الذنوب الكبيرة - 2 39


بالاحكام الدينية ، وهم مورد المدح والوعد بالرحمة.
بناءا على ذلك فكل مسلم يمتنع عن تحصيل المعارف الدينية، وتعلم المسائل الشرعية، ويبتعد عن المجتمعات الدينية التي يتعلم فيها الحقائق والمعارف والمسائل الدينية ، فهو في الحقيقية (متعرب) وما جاء في مذمة الإعرابي يشمله حتى لو كان ساكناً في المدن.
في (بحار الانوار) عن الإمام الصادق«عليه السلام» انه قال:
«تفقهوا في الدين، فانه من لم يتفقه منكم في الدين فهو إعرابي، ان الله عز وجل يقول في كتابه «ليَتَفَقَهُوا في الدينِ وليُنذِروا قومَهُم إذا رَجَعوا إليهِم لَعلّهُم يَحذرون»(1).«بحار الانوار ـ كتاب العقل».
وقال«عليه السلام» لأصحابه:
)عليكم بالتفقه في دين ألله ولا تكونوا أعرابا ، فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة ولم يزك له عملا) . «منية المريد/الشهيد الأول».

عدم العمل بعد العلم تعرب ايضاً:

ذكر المحدث الفيض الكاشاني في كتاب الوافي انه لا يبعد صدق عنوان الاعرابي على من تعلم الآداب والسنن الشرعية ولكنه لم يعمل بها ، ونقل في تأييد هذا المطلب رواية عن الإمام الصادق«عليه السلام» .
كما يقول المجلسي في شرح الكافي ان بعض فقهاء الشيعة ذكر ان التعرب بعد الهجرة في زماننا هو ان يكون الشخص مشغولاً بتحصيل العلوم الدينية ولكنه لا يعمل بها كما لو كان جاهلاً.
وروى عن الإمام أمير المؤمنين قوله:
(يقول الرجل هاجرت ولم يهاجر إنما المهاجرون الذين يهجرون السيئات ولم

(1) التوبة 122).
الذنوب الكبيرة - 2 40


يأتوا بها ويقول الرجل جاهدت ولم يجاهد انما الجهاد اجتناب المحارم ومجاهدة العدو، وقد يقاتل اقوام فيحبون القتال لا يريدون إلا الذكر ... ) «بحار الانوار ـ باب ترك العجب».

صحراء الجهل وعدم المعرفة:

مما تقدم من ألآيات والاخبار وكلمات الفقهاء يعرف ان حقيقة التعرب عبارة عن البقاء في صحراء الجهل وعدم الإطلاع على المعارف الالهية والكمالات الإنسانية والحرمان من السعادة الدائمية، والقناعة بالحياة الفانية الدنيوية، والأنس بالشهوات الحيوانية، وعدم الاستعداد لتحصيل المعرفة،والوصول الى السعادة، وان عدم التورع عن اي ذنب وعمل قبيح موجب للعقوبة الاخروية، وعدم الاعتناء باى عمل جميل موجب للثواب الخالد هو تعرب. كما ان الهجرة ضد ذلك.
والتعرب بعد الهجرة يعني الرجوع الى حالة الإعرابي بعد الإنتباه والمعرفة.
ويمكن القول ان من اقسام التعرب بعد الهجرة الإعراض عن كل عمل خير اشتغل به مدة . وطبعا فان حرمة هذا القسم من التعرب إنما هي في صورة ما اذا لم يكن ترك ذلك العمل من باب المسامحة والكسل او لأجل الإبتلاء ببعض الموانع ، وإنما كان من باب الإعراض والمخالفة ، نعم جدير بالإنسان ان لا يترك عمل الخير الذي اشتغل به مدة من الزمن.
عن جابر الجعفي قال سمعت ابا عبدالله «عليه السلام» كان يقول:
(إني أحب ان ادوم على العمل اذا عودته نفسي، وان فاتني بالليل قضيته بالنهار، وان فاتني بالنهار قضيته بالليل ، وان أحبَ الأعمال الى الله ما ديم عليها، فان الاعمال تعرض كل خميس وكل راس شهر واعمال السنة تعرض في النصف من شعبان، فاذا عودت نفسك عملا فدم عليه سنة) «بحار الانوار».

