حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 253

والموهبة الثالثة لسليمان عليه السلام ، وكما ذكرنا ـ تسخير مجموعة كبيرة من الجن لخدمته كما تقول الآية : «ومن الجن من يعمل بين يديه باذن ربه ومن يزغ منهم عن امرنا نذقه من عذاب السعير»(1) .
الجن ـ كما هو معلوم من اسمه ، ذلك المخلوق المستور عن الحس البشري ، له عقل وقدرة ومكلف بتكاليف الهية ، كما يستفاد من آيات القرآن الكريم.
لقد صيغت حول الجن اساطير وحكايات خرافية كثيرة ، لو حذفناها لكان اصل وجودهم والصفات الخاصة بهم التي وردت في القرآن موضوعا لا يخالف العلم والعقل مطلقا .
وعلى كل حال ، يستفاد من الآية المباركة اعلاه ، ان تسخير هذه القوة العظيمة كان ايضا بأمر من الله ، وانهم كانوا يتعرضون للعقاب حين ظهور اي تقصير منهم في اداء مهامهم .
والجدير بالملاحظة :
هو انه لادارة حكومة كبيرة ، ودولة واسعة كدولة سليمان ، تحتاج الى عوامل عديدة وقوة عاملة كبيرة ، واهم هذه العوامل وكما ذكرناها ، وذكرتها الآيات اعلاه هي :
1ـ توفر واسطة نقل سريعة مهيأة على الدوام ، لكي يستطيع رئيس الحكومة التنقل والتفقد في جميع اطراف دولته .
2ـ مواد اولية يستفاد منها لصناعة المعدات اللازمة لحياة الناس والصناعات المختلفة .
1ـ نفس المصدر .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 254

3ـ قوة عاملة فعالة ، تستطيع الاستفادة من تلك المواد بدرجة مناسبة ، لسد حاجات البلاد .
وهذا الموضوع ، وهذه اللوازم ، لا تختص فقط بعصر سليمان عليه السلام وحكومته ، بل نحتاجها في كل عصر وزمان ، اليوم وغدا ، وفي كل مكان ولاجل ادارة دولة بطريقة صحيحة وفعالة ومتطورة ، يسعد فيها المجتمع البشري ككل ..

ملاحظات :

روي انه اول من اتخذ السكر سليمان عليه السلام .
وقيل : كان ملك سليمان عليه السلام ما بين الشامات الى بلاد اصطخين .
وروي انه كان سليمان عليه السلام يطعم اضيافه اللحم بالحوّاري(1) ، وعياله الخشكار ، وياكل هو الشعير غير منخول .(2)
الصدوق باسناده الى زيد الشحام ، عن ابي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى : «اعملوا آل داود شكرا»(3) قال : كانوا ثمانين رجلا وسبعين امراة ، ما اغب المحراب رجل واحد منهم يصلي فيه ، وكانوا آل داود ، فلما قبل داود عليه السلام ولى سليمان عليه السلام .
قال : يا ايها الناس عُلمنا منطق الطير ، وسخر الله له الجن والانس ، وكان لا يسمع بملك في ناحية الارض الا اتاه حتى يذله ويدخله في دينه ، وسخر له الريح ، فكان اذا خرج الى مجلسه عكف عليه الطير وقام الجن والانس ، وكان اذا
1ـ الخبز الحوّاري : المطبوخ بالدقيق الابيض ، الذي نخل مرة بعد مرة . والخشكار : الدقيق المنخول ، او الخبز اليابس .
2ـ البحار : ج14 ص70.
3ـ سبأ : 13.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 255

اراد ان يغزو امر بمعسكره فضرب له بساطا من الخشب ، ثم جعل عليه الناس والدواب وآلة الحرب كلها حتى اذا حمل معه ما يريد ، امر العاصف من الريح فدخلت تحت الخشب فحمله حتى ينتهي به الى حيث يريد ، وكان غدوها شهرا ورواحها شهرا(1) .
وروي انه آخر نبي يدخل الجنة سليمان بن داود عليهما السلام وذلك لما اعطي في الدنيا .(2)
وان اول من كسا البيت الثياب سليمان بن داود عليهما السلام كساه القباطي .(3)
كان سليمان عليه السلام مع ماهو فيه من الملك يلبس الشَعر ، واذا جنه الليل شد يديه الى عنقه ، فلا يزال قائما حتى يصبح باكيا ، وكان قوته من سفائف الخوص يعملها بيده ، وانما سأل الملك ليقهر ملوك الكفر .

