الذنوب الكبيرة-2 1




الذنوب الكبيرة
2

الذنوب الكبيرة - 2 2


الطبعة الخامسة
1424هجرية


الذنوب الكبيرة -2 3


الذنوب الكبيرة

السيد عبد الحسين دستغيب

ترجمة
صدر الدين القبانچي


القسم الثاني


مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) للطباعة والنشر
قم - ايران

الذنوب الكبيرة - 2 4




الذنوب الكبيرة - 2 5


بسم الله الرحمن الرحيم



الذنوب الكبيرة - 2 6




الذنوب الكبيرة - 2 7


الباب الاول

الكبائر المنصوصة

26 ـ40


الذنوب الكبيرة - 2 8




الذنوب الكبيرة - 2 9


26
حَبسُ الحُقوق

السادس والعشرون من الكبائر المنصوصة (حبس الحقوق) من دون عسر.
يعني اذا كان لأحد حق في ذمة الغير وطالبه بحقه ، وكان ذلك الشخص قادراً ، ومع ذلك لم يؤدّ الحق ، فانه بذلك يرتكب ذنباً كبيراً .
كما ان رواية الأعمش عن الامام الصادق «عليه السلام» وهكذا رواية الفضل بن شاذان عن الامام الرضا «عليه السلام» عدت ذلك في عداد الكبائر حيث يقول «عليه السلام»: (وحبس الحقوق من غير عسر) .
عن الامام الصادق «عليه السلام» أنه قال :
(مَن حَبَسَ حقَّ المؤمن أقامَ اللهُ يومَ القيامةِ خمسمأةَ عام على رجليه حتى تسيل عرقه أودمه (1) وينادي منادٍ من عند الله ، هذا الظالم الذي حبس عن الله حقه .

(1) ذكر العلامة المجلسي في معنى هذا الحديث انه اذا كان ظلمه قليلا جرى عرقه، واذا كان ظلمه كثيرا جرى دمه . (مرآة العقول) 361 .
ويقول ايضاً ان هذه الجملة تدل على أن حق المؤمن حق الله بسبب كمال قربه الى الله ، او بسبب أن الله أمر بذلك
=
الذنوب الكبيرة - 2 10


قال «عليه السلام» : فيوبّخ أربعين يوماً ثم يؤمر به الى النار (1) (والموبّخون هم المؤمنون او الانبياء) .
وقال «عليه السلام» :
(ذا كان يوم القيامة نادى منادٍ : اين الصدود لأوليائي؟
فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم ، فيقال : هؤلاء الذين آذوا المؤمنين ونصبوا لهم وعاندوهم وعنفوهم في دينهم ثم يؤمر بهم الى جهنم) .
وقال«عليه السلام » : (كانوا وألله الذين يقولون بقولهم ولكنهم حبسوا حقوقهم واذاعوا عليهم سرهم) « وسائل الشيعة - أحكام العشرة».
وقال«عليه السلام » : (ايما مؤمن حبس مؤمنا عن ماله وهو يحتاج اليه لم يذق والله من طعام الجنة ، ولا يشرب من الرحيق المختوم) «بحار الانوار» .

المطالبة بالحقوق يوم الحشر:

عن الامام السجاد «عليه السلام» أنه قال:
(يؤخذ بيد العبد يوم القيامة على رؤوس الاشهاد:
الا من كان له قِبَل هذا حق فليأحذه .
ولا شئ أشد على أهل القيامه من ان يروا من يعرفهم ، مخافة أن يدّعي عليه شيئاً) « لئالي الأخبار /548» .
ولعل الى ذلك تشير الآية الشريفة :
«يومَ يفرُّ المرءُ من أخيهِ وأمِهِ وأبيهِ ، وصاحِبَتِهِ وَبنيه» «السورة 80/34ـ36» اي من خوف مطالبتهم بحقوقهم .
= الحق ، أو أمر بأدائه .
(1) أصول الكافي.
الذنوب الكبيرة - 2 11


المفلس الحقيقي :

قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لأصحابه :
أتدرون من المفلس ؟
قالوا : المفلس فينا من لا درهم ولا مال ولا متاع له ، قال «صلى الله عليه عليه وآله» : ان المفلس من أمتي من أتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وحج ويأتي قد شتم هذا ، وأكل مال هذا ، وهتك دم هذا ، وضرب هذا ، فيؤتي هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فان فنيت حسناته قبل ان يقضي ما عليه اخذ من خطاياه عليه ثم يطرح في النار) « بحار الانوار» .
موارد حبس الحقوق (1)

الدّين :

الدين هو مال كلي لشخص يثبت في ذمة شخص آخر بسبب من الاسباب مثل ان يقترض منه فيصبح المبلغ ثابتاً في ذمة المقترض ليدفعه الى الدائن .
ومثل الجنس الذي يبيعه سلفاً فتصير ذمته مشغولة للمشتري بذلك الجنس يدفعه اليه في موعده .
ومثل الثمن في بيع (النسيئة) حيث يجب عليه أن يدفع ثمن الجنس الى البائع .
ومثل مال الاجارة فان المستأجر مدين لصاحب الملك ، وهكذا مهر الزوجة الذي يكون في ذمة الزوج، وهكذا نفقة الزوجة الدائمية ، وكذلك سائر انواع الضمان المذكورة في الكتب الفقهية وفروعها كثيرة .
ويناسب هنا ان نشير الى بعض المسائل الهامة:

اقتصر المؤلف هنا على ذكر مورد واحد من موارد حبس الحقوق وهو (الدين) فيما ذكر باقي الموارد في فصول أخرى من هذا الكتاب.
الذنوب الكبيرة - 2 12


1ـ الدين مع الأجل وبدون أجل:


الدين على قسمين:

حال : وهو الدين الذي لا مدة له ، أو الذي كانت له مدة فانتهت. ومؤجل: وهو الدين الذي له مدة .
وفي الدين المؤجل لايحق للدائن المطالبة بحقه قبل تمام المدة، نعم اذا مات المدين صار دينه حالاً، مثال ذلك اذا كان لأحد على الآخر ديناً يجب دفعه اليه في رأس السنة، ولكنه مات قبل حلول هذا الموعد ، فهنا يجب دفع الدين من ماله قبل تقسيم الإرث، ولا يحق للورثة ان يقولوا بان مدة الدين لم تنته بعد ، نعم إذا مات الدائن ، وكان للدين مدة ، هنا لا يستطيع الورثة أن يطالبوا بالدين قبل انتهاء المدة.
واذا لم يكن للدين أجل، وطالب به الدائن ، وجب على المدين اداؤه فوراً وبأية وسيلة كانت ، حتى اذا إقتضي الأمر أن يبيع بعض ما لديه مما هو زائد عن حاجته المعيشية ، وحتى لو كان بأقل من القيمة فيحب عليه بيعه وأداء الدين . اللهم الا إذا كان يراد شراؤه بثمن قليل جداً بحيث يعتبر بيعه به عند العرف إتلافاً وتضييعا فلا يبعد في هذه الصورة ان لا يجب على المدين بيعه .
وهكذا اذا لم يكن لديه ما يبيعه كالفرش واللباس واثاث المنزل والدكان وغير ذلك ، فيجب عليه ان يعمل ليؤدي دينه ، اي انه يجب عليه ـ من اجل الوفاء بدين الدائن مع مطالبته به ـ أن يعمل أجيراً ، أو يشتغل بكسب آخر يليق بحاله ولا يوقعه في حرج، ومن خلال هذا العمل يؤدي دينه .
وبنحوا عام يجب على المدين ان يؤدي دينه، ويحرم عليه التماهل فيه فان ذلك من الذنوب الكبيرة ، ولا يلزم على المدين ان يبيع اللوازم الحياتية التي لا يستغني عنها ، كالمنزل الذي يسكن فيه ـ ان لم يكن زائدا عن حاله وشأنه ـ وكذلك اللباس والفراش والأواني وسائر الأمور التي لا يستغني عنها في حياته بنحو لو اراد بيعها لوقع في مشقة وصعوبة ، وأوجب ذلك انتقاصه ، فمثل هذه الامور لا يلزمه بيعها، كما

