الزيارة 125

قبل المدينة.
وممَّن نصَّ على هذه المسألة وذكر الخلاف فيها الامام أحمد رحمه الله في كتاب المناسك الكبير من تأليفه، وهذه المناسك رواها الحافظ أبو الفضل [بإسناده(1) ] عن عبدالله بن أحمد عن أبيه، وفي هذه المناسك سُئل عمَّن يبدأ بالمدينة قبل مكّة؟ فذكر بإسناده عن عبدالرَّحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد أنَّهم قالوا: إذا أردت مكّة فلا تبدأ بالمدينة وأبدأ بمكّة، وإذا قضيت حجَّك فأمرر بالمدينة إن شئت.
وذكر بإسناده عن الاسود قال: اُحبّ أن يكون نفقتي وجهازي وسفري أن أبدأ بمكّة.
وعن إبراهيم النخعي: إذا أردتَ مكّة فاجعل كلَّ شيء لها تبعاً.
وعن مجاهد: إذا أردت الحجَّ أو العمرة فابدأ بمكّة، واجعل كلَّ شيء لها تبعاً.
وعن إبراهيم: قال إذا حججت فابدأ بمكّة ثمَّ مر بالمدينة بعدُ.
وذكر الامام أحمد أيضاً بإسناده عن عدي بن ثابت: أنَّ نفراً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يبدأون بالمدينة إذا حجّوا يقولون: فهل من حيث أحرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وذكر ابن أبي شيبة في فضيلة هذا الامر أيضاً، وذكر بإسناده عن علقمة والاسود وعمرو

(1) ذكره كاملا ونحن حذفناه روماً للاختصار. «المؤلّف».
الزيارة 126

ابن ميمون: أنَّهم بدأوا بالمدينة قبل مكّة، إلى أن قال: وممَّن نصّ على هذه المسألة من الائمة أبو حنيفة رحمه الله وقال: والاحسن أن يُبدأ بمكّة.
وقال الشيخ علي القاري في شرح «المشكاة: ج3، ص284»: الانسب أن تكون الزِّيارة بعد الحجِّ، كما هو مقتضى القواعد الشرعيَّة من تقديم الفرض على السنَّة(1) ، وقد روى الحسن عن أبي حنيفة تفصيلاً حسناً وهو: أنّه إن كان الحجٍّ فرضاً فالاحسن للحاجّ أن يبدأ بالحجِّ ثمَّ يثني بالزِّيارة، وإن بدأ بالزِّيارة جاز. وإن كان الحجٍّ نفلاً فهو بالخيار فيبدأ بأيِّهما شاء. إنتهى.
ثمَّ قال: والاظهر أنَّ الابتداء بالحجِّ أولى; لاطلاق الحديث(2) ولتقديم حقِّ الله على حقّه، ولذا تُقدَّم تحيَّة المسجد النبويِّ على زيارة المشهد المصطفوي.
2 ـ من المتسالم عليه بين فرق المسلمين سلفاً وخلفاً جواز إستنابة النائب وإستئجار الاجير لزيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن عاقه عنها عذرٌ، وقد إستفاض عن عمر بن عبد العزيز أنَّه كان يبرد إليه (صلى الله عليه وآله وسلم)البريد من الشام ليقرأ السّلام على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)ثمَّ يرجع، وفي لفظ:

(1) هذه القاعدة إنّما تؤخذ في موارد تزاحم الامرين لا مطلقاً، والمقام ليس منها كما لا يخفى، فإنّ الحج فريضة مؤقوتة، فلا بأس بتقديم المندوب عليها قبل ظرفها. «المؤلّف».
(2) يعني الحديث الثالث من أحاديث الزيارة وقد مرّ في صفحة. «المؤلّف».
الزيارة 127