الذنوب الكبيرة - 2 41


اهمال العلوم الدينية:

عدّ بعض الأعاظم ترك الاستمرارفي طلب العلوم الدينية بعد الاشتغال مدة من الزمن، قسما من اقسام التعرب بعد الهجرة.
وحرمة ذلك إنما هي فيما إذا كان تحصيل العلوم الدينية بالنسبة لذلك الشخص واجبا عينيا على تفصيل ذكر في محله، وأما في غير هذه الصورة فجدير بالإنسان ان لا يترك تحصيل العلوم الدينية الى آخر عمره(1)، وان يكون مشغولا بافضل ألاعمال بنية خالصة ويقصد القربة، لكي لا يحرم من السعادة العظيمة المترتبة على ذلك في الدنيا والآخرة.



(1) «طلب العلم من المهد الى اللحد».
الذنوب الكبيرة - 2 42




الذنوب الكبيرة - 2 43


2 9
معونة الظالمين

التاسع والعشرون من الذنوب التي ورد التصريح باعتبارها كبيرة (معونة الظالمين) كما ورد في رواية الفضل بن شاذان عن ألإمام الرضا «عليه السلام» ضمن تعداد الكبائر قوله (ومعونة الظالمين والركون اليهم).
وفي رواية الأعمش عن ألإمام الصادق «عليه السلام» ورد (وترك إعانة المظلومين) اي ان ترك إعانة المظلومين من الذنوب الكبيرة اذن فمعونة الظالم في ظلمه بطريق أولى تكون من الذنوب الكبيرة.
عن سليمان الجعفري قال: قلت لأبي الحسن الكاظم «عليه السلام»ما تقول في اعمال السلطان فقال «عليه السلام»:
(الدخول في اعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر، والنظر اليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار) «وسائل الشيعة /كتاب التجارة».
وأيضا ورد عن الرسول الله «صلى الله عليه واله» في حديث المعراج وما رآه مكتوبا على ابواب النار ومن جملته:

الذنوب الكبيرة - 2 44


(لا تكن عونا للظالمين) «وسائل الشيعة».
وايضا هي من الذنوب التي اوعد الله عليها في القران الكريم بالنار حيث يقول تعالى:
« ولا تَركنوا الى الذينَ ظَلموا فَتَمسّكُم النارُ» «سورة هود/113»
وكتب في تفسير (منهج الصادقين):
الركون المنهي عنه في هذه الآية هو بمعنى الميل اليسير، فيكون المعنى ولا تميلوا قليلا الى الذين ظلموكم أو ظلموا غيركم، فتعظيم ذكرهم، والمخالطة معهم ، وإظهار محبتهم ، والطمع بهداياهم، ومداهنتهم، واتباع اوامرهم، كل ذلك ركون للظالم، ومورد للنهي، فكيف بالميل الكثير اليهم، مثل معونتهم على الظلم، والرضى به، والإشتراك معهم فيه ،ففي الخبر عن رسول الله «صلى الله عليه واله»انه قال:
(من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب ان يعصى الله في أرضه) «منهج الصادقين».
وجاء في كتاب (روضات الجنات) ضمن احوال السيد محمد مؤلف كتاب (مدارك الاحكام) انه اتفق مع الشيخ صاحب (المعالم) على السفر سويا من النجف الأشرف لزيارة قبر الإمام الرضا «عليه السلام»، وحيث علما ان السلطان عباس الصفوي كان مقيما ذلك الوقت في مشهد انصرفا عن السفر، خوفا من الإبتلاء بملاقاة السلطان فيكونا مصداقا للآية الشريفة «ولاتركنوا الى الذين ظلموا».
وايضا جاء في حالات السيد بحر العلوم انه قال: حيث كان والي مدينة شوشتر يخضع لي فان مقدارا من الميل له تحقق في قلبي، وخوفا من أن يكون موردا للآية الشريفة غادر من دزفول وسكن العراق الى آخر عمره، ويعلم من مراجعة حالات عدة من عظماء الدين كم كانوا يجهدون خلال مخاطباتهم ومراسلاتهم ومعاشرتهم مع الظالمين ان لا يتورطوا بخطر الركون للظالم، ولا يبتلوا بمدحه.
وفي كتاب (الفوائد الرضوية) ينقل عن المحدث الجزائري قوله:
ان شخصا كان قد قصر تقصيرا كبيرا بحق السلطان عباس الصفوي، وخوفا منه لجأ الى

