسجود لآدم بفعل التكبر والأنفة حيث قال« لَمْ أكُنْ لأسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلقتَهُ مِن صَلصالٍ من حَمأ مَسنون») (1) وقال تعالى في جوابه «فما يَكونُ لَكَ أنْ تَتكَبّرَ فيها فأخرُجْ إنكَ مِنَ الصاغرين» (2) .
وقال تعالى أيضا عن إبليس « أبى وإسْتَكْبَرَ وكانَ مِنَ ألكافرين».

تركُ الدُعاءَ تكبراً كفرُ أيضا:

كما ان ترك الدعاء من باب الكبر والإعتقاد بعدم الحاجة اليه تعالى هو كفرا ايضا، وموجب للخلود في النار ، كما قال تعالى « وقالَ ربُكُم أُدوعوني أسْتَجِبْ لَكُمْ إنّ الذينَ يَستكبرون عَن عبادَتي سَيدخُلون جَهنّمَ دَاخرين »«السورة 40 ـ60).
وجاء في تفسير الكاشف ان المراد بالدعاء السؤال ، يعني سلوني فان خزانني مملوءة، وكرمي مبعث الآمال، فأي سائل سألني ثم لم أعطه مراده ؟ واي محتاج فتح بالسؤال لسانه ثم لم أوقع على رقعة حاجته بتوقيع الإجابة؟
وحيث ان حقيقة الدعاء ـ اي السؤال من الله تعالى في حال الحاجة ومن باب العجز والإنكسار ـ هي العبودية لله، اذن فمن يترك الدعاء تكبرا معناه انه لا يرى نفسه محتاجا لله تعالى، ولا يرى الله تعالى أهلا للعبادة ، وذلك هو الكفر المحض الموجب

(1) الحجر 33).
(2) (الاعراف 13).
(3) (البقرة 34).
الذنوب الكبيرة - 2 125


للخلود في النار.
يقول الإمام السجاد «عليه السلام»:
(فسميت دعاءك عبادة، وتركه إستكبارا ، وتوعدّت على تركه دخول جهنم داخرين )« الصحيفة السجادية ـ الدعاء 45» .
ويقول «عليه السلام» ـ في موضع آخر:
(وإن احب العباد اليك من ترك الإستكبار وجانب الإصرار، ولزم الإستغفار ، وانا ابرأ إليك ان إستكبر) «الصحيفة السجادية /الدعاء 12«.

التكبرُ على حُرماتِ الله.

ومن انواع التكبر على الله التكبر على الأمور المنسوبة إليه تعالى والتي تعتبر من حرماته، مثل الإوامر والنواهي الإلهية ومثل الأشهر الحرم خصوصا شهر رمضان المبارك ، ومثل بيت الله الحرام، والمشاهد المشرفة، بل عموم المساجد ، حيث أن المساجد عموما نُسبت إليه تعالى في القرآن المجيد «وأنّ المَساجِدَ لِلهِ » (1) اذن فالتكبر في مقابل كل واحد من هذه الأمور اذا كان متضمنا لهتكها حرام قطعا ومن كبائر الذنوب، وهي في الحقيقة تكبر على الله.
قال تعالى في سورة المائدة « يا أيُّها الذينَ آمَنوا لا تُحِلّوا شَعائِرَ ألّلهِ » (2) اى احفظوا حرمة الامور المنسوبة اليه تعالى.

التكبر ذل الدُنيا والآخرة:

من اثار التكبر على حرمات الله بل جميع اقسام التكبر، الذل في الدنيا والآخرة، كما ان من آثار التواضع زيادة العز والشرف في الدنيا والآخرة.
يقول الرسول الأكرم «صلى الله عليه واله» :

(1) (الجن 18).
(2) (المائدة 2).
الذنوب الكبيرة - 2 126



(من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله) «بحار الأنورـ المجلد 16 باب التواضع».
روي في شرح الصحيفة عن عمر بن شيبة انه قال بينما كنت في مكة المكرمة بين الصفا والمروة رأيت شخصا قد ركب جملا وغلمانه يبعدون الناس من حوله ، بعد مدة دخلت بغداد فرأيت شخصا ناحلا حافيا اشعث طويل الشعر فأطلت النظر اليه فقال لي مالك تنظر الى؟ فقلت : انك تشبه رجلا متكبرا رأيته بين الصفا والمروة، وكان كذا وكذا فقال: انا ذلك الرجل ، فقلت : وما الذي جرى حتى صرت الى ما انت فيه؟ فقال : لقد تكبرت حين كان يتواضع لي الناس، فجعلني الله في موضع يتكبر علي الناس.
(2) الكِبَر على الرسولِ (ص) والإمام (ع) :