كان يبعث بالرَّسول قاصداً من الشام إلى المدينة.
ذكره البيهقي في شعب الايمان، وأبو بكر أحمد بن عمرو النيلي المتوفّى 287هـ، في مناسكه، والقاضي عياض في «الشفاء»، والحافظ ابن الجوزي في (مثير الغرام الساكن)، وتقيّ الدين السبكي في «شفاء السِّقام: ص41»، وغيرهم.
وقال يزيد بن أبي سعيد مولى المهري: قد مُت على عمر بن عبد العزيز فلمّا ودَّعته قال: لي إليك حاجةٌ، إذا أتيت المدينة سترى قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقرأه منّي السَّلام (الشفاء للقاضي(1) ، والشفاء للسبكي ص41).
وقال أبو الليث السمر قندي الحنفي في الفتاوي في باب الحجِّ: قال أبو القاسم: لمّا أردتُ الخروج إلى مكّة قال القاسم بن غسّان: إنَّ لي إليك حاجة، إذا أتيتَ قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فاقرأه منّي السَّلام، فلمّا وضعت رجلي في مسجد المدينة ذكرت (شفاء السقام ص41).
قال عبد الحقّ بن محمّد الصقلي المالكي المتوفّى 466هـ، في «تهذيب الطالب»: رأيتُ في بعض المسائل التي سُئل عنها الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد: قيل له في رجل إستوجر بمال ليحجَّ به، وشرطوا عليه الزِّيارة، فلم يستطع تلك السنة أن يزور لعذر منعه من تلك؟ قال: يردُّ من الاجرة بقدر مسافة الزِّيارة.

(1) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 198.
الزيارة 128

قال عبد الحقّ: وقال غيره من شيوخنا: عليه أن يرجع نائبه حتّى يزور. ثمَّ قال: إن استؤجر للحجّ لسنة بعينها فها هنا يسقط من الاُجرة ما يخصّ بالزيارة، وإن استؤجر على حجَّة مضمونة في ذمَّته فهاهنا يرجع ويزور، وقد إتَّفق النقلان.
وقالت الشافعيَّة: إنَّ الاستئجار والجعالة إن وقعا على الدعاء عند قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أو على إبلاغ السَّلام، فلا شكَّ في جواز الاجارة والجعالة، كما كان عمر بن عبد العزيز يفعل. وإن كانا على الزِّيارة لا يصحّ; لانَّها عملٌ غير مضبوط.(شفاء السقام ص50).
وقال أبو عبد الله عبيد الله بن محمّد العكبري الحنبلي، الشهير بابن بطَّة المتوفّى 387هـ، في كتاب «الابانة»: حسبك دلالة على إجماع المسلمين وإتّفاقهم على دفن أبي بكر وعمر مع النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ كلّ عالم من علماء المسلمين وفقيه من فقهائهم ألَّف كتاباً في المناسك، ففصَّله فصولاً وجعله أبواباً يذكر في كلِّ باب فقهه، ولكلِّ فصل علمه وما يحتاج الحاجُّ إلى علمه «إلى أن قال»: حتّى يذكر زيارة قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فيصف ذلك فيقول: ثمَّ تأتي القبر فتستقبلهوتجعل القبلة وراء ظهرك، إلى أن قال: وبعدُ أدركنا الناس ورأيناهم وبلغنا عمَّن لم نره أنَّ الرجل إذا أراد الحجَّ فسلّم عليه أهله وصحابته قالوا له: وتقرأ على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر منّا السَّلام، فلا ينكر ذلك أحدٌ ولا يخالفه (شفاء السقام 45).

