الاربعون حديثاً 436

عزيزي إن الأخبار والأحاديث الشريفة التي تتحدث عن مثل هذه المثوبات الكثيرة لا تتحدد بالواحد والاثنين والعشرة حتى نستطيع أن نناقش فيها ، وإنما هي فوق حد التواتر فإن جميع الكتب المعتبرة المعتمدة مشحونة بأمثال هذه الأحاديث . ثم إنه تضاهي دلالة هذه الأخبار الكثيرة في هذا المضمار ، ما إذا كنا قد سمعنا الحديث بآذاننا من المعصومين عليهم السلام ، ومن دون حاجة إلى التأويل والتفسير . إذن إنكار موضوع ـ المكافأة الكثيرة على العمل البسيط ـ الموافقة للنصوص المتواترة ، والتي لا تصطدم أيضا مع البراهين بل تتطابق مع سلسلة من الأدلة ، إنكار ذلك يكون من جرّاء ضعف في الإيمان ومنتهى الجهالة .
يجب على الإنسان أن يكون مستسلما لأقوال الأنبياء والأولياء عليهم السلام ولا يوجد شيء في سبيل تكامل الإنسان ، أفضل من التسليم والطاعة أمام أولياء الحق . وخاصة في الأمور التي لا مجال للعقل في التطرق إليها ولا يوجد سبيل لإدراكها واستيعابها إلا بواسطة الوحي والرسالة . ولو أراد الإنسان أن يتطرق بعقله الصغير وأوهامه وظنونه ، إلى الأمور الغيبية الأخروية ، والتعبدية الشرعية ، لانتهى أمره إلى إنكار الضروريات والمسلّمات ، لأنه ينجر من القليل إلى الكثير رويدا رويدا ، ومن البسيط إلى الأعلى حتى يفضي به الأمر إلى جحود الأوليات البديهية من الدين .
لو فرضنا أن الإنسان ناقش في الأخبار وسندها ـ رغم أنه لا مجال لمثل هذه المناقشة ـ لما استطاع أن يناقش في الكتاب الكريم والقرآن السماوي المجيد حيث نجد فيه أيضا ذكرا لأمثال هذه المثوبات ، مثل قوله تعالى :«ليلة القدر خير من ألف شهر» (1) وقوله تعالى :«مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء» (2) .
بل وحسب زعم الكاتب أن من عوامل هذا الرفض والاستبعاد للمكافأة الكبيرة على العمل الصغير ، العُجب واستعظام العمل : مثلا إذا صام شخص يوما واحدا ، أو أحيا ليلة واحدة بالعبادة ، فلا يستكثر الثواب الكثير إذا سمع بأن جزاءه ثواب عظيم ، ولكنه إذا عرف بأن هذا الثواب ثمن عمله إستبعد عظمة الأجر والثواب ، وبعد أن يستعظم عمله ويُعجب به ، يتلاشى الاستبعاد ويُصدّق الثواب العظيم ويؤمن به .
عزيزي إذا فرضنا بأننا إذا كنا طيلة حياتنا التي نعيشها خمسين أو ستين عاما ، من الملتزمين لكل الوظائف الشرعية ، ثم ارتحلنا من هذه الدنيا مع إيمان صحيح وعمل صالح

(1) سورة القدر ، آية : 3 .
(2) سورة البقرة ، آية : 261 .
الاربعون حديثاً 437

وتوبة مقبولة فماذا نستحق من الجزاء لهذا القدر من الإيمان والعمل ؟ مع أن هذا الإنسان حسب القرآن الكريم والسنة النبوية واتفاق جميع الأمم ، تشمله رحمة الحق سبحانه ، ويدخل الجنة الموعودة ، هذه الجنة التي يخلّد الإنسان في نعمها ورفاهها ، ويعيش إلى الأبد في الرحمة والروح والريحان ، ولا مجال لإنكار ذلك أبدا ، مع أنه إذا أردنا أن نقارن الجزاء بالعمل ـ على فرض أن يكون لعملنا مكافأة ـ لما استحق هذا القدر من الجزاء الذي يعجز العقل عن تصور كميته وكيفيته .
فيظهر أن القضية لا ترتبط بمقارنة المكافأة مع العمل ، بل تكون منوطة بشيء آخر ـ الرحمة الواسعة الإلهية ـ وعليه لا يبقى مجال لاستبعاد هذه المكافأة العظيمة على عمل صغير ، ورفضها .