الكبر على الرسول والإمام هو ان يعتقد بانه مساو لهم او افضل منهم ، ولا يكون مستعدا للتسليم والإنقياد لهم وطاعتهم ، مثل الفراعنة الذين تكبروا على موسى وهارون وقالوا :« أ نؤمِنُ لِبَشَرَينِ مِثلِنا » (1).
او يقولون « لو لا أُنْزِلَ عَلينا الملائِكةُ أو نَرى رَبَنا لَقدِ إسْتكبَروا في أنْفُسِهِم وعَتَوا عُتُوا كَبيرا »«سورة الفرقان ـ 21»
وقال تعالى عن لسان نوح «عليه السلام» « وإني كُلَما دَعَوتُهُم لِتَغْفِرَ لَهُم جَعَلوا أصابِعَهُم في آذانِهِمْ وَإسْتَغْشَوا ثِيابَهُم وأصَرّوا وإسْتَكْبَروا إسْتِكْبارا» «السورة 71/7».
ومثل تكبر قريش على رسول الله «صلى الله عليه واله» حيث قالوا « لولا نُُزِِّلَ هذا القُرآنُ على رَجُلٍ مِنَ القَريَتين عَظيم » «سورة الزخرف/31».
وفي الحقيقة ان التكبر على الرسول والإمام هو تكبر على الله تعالى كما إن التكبر على ممثلي الرسول «صلى الله عليه واله» والإمام وعدم إطاعتهم في جهة تمثيلهم هو تكبر على الرسول والإمام، بل على الله تعالى ، بناءا على ذلك فان العلماء العاملين

(1) (المؤمنون 47).
الذنوب الكبيرة - 2 127


والفقهاء الراشدين وهم نواب الحجة عجل الله تعالى فرجه في هذا الزمان، من تكبر عليهم او أهانهم ولم يطعهم في الأحكام الإلهية التي يبينونها قائلا من انتم حتى اتبعكم ؟ فهو متكبر يقينا على الرسول «صلى الله عليه واله» والإمام «عليه السلام» وحسب كلام الإمام الصادق«عليه السلام» هو على على حد الشرك بالله.

التكبّر على العالم تكبّرٌ على الرسول (ص):

قال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(ألا لا تكذبوا عالما ولا تردوا عليه ولا تبغضوه وأحبوه فان حبهم إخلاص وبغضهم نفاق ، ألا ومن أهان عالما فقد أهانني ومن أهانني فقد أهان الله ومن اهان الله فمصيره الى النار الا ومن أكرم عالما فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم ألله ومن أكرم ألله فمصيره إلى الجنة( «لآليء الأخبار».

المتكبرون أهل النار:

يجب ان يعلم المراد في الآيات والروايات الدالة على خلود المتكبرين في جهنم ، هم المتكبرون على الله والمتكبرون على الرسول والإمام حيث ان التكبر في هذين القسمين يعود ـ كما ذكرنا سابقا ـ الى الجحود وعدم الإيمان بالله الخالق ، ولا شك ان من يموت بلا إيمان خالد في النار.
يقول الشهيد في كتاب (القواعد):
(الكبر معصية والأخبار في ذلك كثيرة).
قال رسول الله «صلى الله عليه واله» (لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر).
ثم ذكر الشهيد ان هذا الحديث يُحمل على الكِبر الذي يؤدي الى الكفر ، أو أن المراد هو عدم دخول المتكبر الجنة سوية مع المتواضع وإنما يدخل بعده وبعد العذاب في النار.
والتوجيه الأول افضل ، ويشهد له حديث رواه محمد بن مسلم عن الإمام الصادق

الذنوب الكبيرة - 2 128


«عليه السلام»انه قال ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من الكبر
قال : فاسترجعت
فقال «عليه السلام»: ما لك تسترجع؟
قلت : لِما سمعت منك
فقلت «عليه السلام» ليس حيث تذهب إنما أعني الجحود ، وإنما هو الجحود «الكافي».
(3) الكِبر على عبادِ الله:


ألقسم الثالث هو الكبر على الناس ، بان يرى نفسه كبيرا والآخرين صغارا، ويرى نفسه افضل منهم ويستاء من مساواته بهم ، يتقدم عليهم في الطريق ، ويرغب ان يجلس في صدر المجالس ، ويتوقع منهم التحية والتواضع ، وان نصحه احد انزعج ورفض ، وان قال باطلا فردوا عليه غضب، وان ذكر احد بشيء لم يرفق به ، ويمّن عليه ويتوقع خدمته ، وبالجملة يرى نفسه اعلى من الناس ، كما يراها اعلى من الحيوانات واشرف، وان كان له مال او منصب لم يكن مستعدا لمشاركة الفقراء والضعفاء في صلاة الجماعة والإجتماعات الدينية وغيرها، وفي الحقيقة ان مثل هذا الشخص يجعل نفسه شريكا لله في الصفة التي اختص بها وهي العظمة والكبرياء، ومثله مثل غلام السلطان الذي يضع على رأسه تاج السلطنة ويجلس على عرش السلطان ، ومثل هذا العبد الوقح جدير بالغضب منه ويحتقره جميع العقلاء، وحيث ان جميع الناس هم عباد الله، وهم متساوون من هذه الجهة ، فمن يرى نفسه افضل من الآخرين ويتكبر عليهم فهو منازع لله فيما تفرد به تعالى.
وقد ذكرنا في اول البحث بعض الروايات الواردة في مذمة الكبر على العباد وعقوبة ذلك.
ويقول الإمام الصادق «عليه السلام» (ألكبر ان تغمص الناس وتسفه الحق ) «الكافي» .
ويقول العلامة المجلسي في شرح هذا الحديث معناه انه يتجاهل أمام الحق

الذنوب الكبيرة - 2 129


ويسفهه ولا يقبله او معناه استصغار الحق والإستخفاف بقدره.
قال الرسول الأكرم «صلى الله عليه واله» (ان اعظم الكبر غمص الخلق وسفه الحق) «الكافي» يعنى استصغار الحق والطعن بأهله.
وفي رواية عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبدالله «عليه السلام» : انني آكل الطعام الطيب ، واشم الريح الطيبة ، واركب الدابة الفارهة، ويتبعني الغلام ، فترى في هذا شيئا من التجبر فلا افعله؟
فأطرق ابو عبدالله «عليه السلام» ثم قال : إنما الجبار الملعون من غمص الناس وجهل الحق .
قلت : أما الحق فلا أجهله والغمص لا أدري ماهو.
قال «عليه السلام» : (من حقر الناس وتجبر عليهم فذلك الجبار) «الكافي».
وحيث ان بعض صور التكبر على الخلق قد اشير اليها في القرآن المجيد والروايات لذا نستعرض بعضها للذكرى.

الكبر على الناس في القرآن المجيد:

قال تعالى في سورة البقرة « وإذا قيلَ لَهُ إتّقِ أللهَ أخَذَتْهُ العزةَ بالإثمِ فَحَسْبُهُ جَهَنّمَ ولَبِئسَ المِهاد » (1).
وروي عن عبدالله بن مسعود قوله اكبر المعصية ان يقال للرجل اتق الله فيقول «عليك نفسك».
وبناءا على ذلك فلو قال شخص لآخرـ طلبا للخير ـ اتق الله واترك الذنب الكذائي، ولكنه بدل ان يتواضع امام ذكر الله تكبر عليه وأجابه بكلام غير لائق مثل ان يقول له:هل انت فضولي ؟ ما انت وهذا الكلام ؟ اذهب واصلح نفسك أولا ، حسابك مفصول عن حسابي.