الزيارة 129

قال الاميني: وذكر أبو منصور الكرماني الحنفي. والغزالي في «الاحياء» والفاخوري في «الكفاية» وشرنبلالي في مراقي الفلاح، والسبكي، والسمهودي، والقسطلاني، والحمزاوي العدوي وغيرهم: أنَّ النائب يقول: السَّلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك إلى ربِّك بالرَّحمة والمغفرة فإشفع له.
3 ـ قال العبدري المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد: وأمّا النذر للمشي إلى المسجد الحرام أو المشي إلى مكّة، فله أصلٌ في الشَّرع وهو الحجُّ والعمرة، وإلى المدينة لزيارة قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس، وليس عندهم حجّ ولا عمرة. فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه، فالكعبة متَّفقٌ عليها، واختلف أصحابنا وغيرهم في المسجدين الاخرين:
قال ابن الحاجِّ في «المدخل 1: 256»، بعد نقل هذه العبارة: وهذا الذي قاله مسلّمٌ صحيحٌ لا يرتاب فيه إلاّ مشركٌ أو معاندٌ لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال تقيُّ الدين السبكي في «شفاء السقام: 53»، بعد ذكر كلام العبدري المذكور: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزِّيارة.
وقال ص71 بعد كلام طويل حول نذر العبادات وجعلها أقساماً: إذا عرفتَ هذا فزيارة قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قربةٌ; لحثِّ الشرع عليها وترغيبه فيها، وقد قدّمنا أنَّ فيها جهتين: جهة عموم، وجهة

الزيارة 130

خصوص.
فأمّا من جهة الخصوص، وكون الادلَّة الخاصَّة وردت فيها بعينها، فيظهر القطع بلزومها بالنذر، إلحاقاً لها بالعبادات المقصودة التي لا يؤتى بها إلاّ على وجه العبادة، كالصّلاة والصَّدقة والصَّوم والاعتكاف، ولهذا المعنى ـ والله أعلم ـ قال القاضي ابن كج رحمه الله: إذا نذر أن يزور قبر النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فعندي أنَّه يلزمه الوفاء وجهاً واحداً.
إلى أن قال: وإذا نظرنا إلى زيارة النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة العموم خاصَّة، وإجتماع المعاني الَّتي يقصد بالزِّيارة فيه، فيظهر أن يقال: إنَّه يلزم بالنذر قولاً واحداً، ويحتمل على بعد أن يقال: إنَّه كما لو نذر زيارة القادمين وإنشاء السَّلام، فيجري في لزومها بالنذر ذلك.
وقبل هذه كلّها تنبأك عمّا نرتأيه الاداب المسنونة الاتية للزائر، فإنَّها تتفرَّع على استحباب الزِّيارة، ومندوبيَّة شدِّ الرِّحال إلى روضة النبيِّ الاقدس (صلى الله عليه وآله وسلم).
أدب الزائر عند الجمهور
نذكُر نصَّ ما وقفنا عليه في المصادر(1)

(1) أفرد جمال الدين عبد الله الفاكهي المكي الشافعي المتوفّى 972هـ، آداب زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)بالتأليف وسمّاه (حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل) جمع فيه أربعاً وتسعين أدباً من آداب الزائر، وقد صفحنا عن كثير منها; لكونه أدب المسافر لا يخص بالزيارة، طبع في هامش الاتحاف للشبراوي بمصر سنة 1318هـ. «المؤلّف».
الزيارة 131

1 ـ إخلاص النيّة وخلوص الطويّة، فـ «إنّما الاعمال بالنيّات»، فينوي التقرُّب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرُّب بالمسافرة إلى مسجده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشدِّ الرحال إليه والصّلاة فيه. قاله ابن الصّلاح والنووي من الشافعيّة، ونقله شيخ الحنفيّة الكمال بن الهمام عن مشايخهم.
2 ـ أن يكون دائم الاشواق إلى زيارة الحبيب الشفيع.
3 ـ أن يقول إذا خرج من بيته: بسم الله، وتوكّلت على الله، ولا حول ولا قوَّة إلاّ بالله. اللّهمَّ إليك خرجتُ وأنت أخرجتني، اللّهمَّ سلّمني وسلّم منّي ورُدَّني سالماً في ديني كما أخرجتني، اللّهمَّ إنِّي أعوذ بك أن أضلّ أو اُضلّ، أو أذلَّ أو اُذلّ، أو أظلم أو اُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليّ، عزَّ جارك وجلَّ ثناؤك وتبارك إسمك ولا إله غيرك.
4 ـ الاكثار في المسير من الصَّلاة والتسليم على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل يستغرق أوقات فراغه في ذلك من القربات.
5 ـ يتتبّع ما في طريقه من المساجد والاثار المنسوبة إلى النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيحييها بالزّيارة ويتبرَّك بالصّلاة فيها.
6 ـ إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها ورباها وآكامها،