فصل
في بيان عدد النوافل

إن مقصود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله (أما الصلاة فالخمسون ركعة) الموافق لسنته (الآخذ بسنتي في صلاتي) ، هو الصلوات من فرائضها ونوافلها عدا ركعتين بعد صلاة العشاء تؤديان من جلوس وتعدان ركعة واحدة ، حيث يكون مجموع عدد الركعات مع هاتين الركعتين من جلوس إحدى وخمسين ركعة . ولعل تجاهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لذكر هذه الركعة لأجل أن خمسين ركعة هذه ، مستحب مؤكد . كما تدل على ذلك رواية ابن أبي عمير قال : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أفضل ما جرت به السنة من الصلاة ، قال : تمام الخمسين» (1) .
ويستفاد من بعض الروايات أنه قد جرت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أداء الخمسين ركعة هذه . مع أن هناك روايات أخرى تدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان يأتي بالعَتَمة ـ الركعتان من جلوس بعد صلاة العشاء ـ . ولعل عدم ذكرها ضمن النوافل ، وجعل السنة خمسين ركعة ، لأجل أن العتمة بديل عن صلاة الوتر من دون أن تكون لها استقلالية ، كما تدل على ذلك رواية فضيل بن يسار ، وتسمى في الرواية الشريفة بالوتر . وفي بعض الروايات أن من صلى العتمة ومات كان من الذين ماتوا وقد أقاموا صلوة الوتر . ففي الحقيقة أن صلاة العتمة هي صلاة الوتر التي لا بد أن نؤديها قبل وقتها خشية موتنا تلك الليلة ، فعندما يحل وقتها لا تكون تلك العتمة مُجزية عنها . وفي بعض الروايات أن العَتَمَة لم تكن من عدد النوافل للصلوات اليومية ، ولكنها أضيفت حتى تكون النوافل ضعف الفرائض .

(1) وسائل الشيعة ، المجلد الثالث ، الباب 13 ، من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ح 5 ص 32 .
الاربعون حديثاً 438

وملخص الحديث أنه لا تهافت بين هذه الروايات ، فإنه من الممكن أن تكون خمسون ركعةمن أفضل السنن ، وهاتان الركعتان من جلوس ـ العتمة ـ مستحبتان غير مؤكدتين ، وإنما شرعتا لتتميم عدد الضعف ، وللإحتياط في الإتيان بالعتمة قبل مفاجأته الموت بالليل قبل أن يأتي بصلاة الوتر .
وعلى أي حال هناك فضل كبير للنوافل اليومية ، بل اعتبر في بعض الروايات أن من المعاصي ترك النافلة وفي بعض آخر أن الله سبحانه سيعذب الإنسان على ترك السنة . وفي بعضها تصريح بوجوب النوافل . ويكون هذا التعبير لأجل التأكيد على الإتيان بها والردع عن تركها . وينبغي على الإنسان مهما أمكن أن لا يتركها ، لأن الهدف المنشود من ورائها حسب الروايات المذكورة اتمام الفرائض وقبولها . ففي بعض الأحاديث قال الصادق عليه السلام (شيعتنا أصحاب الإحدى وخمسين ركعة) (1) ويظهر من هذا الحديث أن الشيعة هم الذين يأتون بالإحدى وخمسين ركعة ، ولم يقتصروا على الاعتقاد بها فحسب من دون أن ينجزوها . ويقابلهم أهل السنة . ويظهر ذلك من حديث علامات المؤمن عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام قال علامات المؤمن خمس ، وعد منها صلاة الإحدى وخمسين (2) .

