الذنوب الكبيرة - 2 22


قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
(من أرضى الخصماء من نفسه وجبت له الجنة بغير حساب، ويكون في الجنة رفيق إسماعيل بن ابراهيم) «المستدرك» .
وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
(من رد درهما إلى الخصماء أعتق ألله رقبته من النار وأعطاه بكل دانق ثواب نبي وبكل درهم مدينة من درة حمراء)»المستدرك».
وايضا قال:
(فإن درهما يرده العبد الى الخصماء خير له من صيام النهار وقيام الليل ومن رد ناداه ملك من تحت العرش يا عبدالله استأنف العمل فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك )«المستدرك».
9ـ دفع حق الناس:


الحق المالي الثابت في ذمة الشخص على قسمين :

احدهما: ان يكون متعلقا بعين مال موجود لديه ، مثل ان يعلم يقينا بان نصف امواله ترجع الى الشخص الفلاني، او ان ما يعادل مائة درهم من ماله الفلاني يرجع

= يقول السيد حسن الاصفهاني فاستيقظت فزعاً ، وكتبت رؤياي لأخي الذي كان وصياً لوالدى وطلبت منه التحقيق في ذلك ، فكتب لي في الجواب : انني فتشت في دفاتر ديون والدي فلم اجد اسم حاج رضا ، فكتبت اليه : اجهد ان تعرف ذلك الشخص ثم تسأله ما اذا كان يطلب والدى ؟
فكتب لي في الجواب : سألته فقال نعم كنت اطلب والدك مبلغ سبعة عشر تومانا (درهم) ولم يكن يعلم بذلك احد إلا الله وقد سالتك بعد وفاته هل يوجد اسمي في سجل الدائنين فقلت لا، ولم يكن لديّ سند استند اليه في ذلك الدين ، ولم يكن لي طريق لإثباته ، فضاق صدري لان المرحوم لم يدون اسمي في سجله.
لما سمعت ذلك اردت ان ادفع له ذلك له المبلغ فلم يقبل وقال قد ابرأت ذمته.
ـ تأمل في هذا الحديث عن الإمام الباقر (ع)حيث قال:
(الظلم ثلاثة، ظلم يغفره الله ، وظلم لا يغفره الله ، وظلم لا يدعه الله، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك ، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم الرجل فيما بينه الله، واما ألظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد) «وسائل الشيعة ـ كتاب الجهاد».
الذنوب الكبيرة - 2 23


الى الشخص الفلاني.
الثاني: ان يكون حق الغير متعلقاً بذمته لا بعين ماله ، مثل القرض الذي اقترضه وصرفه ، فإن ذمته تصبح مشغولة للدائن ومثل انواع الضمانات والنفقات الواجبة .

القسم الاول له اربع صور:

(1) مقدار المال وصاحبه معلوم :
ان يكون مقدار الحق وصاحب الحق معلومين ومعينين ، بأن يعلم ان كذا مقدار من ماله يرجع للشخص الفلاني، وفي هذه الصورة يجب عليه ان يسلّم ذلك المقدار لصاحبه. كما أنه لو مات صاحبه وجب عليه ان يدفع ذلك المقدار لورثته حسب قانون الإرث.
(2) مقدار المال معلوم والمالك مجهول:
ان يكون مقدار الحق معلوم الا ان صاحبه غير معين بل يكون مرددا ، وحينئذ إذا كان مرددا بين عدة اشخاص محصورين كأن يعلم ان كذا مقدار من ماله يرجع الى احد ثلاثة اشخاص ، او أحد خمسة اشخاص ، فالاحوط هنا ارضاؤهم جميعا بكل نحو ممكن وان لم يكن ارضاؤهم ممكنا يوجد في هذا المورد ثلاثة اقوال:
احدها تعيين احدهم بالقرعة ، وتسليم المال له.
والآخر تقسيم المال بينهم بالسوية.
والثالث ان يكون المال في حكم (مجهول المالك) فيتصدق به بإذن الحاكم الشرعي (على الأحوط)(1).
وأما اذا كان صاحب الحق مرددا بين اشخاص غير محصورين ، بان كان اطراف الشبهة مائة او اكثر ، او لم يكن يعرف صاحب الحق اصلاً فالمال هنا في حكم مجهول المالك حيث يجب عليه ان يتصدق به باذن الحاكم الشرعي (على الأحوط).

