لقد شيعني الحسين (ع) 178

الصغير الذي وجد نفسه مقطوع النسب ، لا يجد ما يفاخر به أبناء جيله ، و (النسب) عند العرب يشكل عقدة للكبار ، فكيف بالصغار! والواقع هو أن الحالة النفسية عند عمر تشكلت ضمن هذه العوامل الاجتماعية ، مما كون عنده عقدة النقص ، وما تولد عنها من روح عدوانية ، ونزعة تعويضية هازلة .
هكذا ، وخلافا لما وصفه به العقاد وغيره ، يمكننا اكتشاف الأسباب التي جعلت عمر بن الخطاب يكون على ذلك الطبع من الفظاظة والحدة . فلم ينجح أحد من درته أصلا . وأول ما ضرب عمر بدرته أم فروة بنت أبي قحافة لما توفي أبو بكر ، وبكت على أخيها ومعها مجموعة نساء ، فأخرج عمر درته ، وعلا بها أم فروة ، فهربت الأخريات ، وقيل : درة عمر أهيب من سيف الحجاج (106) يقول ابن أبي الحديد المعتزلي : (وكان في أخلاق عمر وألفاظه جفاء وعنجهية ظاهرة (ويروى أن عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة ، وارتد إلى نصرانيته ، وذلك بسبب لطمة لطمها ، ويروى أنه قال بعد أن ندم على ارتداده :
تنصرت الأشراف من أجل لطمة و ما كان فيها لو صبرت لها ضرر
فيا ليـت أمي لـم تلدني و ليتني رجعت إلى القـول الذي قـال عمر

هذه الفظاظة والعنجهية ، والقمع الاجتماعي الذي ميز خلافة عمر ، أثار عليه جبهتين :
الأولى : - قوم شرفاء ساءهم أن يكون عمر أميرا عليهم مسفها لهم . لا يوقر كبيرا ولا صغيرا (107) .

(106) ابن أبي الحديد - شرح النهج .
(107) (يروى أنه رأى شيخا يسير الهوينا فقال من هذا قالوا رجل متنسك ، ، فضربه بالدرة قائلا :
(لا تمت علينا ديننا أماتك الله . هل ضرب هكذا رجل ظلما حقا في نظر منهج النبوة)؟! .
لقد شيعني الحسين (ع) 179

الثانية : - قوم أرادوا تجميع الأموال كابن العاص ، وأبي هريرة والمغيرة بن شعبة ومعاوية و . . فساءهم استفزاز عمر لهم . وإن كان محتفظا بإمارتهم .

3 - الشذوذ الفقهي :

يؤخذ على عمر بن الخطاب ، أنه خلافا لما يدعي مؤرخو البلاط ، رجل عديم الملكة الفقهية . وليس هذا فحسب بل متجرئ على الفتوى فكان يأتي بالنوادر ، متجاوزا كل النصوص . يقول ابن أبي الحديد : (وكان عمر يفتي كثيرا بالحكم ثم ينقضه ، ويفتي بضده وخلافه ، قضى في الجد مع الأخوة قضايا كثيرة مختلفة ، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة فقال : من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد رأيه (شرح النهج ج 3 ص 181) .
واعترف غير مرة بقصوره الفقهي أمام جمهور المسلمين ، وشاع عنه قوله (كل الناس أفقه من عمر) .
وفي إحدى المناسبات قال : لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها ، فقالت له امرأة ، ما جعل الله ذلك أنه تعالى قال :
(وآتيتم إحداهن قنطارا ، فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) (سورة النساء آية 30) فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال) .
ويمكننا تلخيص بعض ما ورد عن شذوذه الفقهي الذي رفضه الصحابة ، ورأوه مخالفة للقرآن وسنة النبي صلى الله عليه وآله ما يلي :
1 - حكم عمر بالقضاء على مجنونة قد زنت (الحاكم والبيهقي وأبو داوود) .
2 - حكم عمر على المضطرة بالحد (البيهقي ابن الجوزية) .
3 - حكم عمر بحرمة المتعتين (الحج والزواج) ، (الصحاح) .
4 - حكم عمر بإلغاء (حي على خير العمل) في الأذان بعد إن كانت مشروعة في عهد الرسول صلى الله عليه وآله .

لقد شيعني الحسين (ع) 180

5 - عمر يزيد في الآذان (الصلاة خير من النوم) .
لقد كان عمر مندفعا إلى العمل بالرأي ، حتى في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وكثيرا ما أثار متاعب للنبي صلى الله عليه وآله ولقد خالف الرسول صلى الله عليه وآله في كثير من المواطن فكيف به إذا استتب له الأمر ، ولم يجد له سلطانا رادعا .
وهكذا كانت سيرة عمر ، وتلك هي بعض ما أخذ عليه . أما قمة الرزية ، فهي عندما قتل ، ولعب مرة أخرى بالخلافة ومنعها عن الإمام علي (ع) .

