عقائدنا بين السائل والمجيب406

من تراب القبر الشريف وأنشأت تقول :
ماذا على من شمّ تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا

أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين 431 : 1 .
وعن هرثمة بن أبي مسلم قال : غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفّين فلمّا انصرفنا نزل بكربلاء فصلّى بها الغداة ، ثم رفع اليه من تربتها فشمّها ثم قال : واهاً لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب . البحار 255 : 44 .
ممّا يدل من سيرة المعصومين على تقبيل التربة وشمّها تعظيماً وإجلالاً ، من هنا نحن شيعتهم نفعل ذلك تعظيماً وإجلالاً ، ومن ثم تبركاً بأضرحة ضمت أجسادهم الطاهرة ، كما أننا نتعامل معهم عليهم السلام أحياء فنخاطبهم ونقف عند أضرحتهم ونقبّلها تعظيماً وتيمناً ، فقد ورد في زيارة الامام الصادق عليه السلام لجده الحسين عليه السلام قوله : يا أبا عبد الله أشهد أنك تشهد مقامي وتسمع كلامي وأنك حي عند ربك ترزق ... وأنتِ إذا تقفين على أبواب أضرحتهم الشريفة تستأذنيهم بالدخول بقولكِ : وإني اعتقد حرمة صاحب هذا المشهد الشريف في غيبته كما أعتقدها في حضرته ، وأعلم أنه حي عندك مرزوق وأنه يشهد مقامي ويسمع كلامي ، ويرد سلامي ...
هكذا ورد في مخاطبتم عليهم السلام عند زيارتهم ، مما يعني أننا نتعامل مع سادتنا أنهم أحياء يرون ويسمعون ، فتقبيل أضرحتهم الشريفة من باب تعظيمهم وإظهار الأدب معهم .
ونحن عند تقبيلنا للقرآن الكريم فإننا نقبّل غلافه تعظيماً لما حواه من شرف القرآن الذي هو كلام الله تعالى وقد ضمّه هذا الغلاف .
ولا يعد هذا الفعل شركاً أو عبادة كما دعى لذلك شواذ مخرّبون يدّعون

عقائدنا بين السائل والمجيب407

الاصلاح وهم من ذلك براء ، فقد خالفوا هؤلاء سيرة السلف وناقضوا أنفسهم بقولهم بجواز تقبيل الحجر الاسود وهو حجر ولم يجيزوا تقبيل أضرحة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار عليهم السلام وخالفوا حتى سنّة ما رواه علماء أهل السنة من جواز ذلك وبيان سيرة السلف .
ذكر السمهودي في الوفاء 4 : 1405 : انّ عبد الله بن عمر كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف (أي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله) وانّ بلالاً وضع خديه عليه أيضا ، ثم قال : ولا شك انّ الاستغراق في المحبّة يحمل على الإذن في ذلك والمقصود من ذلك كله احترام وتفخيم ، والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف في حياته .
قال ابن حجر : استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره .
وفي كتاب العلل والسؤالات لعبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي علي بن الصوف عنه قال عبد الله : سألت أبي عن الرجل يمسّ منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ويتبرّك بمسّه ويقبّله ويفعل بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى ، قال : لا بأس به .
ونقل الطيب الناشري عن المحبّ الطبري أنه يجوز تقبيل القبر ومسّه ، قال : وعليه عمل العلماء الصالحين ، وأنشد :
لو رأينا لسليمى أثراً لسجدنا ألف ألف للأثر

وقال آخر :
أمرّ على الديار ديار ليلـى أقبّل ذا الجدار و ذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا

ونقل بعضهم عن أبي خيثمة قال : حدّثنا مصعب بن عبد الله حدّثنا إسماعيل

عقائدنا بين السائل والمجيب408

بن يعقوب التيمي قال : كان ابن المنكدر يجلس مع أصحابه قال : وكان يصيبه الصمات ، فكان يقوم كما هو يضع خده على قبر النبي صلى الله عليه وآله ثم يرجع فعوتب في ذلك فقال : إنه يصيبني خطرة ، فإذا وجدت ذلك استشفيت بقبر النبي صلى الله عليه وآله وكان يأتي موضعاً من المسجد في الصحن فيتمرغ فيه فيضطجع فقيل له في ذلك فقال : إنّي رأيت النبي صلى الله عليه وآله في هذا الموضع ... راجع جميع ما ورد في جواز التقبيل وفاء الوفاء 1405 : 4 هذه سيرة أهل السنة والسلف منهم فضلاً عمّا ذكرناه من سيرة علمائنا وما فعله المعصومون صلوات الله عليهم وأدّبونا عليه من الالتزام بكامل الأدب مع قبورهم وتعظيم أضرحتهم وإظهار التبجيل والاحترام بحضرتهم ، وما حرّمه البعض يخالفون فيه الأدلة وسيرة السلف واجماع الأمّة .
ثبّتنا الله على سنّة نبيه وجنّبنا مخالفتها وابتداع ما يغضبه تعالى .
ودمتم سالمين

عقائدنا بين السائل والمجيب409

1 ـ الصحبة                                      
2 ـ تطلق على المؤمن والمنافق                  
3 ـ اللعن                                         
4 ـ لعن بعض الصحابة لأمير المؤمنين عليه السلام
5 ـ فاطمة الزهراء عليها السلام                   
6 ـ احراق دارها المقدسة                          

الاسم : م                               الدولة : السعودية
العمر : 33 سنة                        الرتبة العلمية : جامعي
السؤال
أنا سنّي المذهب وأرى انّ الشيعة كثيراً ما يسبّون صحابة الرسول هل بالامكان أن يكون من صاحب الرسول مستحقاً للسب ؟
هل بالامكان تزويدي بالأحاديث التي تفيد بأنّ الخلافة كانت من حق علي بن ابي طالب ؟
كيف انّ الخليفة الأول والثاني قاما بحرق بيت فاطمة الزهراء ؟


الجواب
الأخ المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد ، فالصحبة ليس مجرّد المعاشرة أو المرافقة ، فأيّما رجل صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله أطلقنا عليه صحابي يجب تقديسه ، فذاك خلاف العادة والوجدان وخلاف ما نزل به القرآن ، فأنت لو صحبك رجل شرير في سفرك من بلد الى بلد وكان معك هذا الشرير في السيارة وتحدث معك فيمكن أن نطلق عليه من

عقائدنا بين السائل والمجيب410

حيث اللغة صاحبك ورفيقك ، إلا أنك تأنف من أن يقال لك أنّ فلاناً الشرير صاحبك ولا ترتضيه وجداناً ، إذ يمكنك أن تقول هو لم يصحبني إلا في سفري فلا يعني هذا أنه اتّفق معي في أخلاقه وأفكاره ، والعادة تقتضي التفكيك بين أن يرافقك شخص في مقام من المقامات ، وبين أن يتّفق معك في كل شيء فيكون صاحبك .
والقرآن صريح في إطلاق صحبة الكافر للمؤمن ، قال تعالى «فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفراً» (الكهف : من الآية 34) وقوله تعالى «قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب» (الكهف : من الآية 37) على انّ الموردين في الآيتين يتحدثان عن صحبة المؤمن للكافر وقد أطلق القرآن على الكافر صاحباً للمؤمن ، بل انظر في قوله تعالى «يا صاحبَيِ السجن أمّا أحدكما فيسقي ربّه خمراً» (يوسف : 41) مع انّ الآية أطلقت على من كان مع نبي الله يوسف عليه السلام بالصاحب علماً أنه كان كافراً .
فتبيّن انّ ليس كل ما أطلق عليه صاحب يعني بقرينة المقابلة ممدوحاً ، فالمؤمن يصحب الكافر ويصحب المنافق ويصحب الكاذب والزاني وهكذا ، فلا فخر في صحبة الكافر أو المنافق للمؤمن ، حتى يقال أن فلاناً الكافر أو المنافق صاحب المؤمن فلا يحل لنا التنكيل به أو القول بخلاف تعظيمه .
وهكذا هي صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله للمنافقين ، فلا تعني تعظيم وتكريم مطلق من صحب النبي صلى الله عليه وآله ، إذ بالإمكان أن يكون في أصحابه من هو منافقاً يستحق العذاب واللعنة من الله تعالى ، ألا ترى في سبب نزول سورة المنافقين فإنّ المفسرين قالوا أنها نزلت في عبد الله بن اُبي في قضية مشهورة تجدها في كتب المفسرين . بل انّ النبي صلى الله عليه وآله أطلق على بعض أصحابه بالمنافقين . فقد أورد السيوطي عن البخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن

عقائدنا بين السائل والمجيب411

جابر بن عبد الله قال : كنّا مع النبي صلى الله عليه وآله في غزاة قال سفيان : يرون أنها غزوة بني المصطلق ، فكسع رجل من المنافقين رجلاً من الأنصار فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال : ما بال دعوى الجاهلية ؟ قالوا : رجل من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : دعوها فإنها فتنة . فسمع ذلك عبد الله بن اُبي فقال : أوقد فعلوها ، والله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : دعه لا يتحدث الناس انّ محمداً يقتل أصحابه . الدر المنثور للسيوطي في تفسير سورة المنافقين . فانظر الى قوله صلى الله عليه وآله حيث أطلق على عبد الله بن اُبي «صاحب» مع كونه منافقاً . وهكذا فالصحبة تطلق على المنافق والمؤمن ، ممّا يدل على انّ اطلاقه الصحبة لا يغني عن كون ذلك الاصطلاح مدعاةً لتقديس الصحابي مع أنه منحرف منافق .
ثانياً : أما اللعن فقد ورد لعن الكافرين والمنافقين في القرآن الكريم وعلى لسان النبي الكريم صلى الله عليه وآله وإليك ما ورد من اللعن في القرآن الكريم قال تعالى «لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم» (المائدة : من الآية 78) وقد لعن الله اليهود لقولهم يد الله مغلولة فقال تعالى «وقالت اليهود يد الله مغلولة غلّت أيديهم ولعنوا بما قالوا» المائدة : 64 ، بل انّ الله تعالى لعن الذين يرمون المحصنات فلعنهم لهذا الذنب مع انّ فيهم المسلمين ، إلا أنهم استحقوا اللعن لاتيانهم بهذا الذنب العظيم قال تعالى : «إنّ الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة» (النور : 23) ، بل ورد في الملاعنة انّ اللعنة على من يكون من الكاذبين قال تعالى «والخامسة أنّ لعن الله عليه إن كان من الكاذبين» (النور : 7) ، مع أن المتلاعنين مسلمين ، بل ورد في المباهلة أن يتلاعن المتباهلين ليلعن الله أحد الفريقين الذين كذّبوا الحق قال

عقائدنا بين السائل والمجيب412

تعالى : «ثمّ نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين» (آل عمران : من الآية 61) ، فاللعن إذن ليس قبيحاً إذا كان الشخص قد استحق اللعن والعذاب ، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد لعن أناساً في جملة من الموارد وإليك بعضها :
لعن رسول الله صلى الله عليه وآله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه . لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الرجلة من النساء . لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الرجل يلبس لبسة المرأة . لعن رسول الله صلى الله عليه وآله زائرات القبور . لعن رسول الله صلى الله عليه وآله من قطع السدر . لعن رسول الله صلى الله عليه وآله النائحة والمستمعة . لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الواشحات والمستوحشات . لعن رسول الله صلى الله عليه وآله المتشبهات من النساء بالرجال . الى آخرها من موارد اللعن مع انّ هؤلاء الذين استحقوا اللعن مسلمين لم يخرجوا عن اسلامهم .
فإذن لعن المسيء والمنافق والمنحرف وغيرهم قد ورد في الكتاب الكريم وعلى لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وآله فليس ذلك مستقبحاً أن يُلعن من ارتكب المعصية وخالف نهج رسول الله صلى الله عليه وآله بمعنى أن اللعن هو إظهار البراءة ممن يرتكب نهجاً يخالف فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يكن اللعن عبثياً فالقرآن أكده للتبري من الكافرين والمنافقين ، والنبي صلى الله عليه وآله استخدمه بمعنى البراءة أو الدعاء بالأبعاد عن رحمة الله تعالى لارتكابه ما ينافي الرحمة والثواب .
والذي نريد قوله انّ الشيعة لكي تظهر براءتها الى الله تعالى ممّن يرتكب ما يخالف أوامره وممن يخرج عن حدوده تعلن براءتها وعدم رضاها بطريقة أكدها القرآن واستخدمها النبي الكريم صلى الله عليه وآله . على انّ الإمامية لم يرد من جهتها لعن أو سب لبعض الصحابة إلا بمقدار ما ذكرناه من انّ أئمة أهل البيت عليهم السلام نصحوا شيعتهم بتنزيه أنفسهم عن السب واظهار معائب ومساوئ أعداء الله فإن ذلك أوقع وأتم للحجة والبرهان .
ولا يسعنا أن نذكر لك ـ أيها الأخ الكريم ـ ، انّ بعض الصحابة من أوجبت