الزيارة 132

فليستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشراً بالهنا وبلوغ المنى، وإن كان على دابّة حرَّكها تباشراً بالمدينة، ولا بأس بالترجّل والمشي عند رؤية ذلك المحلّ الشريف كما يفعله بعضهم; لانَّ وفد عبد القيس لمّا رأوا النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نزلوا عن الرّواحل ولم ينكر عليهم، وتعظيمه بعد الوفاة كتعظيمه في الحياة.
وقال أبو سليمان داود المالكي في الانتصار: إنَّ ذلك يتأكّد فعله لمن أمكنه من الرِّجال، وأنّه يستحبُّ تواضعاً لله تعالى وإجلالاً لنبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
وحكى القاضي عياض في «الشفاء»: إنَّ أبا الفضل الجوهري(1) لمّا ورد المدينة زائراً وقرب من بيوتها وترجَّل باكياً منشداً:
ولمَّا رأينا رسم مَن لم يدع لنا فؤاداً لعرفان الرسوم ولا لبّا
نزلنا عن الاكوار نمشي كرامةً لمن بانَ عنه أن نلمَّ به ركبا

وقد ضمّنها القاضي عياض في قصيدة نبويَّة له يقول بعدهما:

(1) عبدالله بن الحكيم الرندي الاندلسي، من علماء الحديث والقراءات والعربية، وله شعر رائق. «المؤلّف».
الزيارة 133

وتهنا بأكنـاف الخيام تـواجـداً نُقبِّلها طـوراً و نرشـفهـا حُبّـا
ونُبدي سروراً و الفـؤاد بحبِّهـا تقطّع والاكبـاد أورى بها لـهبـا
اُقدِّم رِجـلاً بعد رِجـل مهابـةً وأسحب خدِّي في مـواطنها سحبا
و أسكب دمعـي في مناهل حبِّها و أرسـل حبّاً في أماكنهـا النجبا
وأدعـو دعاء البائس الواله الذي براه الهوى حتّى بدا شخصه شجبا
7 ـ إذا بلغ حرم المدينة الشريفة فليقل بعد الصّلاة والتسليم: اللّهمَّ هذا حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حرَّمته على لسانه، ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما في حرم البيت الحرام، فحرِّمني على النار، وآمنِّي من عَذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاته ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفّقني لحسن الادب وفعل الخيرات وترك المنكرات، ثمَّ تشتغل بالصّلاة والتسليم.
وقال الغزالي في الاحياء 1 ص246: إذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال: اللّهمَّ هذا حرم رسولك، فاجعله لي وقايةً من النّار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب.
وفي «مراقي الفلاح» للفقيه شر نبلالي: فإذا عاين حيطان

