لقد شيعني الحسين (ع) 196

سبق أن ذكرنا ، يشكل إحدى مكونات الاجتماع العربي حتى مع وجود الإسلام ، والبنية المجتمعية للعرب ، كانت ولا تزال تنتج - باستمرار نزوعا قبليا ضمن أنماط شتى في السلوك السياسي والاجتماعي . . ومن أولئك الذين ثاروا عليه ، رجال كانوا غير متضررين اقتصاديا . ويذكر التاريخ أن عبد الرحمن بن عوف الذي أثبته في الخلافة ، كان قد أنكر عليه ، إذ رآه ينهج هذا النهج . وعبد الرحمن رغم أنه بلغ غناه مداه في عهد عثمان ، ورغم مصاهرته لعثمان ، ورغم تجاوزه للحق الشرعي ، في خلع علي (ع) (117) عن الخلافة وتثبيت عثمان . . فإنه يأبى أن ينهج عثمان ، نهجا يقوي فيه (عشيرته) . ومثل ذلك طلحة . فلم يكن هو الآخر ، متضررا من الحالة الاقتصادية ، بل لقد كانت غلته يومذاك من العراق تعد بألف دينار كل يوم مثل عبد الرحمن بن عوف الذي كان على مربطه ألف فرس وألف بعير وعشرة آلاف من الغنم . . ولكن القضية لها خلفيات أخرى .
فلا زهرة من عبد الرحمن ، ولا تيم من طلحة ، براضية بهذا الوضع الذي آل إليه الأمويون بمؤازرة عثمان ، حيث حملهم على رقاب الناس . لقد سلب عثمان إرث آل البيت (ع) وهو (فدك) وأقطعها واحدا من عشيرته وهو مروان ، وفي ذلك مهانة لبني هاشم لها أن تقرع الوجدان العربي . وكذلك لما رأوا عثمان يستقبل (الحكم) طريد الرسول صلى الله عليه وآله في المدينة ، ليقضي بطرد أحد سادة العرب والمسلمين أبي ذر إلى الربذة . لقد رأوا العرب من مختلف القبائل ، إن هذا هو عثمان ، وإن عشيرة بني أمية راحت تطأ كل العشائر .
وحيث إن عثمان أظهر توجهه العشائري للمسلمين ، وأفصح عن وجهة نظره الخاصة تجاه أقربائه ، واعترف لهم أنه يعمل بمقتضى الاجتهاد . لذلك أحيا فيهم النخوة العربية ، والنزعة القبلية مجددا ، فراحوا يفكرون في الثورة والتغيير .

الفئة الثالثة :

انطلقت هذه الفئة من الخلفية الاصلاحية ، متجاوزة كل الخلفيات الأخرى .

(117) أقول إن الإمام علي (ع) أنزله الدهر ، حتى أضحى يشرط عليه سفالة العرب ، شروط خلافة الأمة!! .
لقد شيعني الحسين (ع) 197

فهي الفئة الحضارية الوحيدة التي تميزت منطلقاتها في الرفض ، وهي الفئة المعارضة في زمن الخليفتين أيضا . وتتشكل من آل البيت (ع) بقيادة الإمام علي (ع) وقوم لهم سابقة في الإسلام وممن أخلص الصحبة . منطلقهم هو الاصلاح عبر تحقيق الإمامة! ويشهد التاريخ ، بأنهم ظلوا مخلصين لهذا التوجه ، ومات كثير منهم في هذا الخطر .
وكان عمار بن ياسر منذ البداية مع الإمام علي (ع) ، ومن الذين رفضوا بيعة أبي بكر . واستمر رافضا بيعة عمر إلا قهرا . ورفض بيعة عثمان ، وما زال ضده حتى قتل ، واستمر كذلك حتى استشهد في (صفين) ، حيث يقاتل في جيش الإمام علي (ع) : (118) هؤلاء كانوا هم رواد الاصلاح في المجتمع الإسلامي .
فكانوا ينطلقون من هذه الخلفية . بيد أن ذلك لا يمنعهم من توظيف الحالة الاجتماعية في خط التحريض على الانقلاب .
وكان هؤلاء يتحركون على صعيدين ، الأول : توفير عوامل الهدم من خلال زرع قناعات سلبية تجاه حكومة عثمان ، الثاني : توفير عوامل البناء ، من خلال الطرح الإيجابي وهو الدعوة إلى خط (آل البيت (ع)) .
ذكر ابن أبي الحديد ، أنه تكلم بنو هاشم وبنو أمية (أثناء مشاورات الستة بعد مقتل عمر) وقام عمار ، فقال : أيها الناس ، إن الله أكرمكم بنبيه وأعزكم بدينه ، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم! فقال رجال من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سمية ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها) . وذكر أن المقداد قال في نفس المقام : (تالله ما رأيت مثل ما أوتي إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم ، واعجبا لقريش! لقد تركت رجلا ما أقول ولا أعلم أن أحد أقضى بالعدل ولا أعلم ولا أتقى منه! أما والله لو أجد أعوانا! فقال عبد الرحمن : إتق الله يا مقداد ، فإني خائف عليك الفتنة .