عقائدنا بين السائل والمجيب413

أفعاله القبيحة التبري منه ، ومن نماذج هؤلاء «قزمان» الذي قاتل في واقعة اُحد ولمّا اصيب قالوا له هنيئاً لك الجنة يا قزمان فقال : إنا لم نقاتلهم على دين ، بل قاتلناهم على أحسابنا وأنسابنا ولما أضرّ به الجرح جعل مقدم سيفه في بطنه واتكأ عليه فخرج السيف من ظهره ومات . فقال النبي صلى الله عليه وآله انّ هذا من أهل النار . مع أنه كان صحابياً وقاتل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وكان قد قتل من المشركين سبعة أو أكثر ، إلا أنّ نيّته كانت لغرض دنيوي وليست لله خالصة ، فما تقول بهذا وأمثاله مع أنه يطلق عليه مصطلح الصحبة فيقال له صحابي ؟! راجع في قصة قزمان المغازي للواقدي الجزء الأول في غزوة أحد .
وإذا أمعنت النظر في حياة معاوية بن أبي سفيان فإنه عمد الى سبّ علي بن أبي طالب عليه السلام أربعين عاماً على منابر الشام وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله : (من سبّ علياً فقد سبّني) . راجع المستدرك على الصحيحين حديث 4615 .
وأخرج مسلم والترمذي عن طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : أمر معاوية سعداً فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب ؟ فقال : أما ما ذكرت ، ثلاثاً قالهنّ له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبّه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم فذكر حديث المنزلة والراية والمباهلة ، وزاد الحاكم : فلا والله ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج المدينة . صحيح مسلم 120 : 7 وصحيح الترمذي 171 : 13 ومستدرك الحاكم 109 : 3 .
وأخرج ابن الأثير في كامله 179 : 3 انّ كثير بن شهاب استعمله معاوية على الري وكان يكثر سبّ علي على منبر الري ، وبقي عليها الى أن ولي زياد الكوفة فأقرّ عليها .
والمغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة كان يقوم على المنبر ويخطب وينال من علي عليه السلام ويلعنه ويلعن شيعته . وأخرج الحاكم والذهبي أنّ المغيرة سبّ علياً فقام

عقائدنا بين السائل والمجيب414

اليه زيد بن أرقم فقال : يا مغيرة ألم تعلم انّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن سبّ الأموات ؟ فلِم تسب علياً وقد مات ؟ مسند أحمد بن حنبل 188 : 1 والمستدرك 385 : 1 والاغاني لأبي الفرج الاصفهاني 2 : 16 وشرح ابن أبي الحديد 360 : 1 .
وأخرج ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال : كان مروان أميراً علينا ـ يعني بالمدينة ـ فكان يسبّ علياً كل جمعة على المنبر وحسن بن علي يسمع فلا يرد شيئاً ثم أرسل إليه رجلاً يقول له : بعلي بعلي بعلي وبك وبك وبك ، وما وجدت مثلك إلا مثل البغلة يقال لها : من أبوك ؟ فتقول : أمي الفرس . فقال له الحسن : ارجع إليه فقل له : إني والله لا أمحو عنك شيئاً مما قلت بأن أسبك ، ولكن موعدي وموعدك الله ، فإن كنت صادقاً جزاك الله بصدقك ، وإن كنت كاذباً فالله أشد نقمة . تاريخ الخلفاء للسيوطي : 127 والصواعق المحرقة : 33 حيث سئل مروان : ما لكم تسبّون علياً على المنابر ؟ فقال : إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك .
وفي ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري 368 : 4 قال القسطلاني في عمرو الاشدق قال سمي بالأشدق لأنه صعد المنبر فبالغ في شتم علي رضي الله عنه فأصابته لقوة ـ أي داء في وجهه .
فما عسانا ـ أيها الأخ الكريم ـ أن نقول في هؤلاء الذين لا يتحرجون في سبّ علي عليه السلام وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله من سبّ علياً فقد سبّني . مع انّ هؤلاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فهل لنا أن نقدّس هؤلاء ونكرّمهم ونترحّم عليهم كونهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله ؟
أظنك أيها الأخ تتفق معنا في التبري منهم وهذا ما لابد منه أليس كذلك ؟ ومنه يظهر أنه لا معنى في اشكال البعض على من تبرأ ممّن انحرف عن نهج رسول الله صلى الله عليه وآله بحجة صحبته معه ، فليس كل من صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يجب