الزيارة 134

المدينة المنوّرة يصلّي على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمَّ يقول: اللّهمَّ هذا حرم نبيِّك ومهبط وحيك، فامنن عليَّ بالدخول فيه، واجعله وقايةً لي من النّار وأماناً من العذاب، واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب.
8 ـ إن كانت طريقه على ذي الحليفة فلا يجاوز المعرَّس حتّى ينيخ به، وهو مستحبّ كما قاله أبو بكر الخفّاف في كتاب (الاقسام والخصال) والنووي وغيرهما.
9 ـ الغسلُ لدخول المدينة المنوَّرة من بئر الحرَّة أوغيرها، والتطيّب، ولبسُ الزائر أحسن ثيابه. وقال الكرماني من الحنفيّة، فإن لم يغتسل خارج المدينة فليغتسل بعد دخولها.
قال ابن حجر: ويسنُّ له كمالاً في الادب أن يلبس أنظف ثيابه والاكمل الابيض إذ هو أليق بالتواضع المطلوب متطيِّباً، وقد يقع لبعض الجهلة عند الرؤية للمدينة نزولهم عن رواحلهم مع ثياب المهنة والتجرُّد عن الملبوس فينبغي زجره; نعم: النزول عن الرَّواحل عند رؤية المدينة من كمال الادب لكن بعد التطيّب ولبس النظيف.
وقال الفقيه شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجّه للزِّيارة إن أمكنه، ويتطيَّب ويلبس أحسن ثيابه تعظيماً للقدوم على النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ يدخل المدينة ماشياً إن أمكنه بلا ضرورة.

الزيارة 135

10 ـ أن يقول عند دخوله من باب البلد: بسم الله ما شاء الله لا قوَّة إلاّ بالله، ربّ أدخلني مُدخل صِدْق، وأخرجني مُخرج صدْق، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً; حسبي الله آمنت بالله توكلّت على الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، اللّهمَّ إنني أسألك بحقِّ السائلين عليك، وبحقِّ ممشاي هذا إليك فإنّي لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا رياء ولا سمعةً، خرجت إتِّقاء سخطك وإبتغاء مرضاتك، أسألك أن تُنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت.
وقال شيخ زاده في «مجمع الانهر: ج1، ص157»: إذا دخل المدينة قال: ربِّ أدخلني مُدخل صِدْق. الاية، اللّهمَّ إفتح لي أبواب فضلك ورحمتك، فارزقني زيارة قبر رسولك المجتبى (عليه السلام)ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك، وإغفر لي وارحمني ياخير مسؤول.
11 ـ لزوم الخشوع والخضوع لمّا شاهد القبّة مستحضراً عظمتها، يمثِّل في نفسه مواقع أقدام رسول الله، فلا يضع قدمه عليه إلاّ مع الهيبة والسكينة والوقار.
12 ـ عدم الاخلال بشيء ممّا أمكنه من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغضب عند إنتهاك حرمة من حرمه أو تضييع شيء من حقوقه (صلى الله عليه وآله وسلم).
13 ـ إذا شاهد المسجد والحرم الشريف فليزدد خضوعاً وخشوعاً يليق بهذا المقام، ويقتضيه هذا المحلّ الذي ترتعد دونه

الزيارة 136

الاقدام، ويجتهد في أن يوفي للمقام حقَّه من التعظيم والقيام.
14 ـ الافضل أن يدخل الزائر إلى الحضرة الشريفة من باب جبرئيل، وجرت عادة القادمين من ناحية باب السَّلام بالدخول.
15 ـ يقف بالباب لحضةً لطيفةً، كما يقف المستأذن في الدُّخول على العظماء، قاله الفاكهي في «حسن الادب: 56»، والشيخ بعد المعطي السقافي «الارشادات السنيَّة: 261».
16 ـ إذا أراد الدخول فليفرغ قلبه وليصف ضميره، ويقدِّم رجله اليمنى ويقول: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبنوره القديم من الشيطان الرَّجيم، بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوَّة إلاّ بالله ما شاء الله لا قوَّة إلاّ بالله، اللّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً; اللّهمَّ إغفر لي ذنوبي وإفتح لي أبواب رحمتك، ربِّ وفِّقني وسدِّدني وأصلحني وأعنّي على ما يُرضيك عنّي، ومُنَّ عليَّ بحسن الادب في هذه الحضرة الشريفة، السَّلام عليك أيّها النبيُّ ورحمة الله تعالى وبركاته; السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ولا يترك ذلك كلّما دخل المسجد أو خرج منه، إلاّ أنَّه يقول عند خروجه: وإفتح لي أبواب فضلك، بدل قوله: أبواب رحمتك.
وقال القاضي عياض: قال ابن حبيب: يقول إذا دخل مسجد الرَّسول: بسم الله وسلامٌ على رسول الله، السَّلام علينا من ربِّنا، وصلّى الله وملائكته على محمّد، اللّهمَّ إغفر لي ذنوبي، وإفتح لي