(118) ونحن نتسأل ، ما السر وراء هذا الالتزام بخط علي (ع) من قبل صحابي كبير وابن أول شهيدين في الإسلام . فهل هناك قرابة تشدهما أو مصالح دنيئة تجمع بينهما .
لقد شيعني الحسين (ع) 198

لقد كان هؤلاء وأمثالهم يمارسون نمطا من التحرك ، يجمع بين نقد الواقع وتحريض الناس ، وبين الدعوة إلى خط آل البيت (ع) .
فآخذت هذه الفئة عثمان ، على قضايا كثيرة ، تتجاوز في أهميتها واقع التفاوت الطبقي والعشائري ، لتحاكمه على قضايا دينية وعقيدية محضة! ومن جملة ما أحصته عليه :
(1) عدم إقامته الحد ، على قاتل الهرمزان ، وأبي لؤلؤة وامرأته وطفلة صغيرة . ولم يستجب للقضاء الشرعي الذي صدر يومها عن الإمام علي (ع) ، وهو الحكم الوحيد الذي ينسجم مع الشريعة الإسلامية .
(2) استرجاع الحكم بن أبي العاص إلى المدينة ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وآله قد نفاه ورفض عليه البقاء فيها كما أثبت المؤرخون . وقد ذكر الواقدي أن الرسول صلى الله عليه وآله قال له : لا تساكني في بلد أبدا ، فجاء عثمان فكلمه فأبى ، ثم كان من أبي بكر مثل ذلك ثم كان من عمر مثل ذلك .
(3) ضربه عمار بن ياسر ، وكذلك بن مسعود حتى كسر ضلعه ، بعد أن عزله وقطع عليه العطاء .
(4) نفيه أبا ذر الغفاري إلى الربذة .
(5) مصادرته فدك من بني فاطمة الزهراء (ع) وإقطاعها مروان .
(6) جعله الإمارة دولة بين أقربائه وعزله الصحابة الكبار عنها .
(7) حرقه للمصاحف (119) .

(119) الغريب في الأمر أن البعض أولها تجلبنا للفتن وتعدد القراءات وما أشبه . بيد أن التاريخ يؤكد أن عثمان ركز مثلا على مصحف (ابن مسعود) وهذا صحابي من حفاظ القرآن وقرأته ، فكيف يكون مصفحة فتنة . اللهم إلا أن عثمان يخشى أن يكون في مصحف بن مسعود تأويلات من جنس ما لا يتفق مع مصلحته .
لقد شيعني الحسين (ع) 199

(8) تأميره الطلقاء على المسلمين واستشارتهم وإهمال مشورة الصحابة الكبار .
كانت هذه باختصار هي الفئات الرئيسية للتمرد . والدليل على ذلك أنها تفرقت وجهاتها بعد مقتل عثمان ، فمنهم من أكمل الدرب على نهج الاصلاح منضويا تحت راية الإمام علي (ع) ومنهم من راح يلتمس له أسباب الغنى .
وآخرون اكتفوا بمقتل عثمان ، كانتقام للحالة العشائرية .
وكان الصنف الذي يبحث عن المال ، قد رجع وانخرط في جيش معاوية فيما بعد ، فنال بذلك ثمن الردة والنفاق ، من عطاء أهل الشام .
كانت خلافة عثمان منذ البداية مهندسة على هذا الشكل ، وهو أن يستفيد القدر الممكن من الخلافة ، ثم يسلمها على غرار سابقيه إلى صهره (عبد الرحمن بن عوف) ، لتبقى دولة بين عصابة من زهرة وابن أبي معيط وبني أمية . والإمام علي (ع) سرعان ما أدرك اللعبة وهو يقول بعد أن انزاحت الخلافة عنه : ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا ، (فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون) ، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك) (120) .
بقي عثمان حريصا على مخططه ، كيف لا وعبد الرحمن بن عوف هو الذي سلمها إياه . ولم يكن ليسلمها له ، لولا أنه عرف نفسه غير مرغوب فيه . ويبدو أن عثمان أراد أن يستجيب للوعد ولكنه خاف على نفسه ، ولم يستطع الوفاء بوعده لعبد الرحمن ، فربما تغيرت وجهة نظره ، فرأى أن يسلمها لواحد من أقربائه .
كتب له حمران مولاه ، فأنكر عليه شيئا ، فنفاه إلى البصرة ، فلم يزل بها حتى قتل عثمان . ويذكر مسكويه في تجاربه ، سبب سقوط هذا الكاتب من عين عثمان وسبب نفيه إياه فقال : إن عثمان اشتكى شكاة ، فقال له :
(أكتب العهد بعدي لعبد الرحمن بن عوف) .
فانطلق حمران إلى عبد الرحمن بن عوف فقال له :
(البشرى!) .