مواعظ وحكم :


الاجل :


من المواعظ المهمة للانسان هو الموت والاجل المحدد ، حيث قال الله تعالى :
«فاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون»(4) .
وقال امير المؤمنين عليه السلام : ولو ان احدا يجد الى البقاء سلما ، او لدفع الموت سبيلا ، لكان سليمان بن داود عليه السلام الذي سخر له ملك الجن والانس مع النبوة
1ـ البحار : ج14 ص71.
2ـ السرائر : 467.
3ـ من لا يحضره الفقيه : 213.
4ـ الاعراف : 34.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 256

وعظيم الزلفة ، «اي عظيم الدرجة» ، فلما استوفى طعمته واستكمل مدته رمته قسي الفناء بنبال الموت ، واصبحت الديار منه خالية ، والمساكن معطلة ، ورثها قوم آخرون .(1)

استسقاء النملة :


روي انه خرج سليمان يستسقي ومعه الجن والانس فمر بنملة عرجاء ناشرة جناحها ، رافعة يديها ، وتقول :
اللهم انا خلق من خلقك ، لا غنى بنا عن رزقك ، فلا تؤاخذنا بذنوب بني آدم ، واسقنا .
فقال سليمان عليه السلام لمن كان معه : ارجعوا فقد شفع فيكم غيركم ، وفي خبر آخر : قد كفيتم بغيركم(2) .

ثواب التسبيحة :


روى ابن شهر آشوب في البيان :
فيحكى ان سليمان عليه السلام مر بحراث فقال الحارث لقد اوتي ابن داود ملكا عظيما ، فسمعه سليمان ، فنزل ومشى الى الحراث وقال : انما مشيت اليك لئلا تتمنى ما لا تقدر عليه ، ثم قال :
لتسبيحة واحدة يقبلها الله تعالى خير مما اوتي آل داود ، لان ثواب التسبيحة يبقى ، وملك سليمان يفنى .(3)
1ـ نهج البلاغة : 1ـ 341.
2ـ رواه المسعودي في اثبات الوصية .
3ـ عدة الداعي : 191. عنه البحار : ج14 ص81.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 257

هذا من فضل ربي :


ان عبيد الدنيا وطلابها الذين غرتهم الدنيا حين ينالون القوة والاقتدار ، ينسون كل شيء ، وينسون الله عز وجل ، وكل ما يقع في ايديهم يحسبونه من عند انفسهم وبقدرتهم ، لا من غيرهم ولا من الله كما كان قارون يقول : «انما اوتيته على علم عندي» ...
في حين ان عباد الله من المؤمنين والمتقين والانبياء والصالحين لم يقولوا هذا الكلام بل يقولوا هو من عند الله ، كل هذه النعم والبركات من فضل الله تعالى كما كان النبي سليمان عليه السلام يرى جميع النعم التي يتمتع بها هي من نعم الله عليه .
وعندما شاهد عرش ملكة سبأ عنده قال :
«هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر ام اكفر ومن شكر فانما يشكر لنفسه ومن كفر فان ربي غني كريم»(1) .
هذا هو معيار معرفة الموحدين الخلص ، وهذه سيرة السالكين والمقربين الى الله عز وجل والداعين له ، ونرى النبي سليمان ايضا قال : «وقال رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه ...»(2) .
ومع الاسف نرى الكثير من المتظاهرين بالشكر والطواغيت ومن الذين اعتادوا على كتابة هذه العبارة والآية المباركة «هذا من فضل ربي» على قصورهم ودورهم ـ الطاغوتية ـ دون ان يعتقدوا بذلك ويعملوا به ...
ولكن ومع هذا ، المهم هو ان تكتب هذه العبارة على ابواب البيوت ، وعلى
1ـ النمل : 40.
2ـ النمل : 19.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 258

جبهة الانسان ، وعلى قلبه وفي قلبه ... ايضا وان يشكر الله ، لا شكرا باللسان فحسب ، بل شكرا مقرونا بالعمل وفي جميع الاحوال وجميع وجوده ، الحمد لله وله الشكر على كل حال .