لقد شيعني الحسين (ع) 181

الخلافة بعد وفاة عمر

دخلت (الخلافة) في المشهد الثالث من لعبتها ، لتفضي ، ويفضي معها الاختيار الأرعن إلى أسوأ وضع عرفته الأمة وإلى أول اهتزاز سياسي شهده المجتمع الإسلامي .
لقد طعن عمر في يوم الأربعاء ، ومات يوم الخميس حسب صاحب أسد الغابة وبعد ذلك ترك الخلافة في ستة أشخاص . إنني ما زلت أرى أن عمر بن الخطاب أبدا لا يزهد في الخلافة . وعديم الدهاء إلا في استخلافه (الستة) وإذا ما أمعنا النظر في ملابسات الخلافة بعد مقتل عمر . سوف يتبين لنا أمرها كالشمس في رائعة النهار . والحكاية كالتالي :
(لما قتل بن الخطاب ، قيل له على أثر طعنه : (108) . (استخلف) فقال :
(عليكم هؤلاء الرهط الذين توفي رسول الله ، وهو عنهم راض : علي وعثمان بن عفان ، وعبد الرحمن وسعد خال رسول الله والزبير بن العوام بن عمته ، وطلحة . فليختاروا رجلا منهم ويشاوروا ثلاثة أيام وليصل بالناس صهيب ، ولا يأتين اليوم الثالث إلا وعليكم أمير منكم ، ويحضر عبد الله بن عمر مشيرا ، ولا شئ له من الأمر . وطلحة شريككم في الأمر . فإن قدم في الأيام الثلاثة فاحضروه أمركم ، وإن مضت الأيام الثلاثة قبل قدومه فاقضوا أمركم . ثم قال

(108) الطبري وآخرون بألفاظ شبه مختلفة ، كابن قتيبة ، وبن أبي الحديد في الشرح وأخرين .
لقد شيعني الحسين (ع) 182

لأبي طلحة الأنصاري ، (إن الله تعالى طالما أعز الإسلام بكم ، فاختر خمسين رجلا من الأنصار ، فاستحث هؤلاء الرهط حتى يختاروا رجلا) .
وقال لصهيب (صل بالناس ثلاثة أيام ، وأدخل عليا ، وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وأحضر عبد الله بن عمر ، ولا شئ له من الأمر ، وقم على رؤوسهم . فإن اجتمع خمسة ورضوا واحدا منهم وأبى واحد فاشرخ رأسه واضرب رأسه بالسيف ، وإن اتفق أربعة فرضوا واحدا وأبي اثنان فاضرب رؤوسهما ، وإن رضي ثلاثة منهم رجلا واحدا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر ، فأي الفريقين حكم فليختاروا رجلا منهم ، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس) .
لقد جرى الجمهور على تقبل هذا الحديث دون إكمال العقل والنظر فيه .
وكأن عمر ينطق بالوحي ، لذلك سوف نتبين ونحن نتأمل بثاقب النظر ، ونافذ الرأي ، إن العملية محسوبة سلفا ، ودقة الترتيب تفيد أن الأمر كان مخططا في ذهن عمر منذ زمان ، والمسألة تبدو حسابية ، ولم نعهد على العرب هذه البديهية في الحساب ، غير أن بديهية الإمام علي (ع) كانت أسرع ، ففهم مقاصد اللعبة ، فقال للعباس فور انتهاء عمر من كلامه : (عدلت عنا) قال له العباس : وما علمك قال الإمام علي (ع) : (قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون : فيوليها عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني ، بله إني لا أرجو إلا أحدهما) .
فخلع عبد الرحمن نفسه ، ورضوا أن يكون هو الذي يختار للمسلمين . وفي اليوم الرابع ، صعد عبد الرحمن المنبر في الموضع الذي كان يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال : (أيها الناس ، إني قد سألتكم سرا وجهرا عن إمامكم ، فلم أجدكم تعدلون بأحد الرجلين : إما علي وإما عثمان . فقم إلي يا علي! (109) فوقف