(120) تاريخ ابن الأثير (ص 71 ج 3) .
لقد شيعني الحسين (ع) 200

فقال : (لك البشرى ، فماذا؟ .
فأخبره الخبر . فصار عبد الرحمن إلى عثمان ، فأخبره بما قال حمران ، فقلق عثمان ، وخاف أن يشيع ، فنفاه لذلك .
ربما غير وعده ولذلك لا بد لعبد الرحمن بن عوف أن ينتقم ، ولكن تحت غطاء آخر . يذكر التاريخ أن عبد الرحمن انقلب بعد ذلك على عثمان لما رآه أخلف الوعد وانحاز إلى عشيرته .
وليس هذا الوعد ب‍ (سيرة الشيخين) فعبد الرحمن منذ البداية يعرف أن تقريب عثمان لعشيرته أمر وارد وحقيقي . وعمر بن الخطاب نفسه قال ذلك أمامهم ، يروى عن ابن عباس أنه قال : (فقلت عثمان بن عفان؟) قال (يعني عمر) : إن ولي حمل ابن أبي معيط وبني أمية على رقاب الناس وأعطاهم مال الله ، ولن ولي ليفعلن والله ، ولئن فعل لتسيرن العرب إليه حتى تقتله في بيته ثم سكت) (121) .
وحتى نستطيع فهم طبيعة الخلاف بين عثمان وعبد الرحمن بن عوف ، لا بد أن نفرض سؤالا : كيف تتحول المودة بين عشية وضحاها إلى عداوة قاتمة؟! لعل السبب هو هذا العهد . لقد روي أن عثمان اعتل علة اشتدت به فدعا حمران بن أبان ، وكتب عهدا لمن بعده ، وترك موضع الاسم ، ثم كتب بيده : عبد الرحمن بن عوف ، وربطه وبعث به إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فقرأه حمران في الطريق فأتى عبد الرحمن فأخبره ، فقال عبد الرحمن ، وغضب غضبا شديدا : استعمله علانية ، ويستعملني سرا . ونما الخبر وانتشر بذلك في المدينة . وغضب بنو أمية ، فدعا عثمان بحمران مولاه . فضربه مائة سوط ، وسيره إلى البصرة .
فكان سبب العداوة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف) (122) .
نعم ، لقد استعمله علانية ، وبذلك استطاع أن يثبته في الخلافة غير أن عثمان

(121) تاريخ اليعقوبي (ص 158 ج 2) .
(122) اليعقوبي (ص 2 169 ج 2) دار صادر .
لقد شيعني الحسين (ع) 201

فعل ذلك سرا . وعلم عبد الرحمن إن العهد سرا بالخلافة لا يمكنه من ركوبها . إنه يريد منه علانية على غرار عمر وأبي بكر . فلما أحس بذلك علم أن عهده قد نكث ، فعاداه . هذه العداوة التي ستنتهي إلى التفكير في الانتقام . كيف لا ، وعبد الرحمن بن عوف ، قد زهد في كل شئ وغامر بكل مكتسباته ليثبت عثمان .
لقد أفسد علاقته مع علي (ع) وشيعته . وسقط من أعين الصحابة الكبار .
لذلك سيحاول عبد الرحمن ، استدراك الخطيئة ، ليتقرب إلى علي (ع) من جهة ، ويسقط عثمان من جهة أخرى . وقد تحين الفرص كلها من أجل إسقاط عثمان . حتى إذا كان وفاة أبي ذر في الربذة ، استغلها كورقة سياسية ودينية في نعي عثمان . يروي الواقدي : لما توفي أبو ذر بالربذة ، تذاكر علي وعبد الرحمن فعل عثمان . فقال علي (ع) له هذا عملك ، فقال عبد الرحمن فإذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي ، إن خالف ما أعطاني) . وهذه (أعطاني) تدل على أن عبد الرحمن صادق وذكي لما قالها في صيغة المجهول . فأعطاني ، أي وعد الخلافة! .
أمام هذا الواقع المتموج بالرفض والتمرد . كان لا بد لعثمان أن يسلك نهجا سياسيا يقيه من ضربات المعارضة ، ويجنبه خطر السقوط فما هي الإجراءات التكتيكية ، التي اتخذها عثمان ، لتطويق حالة الرفض الاجتماعي؟ .
لسنا طبعا مثل طه حسين ، لما حرص على إيجاد المبررات التاريخية للفتنة الكبرى . قال إنهم معذورون؟ لأنهم لم يعرفوا حتى ذلك الزمان ، معنى الدستور! أقول ، إن السيطرة على الظلم في مجتمع بسيط هو أسهل بكثير منه في مجتمع مدني معقد . وممارسة العدالة ، كانت منذ غابر العصور فضيلة تذكر في الأمم . بل إن العدل كان يمارس كفضيلة أخلاقية إلى جانب كونه قيمة حقوقية .
ومن جهة أخرى فإن السياسة حتى في زمن عثمان ، لم تكن تمارس بسليقة اجتماعية كما يتصور البعض . إنما كانت تمارس بتخطيط محكم . والمستشارون الذين اعتمدهم عثمان ، كانوا من دهاة العرب . و (السترجة) العثمانية في تحجيم دائرة الرفض ، وتوفير التهدئة الضرورية ، كانت تتجسد في ثلاثة مسالك :