(1) من كانت هذه المسألة محل حاجته يلزمه مراجعة مرجع التقليد ليعرف تكليفه.
الذنوب الكبيرة - 2 24

(3) المال مجهول والمالك معلوم:
ان يكون مقدار الحق مجهولا، ولكن صاحب الحق معين، بان يعلم قسماً من امواله ترجع الى ألشخص الفلاني ولكن لا يدري هل ثلث ماله، او نصفه.
في هذا الصورة يجب دفع اقل مقدار يتيقن به (وهو ثلث ماله في المثال) لذلك الشخص، والأحوط مصالحته في الزائد وتحصيل رضاه.
(4) المال والمالك مجهولان:
ان يكون مقدار الحق وصاحبه مجهولين ، مع عمله بأن قسما من ماله الموجود يعود الى الناس، ولكنه لا يعرف مقداره ، ولا يعرف صاحبه حتى بنحو مردد في اشخاص محصورين.
في هذه الصورة يجب عليه دفع خمس أمواله لمستحقي الخمس ، وحينئذ يحل له جميع ماله .
راجع كتاب الخمس في الرسائل العلمية .

القسم الثاني له أربع صور أيضا(1)

(1) ان يكون مقدار الحق وصاحبه معلومين، ولاشك هنا بوجوب دفع ذلك المقدار لصاحبه.
(2) ان يكون المقدار معلوما ولكن صاحبه غير معلوم. فهنا ان كان مرددا بين اشخاص محصورين ، وجب إرضاؤهم بالتفصيل الذي تقدم في القسم الاول.
وإن كان مرددا بين افراد كثيرين غير محصورين، او كان صاحب الحق مجهولا اساساً وجب عليه ان يدفع ذلك المبلغ الذي في ذمته لحاكم الشرع ، او يتصدق به نيابة عن صاحبه الواقعي بإذن الحاكم الشرعي.
(3) ان يكون مقدارالحق مجهولاً، ولكن صاحبه معين، وهنا يجب ان يدفع له اقل

(1) وهو الحق الثابت في الذمة لافي عين المال .
الذنوب الكبيرة - 2 25


مقدار يتيقن به ، ويصالحه على الزائد.
(4) ان يكون مقدار الحق وصاحبه مجهولين، وفي هذه الصورة يجب عليه المصالحة مع الحاكم الشرعي على مبلغ متوسط بين ألأقل وألأكثر ، ثم يتصدق بذلك المبلغ نيابة عن صاحبه الواقعي .

الذنوب الكبيرة - 2 26




الذنوب الكبيرة - 2 27


27
الفرار من الزحف

السابع والعشرون من الذنوب الكبيرة المنصوصة (الفرار من الزحف) بمعنى الفرار من معركة الجهاد الشرعي في وقت يبلغ عدد ألأعداء اكثر من ضعفي جنود الإسلام، وقد صرّح باعتباره من الكبائر في الاحاديث الوارده عن رسول الله «صلى الله عليه واله»وامير المؤمنين «عليه السلام» والإمام ألصادق، والكاظم، والجواد «عليهم السلام».
وقد استدل على ذلك بالآيه 16من سورة الانفال حيث يقول ـ تعالى ـ «يا أيُها الذينَ آمنوا إذا لَقيتُم الذينَ كفروا زحفاً فلا تُولّوهمُ ألأدبارَ ومن يُولّهم يومئذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحرّفاً ِلقتالٍ أو مُتحيّزاً إلى فِئةٍ فقد باءَ بغضبٍ من اللهِ ومأواهُ جهنّمَ وبئسَ المصير» .
وفي الوسائل عن أمير المؤمنين«عليه السلام»قوله :
(وليعلم المنهزم بأنه مُسخط ربه، ومُوبق نفسه، وان في الفرار موجدة الله، والذلّ اللازم ، والعارُ الباقي، وان الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه، ولا يرضى ربه، ولموت الرجل محقاً قبل اتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبس

الذنوب الكبيرة - 2 28


بها ، وألإقرار ـ عليها) «وسائل الشيعة /كتاب الجهاد».