الذنوب الكبيرة - 2 45


حرم ألامام امير المؤمنين «عليه السلام»، وطلب من المرحوم المقدس الأردبيلي ان يكتب رسالة الى السلطان ليعفي عنه ، وبالفعل فقد كتب المقدس الاردلبيلي للسلطان (يا صاحب الملك العارية ـ عباس ـ إعلم ان كان هذا الرجل ظالما سابقا فهو الآن مظلوم، ولو عفوت عن تقصيره فعسى الله أن يعفو عن بعض تقصيراتك ـ كتبه عبد سلطان الولاية احمد الأردبيلى) فكتب له السلطان في جوابه: ـ
(نطلعكم ان ما تفضلتم به وقد بلغ منتهى المنّة منكم قد قدمنا على تنفيذه، ارجو ان لا تنسوا هذا المحب من دعاء الخير ـ كتبه كلب الحرم العلوي عباس). وينقل عن (تاريخ بحيرة) ان الخواجة نظام الملك وزير السلطان السلجوقي كان يهتم كثيرا بامر الآخرة والحساب يوم القيامة ومن هنا فقد كان خائفا بالرغم من انه كان طوال مدة وزارته حريصا على إغاثة الضعفاء ، وتقدير العلماء وتعظيم الشعائر الدينية، واخيرا فكر لإثبات حسن سلوكه مع الناس مدة وزارته ان يرتب وثيقة يشهد فيها عظماء الاسلام ويوقعون على حسن سلوكه، ويضع تلك الوثيقة في كفنه لعله ينجو بذلك.
وبالفعل فقد شهد مجموعة من الاكابر بحسن سلوكه وكتبوا ذلك ، ولكن حين وصلت ورقة الشهادة بيد الشيخ ابو اسحاق المدرس في المدرسة النظامية ببغداد كتب فيها ما يلي:
(خير الظلمة حسن، كتبه ابو اسحاق ولما اطلع الخواجة نظام الملك على ما كتبه ابو اسحاق بكى كثيرا وقال: ما كتبه ابو اسحاق هو الصحيح) .
لاشك في ان معونة الظالمين حرام في الجملة، ولاشك انها من الذنوب الكبيرة، انما الذي ان يعلم هو اقسام الظالمين وانواع معونة الظالم وحكم كل واحد منها.

اقسام الظالمين:

الظلم هو عبارة عن تجاوز حدود الله، ومخالفة ما أقره الشرع والعقل، وهو على قسمين:

الذنوب الكبيرة - 2 46


1ـ تجاوز حدود الله مع نفسه، مثل الشرك كما قال تعالى «إن الشِركَ لَظُلمٌ عظيم»(31/12) اوالتكذيب بآيات الله كما قال تعالى «ومنْ يتعدّ حُدودَ اللهِ فأولئِكَ همُ الظالمون»2/229.
وبالجملة ففي جميع هذه الموارد إنما يظلم الشخص نفسه كما قال تعالى «فَمِنْهُم ظالمٌ لنِفسِه»30/32.
2ـ تجاور حدود الله مع الآخرين، وذلك بإيذاء الغير وإيلامه في نفسه كضربه وقتله وحبسه او في كرامته كشتمه ، وغيبته واتهامه وهتكه، او في ماله كأخذ المال من صاحبه بغير حق او عدم دفع الحق له وسائر انواع الغصب واشد مراتبه اشغال منصب الخلافة وهو الحق الصريح لأهل البيت «عليهم السلام» الذي غصبه خلفاء الجور وبنو أمية، وبنو العباس، ومثله جلوس غير المجتهد العادل في كرسي القضاء. وهذا القسم من الظالمين هو ايضا على قسمين:
احدهما: من كان الظلم والعدوان حرفته ومهنته، مثل حكام الجور ، وقطاع الطرق.
والآخر : ما صدر منه الظلم للغير صدفة وفي مورد واحد او عدة موارد.
وللتعرف على احكام كل واحد من هذه الاقسام المذكروه نوضحها في اربعة فصول:
(1) معونة الظالم في ظلمه:


ولاشك في انها من الذنوب الكبيرة، مثل ان يعطيه سوطا ليضرب به المظلوم، او يعطيه قلما ليكتب فيه حكما جائرا، او يوقع عليه ، او يمسك المظلوم حتى يضربه الظالم ، أو يقتله أو يحبسه.
يقول الشيخ الأنصاري «عليه الرحمة» في المكاسب المحرمة:
(معونة الظالمين في ظلمهم حرام بالأدلة ألأربعة وهو من الكبائر).