لقد شيعني الحسين (ع) 202

المسلك الأول :

تحقيق نوع من الافراط ، والتضخيم في النشاط البراني للمجتمع الإسلامي .
إذ أن سياسة تصدير الأزمات ، وبالتالي الاهتمامات إلى الخارج ، ليس وليد السياسة المعاصرة . بل هي قديمة قدم الاجتماع البشري ، ومنذ نشوء السلطة في المجتمع الإنساني . وهي السياسة التي تفوت الاهتمام بالداخل إلى قضايا الخارج ، وتوجيه الهم المجتمعي إلى أزمات الخارج ، ومن ذلك ، الحروب التي تخلقها بعض الدول ، لتصرف أنظار المجتمع إلى الجبهات . وبالتالي ، تتجنب الاضطرابات في الداخل . وكان عثمان بن عفان حريصا على خلق واقع من النشاطات البرانية ، ليبعد الأنظار عن سياسته ، ومفاسده الداخلية . فشجع الفتوحات ، وألهى بها المسلمين .
والتاريخ يثبت أن الفتوحات التي كانت تجري في هذا العصر وما بعده . لم تكن ذات هدف ديني خالص ، بقدر ما كان العامل التجاري والاقتصادي حاضرا فيها . فكانت الفتوحات تفيض عليهم بالغنائم النفيسة . ولم تكن الأمصار محط اهتمام ديني بقدر ما كانت مستوطنات لبني أمية ، يشيدون فيها قصورهم ، ويكرسون فيها مظاهر الفساد . إن عملية إلهاء الجماهير الإسلامية ، وإشغالها بالحروب ، يلغي الخلفية الإسلامية السلمية ، لحركة الفتح . لقد اشتدت حدة التمرد ، وعم الاضطراب في الداخل والخارج ، وتداول المسلمون قضايا المفاسد وتناقلوها فيما بينهم ، وبدأت سلطة عثمان تدخل شيئا فشيئا نفق الانهيار . في تلك الأثناء ، جمع هيئته الاستشارية ، من الطلقاء ، وضعاف الإيمان ، ليتباحث معهم شؤون الدولة ، وأوضاع المجتمع ، والكيفية التي يتخلص بها من المعارضة ، جمعت الهيئة كلا من معاوية بن أبي سفيان ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وسعيد بن العاص ، وعمرو بن العاص وغيرهم .
فقال عثمان : إن لكل امرئ وزراء نصحاء ، وإنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي ، وقد صنع الناس ما رأيتم وطلبوا إلي أن أعزل عمالي وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبون . فاجتهدوا لي رأيكم ثم أشيروا علي) .

لقد شيعني الحسين (ع) 203

فقال عبد الله بن عامر :
(رأيي لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك ، وأن تجمرهم في المغازي حتى يذلوا لك ، فلا تكون همة أحدهم إلا نفسه : وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته) (123) .
وعليه فإن حركة الفتوح ، لم تعد هدفا رساليا ، مقدسا . كما كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وآله بل تحولت إلى أسهم في بورصة الجهاد . إذ لما كان عثمان قد ولى عبد الله بن عامر البصرة ، وولى سعيد بن العاص الكوفة ، كتب إليهما : أيكما سبق إلى خراسان ، فهو أمير عليها . فخرج عبد الله بن عامر ، وسعيد بن العاص ، فأتى دهقان من دهاقنة خراسان إلى عبد الله بن عامر فقال : ما تجعل لي إن سبقت بك؟ قال : لك خراجك وخراج أهل بيتك إلى يوم القيامة فأخذ به على طريق مختصر إلى (قومس) ، وعبد الله بن حازم السلمي على مقدمته . الخ) (124) وقد كثرت الفتوح التي قادها ضعاف الإيمان ، فتحت هراة ومرو الروذ ، ثم الطالقان والغارياب ، وطخارستان . وأرمينية ، وجرزان . . وكان عثمان قد بعث بجيش ، وجعل معاوية أميرا لهم ، على الصائفة في سنة 32 ، فبلغوا إلى مضيق القسطنطينية وفتحوا فتوحا كثيرة (125) .
لم تكن حكومة عثمان تهئ برنامجا تثقيفيا للبلدان المفتوحة . بل كانت جيوشه تكتفي بإخضاع البلدان إلى الاستسلام ، ثم نهب ثرواتها ، ثم الافساد فيها .
والتواريخ تطفح بالأخبار عن عمال عثمان ، ولهوهم وعبثهم في الإمارات (126) .