منطق سليمان :


وقال الصادق عليه السلام : اعطي سليمان بن داود عليه السلام مع علمه معرفة المنطق بكل لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع ، فكان اذا شاهد الحروب تكلم بالفارسية ، واذا قعط لعماله وجنوده واهل مملكته ، تكلم بالرومية ، فاذا خلا مع نسائه يكلم بالسريانية والنبطية ، واذا اقام في محرابه لمناجاة ربه تكلم بالعربية ، واذا جلس للوفود والخصماء تكلم بالعبرانية .(1)

كيف احضر عرش بلقيس :


لم يكن هذا اول عمل خارق للعادة ، ولا الوحيد من نوعه ، في قصة سليمان عليه السلام ، بل هناك الكثير من هذه الاعمال الخارقة حدثت في حياة الانبياء والاوصياء ، وحتى في زماننا هذا وايامنا هذه ، وما سيحدث في المستقبل اكثر ...
هل ترون ان هذه الاعمال الخارقة للعادة من قبل الانبياء وخلفائهم محال ؟! وتنكرونها كليا ؟! فهذا الامر لا ينسجم مع اصل التوحيد ، ولا مع قدرة الله الحاكم على قوانين الوجود ... .
هذا العلم الذي وصل اليه الانسان اليوم من غزو الفضاء وصنع الفضائيات حيث نرى الانسان يتكلم في المشرق ويسمع كلامه ويرى صورته من في
1ـ تفسير القمي : 476.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 259

المغرب ، باقل من رمشة عين ، بل انت جالس في المغرب وتتحدث مع من يجلس في المشرق وتراه مباشرة وفي آن واحد ... اليس هذا من عظمة الله عز وجل وقدرته ، وأليس هذا هو التوحيد ؟! فتأمل .

سليمان عليه السلام والنملة :


قال الطبرسي رحمه الله : وادي النمل هو واد بالطائف ، وقيل : بالشام .
بينما كان سليمان عليه السلام يسير مع جنوده مروا بوادي النمل ، فخرجت رئيستهم ونادت بقية النمل ، ان ادخلوا بيوتكم لا يحطمنكم جنود سليمان ، وذلك في قوله تعالى : «حتى اذا اتوا على وادي النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها ...»(1) .
لما سمعها سليمان عليه السلام وقف بجنوده حتى دخل النمل مساكنهم فتبسم ضاحكا من قولها ، وسبب ضحكه ، التعجب لانه رأى ما لا عهد له به ، وقيل : فتبسم من حذرها .
وهذا يدل على ان سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الارض ولم تحملهم الريح ، لان الريح لو حملتهم بين السماء والارض لما خافت النملة ان يطؤوها بارجلهم ، ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان عليه السلام .
فان قيل : كيف عرفت النملة سليمان وجنوده حتى قالت هذه المقالة ؟
قلنا : اذا كانت مأمورة بطاعته فلابد ان يخلق الله لها من الفهم ما تعرف به امور طاعته ، ولا يمنع ان يكون لها فهم ما تستدرك به ذلك .
الهامش 1ـ النمل : 19.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 260

وقد علمنا انها تشق ما تجمع من الحبوب بنصفين مخافة ان تصيبه الندى فينبت ، الا الكزبرة فانها تكسرها باربع ـ قطع ـ لانها تنبت اذا قطعت بنصفين ، فمن هداها الى هذا فانه يهديها الى تمييز ما يحطمها مما لا يحطمها .
وروي لما سمع سليمان قول النملة دعاها وقال :
علي بالنملة ، فلما اتي بها قال سليمان : يا ايتها النملة اما علمت اني نبي الله ، واني لا اظلم احدا ؟ قالت النملة : بلى ، قال سليمان : فَلِمَ حذرتيهم ظلمي ؟ قالت النملة : خشيت ان ينظروا الى زينتك فيفتتنوا بها فيبعدوا عن الله تعالى ذكره ويعبدون غيره(1) .