(1) (البقرة 206).
الذنوب الكبيرة - 2 130


وبدل ان يترك ذلك الذنب يصر عليه او يعمل ماهو أسوأ منه ، مثل هذا الإنسان هو مصداق لتلك الآية الشريفة.
ونظير هذا كل شخص يمنعه كِبَرَُهُ عن قبول الحق، ويسعى في ابطاله، مثل من يسمع اثناء المناظرة كلمة حق فيمنعه كبره عن قبولها ، ولا يرفع يده عن باطله وتلك من صفات واخلاق المنافقين كما يقول تعالى:
« وقالَ الذينَ كَفَروا لا تَسْمَعُوا لِهذا القُرآنِ وألغوا فيهِ لَعلَكُمْ تَغلِبُون » «السورة 41 ـ 26».
وقال تعالى في سورة لقمان:
« ولا تُصَعّرْ خَدّكَ للناسِ ولا تَمشِ في الأرضِ مَرَحاً إنّ اللهَ لا يُحِبُ كُلّ مُخْتالٍ فَخُور » (1).
وقال تعالى في سورة الحجرات:
« يا أيُها الذين آمَنوا لا يَسْخَرُ قَومٌ مِن قَومٍ عَسى أن يَكونوا خَيراً مِنْهُم ولا نِساءٌ من نساءٍ عَسى أن يَكُنّ خيراً مِنهُنّ ولا تَلمِزوا أنفُسَكُم ولا تَنابَزوا بالألْقابِ بِئْسَ الإسْمُ الفُسُوقُ بعدَ الإيمانِ ومَن لَم يَتُبْ فأولئِكَ هُمُ الظالِمُون » « السورة 49 ـ 11».
والحقيقية ان من ينظر الى مسلم بحقارة واستصغار ، ويرى نفسه أعلى منه هو مثل إبليس حيث نظر الى آدم باستصغار وحقارة ، ورأى نفسه أعلى منه، وقال : « أنا خَيرٌ مِنهُ خَلقتَني مِن نارٍ وخَلقتَهُ مِن طينٍ» « السورة 38 ـ77» .

التظاهرُ بالثروةِ كبرٌ ايضا:

من الكبر على الناس التظاهر بالثروة والمكنة والجاه ، والتباهي بها والتفاخر ، كما يقول تعالى في سورة القصص:
«إنّ قارُونَ كانَ مِن قَومِ مُوسى فَبغى عَليهِم .. فَخَرَجَ على قَومِهِ في زينَتِهِ » «السورة

الذنوب الكبيرة - 2 131


28 / 76 ـ 79 ».
وروي في بحار الأنوار ان رسول الله « صلى الله عليه والله » نهى ان يختال الرجل في مشيه، وقال «صلى الله عليه واله» : (من لبس ثوبا فأختال فيه خسف الله به من شفير جهنم وكان قرين قارون لأنه اول من اختال فخسف الله به وبداره الأرض، ومن إختال فقد نازع الله في جبروته).
وقال «صلى الله عليه واله» في آخر خطبته:
(ومن بغى على فقير او تطاول عليه واستحقره حشره الله يوم القيامة مثل الذرة في صورة رجل حتى يدخل النار) «بحار الأنوار ـ مجلد 16 باب جوامع مناهي النبي «صلى الله عليه واله» ».

المتكبرون هم المجانين حقيقة:

وروي في بحار الأنوار ايضا عن رسول الله «صلى الله عليه واله » انه مر على جماعة فقا ل ما اجتمعتم ؟
فقالوا يا رسول الله هذا مجنون يصرع فاجتمعنا عليه، فقال «عليه السلام» ليس هذا بمجنون ولكنه المبتلى ثم قال : الا اخبركم بالمجنون حق المجنون ؟
قالوا بلى يا رسول الله ، قال: المتبختر في مشيه، الناظر في عطفيه ، المحرك جنبيه بمنكبيه ، يتمنى على الله جنته وهو يعصيه ، الذي لا يؤمن شره ولا يرجى خيره فذلك المجنون وهذا المبتلى .