الزيارة 137

أبواب رحمتك وجنَّتك، واحفظني من الشَّيطان الرَّجيم(1) .
17 ـ قال القاضي في «الشفاء»: ثمَّ أقصد إلى الرَّوضة ـ وهي ما بين القبر ـ والمنبر واركع فيهما ركعتين قبل وقوفكَ بالقبر، تحمد الله تعالى فيهما وتسأله تمام ما خرجت إليه والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الرَّوضة أجزأتاك، وفي الرَّوضة أفضل(2) .
وقال القسطلاني في «المواهب»: يستحبّ أن يصلّي ركعتين قبل الزِّيارة، قيل: وهذا ما لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف، وإلاّ إستحبَّ الزِّيارة أوَّلاً، قال في «تحقيق النصرة»: وهو إستدراكٌ حسنٌ، ورخَّص بعضهم تقديم الزيارة مطلقاً، وقال ابن الحاجّ: كلُّ ذلك واسعٌ.
وقال شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: فتسجد شكراً لله تعالى بأداء ركعتين غير تحيَّة المسجد، شكراً لما وفَّقك الله تعالى ومَنَّ عليك بالوصول إليه.
وقال الحمزاوي في «كنز المطالب: ص211»: يبدأ بتحيَّة المسجد ركعتين خفيفتين بقل يا أيّها الكفارون وقل هو الله أحد، وأن يكون بمصلاّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن لم يتيسَّر له فما قرب منه ممّا يلي المنبر من جهة الرَّوضة.
18 ـ ينبغي للزائر أن يكون واقفاً وقت الزِّيارة كما هو الاليق

(1) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 201.
(2) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 201.
الزيارة 138

بالادب، فإذا طال فلا بأس متأدِّباً جاثياً على ركبتيه، غاضّاً لطرفه في مقام الهيبة والاجلال، فارغ القلب مستحضراً بقلبه جلالة موقفه، وأنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)حيٌّ ناظرٌ إليه ومطَّلعٌ عليه.
وقال الخفاجي في شرح «الشفاء: ج3، ص571»: ويستحبُّ القيام في حال الزِّيارة كما نبَّه عليه المصنّف (يعني القاضي عياض) بقوله: يقف. وهو أفضل من الجلوس عند الجمهور، ومن خيَّر بينهما أراد الجواز دون المساواة، فإن جلسَ فالافضل أن يجثو على ركبتيه ولا يفترش ولا يتربَّع; لانَّه أليق بالادب.
19 ـ يقف كما يقف في الصَّلاة واضعاً يمينه على شماله، قاله الكرماني الحنفي، وشيخ زاده في «مجمع الانهر»(1) ، وغيرهما ورآه ابن حجر أليقاً.
20 ـ يتوجَّه إلى القبر الكريم مُستعيناً بالله تعالى في رعاية الادب في هذا الموقف العظيم، فيقف ممثِّلاً صورته الكريمة في خياله بخشوع وخضوع تامّين بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم)محاذاة الوجه الشريف مستدبر القبلة، ناظراً في حال وقوفه إلى أسفل ما يستقبل من جدار الحجرة الشريفة، مُلتزماً للحياء والادب التامِّ في ظاهره وباطنه، عالماً بأنَّه (صلى الله عليه وآله وسلم)عالمٌ بحضوره وقيامه وزيارته وأنَّه يبلغه سلامه وصلاته.
وقال ابن حجر: إستدبار القبلة واستقبال الوجه الشريف، هو