في بيان استحباب صوم ثلاثة ايام من كل شهر

وأما السنة الثانية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فهي الصيام ثلاثة أيام في الشهر . وقد ورد في فضل ذلك ما يتجاوز أربعين رواية . وحصل خلاف لدى العلماء الاعلام حول كيفية ذلك . والذي يشتهر بينهم ويتطابق مع الأحاديث الكثيرة ، وعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نهاية عمره الشريف ، وعمل أئمة الهدى ، هو صوم ثلاثة أيام في الشهر الواحد هي : أول خميس من الشهر ، وهو يوم عرض الأعمال . والأربعاء الأول من العشرة الثانية وهو يوم نحس مستمر ، ويوم نزول العذاب . والخميس الأخير من الشهر الذي هو يوم عرض الأعمال أيضا . وفي الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام ... لأن مَن قبلنا من الأمم كانوا إذا نزل على أحدهم العذاب ، نزل في هذه الأيام فصام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأيام لأنها الأيام المخوفة) (3) . وفي صدر هذا الحديث (وقال ليعدلن ـ صيام ثلاثة أيام في الشهر ـ صوم الدهر) . وعلل في بعض الروايات بالآية الكريمة « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها»

(1) وسائل الشيعة ، المجلد الثالث ، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، ص 41 .
(2) وسائل الشيعة ، المجلد الثالث ، الباب 3 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، ص 42 .
(3) وسائل الشيعة ، المجلد 7 ، الباب 7 من أبواب الصوم المندوب ، ح 1 .
(4) وسائل الشيعة ، المجلد 7 ، الباب 7 من أبواب الصوم المندوب ، ح 8 .
الاربعون حديثاً 439

وأما الروايات التي تخالف الأحاديث المذكورة من جهة تعيين أيام الصيام الثلاثة ، فهي محمولة على مراتب الفضل . وإذا إفترضنا التهافت والتعارض بين هاتين المجموعتين من الأخبار ، كان الترجيح من جهات شتى للروايات التي منها الحديث الشريف . بل نستطيع أن نقول بأنه من التعارض بين النص والظاهر أو بين الأظهر والظاهر ، والمجموعة التي فيها الحديث المذكور نص وأظهر فتتقدم على المجموعة التي تقابلها وتعارضها .
وأما مرسلة الصدوق التي تقول (وروي عن العالم أنه سُئل عن خميسَين يتفقان في آخر العشر ، فقال صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني) (1) فلا تتنافى مع هذه الأخبار ، لأن ظاهرها البلوغ إلى الثواب العاجل ، إذ من المحتمل أن لا يتوفق الإنسان إلى الصيام في الخميس الثاني بسبب مفاجأته الموت ، كما ورد نفس هذا المضمون في تعليل صلاة العتمة . فهذه الرواية ـ مرسلة الصدوق ـ بنفسها تدل على المقصود ، من أفضلية الصوم في الخميس الأخير من الشهر ، ولا تمت إلى الأخبار المعارضة بصلة . والظاهر أن الإنسان إذا صام الخميس الأول من الشهر ، وبقي على قيد الحياة حتى حلول الخميس الأخير من الشهر ، فالأفضل صومه ، لنيل ثوابه ، إذ أن الصوم في الخميس الأول لا يغني عنه . وما ذكره المحقق الجليل فيض الكاشاني ، والمحدث العالي الشأن صاحب الحدائق عليهما الرحمة للجمع بين هاتين المجموعتين من الأحاديث فبعيد ، وخاصة كلام صاحب الحدائق رضوان الله تعالى عليه .

في بيان فضيلة الصدقة

وأما السُنة الثالثة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهي عبارة من : (أما الصدقة فجُهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف) وهي من المستحبات ، التي قل أن يبلغ مثوبتها في الأجر والثواب ، عمل آخر . والأخبار في التصدق ، حتى على من لا يوافقنا في الدين ، وعلى الحيوانات البرية والبحرية ، أكثر مما يتناسب مع حجم هذا الكتاب . ونحن نكتفي بذكر بعضها :
محمد بن يعقوب بإسناده عن عبد الله بن سنان في حديث قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : «ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، هي تقع في يد الرب تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد» (2) .
وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال : «إن الله لم يخلق شيئا إلا وله خازن يخزنه إلا الصدقة فإن الرب يليها بنفسه ؛ وكان أبي إذا تصدق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه

(1) وسائل الشيعة ، المجلد 7 ، الباب 7 من أبواب الصوم المندوب ، ح 4 .
(2) فروع الكافي ، المجلد 4 ، ص 3 .
الاربعون حديثاً 440

فقبّله وشمّه ثم رده في يد السائل»
(1) .
وهناك أحاديث أخرى قريبة من مضمون هذا الحديث ، دالة على عظمة شأن الصدقة وجلالة قدرها ، حيث أن الله سبحانه لم يخوّل أمرها إلى شخص آخر ، وإنما تولى هو بنفسه مع يد قدرته وإحاطته القيّومية ، المحافظة على صورة الصدقة الغيبية الكاملة .
ثم إن التدبر في هذا الحديث وأمثاله المذكورة في الأبواب المختلفة من كتب الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين ، يبعث على استكشاف التوحيد الفعلي للحق سبحانه ، والتجلي القيومي لدى أهل المعرفة وأصحاب القلوب ـ العرفاء ـ ، ويشير إلى نكتة مهمة ، يجب على من يؤدي هذا الأمر المهم ـ التصدق ـ الإلتفات إليها ، وهي :
إن الإنسان عندما يتصدق بيده إذا منّ على الفقير أو أساء إليه والعياذ بالله ، كانت منّته وإساءته أولا إلى الله تعالى وثانيا إلى الفقير . كما أنه إذا خشع وتواضع وأبدى منتهى الذل والمسكنة لدى تقديم الصدقة إلى السائل المؤمن ، كان خضوعه وذله وخشوعه لله أولا ثم للفقير المؤمن ثانيا . كما رأينا بأن عالم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعاشق جمال الحق المتعالي ، الإمام باقر العلوم عليه السلام (إذا تصدّق بشيء وضعه في يد السائل ثم ارتده منه فقبّله وشمّه ثم رده في يد السائل) .
والله سبحانه يعلم بأن مثل هذه المغازلة مع المعشوق جل وعلا إلى أي حد كانت تبعث على قرار نفس العاشق المجذوب ، وراحة أعماق الإمام المقدسة وكانت تسبب إخماد ذلك اللهب والضرام المتأجج في صدره صلوات الله وسلامه عليه .
يؤسفني ويلم بي الأسف آلاف المرات أني قدمت إلى هذا العالم وأنا مستغرق في بحار هوى النفس ، وملتصق بالأرض المادية ، ومقيّد بالشهوات وأسير للبطن والفرج ، وغافل عن عالم مُلك الوجود ، وسكران بسكر الأنانية ومحورية الذات ، وسأفارق هذا العالم ، ولم أدرك شيئا من محبة الأولياء ، ولم أفهم شيئا أبدا من جذباتهم وجذواتهم ومنازلهم ومغازلاتهم ، وكان حضوري في هذا العالم حضورا حيوانيا ، وحركاتي حركات حيوانية وشيطانية . وعليه فسيكون موتي أيضا حيوانيا وشيطانيا . اللهم إليك المشتكى وعليك المعول .
إلهي : أنقذنا بنور هدايتك ، وأيقظنا من هذا النوم العميق ، وخذنا إلى عالم الغيب والنور ودار البهجة والسرور ، ومحفل الإنس ، والخلوة الخاصة بك .
وبإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «أرض