تزكية النفس كبر ايضا:

من موارد الكبر ان ريرى يفسه طاهرا ، وصاحب مقام ودرجة .
وقد نهي تعالى صريحا في سورة النجم عن تزكية النفس فقال « فلا تُزّكُوا أنفُسَكُم هوَ أعلَمُ بِمَن إتَقى » (1) وقال تعالى في سورة النساء « ألَم تَرى إلى الذينَ يُزكّون أنْفُسَهُم »

(1) النجم 32).
الذنوب الكبيرة - 2 132


ـ كاليهود والنصارى الذين قالوا نحن ابناء الله وأحباؤه ـ« بَلِ اللهُ يُزكّي مَن يَشاءُ ولا يُظَلمُون فَتيلا»(1) «أُنظر كيفَ يَفتَرُونَ على اللهِ الكَذِبَ وَكَفى بِهِ إثماً مُبيناً»(2)
وقد يزكي نفسه بادعاء العلم، فيقول للناس (انا صاحب علوم كثيرة ، وقد درست عند الأستاذ الفلاني وعاصرت العظيم الفلاني ، وقضيت عمرا في طلب العلم الفلاني، وقد تكون تزكية النفس بادعاء العبادة مثل ان يقول (أحييت ليالي عديدة، وصمت أياما عديدة، وذهبت الى الحج والزيارة بينما لم يذهب من يملك أضعاف اموالى ، وامثال هذا الكلمات ، وأحيانا تكون تزكية النفس بنحو ضمني لا صريح مثل ان يقول: ظلمني الشخص الفلاني فمات اوابتلى بالمرض الفلاني او اصبح فقيرا ، وغرضه من ذلك اظهار الكرامة لنفسه ، او يقول سألت الله ألحاجة الفلانية فأعطانيها فورا وغرضه من هذا القول ان يقول باني مستجاب الدعاء وبالجملة فان انواع الكبر في ألأقوال والأفعال كثيرة.
وقال بعض علماء الأخلاق : لا توجد رذيلة إلا ويرتكبها صاحب الكبر لكي يحفظ عزه كالحسد ، والحقد ، والغضب ، والعجب ، والرياء ، والكذب ، والغيبة ، والتهمة وغيرها ، ولا توجد فضيلة الا حرم منها خوفا من فقدان العز مثل التواضع وكظم الغيظ، والعفو ، والصدق ، ومحبة المؤمنين ونظائر ذلك .
وحيث ان قليلا من الناس طاهرن من هذا المرض المهلك، والأكثر هم مشتبهون به بل قد يرى نفسه طاهرا من هذا المرض ولكنه في الواقع مبتلى به ، من اجل ذلك ذكر علماء الأخلاق عدة علامات له، فمن وجدها موجودة في نفسه فليعلم ان جذور هذه الشجرة الخبيثة ممتدة الى قبله ، ويجب ان يسعى في إصلاح نفسه.

(1) (النساء 49).
(2) (النساء 50).
الذنوب الكبيرة - 2 133


علامات الكبر:

1 ـ حين يبعث مع اخوانه موضوعا ما، فان صَعُبَ عليه قبول الحق إذا صدر منهم وكان الإعتراف به كبيرا عليه، ولم يطق اظهار البشاشة والسرور ، فليعلم ان لديه تكبرا . 2 ـ اذا عز عليه ان يجلس في المجالس والمحافل في موضع اقل مما يليق بشأنه، او يسير في الطريق وراء الجميع فهو متكبر.
3 ـ اذا صعب عليه ان يبدأ بالتحية لمن هو دونه وتحت يده فهو متكبر.
4 ـ إذا كان يصعب عليه اجابة دعوة فقير مع شدة حاجته ، او يصعب عليه الجلوس الى جنبه فذلك علامة التكبر.
5 ـ اذا كان يصعب عليه شراء الحاجات البيتية اللازمة من السوق، ثم حملها بيده الى البيت فهو متكبر ، اللهم الا اذا كان هذا العمل ـ حسب ظروف الزمان والمكان والحال والمقام بالنسبة له ـ غير لائق واقعا ، وموجبا لنقد الناس واستغابتهم إياه.
6 ـ اذا صعب عليه ان يلبس الملابس الرخيصة والعتيقة والخشنة ، وكان اسير الملابس النفيسة والفاخرة بحيث يعدها شرفا وعظمة له، فهو متكبر ، اللهم الااذا كان ذلك العمل ـ لبس الملابس الرخيصة ـ سبببا لهتك حرمته كما ذكر.
7 ـ اذا صعب عليه الجلوس على مائدة واحدة مع الخادم والخادمة والتلميذ، فذلك علامة التكبر.
وبعد ان عرفنا ان التكبر من الذنوب الكبيرة ، وعرفنا معناه وصوره، يجب ان نعرف طريق الخلاص منه وعلاجه علميا وعمليا.