الجهاد الإبتدائي والدفاعي:

الجهاد الشرعي على قسمين: إبتدائي ودفاعي.
الجهاد الإبتدائي هو ما يكون لأجل الدعوة الى الإسلام، وبسط العدل، ويبتدي فيه المسلمون بالحرب مع الكفار.
وهذا القسم من الجهاد مشروط بإذن الرسول «صلى الله عليه وآله»او الإمام «عليه السلام» او نائبه الخاص ، وعلى هذا ففي زماننا وهو زمن الغيبة الكبرى لا يشرع هذا القسم من الجهاد.
واما الجهاد الدفاعي فهو من ان يقصد الكفار الحملة على بلاد الإسلام ، ومحو آثار الإسلام وأصوله،او يقصدون الحملة على مجموعة من المسلمين ، لنهب اموالهم والتجاوز على أعراضهم ونفوسهم، ففي هذه الصورة يجب على عامة المسلمين الأقرب فالأقرب وجوبا كفائيا الدفاع وصدّ هجوم الكافرين، ومقاتلتهم، والجهاد في هذا القسم غير مشروط بإذن الإمام او نائبه.
والفرار من الزحف ـ الذي هو موضوع بحثنا ـ هل يختص بالقسم الاول او يشمل كلا القسمين؟
هنا قولان:
قال بعض بأنه مختص بالجهاد الذي يكون بإذن الإمام او نائبه الخاص (كما ان سقوط الغسل والكفن عن الشهيد مختص بهذا القسم) (1).
وقال بعض بانه شامل للقسمين.
وعلى من يريد التحقيق في هذه المسألة وفي سائر مسائل الجهاد مراجعة الكتب

(1) هكذا جاء في الكتاب ولكن المذكور في كتب الفقهاء ان من يستشهد في الدفاع عن بيضة الإسلام يسقط عنه الغسل والكفن أيضا /المترجم.
الذنوب الكبيرة - 2 29


الفقهية(1).



(1) يناسب هنا في مسألة الفرار من الزحف ان نشير الى ثبات قدم الامام امير المؤمنين في الغزوات ، وذلك من فضائله ومناقبه (ع).
حيث لم يذكر اطلاقا ـ وفي كتب الشيعة وألسنة ـ بانه (ع) قد فر من المعركة بل في معركة أُحد بقي وحده ولم ينهزم كما يروى ذلك في المجلد التاسع من بحار الأنوارفي باب شجاعته نقلا عن ابي مسعود من طرق العامة ـ ثم التحق به (ع) اربعة عشر شخصا من الفارين، من جملتهم ابو دجانة، والمقداد وطلحة ، ومصعب، وبعد ذلك رجع سائر الأنصار.
وقد تركوا المختار في الحرب مفرداً وفرّ جميع الصحبِ عنه وأجمعُ
وكان عليّ غائصاً في جموعهمُ لهاماتهم بالسيفِ يفري ويقطع

وقد أثنى عليه رسول ألله (ص) في غزوة ألأحزاب بأنه (كرار غير فرار).
وبالجملة فأن أتصافه (ع) بهذه الصفة الكمالية ليس محلاً لأية شبهة .
كما أن فرار أبي بكر ، وعثمان في غزوة أحد ، وهكذا في غزوة خيبر ، وحنين وذات ألسلاسل ، هو مورد أتفاق الشيعة وألسنة ، وقد أشار الى ذلك أبن أبي الحديد في قصيدته المشهورة :
وليس بنكرٍ في حنين فرارهُ وفي أحدٍ قد فرّ خوفاً وخيبرا
الذنوب الكبيرة - 2 30




الذنوب الكبيرة - 2 31


28
التعرب بعد الهجرة

الثامن و العشرون من الذنوب التي ورد التصريح بانها كبيرة (التعرب بعد الهجرة)، كما ورد في (أصول الكافي) في باب الكبائر في صحيحة ابن محبوب سأل ألإمام الكاظم «عليه السلام» في رسالة عن الكبائر ، فكتب «عليه اسلام» في ضمن جوابه (وألتعرب بعد الهجرة )، وأيضا يروي (في اصول الكافي) محمد بن مسلم عن ألإمام الصادق «عليه السلام»انه عد التعرب بعد الهجرة من الكبائر، كما ذكر التعرب بعد الهجرة ضمن الكبائر في كتاب علي «عليه السلام»، حيث يقول (التعرب والشرك واحد) «أصول الكافي».