(123) تجارب الأمم : مسكويه (ص 273 ج 8)
(124) تاريخ اليعقوبي (ص 116 - 167 ج 2)
(125) نفس المصدر .
(126) حتى يذكر أن الوليد أصبح وهو سكران وصلى بالناس الفجر أربع ركعات .
لقد شيعني الحسين (ع) 204

غير أن الخطة التي دبرها عثمان لتحجيم المعارضة لم تنجح ، لأن فئات التمرد لم تكن واحدة . بل هي مختلفة تماما ، ولكل واحدة خلفياتها في التحرك ، فهناك إلى جانب تلك الفئات ، فئة تتحرك في ضوء هدف ثابت ، هو إسقاط عثمان والخلافة ، وإعادة الأمر إلى أهله من آل البيت (ع) وهؤلاء لم تلههم الفتوحات ، لأنهم لم ينشغلوا بغنائمها . وعليه ، فإن عثمان ، كان هو نفسه مضطرا إلى سلوك أكثر من خطه في القمع السياسي . فكان حتما أن يسلك مسلكا آخر .

المسلك الثاني :

أسلوب القمع ، والتصفية المنهجية للمعارضة . وكان هذا ثاني أسلوب لجأ إليه عثمان ، بعد أن أفلس أسلوبه الأول ، ولم يحقق إلا نتائج وقتية وهذا المسلك يقضي ، بتتبع آثار المعارضة ، والقبض على رموزها ، واتخاذ الإجراءات العنيفة ضدهم . وبكسر شوكة قيادات التمرد تنكسر عصا التمرد كله . وكانت هذه الخطة في بداية المشاورات من وحي سعيد بن العاص . إذ لما جمعهم (عثمان) والتمس آراءهم ، حول مسألة التمرد قال له سعيد :
(يا أمير المؤمنين ، إن كنت تريد رأينا فاحسم عنا الداء ، واقطع ما تخاف من الأصل ، واعمل برأيي) .
قال : (وما هو؟) .
قال : (إن لكل قوم قادة متى تهلك تفرقوا ولا يجتمع لهم أمر .
قال عثمان : (إن هذا الرأي لولا ما فيه) (127) .
كانت هذه الخطة أقرب إلى الحسم من الخطة الأولى ، غير أنها مكلفة ، لأن فيها مواجهة مباشرة بين عثمان وعصابة بني أمية وكبار الصحابة المتمردين . وأدرك عثمان أنه من الصعب أن يتخذ إجراءات حاسمة ومباشرة ضد هؤلاء المهاجرين إلا أنه يفقد أحيانا توازنه ، فيسلك فيهم مسلكا قمعيا ، فتزيد شقة التمرد اتساعا .

(127) تجارب الأمم لمسكويه (ج 1 ص 272) .
لقد شيعني الحسين (ع) 205

وكان من مصلحة عثمان أن يلجأ إلى قتل علي ، وطلحة ، والزبير . . فيما لو أطاع معاوية (128) . لكنه رأى أن ذلك سيؤجج الوضع أكثر مما يخمده . فكان عثمان يبعث بالمعارضين وينفيهم إلى الشام ، حيث معاوية ، يذلهم ويربيهم على الالتزام والصمت (129) .
كانت المعارضة تشتمل كما سبق أن ذكرنا ، مجموعة فئات ، والفئة المركزية ، كانت تتألف من علي (ع) وكبار الصحابة . وحيث إن عثمان لم يستطع تطبيق عقوباته على أولئك الكبار ، بمركزيتهم الدينية والعشائرية في المجتمع ، فإنه لجأ إلى تفريغ جام غضبه على فقرائهم وضعافهم .
لقد عجز عثمان عن معاقبة الإمام علي (ع) لأنه يدرك إن ذلك قد يثير عليه المشاكل ويدخله في المآزق . لأن الإمام عليا (ع) لم يسكت يومها لضعف فيه أو لعجز اعتراه . وإنما حفاظا على تماسك المجتمع . أما وإنهم ليعلمون أنه أسد في عرينه . لذلك اكتفى عثمان بشكايته إلى عمه العباس - حسب البلاذري بإسناده عن ابن عباس - إن عثمان شكا عليا إلى العباس ، فقال له : يا خال إن عليا قطع رحمي وألب الناس ابنك) .
ومثل ذلك كان موقفه من محمد بن أبي بكر ، لمكانته من أبيه وأخته وكذلك حمد ابن أبي حذيفة لمكانته من قريش ، رغم ما أثاروه عليه في (مصر) ، مضايقتهم عامله فيها (عبد الله بن سعد) .
إلا أن عثمان ، لم يسلك نفس الطريق مع ضعاف المعارضة ، الذين ليست لهم قرابة تأويهم ، ولا عشيرة قوية تظللهم ، وبعد أن ضاق بمعارضتهم المستمرة بدأ عثمان ينهج أسلوبه القمعي ، فالظروف لم تعد تسمح له بتوقير الصحابة ، فبدأ إجراءاته بابن مسعود . كان هذا الأخير واليا على الكوفة منذ عمر (130) ،