الذنوب الكبيرة - 2 13


لايحق للدائن ان يجبره على بيعها .
نعم يجوز للمدين ان يتحمل المشقة ويبيعها ويؤيدي دينه، كما يحق للدائن في هذه الصورة ان يأخذ دينه ، لكن يجدر به أن لا يرضى بوقوع المدين في الحرج والمشقة ببيع لوازمه الحياتية ، يجدر به ان يمهله حتى يفرح الله له ، حتى اذا كان المدين راضيا ً .
روى عثمان بن زياد عن الامام الصادق «عليه السلام»:
قال: (قلت رجل لي عليه دارهم وكانت داره رهنا فاردت ان ابيعها ؟ قال «عليه السلام»: أعيذك بالله ان تخرجه من ظل رأسه) «وسائل الشيعة ـ كتاب الدّين» وبهذا المضمون وردة عدة أحاديث .
ويروى ان محمد بن ابي عمير (وهو من خواص أصحاب الإمام موسى بن جعفر،والإمام الرضا والإمام الجواد «عليهم السلام») كان رجلا بزازاً ، فذهب ماله وافتقر، وكان له على رجل عشرة الاف درهم، فباع داراً له كان يسكنها بعشرة الاف درهم ، وحمل المال الى بابه ، فخرج اليه محمد بن ابي عمير فقال : ما هذا؟
فقال: هذا مالك الذي لك عليّ .
قال: ورثته؟
قال: لا
قال: وُهِبَ لك؟
فقال: لا
فقال: هو ثمن ضيعة بعتها؟
فقال: لا
فقال: ماهو؟
فقال: بعت داري التي اسكنها لأقضي ديني.
فقال: محمد بن ابي عمير: حدثني ذريع المحاربي عن ابي عبد الله «عليه السلام»:

الذنوب الكبيرة - 2 14


قال: (لا يخرج الرجل من مسقط راسه بالدين، ارفعها فلا حاجة لي فيها ، وإني لمحتاج في وقتي هذا الى درهم واحد ، وما يدخل ملكي منها درهم واحد)«الوسائل ـ الدّين».
والسبب في فقر هذا الرجل مع انه كان يملك خمسمائة ألف درهم هو انه نتيجة علاقتة بالإمام موسى بن جعفر«عليه السلام»القي القبض عليه، وضرب ضرباً مبرحاً، وحبس مدة اربعة اعوام واخذ كل ما لديه ، رحمة الله ورضوانه عليه.
2- لابد من وفاء الدّين


عن جعفر بن محمد«عليه السلام»عن آبائه عن النبي «صلى الله عليه وآله» أنه قال:
(من مطل على ذي حق حقه ، وهو يقدر على اداء حقه فعليه كل يوم خطيئة عشّار) «وسائل الشيعة/كتاب التجارة»
وعن الإمام الباقر«عليه السلام» انه قال: (كل ذنب يكفره القتل في سبيل الله الا ألدين ، لا كفارة له الا أداؤه او يعفو الذي له الحق) «وسائل الشيعة»
وعنه«عليه السلام» انه قال :
(اول قطرة من دم الشهيد كفارة لذنوبه الا الدين فان كفارته قضاؤه) «وسائل الشيعة»
ويكفي دليلاً على ذلك ماورد من ان رجلاً من الأنصار مات وعليه ديناران دينا، فلم يصلِّ عليه النبي «صلى الله عليه وآله»، وقال صلوا على صاحبكم حتى ضمنها عنه بعض قرابته .
وقال الإمام الصادق «عليه السلام » :
(ان رسول الله «صلى ألله عليه وآله» إنما فعل ذلك ليتعظوا وليردّ بعضهم على بعض ولئلا يستخفوا بالدين، وقد مات رسول الله «صلى الله عليه وآله» وعليه دين ، وقتل أمير المؤمنين وعليه دين، ومات الحسن «عليه السلام» وعليه دين ، وقتل الحسين

الذنوب الكبيرة - 2 15


«عليه السلام» وعليه دين) «وسائل الشيعة /كتاب الدين»
وخلاصة المعنى ان كون الإنسان مديناً لا مذمة فيه وهو امر جائز، انما الحرام هو التماهل في اداء الدين.
ويروى عن ابي ثمامة :
قلت لابي جعفر «عليه السلام» اني اريد ان الزم مكة والمدينة وعليّ دين؟ فقال «عليه السلام» إرجع الى مؤدى دينك، وانظر ان تلقي الله تعالى وليس عليك دين فان المؤمن لا يخون «الكافي» .