ماهو التعرب بعد الهجرة؟

كلمة (إعرابي) تطلق على ساكن البادية الذي لا معرفة له بالدين وآدابه واحكامه، ولا يبالي بذلك، و(الهجرة )معناها ترك البادية والمجئ الى مركز الإسلام ، والتشرف بخدمة الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» او وصيه «عليه السلام»، لأجل التدين بدين الله ومعرفة الأحكام الدينية.

الذنوب الكبيرة - 2 32


و(التعرب بعد الهجره)هو ان يعود الى وضعه السابق من الجهل ، واللامبالاة باحكام الدين، قبل ان يتعلم ما ينبغي ان يتعلمه. وفي صدر الإسلام كانت الهجرة واجبة الى موطن الرسول«صلى الله عليه اله» من اجل تعلم الأمور الدينية اللازمة ، و كان يحرم البقاء في بلاد الكفار اذا كان ذلك مانعا عن اقامة شعائر الله، كما لو لم يتمكن من إقامة صلاة او صيام شهر رمضان في بلاد الكفار، كما بيَّن تعالى ذلك في سورة النساء في الآيات 99ـ101حيث يقول تعالى:
«ومن يهاجرُ في سبيلِ اللهِ يجدُ في ألأرضِ مُراغماً كثيراً وسَعةً ومن يَخرجُ من بيتِهِ مُهاجرا ًإلى اللهِ ورسولهِ ثم يُدركْهُ الموتُ فقد وقعَ أجرُهُ على اللهِ وكانَ اللهُ غفوراً رحيماً» (1).
«وإذا ضربتُمْ في ألأرضِ فليسَ عليكُمُ جُناحٌ أن تَقصُروا منَ الصلاةِ إن خِفتُمُ أن يَفتِنَكُم الذينَ كفروا ، إنّ الكافرينَ كانوا لكُم عدواً مبيناً»(2).
وقد كتب في تفسير (منهج الصادقين):
ان عددا من المسلمين الذين يقولون بحسب الظاهر (لا اله الا الله) مثل قيس بن الفاكه، وقيس بن الوليد وامثالهم، لم يهاجروا من مكة الى المدينة مع قدرتهم على ذلك، ولما جاء رؤساء قريش الى معركة بدر حضروا معهم وقتلوا بسيوف المسلمين فنزل قوله تعالى:
«إنّ الذينَ توفّاهُمُ الملائكةُ ظالمي أنفُسِهم ، قالوا فيمَ كُنتُم؟ قالوا كُنّا مُستضعَفين في ألأرضِ ،
قالوا: ألم تَكُنْ أرضُ اللهِ واسعةً فتهاجروا فيها ، فأولئِكَ مأواهُمُ جَهنّمُ وساءَت مَصيرا»«97/النساء».
وفي هذه الآية دلالة على وجوب الهجرة من مكان لا يتمكن فيه من إقامة شعائر