(128) راجع بن قتيبة في تاريخ الخلفاء .
(129) كما فعلوا بمن تمرد من أهل السواد على سعيد بن العاص الذي أن يسلبهم أرضهم .
(130) وكان في البداية وليه على الشام ثم نقله إلى الكوفة وأوصى الناس أن يتبعوه .
لقد شيعني الحسين (ع) 206

وتولى في عهد عثمان بيت المال في الكوفة في إمارة سعد بن أبي وقاص . وبدأت الأزمة مع عثمان ، لما ولي الوليد بن عقبة ، حيث استقرض من بيت المال ، فلما جاء الأجل ، رجع إليه ابن مسعود ، فراح يتهرب من الأداء ، فأصر عليه ابن مسعود ، فشكاه الوليد إلى عثمان ، وكتب عثمان إلى ابن مسعود :
(إنما أنت خازن لنا ، فلا تعرض الوليد فيما أخذ من بيت المال) فغضب ابن مسعود ، واعتزل ، وكانت تلك بداية الخلاف بين الرجلين . وحيث إن ابن مسعود اعتزل إلى التعليم والتدريس ، وكان له مصحفه الخاص . فإن عثمان كان قد طلب منه مصحفه ليحرقه . وقد رفض ابن مسعود بدعة عثمان في حرق المصاحف ككل ، واعتماد مصحفه الوحيد . وابن مسعود كان يرى نفسه أحفظ لكتاب الله وأعلم به من عثمان وعصابته ، والسيرة تشهد له بذلك . فأبى أن يسلم مصحفه ، ونعى ذلك على عثمان . ولما كتب الوليد إلى عثمان بخصوص ابن مسعود وطعنه فيه ، طلب منه إحضاره إلى المدينة . فلما رآه عثمان وكان يخطب من على المنبر ، قال : ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقئ ويسلح . فقال ابن مسعود : لست كذلك ، ولكني صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم بدر ويوم بيعة الرضوان . ونادت عائشة أي عثمان أتقول هذا لصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أمر عثمان به فأخرج من المسجد عنيفا ، وضرب به الأرض فدقت ضلعه . فلامه علي (ع) على ذلك ، وقال له : تفعل هذا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله عن قول الوليد ، فقال عثمان : ما من قول الوليد فعلت هذا ، ولكني أرسلت زبير بن كثير فسمعه يحل دمي . قال علي : زبير غير ثقة .
بقي ابن مسعود غاضبا على عثمان حتى مات وأمر أن لا يصلي عليه ، فدفن سرا ، وقام بجنازته عمار بن ياسر كما سبق أن ذكرنا . وكان عثمان قد قطع العطاء عن ابن مسعود حتى لما مر بابن مسعود أحس عثمان بالذنب ، أتاه يطلبه ، قال :
ما تشتهي ، قال له ابن مسعود : رحمة ربي . قال عثمان : هل أحضر لك طبيبا ، قال ابن مسعود : الطبيب أمرضني . فقال له عثمان : أرد عليك عطاءك ، فقال : حبسته عني حين احتجت إليه ، وترده إلي حين لا حاجة لي به ، فقال عثمان : يكون لأهلك . فقال ابن مسعود : رزقهم على الله . قال