سليمان عليه السلام والعصفور :


روي ان سليمان عليه السلام راى عصفورا يقول لعصفورة : لِمَ تمنعين نفسك مني ؟ ولو شئت اخذت قبة سليمان بمنقاري فالقيتها في البحر ، فتبسم سليمان عليه السلام من كلامه ، ثم دعاهما وقال للعصفور : اتطيق ان تفعل ذلك ؟ فقال : لا يا رسول الله ، ولكن المرء قد يزين نفسه ويعظمها عند زوجته ، والمحب لا يلام على ما يقول .
فقال سليمان عليه السلام للعصفورة : لِمَ تمنعينه من نفسك وهو يحبك ؟ فقالت : يا نبي الله انه ليس محبا ولكنه مدع ، لانه يحب معي غيري .
فأثر كلام العصفورة في قلب سليمان ، وبكى بكاء شديدا واحتجب عن الناس اربعين يوما يدعو الله ان يفرغ قلبه لمحبته وان لا يخالطها بمحبة غيره(2) .
وروي انه عليه السلام سمع يوما عصفورا يقول لزوجته : ادني مني حتى اجامعك
1ـ البحار : ج14 ص92.
2ـ البحار : ج14 ص95.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 261

لعل الله يرزقنا ولدا يذكر الله تعالى فانا كبرنا .
فتعجب سليمان من كلامه وقال : هذه النية خير من مملكتي(1) .

النملة والضفدعة :


ذكروا ان سليمان عليه السلام كان جالسا على شاطئ بحر فبصر بنملة تحمل حبة قمح تذهب بها نحو البحر ، فجعل سليمان ينظر اليها حتى بلغت الماء ، فاذا بضفدعة قد اخرجت رأسها من الماء ففتحت فاها فدخلت النملة فاها وغاصت الضفدعة في البحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجبا .
ثم انها خرجت من الماء وفتحت فاها فخرجت النملة من فيها ولم يكن معها الحبة ، فدعاها سليمان عليه السلام وسألها عن حالها وشأنها واين كانت.
فقالت : يا نبي الله ان في قعر هذا البحر الذي تراه صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء ، وقد خلقها الله تعالى هنالك فلا تقدر ان تخرج منها لطلب معاشها ، وقد وكلني الله برزقها ، فانا احمل رزقها ، وسخر الله هذه الضفدعة لتحملني ، فلا يضرني الماء في فيها ، وتضع فاها على ثقب الصخرة وادخلها ، ثم اذا اوصلت رزقها اليها ، خرجت من ثقب الصخرة الى فيها فتخرجني من البحر .
فقال سليمان عليه السلام : وهل سمعت لها من تسبيحة ؟ قالت : نعم ، تقول : يا من لا ينساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة برزقك ، لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك(2) .
قال الثعلبي في تفسيره : قالت النملة لسليمان عليه السلام :
هل علمت لم سمي ابوك داود ؟ قال : لا ، قالت : لانه داوى جرحه بود ،
1ـ دعوات الراوندي ، عنه البحار : 14ـ 97.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 262

هل تدري لمَ سميت سليمان ؟ قال : لا ، قالت : لانك سليم ركنت الى ما أوتيت لسلامة صدرك ، وآن لك ان تلحق بأبيك(1) .