عقائدنا بين السائل والمجيب415

تكريمه إذ ذلك خلاف الوجدان وخلاف السيرة القطعية للمسلمين بل وخلاف القرآن الذي أشار الى جملة من المنافقين مع كونهم يعدون مسلمين ، فضلاً عمّا أكدته سيرة النبي صلى الله عليه وآله في التعامل مع أصحابه لا على أساس الصحبة فقط ، بل على أساس التقوى والايمان والسبق الى الاسلام .
على انّ النبي صلى الله عليه وآله قد أوضح انّ الصحبة ليست مناط التقوى والايمان ، إذ انّ بعض أصحابه سينقلبون بعده على الأعقاب ، وقد ارتدّوا القهقري ، روى البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وآله : ليرفعن رجال منكم ليختلجن دوني فأقول : يا ربّ أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
وفي صحيح آخر : أقول إنهم منّي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي .
وفي صحيح آخر : فأقول : يا ربّ أصحابي . فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، انهم ارتدوا على أدبارهم القهقري .
وفي صحيح آخر : بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ فقلت : أين ، قال : الى النار والله . قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري ، قال : الى النار والله . قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقري ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل الغنم . البخاري 113 : 5 و242 : 9 ـ 247 قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري 325 : 9 في هذا الحديث : همل بفتح الهاء والميم : ضوال الإبل ، وأحدها : هامل أو : الإبل بلا راع . ولا يقال ذلك في الغنم يعني : إنّ الناجي منهم قليل في قلة الغنم الضالة ، وهذا يشعر بأنهم صنفان كافرة وعصاة .
هذا حال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد تبيّن لك حكمهم وسبب موقف الشيعة الامامية منهم .

عقائدنا بين السائل والمجيب416

أمّا الأحاديث الدالة على انّ الخلافة في علي بن أبي طالب فهي كثيرة وسنوردها لك من بعض مصادر أهل السنّة لتقف بنفسك على حقيقة الامر وواقعه :
1 ـ عن البراء بن عازب قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نزلنا غدير خم بعث منادياً ينادي فلما اجتمعنا قال : ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ألست أولى بكم من أُمهاتكم ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ألست أولى بكم من ابائكم ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : ألست ؟ ألست ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فقال عمر بن الخطاب : هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كل مؤمن . خصائص النسائي : 16 وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي 236 : 14 وتفسير الطبري 428 : 3 والاستيعاب في معرفة الأصحاب 473 : 2 والرياض النظرة لمحب الدين الطبري 169 : 2 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي : 25 وذخائر العقبى للطبي : 67 وكفاية الطالب للحافظ الكنجي الشافعي : 14 وتفسير الفخر الرازي 636 : 3 وتفسير النيسابوري 6 : 194 وغيرها من المصادر .
2 ـ ما رواه الترمذي في سننه عن عمران بن حصين في حديث طويل الى أن قال : إنّ علياً منّي وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي . صحيح الترمذي كتاب المناقب باب مناقب علي ، وروى الترمذي كذلك عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث طويل الى أن قال : رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار .
وروى الترمذي عن البراء بن عازب انّ النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي بن أبي طالب : أنت منّي وأنا منك .
وروى كذلك عن حبشي بن جنادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : علي منّي وأنا من علي ولا يؤدي عنّي إلا أنا أوعلي .