لقد شيعني الحسين (ع) 183

تحت المنبر ، وأخذ عبد الرحمن بيده ، فقال :
(هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر؟) (110) .
قال : (اللهم لا ، ولكن على كتاب الله وسنة نبيه ، وعلى جهدي وطاقتي) قال : فأرسل يده ، ثم نادى (قم يا عثمان!) .
فأحد بيده وهو في موقف علي الذي كان فيه فقال : (هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر؟) قال (اللهم نعم) فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان ، ثم قال : (اللهم اسمع واشهد ، اللهم اسمع واشهد ، إني جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان) .
فجعل الناس يبايعون ، وتلكأ علي (ع) فقال : عبد الرحمن : (ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد الله فسنؤتيه أجرا عظيما) . فرجع علي يشق الناس حتى بايع عثمان وهو يقول :
(خدعة وأيما خدعة) (111) .
وروى القطب الراوندي ، إن عمر لما قال كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها ، قال ابن عباس لعلي (ع) ذهب الأمر منا .
ماذا سنستفيد يا ترى ، من هذه اللعبة التاريخية المتقونة ، وكيف نقف على حقيقتها . ولكن قبل أن نشق خضمها ، يجب أن نوجه إليها في البدء ، مجموعة من الأسئلة :
1 - أولا ، من أين ، ولم ، وكيف ، جاءت هذه النظرية السياسية ، ذات التركيب السداسي؟ .
2 - لماذا الستة بالضبط؟ .

(109) ابن الأثير - الكامل في التاريخ - .
(110) وعند ابن الأثير وغيره : وسيرة الشيخين .
(111) ابن مسكويه في تجاربه (ج 1 ص 265) .
لقد شيعني الحسين (ع) 184

3 - وكيف يكون ابن عمر شاهدا ومبشرا في اللحظة الحرجة ، ولماذا صهيب يصلي بالناس ، وأبو طلحة يتولى قطع الرقاب؟؟ .
إن هذه الأسئلة ، وعشرات أخرى مثلها ، جدير بنا طرحها على هذا النص ، لنقف على علاته ، وهناته .
يبدأ عمر بفرض رؤيته للخلافة من بعده ، وطرحها على أساس أن تقبل ولا تحور . فهي نص منصوص لا رأي بعده . وكيف بالتاريخ يغفل هذا الموقف ، ولا يعيد طرح السؤال . فعمر بن الخطاب ، هو الذي حال دون الرسول صلى الله عليه وآله وكتابة الكتاب الذي لا يضل الناس بعده ، هو الذي رأى أن الأمر متروك للمسلمين ينظرون فيه . كيف يقول في وفاة الرسول صلى الله عليه وآله (إن الرسول يهجر ، حسبنا كتاب الله)؟ .
ولم يترك للناس حرية النظر في شؤون الأمة ، وحسبهم كتاب الله أيضا ، ثم لماذا يلزم المرشحين الستة . بمخططه ، ويقضي بقتل من خالف .
ثم لماذا لا يكون القتل بالسوية ، حتى في الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف . ولماذا يقضي بالقتل على ستة ، توفي الرسول ، وهو عنهم راض ، كما شهد بذلك ، ثم من أعطاه الحق في ذلك ، وما مبرر ذلك من النص .
ولست أدري ، هل استلهم عمر فكرته هذه من شريعة حمورابي أو من حلم رآه . أي نص قرآني ، وأي سنة نبوية ، اعتمدها في هذا المخطط الذي جعل فيه الدم ، وإزهاق الأرواح واردا ، كان عمر يهدف من خلال مخططه إلى مجموعة أغراض .
أولا : كان يهدف إلى إذلال كبراء المسلمين من جهة ، والإمام علي (ع) من جهة خاصة . فمن جهة الآخرين ، جعل عليهم عبدا يصلي بهم خلال الفترة الانتقالية .
وهو صهيب . ثم جعل السلطة التنفيذية في يده وأبي طلحة : كي ينفذا عقوبة القتل لكل متمرد من المرشحين الستة ، مع احتمال وقوع القتل على الإمام