مواعظ من منطق الحيوانات


قال الراوي : وصاح ورشان(2) عند سليمان ، فقال : اتدرون ما تقول ؟ قالوا : لا ، قال : فانها تقول : لدوا للموت وابنوا للخراب .
وصاحت فاختة فقال : تقول : ليت الخلق لم يُخلقوا .
وصاح طاووس عنده فقال : اتدرون ما قال ؟ قالوا : لا ، قال : فانه يقول : كما تدين تدان .
وصاح هدهد عنده فقال : انه يقول : من لا يَرحم لا يُرحم .
وصاح صرد(3) عنده فقال : تقول : استغفروا الله يا مذنبين .
وصاح طوطي فقال : يقول كل حي ميت وكل جديد بال .
وصاح خطاف فقال : يقول قدموا خيرا تجدوه .
وهدرت حمامة فقال : تقول : سبحان ربي الاعلى ملء سماواته وارضه .
وصاح قمري فقال : يقول : سبحان ربي الاعلى .
قال : والغراب يدعو على العشار ، والحدأ(4) يقول : كل شيء هالك الا وجهه ، والقطا(5) يقول : من سكت سلم . والببغاء يقول : ويل لمن الدنيا همه .
1ـ البحار : 14ـ 93.
2ـ وَرَشان : نوع من الحمام البري اكدر اللون فيه بياض فوق ذنبه .
3ـ صُرد : طائر ضخم الراس ابيض البطن ، اخضر الظهر .
4ـ الحدأ : جمع حِداة ـ طائر من الجوارح .
5ـ القطاة : طائر بحجم الحمام .
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 263

والضفدع يقول : سبحان ربي القدوس .
والباز يقول : سبحان ربي وبحمده .
والضفدعة تقول : سبحان المذكور بكل مكان .
وصاح دراج عند سليمان بن داود عليه السلام فقال : اتدرون ما يقول ؟ قالوا : لا ، قال : فانه يقول : الرحمن على العرش استوى .(1)
قالت ام سليمان بن داود لسليمان عليه السلام : يا بني اياك وكثرة النوم بالليل فان كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرا يوم القيامة .
وقال سليمان عليه السلام لابنه : يا بني اياك والمراء فانه ليست فيه منفعة ، وهو يهيج بين الاخوان العداوة .(2)

رد الشمس :


نقرأ في حياة النبي سليمان ايضا كثير من القصص الخيالية والمختلقة من قبل المنافقين ووعاظ السلاطين ، والجهلة والمخالفين ، وذلك من اجل المصالح المادية والشخصية ـ كما ذكرنا ـ ، لم نشغل فيها وقت وذهن القارئ العزيز في سردها ، وخاصة ونحن اليوم ومع تطور العلم وانفتاح الذهن ، اصبحت مثل تلك القصص الخيالية واضحة البطلان ولا يقبلها كل ذوعقل سليم .
نذكر هنا نموذج واحد من تلك الاقاويل والتفسيرات الباطلة ، والجواب عليها ، من قبل مولى الموحدين امير المؤمنين عليه السلام وذلك في تفسير قوله تعالى : «... حتى توارت بالحجاب * ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق ...
1ـ البحار : ج14 ص96. 2ـ تنبيه الخواطر : 2ـ 12.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 264

الخ»
(1) .
فسرت هذه الآيات باشكال مختلفة ، حيث ان بعضها فسر بصورة سيئة معارضة لموازين العقل وصدورها من انسان عادي ، فكيف تَرد بحق نبي عظيم كسليمان عليه السلام !!
روى الطبرسي رحمه الله عن ابن عباس انه قال : سألت عليا عليه السلام عن هذه الآية ، فقال : ما بلغك فيها يا ابن عباس ؟ فقلت : سمعت كعبا يقول : اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى فاتته الصلاة ، فقال : ردوها علي يعني الافراس ، وكانت اربعة عشر ، فامر بضرب سوقها واعناقها بالسيف فقتلها ، فسلبه الله ملكه اربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها .
فقال علي عليه السلام : كذب كعب ، لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه اراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب ، فقال بأمر من الله تعالى للملائكة الموكلين بالشمس : ردوها علي ، فردت فصلى العصر في وقتها ، وان انبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون .(2) فتأمل ... روي عن جابر عن ابي جعفر عليه السلام قال : ان اسم الله الاعظم على ثلاث وسبعين حرفا ، وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالارض ما بينه وبين سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الارض كما كانت اسرع من طرفة عين .
وعندنا نحن من الاسم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .(3)
1ـ ص : 30ـ 33.
2ـ مجمع البيان : 8ـ 475 ، البحار : ج14 ص103.
3ـ تفسير الميزان : ج15 ص370.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 265