علاج مرض الكبر:

1) ـ العلاج العلمي.


(2) ـ العلاج العلمي.



الذنوب الكبيرة - 2 134


(1) العلاج العلمي:


من جملة العلاجات العلمية للكبر التفكر في ابتداء خلقته ليعرف انه خلق من نطفة نتنة محتقرة لدى جميع افراد البشر كما قال تعالى في القرآن المجيد « فليَنظُرِ الإنسانُ مِمّ خُلِق ؟ خُلقَ من ماءٍ دافِق » يعني لم يكن له بالأصل عين (2) ولا اذن، ولا يد، ولا رجل، ولا لسان ولا إردة ، وقد منحه الله جميع هذه الامور عارية.
وهو ـ للمرة الثانية ـ يخرج عند الولادة من مجرى البول ، عاجزا من جميع الجهات ولكن الله تعالى وهبه القوة تدريجا، لكنها قوة محدودة يرافقها آلاف انواع الضعف ، كما ابتلاه بالجوع والعطش والنوم بنحو لو لم ينم ولم يأكل ولم يشرب لم يكن قادرا على الحياة كما جعله محتاجا للملبس ومعرضا لأنواع الأمراض وألآفات التي تفوق حد الأحصاء، وقد عدوا في الطب القديم أربعة الاف نوع لأمراض الأنسان. وهو دائما يوجد في جوفه البول والغائط بحيث لولا الستر الإلهي لم يكن قادرا

(1) (الطارق5ـ 6).
(2) جاء في كتاب (عدد السنة):
ان الغلام (آياز) كان مقربا للسطان محمود اكثر من الوزراء مما ولّد لديهم حالة الحسد ، والتصدي لإزاحته ، حتى انتهى الامر إلى ان جاء اثنان من هؤلاء الوزراء الى السلطان للوشاية به فقالوا للسلطان ان آياز قد سرق مجموعة بالغة من الجواهر والأموال واخفاها في حجرة ثم قفلها ، وهو يذهب يوميا صباحا الى تلك الغرفة ولا يسمح لأحد الدخول معه.
شك السلطان في ألأمر وقال غدا سادعوا آياز اما انتم فاذهبوا وافتحوا الغرفة وأتوني بما قد جمعه فيها.
وبالفعل ففي اليوم الاتي ذهبوا ومعهم الفأس والمعول والأكياس وكسروا قفل الغرفة فلم يجدوا فيها شيئا سوى حذاء جلدي ولباس صوفي.
فقالوا : لابد انه قد دفتها ، وإلا فما معنى مجيئه يوميا من اجل حذاء ولباس فحفروا أرضها ، فلم يجدوا شيئا ايضا ،فرجعوا واخبروا السلطان بذلك.
فالتفت السلطان الى آياز وسأله عن سبب ذهابه الى الغرفة يوميا وليس فيها سوى الحذاء واللباس الصوفي.
فقال : ان هذا الحذاء واللباس يعود لي قبل ان اصبح غلاما لدى السلطان ، وحيث اصبحت أملك كل شيء حينما صرت غلاما لكم واخاف على نفسي العجب والغرور ، من هنا فاني ازور هذه الغرفة يوميا لكي ادفع الغرور ، واتذكر ان كل ما لدى هو من الطاف السلطان علي وبعد ذلك احضر بخدمة السلطان.
الذنوب الكبيرة - 2 135


على الحياة من رائحته العفنة .
اما عجزه عن الوصول لمقاصده فلا يحصى ، فهو يريد اشياء كثيرة يعرفها ولكنه لا يستطيع ، يريد ان يتذكر شيئا فينساه ، يريد ان ينسى شيئا ـ كالمعصية ـ فلا يستطيع ، يريد أن يجمع حواسه ويبعد عنه الوسواس والأوهام فلا يستطيع ، يتعلق بشيء فيه هلاكه ولكنه لا يستطيع ـ نتيجة الإعتياد ـ تركه مع يقينه بانه مضر له ، وعلى عكس ذلك يستاء من شيء فيه حياته (1)، وذلك مختصر عن حالات الإنسان مدة هذه الحياة الدنيوية ومن الواضحات انه معرض للموت في أية لحظة بنحو لا يستطيع دفعه عن نفسه.