(1) (النساء 100).
(2) (النساء101).
الذنوب الكبيرة - 2 33


الإسلام، وقد روي عن رسول الله «صلى الله عليه السلام»:
(من فر بدينه من أرض الى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة وكان رفيق ابيه ابراهيم ونبيه محمد «عليه السلام»).
« إلاالمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِجالِ والنِساءِ والوِلدانِ لا يَستَطيعونَ حيلةً ولا يَهتَدونَ سَبيلا،فأُولئِكَ عَسى اللهُ أن يَعْفوعَنْهُم وَكانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُورا»(1).
وقد روي عن عكرمة انه كان جمع من المسلمين في مكة لا يقدرون على الهجرة فلما نزلت آيات الهجرة سمعها رجل من المسلمين وهو جندع بن ضمرة وكان بمكة فقال والله ما أنا مما استثنى الله اني لأجد قوة واني لعالم بالطريق ، وكان مريضا شديد المريض فقال لبنيه والله لاأبيت بمكة حتى اخرج منها فاني اخاف ان اموت فيها فخرجوا يحملونه على سرير حتى اذا بلغ ألتنعيم ظهرت عليه اثار الموت فوضع يده اليمنى في اليسرى وقال:
)اللهم هذه لك وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه)، ثم مات.
ولما وصل خبر وفاته الى المدينة قال بعض الأصحاب:
لو وصل الى المدينة لنال ثواب الهجرة ، فانزل الله تعالى قوله:
«ومن يَخرجُ من بيتهِ مُهاجراً الى اللهِ ورسولهِ ثمَّ يُدرِكْهُ الموتُ فقد وقعَ أجرُهُ على اللهِ وكانَ الله ُغفوراً رحيما»(2).«100/النساء».

التعرب بعد الرسول الأكرم(ص):

بحكم الآيات كانت الهجرة الى رسول الله «صلى الله عليه واله»من اجل تعلم الاحكام واجبة ، وهكذا بالنسبة لمن كان في بلاد الكفر ولا يستطيع ان يؤدي الشعائر الدينية كالصلاة والصيام فانه يجب عليهم المهاجرة من محلهم.

(1) النساء99.
(2) انتهى مانقل عن تفسير منهج الصادقين.
الذنوب الكبيرة - 2 34


وترك الهجرة اساسا، او العودة بعد الهجرة الى الحالة الاولى حرام ايضا ومن الذنوب الكبيرة وقد جاء الوعيد على ذلك بالنار كما تقدم.
وبعد رسول الله «صلى الله عليه واله» كانت الهجرة واجبة الى الائمة «عليهم السلام»،من اجل التدين بدين الله ، وتعلم احكامه والتي اهمها معرفة الإمام.
والتعرب هو عدم الهجرة الى الامام من اجل التعرف عليه وتعلم الوظائف الدينية منه ، والتعرب بعد الهجرة هو عبارة عن الإعراض عن الإمام بعد معرفته ، كما روى الصدوق عن حذيفة بن المنصور عن الإمام الصادق «عليه السلام»:
(المتعرب بعد الهجرة ، التارك لهذا الامر بعد معرفته)(1)ويبقى الحكم بوجوب الهجرة ، وحكم التعرب بعد الهجرة في زماننا هذا ، حيث إمام العصر (عج) في غيبته، على التفصيل المتقدم.

تجب الهجرة الى الفقيه:

ان الهجرة واجبة على:
اولاً: اولئك الذين لا معرفة لهم بالأحكام الشرعية، وهم في مكان لا يوجد عالم ديني يرجعون اليه فيه،فهؤلاء يجب عليهم الذهاب الى مكان يمكنهم فيه الوصول الى العالم الديني وتعلم المسائل اللازمة منه.
ثانياً: اولئك الذين يعيشون في بلاد الكفر، ولا يتمكنون من اداء شعائرهم الدينية نتيجة الضغوط والممانعات.
فيجب عليهم في هذه الصورة الهجرة الى مكان توجد فيه حرية دينية، وقد صرح بهذا المطلب في الفقه الشيعي(2).

(1) معاني الاخبار ـ 265.
(2) العلامة في كتاب القواعد والمنتهى،والشهيد الاول في كتاب (اللمعة)والشهيد الثاني في شرح اللمعة، والمسالك.
وقال المحقق في الشرايع في كتاب الجهاد:
=
الذنوب الكبيرة - 2 35


وكما اوضحنا سابقاً في معنى آية (إلا المستضعفين) ان وجوب الهجرة انما هو في صورة القدرة والتمكن منها.
بناءا على ذلك فاذا كان غير قادرا لمرض ، اوفقر، او شيخوخة غير عادية لا تجب عليه الهجرة.
في كتاب المسالك عن الرسول الأكرم «صلى الله عليه واله» انه قال:
( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها).