لقد شيعني الحسين (ع) 207

عثمان : فاستغفر لي يا أبا عبد الرحمن . قال ابن مسعود : أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي ، ولم يكن ابن مسعود هو أول وآخر من سلك فيهم عثمان ، سياسة القمع . فهناك عمار بن ياسر . الذي طالما تمرد وتمرد على عثمان وزمرته . وكان عمار رغم ضعف عشيرته ، ذا مركز اجتماعي كبير ، منحته إياه سابقيته ، وبلاؤه مع الرسول صلى الله عليه وآله وكان كما سبق القول ، ميزانا للحق والباطل (131) . وكذلك حرص عثمان أن لا يمارس عليه القمع مثل ما فعل بالآخرين ، غير أن التصعيد الثوري فرض عليه خيار القمع المضاد للتمرد . ويذكر البلاذري في أنساب الأشراف ، أن عثمان أخذ جواهر من بيت المال فحلى به بعضا من أهله فغضب الناس . فخطب فقال : (لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وآن رغمت أنوف قوام) .
فقال له علي : إذن تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه . وقال عمار : أشهد الله أن نفي أول راغم من ذلك . فقال عثمان : أعلي يا ابن المتكاء تجترئ! خذوه .
فأخذ ، ودخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه . وما زال عمار في مناوئته عثمان ، ومعارضته لسياسته حتى قتل كما أستمر عثمان في ملاحقة المعارضة رموزها . وفي تلك الأثناء كان بالشام أحد كبار الصحابة وطلائع الرسالة ، وهو بو ذر الغفاري (رض) وقد كان رجلا ثوريا لم تثنه لومة ولا ثناء ، عن نصرة لرسالة . وقد قال عنه الرسول صلى الله عليه وآله : (ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء جلا أصدق ذي لهجة من أبي ذر) (132) . ولذلك لما رأى عثمان بالمدينة يقرب أبناء شيرته ويكثر لهم في العطاء من بيت مال المسلمين ، رفع صوته عاليا : (والذين كنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) . فضاق مال عثمان وأقرباؤه بهذا الشعار ، فشكاه مروان بن الحكم إلى عثمان ، فأرسل إليه ثمان ، فرد عليهم أبو ذر : أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك أمر لله : لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي من أن أرضي عثمان بسخط الله .

(131) ورد في الحديث ابن سمية ، تقتله الفئة الباغية .
(132) وفي حديث (يبعث أبو ذر أمة وحده) .
لقد شيعني الحسين (ع) 208

وعندما احتد الصراع بين أبي ذر وعثمان ، وحدت لهجته أمام كعب ، أمره عثمان الالتحاق بالشام . وتلك كانت جزءا من الخطة التي اعتمدها عثمان ، في نفي لصحابة إلى الشام ليذلهم بمعاوية بعيدا عن الأنظار .
غير أن أبا ذر أصدق لهجة من أن تحتويه (ديماغوجية) معاوية بن أبي سفيان .
ذلك أفشل مخطط عثمان ، فكاد يفجر الأوضاع على معاوية في الشام . حيث ستمر على ذات الشعار . وانتقد معاوية انتقادا جذريا ، إذ قال له بعد استنكاره بناء (الخضراء) ، إنه إن كنت بنيتها بمال المسلمين ، فقد خنتهم ، وإن كان ذلك من مالك فهو إسراف . وفي كلتا الحالتين ، يكون سلوك معاوية منحرفا عن خط السياسة الإسلامية فكان يجتمع حوله الناس ويصغون . وعز على معاوية أن يفقد مكتسبات سنوات من التربية الأموية للشام فكتب إلى عثمان ، يستنجده من أبي ذر . فطلب منه عثمان أن يشخصه إليه في أغلظ مركب وأوعره . فلما حضر المدينة ، لم ينته عن أن يصدع بالحق في وجوه الفئات الأرستقراطية الأموية .
واستمر في مهمة التحريض . وكان من مصلحة عثمان والأمويين أن لا يبقى أبو ذر في المدينة ولا في الشام ، ولا في أي أرض يكثر فيها الناس فنفاه إلى الربذة ، حيث لبث فيها إلى أن مات . وتذكر التواريخ ، أنه لم يجد إلا عابري سبيل دفنوه بعد أن عجزت زوجته عن ذلك .
هذا هو النهج القمعي ، الذي مارسه عثمان مع أقرب رجالات الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يرع فيهم شهادة الرسول صلى الله عليه وآله ولا مودته لهم ، بل جن جنونا لم يعد يعترف ألا بمصلحته وأقربائه . وفي نفس الوقت الذي فعل ذلك بالصحابة الكبار ، الذين تمسكوا بخط الرسول وآل بيته . كان يغدق في العطاء للطلقاء من أقربائه . فلقد طرد أبا ذر إلى الربذة ، أحد حواري الرسول صلى الله عليه وآله وأعاد من المنفى خصم رسول الله الحكم بن العاص . وقطع العطاء على ابن مسعود ، ووسع في الإمارة لمعاوية بن أبي سفيان . واغتصب فدكا من ولد فاطمة الزهراء (ع) وأقطعها مروان . ورفض قضاء علي (ع) بخصوص عبيد الله إن عمر وقبل قضاء عمرو بن العاص فيه . وكان عمار بن ياسر قد حزن لما سمع بموت أبي ذر ، وأفصح عن عواطفه تجاهه . فلما رأى منه عثمان ذلك ، ظن أنه يوجه إليه