لقد شيعني الحسين (ع) 185

علي (ع) وكذلك إذلالهم ، من خلال سلبهم حق المشاركة في الاختيار السياسي .
أما من جهة الإمام علي (ع) فإنه وضعه في مصاف من هم دونه بلا شك ، حتى يجرده من امتيازه . ويربي العامة على عدم تعظيم قدره (ع) والملاحظ في ذلك ، أن طلحة والزبير ، ظلا يريا الخلافة لعلي (ع) منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وواجها أبا بكر وعمر . وتمردا على البيعة . وكانا ضمن المعتصمين في بيت فاطمة (ع) وحدثت لهما مناوشة . وصدام مع عمر بن الخطاب ، إلا أن سياسة عمر بن الخطاب في إنزالهما منزل علي (ع) في الخلافة ، جعلهما يطمعان ولا يريان في علي ميزة عنهما بعد هذا الانحطاط الذي منيت به العصبة الهاشمية ، ولذلك راحا ينازعان الإمام علي (ع) يوم الجمل .
إن عمر بن الخطاب ، لم يكن وحده صاحب المخطط ، وإذا كان هو صاحبه فلأنه فكر فيه مليا . ولم يكن مخططا تلقائيا كما سطرته كتب التاريخ ، لأنه عنصري الدقة والترتيب الحاضرين فيه يستبعدان صدوره عن تلقائية ، فمنذ البداية كان عمر بن الخطاب يمهد ، لخلافة عثمان ، ولكن الحرص على إحضار الستة له أسبابه التكتيكية . لقد حاول عمر من خلال هذا الترتيب أن يظهر للناس من بعده ، أن عليا (ع) على الرغم من حضوره ، فإنه لم يستطع الفوز بها لعدم جدارته ، ورفض الناس له ، وبهذا سيسلب منه ورقة الخلافة ، ويسقطه سياسيا ، كما أنه أراد أن يسقط معه ، مناوئيه القدامى وهما طلحة ، والزبير ، وما وجود سعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف سوى لتحقيق التوازن في المخطط ، ليفضي الأمر في نهاية الجولة إلى عثمان بن عفان .
يجب أولا أن نمحص هذه الشخصيات الست ، لنرى خلفية اختيارهم ، ليس هؤلاء الستة كما زعم ، هم الوحيدين الذين توفي الرسول صلى الله عليه وآله وهو راض عنهم ، فهناك عمار ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد . هم من أهل الإيمان والعلم والقضاء ، ولهم سابقية لا يرقى إليها الكثير ممن اختارهم عمر ، ولهم من العلم ما لا يوازيه علمهم ، بل وأنه اختار من بينهم من ليس فيه ما ادعاه عمر ، لقد أقبل

لقد شيعني الحسين (ع) 186

على طلحة ، وهو له من المبغضين منذ رفض استخلاف أبو بكر إياه . فقال له :
أقول أم أسكت؟ قال : قل ، فإنك لا تقول من الخير شيئا ، قال : أما إني أعرفك منذ أصيبت أصبعك يوم أحد والبأو الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب (112) .
رتب عمر الأمر على هذه المعطيات التالي :
- عبد الرحمن بن عوف (صهر) عثمان ، زوج أخته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .
- سعد ابن عم عبد الرحمن وكلاهما من زهرة .
- طلحة تيمي ، ابن عم أبي بكر ، صاحب ضغن تجاه بني هاشم .
الزبير بن عمة علي (ع) (صفية) بنت عبد المطلب .
- عثمان من بني أبي معيط .
- علي (ع) من بني هاشم .
إن التركيز على الانتماء القبلي ضرورة لفهم ديناميكية الخلافة والاستخلاف ، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله واستضعاف النص! .
هناك أربعة من هؤلاء ، يعلم عمر ، ويعلمون هم أيضا ، إنهم غير مرغوب فيهم من قبل المسلمين ، وأن الأمر سيبقى بين اثنين لا ثالث لهما : علي (ع) وعثمان .
أما الباقون ، فإنهم سيسلمونها تلقائيا لعثمان ، باستثناء الزبير ، وطلحة مع

(112) قال أبو عثمان الجاحظ في (السفيانية) إن الكلمة المذكورة هي أن طلحة لما أنزلت آية الحجاب : قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ما الذي يغنيه حجابهن اليوم! وسيموت غدا فننكحهن . فقال أبو عثمان : لو قال لعمر قائل : أنت قلت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله مات وهو راض عن الستة ، فكيف الآن لطلحة إنه مات عليه السلام ساخطا عليك للكلمة التي قلتها! لكان قد رحاه بمشاقصه ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا ، فكيف هذا .
لقد شيعني الحسين (ع) 187