لاهجرة من مكة :

ذكر الشهيد الثاني في المسالك ان المراد بقوله «صلى الله عليه واله» (لاهجرة بعد الفتح)هو الهجرة من مكة لأنها صارت دار الإسلام، فلا يلزم نفي الهجرة من غيرها.
وذكر بعضهم ان المراد بالحديث نفي افضلية الهجرة من مكة بعد الفتح بالنسبة الى ماقبل الفتح، مثل فضيلة الإنفاق والجهاد قبل فتح مكة بنص القرآن الكريم« لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح. . .» « السورة 57/الآية 10» .
ولأجل مزيد التوضيح ، ولكمال الفائدة نشير الى بعض المطالب التي ذكرها العلماء حول مسألة التعرب.

الهجرة واجبة ، ومستحبة ومباحة :

1ـ يقول العلامة الحلي في كتاب (المنتهي)ص 898:
واعلم ان الناس في الهجرة على اقسام ثلاثة:
احدها: من تجب عليه ، وهو من أسلم في بلاد الشرك وكان مستضعفا فيهم لا يمكنه اظهار دينه ولا عذر له من مرض وغيره ، لقوله تعالى:

= «وتجب المهاجرة عن بلد الشرك على من يضعف عن اظهار شرائع الإسلام مع المكنة والهجرة باقية مادام الكفر باقيا».
الذنوب الكبيرة - 2 36


«إنّ الذينَ توفاهمُ الملائكةُ ظالمي أنفُسهم قالوا فيمَ كُنتُم قالوا كنّا مُستضعفينَ في ألأرضِ، قالوا ألم تكُنْ أرضُ الّلهِ واسعةً فتهاجروا فيها» (1).
الثاني : من لا تجب عليه لكن يستحب له المهاجرة وهو من اسلم بين المشركين ويمكنه اظهار دينه ويكون آمنا على نفسه.
الثالث: من لا تجب عليه ولا تستحب له وهو من كان له عذر يمنعه عن المهاجرة من مرض او ضعف اوعدم نفقة او غير ذلك.

لا هجرة من بلاد ألعامة:

2ـ نسب في شرح اللمعة ، وفي جامع المقاصد الى الشهيد الاول القول بوجوب الهجرة على الشيعي الذي يقطن في بلاد المخالفين اذا لم يكن قادرا على أداء شعائره المذهبية فتجب عليه والحال ذلك الهجرة الى بلاد الشيعة، كما تجب الهجرة على المسلم من بلاد الكفر التي لا يتمكن فيها من إقامة شعائر دينه الى بلاد الإسلام.
إلا ان هذا الراي غير سديد اذ لا يتعذر على الشيعة اقامة شعائر الدين في بلاد المخالفين ، اما بالنسبة الى الشعائر الخاصة بالشيعة (مثل إسبال اليدين في الصلاة، ومسح الراس والقدمين في الوضوء)ففي الغالب لايكون السكنى في بلاد العامة مستلزما لتركها ، و متى ما احتمل الخطر وجب عليه العمل بالتقية ، فيعمل عمل ابناء العامة، ويقع عمله حينئذ صحيحا حسب مذهبنا، ولم نعثر على رواية تؤيد ما نسب الى الشهيد بل وردت روايات عديدة عن الائمة الطاهرين «عليهم السلام» تأمر بالتقية، وحسن المعاشرة مع ابناء العامة.

الإستدلال على كلام الشهيد:

إستدل بعض العلماء لإثبات كلام الشهيد (ره) برواية ـ محمد بن مسلم ـ قال: سألته عن رجل أجنب في سفر ولم يجد الا ألثلج أو ماءا جامدا؟