معونة الظالم وأخبار أهل البيت (ع):

الأخبار الواردة في هذا المقام كثيرة، منها ما رواه الشيخ الأنصاري ان رسول الله

الذنوب الكبيرة - 2 47


«صلى الله عليه واله» قال:
(من مشى الى ظالم ليعينه وهو يعلم انه ظالم فقد خرج من الإسلام) « وسائل الشيعة/التجارة».
ومن الواضح ان ما يخرج الإنسان من الإيمان والإسلام هو من الذنوب الكبيرة المهلكة. ويقول الإمام الصادق«عليه السلام».
(اذا كان يوم القيامة نادي مناد اين الظلمة، واعوان الظلمة، واشباه الظلمة، حتى من برى لهم قلما ولاق لهم دواة، قال: فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في جهنم)«وسائل الشيعة /التجارة »
وفي الحديث النبوي:
(الا ومن علق سوطا بين يدي سلطان جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من النار طوله سبعون ذراعا، يسلطه الله عليه في نار جهنم وبئس المصير) «وسائل الشيعة/التجارة».
وفي حديث عن رسول الله «صلى الله عليه واله» انه قال:
(من تولى خصومة ظالم او أعانه عليها ثم نزل به ملك الموت قال له : ابشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير، ومن خف لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار، ومن دل سلطاناعلى الجور قرن مع هامان، وكان هو والسلطان من اشد اهل النار عذابا) «وسائل الشيعة».

مدح الظالم حرام ايضا:

من موارد هذه المسألة مدح الظالم بنحو يكون سببا لقوته، او تمكنه من ظلم أكثر، او يكون اكثر جرأة.
والشاهد على ان هذا القسم من كبائر الذنوب مضافا الى الأدلة السابقة تمام أدلة النهي عن المنكر خصوصا ما نقله الشيخ الأنصاري عن رسول االله «صلى الله عليه واله»:
(من عظّم صاحب دنيا وأحبه لطمع دنياه سخط الله عليه، وكان في درجته مع قارون في التابوت ألاسفل من النار) «وسائل الشيعة / التجارة».

الذنوب الكبيرة - 2 48


وغير خفي ان هذه الرواية أعم من ان يكون الممدوح ظالما او غير ظالم، وبناءا على ذلك فلو كان الممدوح ظالما لكان المادح أجدر بهذه العقوبة .
وايضا عنه «صلى الله عليه واله» انه قال:
(من مدح سلطانا جائرا وتخفف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار) «وسائل الشيعة / التجارة».
وقال رسول ألله «صلى ألله عليه وآله»:
(إذا مدح الفاجر إهتز العرش وغضب الرب) « سفينة البحار/2/528 »

لا يجوز قبول المنصب من الظالم

من اكبر موارد معونة الظالم قبول المنصب والمقام من جهته حتى وان لم يكن في ذلك المقام ظلم، مثل حفظ النظام والاستقرار والأمن، فكيف اذا كان في ذلك المقام ظلم؟
مثل ان يكون مأمورا من طرف الظالم في أخذ اموال الناس ظلما وجورا.
ولا شبهة في ان القسم الثاني إثمه أشد، وعقوبته أصعب.
يقول الإمام الصادق «عليه السلام» في رواية تحف القول المعروفة:
(امّا وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر، وولاية ولاته، الرئيس منهم واتباع الوالي فمن دونه من ولاة الولاة الى أدناهم باباً من أبواب الولاية على من هو والٍ عليه والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام محرم معذب من فعل ذلك على قليل من فعله او كثير، لأن كل شيء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر وذلك ان في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله ، وإحياء الباطل كله، وإظهار الظلم والجور والفساد وإبطال الكتب وقتل الأنبياء والمؤمنين وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه، فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الى الدم والميتة).
وعن الإمام موسى بن جعفر «عليه السلام» انه قال:

الذنوب الكبيرة - 2 49


(ان أهون ما يصنع الله جل وعز بمن تولى لهم عملا ان يضرب عليه سرادقا من نار الى ان يفرغ الله من حساب الخلائق)(1)هذا وان قبول الولاية من الظالم مضافا الى انه من اكبر موارد الإعانة على الظلم يلزم منه لا محالة ان يرتكب صاحب الولاية الظلم بنحو لا يستطيع ان يقوم في هذا المقام ثم لا يظلم ولا يعصي.
كما ورد في صحيحة داود بن زرى قال اخبرني مولى لعلي بن الحسين «عليه السلام» قال:
كنت بالكوفة فقدم ابو عبدالله «عليه السلام» الحيرة فأتيته ، فقلت : جعلت فداك لو كلمت داود بن علي او بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذا الولايات؟
فقال: ما كنت لأفعل ... الى ان قال: جعلت فداك ظننت انك انما كرهت ذلك

(1) جاء في كتاب (دارالسلام للعراقي ضمن المكاشفات البرزخية مكاشفة السيد الجليل، والعارف والنبيل،السيد محمدعلي العراقي الذي يذكر في جملة من رأى المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف حيث يقول:
حين كنت شابا في مدينة (آراك) وطني الأصل، في قرية (كزهرود) من قرى آراك المعروفة، توفي شخص كنت اعرفه باسمه ونسبه، فجيئ به ودفن في مقبرة مجاورة الى بيتنا، ولمدة اربعين يوما كلما حل وقت الغروب ظهر من القبر نار وسمع منه أنين يقطع الأكباد، وفي ليلة من أوائل تلك الليالي اشتد الفزع والأنين الى درجة أرعبي وأخافني وارتعشت من الخوف وفقدت السيطرة على نفسي حتى اوشكت على الإغماء.
ولما اطلع على الحال بعض معارفي اخذني الى منزله، وبعد مدة رجعت الى نفسي متعجبا من حالة ذلك الشخص، حيث لم تكن حالته المعيشية تدعو لما رأيت، الى ان علمت ان ذلك الشخص كان جابيا لديوان المحلة، وكان قد فرض على شخص سيد مبلغا بغير حق، ولم يكن ذلك السيد قادرا على دفعه فحبسه، ووضعه مدة معلقا في سقف بيته.
وينقل احد الثقات انه كان رجل في كاشان يمارس اعمال الجباية للديوان في صنف العطارين، ومنع بيع وشراء أجناس العطارين.
وصادف ان شخصا سيدا فقيرا حصل على مقدار من الثوم وباعه لشخص آخر، فلما إطلع ذلك الظالم شتمه كثيرا، وضربه ، ومضى السيد لحاله وهو يقول جدي هو الذي يعطيك جزاءك، فسمعه الظالم وأعرض عنه، الا ان ملازم ذلك الظالم قال له اعد ذلك السيد فأعاده وضربه بيده عدة ضربات ، وقال له اذهب الى جدك وقل له ليخلع كتفى.
وفي اليوم التالي أصيب ذلك الظالم بحمى ووجع في كتفه وورم في اليوم الثاني فوضعوا على كفته بعض المعاجين الطبية، وفي اليوم الرابع ازال الأطباء جميع لحم كفته حتى بان عظمه، ومات في اليوم السابع.
«وسائل الشيعة ـ كتاب التجارة» .
الذنوب الكبيرة - 2 50


مخافة ان أجور أو أظلم، وإن كل إمرأة لي طالق، وكل مملوك لي حر، وعلي كذا وعلى كذا ان ظلمت احدا او جرت عليه، وان لم اعدل.
قال: كيف قلت ؟
فاعدت عليه الأيمان فرفع راسه الى السماء ، فقال : تناول السماء ايسر عليك من ذلك «وسائل الشيعة /التجارة».

موارد جواز قبول الولاية

في موردين يجوز قبول الولاية من الظالم، بل في بعضها يجب ذلك كما سياتي.
والمورد الاول: التقية او الإضطرار والإكراه، بحيث لو لم يقبل تعرض للخطرفي نفسه او ماله او كرامته، والأدلة العامة والخاصة التي وردت في جواز هذا القسم من الولاية كثيرة.
مثل قول رسول «صلى الله عليه واله»:
(رفع عن أمتي تسعة .. ما أكرهوا عليه ... وما إضطروا اليه ...) «خصال الصدوق».
وعن الإمام الصادق « عليه السلام» قوله:
(ما من شئ الا وقد أحله الله لمن إضطر إليه)
وقد وردت روايات في وسائل الشيعة عن الإمام الرضا «عليه السلام» ان قبوله لولاية عهد المأمون كانت من باب الإكراه والتقية.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» انه سئل عن اعمال السلطان يخرج فيه الرجل؟
فقال «عليه السلام» إلا ان لا يقدر على شئ يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فان فعل فصار في يده شئ فليبعث بخمسه الى أهل البيت «وسائل الشيعة / التجارة».
المورد الثاني: المناصب التي ليس فيها أي ظلم وتعد، مثل بعض مقامات الجيش والدولة التي مسؤوليتها حفظ النظام ، والراحة ، وتأمين الطرقات ، وحراسة الحدود الإسلامية من هجمات الأجانب ونظير ذلك، مما يكون لأجل القيام بمصالح المسلمين ، ونصرة المظلومين ومساعدة المؤمنين، وإيصال الحق لأهله ، فانه لا مانع

الذنوب الكبيرة - 2 51


من ذلك.
والخلاصة ان قبول هذ القسم من المناصب من جهة الظالم بقصد بسط العدل وألإحسان للمؤمنين هو امر جائز بل راجح ومستحب.
عن الإمام الصادق «عليه السلام» انه قال:
(كفارة عمل السلطان قضاء حوائج المؤمنين) «وسائل الشيعة/ التجارة».
عن زياد بن ابي سلمة قال:
دخلت على ابي الحسن موسى «عليه السلام» فقال لي:
يا زياد انك لتعمل عمل السلطان؟
قال: قلت أجل
قال لى: ولم؟
قلت: انا رجل لي مروة، وعلي عيال، وليس وراء ظهري شيء.
فقال لي: يا زياد لئن اسقط من حالق فأتقطع قطعة قطعة أحب إلي من ان اتولى لأحد منهم عملا او أطأ بساط رجل منهم الا لماذا؟
قلت: لا ادري جعلت فداك!
قال:إلا لتفريج كربة عن مؤمن، او فك أسره، اوقضاء دينه.
يا زياد: ان أهون ما يصنع الله جل وعز بمن تولى لهم عملا ان يضرب عليه سرادقاً من نار الى ان يفرغ من حساب الخلائق.
يا زياد: فإن وليت شيئا من اعمالهم فأحسن الى إخوانك فواحدة بواحدة، والله من وراء ذلك يا زياد... «مستدرك الوسائل ـ كتب التجارة».
وعن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي قال:
كتبت الى أبي الحسن «عليه السلام» استأذنه في أعمال السلطان .
فقال: (لا بأس به ما لم تغير حكما، ولم تبطل حدا ، وكفارته قضاء حوائج أخوانكم) «مستدرك الوسائل ـ كتاب التجارة».

الذنوب الكبيرة - 2 52



وكتب علي بن يقطين ـ وكان رئيس وزارء هارون ـ الى الإمام موسى بن جعفر «عليه السلام» في الخروج من عمل السلطان؟
فأجابه: إني لا أرى لك الخروج من عمل السلطان، فإن لله بأبواب الجبابرة من يدفع بهم عن أوليائه وهم عتقاؤه من النار فإتق الله في إخوانك «المستدرك/ التجارة» .
وروى محمد بن اسماعيل بن بزيع (وكان من وزراء هارون وعاصر الإمام الكاظم، والرضا ، والجواد «عليهم السلام» ، أخذ من الإمام الجواد «عليه السلام» ثوبه ليكون له كفنا) عن الإمام الرضا «عليه السلام» انه قال:
(إن لله تبارك وتعالى بأبواب الظالمين من نوّرَ الله به البرهان، ومكّن له في البلاد، ليدفع بهم عن أوليائه ويصلح الله به أمور المسلمين ، واليهم يلجأ المؤمن من الضر وإليهم يفزع ذو الحاجة من شيعتنا، وبهم يؤمّن الله روعة المؤمن في دار الظلمة، اولئك المؤمنون حقا، اولئك أمناء الله في أرضه) «سفينة البحار/جـ 1/316».