(1) فروع الكافي ، المجلد 4 ، ص 9 .
الاربعون حديثاً 441

القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله» (1)في الرواية عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال الله تبارك وتعالى «أنا خالق كل شيء ، وكلت بالأشياء غيري إلا الصدقة فإني أقبضها بيدي ، حتى أن الرجل يتصدق بشقه التمرة فاربيها له كما يربى الرجل منكم فصيله وفلوه حتى أتركه يوم القيامة أعظم من أحد»
(2) وروايات كثيرة من هذا القبيل .
وورد في أحاديث كثيرة : عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الصدقة تدفع ميتة السوء) (3) وعن أبي الحسن عليه السلام (قال : إستنزلوا الرزق بالصدقة) (4) وعن أبي عبد الله عليه السلام (قال : حُسن الصدقة يَقضي الدين) (5) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «إن الصدقة وصلة الرحم تعمّران الديار ، وتزيدان في الأعمار» (6) وعن أبي جعفر عليه السلام (قال البر والصدقة ينفيان الفقر ، ويزيدان في العمر ، ويدفعان سبعين ميتة سوء) (7) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إنه قال الصدقة على خمسة أجزاء ، جزء الصدقة فيه بعشرة وهي الصدقة على العامة . وقال تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وجزء الصدقة فيه بسبعين وهي الصدقة على ذوي العاهات ، وجزء الصدقة فيه بسبعمائة وهي الصدقة على ذوي الأرحام ، وجزء الصدقة بسبعة آلاف وهي الصدقة على العلماء وجزء الصدقة بسبعين ألفا وهي الصدقة على الموتى) (8) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة) (9) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال (إرغبوا في الصدقة وبكروا بها ، فما من مؤمن يتصدق بصدقة حين يُصبح يريد بها ما عند الله ، إلا دفع الله بها عنه شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم أو قال وقاه الله شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم) (10) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ومن أحب أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتتح ليلتـه بصدقـة ، يدفـع الله عنـه نحـس ليلته) (11) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إن الله لا إله إلا هو ليدفع بالصدقة الداء و...) (12) وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : لأن أحج حجة أحب إلي من أن أعتق رقبة ورقبة حتى إنتهى إلى عشر ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين

(1) فروع الكافي ، المجلد 4 ، ص 3 .
(2) البحار ، المجلد 96 ، باب فضل الصدقة وأنواعها وآدابها ، ح 44 ، ص 127 .
(3) و (4) فروع الكافي ، ألمجلد 4 ، ص 2 ، ح 1 و ص 10 ح 4 .
(5) فروع الكافي ، المجلد 4 ، ص 10 ح 5 .
(6) البحار ، المجلد 96 ، باب فضل الصدقة وأنواعها ، ح 55 ، ص 130 .
(7) البحار ، المجلد 96 ، باب فضل الصدقة وأنواعها ، ح 17 ص 119 .
(8) مستدرك وسائل الشيعة ، المجلد 7 ، الباب 18 من أبواب الصدقة ، ح 10 ص 196 .
(9) مستدرك وسائل الشيعة ، المجلد 7 ، الباب 1 من أبواب الصدقة ، ح 26 ص 160 .
(10) مستدرك وسائل الشيعة ، المجلد 7 ، الباب 7 من أبواب الصدقة ، ح 1 ص 170 .
(11) و (12) فروع الكافي ، المجلد 4 ، ص 5 ـ 7 .
الاربعون حديثاً 442

ولإن أعدل أهل بيت من المسلمين أشبع جوعتهم وأكسو عورتهم وأكُف وجوههم عن الناس أحب إلي من أن أحج حجة وحجة حتى إنتهى إلى إلى عشر وعشر ومثلها ومثلها حتى انتهى إلى سبعين
(1) .
مع أنه قد ورد في عتق الرقاب عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعتق مسلما أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار (2) .
وعن أبي عبد الله عليه السلام إن أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من كد يده (3) . وغير ذلك من الروايات التي يبعث عرضها على أطالة لا موجب لها .

( في بيان امر دقيق آخر )