(1) النساء97).
الذنوب الكبيرة - 2 37


فقال «عليه السلام»: هو بمنزلة الضرورة يتيمم ، ولا ارى ان يعود الى ان هذه الأرض التي يوبق دينه «وسائل الشيعة/ابواب التيمم».
فحيث نهى الإمام في الحديث عن الذهاب الى مكان لا يستطيع الوضوء او الغسل فيه، فيلزم منه النهي عن التوقف في مكان لا يستطيع الوضوء او الغسل فيه وفقا لمذهب الشيعة.
إلا ان هذا الإستدلال غير صحيح لان ظاهر الحديث النهي عن الذهاب الى محل يتيقن ان بعض الواجبات الإلهية تفوت عليه فيه ، اما في التوقف في بلاد المخالفين فإن ألإبتلاء بالتقية أمر إحتمالي لا يقيني، وفي صورة ألإبتلاء فإن هناك بدلا وهو العمل وفقا لمذهب العامة من باب التقية، وهو صحيح وكاف بمقتضى ادلة التقية.
نعم اذا كان في الهجرة من بلاد المخالفين مصلحة اكبر، فلا يبعد استحبابها كما اذا كان لا يستطيع هناك ان يظهر ولايته للائمة «عليهم السلام» ويستطيع اظهارها في مكان آخر.

التبليغ بالولاية في بلاد الكفر:

عن حماد السندي قال :
قلت لابي عبدالله «عليه السلام»: إني ادخل الى بلاد الشرك وان من عندنا يقولون: ان مت ثم حشرت معهم ؟
قال: فقال لي: يا حماد اذا كنت ثم تذكر أمرنا وتدعو اليه ؟
قلت : نعم
قال:فاذا كنت في هذه المدن، مدن الإسلام، تذكر امرنا وتدعو اليه ؟
قال: قلت لا
فقال: لي: انك ان مت ثم حشرت أمة وحدك يسعى نورك بين يديك. «وسائل الشيعة /كتاب الجهاد».
3ـ يقول العلامة المجلسي في شرح الكافي ان من المحتمل ان يكون المراد

الذنوب الكبيرة - 2 38


بالتعرب بعد الهجرة إختيار حالة التعرب ، وترك الهجرة بعد نزول الحكم بوجوبها، وذلك مثل الحكم بحرمة الربا بعد ظهور حكمه ـ وان كانت المعاملة قد وقعت قبل نزول الحكم وظهوره ـ .
وعلى كل تقدير فان ترك الهجرة ابتداءا او العودة الى التعرب بعد الهجرةهو من الذنوب التي اوعد الله عليها في القرآن المجيد بالنار كما تقدم.

موارد التعرب بعد الهجرة:

ذكرنا اول البحث ان العرب البدو، وساكني الصحراء يقال لهم «الأعراب»، وحيث انهم نتيجة بعدهم عن المركز الإسلامي، وعدم وجودهم في المجتمع الإسلامي، محرومون من المعاروف الدينية ومحرومون من تعلم المسائل والاحكام الشرعية والعمل بها ، لذا ذمهم القرآن الكريم ووبخيهم حيث يقول في سورة التوبة:
«الأعرابُ اشدّ ُكفراً ونفاقاً، وأجدرُ ألا يعلموا حُدودَ ما أنزلَ اللهُ على رسولِهِ واللهُ عليمٌ حكيم»(1).
«ومنَ ألأعرابِ من يتخذُ ما يُنفقُ مَغرماً ويتربصُ بِكُمُ الدوائرَ عليهِم دائرةُ ألسوءِ واللهُ سميعٌ عليمٌ»(2).
في الآية بعدها يقول:

«ومن الأعرابِ من يُؤمنُ باللهِ واليومِ ألآخرِ ِويتّخذُ ما يُنفِقُ قُرُباتٍ عندَ اللهِ وصلواتِ الرسولِ، ألا إنها قُربَة ُلهُم سيُد ْخِلُهُمُ اللهُ في رحمتِهِ إنَ اللهَ غفورُ رحيمُ»(3).
يستفاد من الآيتين السابقتين في ذم الاعراب، إن التعرب ليس بذاته مذموما بل مذمته من جهة فقدان الإيمان والجهل باحكام الله، وعدم الاستفادة منها في العمل، كما جاء في الآية الثالثة المتقدمة ان بعض الأعراب موفقون للإيمان والعمل

(1) التوبة 97).
(2) التوبة 98).
(3) التوبة 99).

السابق السابق الفهرس التالي التالي