تجب الولاية في صورة واحدة :

احيانا يكون قبول الولاية، وقبول بعض المناصب واجبا لبعض الأشخاص، وذلك في صورة ما إذا كان للشخص يقين بأنه اذا قبل المنصب الفلاني او قبل الولاية فانه يستطيع حينئذ ان يدفع مفسدة عظيمة عن الدين، او يمنع منكرا من المنكرات الدينية، إلا ان حصول مثل هذا المورد امر قليل جدا، حيث ان الشرط الأساسي فيه الإطمينان بنفسه، وان لا يصدر منه بعد قبول ذلك المقام أي ظلم وأي تعد، وان إحراز مثل هذا الأمر في غاية الصعوبة، ففي الرئاسة تختفي أخطار عظيمة يصعب حفظ النفس عنها .
كتب الإمام الصادق «عليه السلام» في جواب رسالة عبدالله النجاشي حاكم الأهواز:
«... وزعمت انك بليت بولاية الأهواز فسرني ذلك وساءني ... فأما سروري بولايتك فقلت: عسى ان يغيث الله بك ملهوفا من آل محمد «صلى الله علي واله»، ويعز بك ذليلهم، ويكسو بك عاريهم ، ويتقوّى بك ضعيفهم، ويطفي بك نار المخالفين

الذنوب الكبيرة - 2 53


عنهم .
وأما الذي ساءني من ذلك فان ادنى ما اخاف عليك ان تعثر بولي لنا فلا تشم حظيرة القدس«وسائل الشيعة /التجارة/باب /49».
قال رسول الله «صلى الله عليه واله»:
(من تولى عرافة قوم اتي به يوم القيامة ويداه مغلولتان الى عنقه ، فان قام فيهم بأمر الله عز وجل أطلقه، وان كان ظالما هوى به في نار جهنم وبئس المصير).
(ومن تولى عرافة قوم ولم يحسن فيهم حُبِسَ على شفير جهنم بكل يوم ألف سنة وحُشر ويده مغلولة الى عنقه ، فان قام فيهم بأمر الله اطلقها ألله، وان كان ظالما هوى به في نار جهنم سبعين خريفا) «وسائل الشيعة/التجارة».
وروي عن الإمام الصادق«عليه السلام» قوله :
(من تولى أمرا من أمور الناس فعدل وفتح بابه ورفع ستره ونظر في امور الناس كان حقا على الله عز وجل ان يؤمن روعته يوم القيامة ، ويدخله الجنة) «وسائل الشيعة / التجارة».
ولا ننسى القول ان لموارد الإستثناء فروعا كثيرة لم نذكرها طلبا للإختصار، وعلى الراغبين مراجعة الكتب الفقهية.
(2) معونة الظالم في غير الظلم:


معونة الظالم في غير ظلمه مثل خدمته او الخياطة له، أو البناء له ، أو خزانة امواله وحفظها ، ونظائر ذلك على اقسام ثلاثة:
1ـ احيانا تكون في هذه الامور جهة محرمة، مثل ان يأمر البنّاء ان يبني في ارض مغصوبة، او يخيط قماشا قد غصبه من الناس، ويحفظ اموالا اخذها من الناس عنوة، ونظائر ذلك.
ولا شبهة في حرمة هذا القسم من المعونة ، وذلك ان التصرف في الغصب لكل من يعلم بانه غصب حرام، يستوي في ذلك الغاصب غيره.

الذنوب الكبيرة - 2 54


2ـ اما إذا لم يكن في هذه الأعمال أية جهة حرمة، ولكن بنحو إذا قبلها من الظالم عُدّ في العُرف من أعوان الظالم، وكان ذلك سبباً في تقويته، وسُجل إسمه في سجل الظلمة، وعُدّ آخذا من حقوقهم، فالمستفاد من كثير من الروايات ان هذا القسم حرام أيضا.
روي عن الإمام الصادق«عليه السلام»:
(من سوّد إسمه في ديوان ولد سابع ـ بني العباس ـ حشره الله يوم القيامة خنزيرا) «وسائل الشيعة/التجارة»:
وفي رواية أخرى قال«عليه السلام»: (حشره الله يوم القيامة مسوّداً وجهه) «المستدرك /التجارة /باب /35».
وعن إبن أبي يعفور قال:
(كنت عند أبي عبدالله «عليه السلام» إذ دخل عليه رجل من أصحابنا فقال له : جعلت فداك أنه ربما أصحاب ألرجل منا ألضيق أو الشدة فيدعى إلى ألبناء يبنيه، او النهر يكريه، او المسناة يصلحها، فما تقول في ذلك ؟)
فقال «عليه السلام»:
(ما أحب إني عقدت لهم عقدة، او وكيت لهم وكاءاً، وان لي ما بين لابتيها، لا ولا مدة بقلم، إن اعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد).
ويروي محمد بن عذافرعن أبيه قال:
قال أبو عبدالله : يا عذافر نُبئت انك تعامل ابا ايوب والربيع فما حالك اذا نودي بك في اعوان الظلمة؟
قال: فوجم ابي.
فقال له ابو عبدالله «عليه السلام» لما رأى ما أصابه: أي عذافر إنما خوفتك بما خوفني الله عز وجل به.