(1) مجمع الانهر: 158.
الزيارة 139

مذهبنا ومذهب جمهور العماء.وقال الخفاجي في شرح «الشفاء: ج3، ص171»: إستقبال وجهه (صلى الله عليه وآله وسلم)وإستدبار القبلة مذهب الشافعي والجمهور، ونُقل عن أبي حنيفة، وقال ابن الهمام: ما نُقل عن أبي حنيفة أنَّه يستقبل القبلة مردودٌ بما روي عن ابن عمران: من السنَّة أن يستقبل القبر المكرَّم ويجعل ظهره للقبلة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة، وقول الكرماني: إنَّ مذهبه بخلافه ليس بشيء; لانّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حيٌّ في ضريحه يعلم بزائره، ومَن يأتيه في حياته إنّما يتوجَّه إليه.
وقال في شرح قول ابن أبي مليكة(1) (مَنْ أحبّ أن يكون وجاه النبيِّ (صلى الله عليه وآله وسلم)فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه): هو إرشادٌ لكيفيَّة الزيارة، و أن يكون بينه وبين القبر فاصلٌ. فقيل: إنَّه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع، وقيل: ثلاثة وهذا على أنَّ البعد أولى وأليق بالادب كما كان في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعليه الاكثر، وذهب بعض المالكيَّة إلى أنَّ القرب أولى. وقيل: يعامل معاملته في حياته، فيختلف ذلك بإختلاف الناس، وهذا بإعتبار ما كان في العصر الاوَّل، وأمّا اليوم فعليه مقصورةٌ تمنع من دنوِّ الزائر فيقف عند الشبّاك.

(1) عبدالله بن عبيدالله المتوفّى 117هـ، أخرج له أصحاب الصحاح الستّ. «المؤلّف».
الزيارة 140

21 ـ لا يرفع في الزِّيارة صوته ولا يخفيه بل يقتصد، وخفض الصَّوت عنده صلّى الله عليه أدبٌ للجميع، أخرج القاضي عياض بإسناده عن ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فقال له مالك: يا أمير المؤمنين! لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإنَّ الله تعالى أدَّب قوماً فقال: «لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيِّ»(1) الاية، ومدح قوماً فقال: « إنَّ الَّذين يغضّون أصواتهم عند رسول الله »(2) الاية، وذمَّ قوماً فقال: « إنَّ الذين ينادونك من وراء الحجرات»(3) الاية، وإنَّ حرمته ميِّتاً كحرمته حيّاً.
فإستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبدالله أستقبل القبلة وأدعوا، أم أستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم (عليه السلام)إلى الله تعالى يوم القيامة؟! بل إستقبله وإستشفع به فيشفعك الله تعالى، قال الله تعالى: « ولو انَّهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فإستغفروا الله»(4) الاية(5) .

(1) الحجرات: 2.
(2) الحجرات: 3.
(3) الحجرات: 4.
(4) النساء: 64.
(5) الشفاء بتعريف حقوق المصطفى 2: 201.
الزيارة 141

زيارة النّبي الاقدس

22 ـ يقول: السَّلام عليكَ يا رسول الله، السَّلام عليكَ يا نبيَّ الله، السَّلام عليكَ ياخيرةَ الله، السَّلام عليكَ يا حبيب الله، السَّلام عليكَ يا سيِّد المرسلين وخاتم النبيِّين، السَّلام عليكَ يا خيرة الخلائق أجمعين، السَّلام عليكَ يا قائد الغرِّ المحجَّلين، السَّلام عليكَ وعلى آلك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين، السَّلام عليكَ وعلى سائر الانبياء والمرسلين وجميع عباد الله الصالين، جزاك الله عنّا يا رسول الله أفضل ما جزى به نبيّاً ورسولاً عن اُمَّته، وصلّى عليك كلّما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، أفضل وأكمل ما صلّى على أحد من الخلق أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأشهد أنّك بلّغت الرِّسالة، وأدّيت الامانة،ونصحت الاُمَّة،وكشفت الغمَّة،وجاهدت في الله حقَّ جهاده.
اللّهمَّ آته الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السّائلون.
اللّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد نبيِّك ورسولك النبيِّ الاُمّيِّ، وعلى آل سيِّدنا محمّد وأزواجه وذرّيته، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على سيِّدنا محمّد النبيِّ الاُمّيِّ وعلى آل محمَّد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنّك حميدٌ مجيد.