عدم رد الدين خيانة وظلم للجميع:

حيث يعلم من هذا الحديث الشريف ان حبس الحق والتسامح في اداء الدين خيانة، وبناءاً على ذلك ياتي فيه كل ماذكر في باب الخيانة. وقد عد ذلك في الحديث النبوي من مصاديق الظلم، حيث يقول« صلى الله عليه وآله»:
(مطل المسلم الموسر ظلم للمسلمين)«الكافي» .
اما انه ظلم لشخص الدائن فذلك واضح، واما أنه ظلم لسائر المسلمين فلعله من جهة انه يكون سببا في ان لا يقرض باقي المسلمين خوفا من التساهل في اداء الدين كما فعل هذا الشخص، او ان يتلف مالهم.
وبعبارة اخرى ان التسامح في اداء الدين مع وجود القدرة يسد باب الخير والمعروف، فلا يجرأ بعد ذلك احد على ان يقرض لآخر، في حين ان القرض من اكبر الخيرات، وذلك الشخص هو السبب في المنع عنه.
قال الامام الصادق«عليه السلام»:
(لعن الله قاطعي سبيل المعروف وهو الرجل يُصنع اليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من ان يصنع ذلك الى غيره) «بحار الأنوار».
وظاهره ان إعطاء القرض إحسان ، والتسامح في الرد كفران ، وسبب لإمتناع الآخرين عن ذلك ألإحسان.

الذنوب الكبيرة - 2 16


3ـ حكم الإقراض والإقتراض:


في الروايات المعتبرة ذكر ثواب كثير في اعطاء القرض كما اوعدت بعذاب شديد في تركه.
بل في بعض الموارد ان اعطاء القرض واجب، وتركه حرام ، وفي بعض الموارد أنه مستحب وتركه مكروه. أما أخذ القرض فهو مكروه في حالة عدم الحاجة إليه، وأما عند الحاجة فكراهته اقل، وشدة الكراهة وضعفها يرتبط بالحاجة شدةً وضعفا، فكلما كانت الحاجة اقل ازدادت كراهة الاقتراض، وكلما اشتدت الحاجة كان الاقتراض اقل كراهية الى ان ترتفع الكراهة مطلقاً، بل يصبح الاقتراض واجباً ، فيما اذا توقف عليه أمر واجب مثل حفظ النفس أو العرض وألأحوط لمن لا يقدر على أداء الدين أن لا يقترض ولا يجعل نفسه مدينا، الا في صورة الضرورة.

ثواب اعطاء القرض وعقاب تركه:

قال رسول الله «صلى الله علي وآله»: (من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في يده زكاة وكان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه )«وسائل الشيعة ».
وقال رسول ألله «صلى ألله عليه وآله »أيضا:
(من أقرض اخاه المسلم كان له بكل درهم اقرضه مثل جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات، وإن رفق به في طلبه تعدى به على الصراط كالبرق اللامع بغير حساب ولا عذاب ومن شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عليه الجنة يوم يجزي المحسنين) «وسائل الشيعة».
4ـ يجب ان يكون لديه قصد الإرجاع:


المدين الذي لا يتمكن من اداء الدين يجب ان يكون من قصده انه متى ما تمكن

الذنوب الكبيرة - 2 17


من اداء الدين فسوف لا يتسامح فيه، بل ان هذه النية يجب ان تكون لديه منذ البداية،فلو كان من نيته حين الإقتراض ان لا يؤدي الدين كان تصرفه في ذلك المال حراماً من أول الأمر.
يقول الامام الصادق «عليه السلام» :
(من اتسدان ديناً فلم ينوِ ِقضاءه كان بمنزلة السارق)«وسائل الشيعية»:
وقال «عليه السلام»ايضا:
(السراق ثلاثة ، مانع الزكاة ، ومستحل مهور النساء ، وكذلك من استدان ولم ينو ِقضاءه) «خصال الصدوق».
وقال «عليه السلام» ايضا:
(من كان عليه دين ينوي قضاءه كان معه من الله حافظان يعينانه على الأداء عن أمانته ، فان قصرت نيته عن الأداء قصر عنه من المعونة بقدر ما قصر من نيته) «وسائل الشيعة».
5ـ يجب إمهال المدين العاجز:


اذا لم يكن المدين قادراً على اداء دينه حتى ببيع ما يزيد حاجته من امواله وجب على الدائن اعطاؤه مهلة حتى يدفع اليه عند التمكن، ويحرم عليه مطالبته وايقاعه في المشقة والحرج، كما يقول تعالى في القران الكريم :
«وإن كانَ ذو عسرةٍ فنظرةٌ الى ميسرةٍ، وان تَصدّقوا خيرٌ لكم إن كنتمُ تعلمون» (1)حيث انه اذا إسترجعه منه كان كسائر الأموال منتهيا، أما اذا عفا عنه وتصدق به فانه سيكون عند الله امانة يستفيد منها دائما.
يستفاد من هذه الآية الشريفة أمران :
احدهما: وجوب الإمهال للمدين العاجز عن الأداء،

(1) (البقرة 280 ).
الذنوب الكبيرة - 2 18



والآخر: استحباب العفو عن الطلب والتصدق به .
وفي الروايات الكثيرة اشارة لكلا الموضوعين.
يقول رسول الله « صلى الله عليه وآله»:
(وكما لا يحل لغريمك ان يمطلك وهو موسر فكذلك لا يحل ان تعسره اذا علمت انه معسر)«وسائل الشيعة» .
ويقول الإمام الصادق «عليه السلام »:
(إياكم واعسار أحد من اخوانكم المسلمين ان تعسروه بشئ يكون لكم قبله وهو معسر، فان أبانا رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان يقول : ليس لمسلم ان يعسر مسلماً، ومن انظرَ مُعسراً أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله)«الوسائل /أبواب الدين» .
وقال «عليه السلام»:
(من أراد أن يظله ألله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فلينظر معسرا أو ليدع حقه)«وسائل الشيعة».
وقال الامام الباقر «عليه السلام»:
(يبعث يوم القيامة قوم تحت ظل العرش وجوههم من نور ، ولباسهم من نور، جلوس على كراس من نور ـ الى ان قال :
فينادي منادٍ هؤلاء قوم كانوا ييسرون على المؤمنين وينظرون المعسرَ حتى ييسر) «وسائل الشيعة» .

ثواب صدقة لكل يوم:

روى الكليني عن الامام الصادق «عليه السلام» قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : (من انظر معسراً كان له على ألله في كل يوم صدقة بمثل ماله عليه حتى يستوفي) «وسائل الشيعة».
يعني له بكل يوم يمهله فيه ثواب ما لو أخذ المال كله وأنفقه في سبيل الله.
وفي هذا المجال روايات عديدة، يكفي منها ما تقدم . ويجب ان يعلم أن من

الذنوب الكبيرة - 2 19


جملة موارد حبس الحقوق عدم اداء الخمس والزكاة او التساهل في دفعها ، وحيث ان منع الزكاة من جملة الذنوب الكبيرة ورد فيه نص خاص، لذا سنذكره مستقلاً قريباً «ان شاء الله».
6- الله (تعالى) يتلافى:


المستفاد من الروايات انه إذا مات المدين قبل اداء الدين ، ولم يؤخذ الدين من ماله بعدئذ، ولم يعفه صاحب الدين، وكان ذلك في صورة عدم وجود اي تقصير منه في دفع الدين ولم يكن الإقتراض لاجل امر حرام ، ولم يتسامح في ادئه، بل كان من نيته دفعه اليه، كما لم يكن لديه مال يوصي به ، فان الله تعالى سوف يرضي الدائن يوم القيامة من فضله.
كما ورد في (وسائل الشيعة) ان محمد بن بشر دخل على الإمام الصادق«عليه السلام» وكان مديناً الى (شهاب) بألف دينار فسال الإمام الصادق (عليه السلام) أن يكلم شهابا حتى ينقضي موسم الحج،فأرسال إليه ألإمام «عليه السلام» فاتاه فقال له : قد عرفت حال محمد وانقطاعه الينا ، وقد ذكر ان لك عليه الف دينار لم تذهب في بطن ولافرج ، وانما ذهبت دينا على الرجال ، ووضائع وضعها ، فانا أحب ان تجعله في حل ، وقال «عليه السلام» لعلك ممن تزعم انه يقبض من حسناته فتعطاها، فقال : ذلك هو في ايدينا ، فقال «عليه السلام»: الله أكرم وأعدل من ان يتقرب اليه (عبده)فيقوم في ذلك الليلة القرة ، ويصوم في اليوم الحار ويطوف بهذا البيت ثم يسلبه ذلك فتعطاه ، لكن لله فضل كثير يكافي المؤمن فقال شهاب : هو في حل.
7ـ يعطى للدائن من الحسنات :


اذا كان مقصرا في اداء الدين بان كان قد اقترض المال ليصرفه في امر حرام، او انه قصر في اداءه مع قدرته ، ثم لم يدفع من ماله بعد موته ، ولم يعفه الدائن، فيوم القيامة يؤخذ من حسناته بمقدار الدين وتعطى للدائن، وان لم يكن لديه حسنات او كانت

الذنوب الكبيرة - 2 20


قليلة اضيف اليه من ذنوب الدائن. وقد صرح بهذا الموضوع في عدة روايات.
عن الإمام الصادق «عليه السلام» انه قال:
(ان اشد ما يكون الناس حالا يوم القيامة ان يقوم اهل الخمس فيتعلقون بذلك الرجل ، فيقولون ربنا ان هذا الرجل قد اكل خمسنا وتصرّف فيه ولم يدفعه الينا فيدفع الله إليهم عوضه عن حسنات ذلك الرجل وكذلك اهل الزكاة) «لآلي الأخبار /549».
روي عن احدهم عليهم السلام:
(يؤتى يوم القيامة بصاحب الدين يشكو الوحشة ، فإن كانت له حسنات أخذ منه صاحب الدين، وان لم يكن له حسنات ألقي عليه من سيئات صاحبه) «بحار ألأنوار».كتاب العقود وألإيقاعات.
وورد التصريح في روايات كثيرة بأن من كان في ذمته حق الناس لم ينجو حتى يرضي أصحاب الحق أو يؤخذ من حسناته، او يوضع عليه سيئاتهم، او يعفوعنه الله تعالى بشفاعة اهل البيت عليهم السلام.
8ـ بأي مقدار تكون المعاوضة:


الله ورسوله أعلم بكيفية هذه المعاوضة التي يطرح فيها مقدار من الحسنات في مقابل الدين، ولا طريق لنا لمعرفة ذلك ، ولا لزوم له . نعم في الروايات اشارة الى بعض مراتب ذلك حيث قال «عليه السلام» (يؤخذ ستمائة صلاة بدرهم).
وقال«عليه السلام» (يؤخذ بدانق فضة سبعمائة صلاة مقبولة فيعطاها الخصم).
على اي حال ما اصعب ان يفارق الإنسان الدنيا وهو مدين، فيجب على كل واحد أن يسعى قبل الموت أن لا يبقى عليه دين، وإذا كان عاجزا عن أي طريق ، عليه أن يتوسل باهل البيت «عليه السلام»ليرضواعنه الخصماء.
قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
(ليس ذنب اعظم عند الله بعد الكبائر التي نهى الله عنها من رجل يموت وعليه

الذنوب الكبيرة - 2 21


دين لرجل وليس له ما يقضي عن) (1).