عقائدنا بين السائل والمجيب417

ومعلوم انّ الاداء المقصود منه أداء الأحكام وتبليغها ، وقد حصر النبي صلى الله عليه وآله الاداء كله فيه وفي علي ، أي يدور أمر الاداء بينه صلى الله عليه وآله كنبي وبين علي عليه السلام كإمام وخليفة .
وروى الترمذي ومثله أصحاب الصحاح في حديث طويل عن سعد بن أبي وقاص الى ان قال لعلي : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوّة بعدي .
وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق 390 : 6 والسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : 14 عن زيد بن أبي أوفى قال : لمّا آخى النبي صلى الله عليه وآله بين أصحابه وآخى بين عمر وأبي بكر ... الى أن قال : فقال علي : لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري ، فإن كان هذا من سخط عليّ ؟ فلك العتبى والكرامة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير ما ورث الأنبياء من قبلي . قال : ما ورث الانبياء من قبلك ؟ قال : كتاب ربهم وسنّة نبيهم ، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ، وأنت أخي ورفيقي ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله :« إخواناً على سرر متقابلين ».
هذه نماذج من الأحاديث التي نتلوها عليك ، فعليك أيها الأخ بنصوصها ، ولا عليك بما يتأوله الاخرون ، فهي ظاهرة صحيحة في خلافة علي وولايته بعد النبي ، ولا نستطيع احصاء أكثر ما ورد عن خلافته في هذا المقام المختصر ، عسى أن يكون ذلك كافياً وافياً .
وأما الأحاديث التي ذكرت قضية الهجوم على دار فاطمة عليها السلام فكثيرة جداً ، نختصر فيها على ما رواه أهل السنة في كتبهم .
لما فرغ علي بن أبي طالب عن دفن رسول الله صلى الله عليه وآله أقام في منزله بما عهد

عقائدنا بين السائل والمجيب418

اليه رسول الله صلى الله عليه وآله واجتمع اليه جماعة من بني هاشم والاصحاب من المهاجرين والانصار كالعباس والزبير والمقداد وطلحة وسعد بن أبي وقاص فانهم غضبوا في بيعة أبي بكر وأرادوا التحيّز عنه وإظهار الخلاف عليه ، وأن يبايعوا علياً . فذهب اليهم عمر بن الخطاب في جماعة ممن بايع فيهم اسيد بن حضير وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين فقالوا لهم : بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس . فوثب الزبير الى سيفه فقال عمر : عليكم بالكلب فاكفونا شره فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره واحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم الى أبي بكر فلما حضروا قالوا : بايعوا أبا بكر قد بايعه الناس ، وأيم الله لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف فلما راى بنو هاشم ، أقبل رجل رجل فجعل يبايع حتى لم يبق من حضر إلا علي بن ابي طالب عليه السلام فقال له : بايع ابا بكر فقال علي عليه السلام : أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله وتأخذونه من أهل البيت غصباً ؟! ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول الله صلى الله عليه وآله فاعطوكم المقادة وسلّموا لكم الإمارة الى آخر كلام علي بن أبي طالب . راجع في ذلك الطبري 202 : 3 اليعقوبي 126 : 2 العقد الفريد 259 : 4 تاريخ الخميس 169 : 2 .
وكان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس الى علي فيتشاورون ويتراجعون أمورهم فجاء عمر وكلّم فاطمة الزهراء عليها السلام وحلف لها وقال : إن اجتمع هؤلاء النفر عندكم آمر بإحراق البيت عليهم . المصنف لابن أبي شيبة 267 : 14 ثم اتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة ؟ فإنّ الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر فبعث أبو بكر الى علي قنفذ فقال له : اذهب فقل لعلي أجب خليفة رسول الله ، فذهب

عقائدنا بين السائل والمجيب419

قنفذ فما لبث أن رجع فقال لأبي بكر يقول لك علي : ما خلّف رسول الله صلى الله عليه وآله أحداً غيري سريع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله ... فبكى أبو بكر طويلاً .. الى أن قال : فدعا عمر بالحطب فقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها فقيل له : يا أبا حفص انّ فيها فاطمة فقال : وإن . الامامة والسياسة لابن قتيبة 21 : 1 .
وهناك تفصيل للخبر في تاريخ الطبري 202 : 3 والكامل لابن الاثير 325 : 2 وأمر عمر بجعل الحطب حول البيت وانطلق هو بنار وأخذ يصيح أحرقوا الدار بمن فيها . فنادت فاطمة بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة . الامامة والسياسة لابن قتيبة 20 : 1 .
هذه بعض المصادر التي أوردت القضية ولك أن تتابع في المصادر التاريخية التي تحدثت عن أحداث البيعة وما رافقها من أمور .
ودمتم سالمين

السابق السابق الفهرس التالي التالي