لقد شيعني الحسين (ع) 209

اللوم فغضب عليه عثمان ، وأمره بالذهاب إلى الربذة . فغضب بني مخزوم وكذا الإمام علي (ع) ولاموا عثمان . فقال هذا الأخير لعلي (ع) .
(ما أنت بأفضل من عمار ، وما أنت أقل استحقاقا للنفي منه .
غير أن عليا (ع) لم يكن إلى هذا المستوى من الضعف ، ولعل عثمان اغتر بنفوذ حكمه العشائري ، غير أن عليا (ع) رد عليه : رم ذلك إن شئت .
وتوسط المهاجرون إلى عثمان ، ولاموه جميعا ، فلم يتخذ إجراءاته في حق عمار ولا علي (ع) . وهذا النهج الذي سلكه عثمان في كبت الرأي ، واستضعاف الكلمة الرسالية وإسقاط مركزية الصحابة ورفع وتوسيع نفوذ بني أمية لم يكن ليقضي على شعلة الإسلام في نفوس الفئة الاصلاحية . ولم يكن القمع يخيف قوما قام على أكتافهم الإسلام ، وخاضوا أشرس الحروب وأضراها ، وقدموا مهجهم في سبيل نصرة الرسالة . لم تكن هذه الأساليب الطاغوتية ، لترد فئة بايعت الرسول صلى الله عليه وآله في بيعة الرضوان على أن لا تفرو الزحف ، وعلى بذل الغالي والنفيس في رفع راية الإسلام . ولذلك ازداد التمرد . وازداد الناس بصيرة في عثمان وأهله . وكان عثمان يقاتلهم قتال من يحرص على ملكه لا من يهدف خلافة الرسول في مسؤولية الأمة .
لكن عثمان رغم ذلك لم ييأس في محاولاته في لمحاصرة المد الثوري . فراح يطبق خططه الأخرى مع خططه الأولى ومن ذلك :

المسلك الثالث : -

كان هذا المسلك هو التخفيض من الاتجاه الأيديولوجي الإسلامي للمجتمع ، بحيث ، لا تبقى روح الإسلام تغزو كل قلب ، مما يجعل الناس يشعرون بالمسؤولية تجاه مفاسد السلطة . لأن تعاظم الأيديولوجية الإسلامية في نفوس المجتمع ، هي التي تخلق حالة من اليقظة والرقابة فيه . وحاول أن يسلك طريق التمييع للمجتمع عبر وسيلتي التفقير ، والإغناء . التفقير للعناصر المتمردة عشائريا . والإغناء . للفئات المتمردة دينيا واقتصاديا ، الأولى بمقتضى (جوع كلبك يتبعك) والثانية بمقتضى (اشتر صمت عدوك بالمال) .

لقد شيعني الحسين (ع) 210

لذلك لجأ إلى إغراق المجتمع في الحاجة والتطلب المادي . كان رأي عثمان ، أن يشرك الفئة المتمردة من كبار الصحابة في العطايا . كما استوحى فكرة الانحراف بالمال ، على الفئة المتمردة اقتصاديا ، من عميله عبد الله بن سعد ، حيث لما استشاره من بين مستشاريه قال : (يا أمير المؤمنين ، الناس أهل طمع ، فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم) (133) .
ويذكر مسكويه في تجاربه إنه تم فعلا تطبيق هذه الخطة بأشملها : فرد عثمان عماله على أعمالهم ، وأمرهم بالتضييق على من قبلهم ، وأمرهم بتجمير الناس في البعوث وعزم على تحريم أعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا إليه . ورد سعيد بن العاص أميرا على الكوفة (134) .
وكان أول ما منع عثمان ، عطاء ابن مسعود - كما تقدم ومكن للزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف . . فكانوا من أثرياء العرب يومها .
وحاول ذلك مع أناس كثير فرفضوا إغراءه . وكان محمد بن أبي حذيفة ممن ألب عليه بمصر . وأرسل عثمان على أثر ذلك بمال وكسوة ، فرفض الفتى ذلك في المسجد وقال : انظروا يا معشر المسلمين إلى عثمان! يريد أن يخدعني عن ديني بالرشوة .
وقد سبق لعثمان أن عزل عبد الله بن الأرقم ، أو بالأحرى هو استقال لما ادعى عثمان إنه خازن لبيت أهله . وأعطى المفاتيح بعده لزيد بن ثابت . ويروي الواقدي : إن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت مال المسلمين إلى عبد الله بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلثمائة ألف درهم . فلما أدخل بها عليه ، قال له :
يا أبا محمد إن الأمير عثمان أرسل إليك يقول : إنا قد شغلناك عن التجارة ، ولك رحم أهل حاجة ، ففرق هذا المال فيهم ، واستعن به على عيالك .
فقال عبد الله بن الأرقم : ما لي إليه حاجة . وما عملت لأن يثيبني عثمان والله

(133) مسكويه في التجارب / ص 272 / ج 1 .
(134) نفس المصدر وكذلك ذكره الطبري .

السابق السابق الفهرس التالي التالي