(1) جاء في كتاب (دار السلام) للمحقق النوري نقلا عن كتاب نور العيون، ان السيد العالم الزاهد السيد هاشم الحائري قال استقرضت من بعض اليهود مائة دينار، واشترطت ان اوفيها في ظرف عشرين يوما كل يوم نصف عشرها، فأوفيت قسط عشرة ايام ، ثم طلبته ـ اليهودي ـ فلم اجد له اثرا ، وقيل انه ذهب إلى بغداد فرأيت في المنام كأن القيامة قد قامت وجُمع الناس في موقف الحساب ، وجيء بي وبآخرين عند الموقف والعرض على الله، فاذن لي بفضله ومنّه ان ادخل الجنة فأرسلني اليها، فلما قصدتها رأيت الصراط على جهنم ، ففزعت من زفيرها وشهيقها ولما وصلت اليه رأيت غريمي اليهودي كحجرة نار خرجت من جهنم، ووقف على الصراط ، وصدّ عنى الطريق ، وقال: أعطنى خمسين دينارا، ثم اقبل على شأنك ، فكلما تضرعت وقلت : كنت اطلبك دائما ولم آل جهدا في ايصالها اليك لم يفده شيئا، وقال: صدقت ولكن لا تجوز من الصراط إلا ان توفيني حقي ، فلما رايت اصراره بكيت وتضرعت وقلت : ليس عندي الآن شيء اقضي به حقك، فقال اليهودي : دعني اضع اصبعا واحدا مني على عضو من أعضائك،فرضيت بذلك لصده وإبرامه فيه، فوضع اصبعه على صدري فانتبهت من الم حرقته، فرايت صدري مجروحا هكذا ، والى الان انا مشغول بمعالجة، ولا اجد اثرا من اليهودي، ثم كشف صدره فرأى الناس الجراحة المنكرة فيه، وارتفعت اصواتهم بالبكاء والعويل «الجزء2/190.»

كما جاء في (بحار الانوار )عن احمد بن ابي الجوزي انه قال: كنت اتمنى ان أرى في المنام (ابو سليمان الداراني) الذي كان من العباد الزهاد، فرأيته بعد سنة من وفاته كيف كانت معاملة الله معك؟
فقال : يا احمد يوما ما حين كنت خارجا من باب الصغير رأيت حمل بعير فأخذت منه عودا لا ادري خللت به اسناني ام القيته بعيداً دون ان يبقي في فمي، وانا الان منذ سنة مبتليٌ بالحساب عليه .
ويؤيد هذه القصة الآية الشريفة في وصية لقمان لابنه « يا بنيَ إنها ان تكُ مثقالَ حبةٍ من خردلٍ فتكن في صخرة ٍأو في السمواتِ أو في ألأرض يأت ِبها الله » .
كما كتب أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالة الى محمد بن ابي بكر: «وإعلموا عباد الله ان الله عز وجل سائلكم عن الصغير من عملكم والكبير «ويكفي في هذا المقام قوله تعالى «فمن يعملُ مثقالَ ذرة ٍخيراً يره، ومن يعملُ مثقالَ ذرةٍ شراً يره».
كما نقل في كتاب (دار السلام)عن السيد حسن بن السيد علي الاصفهاني انه قال: كنت مشغولاً بطلب العلم في النجف الأشرف حين مات أبي، وتعهد بأعمال أبي بعض أخوتي ولم يكن لي علم بتفاصيلها ، وبعد مضي سبعة شهور من وفاته توفيت امي في أصفهان ، وحملوا جنازتها الى النجف الأشرف، وفي ليلة من تلك الليالي رايت والدي في المنام فقلت له انك توفيت في اصفهان وانت الان في النجف الاشرف ، فقال بلى بعد وفاتي نقلوني الى هذا المكان ، فسألته عن والدتي قريبة منك؟ فقال هي في النجف ولكن في مكان آخر ، وعلمت انها ليست بدرجة ابي فسألته عن حاله فقال : كنت في الضيق والشدة والآن ارتحت منها فتعجبت وقلت : هل مثلك من يعذب ؟ فقال نعم ان الحاج رضا ابن (اقا بابا) كان له عليّ دين وكان يطالبني به لذا كنت في شدة.
=

الفهرس التالي التالي