الزيارة 142

زيارة أخرى

حكاها ابن فرحون عن ابن حبيب(1) :
السّلام عليكَ أيَّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، صلّى الله عليكَ وسلّم يا رسول الله، أفضل وأزكى وأعلى وأنمى صلاة صلاّها على أحد من أنبيائه وأصفيائه، أشهدُ يا رسول الله أنّك قد بلّغت ما اُرسلتَ به، ونصحتَ الاُمّة، وعبدتَ ربّك حتّى أتاك اليقين، وكنتَ كما نعتك الله في كتابه حيث قال: « لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤفٌ رحيم » (2) ، فصلوات الله وملائكته وجميع خلقه في سماواته وأرضه عليك يا رسول الله.
زيارة ثالثة

إتَّفق عليها أعلام المذاهب الاربعة(3) :
السّلام عليكَ يا نبيَّ الله ورحمة الله وبركاته، أشهدُ أنّك رسول الله، فقد بلّغت الرّسالة، وأدَّيتَ الامانة، ونصحتَ الاُمَّة، وجاهدت في أمر الله حتى قبض الله روحك حميداً محموداً، فجزاك الله عن

(1) عبدالملك بن حبيب القرطبي الامام الجليل الثقة، مصنّف كتاب «الواضحة». «المؤلّف».
(2) التوبة: 128.
(3) في الفقه على المذاهب الاربعة 1: 591. «المؤلّف».
الزيارة 143

صغيرنا وكبيرنا خير الجزاء، وصلّى عليك أفضل الصّلاة وأزكاها، وأتمَّ التحيّة وأنماها، اللّهمَّ أجعل نبيّنا يوم القيامة أقرب النبيِّين إليك، وإسقنا من كأسه، وارزقنا من شفاعته، وإجعلنا من رفقائه يوم القيامة، اللّهمَّ لا تجعل هذا آخر العهد بقبر نبيِّنا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإرزقنا العود إليه ياذا الجلال والاكرام.
الزيارة الرابعة


رواية الغزالي
السّلام عليكَ يا رسول الله، السّلام عليكَ يا نبيَّ الله، السَّلام عليك يا أمين الله، السّلام عليكَ يا حبيب الله، السّلام عليك يا صفوة الله، السّلام عليك يا خيرة الله، السّلام عليك يا أحمد، السّلام عليكَ يا محمّد، السّلام عليك يا أبا القاسم، السّلام عليك يا ماحي، السَّلام عليكَ يا عاقب، السّلام يا حاشر، السّلام عليك يا بشير، السّلام عليك يا نذير، السّلام عليك يا طهر، السّلام عليك يا طاهر، السّلام عليك يا أكرم ولد آدم، السّلام عليك يا سيِّد المرسلين، السّلام عليك يا خاتم النبيِّين، السّلام عليك يا رسول ربِّ العالمين، السّلام عليكَ يا قائد الخير، السّلام عليك يا فاتح البرّ، السّلام عليك يا نبيّ الله، السّلام عليك يا هادي الاُمّة، السّلام عليك يا قائد الغرّ المحجّلين، السّلام عليك وعلى أهل بيتك الذين أذهب الله عنهم الرِّجس وطهّرهم تطهيراً، السّلام عليك وعلى

السابق السابق الفهرس التالي التالي