الذنوب الكبيرة - 2 55


قال محمد : فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتى مات «وسائل الشيعة /التجارة».
عن الإمام الصادق «عليه السلام» قوله:
(حق على الله عز وجل ان تصيروا مع من عشتم معه في دنياه).
وايضا عنه «عليه السلام»:
(ان قوما ممن آمن بموسى «عليه السلام» قالوا لو أتينا عسكر فرعون فكنا فيه ونلنا من دنياه حتى اذا كان الذي نرجوه من ظهور موسى«عليه السلام» صرنا اليه ففعلوا، فلما توجه موسى «عليه السلام» ومن معه هاربين من فوعون ركبوا دوابهم واسرعوا في السير ليلحقوا موسى «عليه السلام» وعسكره فيكونوا معه ،فبعث ألله ملكا فضرب وجوه دوابهم فردهم إلى عسكر فرعون فكانوا فيمن غرق مع فرعون) «وسائل الشيعة /التجارة».
وايضا عن الإمام الصادق «عليه السلام» انه قال:
(اتقوا الله وصونوا دينكم بالورع، وقوّوه بالتقية، والإستغناء بالله عز وجل عن طلب الحوائج الى صاحب سلطان، انه من خضع لصاحب سلطان ولمن يخالفه على دينه طلبا لما في يديه من دنياه اخمله الله عز وجل ومقته عليه، ووكله اليه، فان هو غلب على شيء من دنياه فصار اليه منه شيء نزع الله جل اسمه البركة منه ولم يأجره على شيء منه ينفقه في حج ولاعتق، ولا بر) «وسائل الشيعة/التجارة».
ويقول على بن ابي حمزة:
كان لى صديق من كتّاب بني أُمية فقال لي استاذن لي على ابي عبدالله «عليه السلام» فاستاذنت له فاذن له، فلما ان دخل سلم وجلس ثم قال: جعلت فداك اني كنت في ديوان هؤلاء القوم فاصبت من دنياهم مالا كثيرا واغمضت في مطالبه، فقال ابو عبدالله «عليه السلام»:
لولا ان بني أمية وجدوا لهم من يكتب ويجبي لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد

الذنوب الكبيرة - 2 56


جماعتهم لما سلبوا حقنا، ولو تركهم الناس وما في ايديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في ايديهم.
قال فقال الفتى: جعلت فداك فهل لي مخرج منه؟
قال: ان قلت لك تفعل؟
قال: افعل
قال له : فاخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرف تصدقت به ، وانا اضمن لك على الله عز وجل الجنة ، فأطرق طويلا ثم قال له: لقد فعلت جعلت فداك.
قال ابن ابي حمزة: فرجع الفتى معنا الى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الأرض إلا خرج منه حتى ثيابه التي كانت على بدنه.
قال : فقسمت له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا إليه بنفقة.
قال : فما اتى عليه إلا اشهر قلائل حتى مرض، فكنا نعوده.
قال: فدخلت عليه يوما ًوهو في السَوق ـ الإحتضار ـ قال ففتح عينيه ثم قال لي : يا علي وفى لي والله صاحبك .
قال: ثم مات فتولينا امره، فخرجت حتى دخلت على ابي عبدالله «عليه السلام» فلما نظر الي قال لي : يا علي وفينا والله لصاحبك.
قال: (فقلت جعلت فداك والله هكذا والله قال لي عند موته) «وسائل الشيعة /التجارة ».
3ـ معونة الظالم بدون ارتكاب حرام ، ولا تقوية، ولا صدق الاسم:


والقسم الثالث هو الأعمال التي ليس فيها جهة حرمة، ولا هي سبب في تقوية الظالم ولا يعد بسببها داخلا في جهاز الظالم عرفا، مثل ان يؤجر له سيارته، او يكون أجيرا له في حمل الأجناس المباجة ، كالأطعمه ، من مدينة لأخرى، ومثل العمل في بناء بيت الظالم وأخذ ألأجرة منه.

السابق السابق الفهرس التالي التالي