الهدهد وبلقيس :


يشير القرآن في هذا القسم من الآيات الى جانب آخر من حياة سليمان المدهشة ، وما جرى له مع الهدهد وبلقيس ملكة سبأ ، فيقول تعالى في كتابه المجيد :
«وتفقد الطير فقال ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين»(1) .
كان سليمان عليه السلام دائما يتحرى اوضاع مملكته لئلا يخفى عليه شيء ، حتى لو كان طائرا واحدا .
وكان سليمان عليه السلام عندما يتحرك او يجلس للاستراحة ، تظلل الطير بانواعها فوق راسه فتكون مثل الخيمة وبينما هو كذلك في احد الايام ، اذ رفع راسه ونظر الى الطيور فلم يرى الهدهد وعرف غيابه وقال : «ما لي لا ارى الهدهد ام كان من الغائبين»(2) . اشارة الى انه هل الهدهد لم يحضر لعذر مقبول ام دون عذر موجه ؟ .
فبعد فترة عاد الهدهد وتوجه نحو سليمان ، وعندما توجه نحوه احس بآثار الغضب في وجه سليمان ، ومن اجل ان يزيل ذلك الغضب ، اخبره بخبر مهم ، بحيث كان سليمان نفسه غير مطلع عليه برغم ما عنده من علم .
ولما سكن الغضب عن وجه سليمان ، اخبره الهدهد بالخبر وقال : ان غيابي لم يكن اعتباطا وعبطا ، بل جئتك بخبر يقين .
«ومما ينبغي الالتفات اليه ، ان جنود سليمان عليه السلام ـ حتى الطيور الممتثلة لاوامره ـ كانت عدالة سليمان قد اعطتهم الحرية والامن والدعة بحيث يكلمه الهدهد وغيره من الحيوانات ، دون خوف وبصراحة لا ستار عليها» .
1ـ النمل : 20ـ 44.
2ـ النمل : 20.
حكم ومواعظ من حياة الانبياء ـ الجزء الثاني 266

فان الهدهد اخذ يفصل لسليمان ما حدث ، «فقال احطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين * اني وجدت امراة تملكهم واوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم»(1) .
ولما سمع سليمان كلام الهدهد طأطأ براسه وغرق في تفكيره ، الا ان الهدهد لم يمهله طويلا فاخبره بخبر جديد ومزعج مريب ، اذ قال : «وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون»(2) .
بعد ان اصغى سليمان الى كلام الهدهد بكل اهتمام ، وفكر مليا ، رفع راسه ، وكتب كتابا وجيزا ذا مغزى عميق ، وسلمه الى الهدهد وقال له : «اذهب بكتابي هذا فالقه اليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون»(3) .
ذهب الهدهد مسرعا الى قصر ملكة سبأ ، ودخل مخدعها والقى الكتاب اليها .
فتحت الكتاب واطلعت على مضمونه ، وحيث ان بلقيس كانت من قبل قد سمعت باخبار سليمان واسمه ، وكان الكتاب يدل على اقدامه وعزمه الشديد في شأن بلد سبأ ، وبعد ان فكرت مليا ، دعت من حولها من المستشارين والوزراء ، واخبرتهم بالكتاب ومضمونه وانه من سليمان ومختوم بخاتمه ، وطلبت منهم ان يحكموا بهذه المسألة المهمة والدقيقة وماذا يفعلون .
فالتفت اليها اشراف قومها وقالوا لها : «نحن اولو قوة واولو بأس شديد والامر اليك فانظري ماذا تأمرين»(4) .
1ـ 2ـ النمل : 22ـ 28.
3ـ المصدر السابق .
4ـ النمل : 33ـ 34.

السابق السابق الفهرس التالي التالي