ونحن ننههي هذا الموضوع بذكر أمر دقيق لا بد من معرفته وهو أنه قد ورد في الآية الشريفة قوله :«لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» (4) .
وفي الحديث عن الحسين بن علي والصادق صلوات الله عليهما إنهما كانا يتصدقان بالسُكّر ويقولان إنه أحب الأشياء إلينا وقد قال الله تعالى «لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون» (5) .
وفي حديث عن أبي الطفيل قال : إشترى علي عليه السلام ثوبا فأعجبه فتصدّق به وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة ومن أحب شيئا فجعله لله قال الله تعالى يوم القيامة قد كان العبـاد يكافئـون فيمـا بينهـم بالمعروف وأنـا أكافيـك اليـوم بالجنـة) (6) .
وروي أن أبا طلحة وهو من الأصحاب قسم حائطا ـ بستانا ـ له في أقاربه عند نزول هذه الآية وكان أحب أمواله إليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( بخ بخ ذلك مال رابح لك) (7) .
واستضاف أبو ذر الغفاري ضيفا فقال للضيف إني مشغول وإن لي إبلا فاخرج وأتني بخيرها فذهب فجاء بناقة مهزولة فقال له أبو ذر خنتني بهذه فقال وجدت خير الإبل فحلها فذكرت يوم حاجتكم إليه فقال أبو ذر إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي مع أن الله يقول « لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون » . وقال أبو ذر في المال ثلاثة شركاء : القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها من هلك والوارث ينتظرك أن تضع رأسك ثم يستاقها وأنت ذميم وأنت الثالث فإن استعطعت أن لا تكون

(1) وسائل الشيعة ، المجلد 6 ، الباب 2 من أبواب الصدقة ، ح 1 ص 260 .
(2) و (3) وسائل الشيعة، المجلد 16 ، الباب 1 من أبواب استحباب اخبار عتق العبد ح 7 و 6 ص 4 .
(4) آل عمران ، آية : 92 .
(5) و (6) مجمع البيان ، المجلد الثاني ، ص 472 ، طباعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
(7) تفسير الصافي ، المجلد الأول ، ص 329 طباعة الأعلمي ـ بيروت .
الاربعون حديثاً 443

أعجز الثلاثة فلا تكن إن الله يقول « لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون » (وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي)
(1) .

في بيان سر من اسرار الصدقة

لا بد وأن نعرف بأن الإنسان قد نشأ وتربى على حب المال والجاه والزخارف الدنيوية وقد انعكس هذا التعلق على قلبه ، فتعمق فيه وأضحى مصدرا لكثير من المفاسد الخلقية والسلوكية ، بل الانحرافات الدينية . كما ورد في أحاديث كثيرة وأشرنا إلى ذلك في غضون شرحنا لبعض الأحاديث . وعليه إذا استطاع الإنسان بواسطة الصدقات أوالإيثار على النفس أن يستأصل من قلبه هذا التعلق أو يخفف منه ، لتمكن من اجتثاث مادة الفساد ومصدر الأعمال المشينة فترة حياته وفتح أبواب المعارف الإلهية ، وعالم الغيب والملكوت ، والملكات الفاضلة ، على نفسه . وهذا من الأمور الهامة في الإنفاق المالي الواجب والمستحب وخاصة في الإنفاق المستحب حيث لا بد من الاقلاع عن التعلق بالدنيا حتى يتم البذل . وهو واضح .
إذن يتبين من كافة الأخبار والأحاديث في هذا الموضوع أن الصدقة تشتمل على الفضائل الدنيوية والأخروية حيث ترافق الإنسان من اللحظة الأولى من التصدق فتدفع الشر والبلاء عن الإنسان حتى يوم القيامة ومواقفها إلى أن تُدخل الإنسان إلى الجنة وتُسكنه جوار الحق سبحانه .

تتمة

لا بد وأن نعرف بأن صدقة السر أفضل من الصدقة في العلن ، كما ورد في الكافي الشريف بسنده إلى عمار الساباطي عن الإمام الصادق عليه السلام قال «يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله العبادة في السر أفضل منها في العلانية» .
وقد ورد في أحاديث كثيرة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : صدقة السر تطفيء غضب الرب تبارك وتعالى (2) .
وفي الحديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ـ إلى أن قال ـ ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لم تعلم يمينه ما تنفق شماله) (3) .
ولعل نكتة أفضلية صدقة السر تكمن أولا في أن عبادة السر أبعد من الرياء ، وأقرب إلى

(1) مجمع البيان ، المجلد الثاني ، ص 474 ، طباعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
(2) فروع الكافي ، المجلد 4 ، ص 8 .
(3) وسائل الشيعة ، المجلد 6 ، الباب 13 من أبواب الصدقة ، ح 11 .
الاربعون حديثاً 444