ماذا بعد الموت؟

اما حالات الموت ، ثم الذهاب للقبر الى ان يصبح رميما، فيكفي ما نراه من حالات المحتضرين ، وبعد ذلك حالات الماضين، ولو ان الإمر ينتهي عند هذا الحد لم تكن هنا غصة لكن سوء الحظ هنا انه يؤخذ به لمحكمة العدل الإلهى ويدقق في جميع افعاله الصغيرة والكبيرة على تفصيل مذكور في القرآن المجيد والروايات.
وكم وجه جميل يرد بأقبح صورة حتى تكون صورة الكلب والخنزير بالقياس إليه جميلة ، ولا يدري أحد امر عاقبته ، ولا يعرف نهايته أمن السعداء أم من الاشقياء ، من الأعزاء ام الأذلاء، من ذوي الوجوه السود ام الوجوه البيض؟
وجميع افراد البشر متساوون فيما ذكرنا من حالات الإنسان، أيا كان ، وفي اي مقام ، وكل عاقل يفكر في تلك الحالات ،و يفكر في مستقبله بان الإعتداد بالنفس،

(1) جاء في الجزء الثاني من كتاب (آداب النفس) ان عبدالملك بن مروان مرض، وبات طريحا في قصره، فقال له الأطباء عليك ان تمتنع من شرب الماء، وانت حي ما دمت لا تشربه اما اذا شربت وارتويت ففي ذلك موتك وبالفعل فقد امتنع من شرب الماء حتى سئم ورضى بالموت دون ذلك فقال (اسقونى ريا وان كان فيه نفسي)، فسقوه الماء ولما ارتوى منه لم يدم طويلا حتى ارتحل الى جهنم.
(2) « ولا يَملِكُونَ لأنفُسِهِم ضَرّاً ولا نَفعا ً ولا يَملِكُونَ موتاً ولا حياةً ولا نُشورا » (25/3).
الذنوب الكبيرة - 2 136


والكبرياء، والتعالي، امور لا تليق بالإنسان ولا تناسبه ، فكيف يدّعي الافضيلة والعلو من هو عاجز وضعيف جميع شؤونه !؟ وهل يوجد كذب أوضح من ذلك ؟

يجب ان ينظر لمن هو أعلى منه:

ذكر بعض الأكابر تحقيقا لطيفا في العلاج العلمي للكبر ، ولأجل مزيد الفائدة فإننا ننقل ما ذكره.
قال:
التكبر هو الغفلة عن ملاحظة من هو أعلى منه وتوضيح ذلك : ان السيد الذي تربطه مع عبده علاقة الحاكمية والغلبة بحيث يرى ان العبد مسخّر له ومُسير لأمره ولا يستطيع الخروج عن طاعته ، يجب ان يعرف انه توجد بينه وبين خالقه مثل هذه العلاقة فهو مغلوب ومقهور ومحكوم ومسخر لله تعالى، وحينئذ إذا وضع دائما هذه النسبة أمام عينية فسوف تنشأعنده حالة التواضع.
ورغم ان هذه الحالة تبدا في علاقة الإنسان بربه إلا انها سوف تمتد الى علاقته بسائر حدود الوجود نظرا لرسوخها عنده فمن كان متواضعا مع الله تعالى سيكون متواضعا حتما مع سائر المخلوقات كما أن الغضب يتعدى فيشمل المجرم وغيره، فالشخص في حالة الغضب لا ينعكس غضبه على المجرم فقط إنما يدخل في حرب مع كل ما حوله ومن هذا البيان يتضح ان الله تعالى متكبر بحق ، حيث لا توجد فيه نسبة المغلوبية والمقهورية لأحد، بل ليس لديه سوى نسبة الغالبية والقاهرية ولا يحق لغيره التكبر مهما كان حتى حملةُ العرش وإسرافيل وجبرائيل فإن نسبة المغلوبية عندهم بالنسبة لله تعالى أشد من نسبة الغالبية على ألآخرين، إذا فكيف يليق بهم الغفلة عن هذه النسبة وألألتفات الدائم إلى نسبة الغالبية حتى يبتلون بالكبر ؟
وقال ايضا : من لا يرى نفسه لا شيء أمام الوجود الحقيقي ـ وهو الله تعالى ـ فانه قد

السابق السابق الفهرس التالي التالي