بعض الشكوك . ولعل الإمام علي (ع) قد فطن لتلك اللعبة لما قال للعباس كما سبق :
(فلو كان الآخران معي (يقصد طلحة والزبير :
لم ينفعاني ، بله أني لا أرجو إلا أحدهما) .
وفعلا ، فإن طلحة لم يسلمها للإمام علي (ع) وما بقي معه (ع) سوى الزبير . فعبد الرحمن بن عوف سيسلمها لصهره عثمان ، فإذا فعل فإن سعدا ابن عمه لن يخالفه ، وطلحة من المفترض أن يمنعها عن علي (ع) لتلك الضغينة التي ذكرها المؤرخون بين تيم وبني هاشم . وهو ابن عم أبي بكر ، ولكن كان من المحتمل أن يخالف بها رأي عمر وعثمان ، لكراهيته لهما ، وأما الزبير فلقد رأى أن يسلمها إلى لابن عمه علي (ع) بعد أن رآها لن تتم له ، وبعد أن تحركت فيه الحمية تجاه قريبه ، لما رأى الآخرين مالوا إلى أبناء عشيرتهم كما لأن الزبير وقتئذ من شيعة علي (ع) .
ثم كان عمر بن الخطاب قد ضيق الأنفاس على الستة ، ورسم لهم مخططا ، يعكس مدى حرصه على تفويت الخلافة على علي (ع) . فقال آمرا أبا طلحة ، أنه إذا أبى واحد ، ورضي خمسة ، فاشلخ رأس الواحد ، ومن البديهي أن الواحد المفترض معارضته للجميع ، هو علي بن أبي طالب (ع) ثم بقتل الاثنين ، واللذين لا يمكن أن يكونا سوى علي والزبير في أسوأ الاحتمالات ، وإذا ما انضاف طلحة ، وكان هذا احتمال وارد ، بسبب الكراهية التي لا يزال يحملها طلحة لعمر فإن عمر قضى برفض هذا الثلاثي من خلال قوله (فكونوا مع الثلاثة التي فيهن عبد الرحمن بن عوف) علما أن عبد الرحمن لا يمكن أن يكون إلا مع عثمان ، وسعد لا يمكن أن يخالف الاثنين :
أولا : للعمومة التي تربطه بعبد الرحمن ولأنه من زهرة .
ثانيا : بأنه لا يزال يجد في نفسه من علي وهو الذي قتل الكثير من عشيرته :
وقتل أباه ببدر .

لقد شيعني الحسين (ع) 188

فالثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن ، لن يكونوا منذ البداية - سوى :
عبد الرحمن وبالتالي سعد ، وعثمان .
ولهذا قال الإمام علي (ع) (قرن بي عثمان وقال : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلا ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف .
فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن ، وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون : فيوليها عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعان بله إني لا أرجو إلا أحدهما) .
وذكر الراوندي أن عمر لما قال : كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها قال ابن عباس لعلي (ع) : ذهب الأمر منا ، الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان) .
ونحن نتسأل ، ما هي الحكمة التي تجعل عمر ، يقضي بالقتل في الثلاثة التي ليس فيها عبد الرحمن بن عوف . ولماذا لا يقول بالعكس ما دام أنه قال : إن هؤلاء توفي الرسول صلى الله عليه وآله وهو عنهم راض) ، ثم لنفرض إن الأمر كما أراد إذا ، لكان من المفترض لو عصت مجموعة علي (ع) أن يقتل هو والزبير ، وعلى الرغم من أن عمر ، رفض أن يكون ابنه خليفة بعده ، وعجبت كيف خوله للاختيار ولو تساوت المعادلة إن عمر رأى ابنه لا يستحق الخلافة ، وهو القائل (ويحك! كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته) ، مع ذلك جعله حكما بين الستة فيما لو اختلفوا ثلاثا ، ثلاثا . حتى إذا رفضوا مشورته والتي في الغالب يفسرها الإجراء الاستثنائي - قتل أبو طلحة (113) والخمسون الذين معه ، الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف .

(113) بعد أن استتب الأمر لعثمان ، قال علي (ع) : أما لئن بقي عثمان لأذكرته ما أتى ، ولئن مات لتداولنها بينهم ، ولئن فعلوا لتجدني حيث يكرهون ، ثم قال :
حلفت برب الراقصات عشية عدون خفافا فابتدرن المحصبا
ليختلين رهط ابن يعمر قارنا نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا
والتفت فرأى أبا طلحة فكره مكانه : فقال أبو طلحة : لن تراع أبا الحسن) (ابن الأثير الكامل) :
لقد شيعني الحسين (ع) 189