الاخلاص ، وثانيا أن صدقة السر تحافظ على كرامة الفقراء .
وأيضا أن الصدقة على الأرحام والأقرباء أفضل من التصدق على غيرهم ، لأن عنوان صلة الرحم الذي هو من أفضل العبادات ينطبق على مثل هذه الصدقة . ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الصدقة أفضل ؟ قال على ذي الرحم الكاشح (1) وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة وعشرين) (2) وفي بعض الروايات عن محمد بن علي بن الحسين قال : قال عليه السلام : لا صدقة وذو رحم محتاج (3) .
ختام

إعلم أنه يظهر من قوله عليه السلام في هذا الحديث الشريف (وأما الصدقة فجهدك حتى تقول قد أسرفت ولم تسرف) أن المطلوب في الصدقة الإكثار فيها وأنه لا يتحقق الإسراف مهما أكثر الإنسان من التصدق . وفي الحديث (قال سألت أبا عبد الله عليه السلام (إلى أن قال) فقال إن الحسن بن علي عليه السلام قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلا ونعلا وثوبا وثوبا ودينارا ودينارا)(4) .
وفي حديث آخر عن ابن أبي نصر ، قال قرأت في كتاب أبي الحسن عليه السلام إلى أبي جعفر يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير وإنما ذلك من بخل بهم لئلا ينال منك أحدا خيرا ، وأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من الباب الكبير فإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد شيئا إلا أعطيته ومن سألك من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين دينارا والكثير إليك ومن سألك من عماتك فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين دينارا والكثير إليك إني إنما أريد بذلك أن يرفعك الله فأنفق ولا تخشى من ذي العرش إقتارا (5) .
ولا تتهافت هذه الروايات المذكورة مع الأحاديث التالية التي تقول (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل « وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين »فقال ان فلان بن فلان الأنصاري سمّاه وكان له حرث فكان إذ حل يتصدق به فيبقى هو وعياله بغير شيء فجعل الله عـز وجـل ذلـك سرفـا) (6) .
وعن أبي عبد الله عليه السلام ـ إلى أن يقول ـ فيكون من الثلاثة الذين يُرد دعاؤهم قلت من

(1) و (2) فروع الكافي ، المجلد 4 ، ص 10 .
(3) وسائل الشيعة ، المجلد 6 ، الباب 20 من أبواب الصدقة ، ح 4 ص 286 .
(4) وسائل الشيعة ، المجلد 6 ، الباب 52 من أبواب الصدقة ، ح 1 ص 336 .
(5) وسائل الشيعة ، المجلد 6 ، الباب 43 من أبواب الصدقة ، ح 1 ، ص 324 .
(6) وسائل الشيعة ، المجلد 6 ، الباب 42 من أبواب الصدقة ، ح 3 و 1 و 4 ص 322 .
الاربعون حديثاً 445

هم ؟ قال : أحدهم رجل كان له مال فأنفقه في وجهه ثم قال يا رب أرزقني فيقال له ألم أجعل لك سبيلا إلى طلب الرزق)
(1) .
وعن أبي عبد الله عليه السلام (قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الصدقة صدقة تكون عن فضل الكف)(2). وجه عدم التهافت هو أن الإكثار في التصدق قد لا يبلغ مرحلة التضييق على الأهل والعيال . إذ ربما أشخاص يتصدقون بنصف أموالهم أو أكثر مع المحافظة على كفاف أهلهم ، وعدم دفعهم نحو الضيق والعسر .