ذكروا أن عمر قال : لو كان أبو عبيدة لاستخلفته (114) ، وهو بذلك يكون قد وفي بالعهد ، ولو بإثباته بالكلام ، ضمن الصفقة الثلاثية التي جرت في سقيفة بني ساعدة ، غير أن موته أفسد المخطط ، فأعد عمر بن الخطاب هذه (الهندسة) السياسية الحاقدة .
أما مجريات الأمور بين المستخلفين الستة ، فإنها ، تتحفنا بحقائق أخرى .
فعبد الرحمن بن عوف ، كان عراب المشروع العمري ، وهو الذي طرح نفسه كشاهد بعد أن تنازل عنها ، وفجأة أصبح وكأنه هو المنصب الرئيس لما تسلم مجلس الرسول صلى الله عليه وآله ، ولما بقي الأمر كله بيده ، دعا عليا (ع) قبل عثمان .
وكانت هذه عملية تمويهية ، فهو يدرك أن عليا سوف يرفض سلفا اقتراحه ، وشروطه حتى أنه كان سبب عزل علي (ع) وتنصيب عثمان ، اتباع سيرة الشيخين ، وكان علي (ع) ذا موقف حاد من هذا الشرط . ذلك أنه شرط ، لا مغزى له بعد شرطي (كتاب الله ، وسنة رسوله) .
وهذا كان يعني واحدا من أمرين :
- فإما أن سيرة الشيخين تمثل الكتاب والسنة ، وبالتالي ، فإيرادها هنا سيكون لغوا زائدا .
- أو أنها شئ جديد ، فلا يلزم علي (ع) باتباعها ، والدليل على أنه شئ جديد ، إن عليا (ع) تمسك بالكتاب والسنة . فعزل بسبب عدم قبوله بسيرة الشيخين .
ولفتة أخرى وهي الأهم . إن الإمام عليا (ع) كان ينظر إلى الخلافة كحق مقدس ، ومسؤولية ربانية . وهو لهذا تمسك برأيه ، ولم يكن بينه وبينها - لو كان فعلا همه الخلافة - سوى الاعتراف ، ولو علنا ، بسيرة الشيخين . دعنا نر سيرة الشيخين في سياسة عثمان ، وإلى أي وضع أدى المخطط السداسي العمري! .

(114) أنظر الطبري وابن الأثير .
لقد شيعني الحسين (ع) 190




لقد شيعني الحسين (ع) 191

عثمان أو الفتنة الكبرى

الخليفة الثالث عثمان صنيعة وضع هو في حد ذاته مسلسل لواقع التآمر التاريخي على عصبة بني هاشم ، وهنا يمكننا القول إن منطق القبيلة وارد في هذا الاختيار ، وأيا كانت خلفيات هذا الاختيار ، فإن عثمان لم يكن حلا للمجتمع العربي في تلك الفترة ، بقدر ما كان نتيجة حتمية لسنوات طويلة من التقوية للجناح الأموي الذي كان عثمان يشكل واجهته الإسلامية ، فشخصية عثمان ، كما عرف عنها - على أقل التقادير المجمع عليها - ضعيف الإرادة كسيرها ، لا يقوى على اتخاذ القرار ، ولا على الصمود في العدل بين العامة والأقرباء .
لقد استفز عثمان بسياسته المسلمين جميعا ، وبعضهم حاول أن يجد المبررات لعثمان ، فراح يلفق ويركب ، لخلق واقع تاريخي مزيف لا يعكس حقيقة ، وواقع العهد (العثماني) ، لقد أدرك هذا المأزق بعض المفكرين المتأخرين ، ورأوا أن عثمان لم يكن يمثل اتجاها إسلاميا في سياساته ، يقول سيد قطب :
(وإنه لمن الصعب أن نفهم روح الإسلام في نفس عثمان ، ولكن من الصعب كذلك أن نعفيه من الخطأ ، الذي نلتمس أسبابه في ولاية مروان الوزارة في كبرة عثمان) (115) .

(115) العدالة الاجتماعية في الإسلام (ص 160) دار الشروق .
لقد شيعني الحسين (ع) 192

إن المسألة ليست بهذه البساطة ، فعثمان منذ البداية سلك نمطا من الخلافة العشائرية ، حيث حمل بني أمية على رقاب الناس ، وهو إنذار سبق أن قاله عمر بن الخطاب عند مقتله ، وقد مني عثمان بمعارضة قوية أكثر من أي خليفة آخر ، والسبب في ذلك ، هو أن عثمان بلغ مستوى أكثر تعسفا في تقريب عشيرته ، وإعطائها المناصب الحساسة في الدولة الإسلامية .
ولو أخذنا بعين الاعتبار ، عامل العشيرة في تشكيل الكيان المعارض لعثمان ، سوف ندرك أن عثمان لم يتعرض للقتل لأنه ، خالف الالتزام الديني فحسب ، وإنما لأنه ، رفع من عشيرته ، ومكن لها ، وسلمها مقاليد الخلافة . كيف - إذا - بدأت خلافة عثمان ، وكيف انتهت؟ .
لقد تعهد عثمان منذ تسلمه مقاليد الخلافة ، بأنه سيتمسك بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر وعثمان بن عفان رجل يعي كلامه ، وهو وأحد المقربين إلى الشيخين ، ومدرك لكل مسالكها في الداخل والخارج . وهو الذي عاش مع الرسول صلى الله عليه وآله وشهد غدير خم ، فهو يدرك أن الشيخين هما أول مغامرين في الإسلام ، وعرف أيضا ، أنه إذا سلك مسيرة الشيخين فإنه سينطلق من نفس منطلقاتها ، وهي التعاطي السلبي مع آل البيت (ع) والصحابة الكبار ، لقد بدأ بدعم الطلقاء وأبنائهم خلافته ، بتعطيل حكم الإسلام في قضية عبيد الله بن عمر قاتل الهرمزان ، وجفينة وبنت أبي لؤلؤة ، انتقاما لأبيه كما تقدم . وقد استفتى الصحابة ، وقضى علي (ع) بقتله وعثمان ، أقسم إنه سيقيم عليه الحد ، إلا أنه تجاوز عنه بعد أن تدخل عمرو بن العاص ، وكان ذلك بمثابة أول شرخ في جهاز القضاء في عهد عثمان ، كان منذ البداية قد أسفر عن الوجه الحقيقي ، لتوجهه السياسي . وهو العمل على بناء عشيرته وتقويتها . بعد أن كانت حركة الإسلام قد أضعفتها وكسرت شوكتها . كما كان جهازه الاستشاري مؤلفا من الذين أدخلهم الخوف إلى الإسلام . واستبعد كبار الصحابة ، فلما وصل الخبر بما يروج حوله من نعي وانتقاد . أرسل إلى معاوية وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وإلى سعيد بن العاص ، وإلى عمرو بن العاص ، وآخرون مثلهم ، فجمعهم يشاورهم ويخبرهم بما بلغ منه ، فلما اجتمعوا عنده قال : (إن لكل امرئ وزراء نصحاء ، وانكم

لقد شيعني الحسين (ع) 193

وزرائي ونصحائي وأهل عمالي وأن أرجع عن جميع ما يكرهون إلى ما تحبون ، فاجتهدوا لي رأيكم ثم أشيروا علي) .
كانت هذه في التشكيلة الاستشارية ، التي اعتمدها عثمان في إدارة الدولة ، وقمع الجماهير المسلمة .
إن الواقع الاجتماعي ، الذي تشكل في عهد عثمان ، أدى إلى انفجار ثوري ، لم يخفف منه النفوذ العشائري لعثمان . وأسفر الوضع عن وجود ثلاث فئات مهيئة للتمرد .

الفئة الاولى :

وهي الفئة التي تمردت انطلاقا من الخلفية الاقتصادية ، ففي الوقت الذي تراكمت فيه الثروة لدى الجانب الأموي ، وغيرهم من الذين ساروا في خطهم ، وأعانوهم على تعميق نفوذهم .
نجد أن قطاعا واسعا من الجماهير المسلمة ، استمرت تعاني الفقر في أسوأ حالاته .
الفقر الذي يجعل المجتمع مهيأ ، للدخول في صراع طبقي ، طالبا للمساواة الاجتماعية .
كان خط الأغنياء ، وخط الفقراء يتجهان بشكل معاكس . الغني ازداد اتساعا إلى درجة الفحش ، وازداد تبعا لذلك - الفقر عمقا ، إلى درجة الانسحاق .
وبذلك اتسعت الهوة بين فئتين ، إحداهما مسكت بأسباب الثراء فبلغت مستوى تكسير قطع الذهب بالفؤوس . وفئة أخرى ، قلب لها الواقع ظهر المجن ، فراحت تفكر في قطع القد ، وغالبا ما باتت تغالب الطوى! .
لقد كان عثمان يملك (خمسين ومائة ألف دينار وألف ألف درهم ، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرهما مائة ألف دينار ، وخلف إبلا وخيلا كثيرة ، وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، وخلف ألف فرس وألف أمة وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم ، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك ، وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس ، وله ألف بعير ، وعشرة آلاف من الغنم ، وبلغ من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا ، وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف

لقد شيعني الحسين (ع) 194

من الأموال والضياع ، وبنى الزبير داره بالبصرة ، وبنى أيضا بمصر والكوفة والإسكندرية وكذلك بنى طلحة دارا بالكوفة وشيد داره بالمدينة ، وبناها بالجص والآجر والساج . وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق ، ورفع سمكها وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها شرفات ، وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن . وخلف يعلى بن جنبه خمسين ألف دينار وعقارا ، وغير ذلك ما قيمته ثلاثمائة ألف درهم) .
وتحول بيت مال المسلمين في عهده إلى بيت مال لبني أمية . ولم يراع عثمان مشاعر المسلمين ، ولا أحكام الشريعة في نهبه أموال المسلمين ، وصبها مدرارة في خزائن أهل بيته . ويذكر اليعقوبي في تاريخه : حدث أبو إسحاق عن عبد الرحمن بن يسار قال (116) :
رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق المدينة إذا أمسى أتاها عثمان ، فقال له : ادفعها إلى الحكم بن أبي العاص . وكان عثمان إذا أجاز أحدا من أهل بيته بجائزة جعلها فرضا من بيت المال ، فجعل يدافعه ويقول له : يكون فنعطيك إن شاء الله ، فألح عليه فقال : إنما أنت خازن لنا ، فإذا أعطيناك فخذ ، وإذا سكتنا عنك فاسكت . فقال : كذبت والله! ما أنا لك بخازن ، ولا لأهل بيتك ، إنما أنا خازن المسلمين . وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب فقال : أيها الناس ، زعم عثمان أني خازن له ولأهل بيته ، وإنما كنت خازنا للمسلمين وهذه مفاتيح بيت مالكم . ورمى بها ، فأخذها عثمان ، ودفعها إلى زيد بن ثابت . كان بذلك عثمان ، يرى أن الدولة الإسلامية ملكا لعشيرته ، وكان مبرره في ذلك أنه تأول - حسب ما ذكر الواقدي - في مال المسلمين ، صلة رحمه .
كما ، ويذكر الواقدي أيضا بإسناده : قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص ، كما روي الكلبي عن أبيه ، مخنف بن مروان ابتاع خمس إفريقية بمائتي درهم ومائتي ألف دينار . وكلم عثمان فوهبها له .
فأنكر الناس ذلك على عثمان) .

(116) المسعودي - مروج الذهب .
لقد شيعني الحسين (ع) 195

ويذكر ابن أبي الحديد ، إنه قد أتاه - أي عثمان أبو موسى من العراق بأموال جليلة ، فقسمها كلها في بني أمية ، وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضا بعد صرفه زيد ابن أرقم عن خزنه) .
وكذلك سار عثمان في رعيته . يوسع لأقربائه في العطايا ، والإمارات ، ولا أدل من ذلك ، معاوية بن أبي سفيان ، الذي منحه كامل الصلاحية في إدارة الشام ، فكان أطول الأمراء إمارة . وحيث كثر الغنى الفاحش ، وتسابق الغزاة على الأمصار ، لكسب المزيد من الغنى واضطرت الطبقة الثرية أن تستورد الرقيق من الأمصار ، لاستغلالهم في استثماراتهم . واستولى بني أمية على بعض مزارع الكوفة ، وهجروا أهلها . وبقيت طبقة هنالك من الفقراء العرب ناقمين على الفئة الثرية ، وكذلك أولئك الذين فتحوا البلدان ، ولم تتح لهم الفرصة ، كما أتيحت لغيرهم من بني أمية ، للإقامة في الأمصار ، والاستحواذ على ممتلكاتها .
كان هذا الواقع الطبقي الذي تشكل بفعل السياسة المنفلتة لعثمان ، سببا في تشكل حالة من الرفض والتمرد ، تمثلها الفئات المحرومة في المجتمع ، وهم غالبا ، أولئك الذين ضاقوا من الاحتكار الأموي في عهد عثمان ، وتمردوا تلقائيا لما ثقل عليهم أمرهم ، وكانوا هم القاعدة التي استجابت لفكرة التحدي والثورة على عثمان . تلك الحالة التي يصورها أبو ذر (رض) قائلا : عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف ، لا يخرج إلى الناس شاهرا سيفه) .
فهذا دليل على وجود ، فئة مسحوقة ، ومغلوب على أمرها ، لا تسطيع الافصاح عن واقعها ، مقموعة بعمال عثمان ، وعناصر عشيرته ذات النفوذ الوسيع في كل الأصقاع .

الفئة الثانية :

فئة تحركت من الخلفية العشائرية ، حيث ضاقت بالنهج العشائري في سياسة عثمان ، وتعامله اللامتكافئ مع العشائر الأخرى . فهناك طائفة من المسلمين ثاروا على عثمان لما رأوه متحيزا إلى أقربائه بشكل يفسد عليه سياسته . والحس القبلي لما ينته يومها في نفوس الغالبية الساحقة ممن دخل في الإسلام ، والجانب القبلي كما

السابق السابق الفهرس التالي التالي