فصل
في فضيلة صلاة الليل

أبدى هذا الحديث الشريف ، اهتماما بالغا تجاه صلاة الليل وصلاة الظهر (وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل ، وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال وعليك بصلاة الزوال) أما بالنسبة إلى صلاة الليل فقد تولينا الحديث عنها لدى شرحنا لبعض الأحاديث المتقدمة . وهنا نكتفي في ذكر الروايات الشريفة المأثورة في فضيلة صلاة الليل .
في الوسائل عن كتاب الكافي بسنده إلى أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال : شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعز المؤمن كفه عن أعراض الناس (3) .
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجبرائيل عظني فقال يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه واعلم أن شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه كفه عن أعراض الناس (4) .
وعن جعفر بن محمد قال : المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، وثمان ركعات من آخر الليل ، والوتر زينة الآخرة وقد يجمعها الله لأقوام (5) .
وعن محمد بن محمد المفيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينه ليُرضي ربه بصلاة ليله باهى الله به الملائكة وقال أما ترون عبدي هذا قد قام من لذيذ مضعجه لصلاة لم أفرضها عليه إشهدوا أني قد غفرت له (6) .
والأحاديث المأثورة في فضل صلاة الليل كثيرة فلا مجال لعرضها في هذا المختصر .

(1) و (2) وسائل الشيعة ، المجلد 6 ، الباب 42 من أبواب الصدقة ، ح 3 و 1 و 4 ص 322 .
(3) و (4) وسائل الشيعة ، المجلد 5 ، الباب 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ح2 و 3 ، ص 268 .
(5) و (6) وسائل الشيعة ، المجلد 5 ، الباب 39 من أبواب بقية الصلوات المندوبة ، ح 34 و 35 ، ص 276 ـ 277 .
الاربعون حديثاً 446

في بيان الصلاة الوسطى

وأما المقصود من صلاة الزوال في وصيته صلوات الله وسلامه عليه (وعليك بصلاة الزوال) فهو نوافل صلاة الظهر ، كما صرّحت بها الأحاديث . وهذا القدر من الاهتمام إما لأجل أن في هذه النوافل خصوصية معينة ، وإما لأجل أنها من توابع الصلاة الوسطى ، ومتمماتها ومن بواعث قبولها .
ويمكن أن يكون المقصود من صلاة الزوال صلاة الظهر نفسها التي تُدعى أيضا بالصلاة الوسطى ، من جهة وقوعها في وسط الصلوات اليومية ، وقد أمر الحق المتعالي بالمحافظة على إقامتها قائلا :«حافظوا على الصلوات والصلوة الوُسطى وقوموالله قانتين» (1) .
ويؤيد هذا الاحتمال أولا : أنه المشهور بين الفقهاء. ـ رضوان الله عليهم ـ وثانيا أنه الأظهر من الروايات حيث تحظى بخصائص زائدة على الصلوات الأخرى . وثالثا أنها الصلاة الأولى التي أنزلها الحق سبحانه بواسطة جبرائيل على آدم أبي البشر على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام .
والظاهر أن اهتمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يوصي قائلا : (عليك بصلاة الزوال) لأجل المحافظة على شروطها وحدودها ونوافلها وأوقاتها ، وليس لأجل التأكيد على صلاة الظهر ويستفاد ذلك من الأمر بالمحافظة على الصلوات وخاصة صلاة الظهر أيضا . وقد وردت أحاديث كثيرة مأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ، تأمرنا بالمحافظة على أوقات الصلوات ، والإتيان بها في وقت فضيلتها ، بل قد يسبب تأخير الصلاة عن وقت الفضيلة من دون مبرر من التهاون في الصلاة . وخاصة إذا استمر على مثل هذا التهاون ، وتكرر على مدى الأيام اللاحقة .
ومن الواضح جدا أن من يعتني بشيء ، أنجزه في أسرع وقت وفي أفضل صورة . وعلى العكس ما إذا لم يحفل به ورآه أمرا هيّنا ، لتهاون فيه وتماهل ، ونعوذ بالله من أن ينتهي أمر الإنسان إلى الاستخفاف بالصلاة ، والتهاون بها .
عن أبي جعفر عليه السلام قال بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يُصلي فلم يُتم ركوعه ولا سجوده فقال عليه السلام نقر كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني (2) بل قد يفضي الأمر بالإنسان من جراء الاستخفاف

(1) سورة البقرة ، آية : 238 .
(2) وسائل الشيعة ، المجلد 3 ، الباب 8 من أبواب أعداد الفرائض وأوقاتها ، ح 2 ص 21 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي